البعض من الناس إذا ذكر بالموت قال : يا أخي لا تنغص علينا حياتنا لا تكدر علينا صفونا دعنا فيما نحن فيه
دعنا نلهو دعنا نسعد دعنا نفرح لا تضيق علينا حياتنا ولا تنغص علينا حياتنا
هؤلاء الذين يموتون على هذه الحال أخبر الله عنهم أن الملائكة تضربهم على أدبارهم وعلى وجوههم
((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ ))
باسطوا أيديهم بالضرب على الوجوه وعلى الأدبار كما قال تعالى في سورة الأنفال:
((وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ{50} ذَلِكَ )) أي الضرب ((بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ{51} ))
((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ))
لأن نفس الكافر الفاجر لا تخرج بيسر وإنما تخرج بعسر حتى يأتي الملك فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول
أي كما تنتزع الحديدة من الصوف المبلول
أما المؤمن فإن نفسه تخرج كما تخرج القطرة من في السقاء
ولذا قال تعالى مقسما بالملائكة :
((وَالنَّازِعَات ِ غَرْقاً{1} "))"
أي الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة
((وَالنَّاشِطَات ِ نَشْطاً{2} ))
وهي الملائكة التي تأخذ أرواح المؤمنين بيسر وسهولة .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند والسنن :
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت ))
لو لم يأت في الشريعة إلا هذا الحديث وقوله جل وعلا : (({كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )) لكفى
ولذا لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن ابن ماجه : (( من أكيس الناس ؟
قالعليه الصلاة والسلام : (( أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا ))
يأتي ر جل إلى علي بن أبي طالب :
كما يروى عنه ومعه آخر فقال : يا أمير المؤمنين إني قد اشتريت من هذا الرجل أرضا فاكتب لي عقد الشراء
فرأى رضي الله عنه أن الدنيا قد تمكنت في قلب هذا الرجل فأراد أن يوعظه وأن يذكره :
فقال :اشترى ميت من ميت دارا في بلد المذنبين وسكة الغافلين لها أربعة حدود :
الحد الرابع :جنة أو نار كما يريد الواحد القهار
أين الملوك التي كانت مسلطنة
حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
وديارنا لخراب الموت نبنيها
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات ))
فالواجب علينا أن نتذكر هذا الأمر العظيم
لما أتت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها تشكو إليها قسوة قلبها فقالت رضي الله عنها : " أكثري من ذكر الموت "
فلما ذهبت عادت إليها بعد مدة فشكرت أم المؤمنين لأنها أرشدتها إلى أمر يوعظ القلب يزكي القلب وهو الموت
النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح مسلم لما مر بقبر أمه استأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له لأنها ماتت على الشرك ثم استأذنه أن يزورها فأذن له
فلما زارها بكى عليه الصلاة والسلام وأبكى من حوله
ثم قال عليه الصلاة والسلام : (( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ))
أن نتذكر هذا الأمر العظيم
وأن نتوب إلى الله جل وعلا
قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي : (( إن الله جل وعلا خلق بابا من جهة المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين سنة خلقه الله للتوبة يوم خلق السموات والأرض لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ))
فعليك أن تتوب إلى الله جل وعلا :
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَيَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110
((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) النور31
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
لما ذكر الله الأنبياء وذكر سماتهم وصفاتهم العظيمة ذكر انه يأتي من بعدهم خلف أي طوائف فاسدة فقال جل وعلا في صفات هؤلاء ثم عرض جل وعلا بالتوبة لهؤلاء :
((فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً{60} جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً{61} لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً{62} تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً{63})) بل إذا تاب العبد ورجع إلى الله فإن ذنوبه تحول إلى حسنات
((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ))
يبدل الله جل وعلا تلك السيئات وتلك الخطيئات إلى حسنات ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70}))
أسأل الله جل وعلا أن يغفر ذنوبنا كلها.
______________________________ ____