" تحذير الشرع والسلف من الشهرة "
ذير الشرع والسلف من الشهرة "
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
( أما بعد : فيا عباد الله )
موضوعنا في هذا اليوم موضوع هام جداً ، هذا الموضوع موضوع أتحدث فيه عما تحدث عنه السلف مما تحدثوا به على ضوء ما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا الموضوع الهام – وقد انتشر هذا الأمر في هذا الزمن أكثر من ذي قبل – بل لا يقارن هذا الأمر في هذا الزمن بما وقع في عصر السلف رحمهم الله هذا الموضوع الهام هو " حرص الناس على الشهرة " معنى الشهرة في كتب أهل اللغة" الظهور والبيان " ولذلك سمي الشهر بهذا الاسم لأنه يهلُّ وينتشر ويتضح للناس . الشهرة هي بمثابة السبع الذي يفترس الإنسان إذا لم يتفطن لها ، كيف ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وعند الترمذي من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه :
( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِالْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ )
الشرف : هو الظهور والبروز والوضوح للناس ، ومن بين ذلك الشهرة ، تصوَّر أن هناك قطيعا من الغنم ، وإذا بذئبين جائعين ، هذان الذئبان الجائعان ماذا سيفسدان في هذه الغنم الضعيفة ؟ ليست بقراً , ستفسد إفساداً كبيرا ، الحرص على الشهرة والشرف أشد فتَّكاً لدين المسلم من فتك هاذين الذئبين الموصوفين بأنهما جائعان . " الشهرة حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اللباس "
قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أبي داود : ( مَنْ لبس ثياب شهرة ألبسه الله ثياب مذلة تلتهب عليه نارا )
هذا في لباس، فكيف بفعل ؟ فكيف بقول ؟ فكيف بما يخالف شرع الله ؟ استجلبت – وللأسف – والقرائن واضحة استجلبت الشهرة من قِبل بعض الناس عن طريق ما يخالف شرع الله ، كما يقال [ خالف تُعرف ] كما فعل ذلك الرجل من خثعم ، ذكرت كتب الأدب : ( سافر رجل من خثعم ومعه امرأته ، وإذا برجل يقال له سليك التقى بهما فقال سأقتلك ، قال سأفتدي ، قال تفتدي مني بأن تدع زوجتك لي ، فأخذها ، فقالت تلك المرأة – ربما سعدت مع هذا الرجل الذي هو سليك – قالت له : احذر خثعم ، فرجع هذا الرجل من خثعم ، وقد أعطاه الأمان على ألا يلحق به وألا يلحق به أحدٌ من أهل خثعم ، لكن لما درى بعض أهل خثعم ، قال سـأتبعه ، فأتبعه فلما التقى بسليك قتله ، قال : إني وقتلي سُليكا ثم أعقلَه
كالثور يُضرب لما عافت البقر
فقال سيد خثعم أعطيناه الأمان فأعطه الدية ، قال لا ، قال لم ؟ قال حتى أشتهر ، شهرة ماذا ؟ شهرة الثور إذا كانت هناك بقر تعاف شرب الماء ، يضربون الثور حتى تشرب البقر رغم أنفها ، قال حتى أشتهر كشهرة هذا الثور مع البقر : إني وقتلي سُليكا ثم أعقلَه
كالثور يُضرب لما عافت البقر
وكما في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة النجم ، فسجد من معه إلا رجلين ) قال ( أرادا الشهرة ) خالف تعرف ، لا أحد يقول هؤلاء مشركون ، في ظاهر الأمر هؤلاء مسلمون ، فهذا الحديث يختلف عن حديث ابن مسعود في الصحيحين : ( لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسجد معه المشركون إلا رجلا واحدا أخذ حصى وسجد به على كفه وقال يكفيني هذا ، فقتل بعد ذلك كافرا ، وأتى الصحابة رضي الله عنهم من الحبشة يظنون أن الكفار قد أسلموا )
هذه واقعة لأبي هريرة رضي الله عنها في المدينة ، قال:
سبحان الله ، حتى ولو فيما يخالف الدين . [ قلة الشهرة ، بل عدم معرفة الناس بالإنسان لا يحط من قدره ]
فلا يغتر أحد بأنه مشهور أو بأنه معروف فهذه لها ضرائبها ، النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( ربَّ أشعث ) أي الرأس ، لم يسرح شعره لقلة ما في يده ، أو لانشغاله بالعبادة ( أغبر ) مغبرة قدماه ( لو أقسم على الله لأبره ) لو قال يا الله حلفت عليك أن تفعل كذا أبرَّ الله قسمه ، من حسن ظنه بربه جل وعلا . النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه – وذلك الحديث نفع سعدا في زمن الفتة ، لما قالوا له شارك في الفتن ، قال لا ، إن صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )
مختفي . النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري :
( كان جالسا ومرَّ رجل ، فقال صلى الله عليه وسلم ما رأيكم بهذا الرجل ؟
قالوا : هذا من أشراف المسلمين ، هذا حري إن خطب أن ينكح ، وإن قال أن يسمع له ، وإن شفع أن يشفَّع ، فسكت صلى الله عليه وسلم ، فلما مرَّ رجل آخر ، قال : وهذا ؟ قالوا :هذا حري إن خطب ألا ينكح – يعني ألا يزوج – وإن شفع لا يشفَّع ، فقال صلى الله عليه وسلم :هذا خير من ملئ الأرض من مثل هذا ) هذا هو المعيار ، بل هو صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، جعل الناس صنفين ، صنف مقبل على الدنيا ولو على حساب دينه ، وصنف - لا - في حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أَعْطَى رَضِيَ وَإِنْ مَنَعَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ )
هذا صنف ، والصنف الثاني :
( فَطُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ كَانَت السَِّاقَةُ ) يعني في مؤخرة الجيش ( كَانَ فِي السِّاقَةِ ، وَإِنْ كَانَت الْحِرَاسَةُ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ ) قام بها على أكمل الوجوه ، ولا ينزجر حتى لو كان في الحراسة ( أَشْعَثُ رَأْسُهُ مُغْبَرَةٌّ قَدَمَاهُ ،إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشْفَعْ ، لو أقسم على الله لأبره ) فهذا معيار واضح منه صلى الله عليه وسلم ، وتقسيم بيِّن لحال الناس .
ولذلك أويس القرني رحمه الله – من قرن – كما عند مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم :
( خير التابعين رجل يقال له أويس من رآه منكم فليأمره أن يستغفر له )
" فكان عمر رضي الله عنه كلما أتت وفود اليمن يسأل أفيكم أويس ؟
فأتى ذلك الوفد وإذا به فيه أويس ، فقال عمر لأويس استغفر لي ، فقال عمر إلى أين أنت ذاهب ؟ قال إلى الكوفة ، قال آمر عاملي هناك بالاعتناء بك ؟ قال :لا ، أريد أن أكون في غبراء الناس ) يعني فقراء وصعاليك الناس . فلما عرف الناس فضل أويس عن طريق عمر رضي الله عنه ، هام على وجهه ، فذهب حتى يختفي فلا يشعر به أحد " والواحد منا في هذا العصر يريد أن يكون هو البارز الواضح ، نسأل الله السلامة والعافية . اسمع إلى كلام السلف ، في الزهد يبين الحسن البصري رحمه الله الحرص الشديد من السلف على الخوف من الشهرة ، قال الحسن كما في " الزهد لابن المبارك " قال: ( لقد صحبت أقواماً إن كان أحدهم لتعرض الحكمة على لسانه فلا ينطق بها ، وسينتفع بها وينفع بها غيره فما ينطق بها مخافة الشهرة )
اسمع إلى كلام أيوب يوجه من حرص على الشهرة قال أيوب كما في مسند علي بن الجعد :
( ما صدق اللهَ عبدٌ قطُّ أحب الشهرة )
وثبت عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله كما في الزهد للإمام أحمد رحمه الله ، قال :
( ما صدق اللهَ عبدٌ قطُّ أحب الشهرة )
الدارمي رحمه الله في سننه بوَّب قال [ باب من كره الشهرة والمعرفة ] ثم ذكر هذه الآثار حال إبراهيم بن أدهم مع الشهرة ، يقول الأعمش – كما ذكر الدارمي – قال : ( جاهدنا بإبراهيم أن نجعل له مكاناً إلى سارية ليعلم الناس فأبى وكان لا يتكلم بالحديث حتى يُسأل )
بعضهم ما كان يريد تعليم الناس إذا كان الناس حوله ، لأن الإنسان ينقذ نفسه قبل أن ينقذ غيره ، فإذا علم من نفسه – وكلٌ يعلم من نفسه – إذا علم من نفسه أنه سيغتر أو أنه لن يغتر ولكن هناك من يقوم بتعليم الناس دونه فإنه ينفر ، هذا هو حالهم ، وإلا فإن الناس إذا احتاجوا وكثر الجهل فعليه أن يحرص على تثقيف وتعليم الناس، لكن لو أن الناس في جهل وخاف على نفسه – لا -فأجمل بعاقل يحرص على نفسه قبل أن يحرص على غيره " ذكر الدارمي رحمه الله عن الحارث بن قيس الجعفي ، وكان من أصحاب عبد الله ، وكانوا معجبين به فقالوا : ( كان إذا جلس إليه الرجل والرجلان تحدث معهما ، فإذا كثروا قام وتركهم )
وقيل لعلقمة رحمه الله حينما مات عبد الله بن مسعود :
( لو قمت مقامه فعلمت الناس ؟ فقال : أتريد أن توطأ عقبي ؟ )
ولذلك قال إبراهيم بن أدهم :
( كانوا يكرهون أن توطأ أعقابهم )
ما معنى هذا ؟ يكره أن يكون هناك أناس من خلفهم ، بعض الناس الآن حتى في المجمعات الدينية يأتي كأنه في موكب ، موكب استقبال ، موكب توديع ، هذا علم . وذكر الدارمي رحمه الله عن سليمان بن حنظلة ، قال:
( أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه ، فلما قام قمنا ، وبينما نحن نمشي إذا بعمر يعلو أبيَّا بالدرة ، فإذا بأبي رضي الله عنه يتقيها بذراعين ، فقال ماذا تصنع يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوما ترى هؤلاء ؟ فتنة للمتبوع ، مذلة للتابع )
المتبوع : يفتتن في دينه ، والتابع أذل نفسه .
يتبع...