" فوائد وأحاديث وأحكام عن الضب "
" فوائد وأحاديث وأحكام عن الضب "
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
( أما بعد : فيا عباد الله )
لقرب خروج فصل الشتاء وقرب صيد ما يسمى بـ ( الضب ) هذا الضب من حيث بيان حكم الشرع فيه وما له من المحاسن وما عليه من المساوئ ، كان من المناسب شرعاً أن يُبين ما هو حال هذا الحيوان . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
هذا الضب ما حكم أكله ؟ هل هو محرم ؟ قد قال به طائفة من أهل العلم ، ولكنه قول ضعيف . هل يكره أكله مطلقا ؟ قد قال بهذا طائفة من أهل العلم . ولكن الصواب / أنه يكره في حق من لا ترغبه نفسه ومن يتقذر منه ، أما من لا يتقذر منه وترغب نفسه إليه فإنه حلال ولا بأس به ، هذا حكم فأين الأدلة ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنها : ( لا آكله ولا أحرمه )
يعني بين بين . النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود والنسائي : ( أخذ عُودا وأمامه ضب فعدَّ أصابعه ، فقال صلى الله عليه وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت في الأرض دواب ، وإني لا أدري ما هي ، فلم يأكل ولم ينه )
يعني لم ينه عن أكله ، صلى الله عليه وسلم . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين قال : ( دخلت على خالتي ميمونة ) زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ( إذ قُرِّب إليه خَوان ) شيء يوضع عليه الطعام ( وعليه لحم ، فلما أراد أن يأكل قالت إنه لحم ضب يا رسول الله ، فكفَّ يده صلى الله عليه وسلم ثم قال لم يكن بأرض قومي ) عند مسلم : ( قال لهم : كلوا ، فأكل خالدٌ والفضل والمرأة ، قال كلوا وأطعموا فإنه حلال - أو قال - إنه ليس به بأس لكنه ليس بطعامي )
لو قال قائل : جاء في حديث عبد الرحمن بن شبل كما عند أبي داود : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب )
المقصود من النهي هنا : نهي التنزيه والكراهة لمن لا يرغب فيه ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرغب في أكله . ومما يدل على ذلك ما جاء في المسند وقال عنه ابن حجر رحمه الله في الفتح " إسناده صحيح " قال عبد الرحمن بن حسنة : ( نزلنا بأرض كثيرة الضباب فطبخوا منها وأكلوا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وأخشى أن تكون هذه فأكفئوها ) يعني القدور ( فقالوا يا رسول الله الناس قد اشتووها وأكلوها ، فلم يأكل ولم ينه ) فدل على أن النهي ليس للتحريم وإنما للكراهة لمن يتقذر ذلك . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وأخشى أن تكون هذه )
وفي الحديث الآخر :( وإني لا أدري ما هي ) فإنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بهذه ، ثم على افتراض هذا فإنه صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الضب ما قاله من الشك أنه مسخ مما مسخت به دواب من بني إسرائيل إنما قال ذلك قبل أن يعلمه الله جل وعلا أنه لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا ، فإنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ، لما ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير ، قال : ( إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا ، وكانت القردة والخنازير قبل ذلك )
فدل هذا على أن ما يوجد الآن من قردة ومن خنازير فإنها ليست نسلا مما مسخ من بني إسرائيل وجاء عند الطحاوي من حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه ضب فلم يأكله عليه الصلاة والسلام ، فقام سائل على بيته ، فقامت رضي الله عنها فأعطته الضب ، فقال صلى الله عليه وسلم أتعطينه ما لا تأكلين ؟ )
وهذا مثل النهي بالتصدق بالتمر الرديء يجوز التصدق به ، ولكن من الأفضل ألا يفعل ذلك ، لكن لو تصدق بالتمر الرديء فلا إشكال في ذلك ، لو تصدق بالضب من يكرهه أيضا فلا إشكال في ذلك . فخلاصة الحكم : أن أكل الضب ليس بمحرم وليس بمكروه مطلقا ، وإنما مكروه لمن يتقذر من أكله ومن لا يرغب فيه ، وهذا فحوى حكم ابن حجر رحمه الله وغيره من العلماء كثير .
يتبع...