وجه الجمع بين قوله تعالى(لا إكراه في الدين) وقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
من أوجه الجمع بين قوله تعالى (( لا إكراه في الدين )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) :
الوجه الأول : أن يقال أن الآية منسوخة ، نسختها آية السيف ((فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )).
الوجه الثاني : أن الحديث عام في المشركين ، والآية خاصة بأهل الكتاب ، لا يكرهون على الدخول في الإسلام ، بل يعرض عليهم الدخول في الإسلام ، أو دفع الجزية مع إلزامهم الصغار .
الوجه الثالث : أن معنى الآية : ليس هناك من يمكن إكراه قلبه على الدين ، فالإسلام محله القلب ، ولا يمكن لأحد أن يكره قلب أحد على حب شيء ليس يحبه ، ولا بغض شيء يهواه ، فإنه قد تبين الرشد من الغي ، فمن دخل في الإسلام لن يكون إلا راغبا فيه ، غير مكره عليه.
والوجه الرابع : أن يقال بالتفرقة بين الإكراه على باطل ، فهذا لا يقره الدين ، ولا يجيزه .
وبين الإكراه على حق ، فهذا يجيزه الدين .
ومن الإكراه على الحق الذي يجيزه الدين قتال المشركين بعض عرض الإسلام عليهم ، ومن الإسلام قبول الجزية من أهل الكتاب مع إلزامهم الصغار ، وهذا أقوى الأقوال وأرجحها فيما علمت .
قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (1/ 253).
المسألة الثانية: قوله تعالى: {لا إكراه}:
عموم في نفي إكراه الباطل؛ فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين؛ وهل يقتل الكافر إلا على الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله".
وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} [البقرة: 193].
وبهذا يستدل على ضعف قول من قال: إنها منسوخة.
فإن قيل: فكيف جاز الإكراه بالدين على الحق، والظاهر من حال المكره أنه لا يعتقد ما أظهر؟.
الجواب: أن الله سبحانه بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو الخلق إليه، ويوضح لهم السبيل، ويبصرهم الدليل، ويحتمل الإذاية والهوان في طريق الدعوة والتبيين، حتى قامت حجة الله، واصطفى الله أولياءه، وشرح صدورهم لقبول الحق؛ فالتفت كتيبة الإسلام، وائتلفت قلوب أهل الإيمان، ثم نقله من حال الإذاية إلى العصمة، وعن الهوان إلى العزة، وجعل له أنصارا بالقوة، وأمره بالدعاء بالسيف؛ إذ مضى من المدة ما تقوم به الحجة، وكان من الإنذار ما حصل به الإعذار.
والله تعالى أعلم