حكم الماء إذا خالطته نجاسة
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ؛ منها:
القول الأول: أن الماء لا ينجس مطلقًا وإن تغيَّر لونه وطعمه وريحه، وهو مذهب الظاهرية، واستدلوا بحديث: (الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ) .جزء من حديث صحيح: أخرجه أبو داود 66، والترمذي 66، وقال: هذا حديث حسن، والنسائي 326، وأحمد 11257، من حديث أبي سعيد الخدري، أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتوضَّأ من بئر بُضَاعة، وهي بئر يُطرَح فيها الحَيض ولحم الكلاب والنَّتْن؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الماء طهور لا يُنجِّسه شيء))؛ نقل المزِّي في تهذيب الكمال 19/84، عن الإمام أحمد قولَه: حديث بئر بضاعة صحيح، وزاد الحافظ في التلخيص 1/13، أنه صحَّحه أيضًا يحيى بن معين، وأبو محمد بن حزم، وصححه الألباني في المشكاة 288، والإرواء 14، وكذا محققو المسند 17/359.
القول الثاني: أن الماء لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وهو مذهب المالكية، واستدلوا:
أن عمر بن الخطاب خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضَك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض، لا تُخبِرنا، فإنا نَرِدُ على السِّباع وتَرِدُ علينا. أخرجه مالك في الموطأ 14، وعبدالرزاق في المصنف 250، والدارقطني في السنن 62، والبيهقي في السنن الكبرى 1181، قال ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق 1/75: في إسناده انقطاع.
القول الثالث: أنه إن كان الماء قُلَّتين لا يتنجس، وإلا تنجس، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا بحديث عن عبدالله بن عمر، قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء وما ينوبُه من الدوابِّ والسِّباع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان الماء قُلَّتينِ، لم يحمِلِ الخَبَث). أبو داود 63، كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء، والترمذي 67، كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، والنسائي 52، كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء، وابن ماجه 517، كتاب الطهارة، باب مقدار الماء الذي لا ينجس، وأحمد 4605، والدارمي 759، كتاب الطهارة، باب قدر الماء الذي لا ينجس، وصحَّحه ابن خزيمة، والحاكم، وابن منده، وابن دقيق العيد، انظر: التلخيص الحبير 1/16 - 20، وقال الألباني: حسن صحيح.
.
القول الرابع: فرَّقوا بين قليل الماء وكثيرِه، فقالوا: إذا كان قليلاً تنجَّس، وإذا كان كثيرًا لا يتنجَّس، وهو مذهب الحنفية، واختلفوا فيما بينهم في تحديد القليل والكثير، فمنهم مَن قال: التحديد بالكدرة، ومنهم مَن قال: التحديد بالصبغ، ومنهم مَن قال: التحديد بالسبع في السبع، ومنهم مَن قال: التحديد بالثمانية في الثمانية، ومنهم مَن قال: عشرون في عشرين، ومنهم مَن قال: العشر في العشر، ومنهم مَن قال: خمسة عشر في خمسة عشر، ومنهم مَن قال: اثنا عشر في اثني عشر، ومنهم مَن قال: بالتحريك باليد أو الغسل أو الوضوء، وكلها تحديدات لا دليل عليها.
القول الخامس: فرَّقوا بين بَوْل الآدمي وعَذرته المائعة وغيرها من النجاسات، فقالوا: إذا خالط الماء، تنجَّس إذا كان دون القُلَّتين أو بلغ القُلَّتين، تغير أم لم يتغير.
أما غيره من النجاسات، فجعلوا المعتبر فيه القُلَّتين، فإذا بلغ قُلَّتين ولم يتغير، فطهور، وإن لم يبلغ القلتين، فنجسٌ بمجرد الملاقاة.واعتمَدوا في التفريق بين بَوْل الآدمي وعذرته المائعة وغيرها من النجاسات على قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه) . متفق عليه: البخاري 236، ومسلم 282، من حديث أبي هريرة.
ورُدَّ عليه بأن الحديث لم يتعرَّض للنجاسة لا من قريب ولا من بعيد، ولكن نهى عن البول في الماء، ثم الاغتسال فيه؛ لأنه كيف يغتسل في ماء بال هو فيه، وهذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجلد أحدُكم امرأتَه جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم) . متفق عليه: البخاري 5204، ومسلم 2855، من حديث عبدالله بن زمعة.
فالحديث ليس فيه النهي عن المضاجعة (أي: الجماع)، ولكن النهي عن الجمع بين الضرب والمضاجعة؛ لأنه تناقض.
• والراجح من هذه الأقوال أن الماء قليلاً كان أم كثيرًا، إذا لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة (الطعم - اللون - الرائحة)، فهو على طهوريته، ولم يخرج من كونه ماءً طاهرًا مطهِّرًا، ولا فرقَ بين نجاسة وأخرى، والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري، أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتوضَّأ من بئر بُضَاعة، وهي بئر يُطرَح فيها الحَيض ولحم الكلاب والنَّتْن؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الماء طهور لا يُنجِّسه شيء) .
• وقد نقل الإجماعَ ابنُ المنذر، فقال: (أجمعوا على أن الماء القليلَ أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيَّرت للماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا، أنه نجسٌ ما دام كذلك) . الإجماع 4، والمجموع للنووي 1/110، وقد ورد حديث بلفظ: ((إن الماء لا ينجِّسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه))، روي مسندًا مرفوعًا من حديث أبي أمامة الباهلي وثوبان، ومرسلاً عن راشد بن سعد، وكلها ضعيفة، قال ابن الملقن في البدر المنير 1/399: فتلخَّص أن الاستثناء ضعيف، لا يحل الاحتجاج به؛ لأنه ما بين مرسل وضعيف؛ انظر: السلسلة الضعيفة 2644 للعلامة الألباني، ولشيخنا عاطف بن حسن الفاروقي - حفظه الله - رسالة ماتعة نافعة تحت عنوان: "أحاديث ضعاف، وعليها العمل بغير خلاف"، وذكر هذا الحديث 62 - 79.
• وقال ابن القيم: (إن الذي دلَّت عليه سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثارُ أصحابه أن الماء لا ينجُسُ إلا بالتغير وإن كان يسيرًا، وهذا قول أهل المدينة، وجمهور السلف، وأكثر أهل الحديث، وبه أفتى عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، ومالك بن أنس، وبه قال أهل الظاهر، ونصَّ عليه أحمد في إحدى روايتيه، واختاره جماعة من أصحابنا، منهم: ابن عقيل في مفرداته، وشيخنا أبو العباس ابن تيمية، وشيخه ابن أبي عمر) . إغاثة اللهفان بتصرف 156.
تنبيه : إن القول باعتبار التأثير وتغير اللون أو الطعم أو الرائحة يُرِيح المكلَّف ويريح طالب العلم؛ لأننا لو قلنا بالقُلَّتين فربما يؤدِّي إلى الوسوسة، هل بلغت القلتين أم لم تبلغ؟ فيدخل من الوسوسة على المكلَّف ما لا يعلمه إلا الله، والشريعة شريعة يُسْر وتخفيف وسماحة، واعتبار مذهب القلتين تتفرَّع عليه مسائل دقيقة ومضنية، فالقول ما قال المحققون: إن الأمر مَرَدُّه إلى التأثير، وإن العبرة بالتأثير، فأصبح المكلَّف مَرَدُّه إلى المؤثر الحقيقي، والحمد لله الذي جعل لنا فرجًا ومخرجًا في المسألة.
رد: حكم الماء إذا خالطته نجاسة
المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 10 - 18)
وأما الماء إذا تغير بالنجاسات فإنه ينجس بالاتفاق.
وأما ما لم يتغير ففيه أقوال معروفة.
أحدها: لا ينجس وهو قول أهل المدينة، ورواية المدنيين عن مالك، وكثير من أهل الحديث، وإحدى الروايات عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه ونصرها ابن عقيل في المفردات وابن المني وغيرهماِ.
والثاني: ينجس قليل الماء بقليل النجاسة، وهي رواية البصريين عن مالك.
والثالث: وهو مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى اختارها طائفة من أصحابه الفرق بين القلتين وغيرهما؛ فمالك لا يحد الكثير بالقلتين والشافعي وأحمد يحدان الكثير بالقلتين.
والرابع: الفرق بين البول والعذرة المائعة وغيرها، فالأول ينجس منه ما أمكن نزحه دون ما لم يمكن نزحه، بخلاف الثاني فإنه لا ينجس القلتين فصاعدا، وهذا أشهر الروايات عن أحمد واختيار أكثر أصحابه.
والخامس: أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة سواء كان قليلا أو كثيرا، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، لكن ما لم يصل إليه لا ينجسه، ثم حدوا ما لم يصل إليه بما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، ثم تنازعوا: هل يحد بحركة المتوضئ أو المغتسل؟ وقدر ذلك محمد بن الحسن بمسجده فوجدوه عشرة أذرع في عشرة أذرع. وتنازعوا في الآبار إذا وقعت فيها نجاسة هل يمكن تطهيرها؟ فزعم بشر المريسي أنه لا يمكن، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يمكن تطهيرها بالنزح، ولهم في تقدير الدلاء أقوال معروفة.
والسادس: قول أهل الظاهر الذين ينجسون ما بال فيه البائل دون ما ألقي فيه البول، ولا ينجسون ما سوى ذلك إلا بالتغير.
وأصل هذه المسألة من جهة المعنى: أن اختلاط الخبيث وهو النجاسة بالماء هل يوجب تحريم الجميع، أم يقال: بل قد استحال في الماء فلم يبق له حكم.
فالمنجسون ذهبوا إلى القول الأول، ثم من استثنى الكثير قال: هذا يشق الاحتراز من وقوع النجاسة فيه فجعلوا ذلك موضع استحسان، كما ذهب إلى ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد.وأما أصحاب أبي حنيفة فبنوا الأمر على وصول النجاسة وعدم وصولها وقدروه بالحركة، أو بالمساحة في الطول والعرض دون العمق.
والصواب هو القول الأول، وأنه متى علم أن النجاسة قد استحالت فالماء طاهر سواء كان قليلا أو كثيرا، وكذلك في المائعات كلها، وذلك أن الله تعالى أباح الطيبات وحرم الخبائث، والخبيث متميز عن الطيب بصفاته، فإذا كانت صفات الماء وغيره صفات الطيب دون الخبيث وجب دخوله في الحلال دون الحرام.
وأيضا فقد ثبت من حديث أبي سعيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: «الماء طهور لا ينجسه شيء» . قال أحمد: حديث صحيح، وهو في المسند أيضا عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهذا اللفظ عام في القليل والكثير، وهو عام في جميع النجاسات.
وأما إذا تغير بالنجاسة فإنما حرم استعماله لأن جرم النجاسة باق ففي استعماله استعمالها؛ بخلاف ما إذا استحالت فإن الماء طهور وليس هناك نجاسة قائمة.
ومما يبين ذلك: أنه لو وقع خمر في ماء واستحالت ثم شربها شارب لم يكن شاربا للخمر، ولم يجب عليه حد الخمر؛ إذ لم يبق شيء من طعمها ولونها وريحها، ولو صب لبن امرأة في ماء واستحال حتى لم يبق له أثر وشرب طفل وذلك الماء لم يصر ابنها من الرضاعة بذلك.
وأيضا فإن هذا باق على أوصاف خلقته فيدخل في عموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فإن الكلام إنما هو فيما لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه.فإن قيل: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد «نهى عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه؟» قيل: نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول، إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك، بل قد يكون نهيه سدا للذريعة، أو يقال: إنه مكروه بمجرد الطبع لا لأجل أنه ينجسه.
وأيضا فيدل نهيه عن البول في الماء الدائم أنه يعم القليل والكثير.
فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله فيما فوق القلتين؟ إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن حرمته فقد نقضت دليلك.
وكذلك يقال لمن فرق بين ما يمكن نزحه وما لا يمكن: أتسوغ للحجاج أن يبولوا في المصانع المبنية بطريق مكة؟ إن جوزته خالفت ظاهر النص؛ فإن هذا ماء دائم والحديث لم يفرق بين القليل والكثير إلا نقضت قولك.
وكذلك يقال للمقدر بعشرة أذرع: إذا كان لأهل القرية غدير مستطيل أكثر من عشرة أذرع رقيق: أتسوغ لأهل القرية البول فيه؟ فإن سوغته خالفت ظاهر النص، وإلا نقضت قولك.
فإذا كان النص بل والإجماع دل على أنه نهى عن البول فيما ينجسه البول بل تقدير الماء وغير ذلك مما يشترك فيه القليل والكثير كان هذا الوصف المشترك بين القليل والكثير مستقلا بالنهي، فلم يجز تعليل النهي بالنجاسة، ولا يجوز أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن البول فيه لأن البول ينجسه، فإن هذا خلاف النص والإجماع.
وأما من فرق بين البول فيه وبين صب البول، فقوله ظاهر الفساد؛ فإن صب البول أبلغ من أن ينهى عنه من مجرد البول، إذ الإنسان قد يحتاج إلى أن يبول وأما صب الأبوال في المياه فلا حاجة إليه.فإن قيل: ففي حديث القلتين: «أنه سئل عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب؟ فقال: إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث» وفي لفظ: «لم ينجسه شيء» .
قيل: حديث القلتين فيه كلام قد بسط في غير هذا الموضع، وبين أنه من كلام ابن عمر لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
فإذا صح فمنطوقه موافق لغيره، وهو أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
وأما مفهومه إذا قلنا بدلالة مفهوم العدد فإنما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه مخالف للحكم في المنطوق بوجه من الوجوه لتظهر فائدة التخصيص بالقدر المعين، ولا يشترط أن يكون الحكم في كل صورة من صور المسكوت عنه مناقضة للحكم في كل صورة من صور المنطوق، وهذا مفهوم قولهم: المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن يكون كل ما لم يبلغ القلتين ينجس؛ بل إذا قيل بالمخالفة في بعض الصور حصل المقصود؛ والمقدار الكثير لا يغيره ورود ما ورد عليه في العادة؛ بخلاف القليل فإنه قد يغيره، وذلك إذا سأل عنه فإنه لا يحمل النجاسة في العادة فلا ينجسه، وما دونه فقد يحمل وقد لا يحمل، فإن حملها تنجس وإلا فلا، وحمل النجاسة هو كونها محمولة فيه.
ويحقق ذلك أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذا التقدير ابتداء وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب.
والتخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة
__________
(1) هذه نهاية المطبوع في المجموع، ويبتدي ما لم يطبع من قوله: فإذا صح منطوقه إلى آخر الفتوى، وهو تكميل لبيان الأحكام التي في صدر هذه الفتوى.
وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [283/2] فذكر الرهن في هذه الصورة للحاجة لا للكثرة مع أنه قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة، فهذا رهن في الحضر، فكذلك قوله: «إذا بلغ الماء قلتين» في جواب سؤال معين هو بيان لما احتاج السائل إلى بيانه، فلما كان ذلك المسئول عنه كثيرا قد بلغ قلتين ومن شأن الكثير أن لا يحمل الخبث فلا يبقى الخبث فيه محمولا بل يستحيل فيه الخبث لكثرته بين لهم أن ما سألتم عنه لا خبث فيه فلا ينجس.
ودل كلامه على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولا، فحيث كان الخبث محمولا موجودا في الماء كان نجسا، وحيث كان الخبث مستهلكا فيه غير محمول في الماء كان باقيا على طهارته.
والمنازع يقول: المؤثر في التنجيس في القليل ولو مطلقا هو نفس الملاقاة وهي موجودة لحمل الخبث كان القليل والكثير سواء في ذلك. وكونه لا يحمل الخبث ليس هو لعجزه عنه كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لكان القليل أولى أن يحمله، فصار حديث القلتين موافقا لقوله «الماء طهور لا ينجسه شيء» .
والتقدير فيه لبيان أنه في صورة السؤال لم ينجس؛ لا أنه أراد أن كل ما لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث؛ فإن هذا مخالفة للحس؛ إذ ما دون القلتين قد يحمل الخبث وقد لا يحمله، فإن كان الخبث كثيرا وكان الماء يسيرا يحمل الخبث، وإن كان الخبث يسيرا والماء كثيرا لم يحمل الخبث؛ بخلاف القلتين فإنه لا يحمل في العادة الخبث الذي سألوه عنه.ونكتة الجواب: أن كونه يحمل الخبث أو لا يحمله أمر حسي يعرف بالعكس، فإذا كان الخبث موجودا فيه كان محمولا، وإن كان مستهلكا لم يكن محمولا، فإذا علم كثرة الماء وضعف الملاقي علم أنه لا يحمل الخبث.
والدليل على هذا اتفاقهم على أن الكثير إذا تغير ريحه حمل الخبث، فصار قوله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» و «لم ينجسه شيء» كقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهو إنما أراد إذا لم يتغير في الموضعين، وأما إذا كان قليلا فقد يحمل الخبث لضعفه.
وعلى هذا يخرج أمره بتطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبعا إحداهن بالتراب والأمر بإراقته، فإن قوله «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه» أو «فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» كقوله: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» .
فإذا كان النهي عن غمس اليد في الإناء هو في الإناء المعتاد للغمس وهو الواحد من آنية المياه فكذلك تلك الآنية هي الآنية المعتادة للولوغ وهي آنية الماء، وذلك أن الكلب يلغ بلسانه شيئا بعد شيء، فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه ولعابه ما يبقى وهو لزج فلا يحيله الماء القليل بل يبقى، فيكون ذلك الخبث محمولا في ماء يسير في ذلك الإناء، فيراق ذلك الماء لأجل كون الخبث محمولا فيه لما يروى: «ويغسل الإناء الذي لاقاه ذلك الخبث» .
وهذا بخلاف الخبث المستهلك المستحيل كاستحالة الخمر، فإن الخمر إذا انقلبت في الدن بإذن الله تعالى كانت طاهرة باتفاق العلماء، وكذلك جوانب الدن، فهناك يغسل الإناء وهنا لا يغسل، لأن الاستحالة حصلت في أحد الموضعين دون الآخر.
وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أراد الفصل بين المقدار الذي ينجس بمجرد الملاقاة وبين ما لا ينجس إلا بالتغير لقال: «إذا لم يبلغ قلتين نجس، وما بلغهما لم ينجس إلا بالتغير» أو نحو ذلك من الكلام الذي يدل على ذلك.
فأما مجرد قوله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» مع أن الكثير ينجس بالتغير بالاتفاق فلا يدل على أن هذا هو المقصود، بل يدل على أنه في العادة لا يحمل الأخباث فلا تنجسه، فهو إخبار عن انتفاء سبب التنجيس، وبيان لكون المنجس في نفس الأمر هو حمل الخبث، والله أعلم (1) .
«حديث القلتين» .
وأما علته فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: وقف مجاهد له على ابن عمر، واختلف فيه عليه واختلف فيه على عبيد الله أيضًا رفعًا ووقفًا ورجح شيخا الإسلام أبو الحجاج المزي وأبو العباس ابن تيمية وقفه، ورجع البيهقي في سننه وقفه وجعله هو الصواب.
قال شيخنا أبو العباس: وهذا كله يدل على أن ابن عمر لم يكن يحدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سئل عن ذلك فأجاب بحضرة ابنه فنقل ذلك ابنه عنه (2) .
لا يسوغ الاجتهاد في حل المسكر فكيف الطهارة به قاله شيخنا (3) .
__________
(1) المسائل الماردينيات (17-26) ، وللفهارس العامة (2/ 33) قلت: وفي الفروع (1/ 84، 85) ذكر الخلاف في النجس، وقول الشيخ: وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها.
(2) تهذيب السنن (1/ 62) ، وللفهارس العامة (2/ 44) .
(3) الفروع (1/ 72) ، وللفهارس (2/ 33) .
ويحرم منع المحتاج إلى الطهارة ولو وقفت على طائفة معينة كمدرسة ورباط ولو في ملكه لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج، ولو قدر أن الواقف صرح بالمنع فإنما يسوغ مع الاستغناء.. ولا أجرة في الأصح (1) .
وفي الثياب المشتبهة بنجس أنه يتحرى ويصلي في واحد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، قَلَّت الطاهرة أو كثرة (2) .
ولو أشبهت ميتة بمذكاة وجب الكف عنهما ولم يتحر من غير ضرورة، والحرام باطنا الميتة في أحد الوجهين اختاره الشيخ تقي الدين (3) .
(1) الاختيارات (9) والفروع (1/ 124) ، وللفهارس (2/ 33) .
(2) اختيارات (5) ، وللفهارس العامة (2/ 33) .
(3) الإنصاف (1/ 69) ، وللفهارس العامة (2/ 33) .
رد: حكم الماء إذا خالطته نجاسة
تنبيه : إن القول باعتبار التأثير وتغير اللون أو الطعم أو الرائحة يُرِيح المكلَّف ويريح طالب العلم؛
....
هذا تنبيه حق فى طهارة الماء أخى أبو البراء
فقد قال الإمام الشافعى رحمه الله فى كتابه " الأم " :
( الماء هو ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة للآدميين فيه وكل الماء على الطهارة عند من كان وحيث كان . ماء السماء أو ماء الأنهار أو ماء
العيون أو ماء الآبار أو ماء المحيطات أو ماء الأنهار مسخنا كان الماء أو غير مسخن مشمساً كان أو غير مشمس . وعند من كان مشركا كان أو
مجوسيا نصرانيا كان أو يهوديا . وحيث كان فى أى مكان طالما لم يخالطه ما يغير الطعم أو اللون أو الرائحة .. )
........
رد: حكم الماء إذا خالطته نجاسة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيد شويل
تنبيه : إن القول باعتبار التأثير وتغير اللون أو الطعم أو الرائحة يُرِيح المكلَّف ويريح طالب العلم؛
....
هذا تنبيه حق فى طهارة الماء أخى أبو البراء
فقد قال الإمام الشافعى رحمه الله فى كتابه " الأم " :
( الماء هو ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة للآدميين فيه وكل الماء على الطهارة عند من كان وحيث كان . ماء السماء أو ماء الأنهار أو ماء
العيون أو ماء الآبار أو ماء المحيطات أو ماء الأنهار مسخنا كان الماء أو غير مسخن مشمساً كان أو غير مشمس . وعند من كان مشركا كان أو
مجوسيا نصرانيا كان أو يهوديا . وحيث كان فى أى مكان طالما لم يخالطه ما يغير الطعم أو اللون أو الرائحة .. )
........
جزاكم الله خيرًا