خروج الأعرابي الفصيح عن سنن العرب
خروج الأعرابي الفصيح عن سنن العرب
تمايز مستوى نظم التراكيب في إطار الرتبة
ماذا صنع؟ وصنع ماذا؟
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث مستوى النظم في إطار الرتبة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيب:
يقول العرب : ماذا صنع؟ الأصل - مستوى الكلام المستقيم الحسن .
ويقول الأعرابي :صنع ماذا؟ العدول عن الأصل - المستوى الأقل جمالا.
التركيب الأول من مستوى الكلام المستقيم الحسن ،لأن "ماذا "لها الصدارة في الكلام ،وصدارتها نابعة من حاجتها وتأثيرها في معنى ما بعدها ، فعندما يذكرها المتكلم يبقى المستمع في حالة ترقب لما سيأتي بعدها، فإذا جاء انتهى الكلام وانتهى الترقب .
أما التركيب الثاني فأقل جمالا ، قاله الأعرابي بعد أن سمع المؤذن يقول:أشهد أن محمدا رسولَ الله ، فقال الأعرابي متعجبا:صنع ماذا؟! ، فتعجب من صنيعه ،فخرج بذلك عن سنن العرب في كلامهم ،الذي يعتمد على منزلة المعنى ، فقدم كلمة "صنع" على ماذا" ، وفي هذا التركيب لا يدري السامع هل انتهى الكلام أم لا ، فيبقى في ألم الانتظار، لأن "ماذا " يليها الشيء المسؤول عنه ، ولهذا انخفضت درجة جودة التركيب،إلا أن الكلام مفهوم ،كما أن ما بعد اسم الاستفهام قد يتصل بحسب الأهمية المعنوية بما يليه ؛فيطول الكلام ،انظر إلى قول الحطيئة :
ماذا أقول لأفراخ بذي مرخ//زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألفيت كاسبهم في قعر مظلمة//فارحم عليك سلام الله يا عمر
وعند تأخير اسم الاستفهام نفقد الاتصال المعنوي بين أجزاء التركيب،ولهذا فالتركيب الأول هو الأفصح.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز مستوى نظم التراكيب.