لماذا لا يُصلى في مبارك الإبل ؟
من العلماء مَن قال: إن النهي تعبديٌّ، والحكمة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل ما أتى به النبي - صلى عليه وسلم - من الأحكام فهو حكمة، قال الزركشي: وهو المشهور، ومال إليه ابن عثيمين، ومنهم مَن قال: إن الأمر معلَّل، واختلفوا فيما بينهم في سبب العلة:
• فمنهم مَن قال: النهي عن مبارِك الإبل؛ لأنها يستتر بها للبول والغائط، فلا تكاد تسلم مباركها من النجاسة، وعلى هذا التعليل يجوز الصلاة في مباركها إذا أُمِنَت النجاسة ببسط ثوب أو تيقن الطهارة؛ روي عن يحيى بن يحيى.
• وأجيب أن القول بأن العلة هي النجاسة متوقِّفٌ على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها، ولو كانت العلة هي النجاسةَ لما كان فرَّق بين معاطن الإبل والغنم؛ إذ لا قائلَ بالفرق بين أرواث كل من الجنسين؛ قاله العراقي . عون المعبود 1/204.
• ومنهم مَن قال: إن المنع من ذلك لأن نفارَها جنابة، وأن نفارها ذلك يمنعُ من الصلاة، فعلى هذا أيضًا لا يصلَّى في مبارِكها ما دامت فيها، وإن تيقنت طهارتها يصلى فيها بعد أن تزول .
• ومنهم مَن قال: إن المنع من ذلك لنفورتها وثقل رائحتها، والصلاة قد سُنَّت النظافةُ لها وتطييب المساجد بسببها، وأشبه هذا الوجوب أنه يكره الصلاة في معاطنها .
• ومنهم من قال: إن المنع لأنها (خُلِقت من الشياطين)، كما جاء في حديث البراء بن عازب المتقدِّم ذكرُه في الباب، وهذا التعليل يمنع من الصلاة في مباركها بكل وجهٍ .
وبه علَّل أصحاب مالك والشافعي، وتمسَّكوا بحديث البراء هذا، وقالوا بطهارة أبوال الغنم وأبعارها، وقالوا: لأن مرابض الغنم لا تخلو من ذلك، فدلَّ على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم، فلا تكون نجسة، ويؤيِّده ما رواه البخاري والترمذي عن أنس قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي قبل أن يُبنَى المسجد في مرابض الغنم) . متفق عليه: البخاري 419، ومسلم 524.
ويدلُّ أيضًا حديث أنس في قصة العُرَنِيين على طهارة أبوال الإبل.
قال ابن حجر: (وأما شربهم البول فاحتجَّ به مَن قال بطهارته، وأما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس)، وهذا اختيار ابن تيمية.
قال ابن القيم: (فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية، والشيطان خلق من نار والنار تُطفَأ بالماء) . إعلام الموقعين 1/310.
قال ابن عثيمين: (وهو أقرب ما يقال في الحكمة، ومع ذلك فالحكمة الأصلية هي التعبد لله بذلك) . الشرح الممتع 1/442.
وقال أيضًا: (وسواء كانت هذه هي الحكمة أم لا، فإن الحكمة هي أمرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن إن علِمنا الحكمة فهذا فضل من الله وزيادة علم، وإن لم نعلم فعلينا التسليم والانقياد) . الشرح الممتع 1/194.
وخلاصة القول:
إن الراجح في سبب علة النهي عن الصلاة في مبارك الإبل هي العلة المنصوص عليها في حديث البراء، وهي: ((أنها خُلِقت من شيطان)).
وعليه، فالراجح أن الصلاة في مبارك الإبل لا تجوز، وتحرُمُ، وإن صلى فعليه الإعادة.
قال الإمام أحمد: (لا تصح الصلاة في مبارِك الإبل بحال، قال: ومَن صلى فيها أعاد أبدًا).
وسئل الإمام مالك عمَّن لا يجد إلا أعطان الإبل؟ قال: (لا يصلِّي)، قيل، فإن بسط ثوبًا؟ قال: لا.
قال ابن حزم: (لا تحلُّ في عطن الإبل) . انظر: المسألة في: فتح الباري لابن رجب الحنبلي 3/206 - 207، والإنصاف 1/355، والمنتقى شرح الموطأ 1/430، وعون المعبود 1/204، وتحفة الأحوذي 1/378 - 380، الشرح الممتع 1/440 - 443.