معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربِّه عزَّ وجلَّ: ((وما تردَّدت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته)) (1) :
ما معنى تردُّد الله؟
فأجاب:
هذا حديث شريف، قد رواه البخاريُّ من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث رُوِي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة وقالوا: إنَّ الله لا يوصف بالتَّردُّد، وإنما يتردَّد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إنَّ الله يعامل معاملة المتردِّد.
والتحقيق: أنَّ كلام رسوله حقٌّ وليس أحد أعلم بالله من رسوله ولا أنصح للأمَّة منه ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضلِّ النَّاس وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يُصان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظُّنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة، ولكنَّ المتردِّد منَّا وإن كان تردُّده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإنَّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإنَّ الواحد منَّا يتردَّد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد؛ فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشَّيء الواحد الذي يُحَبُّ من وجه ويُكرَه من وجه، كما قيل:
الشَّيب كره وكره أن أفارقه "" فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصَّالحة التي تكرهها النَّفس هو من هذا الباب، وفي ((الصَّحيح)): ((حُفَّت النَّار بالشَّهوات، وحُفَّت الجنَّة بالمكاره)) (2) ، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ...} (3) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردُّد المذكور في هذا الحديث؛ فإنَّه قال: ((لا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه))؛ فإنَّ العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحقِّ محبّاً له، يتقرَّب إليه أوَّلاً بالفرائض وهو يحبُّها، ثمَّ اجتهد في النَّوافل التي يحبُّها ويحبُّ فاعلها، فأتى بكلِّ ما يقدر عليه من محبوب الحقِّ؛ فأحبَّه الحقُّ لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتِّفاق الإرادة بحيث يحبُّ ما يحبُّه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه، والرَّبُّ يكره أن يسوء عبده ومحبوبه؛ فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محابِّ محبوبه.
والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت؛ فكلُّ ما قضى به فهو يريده ولا بدَّ منه، فالرَّبُّ مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مراداً للحقِّ من وجه مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التَّردُّد، وهو أن يكون الشَّيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لا بدَّ من ترجُّح أحد الجانبين كما ترجَّح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده ، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبُّه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته) (4) .
* * *
____________
(1) رواه البخاري في (الرقاق، باب التواضع، رقم 6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري في (الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، رقم 6487) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((حجبت النار ...))، ومسلم في (الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2823) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)).
(3) البقرة: 216.
(4) ((مجموع الفتاوى)) (18 / 129 - 131).
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
وللدكتور سعد المرصفي رسالة قيمة تحت عنوان" دفاع عن الحديث القدسي:"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب". في ضوء أصول التحديث رواية ودراية، ورد الشبهات ودحض المفتريات" ضمن سلسة قيمة للدفاع عن الحديث النبوي .
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
سبب كل هاته المصائب قياس الخالق على المخلوق
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوقاسم رفيق
سبب كل هاته المصائب قياس الخالق على المخلوق
أحسنت ، أحسن الله إليك .
كيف يقاس الرب الخالق بهذا المخلوق ؛ إن هذا لشيء عجاب .
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
بارك الله فيك أيها الحبيب الغالي .
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
نفعك الله بعلمك شيخنا الحبيب وزادك من فضله
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن الصديق
نفعك الله بعلمك شيخنا الحبيب وزادك من فضله
جزاكم الله خيرا حبيبنا ابن الصديق .
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن
امد الله في عمرك وعلمك ونفع بك وجزاك الله احسن ما عملت
رد: معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفس عبده المؤمن