الإقعاء المتفق على كراهته
عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ([1]).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ([2]). وعُقبة الشيطان هو الإقعاء.
وَالإِقْعاءُ قد فسره علماء اللغة والفقه بأَنْ يُلْصِقَ الرجُلُ ألْيَتَيه بِالْأَرْضِ، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُقْعِي الكلْب([3]).
وهذه الصفة قد اتفق العلماء على كراهتها وعدم جوازها.
قال ابن عبد البر رحمه الله: ((إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَالَ: "الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتِهِ نَاصِبًا فَخْذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ"؛ وَهَذَا إِقْعَاءٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ؛ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ([4])))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: "عُقْبَةُ الشَّيْطَانِ" فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ([5]) وَغَيْرُهُ بِالْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَفْرِشُ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنَ السِّبَاعِ ... وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ([6]).
[1])) أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6957)، وفي ((الأوسط)) (4468)، والحاكم في ((المستدرك)) (1005)، والبيهقي في ((الكبير)) (2739)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6864).
[2])) أخرجه مسلم (498).
[3])) انظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد القاسم بن سلام (1/ 210)، و((النهاية في غريب الحديث)) (4/ 89)، و((المغني)) (1/ 376).
[4])) ((الاستذكار)) (1/ 481).
[5])) هو معمر بن المثنى، شيخ أبي عبيد القاسم بن سلام، وقد نقل كلامه هذا أبو عبيد في كتابه ((غريب الحديث)) (1/ 210).
[6])) ((شرح مسلم)) (4/ 214، 215).
رد: الإقعاء المتفق على كراهته
وهناك صفة أخرى للإقعاء؛ وهي: نصب القدمين ووضع الأليتين على العقبين.
وهذه الصفة قد اختلف فيها أهل العلم؛ فكرهها بعضهم واستحبها بعضهم؛ والصحيح أنها مستحبة وأنَّ فعلها بين السجدتين – أحيانًا - من السُّنَّة؛ ودليل ذلك ما رواه طَاوُسٌ، قال: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ؛ فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([1]).
وفي رواية للبيهقي؛ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَنِ انْتِصَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِذَا صَلَّى: عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَذْكُرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ هَذَا جَفَاءً مِمَّنْ صَنَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّهَا لَسُنَّةٌ([2]).
ففي هذه الرواية توضيح لصفةِ الإقعاء المستحب.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا سَجَدَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ([3]).
قال النووي رحمه الله: ((وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْإِقْعَاءِ وَفِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ؛ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِقَوْلِهِ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([4])))اهـ.
[1])) أخرجه مسلم (536).
[2])) البيهقي في ((الكبرى))، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 802): إسناده جيد.
[3])) أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (8752)، والبيهقي في ((الكبير)) (2735)، وحسن إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 803).
[4])) ((شرح مسلم)) (5/ 19).
رد: الإقعاء المتفق على كراهته
نفع الله بك أبا يوسف .
التفريق بين الصفتين هو الصواب الذي لا معدل عنه ، كما قاله النووي ، كما تفضلت بالنقل .
رد: الإقعاء المتفق على كراهته
وفي تحفة الأحوذي : قُلْت : الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ اِخْتَارَ هَذَا الْجَمْعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ كَابْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ .
فَائِدَةٌ : قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ الِافْتِرَاشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقْعَاءِ الْمَسْنُونِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ بْنِ حَجَرٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ : وَفِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَنْ يُحْمَلَ أَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَسْنُونُ وَغَيْرُهُ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اِنْتَهَى .
قُلْت : لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَقُلْ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ، وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
رد: الإقعاء المتفق على كراهته
نفع الله بكم شيخنا الحبيب أبا مالك