وجوب التسليم على النبي في التشهد الأوسط
ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأوسط من الصلاة؛ واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ([1]).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَالرَّضْفُ: هِيَ "الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ"؛ يَعْنِي لِمَا يُخَفِّفُهُ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُطَوِّلْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا([2])))اهـ.
والصحيح، والذي دلَّت عليه الأدلة أنه لا يقتصر على التشهد فقط في الجلسة الأولى؛ وإنما يأتي بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا؛ ودليل ذلك عموم الأدلة.
فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ([3])».
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ».
فهذه أحاديث عامة؛ تشمل التشهد الأول والثاني؛ ولا مخصص لها؛ وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه، "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ"، فهو حديث ضعيف لا يُحتج به؛ للانقطاع بين أبي عبيدة وبين أبيه عبد الله بن مسعود؛ ثم لو صح فلا حجة فيه أيضًا.
قال الشوكاني رحمه الله:
((وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْأَخِيرِ بِهَا حَدِيثُ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ كَمَا يَجْلِسُ عَلَى الرَّضْفِ»؛ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَشْرُوعِيَّةُ التَّخْفِيفِ؛ وَهُوَ يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ أَخَفَّ مِنْ مُقَابِلِهِ - أَعْنِي التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ - وَأَمَّا إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِه ِ فِيهِ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ التَّشَهُّدَاتِ وَعَلَى أَخْصَرِ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسَارِعًا غَايَةَ الْمُسَارَعَةِ؛ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ مِنْ تَطْوِيلِ الْأَخِيرِ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ الْأَرْبَعِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْمُورِ بِمُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا فِيهِ([4])))اهـ.
واستدلوا أيضًا على عدم مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأوسط بأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يفعل ذَلِك فِيهِ وَلَا علمه للْأمة([5]).
وقد أجاب العلامة الألباني رحمه الله تعالى على هذا الاستدلال بقوله: ((وأما الجواب عن قولهم: إنه لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك فيه؛ فهو
المعارَضَةُ بأن يقال: كذلك لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك في التشهد الأخير؛ أفيدل ذلك على عدم المشروعية؟ كلا.
وتوضيح ذلك: أن الأمور الشرعية تثبت إما بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بفعله، أو بتقريره، وليس من الضروري أن تجتمع هذه الأمور الثلاثة في إثبات أمر واحد اتفاقًا([6])))اهـ.
[1])) أخرجه أحمد (3656)، وأبو داود (995)، والترمذي (366)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ»، والنسائي في ((المجتبى)) (1176)، وفي ((الكبرى)) (766)، وأعله النووي في ((المجموع)) (3/ 460)، وابن حجر في ((التلخيص)) (3/ 506)، بالانقطاع، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 909): «ضعيف لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه»اهـ.
[2])) ((المغني)) (1/ 385).
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6357)، ومسلم (406).
[4])) ((نيل الأوطار)) (2/ 333).
[5])) ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه ((جِلاء الأفهام)) (360)، عند عرضه لأدلة هذا القول.
[6])) ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 911).
رد: وجوب التسليم على النبي في التشهد الأوسط
جوابا على قول الألباني رحمة الله عليه أميل إلى قول مالك رحمة الله عليه إذ كان يقدم عمل أهل المدينة في مقابلة حديث له إسناد عند التعارض فالعمل عليه تواتر
رد: وجوب التسليم على النبي في التشهد الأوسط
رد: وجوب التسليم على النبي في التشهد الأوسط
بارك الله فيكم، وجزاكم خيرًا