حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانـية :
عند قوله :
بأن مقتضى تأسيه بربه أن يكون حاضراً مع ذاكره
في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة .
لا شك أن المالكي ينطلق بقوله هذا
من عقيدته أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم
مقام ألوهية وربوبية ،
فهو يقول طالما أن الله تعالى يقول :
أنا جليس من ذكرني ،
أنا مع من ذكرني ،
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمقتضى تأسيه بربه كذلك ،
جليس من ذكره
وهو [ مع ] من ذكره .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن المالكي بما قرأناه له
في كتابه ( الذخائر المحمدية )
من أن الخلق خلقوا لأجل محمد ،
وأن محمداً له علم شامل ،
يعلم الروح
والأمور الخمسة التي اختص الله تعالى بعلمها،
وأن له مقاليد السموات والأرض ،
وأن له حق الإقطاع في الجنة ،
وأنه نور لا ظل له في شمس ولا قمر،
وأنه حيّ الآن تعرض عليه أعمال أمته ،
ويصلي في قبره بأذان وإقامة ،
ويصوم ويحج ،
إلى آخر ما ذكره
مما جرى استعراضه في كتابنا هذا ،
مما هو مناقض
لمقتضى قول الله تعالى:
{ سُبْحَانَ رَبِّي
هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً }[1] .
وقوله تعالى :
{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ
وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ }[2] .
===========
[1] - سورة الإسراء ، الآية : 93 .
[2] - سورة الأحقاف ، الآية : 9 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن المالكي بحكم عقيدته في رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ذكرناه عنه مما أورده في كتابه ،
وأشرنا إلى صفحات ذلك من الكتاب نفسه ;
لا يُستغرب منه
أن يجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من القدرة ما لله تعالى ،
فيقول :
بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
معنا أينما كـنا ،
فهذا في معنى قوله :
( بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر مع ذاكره
في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة ) اهـ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أنه صلى الله عليه وسلم متأدب بأدب القرآن ،
إلا أن ذلك مقيد بطاقته وقدرته البشرية ،
إلا فيما يثبت به النقل الصريح
من خصوصيات له صلى الله عليه وسلم ،
مما هو فوق الطاقة البشرية ،
فيجب إثبات ذلك والإيمان به
كمعجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم ،
ولا يجوز لنا إثبات خلاف ذلك
بطريق القياس
أو الأولوية
مما يخرجه عن محيط البشرية .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
مولـد ابن الدبيـع
وما فيه من منكرات
ثم انتقل المالكي إلى فصل ختامي ،
استعرض فيه الكتب المصنفة في قصة المولد ،
وأثنى على أصحابها .
وقد ذكر فيما ذكر أن قصة المولد عبارة عن استعراض
لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
من ولادته حتى وفاته .اهـ
وإذا كان كذلك ،
فنحن نعتز ونفتخر باقتناء الكتب المصنفة
في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ونعتبر أسعد وقت
هو الوقت الذي نقضيه في تلاوة كتاب الله تعالى ،
ومدارسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وما اشتملت عليه من جوانب الإشراق الصافية ،
من إيمان ثابت وصبر صادق ،
وتضحية بالغالي والنفيس ،
وجهاد في سبيل الله ،
ونصح للأمة ،
وأداء كامل للرسالة ،
وشكر لله تعالى ،
حتى تورمت قدماه صلى الله عليه وسلم من العبادة ،
واحتساب لما يناله من الأذى والمشقة
في سبيل إبلاغ الرسالة ،
وتفصيل لما أجمله كتاب الله ،
وبيان شامل لكل خير ينفع أمته ،
ولكل شر يضر أمته .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان من أهل العلم من ألف كتاباً
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله ،
وما يتلى في بيوته من آيات الله والحكمة ،
وجاء من سمى ذلك مولداً ،
فإذا لم يشتمل ذلك الكتاب
على مثل ما اشتملت عليه كتب المالكي ،
وأخصها كتابه الذميم ( الذخائر المحمدية )
من المبتدعات
والشركيات
والمنكرات ،
ولم يقصد مؤلف ذلك الكتاب التاريخي لحياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن يتلى ليلة المولد ،
حيث إن في قصد ذلك اعترافاً بمشروعية مجالس المولد ،
المتفق عليها من القائلين بها أنفسهم أنها بدعة ،
إذا لم يكن شيء من ذلك ;
فهل يجوز الاعتراض على مؤلفات
في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهل يجوز الاعتراض
على من استهدف في تأليفه
إظهار حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة ;
حتى يحصل لها الاقتداء والتأسي والاتعاظ والاعتبار ،
والتخلي بأخلاق الإسلام ،
والتأدب بآداب القرآن ،
ومحاولة التحلي بما تحلى به صلى الله عليه وسلم
من كريم الأخلاق ونبل الشمائل ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد ذكر المالكي أن ممن ألف في قصص المولد :
الحافظ وجيه الدين عبدالرحمن الشيباني اليمني
المعروف بابن الدبيع ،
وقد صنف مولداً نبوياً مشهوراً في كثير من البلاد . اهـ .
لقد سُئل عن هذا المولد
الشيخ محمد رشيد رضا بسؤال هذا نصه :
من أحد أهالي جوهر في جنوب ميلاي ،
أنكر أحد طلبة العلم وهو رجل غريب قرآءة قصة الموالد النبوية للديبعي ،
ولعله غير المحدث بدعوى أن فيها كذباً وخرافات ،
والقصة المذكورة مما يداوم على قرآءتها للعوام
عدد وافر من الذين يعتقـد فيهم الولاية ،
يقـولـون للعوام أن روحانية المصطفى صلى الله عليه وسلـم
تحضره من أوله إلى آخره ،
وتحضر في غيره عند القيام فقط ،
فترى هجيري أهل هذه البلاد قصة المولد المذكورة ،
فهي قد مرت على سمع الجم الغفير من العلماء ،
ولم ينكرها غير الرجل المذكور ،
فهل هو مصيب ، أم لا ؟ .
فأجاب رحمه الله بقوله :
( الصواب ما قال ذلك الطالب الغريب ،
ولعله من الغرباء الذين ذكروا في حديث مسلم :
" يبدأ الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ
فطوبى للغرباء " .
وقد قرأت طائفة من هذه القصة ،
فإذا بصاحبها يقول في فاتحتها :
فسبحانه تعالى من ملك ،
أوجد نور نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نوره ،
قبل أن يخلق آدم من الطين اللازب ،
وعرض فخره على الأشياء ،
وقال هذا سيد الأنبياء وأجل الأصفياء وأكرم الحبائب ،
قيل هو آدم أنيله به أعلى المراتب .
ثم ذكر إبراهيم وموسى وعيسى بمثل هذه الأسجاع الركيكة ،
فهذا كذب صريح على الله تعالى ،
لم يروه المحدثون .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم رأيته يذكر في ( ص 6 – 7 )
حديثين أحدهما عن ابن عباس ، رفعه :
أن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله تعالى
قبل أن يخلق آدم بألفي عام ،
يسبح الله ذلك النور ،
وتسبح الملائكة بتسبيحه ، إلخ .
وهذا كذب ظاهر أيضاً ،
وقريش كانت قبل الإسلام مشركة ،
وعند ظهور الإسلام
كان منها أشد الناس كفراً وإيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم ،
وصداً عن سبيل الله ،
فما معنى ذلك الأصل النوراني
الذي يناقضه هذا الفرع الظلماني ؟ ..
والثاني أثر عن كعب الأحبار لا يصح ،
وقد سماه مؤلف القصة حديثاً لجهله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما قول
قراء هذه القصة من المحتالين على الرزق
بدعوى الولاية ;
أن روحانية المصطفى تحضر مجالسهم
التي يكذبون فيها عليه ;
فمثله كثير من أولئك الدجالين ،
ولا علاج لهذا الجهل إلا كثرة العلماء بالسنـّة ،
والدعاة إليها بين المسلمين ،
وذلك بساط قد طوي ،
وإن كثيراً من المسلمين ليعادوننا
ولا ذنب لنا عندهم ،
إلا الانتصار للسنـّة السنيـّة ،
والدعوة إلى الله ورسوله بالحق
لا بالأهواء ) [1] .
============
[1] - انظر الجزء 2 ، ص 464 من فتاوى محمد رشيد .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهذا مولد ابن الديبع ،
وهو المولد المشهور في كثير من البلدان ;
كما يذكر ذلك المالكي .
وقد اقتطف لناالشيخ محمد رشيد رحمه الله
مقتطفات قد تدل على صحة وحقيقة
ما يقوله السائل عن الطالب الغريب ;
بأن في قصة مولد ابن الديبع كذباً وخرافات ،
وقد يكون هذا المولد نموذجاً للموالد الأخرى .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد تحصلنا على نسخة من مولد ابن الديبع ،
مما أخرجه وعلق عليه محمد علوي المالكي ،
وهو منسوب إلى الحافظ المحدث عبدالرحمن الشيباني ،
فوجدناه هو المولد الذي اطلع عليه
الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ،
وسخر منه واستهزأ بمؤلفه ،
ووصفه بالجهل ،
وفيه الحديثان اللذان أنكرهما الشيخ محمد رشيد .
ولعل المالكي قد تصرف في الحديث الأول فحذف منه :
إن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله تبارك وتعالى .
وقد رأينا في مولد السخاوي هذه العبارة مثبتة
من حديث ابن عباس ،
وذكره السخاوي عن القاضي عياض في الشفاء بلا سند .
ويظهر لنا أن المالكي حينما تصرف
بحذف ما حذف من الحديث ;
كان يقصد من ذلك تمرير هذا الحديث
دون أن يكون فيه
ما يلفت النظر .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وسواء عندنا صدر ذلك المولد عن ابن الديبع المحدث الشهير ،
أم صدر عن غيره بذلك الاسم ،
أم انتحل اسم ابن الديبع ليكون في ذلك ترويج لهذا المولد ;
فالواجب على طالب العلم أن يعرف الرجال بالحق،
لا أن يعرف الحق بالرجال ،
ولعل الله سبحانه وتعالى يتيح لنا فرصة أخرى
لنتتبع كتب الموالد التي استعرضها المالكي ،
ونقول عن كل مولد ما يظهر لنا فيه من حق أو باطل ،
جاعلين في الاعتبار غض النظر عن مؤلفه مهما كان ،
فإن الرجال يعرفون بالحق
كما قلنا .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وبعد ،
فقد انتهت وقفاتنا مع المالكي
في رسالته البتراء ،
ونكرر أسفنا وتأثرنا من القسوة
التي آثرنا أن يشتمل عليها أسلوبنا
في رد ترهاته وأباطيله ،
ويعلم الله أن الباعث لهذا الأسلوب القاسي
الغيرة لحق الله ،
والغضب مما يغضب الله ،
والتقرب إليه تعالى
برد ما ينافي تحقيق التوحيد وكماله ،
والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
في حماية جناب التوحيد ،
وسد كل ذريعة توصل إلى انتهاك حرماته ،
والتمعّـر غيرة لله
في نسبة ما هو محض حق الله لغير الله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نصيحتي للمالكي
وكم كنت أتمنى أن يكون المالكي
وهو يذكر أنه أحد أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم ;
أن يسلك مسالك جده صلوات الله وسلامه عـليه ;
في تقـدير الله حق قـدره ،
وإنزال رسول الله صلى الله عليه وسلم
المنزلة التي أنزله الله إياها ،
فلا إفراط ولا تفريط ،
ولا غلو ولا تنطع ،
ولا إطراء ولا تفيهق ،
فهو عبد الله ورسوله ،
أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً ،
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً :
{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ }[1] .
==========
[1] - سورة الأحقاف ، الآية : 9 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [1] .
{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي
هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولا } [2] .
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } [3] .
==========
[1] - سورة الكهف ، الآية : 110 .
[2] - سورة الإسراء ، الآية : 93 .
[3] - سورة آل عمران ، الآية : 144 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
( إياكم والغلو ،
فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) .
( لا تطروني
كما أطرت النصارى ابن مريم ،
إنما أنا عبد
فقولوا
عبدُ الله ورسوله ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
( قولوا بقولكم أو بعض قولكم
ولا يستهوينكم الشيطان ) .
( هلك المتنطعون .
هلك المتنطعون .
هلك المتنطعون ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أنصح المالكي أن يتقي الله ربه ،
وأن يعرف قدر ربه الحيّ القيوم
مالك الملك ذي الجلال والإكرام ،
ربه الذي بيده ملكوت كل شيء ،
وهو يجير ولا يُجار عليه ،
أحاط بكل شيء علماً ،
وضمن لكل عامل حقه
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }[1] ،
{ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا }[2] ،
صاحب الفضل والمنن والنعم ،
أياديه لا تُعَد،
ونعمه لا تحصى ،
فسبحانه من إله عظيم ،
وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
==========
[1] - سورة الزلزلة ، الآية : 7 – 8 .
[2] - سورة الكهف ، الآية : 49 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأتمنى من المالكي
أن يجعل كتاب الله تعالى
منهاج حياته العلمية والعملية ،
وأن يجعل سنـّة رسوله صلى الله عليه وسلم
نبراساً يستضيئ به فيما يقوله ويفعله ،
وأن يجعل السلف الصالح
من صحابة وتابعين وأتباعهم
قدوته في الاتجاه ،
وأن يترسم نهج ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
فذلك نهج الفرقة الناجية من النار .
إنه بذلك يضمن سعادة الدنيا والآخرة ،
ويرضي بهذا الاتجاه السليم طموحه ،
فإن الطموح النافع للعبد حقيقة
هو الطموح إلى ما فيه السعادة بالجنة
والنجاة من النار .