حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله :
إن حضور الحضرة النبوية
خاصة بروحه الشريفةلا بجسده الشريف ،
وتشنيعه الإنكار على من يقول
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل إلى مجلس المولد بجسده ،
واعتباره ذلك من الجرأة
على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونعتقد أن المالكي في هذا
متناقض أيضاً مع عقيدته ،
فطالما أنه يعتقد بأن من صلى عليه صلاة
– وذكر نوعها –
في اليوم والليلة خمسمائة مرة ،
لا يموت حتى يجتمع بالنبي
صلى الله عليه وسلم يقظة [1] .
فما المانع من أن يحضر صلى الله عليه وسلم
هذا الحفل الخاص بذكرى ولادته ،
وما يتلى في هذا المحفل من آيات الإجلال والإكبار ،
والتقديس والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ورفع منزلته
إلى مقام الألوهية والربوبية ،
يحضر هذا المحفل بروحه وجسده ،
ما دام نوراً لا ظل له في شمس ولا قمر ،
وما دام سيجتمع يقضة بمن يصلي عليه ،
الصلاة التي عينها المالكي في كتابه
" الذخائر المحمدية " .
============
[1] - انظر كتابه " الذخائر المحمدية " ، ص 107 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إن الشاطبي رحمه الله
قد أنصف البدعيين وأظهرهم على حقيقتهم ،
حينما قال :
إنهم لا يستطيعون المجادلة والمناظرة ،
لأنهم يفتقدون عناصر الإقناع والاحتجاج لما يعتقدون .
ولهذا حكم المالكي على نفسه
بأنه قال ما فيه افتراء محض ،
وفيه وقاحة
وقباحة
وجرأة
على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تصدر إلا من مبغض حاقد ،
أو جاهل معاند ،
وليختر المالكي لنفسه أحد الأمرين
وكلاهما شر ،
وأحلاهما مر .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثالثة :
عند عقيدته أنه صلى الله عليه وسلم حيٌّ حياة برزخية كاملة ،
لائقة بمقامه صلى الله عليه وسلم .
لاشك أنه صلى الله عليه وسلم حيّ حياة برزخية
لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله تبارك وتعالى ،
وأن الأموات كلهم يحيون حياة برزخية ،
السعيد سعيد بأسباب سعادته ،
والشقي شقي بأسباب شقاوته .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما القول بأن روحه صلى الله عليه وسلم
تحضر مجالس الذكر ومشاهد النور ،
فالعلم بذلك أمر لا يمكن إثباته
إلا بأحد طريقين ،
إما النقل الصريح الثابت عمن لا ينطق عن الهوى ،
أو الشهادة بذلك ممن جاء من الحياة البرزخية ،
وكلا الأمرين متعذر ،
فتعين علينا الإيمان بمجمل الحياة البرزخية ،
كما جاءت النصوص الصريحة بذلك
من كتاب الله تعالى ،
وسنـّة رسوله صلى الله عليه وسلم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما يتعين علينا الوقوف
عن التفاصيل العارية عما يثبتها موقف المنكر ،
لما في الاعتراف بها
من تصديق ما لم يقم عليه دليل عقلي ولا نقلي ،
فضلاً عما في الأخذ بها
من إتاحة الفرص لأرباب الدجل ،
وأبالسة الإنس والجن ،
لإلزام العامة باعتقاد
وجود أرواح أنبياء وشهداء وصدّيقين وأولياء ;
تحضر مجالسهم ،
وأنهم يأمرون وينهون ،
ويوجهون ويحرمون ويحللون .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد كان لهذا المنطلق السيء خلفياته السيئة ،
ومردوداته الآثمة ،
في نشوء فِرَق تدَّعي الإسلام ،
وترجع في تشريعها
إلى ما يقول الأقطاب والأوتاد عن أرواح الأولياء ،
من الأمر والنهي والتحليل والتحريم ،
وإعفاء من بلغ مبلغاً معيناً من الأقطاب والأوتاد
عن الكثير من المقتضيات الشرعية ،
باعتباره بلغ درجة يقوم فيها بأعمال جسام
في مجال العبادة والخلوات ،
لا تدركها العامة أو خاصة العامة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما أن عقيدة حضور الحضرة النبوية لمجالس الموالد;
أعطى المجذوبين و المخبولين
مجالاً للقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأنه اتصل به ،
وأنه غاضب من كذا ،
ومنشرح صدره لكذا،
وأنه يلزمه الاتصال بالولاة ليعملوا كذا،
وينتهوا عن كذا ،
إلى آخر المزاعم والإفتراءات
التي نسمعها من أولئك ،
وقـتاً بعد وقت ،
وحيناً بعد حين .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان المالكي يقول
بإمكان حضور الحضرة النبوية ;
فإننا نشك في اعتقاده ذلك ،
إلا أننا نرى أنه بمقالته هذه ،
وبأباطيله
وترهاته
وأضاليله
وتخبطاته
مما قال في رسالته هذه ،
أو في طامته الكبرى
" الذخائر المحمدية " .
إنه بذلك يمهد لأن يكون خليفة للإمام العربي ،
قائد العصبة الهاشمية ،
والسدنة العلوية ،
والساسة الحسنية ، والحسنية .
ذلك الذي لا يسمح لأحد بزيارته
إلا لمحمد علوي مالكي ،
ومن كان على شاكلته .
وقد سبق أن أوردنا ما جاء في
قرار هيئة كبار العلماء
من علاقة المالكي
بقائد هذه الفرق
الصوفية المتطرفة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الرابعة :
عند قوله :
إن القيام لتصور شخص النبي صلى الله عليه وسلم في الذهن .
وقد سبق أن انتقد القائلين بحضور الحضرة النبوية للمجالس روحاً وجسداً ،
وتحدث بما يشعر أنه يرى أن الحضور النبوي إنما هو بالروح فقط ،
لأن روحه صلى الله عليه وسلم جوّالة سيّـاحة في ملكوت الله سبحانه وتعالى ،
وأنه يمكن أن يحضر مجالس الذكر ومشاهد العلم والنور .
وهذا من المالكي
تخبط في القول
وتناقض في الإيراد ،
فحضور الروح المجالس غير التصور الذهني .
وعلى افتراض التسليم بما ذكره المالكي
من أن القيام في المولد إكباراً وتقديراً لمن تم تصوره في الذهن .
أفلا يعتبر هذا القيام ضرباً من
الهوس
والحمق
والتصرف الجنوني ;
حينما يتصور الذهن فتقوم الأعضاء
بتقديم الاحترام لمجرد التصور الذهني ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لنفترض أن المالكي
كان حاضراً في مجلس من المجالس العامة ،
ثم تذكر أباه وتصوره تصوراً ذهنياً ،
فقام في المجلس أمام الحضور ،
ثم جلس ،
فسُئل عن ذلك
فأجاب بأن قيامه احتراماً لأبيه المتوفى ،
حيث تصوره في هذا المجلس تصوراً ذهنياً ،
أيسلم له أحد بصحة هذا التصرف ،
وصدوره من عاقل ؟
أم يلتفت بعضهم إلى بعض
متسائلين عما أصاب صاحبهم
من لوثة في عقله
ووسوسة في صدره ؟ .
ومثل هذا التصرف تصرف من يحكي على نفسه ،
لأنه يتصور من يحاكيه في ذهنه ،
ثم يحاكيه ،
والمجتمع يعرف أن هذا التصرف
مبدأ مرض عقلي .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
استحسان المالكي القيام في المولد لعدة وجوه
جرى مناقشتها ثم ردها
ثم انتقل المالكي بعد ذلك
إلى ذكر وجوه استحسان القيام في المولد ،
فقال :
الوجه الأول
أنه جرى عليه العمل في سائر الأقطار والأمصار ،
واستحسنه العلماء شرقاً وغرباً ،
والقصد به تعظيم صاحب المولد الشريف صلى الله عليه وسلم ،
وما استحسنه المسلمون فهو عند الله حسن ،
وما استقبحوه فهو عند الله قبيح ،
كما تقدم في الحديث .اهـ .
لا ندري ما هي أقطار المالكي وأمصاره ؟ ،
وإن كنا نظن أنه يعني تلك البلدان
التي وجد فيها أجناس من أهل الطرق الصوفية،
ووجد فيها الكثير من المشاهد القبورية ،
التي يرتادها من يتمسح بها
ويطلب البركة من أهلها ،
أولئك الذين جرى منهم العمل ،
حينما يقيمون الموالد ،
فيقومون عند قرآءة قصة المولد .
ونعتقد أن المالكي يعجز كل العجز
عن أن يعطينا قطرأً واحداً ،
ومصراً واحداً في
الصدر الأول من الإسلام
في القرون الثلاثة المفضلة،
أمثال أهل المدينة ومكة والطائف والكوفة
والبصرة والقاهرة ودمشق
وغيرها من مدن الإسلام
المنتشرة شرقاً وغرباً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولكنه الآن يستطيع أن يعطينا
الكثير من الأقطار الإسلامية مع الأسف ،
بعد أن انتشرت البدع والمحدثات ،
وأقيمت القباب والمباني الضخمة على القبور ،
وأصبحت بعض هذه المشاهد يضاهي الحج إليها
الحج إلى بيت الله ;
في قيمة ذلك في نفوس حجاجها وعدد من يقصدها ،
وعقيدة آميها ،
وفيمن قصدوه وحجوا إليه ،
كما هو الحال في النجف وفي طنطا وبنها ،
وفي غيرهما ،
وذلك حصائد ما زرعه
القرامطة والرافضة والفاطميون والنصيريون وغيرهم .
فهل يعتبر المالكي
عمل هؤلاء حجة فيما ذكره ؟ .
اللهم إنا نستخلفك
في عقلية المالكي ،
وفي عقيدة المالكي ،
وفي العلم الشرعي
الذي أخذه المالكي من مدارس حكومته .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فأيُّ المسلمين استحسنوا ذلك ؟
أهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين هم أشد الناس محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأقواهم تصوراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ؟
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أهم التابعون الذين عاصروا أصحاب رسول الله ،
ورأوا ما يعمله أصحاب رسول الله ،
ورووا ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أم هم أتباع التابعين
من أهل القرون الثلاثة المفضلة
من الأئمة الأربعة ،
ورجال الحديث ،
ورجال التفسير،
ورجال التاريخ والسير ،
ومن كان معاصراً لهم من الزهاد والعباد ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أم أن الاستحسان
من القرامطة والفاطميين
والروافض والإسماعيليين والعلويين
والقاديانيين والتيجانيين ،
وغيرهم وغيرهم
من الفرق القبورية والصوفية ،
ومن قلَّدهم بغير علم ؟؟!!
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد استنكر المسلمون البدع والمحدثات
واستقبحوها ،
وعظموا أمر أوزار القائمين عليها
بما في ذلك بدعة المولد جملة وتفصيلاً ،
مستضيئين في ذلك
بالنصوص النبوية الصريحة الواضحة الثابتة ،
وبآثار الصحابة في ذلك ،
وقد تقدم لنا الكثير من أقوال أهل العلم
في ذلك في مختلف العصور،
في عصر الشاطبي وابن رجب والعز بن عبد السلام ،
وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر
و ابن النحاس
وغيرهم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا الشيخ محمد رشيد رضا
يتحدث عن المولد وعن بدعة المولد
فيقول إجابة عن سؤال وجه إليه عن حكم المولد ،
وأول من فعله ،
وأي الموالد أحرى وأحسن للقرآءة ،
فيقول :
( هذه الموالد بدعة بلا نزاع ،
وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد
أحد ملوك الشراكسة بمصر ،
ولم نطلع على قصة من قصص المولد النبوي الشريف
إلا ورأينا فيها كثيراً من الأخبار الموضوعة )[1] اهـ .
=========
[1] - المجلد 4 ، ص 1243 ، فتاوى رشيد رضا .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال في موضع آخر من الفتاوى ما نصه :
( سئل الحافظ ابن حجر عن الاحتفال بالمولد النبوي
هل هو بدعة أم له أصل ،
فأجاب بقوله :
أصل عمل المولد بدعة ،
لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ،
ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ،
فمن جرد عمله في المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ،
ومن لا ; فلا .
وأقول :
إن الحافظ رحمه الله تعالى حجة في النقل ،
فقد كان أحفظ حفاظ السنـّة والآثار ،
ولكنه لم يؤت ما أوتي الأئمة المجتهدون من قوة الاستنباط ،
فحسبنا من فتواه ما تعلق بالنقل ،
وهو أن عمل المولد بدعة
لم تنقل عن أحد من سلف الأمة الصالح
من أهل القرون الثلاثة ،
التي هي خير القرون بشهادة الصادق المصدوق
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ،
ومن زعم بأنه يأتي في هذا الدين بخير مما جاء به رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وجرى عليه ناقلوا سنته بالعمل ;
فقد زعم أنه صلى الله عليه وسلم
لم يُؤد رسالة ربه على الوجه الأكمل .
كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى ،
وقد أحسن صاحب عقيدة الجوهرة ،
في قوله :
وكل خير في اتباع من سلف
وكل شر في ابتداع من خلف
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما قول الحافظ :
إن من عمل فيه من المحاسن وتجنب ضدها
كان عمله بدعة حسنة ،
ومن لا فلا ;
ففيه نظر ،
ويعني بالمحاسن قراءة القرآن ،
وشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
في بدء أمره من ولادته وتربيته وبعثته ،
والصدقات ،
وهي مشروعة لا تعد من البدع ،
إنما البدعة فيها جعل هذا الاجتماع المخصوص ،
بالهيئة المخصوصة ،
والوقت المخصوص ،
وجعله من قبل شعائر الإسلام
التي لا تثبت إلا بنص الشارع ،
بحيث يظن العوام الجاهلون بالسنن
أنه من أعمال القرب المطلوبة شرعاً ،
وهو بهذه القيود بدعة سيئة ،
وجناية على دين الله تعالى ،
وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ،
ومن الافتراء على الله ،
والقول في دينه بغير علم .
فكيف إذا وصل الجهل بالناس إلى تكفير تاركه ،
كأنه من قواعد العقائد المعلومة من الدين بالضرورة ،
أليس يعد في هذه الحال ،
وبين هؤلاء الجهال ،
من أكبر كبائر البدع
التي تقوم الأدلة على كونها من الكفر بشرطه ؟