حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا المعنى موجود في مسألتنا ،
فإن الناس قد يخصون هذه المواسم
لاعتقادهم فيها فضيلة ،
ومتى كان تخصيص هذا الوقت بصوم أو بصلاة
قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه ;
نُهي عن التخصيص ،
إذ لا ينبعث التخصيص
إلا عن اعتقاد الاختصاص .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومن قال :
إن الصلاة والصوم في هذه الليلة كغيرها ;
هذا اعتقادي ،
ومع ذلك أنا أخصها;
فلا بد أن يكون باعثه إما تقليد غيره ،
وإما اتباع العادة ،
وإما خوف اللوم له ، ونحو ذلك ،
وإلا هو كاذب .
فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط
من أن يكون ذلك عن الاعتقاد الفاسد ،
أو عن باعث آخر غير ديني .
وذلك الاعتقاد ضلال .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإنا قد علمنا يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وسائر الأئمة
لم يذكروا في فضل هذا اليوم
ولا في فضل صومه بخصوصه ،
وفضل قيام هذه الليلة بخصوصها
حرفاً واحداً ،
وأن الحديث المأثور فيها موضوع ،
وأنها إنما حدثت في الإسلام
بعد المائة الرابعة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولا يجوز - والحال هذه -
أن يكون لها فضل .
لأن ذلك الفضل إن لم يعلمه النبي
صلى الله عليه وسلم ،
ولا أصحابه
ولا التابعون ،
ولا سائر الأئمة ;
امتنع أن نعلم نحن من الدين
الذي يقرب إلى الله
ما لم يعلمه النبي
صلى الله عليه وسلم ،
ولا الصحابة ،
ولا التابعون وسائر الأئمة .
وإن علموه
امتنع مع توفر دواعيهم على العمل الصالح ،
وتعليم الخلق والنصيحة ;
أن لا يعلموا أحداً بهذا الفضل ،
ولا يسارع إليه واحد منهم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإذا كان هذا الفضل المُدَّعى
مستلزماً لعدم علم الرسول
وخير القرون ببعض دين الله ،
أو لكتمانهم وتركهم
ما تقتضي شريعتهم وعادتهم
أن لا يكتموه ولا يتركوه ،
وكل واحد من اللازمين مُنتفٍ :
إما بالشرع ،
وإما بالعادة مع الشرع ;
عُلم انتفاء الملزوم ،
وهو الفضل المُدَّعى .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم هذا العمل المبتدَع مستلزم :
إما لاعتقادٍ هو ضلال في الدين ،
أو عمل دين لغير الله ،
والتدين بالاعتقادات الفاسدة ،
أو التدين لغير الله ;
لا يجوز .
فهذه البدع وأمثالها مستلزمة قطعاً أو ظاهراً
لفعل ما لا يجوز ،
فأقل أحوال المستلزم
إن لم يكن محرماً أن يكون مكروهاً .
وهذا المعنى سارٍ في سائر البدع المحدَثة .
ثم هذا الاعتقاد
يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال ،
وتلك الأحوال أيضاً باطلة ،
ليست من دين الله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولو فرض أن الرجل قد يقول :
أنا لا أعتقد الفضل ،
فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه
من التعظيم والإجلال .
والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ،
ولو أنه توهم أو ظن أن هذا الأمر ضروري ،
فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء ;
امتنعت مع ذلك أن تعظمه ،
ولكن قد تقوم به خواطر متقابلة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة ;
يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه ،
ومن حيث شعوره بما روي فيه ،
أو بفعل الناس له ،
أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه ،
أو بما يظهر له فيه من المنفعة ;
يقوم بفعله وتعظيمه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فعلمت أن فعل هذه البدع
تناقض الاعتقادات الواجبة ،
وتنازع الرسل ما جاءوا به عن الله ،
وأنها تورث القلب نفاقاً ،
ولو كان نفاقاً خفيفاً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومثلها مثل أقوام كانوا يُعظمون أبا جهل ،
أو عبدالله بن أبي سلول ;
لرياسته وماله ونسبه وإحسانه إليهم وسلطانه عليهم ،
فإذا ذمه الرسول أو بيَّن نقصه ،
أو أمر بقتله ;
فمَن لم يخلص إيمانه ،
وإلاَّ يبقى في قلبه منازعة
بين طاعة الرسول التابعة لاعتقاده الصحيح ،
واتباع ما في نفسه من الحال التابع لتلك الظنون الكاذبة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فمن تدبر هذا ;
علم يقيناً ما في حشو البدع
من السموم المضعفة للإيمان ،
ولهذا قيل :
إن البدع مشتقة من الكفر .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا المعنى الذي ذكرته
معتبر في كل ما نهى عنه الشارع من أنواع العبادات ،
التي لا مزية لها في الشرع ،
إذا جاز أن يتوهم لها مزية ،
كالصلاة عند القبور،
والذبح عند الأصنام،
ونحو ذلك ،
وإن لم يكن الفاعل معتقداً للمزية ،
لكن نفس الفعل قد يكون مظنة للمزية .
وكما أن
إثبات الفضيلة الشرعية مقصود ،
فرفع الفضيلة غير الشرعية مقصود أيضاً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإن قيل :
هذا يعارضه :
إن هذه المواسم مثلاً
فعلها قوم من أولي العلم والفضل
الصديقين فمن دونهم ،
وفيها من الفوائد يجدها المؤمن في قلبه وغير قلبه ،
من طهارة قلبه ورقته ،
وزوال آثار الذنوب عنه ،
وإجابة دعائه ونحو ذلك ،
مع ما ينضم إلى ذلك من العمومات الدالة
على فضل الصلاة والصيام ،
كقوله تعالى :
{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى }[1] ،
وقوله صلى الله عليه وسلم :
( الصلاة نور وبرهان ) ،
ونحو ذلك .
============
[1] - سورة إقرأ ، الآية : 9 ، 10 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قلنا:
لا ريب أن من فعلها متأولاً مجتهداً أو مقلداً;
كان له أجر على حسن قصده ،
وعلى عمله من حيث ما فيه من المشروع ،
وكان ما فيه من المبتدَع مغفوراً له ،
إذا كان في اجتهاده أو تقليده من المعذورين،
وكذلك ما ذكر فيها من الفوائد كلها ،
إنما حصلت لما اشتملت عليه من المشروع في جنسه ;
كالصوم ، والذكر، و القرآءة ، والركوع والسجود ،
وحسن القصد في عبادة الله ،
وطاعته ودعائه ،
وما اشتملت عليه من المكروه ،
وانتفى موجبه بعفو الله ،
لا اجتهاد صاحبه أو تقليده .
وهذا المعنى ثابت في كل ما يذكر
في بعض البدع المكروهة من الفائدة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لكن هذا القدر
لا يمنع كراهتها والنهي عنها ،
والاعتياض عنها بالمشروع
الذي لا بدعة فيه .
كما أن الذين زادوا الأذان في العيدين هم كذلك ;
بل اليهود والنصارى يجدون في عبادتهم أيضاً فوائد .
وذلك ;
لأنه لابد أن تشتمل عبادتهم على نوع ما مشروع في جنسه ،
كما أن قولهم لابد أن يشتمل على صدق ما مأثور عن الأنبياء ،
ثم مع ذلك
لا يوجب أن تفعل عباداتهم أو تروى كلماتهم ،
لأن جميع المبتدعات
لابد أن تشتمل على شر راجح
على ما فيها من خير ،
إذ لو كان خيرها راجحاً
لما أهملتها الشريعة .
فنحن نستدل بكونها بدعة
على أن إثمها أكبر من نفعها،
وذلك هو الموجب للنهي .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأقول :
إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص ;
لمعارض الاجتهاد أو غيره ،
كما يزول اسم الربا والنبيذ المختلف فيهما
عن المجتهدين من السلف ،
ثم مع ذلك يجب بيان حالهما ،
وأن لا يقتدى بمن استحلها ،
وأن لا يقصر في طلب العلم المبين لحقيقتها .
وهذا الدليل كاف
في بيان أن هذه البدع
مشتملة على مفاسد اعتقادية أو حالية
مناقضة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وأن ما فيها من المنفعة
مرجوح لا يصلح للمعارضة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم يُقال على سبيل التفصيل :
إذا فعلها قوم ذوو فضل ،
فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها ،
وأنكرها قوم كذلك ،
وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها ;
فليسوا دونهم في الفضل ،
ولو فرضوا دونهم في الفضل ،
فتكون حينئذ قد تنازع فيها أولوا الأمر ،
فترد إذن إلى
الله والرسول ،
وكتاب الله وسنة رسوله ;
مع من كرهها ،
لا مع من رخص فيها .
ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين،
مع هؤلاء التاركين المنكرين .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما ما فيها من المنفعة ;
فيعارضه ما فيها من
مفاسد البدع الراجحة :
منها - مع ما تقدم من المفسدة الإعتقادية والحالية - :
أن القلوب تستعذبها وتستغني بها
عن كثير من السنن ،
حتى تجد كثيراً من العامة يحافظ عليها
ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن ،
وتفتر رغبتهم فيها .
فتجد الرجل يجتهد فيها ، ويخلص وينيب ،
ويفعل فيها مالا يفعله في الفرائض والسنن ،
حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة ،
ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة ،
وهذا عكس الدين ،
فيفوته بذلك
ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة ،
والرقة والطهارة والخشوع ،
وإجابة الدعوة وحلاوة المناجاة ،
إلى غير ذلك من الفوائد.
وإن لم يفته هذا كله ،
فلا بد أن يفوته كماله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
ما في ذلك من مصير المعروف منكراً ،
والمنكر معروفاً ،
وما يترتب على ذلك
من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين ،
وانتشار زرع الجاهلية .