حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الثامـن
مناقشـته والرد عليه :-
ويذكر المالكي الدليل الثامن بقوله :-
الثامن :
التعرض لمكافأته ،
بأداء بعض ما يجب له علينا ،
ببيان أوصافه الكاملة وأخلاقه الفاضلة ،
وقد كان الشعراء يفدون إليه صلى الله عليه وسلم بالقصائد ،
ويرضى عملهم ويجزيهم على ذلك بالطيبات والصلات ،
فإذا كان يرضى عمن مدحه ،
فكيف لا يرضى عمن جمع شمائله النبوية ،
ففي ذلك التقرب له عليه السلام باستجلاب محبته ورضاه . اهـ .
ونقف مع المالكي في دليله هذا
الوقفات التالية :
الوقفة الأولى :
عند قوله
التعرض لمكافأته بأداء بعض ما يجب له علينا .
إن الله تعالى قد أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم
أن يقول للناس : أنه لا يسألهم على أداء الرسالة أجراً ،
فإن أجره على الله ،
قال الله تعالى :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا }[1].
وقال تعالى :
{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[2] .
وقال تعالى :
{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ }[3] .
وغير ذلك من الآيات الكثيرة والصريحة
في هذا المجال .
=============
[1] - سورة الفرقان ، الآية : 56 - 57 .
[2] - سورة سبأ ، الآية : 47 .
[3] - سورة يوسف ، الآية : 104 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهو صلى الله عليه وسلم
رسول من رب العالمين ،
أرسله الله بالرسالة ،
وأمره بتبليغها ،
ووعده الأجر العظيم لقاء ذلك ،
وأمره أن يبلغ الأمة
أنه لا يريد منهم جزاءً ولا شكورا.
ومحمد صلى الله عليه وسلم
كغيره من الرسل
الذين ذكر القرآن صوراً من حياتهم،
وطرق تبليغهم الرسالة إلى أقوامهم،
وقد كانوا يصرِّحون وينادون في ملأ قومهم
أنهم لا يريدون منهم جزاءً ولا شكـورا،
قال تعالى حكايـة عن أحدهم :
{ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي
أَفَلا تَعْقِلُونَ } [1] .
وقال تعالى :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }[2] .
=============
[1] - سورة هود ، الآية : 51 .
[2] - سورة آل عمران آية : 114 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أن لرسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم
فضلاً كبيراً علينا معشر أمته ،
وأننا نحبه
أكثر من محبتنا لأنفسنا وأهلينا أجمعين ،
إلا أن محبته صلى الله عليه وسلم
ليست فيما يكره ،
ولا فيما يغضبه ،
ولا فيما يسلب عن ربه
إفراده تعالى
بالخلق
والتدبير
والعبادة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن محبته صلى الله عليه وسلم
لا تعني رفع مقامه
إلى مقام الربوبية والألوهية ،
مما هو محض الشرك بالله ،
فلقد مكث صلى الله عليه وسلم
ثلاثة عشر عاماً
يحارب الشرك بالله ،
ويدعو الناس إلى
توحيد الله
في ألوهيته
وربوبيته
وأسمائه وصفاته.
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إن إقامة المولد
ليست مكافأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فهو في حد ذاته منكر
لكونه بدعة ،
ليس عليها أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فهو يغضبه ويأباه صلى الله عليه وسلم ،
وإذا انضم إيه ما هو لازم له
عند المهتمين به والمحافظين على إقامته
من منكرات
وشركيات
وخرافات
سبق منا إيضاحها ;
تحوّل ذلك المنكر من أمر بدعي
إلى عيد جاهلي .
لو كان صلى الله عليه وسلم حياً
لجرّد سيوف القتال لمحاربتهم ،
فلقد أنكر صلى الله عليه وسلم
على أحد أصحابه حينما قال له :
" ما شاء الله وشئت" ،
قال :
" أجعلتني لله نداً ؟
قل
ما شاء الله وحده " [1] .
=============
[1] - حديث رواه النسائي عن ابن عباس .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن محبته صلى الله عليه وسلم
تعني اتباع سنته ،
والتأسي به صلى الله عليه وسلم ،
وأخذ العبر والعظات
من حياته صلى الله عليه وسلم ،
وحياة أصحابه من بعده
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا }[1] .
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة والصريحة ;
في أن محبته صلى الله عليه وسلم
ليست في الغلو في شخصه ،
ولا في مجاوزة الحد في مدحه وإطرائه ،
ولا في نسبة شيء
من أفعال الله تعالى وخصائصه
إليه صلى الله عليه وسلم .
=============
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إننا بالصدق في اتباع سنته
صلى الله عليه وسلم
نستطيع أن نقول :
إننا نحبه ونقدِّره
ولا نمنُّ عليه بشيء من ذلك ،
على اعتبار أننا نكافؤه ،
فأجره على الله تعالى ،
والله يجزيه
عن بلاغه الرسالة ،
وأدائه الأمانة ،
ونصحه لأمته ،
خير جزاء وأكمله وأتمه ،
إنه وليُّ ذلك
والقادرُ عليه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقـفة الثانـية :
عند قول المالكي :
إن الشعراء كانوا يفدون إليه صلى الله عليه وسلم بالقصائد
ويرضى عملهم .. إلى آخره .
حقاً لقد وقف حسّان بن ثابت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم
موقف المجاهد والمدافع ،
وقد شهد له صلى الله عليه وسلم
بأن لسانه على المشركين أشد وقعاً
من السيوف على أرقابهم .
ومدحه كعب بن زهير ،
وعبد الله بن رواحة وغيرهم من شعراء الصحابة ،
وكان صلى الله عليه وسلم يسرُّ بذلك
ونحن ندعو الله تعالى أن يثيب
من يمدح رسول الله
بمدائح تليق
بمقام النبوة والرسالة
مما يستحقه صلى الله عليه وسلم ،
لمواقفه مع ربه في سبيل إبلاغ الرسالة ،
والصبر على ما كان يلاقيه صلى الله عليه وسلم
من العنت والسخرية والتسفيه ،
حتى أكمل الله له دينه ،
وأتم نعمته ،
ودخل الناس
في دين التوحيد أفوجاً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونحن بما ذكره المالكي في دليله
هذا نتذكر قول الشاعر :
ألم ترَ أن السيف ينقـصُ قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العـصا
ونعجب منه
ومن عقليته
في قياسه مدائح
أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بمدائح قومه أهل الموالد ،
أمثال البوصيري ، والبكري وغيرهما ،
ممن يجعلون المصطفى صلى الله عليه وسلم
شريكاً لربه ،
في شمول الإدراك
والقدرة على النفع والضر،
وملك مقاليد السموات والأرض ،
وغير ذلك
من خصائص الربوبية والألوهية
كقوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلا فـقـل يا زلـة القــدم
فإن من جــودك الدنيـا وضرتها
ومن عـلومك عـلم اللوح والقـلم
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقول الآخر :
ما أرسل الرحمن أو يرسل
من رحمة تصعد أو تنزل
في مـلكـــوت الله أو ملكــه
من كل ما يختص أو يشمل
إلا وطه المصطـفى عـبـده
نـبـيـّـه مخـتاره المـرســـل
واسـطــة فـيهـا وأصـل لها
يعـلـم هــذا كل مـن يعـقــل
ونـادِه إن أزمــة أنشـبـــت
أظفارها واستحكم المعضل
يا أكـرم الخلـق على ربـه
وخيـر من فـيهـم به يُســـأل
قد مسني الكـرب وكم مرة
فرَّجتَ كربـاً بعضه يُذهــل
عجِّل بإذهاب الذي أشتكي
فإن توقـفـت فمن ذا يُســأل
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقول الآخر
في نعل النبي صلى الله عليه وسلم :
ولما رأيت الدهر قد حارب الورى
جعلت لنفسي نعل سيده حصنا
تحـصنــتُ منـه في بديــع مثــالهــا
بسور منيع نلتُ في ظله الأمنا
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فبربك يا مالكي :
أما تستحي
أن تجعل أمثال هذه المدائح
التي هي في الواقع دعوات صارخة
إلى الشرك بالله ،
في الربوبية والألوهية ،
وإلى الجاهلية الجهلاء ،
والوثنية العمياء ;
شبيهة بقصائد حسان بن ثابت
وعبدالله بن رواحة وكعب بن زهير
وغيرهم من أهل الصدق في الإيمان
والعدل في المدح والثناء
والشدة على الأعداء ؟؟!
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن قصائد موالدك
يا محمد علوي مالكي
لو أُلقيت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما اكتفى بحثو التراب في أفواه قائليها ;
بل لحاربهم كما حارب أبا جهل و أبا لهب وغيرهما
من أقطاب الكفر والشرك بالله .
فسبحان الله
كيف استوت عندك يا مالكي
الظلمات والنور ،
والتوحيد الخالص
والكفر البواح ،
وأنتَ ذلك الرجل
الذي يدَّعي الرفعة في العلم !
حقاً إن الهوى يُعمي ويُصم ،
ربنا لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل التاسع
مناقشته ورده :-
وذكر المالكي الدليل التاسع بقوله :
التاسع :
إن معرفة شمائله ومعجزاته وإرهاصاته
تستدعي كمال الإيمان به عليه الصلاة والسلام وزيادة المحبة ،
إذ الإنسان مطبوع على حب الجميل خَـلقاً وخُـلقاً ،
علماً وعملاً ، حالاً واعتقاداً ،
ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل من أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم ،
وزيادة المحبة وكمال الإيمان مطلوبان شرعاً ،
فما كان يستدعيهما مطلوب شرعا. اهـ .
لقد مللنا تكرار القول ،
وهذا يعني أن مزاعم المالكيالاستدلالية
يمكن أن ترجع الثلاثة أو الأربعة منها إلى دليل واحد،
وأنه هو نفسه الذي يكرر القول ،
ويدَّعي تعدد الأدلة ،
وما دمنا قد أخذنا على أنفسنا ردَّ مزاعمه
فلنجارِهِ في دعوى تعدد الأدلة ،
ونقف معه عند كل دليل يزعم الاستدلال به ،
وإن كان مكرراً ومعاداً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لاشك أن معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم ،
وما هو عليه من حال ،
في جهاده وصبره وأمانته ،
وحرصه على أمته ورأفته بهم ،
ورحمته إياهم ،
كل ذلك يستدعي
قوة التعلق بسنته صلى الله عليه وسلم ،
وزيادة محبته ،
ولكن معرفة ذلك
مطلوبة في كل وقت ،
لا أن التعرف على ذلك
مخصوص بليلة
بعد مضي ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم إن معرفة ذلك ينبغي أن تكون
معرفة بحقيقة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأنه رسول رب العالمين ،
لا يملك من خصائص الربوبية شيئاً ،
ولا يستحق من خصائص الألوهية شيئاً ،
خلافاً لما هو صريح قول المالكي وأضرابه ،
فليس له صلى الله عليه وسلم
من مقاليد السموات والأرض شيء ،
وليس له سلطة في الإقطاع في الجنة ،
وليست الدنيا وضرتها من جوده ،
وليس له علم اللوح والقلم ،
وليس الملاذ والصمد والملجأ
عند حصول المصائب والكربات .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قال تعالى :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}[1] .
وقال تعالى :
{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ }[2] .
وقال تعالى :
{ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَـلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }[3] ،
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
" قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أنزل عليه { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }
فقال:
يا معشر قريش أو كلمة نحوها ،
اشتروا أنفسكم
لا أغني عنكم من الله شيئاً ،
يا عباس بن عبد المطلب
لا أغني عنكَ من الله شيئاً ،
يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا أغني عنكِ من الله شيئاً ،
ويا فاطمة بنت محمد
سليني من مالي ما شئت
لا أغني عنكِ من الله شيئاً" .
===========
[1] - سورة آل عمران ، الآية : 128 .
[2] - سورة القصص ، الآية : 56 .
[3] - سورة التوبة ، الآية : 80 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فمحبته صلى الله عليه وسلم
لا شك أنها مطلوبة شرعاً ،
والإيمان به واجب و متعيّن شرعاً ،
إذ الإيمان بنبينا محمدٍ رسولاً
جزء من الركن الأول من أركان الإسلام ،
لا يتم للعبد إسلام وإيمان حتى يشهد برسالته ،
إلا أن الاحتفالات بالمولد
ليست هي التي تحققها ،
بل إنها بحكم ابتداعها
والقول لدى أصحاب الابتداع بمشروعيتها،
وما تشتمل عليه من منكرات ،
وشركيات ،
واعتقادات وهمية ،
إنها تتعارض مع
محبته صلى الله عليه وسلم ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإن محبته صلى الله عليه وسلم
وكمال الإيمان به
متحقق فيمن كان هواه تبعاً
لما جاء به صلى الله عليه وسلم .
وهذه الاحتفالات في هيئتها العامة
وما تشتمل عليه من جزئيات آثمة
مخالفة تمام المخالفة
لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فكيف أجاز المالكي لنفسه
هذه المغالطة المكشوفة الآثمة ! .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إنه الهوى يُعمي ويُصم ،
وصدق الله حيث يقول :
{ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ
وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[1] .
وحيث يقول :
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ
وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ
أَفلا تَذَكَّرُونَ }[2] .
===========
[1] - سورة الحج ، الآية : 46
[2] - سورة الجاثية ، الآية : 23 .