فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
قال ابن حزم رحمه الله: ((لَو لم يكن من فضل الْعلم إِلَّا أَن الْجُهَّال يهابونك ويُجِلُّونك، وَأَن الْعلمَاء يحبونك ويكرمونك، لَكَانَ ذَلِك سَببًا إِلَى وجوب طلبه، فَكيف بِسَائِر فضائله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلَو لم يكن من نقص الْجَهْل إِلَّا أَن صَاحبه يَحْسد الْعلمَاءَ ويغبط نظراءه من الْجُهَّال، لَكَانَ ذَلِك سَببًا إِلَى وجوب الْفِرَار عَنهُ، فَكيف بِسَائِر رذائله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
لَو لم يكن من فَائِدَة الْعلم والاشتغال بِهِ إِلَّا أَنه يقطع المشتغل بِهِ عَن الوساوس المضنية ومطارح الآمال الَّتِي لَا تفِيد غير الْهَمِّ وكفاية الأفكار المؤلمة للنَّفس، لَكَانَ ذَلِك أعظم دَاع إِلَيْهِ، فَكيف وَله من الْفَضَائِل مَا يطول ذكره وَمن أقلهَا مَا ذكرنَا مِمَّا يحصل عَلَيْهِ طَالب الْعلم، وَفِي مثله أتعب ضعفاء الْمُلُوك أنفسهم فتشاغلوا عَمَّا ذكرنَا بالشطرنج والنرد وَالْخمر والأغاني وركض الدَّوَابِّ فِي طلب الصَّيْد وَسَائِر الفضول الَّتِي تعود بالمضرة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأما فَائِدَة فَلَا فَائِدَة، لَو تدبر الْعَالم فِي مُرُور ساعاته مَاذَا كَفاهُ الْعلم من الذل بتسلط الْجُهَّال وَمن الْهَمِّ بمغيب الْحَقَائِق عَنهُ وَمن الْغِبْطَة بِمَا قد بَان لَهُ وَجهه من الْأُمُور الْخفية عَن غَيره لزاد حمدًا لله عز وَجل وغبطة بِمَا لَدَيْهِ من الْعلم ورغبة فِي الْمَزِيد مِنْهُ([1])))اهـ.
([1]) ((الأخلاق والسير في مداواة النفوس)) (21، 22).
رد: فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
قال تعالى: {وقل رب زدني علما }طه:114.
قال القرطبي رحمه الله: ((فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنَ الْعِلْمِ لَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ أَنْ يَسْتَزِيدَهُ مِنَ الْعِلْمِ([1])))اهـ.
([1]) ((تفسير القرطبي)) (4/ 41).
رد: فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
وقال الله تعالى: {شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم} آل عمران:18.
قال ابن جماعة رحمه الله: ((بدأ سبحانه بنفسه، وثنى بالملائكة، وثلَّث بأهل العلم؛ وكفاهم ذلك شرفًا وفضلًا وجلالةً ونبلًا([1]))).
وقال ابن القيم رحمه الله: ((قَالَ الله تعالى: {شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم} آل عمران:18. ؛ اسْتشْهد سُبْحَانَهُ بأولي الْعلم على أَجَلِّ مشهود عَلَيْهِ وهو توحيده فَقَالَ:{شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط}، وَهَذَا يدل على فضل الْعلم وأهله من وُجُوه:
أحدها: استشهادهم دون غَيرهم من الْبشر.
وَالثَّانِي: اقتران شَهَادَتهم بِشَهَادَتِهِ.
وَالثَّالِث: اقترانها بِشَهَادَة مَلَائكَته.
وَالرَّابِع: أن فِي ضمن هَذَا تزكيتَهم وتعديلَهم؛ فإن الله لَا يستشهد من خلقه الا الْعُدُول.
الْخَامِس: أنه وَصفهم بكونهم أولي الْعلم؛ وَهَذَا يدل على اختصاصهم بِهِ، وأنهم أهله واصحابه لَيْسَ بمستعار لَهُم.
السَّادِس: أنه سُبْحَانَهُ اسْتشْهد بِنَفسِهِ وَهُوَ أجَلُّ شَاهد ثمَّ بِخِيَار خلقه وهم مَلَائكَته وَالْعُلَمَاء من عباده، ويكفيهم بِهَذَا فضلًا وشرفًا.
السَّابِع: أنه اسْتشْهد بهم على أَجَلِّ مشهود بِهِ وأعظمه وأكبره وَهُوَ شَهَادَة أن لَا إِلَه إِلَّا هو، والعظيم الْقدر إنما يستشهد على الأمر الْعَظِيم أكابر الْخلق وساداتهم.
الثَّامِن: أنه سُبْحَانَهُ جعل شَهَادَتهم حجَّة على المنكرين فهم بِمَنْزِلَة أدلته وآياته وبراهنيه الدَّالَّة على توحيده.
التَّاسِع: أنه سُبْحَانَهُ أفرد الْفِعْل المتضمن لهَذِهِ الشَّهَادَة الصادرة مِنْهُ وَمن مَلَائكَته وَمِنْهُم وَلم يعْطف شَهَادَتهم بِفعل آخر غير شَهَادَته، وَهَذَا يدل على شدَّة ارتباط شَهَادَتهم بِشَهَادَتِهِ؛ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ شهد لنَفسِهِ بِالتَّوْحِيدِ على ألسنتهم وأنطقهم بِهَذِهِ الشَّهَادَة؛ فَكَانَ هُوَ الشَّاهِد بهَا لنَفسِهِ إِقَامَة وإنطاقًا وتعليمًا وَهُمُ الشاهدون بهَا لَهُ إِقْرَارًا واعترافًا وَتَصْدِيقًا وإيمانًا.
الْعَاشِر: أنه سُبْحَانَهُ جعلهم مؤدِّين لحقه عِنْد عباده بِهَذِهِ الشَّهَادَة؛ فَإِذا أدوها فقد أدوا الْحق الْمَشْهُود بِهِ، فَثَبت الْحق الْمَشْهُود بِهِ، فَوَجَبَ على الْخلق الإقرار بِهِ، وَكَانَ ذَلِك غَايَةَ سعادتهم فِي معاشهم ومعادهم وكل من ناله الْهدى بِشَهَادَتِهِم وأقر بِهَذَا الْحق بِسَبَب شَهَادَتهم فَلهم من الأجر مثل أجره، وَهَذَا فضل عَظِيم لَا يدري قدره إلا الله، وَكَذَلِكَ كل من شهد بهَا عَن شَهَادَتهم فَلهم من الأجر مثل أجره أيضا.
فَهَذِهِ عشرَةُ أوجه فِي هَذِه الاية([2])))اهـ.
([1]) ((تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم)) (41).
([2]) ((مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة)) (1/ 48، 49).
رد: فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].
قال ابن القيم رحمه الله: ((أَنه سُبْحَانَهُ أخبر عَن رِفْعَة دَرَجَات أهل الْعلم والإيمان خَاصَّة، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ، وَقد أخبر سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بِرَفْع الدَّرَجَات فِي أربعة مَوَاضِع:
أحدها: هَذَا.
وَالثَّانِي: قَوْله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهْمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [لأنفال: 2- 4].
وَالثَّالِث: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 75] .
وَالرَّابِع: قَوْله تَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 95، 96].
فَهَذِهِ أربعة مَوَاضِع، فِي ثَلَاثَة مِنْهَا الرِّفْعَة بالدرجات لأهل الإيمان الَّذِي هُوَ الْعلم النافع وَالْعَمَل الصَّالح، وَالرَّابِع الرِّفْعَة بِالْجِهَادِ؛ فَعَادَت رفْعَة الدَّرَجَات كلهَا إِلَى الْعلم وَالْجهَاد اللَّذين بهما قُوام الدِّين([1])))اهـ.
([1]) ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 51).
رد: فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
جزاكم الله خيرا على النقل أبا يوسف
رد: فضل العلم والسعي في طلبه، ومكانة أهله الحاملين له
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوخزيمةالمصرى
جزاكم الله خيرا على النقل أبا يوسف
وجزاكم مثله أبا خزيمة