رد: حكم طبية في آيات الرضاع
*آية «الميلنة» : قلنا فيما سبق، إن من مزايا حليب الأم ما يقوم به من دور في إغناء دماغ الرضيع ببروتينات خاصة تساعد تكوين مادة المييلين الأساسية للنمو الطبيعي المناسب لدماغ الصنف البشري. والميلنة myèlinisation هي المرحلة التي تقوم فيها بعض خلايا الدماغ المسماة خلايا شفان de cellules chwann بتلفيف محاور الخلايا العصبونية neurones وتغطيتها لتمكنها من أداء دورها على غرار الأسلاك الكهربائية التي تكون عارية من كل غشاء عازل، فتقوم المييلين مقام عازل كهربائي لمحور الخلية العصبية عن المحيط الذي يمتد فيه. ومن المدهش أن نسجل هنا أن المدة الزمنية التي تتطلبها هذه المرحلة الأساسية لما سميناه« الميلنة» لا تتم كاملة إلا بعد سنتين من الولادة، مصداقا للآية الكريمة الواردة في سورة البقرة : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة...) صدق الله العظيم (الآية : 233). ونعلم كذلك أن دماغ المولود لا يكون عند الولادة قد استوفى تكوينه وتطوره ماديا. فمرحلة تكوين الدماغ تستمر بعد الولادة مدة السنوات الأولى من الحياة؛ ويتطلب ذلك كما سبق ذكره توفر مادة المييلين التي تتكون بفضل الرضاع ومواده الأساسية والخاصة، بكل نوع أو فصيلة من الثدييات أو عند بني البشر. ولمزيد من الإيضاح، فالآية السالفة الذكر تشير إلى مدة حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، فتوافق بذلك مدة « الميلنة» سنتين كاملتين لإتمام عملية تكوين الدماغ على الخصوص ما يتعلق منه بالمواد التي لا يوفرها بخصوصياتها إلا الرضاع الطبيعي. * من فوائد الرضاع الطبية : (4 – 8 – 9 12) 1 – الوقاية من الأمراض الجرثومية: يمتاز وينفرد حليب الأم المرضع باحتوائه مادة الإمينوكلوبلين أ(((I g A)ImmunoglobulinesA .هذه المادة يفتقر إليها الرضيع، إذ لا يمكن لجسمه صنعها بالمقادير الكافية إلا بعد ثلاثة أشهر من الولادة، ولا يمكنه الحصول عليها إلا من حليب المرضع فتقيه من الأمراض الجرثومية، لاسيما منها تعفنات الأمعاء...، وكذلك التعفنات من مصدر حموي viral أو تعفنات جرثومية خارج الأمعاء أو تعفنات فطارية mycosiques. 2- الوقاية من الحساسية : تنتج هذه الوقاية بفضل كذلك مادة I g A الموجودة في حليب المرضع. ويحدث ذلك بما تقوم به المادة من تغطية للغشاءالداخلي لأمعاء الرضيع، فتمنع الأمعاء من امتصاص البروتينات الأجنبية عن الجسم. وبهذا توفر الوقاية، أثناء الأسابيع الأولى، من الحساسية . فلو لا مادة I g A قد تترتب عن تلك المواد الأجنبية حساسية بجسم الرضيع. على عكس ذلك يعطي الحليب الاصطناعي مواد مضادة للجسم تسمى المستضدات antigènes بمقادير مهمة جدا، لا سيما منها « البيطا لاكتوكلوبولين» βLactoglobulines الموجودة في حليب البقر. وهذه المواد مضرة حتما بالطفل، إذ يكون في حالة لا تسمح له بعد بالوقاية منها. وتبدو عواقب ذلك بعد بسنوات. فهؤلاء الرضع الذين لم يحصلوا في الشهور الأولى على بروتينات من حليب البقر، تجدهم أقل عرضة من الآخرين للإصابة – ثلاث إلى أربع مرات – بالتهاب الأنف الأرجي rhinite allergique وبداء الربو asthrne ، أو بالإكزيمة eczèma. 3- الوقاية من داء السمنة : يكون الرضيع الذي استوفى حظه من الرضاع الطبيعي لمدة طويلة وكافية أقل عرضة لداء السمنة من الآخرين، إذ يحصل أثناء تلك المدة على أقل كمية من المواد التي تهيء للإصابة بالسمنة من دقيق اللبن بأنواعه المختلفة farines ، والسكروز saccharose ، والصوديوم sodium .هذا، ومن جهة أخرى فإن حليب (الرضاعة) الاصطناعي يبقى في مركباته ثابتا لا تتغير مواده بالمص، على عكس ما يحدث بجراء مص الثدي من تغيرات في مركبات الحليب الطبيعي، لا سيما على مستوى مواده الدهنية، فيستفيد من ذلك الرضيع. 4- الرضاع والوقاية من ارتفاع ضغط الدم : بينت دراسات تعتمد على التجارب على الحيوان أن تغذية الطفل بحليب البقر أو بمواد متنوعة تعطى له باكرا، من شأنها أن تفور مقادير كبيرة من مادة الصوديوم، وقد ينتج عن ذلك ارتفاع ضغط الدم لاحقا، مما يبين دور الرضاع الطبيعي، إن لم يكن في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم – فبعدم تعريض الطفل لهذا الداء المزمن، إذ نلاحظ أن حليب المرضع لا يسبب تراكم كميات الصديوم بجسم الرضيع. 5- الوقاية من السمنة ما بعد الحمل : يتيح الرضاع للمرضع الاستعمال الفزلجي للدهنيات التي تراكمت في الجسم أثناء الحمل، ويساعد بذلك على الوقاية من السمنة ما بعد الحمل. 6- الرضاع وفوائده النفسانية : بينت عدة دراسات ميدانية أن الرضاع لما يكون بمحض إرادة الأم وبقبول تام منها، فإنه يعطيها تألقا إضافيا، ومن فوائده أنه يرسخ دور الأمومة. أما بالنسبة للرضيع – ونتيجة لهذه التجربة – فلا مثيل لهللتجاوب العاطفي ، وسنعود لهذا الأمر في فقرة لاحقة. 7- تغير حليب الأم وطبيعته الكيماوية : يتبين أن حليب الأم يتغير تكوينه وطبيعته الكيماوية والغذائية بتغير ظروف الأم، لا سيما تغذيتها وحالتها النفسية، وطبيعة عملها من قبيل إرهاق أو توتر عصبي ليؤثرسلبا على الرضيع، أو عكس ذلك إن كانت حالتها النفسية مرضية، ولا تتعرض لتعب بدني. ويتغير الحليب كذلك حسب حاجات الطفل عموما وأثناء اليوم الواحد (بتغير الطقس مثلا) لفائدة الرضيع. فحليب الصباح غير حليب الزوال أو المساء ، ويتغير كذلكأثناء الوجبة الواحدة أو من مصة إلى أخرى...، لنبين هذا الأمر العجيب بشيء من التفصيل: ففي الأيام الأولى من اليوم الأول إلى السادس، يحتوي حليب الأمعلى اللبأ colostrum، ومن اليوم السادس إلى الرابع عشر يكون الحليب حليبا موقة في تركيبه ومحتواه ما بين المرحلة السابقة واللاحقة. أما الحليب ما بعد اليوم الرابع عشر، فيكون حليبا قد استكمل خصائصه ليناسب هذه المرحلة. واللبأ البشري له خاصيات كيميائية إحيائية تخصه، فهو يحتوي مقادير ضئيلة من اللاكتوز والدهنيات، لكنه غني بالأملاح المعدنية والبروتينات(الم ادات العضوية، لاكتوز انسفيرين) وأوليكوساكاريد. ومن فوائد اللباء أنه يساعد على طرد الخبث الموجود في أمعاء الوليد في الأيام الأولى من الحياة، ويطلق عليه في الطب عقي meconium . أما عند استكمال الحليب الناضج لخصائصه المناسبة للمرحلة الثالثة ما بعد اليوم الرابع عشر، فتتغير مكوناته، وأثناء الرضع يكون إفراز الحليب خفيفا( من حيث كثافته) في البداية للرضعة الوحيدة ليصير مكثفا شيئا فشيئا من مصة لأخرى، مع ازدياد لكثافة المواد الدهنية بنسبةمضاعفة أربع مرات: ويبدو أن هذا التغيير له تأثير على شهية الرضيع. وأثناء اليوم والليلة فإن كثافة المواد الدهنية (الموجودة في الحليب) تتزايد ما بين السادسة والعاشرة صباحا، وتقل في الليل. وأثناء شهور الرضاع تنخفض تدريجيا نسب اللكتوفيرين Ig As والزنك. فلا يوجد حليب اصطناعي يمكنه مضاهاة الحليب الطبيعي والتكيف مع حاجيلت الطفل بدقة، كما هو شأن الحليب الطبيعي. وهذا التغير يجري بكيفية طبيعية فطرية وعجيبة، تستدعي وقفة تأمل...، ففي كل ذلك آيات معجزات نمر عليها مرور الكرام، فلنتفكر في هذا الأمر العجيب مرة أخرى...، ولنعيدالتفكر ونقول: سبحان مبدع كل شيء...، ومن ثم هل من مقارنة لحليب الأمالطبيعي الفطري والرضاع الطبيعي بالحليب الاصطناعي والرضاع الاصطناعي! * دور الرضاع في رشاقة جسم المرأة النفساء : وهناك كذلك أهمية فطرية أخرى للرضاع وما له من أثر على الجهاز التناسلي عند الرضيع. إذ يبين علم فزلجة الولادة والنفاس أنه مباشرة بعد خلاص الجنين يتقلص الرحم، فيصير صلبا ومتكورا، ويكون الرحم في البداية منثنيا إلى الأمام وكروي الشكل، فيحدث بالتناوب تقلص وارتخاء أثناء الأيام الأولى، ثم ينخفض عدد التقلصات إلى أن يتوقف. وأثناء الإثنى عشرة يوما يكون الرحم بطنيا، فيصل مستوى قعره في أول يوم ما فوق السرة بقدر حجم أصبع. وفي اليوم السادس يهبط المستوى إلى نصف المسافة ما بين السرة والتصاق عظم العانة، ويصير من جديد داخل الحوض ما بعد اليوم الثاني عشر. ويحدث مغص شديد عند المرأة المولود بسبب تقلصات الرحم المتقطعة والمؤلمة، ويكون هذا بحدوث ألم شديد بالرحم أثناء يومين أو ثلاثة أيام بعد الولادة يصحبه نزف أو طرد للدم المتختر. وكل ذلك له علاقة بمص الرضيع للثدي، فيتكاثر به بواسطة منعكسات عصبية. ويكون عنق الرحم مفتوحا، مرتخيا ومتشنجا في البداية فينكمش بسرعة. وتصير جدرانه صلبة، وسمكة وينخفض طوله...، وكذلك يحدث انكماش وتصاغر بالمسالك الولادية السفلى... وعلى هذا النحو يتبين من كل ما سبق مدى ما تحرم المرأة نفسها في فترة النفاس بعدم استجابة نداء الفطرة بإرضاع طفلها، لذا فمن أجل رشاقة جسمك يا سيدتي وللمحافظة على جمالك وصحتك يتعين عليك أن ترضعي طفلك. تلكم بعض ما يمكن تسجيله من أثر سلبي بعدم الرضاع الفطري. * رباط عاطفي متين : يصور القرآن الكريم الرباط العاطفي للمرضع بالرضيع ومتانة تلك العاطفة في معرض الحديث عن هول يوم القيامة في الآية التالية من سورة الحج : (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) آية : 2؛ والآية الكريمة تشير إلى أن كل مرضع تذهل عما أرضعت، فجاء فعل الإرضاع في الماضي ليبين أن علاقة المرضع بالرضيع مستحكمة وقديمة، غذتها المرضع بما تغذقه من حليب في فم الرضيع، وما تقدمه له من حنو وحنان وعاطفة تشتد رسوخا مع مر الأيام بمص الرضيع لثديها، فتكونت بذلك ما يسمى في اصطلاح علم النفس تلك العلاقة النفسانية – العاطفية relation psycho-affective بين المرضع والرضيع، فصارت رابطة متينة متغلغلة في أعماق وجدانيهما لايقوى على فك عروتها وكسرها شيء في الوجود بمشيئة الله... غير أن هول يوم القيامة أكبر وأشد على النفس من تلك العاطفة التي ما كانت لتنكسر، وهي مستوطدةومستحكمة الوثاق إلا لهذا الأمرالجلل. ويثبت علم النفس والطب الحديث هذا الأمر، بما في الرضاع ومص الرضيع لثدي المرضع من أثر نفساني وعاطفة تشتد مع مر الأيام بفضل الرضاع الطبيعي. فلا تعرف الأم التي لاترضع من ثدييها تلك العاطفة وما تحدثه في كيان المرضع والرضيع سواء... فيا لتعاستها وشقائها...، ويا حسرتاهلما فرطت فيه وزهدت عنه...، فظلمت بذلك نفسها ووليدها ! * قضية أبناك الحليب ودور المرضع : هذا، والجدير بنا من جهة أخرى أن نقف موقف الرفض من الحلول المستوردة لقضايا طبية إذا ثبتتمخالفة لعقيدتنا ولديننا دين الفطرة، وأن نطرح البديل الإسلامي لها. وليس للفقهاء أن يتبنوا أمورا مستحدثة في الطب بفتوى تقتصر على سؤال سطحي يطرححول مسألة، قد لايبين كل جوانبها. من ذلك مسالة أبناك الحليب ومسألة الاستنجاب بطريقة التلقيح الاصطناعي. فقد أفتى بعض علمائنا بجواز أبناك الحليب، وطالعتنا المجلات والصحف بذلك. وفتوى مجردة هكذا لها سلبياتها ولا يعلم إلا الله عواقبها، وحري بنا عندتقديم فتوى في مثل هذه المسائل، التريث حتى تدرس كل جوانب الموضوع بدقة من طرف أطباء مسلمين وعلماء الفقه والشريعة، لئلا يكون نص الفتوى فيه التباس، أو يتضمن افتراضات نعلم طبيا أنها مخطئة تماما( مثل تلك الفتوى بين الكراهية والحرمة للسجائر حسب عددها أو كونها تضر أولا تضربصحة من يتعاطاها، على أننا نعلم علم اليقين طبيا أنها مضرة بصحة أي شخص، قل عددها أو كثر). وحول قضية أبناك الحليب والفتوى حولها عدة أسئلة كان على عالم الفقه أن يطرحها قبل الإدلاء بفتواه، من بينها : - ماهو مفهوم أبناك الحليب قبل كل شيء؟ ليكون في العلم أن أبناك الحليب تهدف إلى جمع حليب المرضعات بآلات من الثدي مباشرة على غرار ما يجري لاستخراج الحليب من البقر بالطرق العصرية، ثم يجمع ويقنن بكيفية منفردة أو بعد خلطه مع بعضه، ويخزن بقصد الاستعمال عند الأطفال الرضع بكيفية عشوائية لا تأخذ بعين الاعتبار مصدر الحليب ولا تضبط الطفل الذي يحصل عليه. وقد ينتج من ذلك خلط في المحارم من الرضاع. وإننا نعلم بنص القرآن أن المرضع بمثابة الأم، وكذا رابطة الأخوة الناتجة عن الرضاع من ثدي نفس المرضع؛ مصداقا للآية الكريمة في سورة النساء: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكموأخواتكم من الرضاعة) آية : 23. -ما هي الحالات التي يرى الطب أنها تستدعي الاستعانة بأبناك الحليب؟ - هل للحليب المخزون في تلك الأبناك نفس المزايا التي توجد في حليب المرضع، ولا يعرض الطفل لأدنى خطر؟ -ما هي مساوئ أبناك الحليب وأخطارها: سواء الاقتصادية، والتجهيزية، ومخلفاتها الصحية والنفسية على الطفل؟ - هل لا يوجد هناك حل آخر بالرجوع مثلا إلى تعاليم الإسلام مع إعطاء مكانة لائقة لوظيفة المرضع من جديد في مجتمعنا؟ الطريقة تبقى فطرية،طبيعية، بسيطة، ذات مزايا اقتصادية وصحية على الطفل، فإلى جانب مزايا حليب المرضع الطري هناك خلق فرصة لكسب القوت الحلال لامرأة في حاجة مادية، فهي أفضل لها من اللجوء إلى بيع عرضها والتسكع في الشوارع، وفي نفس الوقت تقوم هذه المرضع بدور الحاضنة بالنسبة للطفل، ويكون هذا حلا بالنسبة كذلك لأسرة الطفل، إن كانت ظروف الأم لا تساعد على القيام بواجبها الفطري نحو طفلها الرضيع؛ (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) آية : 233 من سورة البقرة. ولقد أشار القرآن إلى هذا المصدر من الرزق الحلال للمرضع في سورة الطلاق : (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن...) آية :6. ويقول الله سبحانه وتعالى كذلك في سورة الطلاق: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى)الآية : 6. ولم يتعرض لأبناك الحليب. حقا إن الله عز وجل لم ينف كذلك هذه الوسيلة بنص قطعي، ولكن قياسا بالارشاد الإلهي هنا إلى الإرضاع بواسطة المرضع، هل يمكن القول بأن المسألة لم تعد تقبل نقاشا (وهذا مجرد رأي وليس تصديا للفتوى)، سيما وأن الطب يقنن الحالات التي تستوجب الرجوع إلى هذه الأبناك، فلا تكاد تتعدى حالات الأطفال المولودين قبل الموعد المرتقب (خدجاء) مع نقص في الوزن (أقل من كيلوغرامين ونصف)، أو حالات خاصة لأطفال رضع مرضى، ويتبين كذلك أن الأفضل بالنسبة لهم حليب الأم، أو المرضع الطري مباشرة من الثدي (إذا أمكن) بالطريقة الطبيعية الفطرية. والإسلام دين الفطرة يأخذ بأحسن أساليب العلاج في هذه الحال. زد على ذلك ما يمكن أن يترتب على أبناك اللبن من عدم معرفة مصدر الحليب بالنسبة لحرمة الزواج الناتجة عن ذلك كما سبق ذكره. وهذا كله دون التعرض للثمن الفاحش للحليب المخزون. * خاتمة : نستخلص من هذه الدراسة فطرية الرضاع الطبيعي وفوائده الصحية، وأهميته عند المرضع والرضيع سواء. ويمكن تلخيص أهم فوائد حليب المرضع في كونه: يعطي وجبة متوازنة باستعمال مواد غذائية ضرورية لنمو الجسم والدماغ نموا مناسبا، ويتح وقاية ضد الجراثيم والحساسية؛ ويتغير ليناسب احتياجات الطفل؛ ويقوي الرابطة العاطفية بين المرضع والرضيع؛ ويقوم بدور في إعادة الرشاقة لجسم المرضع في مرحلة النفاس. كما بين هذا البحث بعض أوجه الإعجاز العلمي في الآيات القرآنية حول الرضاع والحكم الربانية التي تدهش العالم المتأمل في خلق الله. وتعرض البحث لمناقشة قضية أبناك الحليب واقتراح تجديد دور المرضع في عصرنا.وقدمنا نقدا بناءا لموقف بعض الفقهاء من هذه المسألة .
• المراجع العربية :
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.
- الدكتور أمل العلمي، نحو طب إسلامي
رد: حكم طبية في آيات الرضاع
حليب ثدي الأم والرضاعة الطبيعية:
يشير حليب الثدي البشري إلى الحليب الذي تنتجه الأم البشرية لتغذية طفلها. ويعتبر المصدر الرئيسي لتغذية الوليد قبل أن يكون قادراً على تناول وهضم الطعام والمواد الغذائية الأخرى، ويستطيع كبار الرضع والأطفال الصغار الاستمرار في الرضاعة الطبيعية.
والرضاعة العادية للطفل من أمه هي أكثر الطرق للحصول على حليب الثدي، كما يمكن أيضا أن يضخ الحليب ويغذي به الطفل بعد ذلك بزجاجة أو كأس و/ أو ملعقة أو بالتنقيط أو عن طريق أنبوب أنفي معدي. ويمكن أيضا أن تقدم حليب الثدي امرأة أخرى غير أم الطفل، وذلك إما عن طريق ضخ الحليب (على سبيل المثال من بنك الحليب)، أو عندما ترضع امرأة أخرى طفل آخر في صدرها، وهو ما يعرف بالإرضاع الغيري. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية الحصرية طوال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل، وتقديم المواد الصلبة تدريجيا في هذا العمر، عندما تظهر علامات الاستعداد لذلك. وتوصي أيضا بالرضاعة الطبيعية المكملة حتى عمر سنتين على الأقل، ما دامت الأم والطفل يرغبان في ذلك. ولا تزال الرضاعة الطبيعية تقدم فوائد صحية في بداية المشي وبعده أيضاً. وتشمل هذه الفوائد: خفض خطر متلازمة موت الرضع المفاجئ (الدول النامية الجزرية الصغيرة) وتقليل احتمال الإصابة بأمراض الأذن الوسطى والبرد والأنفلونزا، وتقلل الرضاعة الطبيعية من بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم في مرحلة الطفولة، وتخفض مخاطر الإصابة بمرض السكري في مرحلة الطفولة وخطر الإصابة بالربو والأكزيما وتقلل من مشاكل الأسنان وخطر الإصابة بالبدانة في الحياة لاحقا، ومخاطر الإصابة بالاضطرابات النفسية. وأيضا توفر الرضاعة الطبيعية فوائد صحية للأم. فهي تساعد الرحم على العودة إلى حجمه ما قبل الحمل وبعد الولادة، وتقلل من النزيف، وكذلك تساعد الأم في العودة إلى وزن ما قبل الحمل. كما تقلل الرضاعة الطبيعية أيضا من خطر الإصابة بسرطان الثدي في الحياة لاحقا.
تركيب حليب الثدي البشري:
الخصائص المتكاملة الدقيقة لحليب الأم ليست مفهومة تماما، ولكن المحتوى الغذائي بعد هذه الفترة نسبيا يتلاءم وتوجه مكوناته في امدادات الأم الغذائية. وإذا لم يتوفر العرض الكافي، يتم الحصول على المحتوى من مخازن الأم الجسدية. ويختلف التكوين الدقيق لحليب الأم من يوم لآخر، بناء على الاستهلاك الغذائي وعلى البيئة مما يعني تقلب نسبة المياه إلى نسبة الدهون في الحليب. يبدأ إنتاج اللباء خلال الأيام القليلة الأولي بعد الولادة. واللباء سائل رقيق مصفر، وهو نفس السائل الذي يتسرب من الثدي خلال فترة الحمل. وهو غني بالبروتين والأجسام المضادة التي توفر الحصانة السلبية للرضيع (النظام المناعي للرضيع لا يتم تطويره بشكل كامل عند الولادة). ويساعد اللباء أيضا الجهاز الهضمي في حديثي الولادة على النمو وعلى تأدية وظائفه بشكل صحيح. ومن بعد 3 إلى 4 أيام يبدأ الثدي في إنتاج الحليب المائي الرقيق والحلو. وهذا يروي عطش الطفل، ويوفر احتياجاته من البروتينات والسكريات والمعادن. ومع مرور الوقت يتغير الحليب ويصبح سميكا ودسما. وهذا يسكن جوع الطفل، والحليب الابتدائي هو الحليب الذي يخرج مع بداية التغذية، وهو مائي ومنخفض الدهون وعالي الكربوهيدرات ذات العلاقة بالحليب الأكثر دسما الذي يتم تحريره كلما تقدمت التغذية. لا يمكن أن يكون الثدي "فارغا" تماما من الحليب، حيث أن عملية إنتاج الحليب هي عملية بيولوجية مستمرة. يظل مستوى الجلوبلين الأميني أ، (ايغا) في حليب الثدي مرتفعا، على الأقل منذ اليوم العاشر للولادة وحتى السبعة أشهر ونصف التالية للولادة. ويحتوي الحليب الإنساني على 0.8 ٪ إلى 0.9 ٪ بروتين و4.5 ٪ دهون و7.1 ٪ كربوهيدرات و0.2 ٪ رماد (معادن). والكربوهيدرات أساسا هي، لاكتوز: العديد من اليغوساكاريدس المبنية على اللاكتوز، بوصفها عناصر بسيطة. الكسر الدهني يحتوي على دهون ثلاثية معينة من الحامض النخيلي وحمض الأوليك (الدهون الثلاثية OPO)، وأيضا على كمية كبيرة إلى حد بعيد من الدهون المشبعة مع روابط غير مشبعة (انظر: الدهون غير المشبعة)، التي تعتبر أن لها منافع صحية. وهي، حامض الفاكسين، وحامض اللينوليك المترافق (CLA) الذي تبلغ نسبته 6 ٪ من دهون الحليب البشري. البروتينات الرئيسية هي الكازين (مماثلة إلى أبقار بيتا كازين) وألفا لاكتالبومين واللاكتوفيرين و IgA والليسيوزيم وألبومين المصل والزلال في الدم. وفي بيئة حمضية مثل المعدة تتطور ألفا لاكتالبومين إلى شكل مختلف، وتربط حمض الأوليك لتشكيل عقدة تسمى هاملت، وهي التي تقتل خلايا الأورام. وهذا للمساهمة في حماية الأطفال الذين يرضعون طبيعيا من السرطان. تشكل المركبات غير البروتيننية المحتوية على النيتروجين إلى 25 ٪ من نتروجين الحليب، بما في ذلك اليوريا وحمض اليوريك والكرياتين والكرياتينين والأحماض الأمينية والنوكليوتيدات. لحليب الأم ايقاعات مختلفة يوميا، فبعض النيوكليوتيدات لها نهاية طور أثناء الليل، والبعض الآخر خلال اليوم. وقد اتضح أن حليب الأم يحتوي على نوع من القنب الهندي (ناقلات عصبية تشبه الماريجوانا) و2 -أراشي دونويل الجلسرين. وعلى الرغم من أن حليب الثدي تقريبا يعتبر الآن موصوف عالميا، إلا أنه في بعض البلدان في السنة 1950 مرت ممارسة الرضاعة الطبيعية بفترة عدم رواج، وانتشر استخدام بدائل حليب الأم التي كانت تعتبر أفضل من حليب الثدي. وعلى كل، من المسلم به عالميا الآن أنه لا توجد صيغة تجارية يمكن أن تقف على قدم المساواة مع حليب الأم. هذا بالإضافة إلى احتوائه على الكميات المناسبة من الكربوهيدرات والبروتين والدهون، كما يوفر أيضا حليب الثدي الفيتامينات والمعادن والانزيمات الهضمية والهرمونات، وجميع الأشياء التي يتطلبها نمو الرضيع. ويحتوي حليب الأم على الأجسام المضادة وعلى الخلايا الليمفاوية من الأم التي تساعد الطفل في مقاومة الالتهابات. وظيفة المناعة في حليب الأم هي وظيفة فردية، حيث أن الأم وعن طريق لمساتها ورعايتها للطفل، يكون جسمها على اتصال معه وبالتالي ينتج جسمها الأجسام المضادة المناسبة وخلايا المناعة. وينبغي على النساء الذين يرضعن أطفالهم طبيعيا، التشاور مع الطبيب فيما يخص ما المواد التي يمكن أن تنتقل عن غير قصد إلى الرضيع عن طريق حليب الثدي، مثل الكحول، وفيروساتنقص المناعة البشرية HTLV-1) ) أو الأدوية.
مقارنة مع أنواع حليب أخري:
تنتج جميع أنواع الثدييات الحليب، ولكن يختلف تركيب الحليب كثيرا بين كل نوع. وغالبا ما تختلف الأنواع الأخرى من الحليب كثيرا عن حليب الثدي البشري. وكقاعدة عامة في الثدييات، (بما في ذلك أطفال الإنسان الرضع)، يكون الحليب الذي يرضع منه أحيانا كثيرة، أقل ثراء، أو أكثر ماء عن حليب الثدييات التي ترضع صغارها أحيانا أقل. وحليب الإنسان، هو أرق حليب بشكل ملحوظ وأكثر حلاوة من حليب البقر. لا يحتوي حليب البقر الكامل الدسم على الكمية الكافية من فيتامين ج، أو الحديد، أو الأحماض الأمينية الأساسية، مما يعرض الأطفال الذين يتغذون عليه للإصابة بفقر الدم. ويحتوي أيضا حليب البقر الكامل الدسم على كميات مفرطة من البروتين والصوديوم والبوتاسيوم، مما قد يشكل ضغطا على كليتي الرضيع. إضافة الي أن البروتينات والدهون في حليب البقر كامل الدسم، أكثر صعوبة من أن يهضمها أو يمتصها الرضيع، عن تلك الموجودة في حليب الأم. قد يكون الحليب المكثف أسهل هضما، بسبب عملية تجهيز البروتين، إلا أن ذلك لا يكفي من الناحية التغذوية. وهناك أقلية كبيرة من الأطفال لديهم حساسية لواحد أو أكثر من مكونات حليب البقر، وفي الغالب الأعم بروتين حليب البقر. ومن الممكن أن تؤثر هذه المصاعب على صيغة حليب الأطفال المستمدة من حليب البقر.