جزاكم الله خيرا
عرض للطباعة
جزاكم الله خيرا
هناك أفعال وأقوال تكون زائدة أو ناقصة في الصلاة ، وسجود السهو منه الواجب ومنه السنة ، هل يمكن عمل جدول يوضح ذلك ؟ بشكل مختصر وواضح ؟
أم ان الأمر يختلف ؟
وفقكم الله تعالى
في الشرح الممتع : ... وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟
الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ، فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه، فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان.
وقيل: عليه سُجود السَّهْوِ بترك الواجب جهلاً؛ قياساً على النسيان؛ لعدم المؤاخذة في كُلٍّ منهما...
...تتمة: ولو فَعَلَ المستحب في غير موضعه؛ بأن رَفَعَ يديه في الانحدار إلى السجود ناسياً؛ فهل يُشرع السُّجود؟
الجواب: لا يُشرع السُّجود؛ لأنه إذا لم يُشرع السُّجود لتركه وهو نقص في ماهيَّة الصَّلاة؛ فلا يُشرع لفعله مِن باب أَوْلَى، لكنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه من جنسها، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ في باب سجود السَّهو أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فإنه يُسنُّ له أن يسجد للسَّهو، كما لو قال: «سبحان رَبِّيَ الأَعلى» في الرُّكوع، ثم ذَكَرَ فقال: «سبحان رَبِّي العظيم» فهنا أتى بقول مشروع وهو «سبحان رَبِّيَ الأَعلى»، لكن «سبحان رَبِّي الأعلى» مشروع في السُّجود، فإذا أتى به في الرُّكوع قلنا: إنك أتيت بقول مشروع في غير موضعه، فالسُّجود في حقِّكَ سُنَّة.
وهذا هو المذهب ، أعني التفريق بين القول المسنون والفعل المسنون، حيث قالوا: إنْ أتى بقول مشروع في غير موضعه سُنَّ له سجود السَّهو، وإن أتى بفعل مسنون في غير موضعه لم يُسنَّ له السُّجود، وفي هذا التفريق نظر؛ فإن عموم الأدلة في السُّجود للسَّهو يقتضي أنْ لا فَرْقَ.
لم أستطع عمل الجدول المفصل فهناك أقوال !! فالجدول العام أيسر وأقرب للفهم والحفظ.
زادكم الله علما وفقها ،،
قوله: (مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ): أي: أنَّ صلاة الليل تُصلى ركعتين ركعتين، يفصل بينها بسلام، ثم يوتر بركعة واحدة منفصلة؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى([1])».
وهناك صفات أخرى وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع:
فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا([2]).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا([3]).
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ...([4]).
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ([5]).
قوله: (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ): فإن كانت الركعة الواحدة تجزئ؛ إلا أنه يُستحب أن يصلي قبلها شفعًا؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بِسَلَامَيْنِ): أي: الأفضل والأكمل إن اقتصر على ثلاث ركعات، أن يفصل بين الشفع والوتر بتسليم؛ حتى تكون الركعتان الأوليان شفعًا لركعة الوتر.
قوله: (وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ([6]).
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت قبل الركوع.
فَعَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ القُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ؛ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ([7]).
وعليه؛ فيكون موضعُ القُنُوتِ مِن السُّننِ المتنوِّعةِ؛ التي يَفعلُها أحيانًا هكذا، وأحيانًا هكذا([8]).
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738).
[3])) أخرجه مسلم (737).
[4])) أخرجه مسلم (746).
[5])) أخرجه أحمد (26486)، والنسائي في ((المجتبى)) (1715)، وفي ((الكبرى)) (1408)، وابن ماجه (1192).
[6])) أخرجه البخاري (4560).
[7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4096)، ومسلم (677).
[8])) ((الشرح الممتع)) (4/ 20).
قوله: (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ): ودليل ذلك حديث الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ عَنْهُمَا، عَلَّمَنِي رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ([1])».
قوله: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ): ودليل ذلك حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِك َ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ([2])».
قوله: (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): أي: بعد الفراغ من الدعاء؛ ودليل ذلك ما ورد عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِي - وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - أَنَّ عُمَرَ، خَرَجَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِي، فَطَافَ بِالْمَسْجِدِ وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي أَظُنُّ لَوْ جَمَعْنَا هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَخَرَجَ عُمَرُ عَلَيْهِمْ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هِيَ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ، - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - فَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، وَكَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ: اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِوَعْدِكَ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَأَلْقِ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، إِلَهَ الْحَقِّ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ لَعْنَةِ الْكَفَرَةِ، وَصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ، وَاسْتِغْفَارِه ِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ، وَمَسْأَلَتِهِ: اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ رَبَّنَا، وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ لِمَنْ عَادَيْتَ مُلْحِقٌ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَهْوِي سَاجِدًا([3]).
وقد وردت زيادة: ((وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ)) في حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما، وهي زيادة ضعيفة لا تصح([4]).
فالثابت في ذلك عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
قوله: (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ): خلف إمامه في الدعاء؛ وهذا مجمع عليه، قال ابن قدامة رحمه الله: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا([5]).
واستدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ([6]).
وما جاز فعله في صلاة الفريضة جاز في صلاة النافلة.
قوله: (وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ): فيقول: «اللَّهُمَّ اهْدِنا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ...»؛ وذلك لئلا يخص نفسه دون المأمومين.
وقد ورد عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ([7])».
وهو حديث لا يثبت.
[1])) أخرجه أحمد، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ، وَلَا نَعْرِفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القُنُوتِ فِي الوِتْرِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا))، والنسائي (1745)، وابن ماجه (1178)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (429).
[2])) أخرجه أحمد (751)، وأبو داود (1427)،والترمذي (3566)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ))، والنسائي (1747)، وابن ماجه (1179)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (430).
[3])) أخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1100)، وصححه الألباني في ((قيام رمضان)) (31).
[4])) تفرد بها النسائي (1746)، وضعف هذه اللفظة الألباني في ((الإرواء)) (431)، وقال في ((تمام المنة)) (243): ((هذه الزيادة في آخره ضعيفة لا تثبت؛ كما قال الحافظ ابن حجر والقسطلاني والزرقاني، وفي سندها جهالة وانقطاع)).
[5])) ((المغني)) (2/ 113).
[6])) أخرجه أحمد (2746)، وأبو داود (1443)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (5/ 187).
[7])) أخرجه أحمد (22415)، وأبو داود (90)، والترمذي (357)، وقال: ((حسن))، وابن ماجه (923)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (6334)، ومحققو المسند.
قوله: (وَيمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقًا): أي: يُشرع رفع الأيدي في القنوت، ويمسح الداعي وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء مطلقًا في دعاء الوتر وغيره.
فأما رفع اليدين في القنوت فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي حديث أنس بن مالك الطويل في حادثة بئر معونة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على مَنْ قَتَلَ أصحابَه الكرام، قال أنس رضي الله عنه: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ([1]).
وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء؛ فقد استدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَوْتَ اللَّهَ فَادْعُ بِبَاطِنِ كَفَّيْكَ، وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ([2])».
وهو حديث منكر.
واستدلوا أيضًا بحديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ([3]).
وهو حديث ضعيف جدًّا.
كما استدلوا بحديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ([4]).
ولا يثبت أيضًا.
قال البيهقي رحمه الله: ((وَرُوِّينَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ فَأَمَّا مَسْحُ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دُعَاءِ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ([5]))).
والوارد عن أحمد رحمه الله أنه كان لا يفعل ذلك.
قال عبد الله: سَأَلت أبي عَن رفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت، قَالَ لَا بَأْس بِهِ رَوَاهُ لَيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن الأسود عَن أبيه؛ أن ابْن مَسْعُود كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الْقُنُوت.
قَالَ: قلت لأبي: يمسح بهما وَجهه
قَالَ: أرجو أن لَا يكون بِهِ بَأْس.
قَالَ عبد الله: لَمْ أرَ أبي يمسح بهما وَجهه([6]).
وقال أبو داود رحمه الله: سمعت أحمد، سُئل عن الرجل يمسح وجهه بيده إذا فرغ في الوتر؟ قال: لم أسمع به، وقال مرة: لم أسمع فيه بشيء. قال أبو داود: ورأيت أحمد لا يفعله([7]).
قوله: (والتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَة): واستدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ([8]).
وهو حديث منكر.
كما استدلوا بما ورد عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً([9]).
وفيه انقطاع بين يزيد بن رومان وعمر بن الخطاب رضي الله عنه([10]).
قلت: والصحيح الثابت في عدد ركعات التراويح، حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً([11]).
وهو الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فقد روى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً([12]).
[1])) أخرجه أحمد (12402)، وصححه الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 957).
[2])) أخرجه أبو داود (1485)، وابن ماجه (1181)؛ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رحمه الله: «رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا»اهـ. وقال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (2/ 179، 180): ((وهذا سند ضعيف من أجل ابن حسان؛ فإنه منكر الحديث كما قال البخاري. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان صاحب قينات وسماع, وكان يروي الموضوعات عن الأثبات, وقال ابن أبى حاتم فى "العلل" (2/351) : سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: منكر.
قلت: وقد تابعه عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب به, أخرجه ابن نصر.
قلت: ولا يُفرح بهذه المتابعة؛ لأن ابن ميمون حاله قريب من ابن حسان, قال ابن حبان: يروي أحاديث كلها موضوعات. وقال النسائي: ليس بثقة))اهـ. .
[3])) أخرجه الترمذي (3386)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ قَلِيلُ الحَدِيثِ))، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (433).
[4])) أخرجه أحمد (17943)، وأبو داود (1492)؛ قال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (2/ 178، 179): – بعدما ذكر حديث عمر المتقدم وبيَّن ضعفه – قال: ((وفي الباب عن السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه. أخرجه أبو داود، عن ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب به.
قلت: وهذا سند ضعيف؛ لجهالة حفص بن هاشم, وضعف ابن لهيعة، ولا يتقوى الحديث بمجموع الطريقين؛ لشدة ضعف الأول منهما كما رأيت))اهـ.
[5])) ((السنن الصغير)) (1/ 170).
[6])) ((مسائل عبد الله)) (95).
[7])) ((مسائل أبي داود)) (102).
[8])) أخرجه ابن أبي شيبة (7692)، والطبراني في ((الكبير)) (12102)، وفي ((الأوسط)) (798)، ومدار الحديث على إبراهيم بن عثمان أبي شيبة العبسي الكوفي؛ قال الطبراني: ((لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ إِلَّا أَبُو شَيْبَةَ، وَلَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ))، وأبو شيبة متروك الحديث، وقد عَدَّ الأئمة رحمهم الله هذا الحديث من مناكيره.
قَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة – كما في ((تاريخ بغداد)) (7/ 21) -: ((أَبُو شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطٍ ضَعِيفٌ، رَوَى عَنِ الْحَكَمِ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ؛ مِنْهَا: عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوَتْرَ))اهـ .
وقال الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (1/ 48): ((ومن مناكير أبي شيبة ما روى البغوي، أنبأنا منصور بن أبي مزاحم، أنبأنا أبو شيبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر)).
وضعف الحديث أيضًا الحافظ ابن حجر؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (4/ 254): ((وَأما مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شيبَة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ، فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا الَّذِي فِي ((الصَّحِيحَيْنِ )) مَعَ كَوْنِهَا أَعْلَمَ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا مِنْ غَيرهَا. وَالله أعلم))اهـ.
وضعفه أيضًا: السيوطي والهيثمي والزيلعي، وقال الألباني في ((صلاة التراويح)) (20): ((ضعيف جدًّا)).
وقد قال السيوطي رحمه الله في ((الحاوي للفتاوى)) (1/ 415، 416) – بعدما بيَّن وهاء الحديث -: ((فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً لَمْ تَثْبُتْ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ غَايَةٌ فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَمَسُّكِنَا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عائشة أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ; فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ صَلَّى التَّرَاوِيحَ ثَمَانِيًا ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ؛ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا وَاظَبَ عَلَيْهِ، كَمَا وَاظَبَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَلَوْ فَعَلَ الْعِشْرِينَ وَلَوْ مَرَّةً لَمْ يَتْرُكْهَا أَبَدًا، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عائشة حَيْثُ قَالَتْ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))اهـ.
[9])) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (380)، وعنه البيهقي في ((الكبير)) (4289)، وفي ((المعرفة)) (5411).
[10])) انظر: ((نصب الراية)) (2/ 154)، وقال النووي في ((المجموع)) (4/ 33): ((رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ؛ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ))، وضعفها الألباني في ((صلاة التراويح)) (52).
وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7682)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَاريِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وهو منقطع؛ لأن يحيى لم يُدرك عمر أيضًا. انظر: ((صلاة التراويح)) (55).
[11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738).
[12])) أخرجه مالك (379)، والنسائي في ((الكبرى)) (4670)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1741)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (5413)، وقال الألباني رحمه الله في ((صلاة التراويح)) (45، 46): ((وهذا سند صحيح جدًّا؛ فإن محمد بن يوسف شيخ مالك ثقة اتفاقًا، واحتج به الشيخان، والسائب بن يزيد صحابي حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير)).
قوله: (بِرَمَضَانَ تُسَنُّ): أي: أن صلاة التراويح سُنَّة في شهر رمضان فقط.
قوله: (وَالْوِتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةٌ): أي: ويُسنُّ أن يُصلي المأموم الوتر جماعة مع إمامه؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ([1])».
قوله: (وَوَقْتُهَا بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ): أي: وقت صلاة التراويح يكون بين سنة العشاء وصلاة الوتر.
قوله: (ثُمَّ الرَّاتِبَةُ): أي: السنن الراتبة تأتي بعد هذه الصلوات المذكورة في الآكدية.
والسنن الراتبة؛ أي: الدائمة، التي كان يداوم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ): هذا تفصيل للسنن الراتبة؛ وجملتها عشر ركعات؛ ودليلها حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ([2]).
والصحيح أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة؛ حيث يُصلى أربع ركعات قبل الظهر.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ([3]).
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ([4]).
قوله: (وَهُمَا آكَدُهَا): أي: آكد السنن الرواتب ركعتا الفجر؛ ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ([5]).
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ([6]) وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا([7]).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا([8])».
قوله: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ): لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ([9])».
قوله: (وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ): أي: صلاة الليل أفضل من صلاة النهار في النفل المطلق؛ وذلك بالاتفاق([10])، ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ».
قوله: (وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ لِقَارِئِ وَمُسْتَمِعٍ): أي: ويُسنُّ سجود التلاوة للقارئ والمستمع بتأكد؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ([11]).
وليس بواجب؛ لحديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالنَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا([12]).
وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ([13]).
قوله: (وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ): لعموم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([14]).
هذا إذا كان في صلاة.
وأما في غير الصلاة فقد ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ([15]).
وهذ الحديث لا يصح؛ وعليه فلا يُشرع التكبير لسجود التلاوة في غير الصلاة. والله أعلم.
قوله: (وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ): أي: على الوجوب لسجود التلاوة، إذا كان خارج الصلاة؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([16])».
وقالوا: بأن سجود التلاوة صلاة، فيجب له ما يجب للصلاة([17]).
والراجح أنه ليس بصلاة؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الصَّلاة؛ إذ لم يثبت في السُّنَّة أن له تكبيرًا أو تسليمًا.
وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبعه الشيخ ابن عثيمين([18]) رحمهما الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَسُجُودُ الْقُرْآنِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا تَحْلِيلٌ، هَذَا هُوَ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ ؛ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَتْ صَلَاةً، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الصَّلَاةِ([19])))اهـ.
[1])) أخرجه أحمد (21419)، وأبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (447).
[2])) أخرجه البخاري (1180).
[3])) أخرجه البخاري (1182).
[4])) أخرجه مسلم (728).
[5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1182)، ومسلم (1169).
[6])) أي: بين أذان الصبح والإقامة.
[7])) أخرجه البخاري (1159).
[8])) أخرجه مسلم (725).
[9])) أخرجه مسلم (1163).
[10])) ذكر ذلك المرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 185).
[11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575).
[12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577).
[13])) أخرجه البخاري (1077).
[14])) متفق عليه: أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392).
[15])) أخرجه أبو داود (1413)، قال النووي في ((المجموع)) (4/ 58): ((إسناده ضعيف))، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/ 27): ((فِيهِ الْعُمَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ الْمُكَبَّر وَهُوَ ضَعِيفٌ))، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (472).
[16])) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ»، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (301).
[17])) انظر: ((الإنصاف)) (2/ 193)، و((زاد المستقنع)) (52).
[18])) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 89).
[19])) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 165).
جزاك الله خيرا على هذا المجهود المبارك
قوله: (وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ): لأنه إذا قرأها إما أن يسجد لها أو لا؛ فإن لم يسجد لها كان تاركًا للسنة، وإن سجد لها، أوجب الإبهام والتخليط على المأموم([1]).
ورجح ابن قدامة رحمه الله عدم كراهة ذلك؛ مستدلًّا على ذلك بما رواه سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ: (تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ).
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي مِجْلَزٍ([2]).
قال ابن قدامة رحمه الله: واتباع النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَى([3]).
قلت: وهذا الحديث ضعيف؛ للانقطاع بين سليمان التيمي وأبي مجلز.
ولكن قد يقال بعدم كراهة ذلك استنادًا على عموم الأحاديث التي فيها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالسجدة، وعدم ورود الدليل الذي يمنع ذلك في السرية؛ إلا أن يكون هناك تيقن بإيهام المصلين؛ فيُترك لذلك.
قوله: (وَسُجُودُهُ لَهَا): أي: وإن تلاها الإمام كره له السجود؛ لئلا يُبهم على المأمومين.
والصحيح – كما تقدم – أنه لا يُكره، إلا أن يتيقن إيهام المأمومين؛ كأن يكون هناك ساتر يفصل بين الإمام والمأمومين من الرجال أو النساء، فيُترك لذلك.
قوله: (وَعَلَى مَأْمُومٍ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَا): أي: يلزم المأموم متابعة إمامه إذا سجد سجود التلاوة في غير الصلاة السرية؛ لحديث «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ([4])»، وأما في السرية فلا يلزم متابعته؛ لأنه لم يسمع الآية.
والصحيح أنه يلزمه متابعته في السرية أيضًا؛ للحديث المذكور؛ وهو ما رجحه ابن قدامة رحمه الله([5]).
قوله: (وَسُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجُدُّدِ نِعَمٍ وَانْدِفَاعِ نِقَمٍ): ودليل ذلك حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ([6]).
قوله: (وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ): فإن سجد للشكر في صلاة، بطلت به الصلاة؛ لأنه فعل ليس منها؛ إلا أن يكون جاهلًا أو ناسيًا، فإنها لا تبطل؛ لعذر الجهل أو النسيان.
قوله: (وَهُوَ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ): أي: صفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطه.
[1])) ((الروض المربع)) (120).
[2])) أخرجه أحمد (5556)، وأبو داود (807)، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) (1/ 314)، وضعفه أيضًا محققو المسند.
[3])) ((المغني)) (1/ 449).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414).
[5])) ((المغني)) (1/ 449).
[6])) أخرجه أبو داود (2774)، والترمذي (1578)، وابن ماجه (1394)، وقال الترمذي: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشُّكْرِ))، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (474).
قوله: (وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إِلَى ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى يَتِمَّ): أي: هذه الأوقات هي المنهي عن الصلاة فيها؛ وهي أوقات خمسة؛ وهي بالترتيب:
الوقت الأول: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس؛ كما ذَكَر هنا.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([1]) - أن النهي متعلق بالصلاة، لا بمجرد طلوع الفجر؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ([2])».
فعلَّق النبي صلى الله عليه وسلم النهي بالصلاة، لا بمجرد دخول الوقت، فيكون هذا الحديث مفسِّرًا للأحاديث الآتية([3]):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ([4]).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ أَحَبَّهُمْ إِلَيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ([5]).
الوقت الثاني: من طلوع الشمس – حين يظهر أول شيء من قرص الشمس - إلى ارتفاعها رأي العين قدر رمح([6])؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ([7]) الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([8]).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ».
وفي لفظ: «إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ([9])».
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ([10])».
الوقت الثالث: عند قيام الشمس وتعمدها في كبد السماء إلى أن تزول عن كبد السماء، ولو بقدر شعرة؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، وفيه: وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ([11]).
الوقت الرابع: من بعد صلاة العصر إلى ما قُبيل الغروب؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت أحاديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وقد تقدم ذكرها في الوقت الأول.
والوقت الخامس: من بداية ميلها إلى الغروب إلى أن يَتِمَّ غروبها؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، وفيه: وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([12]).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ».
وفي لفظ: «إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ([13])».
ن يوَحَدِيث عَمْروِ بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه يجمع كل هذه الأوقات؛ فعنه رضي الله عنه أنه قال: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ؛ أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ([14])، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ([15]) حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ([16])، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ([17])، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ([18])».
[1])) ذكر هذه الرواية: ابن قدامة في ((الكافي)) (1/ 239).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (586)، ومسلم (827).
[3])) ورجح هذا ابن تيمية رحمه الله، وذكر هذا الكلام بمعناه في ((مجموع الفتاوى)) (23/ 200- 205).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (588)، ومسلم (825).
[5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826).
[6])) قال الخطابي في ((معالم السنن)) (1/ 276): قدر رمح: أي: في رأي العين.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (4/ 113): ((فإذا طلعت الشَّمس؛ فانظر إليها، فإذا ارتفعت قَدْرَ رُمح، يعني: قَدْرَ متر تقريبًا في رأي العين فحينئذٍ خرج وقت النَّهي.
ويُقدَّرُ بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقةً إلى عشرِ دقائقَ، أي: ليس بطويل، ولكن الاحتياطُ أن يزيدَ إلى رُبعِ ساعة، فنقول بعد طُلوع الشَّمس برُبعِ ساعة ينتهي وقتُ النَّهي))اهـ.
[7])) تضَّيَّف الشمس للغروب: أي: تميل للغروب.
[8])) أخرجه مسلم (831).
[9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (583)، ومسلم (828).
[10])) أخرجه مسلم (612).
[11])) أخرجه مسلم (831).
[12])) التخريج السابق.
[13])) متفق عليه: أخرجه البخاري (583)، ومسلم (828).
[14])) قال النووي رحمه الله ((شرح صحيح مسلم)) (5/ 113): ((قيل: المراد بقرنه: أُمَّتَهُ، وشيعته. وقيل: قرنه: جانب رأسه؛ وهذا ظاهر الحديث، فهو أَوْلى؛ ومعناه: أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت؛ ليكون الساجدون للشمس من الكفار في هذا الوقت كالساجدين له؛ وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط وتمكن من أن يُلَبِّسوا على المصلي صلاته))اهـ.
[15])) أي: تحضرها الملائكة.
[16])) حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ: فُسِّرَ في رواية عند أبي داود: ((حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ))؛ أي: عند تعمد الشمس في كبد السماء قُبَيل الزوال. والرمح كناية عن الشاخص؛ والتقدير: حتى يَقِلَّ الظل الملصق بالشاخص؛ أي: ينتهي إلى غاية قلته. ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (4/ 345).
[17])) أَيْ: يُوقَدُ عَلَيْهَا إيقَادًا بَلِيغًا.
[18])) أخرجه مسلم (832).
قوله: (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَفْلٍ فِيهَا مُطْلَقًا): أي: يحرم ابتداء صلاة نفل في هذه الأوقات الخمسة مطلقًا؛ سواء كانت صلاة لها سبب أو ليس لها سبب؛ لأن النهي هنا عام يشمل جميع الصلوات، والأصل في النهي أنه للتحريم، إلا أن يأتي صارف، ولا صارف هنا.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([1])، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية([2])، والشيخ ابن عثيمين([3])- أن النوافل المسببة - كتحية المسجد، أو سُنَّة الوضوء، أو قضاء راتبة، أو إعادة فريضة لسبب - تُصلى ولو في أوقات النهي؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعض الصلوات المسببة في الأوقات التي نهى فيها عن الصلاة:
عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهم، أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقُلْ: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَيْهَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُم ْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَصَلَّاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، قَالَ: فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ([4])».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ قَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا»، فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا؛ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ([5])».
فهذه أحاديث صريحة في صلاة نافلة مسببة في أوقات النهي.
وهناك أحاديث أخرى عامة:
فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ([6])».
فهذا الحديث فيه صلاة تحية المسجد في أي وقت دخل الإنسان فيه المسجد، ويشمل أوقات الكراهة.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ»، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ([7])».
وهذا حديث عام يشمل استحباب صلاة ركعتي سُنَّة الوضوء في أي وقت من ليل أو نهار، ويشمل أوقات الكراهة.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ([8])».
فدلت هذه الأحاديث بمجموعها على أن الصلوات المسببة تُصلى في أوقات الكراهة.
قوله: (لَا قَضَاءُ فَرْضٍ): وأما صلاة الفريضة فإنها مستثناة؛ تُصلى في أوقات النهي وغيرها؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([9])».
قوله: (وَفِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ): أي: تُثتثنى أيضًا ركعتا الطواف؛ فتُصلى في أوقات النهي وغيرها؛ ودليل ذلك حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ([10])».
فشمل جميع الأوقات؛ منها أوقات النهي.
قوله: (وَسُنَّةِ فَجْرٍ أَدَاءً قَبْلَهَا): وتُستثنى أيضًا سُنَّةُ الفجر، فتُصلى بعد طلوع الفجر؛ لأنه فِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه.
وإن لَمْ يُدرك ركعتي الفجر قبل الفريضة فالأفضل أن يصليهما بعد طلوع الشمس؛ ودليل ذلك حدييث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَ ا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ([11])».
وجاز له صلاتُهُما قبل طلوع الشمس؛ ودليل ذلك حديث قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَلَاةَ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا، فَصَلَّيْتُهُمَ ا. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([12]).
قوله: (وَصَلَاةِ جَنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ): وتُثتثنى أيضًا صلاة الجنازة فتُصلى بعد فجر وعصر؛ وهما الوقتان الطويلان من أوقات النهي الخمسة؛ فجاز فيها الصلاة على الميت ودفنه؛ لطول مدتهما؛ فالانتظار فيهما يُخاف منه على الميت.
وقد أجمع العلماء على ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَمِيلَ لِلْغُرُوبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ([13])))اهـ.
فاستُثنيَ بالإجماع وقتان من أوقات النهي الخمسة؛ وأما الأوقات الثلاثة الأخرى فلا يجوز فيها الصلاة على الجنازة؛ لحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([14]).
فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن دفن الميت في هذه الأوقات الثلاث؛ فيتضمن النهي عن صلاة الجنازة فيها؛ لأن الدفن والصلاة متلازمان.
ورجحه ابن قدامة والشوكاني رحمهما الله([15]).
قال الشوكاني رحمه الله – بعد ما ذكر حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: ((وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ الدَّفْن)).
[1])) ذكرها ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 90) و((الكافي)) (1/ 340).
[2])) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 210)، وما بعدها.
[3])) ((الشرح الممتع)) (4/ 126).
[4])) أخرجه مسلم (835).
[5])) أخرجه أحمد (17474)، وأبو داود (575)، والترمذي (219)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ))، والنسائي (858)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 119).
[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714).
[7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458).
[8])) أخرجه الترمذي (868)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (481).
[9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).
[10])) التخريج قبل السابق.
[11])) أخرجه الترمذي (423)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ»، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2361).
[12])) أخرجه أحمد (23760)، وأبو داود (1267)، وابن ماجه (1154)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (5/ 5).
[13])) ((المغني)) (2/ 82).
[14])) أخرجه مسلم (831).
[15])) انظر: ((المغني)) (2/ 82)، و(نيل الأوطار)) (3/ 110).
فصلتَجِبُ الْجَمَاعَةُ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ.
وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ رَاتِبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ عُذْرِهِ، أَوْ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ.
وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ بِشَرْطِ إِدْرَاكِهِ رَاكِعًا، وَعَدَمِ شَكِّهِ فِيهِ، وَتَحْرِيمَتِهِ قَائِمًا.
وَتُسَنُّ ثَانِيَةٌ لِلرُّكُوعِ.
وَمَا أَدْرَكَ مَعَهُ آخِرُهَا، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا.
وَيَتَحَمَّلُ عَنْ مَأْمُومِ: قِرَاءَةً، وَسُجُودَ سَهْوٍ وَتِلَاوَةٍ، وَسُتْرَةً، وَدُعَاءَ قُنُوتٍ، وَتَشَهُّدًا أَوَّلَ؛ إِذَا سُبِقَ بِرَكْعَةٍ؛ لَكِنْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِهِ وَسِرِّيَّةٍ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ، لَا طَرَشٍ.
وَسُنَّ لَهُ: التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ، وَتَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَانْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمْ يَشُقَّ.