تحرير مذهب الامام الذهبي في حكم تفرد الصدوق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا سؤال وجه للاخ احمد المنسي - حفظه الله - من مجموعة دروس علمية
واثرت ان انقل تفريغه هنا للفائدة ...
قال السائل : ما هو مذهب الذهبي في تفرد الصدوق ؟ هل هو حسن الحديث ام منكر الحديث ؟
فهناك اخوة من المتعصبين لمنهج التفريق يطيرون بعبارة الذهبي في سير اعلام النبلاء حين قال : " ان تفرد الصدوق يعد منكراً " أهـ ويقولون هذه العبارة في صفنا وان تفرد الصدوق لا يحتج به !
وهناك اخوة متعصبين لمنهج المتأخرين ويحتجون بكلام العلامة الالباني حين سئل عن حكم الصدوق وقال ان كلام الذهبي في مقدمة " ميزان الاعتدال" اضافة الى تطبيقه العملي في سائر كتبه يدل على انها مرتبة احتجاج وقبول وليست مرتبة اعتبار !
ويغضون الطرف عن تصريح الذهبي في السير ؟
فما جوابكم وكيف نخرج من هذا التعارض الشكلي وفقكم الله ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - جزى الله خيرا الاخ السائل على اثارة هذه المسالة المهمة
فعبارة الامام الذهبي رحمه الله في السير من العبارات المشكلة حقاً
فقوله : " وان تفرد الصدوق يعد منكراً " كلمة منكر من الكلمات المتشابهة ولا يعلم منها هل هذا يقتضي الغلبة في كل حديثه ؟
ام انها تقتضي ان الاصل هو القلة وانه لا يصار الى ذلك الا بالقرائن ؟
هذه تحتاج لنص ترجيحي صريح
ومعلوم انه من المتقرر في كافة العلوم الشرعية عند حدوث اشكال في فهم المتشابه فاننا نلجا للمحكم ...
وعبارة الذهبي المحكمة في الموقظة قد حسمت هذا الاشكال بشكل قاطع
اذ انه قال : " وقد يُعَدُّ مُفْرَدُ الصَّدُوقِ منكَراً " أهـ
وقوله [ وقد ] يدل على ان الاصل في ذلك عنده هو العكس [ القلة] وانه ليس بمنكر - وانه لا يقول بذلك الا بالقرائن والله اعلم ...
ومما يؤكد ذلك [ ان الاصل عنده هو ان تفرده مقبول ] انه قال في ترجمة محمد بن قيس الاسدي في الميزان : وهو الى الاحتجاج اقرب ... ومحمد عنده صدوق في الكاشف !
وامثلة ذلك كثيرة في الميزان والسير وغير ذلك...
فتراه يذكر بعض من قال عنهم صدوق ويدخلهم في كتاب [ الثقات المتكلم فيها بما لا يوجب ردهم ]
وتراه يذكر بعض من قال عنهم صدوق ويدخلهم في كتاب [ من تكلم فيه وهو موثق ] !
والكتابان المذكوران شرطهما عنده ان الاصل هو الاحتجاج الا بقرينة ! وهكذا.
وللمسألة تفصيل لاحق ان شاء الله
والله عزوجل اعلى واعلم ...
رد: تحرير مذهب الامام الذهبي في حكم تفرد الصدوق
الذهبي اضطرب كلامه في تفرد الصدوق، فمن الناحية النظرية قال بأن تفرده منكر ، وأما من الناحية العملية فيقبله كثيرا ما لم يشذ أو يخالف والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
قال الذهبي عن حديث في المستدرك (1/125) :" غريب صحيح ما خرجاه لجهالة محمد"، فصحح له واستغربه أيضا مع أنه من تفرد المجهول .
وقال (2/51) :" غريب صحيح تفرد به حسين بن واقد "
. وقال في السير (14/404) عمر بن محمد :" لم يقع لي حديثه عاليا، وهو تفرد - مع صدقه - بحديث غريب صالح الإسناد، فقال: أخبرنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة: عن أبي سعيد مرفوعا، قال:(إن الله زادكم صلاة ..".
. بل قد خرج الحاكم (2/227) المليح الرقي، حدثني عبد الملك بن أبي القاسم، عن أم كلثوم بنت عقبة أنها كانت تحت الزبير بن العوام فكرهته، وكان شديدا على النساء، فقالت للزبير: يا أبا عبد الله، روحني بتطليقة...
قال الحاكم:" هذا حديث غريب صحيح الإسناد، وأبو المليح، وإن لم يخرجاه فغير متهم بالوضع"، ومع درجته وغرابته فقد قال الذهبي: صحيح"،
وقال عن حديث فرد عن عمر بن حفص بن غياث اثنا أبي عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن أبي مسلم الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تنتهي البعوث.... في السفياني،
قال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح ... لا أعلم أحدا حدث به غيره عمر بن حفص بن غياث يرويه عنه الإمام أبو حاتم"، وقال الذهبي :"صحيح غريب "،
وقال الحاكم (1/91) بعد أن خرج عن مالك بن سعير ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة» . قال: «هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول»، وقال الذهبي أيضا :" على شرطهما وتفرد الثقة مقبول ".
وقال في السير من ترجمة أبان: عن حديث له:" وهو حسن غريب وقد روى مسلم لأبان متابعة ".
وقال في ترجمة النضر عن حديث له :" حسن غريب وابن معيد: محله الصدق ".
وقال عن حديث تفرد به نعيم بن حماد عن بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا..:، قال الذهبي: «إسناده صحيح متصل»، وقال عنه الترمذي: «حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» .
وقال عن حديث تفرد به هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة أن النبي (ص) قال: إذا قام أحدكم في صلاته (3) فمس ذكره، فليتوضأ؟"، قال الذهبي: «هذا حديث نظيف الإسناد غريب»
وقال عن حديث تفرد به سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: كنت أبيع الذهب بالفضة ... قال:" هذا حديث حسن غريب، خرجوا نحوا منه في السنن من طريق سماك "، وله من ذلك الكثير والكثير،
وعليه فالجمع بين أقواله أولى من التعصب لقول قاله ولم يطبقه ولا عمل به أبدا .
وعليه فالصدوق عنده نوعان: نوع يُحتمل منه التفرد وهو الحسن لذاته، ونوع قد لا يحتمل منه التفرد وهو الصدوق الذي يهم او يخالف ونحوهما، لأنه قد قال في الموقظة :"" وقد يُعَدُّ مُفْرَدُ الصَّدُوقِ منكَراً ".
وهذا كلام موافق لمذهب أهل السنة في قبولهم لتفرد الثقات والصدوقين .