رد: سجال فقهي بين مجتهدين
قال ابو عمر وَأَمَّا السُّنَّةُ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهَا خَصَّتْ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ عُمُومِهِ فَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ إِلَّا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَحَدِيثَ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَالْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ - أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ مَا عَدَا الرَّقِيقَ وَالْخَيْلَ لِأَنَّهُمُ لَا يَقِيسُونَ عَلَى الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنَ الْعُرُوضِ . فاجاب ابو محمد قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» .
وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ؛ فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي: عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ، صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» .
وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي: الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْكَنْزِ «فَسُئِلَ عَنْ الْخَيْلِ، فَقَالَ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» .
«فَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] »
فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْعَبِيدِ،وَ قَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ؛ فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ -: لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالرَّقِيقِ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ.وَأ يْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّ ينَ، وَالشَّافِعِيِّ ينَ: خَالَفُوا مَا رُوِيَ ... فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا؛ فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ، مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ.
وَالشَّافِعِيُّ : يَرَى أَنْ لَا يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ: أَنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ؛ وَلَا فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا؛ لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا.
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنَ الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ الصَّدَقَةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِ الْعُمَرَيْنِ (رِضَى اللَّهِ عَنْهُمَا) حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَهُ أَبُو داود وغيره بالإسناد الحسن عَنْ سَمُرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا قَالَ مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عَاتِقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ لِي أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَهَا يَا حَمَاسُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤْم ِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَآهِبَةٌ مِنَ الْقَرَظِ فَقَالَ ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ فَقَالَ أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقُلْتُ مالي مَالٌ أُزَكِّيهِ إِلَّا فِي الْجِعَابِ وَالْأَدَمِ فَقَالَ قَوِّمْهُ وَأَدِّ زَكَاتَهُ
فَهَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَا مَقَالَ لِأَحَدٍ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا
وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلُّ مَالٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابَّ أُدِيرَ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ الزَّكَاةُ
وَقَالَ أَبُو جعفر الطحاوي قد ثبت عن عمر وبن عُمَرَ زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَشْهَدُ لِمَا وَصَفْنَا أَنَّ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا هُوَ فِي عُرُوضِ الْقُنْيَةِ كَقَوْلِ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَدَ أَخْطَأَ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُمَا وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُمَا خِلَافُ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ بن طَاوُسٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وعن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْعَرْضِ لِلتِّجَارَةِ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ فَإِذَا باعه زكاه وأدى زكاة واحدة
قال بن جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ لَا زَكَاةَ فِي عَرْضٍ لَا يُدَارُ قَالَ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يُزَكَّيَانِ وَإِنْ لَمْ يُدَارَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ فِي غَيْرِ الْمُدِيرِ إِلَّا مَالِكًا (رَحِمَهُ اللَّهُ) وَأَمَّا طَاوُسٌ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا وَرُوِيَ عَنْهُ إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كُلَّ عَامٍ بِالتَّقْوِيمِ كَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ السَّلَفِ إِذْ قَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبِيلَهُمْ سَلَكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الرَّأَيِ وَالْحَدِيثِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال أخبرني بن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَالٍ يُدَارُ فِي عَبِيدٍ أَوْ دَوَابَّ أَوْ طَعَامٍ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا كان بن عُمَرَ لِيَقُولَ مِثْلَ هَذَا مِنْ رَأْيِهِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ مَا قَالَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قال ابن حزم وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا، غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ.
وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ: إنَّ عُمَّالَ عُمَرَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ التُّجَّارَ شَكَوْا شِدَّةَ التَّقْوِيمِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَاهْ هَاهْ خَفِّفُوا.
وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا حَمَاسُ، أَدِّ زَكَاةَ مَالِك. فَقُلْت: مَا لِي مَالٌ إلَّا جِعَابٌ وَأَدَمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا قِيمَةً ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا.
وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ.
وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الزَّكَاةُ مَوْضُوعٌ فِيمَا يَنْمِي مِنْ الْأَمْوَالِ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ مَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُمْ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ بَلْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ، أَمِنْ أَعْيَانِهَا، أَمْ بِتَقْوِيمٍ، وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لَا يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلَا كَيْفَ تُؤْخَذُ. وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ.
كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ «قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» .
فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ؛ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمَا مَجْهُولَانِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْأَسْوَدِ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ - يَقُولُ: ذَكَرْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثَ ابْنِ حَمَاسٍ فِي الْمَتَاعِ يُزَكَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَحْيَى قَمَّاشٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْقُمَاشَ، وَهُوَ الْكُنَاسَةُ: أَيْ يَرْوِي عَمَّنْ لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرُ بِعَقْلِهِ وَلَا بِسِنِّهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي فَائِدَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَاشِيَةِ حِينَ تُسْتَفَادُ، فَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ إذَا بَاعُوهُ.حَدَّث نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ ثنا حَمَّادٌ ثنا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عَطَاءٌ: وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِهِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ؛ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّي نَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ؛ وَلِلْحَنَفِيِّ ينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ.وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّ ينَ، وَالشَّافِعِيِّ ينَ: خَالَفُوا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا؛ فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ، مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ.
وَالشَّافِعِيُّ : يَرَى أَنْ لَا يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً، وَلَيْسَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ: أَنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ؛ وَلَا فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا؛ لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا؛ وَهَذَا خِلَافُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ جَاءَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ الْخُوزِيُّ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ إذْ جَاءَهُ زِيَادٌ الْبَوَّابُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - يَقُولُ: أَرْسِلْ زَكَاةَ مَالِك. فَقَامَ فَأَخْرَجَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّمَا الزَّكَاةُ فِي النَّاضِّ. قَالَ نَافِعٌ: فَلَقِيت زِيَادًا فَقُلْت لَهُ: أَبْلَغْته. قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَمَاذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ: قَالَ: صَدَقَ.قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَى الزَّكَاةَ إلَّا فِي الْعَيْنِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَطَنٍ قَالَ: مَرَرْت بِوَاسِطَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالُوا: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ لَا تَأْخُذُوا مِنْ أَرْبَاحِ التُّجَّارِ شَيْئًا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثنا مُعَاذٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَتَيْت الْمَسْجِدَ وَقَدْ قُرِئَ الْكِتَابُ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِي: لَوْ شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْبَاحِ التُّجَّارِ أَنْ لَا يُعْرَضَ لَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. فَهَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ.
وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ شَرِيعَةٌ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ لَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ قَالَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَدْ أَسْقَطَ الْحَنَفِيُّونَ الزَّكَاةَ عَنْ الْإِبِلِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْبَقَرِ الْمَعْلُوفَةِ، وَأَمْوَالِ الصِّغَارِ كُلِّهَا إلَّا مَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ. وَأَسْقَطَ الْمَالِكِيُّون َ الزَّكَاةَ عَنْ أَمْوَالِ الْعَبِيدِ، وَالْحُلِيِّ. وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّون َ عَنْ الْحُلِيِّ، وَعَنْ الْمَوَاشِي الْمُسْتَعْمَلَ ةِ. وَكُلُّ هَذَا خِلَافٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا فَقَالَ: مَنَعَ الْعَبَّاسُ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَابْنُ جَمِيلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، إنَّ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ، وَأَعْبُدِهِ؛ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ، صَدَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ.
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
واما استدلال ابن عبد البر باجماع الجمهور فقد اجابه ابن حزم فَإِنْ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ؟ نَعَمْ، وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ. و مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجُمْهُورِ؛ لَا فِي آيَةٍ وَلَا فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ؛ وَأَمَّا الْمَوْضُوعَاتِ فَسَهْلٌ وُجُودُهَا فِي كُلِّ حِينٍ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهَا.
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فمسالتنا لهذا اليوم هي تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يخرج وَقْتُهَا قال ابن عبد البر رحمه الله وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَقْدَمَ عَلَى خِلَافِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ نَائِمٍ وَلَا نَاسٍ وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ الله ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا))
قَالَ وَالْمُتَعَمِّد ُ غَيْرُ النَّاسِي وَالنَّائِمِ
قَالَ وَقِيَاسُهُ عَلَيْهِمَا غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِيًا لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَنَا
فَخَالَفَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَتِرُ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ شَذَّ فِيهَا عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِمْ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِهِمْ
فَخَالَفَ هَذَا الظَّاهِرَ عَنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ وَشَذَّ عَنْ جَمَاعَةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَلَمْ يَأْتِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُصَلَّى وَتُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا كَالصَّائِمِ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أُمِرَ مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَنْ سَبِيلِهِمْ يُغْنِي عن الدليل فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ)) وَلَمْ يَخُصَّ مُتَعَمِّدًا مِنْ نَاسٍ
وَنَقَلَتِ الْكَافَّةُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ صَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَمَلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كُلِّهَا لِمَنْ تَعَمَّدَ أَوْ نَسِيَ أَوْ فَرَّطَ وَبَيْنَ عَمَلِ بَعْضِهَا فِي نَظَرٍ وَلَا اعْتِبَارٍ
وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ لِشُغْلِهِ بِمَا نَصَبَهُ الْمُشْرِكُونَ لَهُ مِنَ الْحَرْبِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نَاسِيًا وَلَا نَائِمًا وَلَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِين َ يَوْمَئِذٍ حَرْبٌ قَائِمَةٌ مُلْتَحِمَةٌ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي اللَّيْلِ
وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِالْمَدِينَةِ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ انْصِرَافِهِ مِنَ الْخَنْدَقِ ((لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ (1) فَخَرَجُوا مُتَبَادِرِينَ وصلى بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي طَرِيقِ بَنِي قُرَيْظَةَ خَوْفًا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ وَلَمْ يُصَلِّهَا بَعْضُهُمْ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ وَكُلُّهُمْ غَيْرُ نَاسٍ وَلَا نَائِمٍ وَقَدْ أَخَّرَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا ثُمَّ صَلَّاهَا وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُصَلَّى إِلَّا فِي وَقْتِهَا وَلَا تُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا
وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا قَالُوا أَفَنُصَلِّيهَا مَعَهُمْ قَالَ نَعَمْ))
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ يُوسُفُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْحِمْصِيِّ عَنْ أبي أبي بن امْرَأَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ ((كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ حَتَّى لَا يُصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا قَالُوا نُصَلِّيهَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَبُو الْمُثَنَّى الْحِمْصِيُّ هُوَ الْأُمْلُوكِيُّ ثقة روى عن عتبة وأبي بن أم حرام وكعب الأحبار
وأبو أبي بن أُمِّ حَرَامٍ رَبِيبُ عُبَادَةَ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ سَمَّاهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكُنَى
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ مِيقَاتِهَا وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُصَلَّى إِلَّا فِي وَقْتِهَا
وَالْأَحَادِيثُ فِي تَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا وَقَدْ كَانَ الْأُمَرَاءُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ عِنْدَ الْغُرُوبِ
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وقت الأخرى وَقَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ فِي الْحَضَرِ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْعَصْرِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي الْمَوَاقِيتِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي بن الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَحِينَ وَقْتُ الْأُخْرَى))
فَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ هَذَا مُفَرِّطًا وَالْمُفَرِّطُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ وَلَيْسَ كَالنَّائِمِ وَلَا النَّاسِي عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ جِهَةِ الْعُذْرِ
وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ تَفْرِيطِهِ
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال ((وَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا لِمِيقَاتِهَا))
وَهَذَا أَبْعَدُ وَأَوْضَحُ فِي أَدَاءِ الْمُفَرِّطِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الذِّكْرِ وَبَعْدَ الذِّكْرِ
وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي نَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي سَفَرِهِ وَفِيهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا نُصَلِّيهَا مِنَ الْغَدِ قَالَ لَا إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا ثُمَّ يَقْبَلُهُ مِنْكُمْ))
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيُّ - وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحَابَةِ - قَالَ ((قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَشَغَلُوهُ فَلَمْ يُصَلِّ يَوْمَئِذٍ الظُّهْرَ إِلَّا مَعَ الْعَصْرِ))
وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِيهِ بِشُغْلٍ اشْتَغَلَ بِهِ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَامِدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا عَاصٍ لِلَّهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْكَبَائِرِ
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْعَاصِي أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَنْبِهِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ وَاعْتِقَادُ تَرْكِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتُوبُوا إِلَى الله جميعا آية الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النُّورِ 31
وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِعِبَادِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ
وَقَدْ شَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ ((دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى))
وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الظَّاهِرِيِّ فِي نَقْضِهِ أَصْلَهُ وَأَصْلَ أَصْحَابِهِ فِيمَا وَجَبَ مِنَ الْفَرَائِضِ بِإِجْمَاعٍ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِإِجْمَاعِ مِثْلِهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا تَنَازُعَ فِي قَبُولِهَا وَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ وَاجِبَاتٌ بِإِجْمَاعٍ
ثُمَّ جَاءَ مِنَ الِاخْتِلَافِ بِشُذُوذٍ خَارِجٍ عَنْ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَتْبَعُهُ دُونَ سَنَدٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَأَسْقَطَ بِهِ الْفَرِيضَةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَى وُجُوبِهَا وَنَقَضَ أَصْلَهُ وَنَسِيَ نَفْسَهُ وَاللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ لِمَا يَرْضَاهُ وَالْعِصْمَةَ مِمَّا بِهِ ابْتَلَاهُ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُغَلِّسِ فِي كِتَابِهِ ((الْمُوَضَّحِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ)) قَالَ فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي مِصْرٍ فِي حَشٍّ أَوْ مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ كَانَ مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ وَلَمْ تُمْكِنْهُ الطَّهَارَةُ وَلَا قَدَرَ عَلَيْهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْوُضُوءِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ تَطَهَّرَ وَصَلَّى مَتَى مَا قَدَرَ عَلَى الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا غَيْرُ نَاسٍ وَلَا نَائِمٍ وَقَدْ أَوْجَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَذْكُرِ بن الْمُغَلِّسِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ
وَهَذَا الظَّاهِرِيُّ يَقُولُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا إِلَّا النَّائِمُ وَالنَّاسِي لِأَنَّهُمَا خُصَّا بِذَلِكَ وَنُصَّ عَلَيْهِمَا
فَإِنْ قَالَ هَذَا مَعْذُورٌ كَمَا أَنَّ النَّائِمَ وَالنَّاسِيَ مَعْذُورَانِ وَقَدْ جَمَعَهُمَا الْعُذْرُ - قِيلَ لَهُ قَدْ تَرَكْتَ مَا أَصَّلْتَ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ وَاعْتِبَارِ الْمَعَانِي وَأَلَّا يُتَعَدَّى النَّصُّ مَعَ أَنَّ الْعُقُولَ تَشْهَدُ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ أَوْلَى بِإِلْزَامِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمَعْذُورِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَاوُدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُتَرْجِمِ بِجَامِعِ مَذْهَبِ أَبِي سُلَيْمَانَ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الْأَصْبَهَانِي ِّ فِي بَابِ ((صَوْمِ الْحَائِضِ وَصَلَاتِهَا)) مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ - قَالَ كُلُّ مَا تَرَكَتِ الْحَائِضُ مِنْ صَلَاتِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَعَلَيْهَا إِعَادَتُهَا
قَالَ وَلَوْ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَتَرَيَّثَتْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهَا حَتَّى حَاضَتْ أَعَادَتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا إِذَا طَهُرَتْ فَهَذَا قَوْلُ دَاوُدَ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَمَا أَرَى هَذَا الظَّاهِرِيَّ إِلَّا قَدْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - وَخَالَفَ جَمِيعَ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ وَشَذَّ عَنْهُمْ وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ أَخَذَ بِالشَّاذِّ مِنَ الْعِلْمِ
وَقَدْ أَوْهَمَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ لَهُ سَلَفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ تَجَاهُلًا مِنْهُ أَوْ جهلا فذكر عن بن مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مَرْيَمَ 59 قَالُوا أَخَّرُوهَا عَنْ مَوَاقِيتِهَا قَالُوا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا وَلَا يَقُولُونَ بقتله إذا كان مقرى بِهَا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ قَضَى الصَّلَاةَ فَقَدْ تَابَ مِنْ تَضْيِيعِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه 82
وَلَا تَصِحُّ لِمُضَيِّعِ الصَّلَاةِ تَوْبَةٌ إِلَّا بِأَدَائِهَا كَمَا لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ إِلَّا بِأَدَائِهِ
وَمَنْ قَضَى صَلَاةً فَرَّطَ فِيهَا فَقَدْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
وَذُكِرَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَفِّفِينَ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُطَفِّفَ قَدْ يَكُونُ الَّذِي لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا وإن صلاها في وقتها
وذكر عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا
وَكَذَلِكَ نَقُولُ لَا صَلَاةَ لَهُ كَامِلَةٌ كَمَا لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ
وَمَنْ قَضَى الصَّلَاةَ فَقَدْ صَلَّاهَا وَتَابَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهِ فِي تَرْكِهَا وَكُلُّ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ خِلَافُ مَا تَأَوَّلَهُ وَاللَّهَ أَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
فاجاب ابو محمد رحمه الله قائلا فَنَسْأَلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْعَامِدِ قَضَاءَ مَا تَعَمَّدَ تَرْكَهُ مِنْ الصَّلَاةِ: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَأْمُرُهُ بِفِعْلِهَا، أَهِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؟ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: هِيَ هِيَ؛ قُلْنَا لَهُمْ: فَالْعَامِدُ؛ لِتَرْكِهَا لَيْسَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا إثْمَ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَلَا مَلَامَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، قُلْنَا صَدَقْتُمْ؛ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ إذْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ إلَى بَعْدِ الْوَقْتِ: أَطَاعَةٌ هِيَ أَمْ مَعْصِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: طَاعَةٌ، خَالَفُوا إجْمَاعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ الْمُتَيَقَّنَ، وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ: وَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْصِيَةٌ صَدَقُوا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ مِنْهَا أَوَّلًا لَيْسَ مَا قَبْلَهُ وَقْتًا لِتَأْدِيَتِهَا ، وَآخِرًا لَيْسَ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا؛ لِتَأْدِيَتِهَا ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ؛ فَلَوْ جَازَ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لِتَحْدِيدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخِرَ وَقْتِهَا مَعْنًى؛ وَلَكَانَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ عُلِّقَ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتًا لَهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَنَسْأَلُهُمْ: لِمَ أَجَزْتُمْ الصَّلَاةَ، بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَمْ تُجِيزُوهَا قَبْلَهُ؟ فَإِنْ ادَّعُوا الْإِجْمَاعَ كَذَبُوا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُجِيزَانِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، لَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّو نَ وَالشَّافِعِيُّ ونَ وَالْمَالِكِيُّ ونَ يُجِيزُونَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ قِتَالَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ، إنَّمَا كَانَ قِيَاسًا لِلزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ قَالَ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَهُمْ قَدْ فَرَّقُوا هَهُنَا بَيْنَ حُكْمِ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ فَلْيَعْجَبْ الْمُتَعَجِّبُو نَ، وَإِنْ ادَّعُوا فَرْقًا مِنْ جِهَةِ نَصٍّ أَوْ نَظَرٍ لَمْ يَجِدُوهُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ النَّاسِيَ وَالنَّائِمَ وَالسَّكْرَانَ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا.
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ بِالْوَقْتِ؟ قُلْنَا: لَا بَلْ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِلنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ مُمْتَدٌّ غَيْرُ مُنْقَضٍ.
وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عُصَاةً فِي تَأْخِيرِهَا إلَى أَيِّ وَقْتٍ صَلُّوهَا فِيهِ، وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا إمَّا أَمْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِوَقْتٍ؛ فَهَذَا يُجْزِئُ أَبَدًا مَتَى أُدِّيَ، كَالْجِهَادِ وَالْعُمْرَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُجْزِئُ مَتَى أُدِّيَ؛ وَالْمُسَارَعَة ُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا} [آل عمران: 133] ، وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَحْدُودِ الْآخِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا لَا يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ، وَالْمُبَادَرَة ُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا بَعْدَ وَقْتِهِ؛ وَيُجْزِئُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَوَسَطِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَنَقُولُ لِمَنْ خَالَفَنَا: قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ النَّهَارِ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ؟ وَكُلُّ ذَلِكَ ذُو وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ.
فَإِنْ قَالُوا قِسْنَا الْعَامِدَ عَلَى النَّاسِي.
قُلْنَا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، فَصَارَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَبَاطِلًا لَا شَكَّ فِيهِ.
وَالْعَمْدُ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَالْمَعْصِيَةُ ضِدُّ الطَّاعَةِ، بَلْ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَجِّ؛ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، لَا سِيَّمَا، وَالْحَنَفِيُّو نَ وَالْمَالِكِيُّ ونَ لَا يَقِيسُونَ الْحَالِفَ عَامِدًا؛ لِلْكَذِبِ عَلَى الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ غَيْرُ عَامِدٍ لِلْكَذِبِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْعَامِدِ، وَيُوجِبُونَهَا عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ، وَلَا يَقِيسُونَ قَاتِلَ الْعَمْدِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْقِطُونَهَا عَنْ قَاتِلِ الْعَمْدِ، وَلَا يَرُونَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ؛ فَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَتَحَكُّمٌ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْعَامِدِ؛ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلَا نَسِيَاهُ، وَلَا تَعَمَّدَا إعْنَاتَنَا بِتَرْكِ بَيَانِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْقُرْآنُ، وَلَا السُّنَّةُ فَهِيَ بَاطِلٌ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَصَحَّ أَنَّ مَا فَاتَ فَلَا سَبِيلَ إلَى إدْرَاكِهِ، وَلَوْ أُدْرِكَ أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَ؛ لَمَا فَاتَ، كَمَا لَا تَفُوتُ الْمَنْسِيَّةُ أَبَدًا، وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَالْأُمَّةُ أَيْضًا كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ فَاتَتْ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، فَصَحَّ فَوْتُهَا بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَوْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا وَتَأْدِيَتُهَا لَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا فَاتَتْ كَذِبًا وَبَاطِلًا.
فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَبَدًا.وَمِمَّ ْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسُلَيْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَدِيلٌ الْعُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ.
فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقْرَأُ صَحِيفَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا الْقَارِئُ؛ إنَّهُ لَا صَلَاةَ؛ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَصَلِّ ثُمَّ اقْرَأْ مَا بَدَا لَك.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ عَنْ عَمِّهِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْجَابِيَةِ: أَلَا، وَإِنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لَا تَصْلُحُ إلَّا بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ - هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ؛ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ؛ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قِيلَ فِي الْمُطَفِّفِينَ .
قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ طَفَّفَ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] قَالَ: السَّهْوُ التَّرْكُ عَنْ الْوَقْتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَجْزَأَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ عَنْ شَيْءٍ قَدْ أَدَّاهُ.
وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَالْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34] فَقَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا. قَالُوا: مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَرْكِهَا، قَالَ تَرْكُهَا هُوَ الْكُفْرُ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ؛ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ؛ لِمِيقَاتِهَا.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الَّذِي يُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُصَلِّي مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ لَا أُصَلِّيَ شَيْئًا.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى كَانَتْ فَرْضَهُ وَالْأُخْرَى تَطَوُّعٌ، فَهُمَا صَلَاتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ صَلَاةً أَصْلًا، وَلَا هِيَ شَيْءٌ.
وَعَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْوَانِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَقْوَامًا فَعَابَهُمْ فَقَالَ: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] وَلَمْ تَكُنْ إضَاعَتُهُمْ إيَّاهَا، أَنْ تَرَكُوهَا؛ وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ؛ لِوَقْتِهَا صَعِدَتْ وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: حَفِظْتَنِي حَفِظَك اللَّهُ، وَإِذَا صَلَّاهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا طُوِيَتْ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً؛ وَكَذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .
قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ؛ لِهَؤُلَاءِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قُلْنَا: مَا هُوَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ - أَنَّ " لَا " لِلنَّفْيِ وَالتَّبْرِئَةِ جُمْلَةً إلَّا أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ضَرُورَةُ حِسٍّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَمْ تَكْمُلْ وَلَمْ تَتِمَّ فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هَذَا فِيمَا نَقَصَ مِنْ فَرَائِضِهَا؛ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَالْوَقْتُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ صَلَاةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِهَا.قَ لَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ؛ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّ ونَ لَا يَرَوْنَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءَ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ.
فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَيْضًا لَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا قَضَاءً.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لَا فِي حَالِ الْمُطَاعَنَةِ وَالْقِتَالِ وَالْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَلَمْ يَفْسَحْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَرْكِهَا عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّاهَا بِطَائِفَتَيْنِ وُجُوهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَمْ يَفْسَحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا لِلْمَرِيضِ الْمُدْنَفِ، بَلْ أُمِرَ إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَعَلَى جَنْبٍ؛ وَبِالتَّيَمُّم ِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ، وَبِغَيْرِ تَيَمُّمٍ إنْ عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازَ مَنْ أَجَازَ تَعَمُّدَ تَرْكِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ كَذَلِكَ؛ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلٍ لِصَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ.
وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ «صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لَهَا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ مَعَنَا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةِ فَرْضٍ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، فَإِنَّهُ فَاسِقٌ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ، مُسْتَحِقٌّ؛ لِلضَّرْبِ وَالنَّكَالِ، وَمَنْ أَوْجَبَ شَيْئًا مِنْ النَّكَالِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ وَصَفَهُ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ أَوْ بِجَرْحِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ مُرْتَدٌّ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ؛ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى» وَقَالَ قَدْ صَحَّ وُجُوبُ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُهَا إلَّا بِبُرْهَانِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
قَالَ عَلِيٌّ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ» ، وَلَمْ يُوجِبْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بَعْدَهُ، فَمَنْ أَخَذَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْخَبَرِ لَزِمَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا خِلَافٌ لِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِوَقْتِهَا.
وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ؛ إنَّهُمْ اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ غَدَاةَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَلَمْ يُصَلُّوا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مَكْحُولٌ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسًا؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَارِفِينَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ كَانُوا نَاسِينَ لَهَا بِلَا شَكٍّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِفَاضِلٍ مِنْ عَرْضِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِصَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَوْ كَانُوا ذَاكِرِينَ لَهَا لَصَلَّوْهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا أُمِرُوا، أَوْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا كَمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا، فَلَاحَ يَقِينًا كَذِبُ مَنْ ظَنَّ غَيْرَ هَذَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
أحسن الله إليك .
ومن طريف صنيعك ، أن ابن حزم ت 456 ، تليمذ لابن عبد البر ت 463 .
رد: سجال فقهي بين مجتهدين
بارك الله فيكم اخوتي وشكرا