[السبب في عدم ذكر أحكام الخنثى المشكل في الكتاب والسنّة]
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتابه
مجموع الفوائد في الفائدة97
"إذا قيل: كان الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يذكرون أحكام الخنثى المشكل في جميع أبواب العلم المتعلقة بالذكور والإناث مع أنك لا تجدها مذكورة في الكتاب ولا في السنّة مع أن الحال تقتضي على حسب ذكر الفقهاء لها أن تتكرر في الكتاب والسنّة مرات؛ لأنه على هذا الناس ذكور أو إناث أو خناثى؛ فيقتضي أن يكون القسم الأخير مساوياً أو مقارباً في ذكره لأحد القسمين.
فالجواب: مقصود الفقهاء ـ رحمهم الله ـ تحرير الأحكام
الشرعية والتدقيق في الأمور الفقهية، ولهذا يذكرون الأمور النادرة،
بل الأمور غير الواقعة إذا احتاجوا إلى إدخالها في العمومات أو استثنائها منها أو تقسيمها الذي يستوعب كل ممكن منها؛ فكون هذا مرادهم لا يرد ما ذكره السائل.
ثانياً: عدم ذكر ذلك في الكتاب والسنّة إما لندرته كما هو الواقع أنه من أندر النادر ثم إشكاله وعدم تمييزه أندر وأندر، والكتاب والسنّة إنما يذكر ما يحتاج الناس إليه غالباً لا نادراً.
ثالثاً: طريقة الكتاب والسنّة إذا كانت الأمور على قسمين، وربما تولد من بينهما قسم ثالث: أن تذكر أحكام كل من القسمين المشتركة والمتميزة، ويكون المتولد من بينهما يؤخذ من علل أحكامها؛ فإنه من المتقرر أن الأشياء كثير منها يكون فيه صفات متباينة ويكون لكل صفة مقتضاها من الأحكام والثواب والعقاب، وكذلك يذكر الله جزاء المؤمن الكامل وعقاب المجرم المحض كثيراً، ويعرف منهما حكم من فيه إيمان وإجرام وخير وشر، كما أنه صرح بهذا القسم في مواضع لكثرة وجوده، فلو لم يصرح به؛ لعرف حكمه من ذكر حكم القسمين المتباينين، ولهذا نقول: للخنثى حالتان:
ـ حالة يطلب فيها تمييزه: هل هو ذكر أو أنثى، وقد ذكر الفقهاء الأشياء التي يحصل فيها التمييز، وعلى هذا وغيره من المشتبهات دلت نصوص الكتاب والسنّة على وجه العموم على الأمر والإرشاد إلى تمييز الأمور وتوضيحها بطرقها، وكل شيء له طريق يوصل إلى تمييزه من غيره؛ فيدخل هذا في هذا العموم.
ـ الحالة الثانية: إذا تعذر التمييز ووقع الإشكال وهو
الخنثى المشكل الذي لم تتضح ذكوريته ولا أنوثيته؛ فهذا إن كانت الأحكام مشتركة بين الذكر والأنثى كأكثر أحكام التكاليف؛ فالخنثى مثلهما، وإن كانت من الأحكام المختلفة التي للذكر فيها حال وللأنثى حال أخرى؛ جعل الخنثى المشكل وسطاً بين الطرفين؛ كما في المواريث ونحوها.
هذا في الأحكام التي يمكن التوسط فيها، وأما ما لا يمكن؛
كنقض الوضوء بمس المرأة، وكالزواج، ونحوه؛ بني في ذلك على الأصل، ففي نقض الوضوء إذ مُسَّ الخنثى المشكل لا يحكم بنقض الوضوء؛ لأن الأصل الطهارة، وقد شككنا بوجود الناقض: هل هو ذكر أو أنثى؟
وفي مسألة التزويج ليس له أن يتزوج أنثى ولا ذكر؛ لأن
الأصل في الإبضاع التحريم؛ فلا يقدم على زواج لا نعلم هل هو صحيح أو باطل، هذا الغالب على أحكام الخنثى بعد التتبع لها ولمآخذها. والله أعلم. "