رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الْمُخَالِفِينَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ:
تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَثْبَتُوا الرُّؤْيَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا؛ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِعَيْنِ أَبْصَارِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَذَلِكَ بِمُوجَبِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ سَالِفَةِ الذِّكْرِ، وَقَدْ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوَائِفُ سَلَكُوا مَذْهَبَيْنِ:
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَ ةِ، وَالْخَوَارِجِ، وَالرَّوَافِضِ، وَالزَّيْدِيَّة ِ؛ وَهَؤُلَاءِ نَفَوْا الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا؛ وَقَالُوا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143].
وَالرَّدُّ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِكَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ فِي وَقْتِهِ أَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَلَمَّا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ نَجَاةَ ابْنِهِ أَنْكَرَ سُؤَالَهُ، وَقَالَ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {لَنْ تَرَانِي}، وَلَمْ يَقُلْ: "إِنِّي لَا أُرَى"، أَوْ: "لَا تَجُوزُ رُؤْيَتِي"، أَوْ: "لَسْتُ بِمَرْئِيٍّ" وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ظَاهِرٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كُمِّهِ حَجَرٌ فَظَنَّهُ رَجُلٌ طَعَامًا فَقَالَ: أَطْعِمْنِيهِ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَعَامًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرْئِيٌّ، وَلَكِنَّ مُوسَى لَا تَحْتَمِلُ قُوَاهُ رُؤْيَتَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ مَعَ قُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِلتَّجَلِّي فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَكَيْفَ بِالْبَشَرِ الَّذِي خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟
الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى مُمْكِنٌ؛ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُسْتَقِرًّا، وَلَو كَانَ مُحَالا لَعَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ.
السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ جَمَادٌ لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا عِقَابَ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَجَلَّى لِرُسُلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ؟
السَّابِعُ: وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ تَأْيِيدُ النَّفْيِ بِـ (لَنْ) وَأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَفَاسِدٌ؛ فَإِنَّهَا لَوْ قُيِّدَتْ بِالتَّأْبِيدِ لَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ النَّفْيِ فِي الْآخِرَةِ، فَكَيْفَ إِذَا أُطْلِقَتْ؟ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95]، مَعَ قَوْلِهِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]، فَثَبَتَ أَنَّ (لَنْ) لَا تَقْتَضِي النَّفْيَ الْمُؤَبَّدَ.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
وَمَنْ رَأَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا فَقَوْلُهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا([1]).
كَمَا اسْتَدَلُّوا - أَيْضًا – عَلَى نَفِيِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103].
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله: ((والْاسْتِدْلَا لُ بِهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ لَطِيفٍ؛ وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ التَّمَدُّحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ ، وَأَمَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَيْسَ بِكَمَالٍ فَلَا يُمْدَحُ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يُمْدَحُ الرَّبُّ تَعَالَى بِالنَّفْيِ إِذَا تَضَمَّنَ أَمْرًا وُجُودِيًّا؛ كَمَدْحِهِ بِنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقَيُّومِيَّة ِ، وَنَفْيِ الْمَوْتِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْحَيَاةِ، وَنَفْيِ اللُّغُوبِ وَالْإِعْيَاءِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقُدْرَةِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالظَّهِيرِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَقَهْرِهِ، وَنَفْيِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ صَمَدِيَّتِهِ وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ تَوَحُّدِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ، وَنَفْيِ الظُّلْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عَدْلِهِ وَعِلْمِهِ وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ النِّسْيَانِ وَعُزُوبِ شَيْءٍ عَنْ عِلْمِهِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَنَفْيِ الْمِثْلِ، الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَتَمَدَّحْ بِعَدَمٍ مَحْضٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُشَارِكُ الْمَوْصُوفَ فِي ذَلِكَ الْعَدَمِ، وَلَا يُوصَفُ الْكَامِلُ بِأَمْرٍ يَشْتَرِكُ هُوَ وَالْمَعْدُومُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ، فَقَوْلُهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ لَا يُدْرَكُ بِحَيْثُ يُحَاطُ بِهِ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} [الشعراء: 61، 62]، فَلَمْ يَنْفِ مُوسَى الرُّؤْيَةَ، وَإِنَّمَا نَفَى الْإِدْرَاكَ، فَالرُّؤْيَةُ وَالْإِدْرَاكُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُوجَدُ مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ، فَالرَّبُّ تَعَالَى يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا([2])))اهـ.
وَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ النَّظَرَ الْوَارِدَ فِي الْقُرْآنِ؛ وَقَالُوا: مَعْنَاهُ الِانْتِظَارَ، أَيِ: انْتِظَارَ الثَّوَابِ؛ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ النَّظَرُ!!
وَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ هَذَا: عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
((فَإِنَّ النَّظَرَ لَهُ عِدَّةُ اسْتِعْمَالَاتٍ ، بِحَسَبِ صِلَاتِهِ وَتَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ: فَإِنْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ: التَّوَقُّفُ وَالِانْتِظَارُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] ، وَإِنْ عُدِّيَ بِـ "فِي" فَمَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ ، كَقَوْلِهِ تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: 185]، وَإِنْ عُدِّيَ بِـ "إِلَى" فَمَعْنَاهُ: الْمُعَايَنَةُ بِالْأَبْصَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99]، فَكَيْفَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْبَصَرِ؟([3])))اهـ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله: ((وَمن قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَى ربِّها نَاظِرَةٌ} بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ: نَظَرْتُ إِلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى انْتَظَرْتُهُ؛ إِنَّمَا تَقُولُ: "نَظَرْتُ فَلَانًا"؛ أَيِ: انْتَظَرْتُهُ، فَإِذَا قُلْتَ: "نَظَرْتُ إِلَيْهِ" لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْعَيْنِ، وَإِذَا قُلْتَ: "نَظَرْتُ فِي الْأَمْرِ" احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَفَكُّرًا، وَتَدَبُّرًا بِالْقَلْبِ([4])))اهـ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: يُرَى؛ وَلَكِنْ لَا إِلَى جِهَةٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
((وَمَنْ قَالَ: "يُرَى لَا فِي جِهَةٍ" فَلْيُرَاجِعْ عَقْلَهُ! فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ وَفِي عَقْلِهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَإِذَا قَالَ يُرَى لَا أَمَامَ الرَّائِي وَلَا خَلْفَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ، رَدَّ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ بِفِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ؛ وَلِهَذَا أَلْزَمَ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ نَفَى الْعُلُوَّ بِالذَّاتِ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: كَيْفَ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِغَيْرِ جِهَةٍ([5])))اهـ.
[1])) انظر هذه الردود: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (211- 214).
[2])) السابق (214، 215).
([3]) السابق (209).
[4])) ((تهذيب اللغة)) (14/ 371)
[5])) السابق (219، 220).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ يُرَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا؟
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ – مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ نَقِيضٍ؛ فَهُمْ بَيْنَ مُفْرِطٍ وَمُفَرِّطٍ؛ فَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَ ةُ، فَفَرَّطُوا فِي الْأَمْرِ، وَقَالُوا: اللهُ تَعَالَى لَا يُرَى لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ فَأَفْرَطُوا فِي الْأَمْرِ، وَقَالُوا: بَلْ يُرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ وَسَطٌ بَيْنَ تِلْكَ الْفِرَقِ وَالطَّوَائِفَ؛ حَيْثُ جَمَعُوا بَيْنَ نُصُوصِ الْبَابِ الثَّابِتَةِ، وَأَخَذُوا بِهَا جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَالنَّاسُ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ؛ لَكِنْ يُرَى فِي الْمَنَامِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ نُفَاةِ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ([1])))اهـ.
وَقَدْ دَلَّتِ نُصُوصُ الْبَابِ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا يُرَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ؛ وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ:
قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ([2])».
وَأَيْضًا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {لَنْ تَرَانِي}؛ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ طَبِيعَةَ الْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا لَا تَتَحَمَّلُ هَذَا.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَقَدْ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ مُوسَى قِيلَ لَهُ: {لَنْ تَرَانِي}، وَأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ إِنْزَالِ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153]، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَرَاهُ؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَدَعْوَاهُ أَعْظَمُ مِنْ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ([3])))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ رحمه الله: ((وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ فِي الدُّنْيَا لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا، لَا لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ، فَهَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا حَدَّقَ الرَّائِي الْبَصَرَ فِي شُعَاعِهَا ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهَا، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ، بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ قُوَى الْآدَمِيِّينَ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ. وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ، خَرَّ مُوسَى صَعِقًا([4])))اهـ.
وَأَمَّا رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، فَإِنَّمَا رَآى نُورًا، وَلَمْ يَرَى رَبَّهُ؛ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّفَاقَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([5]).
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالىٰ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13، 14].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([6]).
وعَنِهُ أَيْضًا، قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ([7]).
وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»، فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].
أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيُّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]([8]).
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ - أَيْضًا - عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ([9]).
فَكَلَامُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ؛ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُثْبِتُ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِرَبِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَنْفِي ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ جَمَعُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ: هَلْ رَأَى رَبَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَمْ لَا؟ فَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (رَآهُ بِفُؤَادِهِ).
وَصَحَّ عَنْ عائشة وَابْنِ مَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ، وَقَالَا: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13، 14]؛ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَأَلَهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، أَيْ: حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ النُّورُ، كَمَا قَالَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: (رَأَيْتُ نُورًا) .
وَقَدْ حَكَى عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ رَآهُ مُنَاقِضًا لِهَذَا، وَلَا قَوْلُهُ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ([10])))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((جَاءَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ؛ فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا.... وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ إِثْبَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَفْيِ عَائِشَةَ، بِأَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَإِثْبَاتُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْفُؤَادِ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لَا مُجَرَّدَ حُصُولِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ، بَلْ مُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبِهِ، كَمَا يَخْلُقُ الرُّؤْيَةَ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَالرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ عَقْلًا، وَلَوْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِخَلْقِهَا فِي الْعَيْنِ([11])))اهـ.
[1])) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 336، 337).
[2])) صحيح: أخرجه مسلم (2245).
[3])) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 336).
[4])) ((شرح الطحاوية)) (220).
[5])) أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (577)، النسائي في «الكبرىٰ» (11539)، والحاكم (1/ 15) بسند صحيح.
[6])) حسن صحيح: أخرجه الترمذي (3280)، وقال: حديث حسن، وابن حبان (57)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (933)، وقال الألباني في «صحيح الترمذي»: حسن صحيح.
[7])) صحيح: أخرجه مسلم (285).
[8])) صحيح: أخرجه مسلم (289).
[9])) التخريج السابق.
[10])) ((زاد المعاد)) (3/ 33).
[11])) ((فتح الباري)) (8/ 608).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ يُرَى اللهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ؟
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الدَّرَجَاتِ وَالْكَفَّارَات ِ، وَفِي نَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ([1])».
قَالَ الْإِمَامُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: ((وَإِنَّمَا هَذِهِ الرُّؤْيَةُ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ؛ وَفِي الْمَنَام يُمْكِنُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ صُورَةٍ([2])))اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ رحمه الله: ((رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ جَائِزَةٌ، قَالَ مُعَاذٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنِّي نَعَسْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي».
وَتَكُونُ رُؤْيَتُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ظُهُورَ الْعَدْلِ، وَالْفَرَجِ، وَالْخِصْبِ، وَالْخَيْرِ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ رَآهُ فَوَعَدَ لَهُ جَنَّةً، أَوْ مَغْفِرَةً، أَوْ نَجَاةً مِنَ النَّارِ، فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ صِدْقٌ، وَإِنْ رَآهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهُوَ رَحْمَتُهُ، وَإِنْ رَآهُ مُعْرِضًا عَنْهُ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].
وَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَأَخَذَهُ، فَهُوَ بَلاءٌ، وَمِحَنٌ، وَأَسْقَامٌ تُصِيبُ بَدَنَهُ، يَعْظُمُ بِهَا أَجْرُهُ([3])))اهـ.
وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله: ((وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ صِحَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ فِي الْمَنَامِ([4])))اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَمَا زَالَ الصَّالِحُونَ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْمَنَامِ وَيُخَاطِبُهُمْ ، وَمَا أَظُنُّ عَاقِلًا يُنْكِرُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ وُجُودَ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ؛ إِذِ الرُّؤْيَا تَقَعُ لِلْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيارِهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَحَكَوْا عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، إِنْكَارَ رُؤْيَةِ اللهِ، وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عَمَّنْ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ وَلَكِنْ لَعَلَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ فَيَكُونُونَ قَدْ جَعَلُوا مِثْلَ هَذَا مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، وَيَكُونُونَ مِنْ فَرْطِ سَلْبِهِمْ وَنَفْيهِمْ، نَفَوْا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ اللهِ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَةً صَحِيحَةً كَسَائِرِ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ، فَهَذَا مِمَّا يَقُولُهُ الْمُتَجَهِّمَة ُ، وَهُوَ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا؛ بَلْ وَلِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عَامَّةُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ، وَلَيْسَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ فِي الْمَنَامِ نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَحَسَبِ حَالِ الرَّائِي، وَصِحَّةِ إِيمَانِهِ وَفَسَادِهِ، وَاسْتِقَامَةِ حَالِهِ وَانْحِرَافِه.
وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا خَطَرَ بِالْبَالِ، أَوْ دَارَ فِي الْخَيَالِ فَاللهُ بِخِلَافِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ إِذَا حُمِلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مَحْمَلًا صَحِيحًا، فَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ مَا تَخَيَّلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ أَوْ يَقَظَتِهِ مِنَ الصُّورِ، أَنَّ اللهَ فِي نَفْسِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ؛ بَلْ نَفْسُ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَة ِ، لَا يَتَصَوَّرُهَا الْإِنْسَانُ، وَيَتَخَيَّلُهَ ا عَلَى حَقِيقَتِهَا، بَلْ هِيَ عَلَى خِلَافِ مَا يَتَخَيَّلُهُ، وَيَتَصَوَّرُهُ فِي مَنَامِهِ وَيَقَظَتِهِ([5])))اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ – أَيْضًا - رحمه الله: ((وَمَنْ رَأَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ يَرَاهُ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ بِحَسَبِ حَالِ الرَّائِي؛ إِنْ كَانَ صَالِحًا رَآهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ؛ وَلِهَذَا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ([6])))اهـ.
وَقَالَ – أَيْضًا- رحمه الله: ((وَقَدْ يَرَى الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ فَإِذَا كَانَ إِيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إِلَّا فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِي إِيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِهُ إِيمَانَهُ([7])))اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَرَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ، وَيُخَاطِبُهُ، فَهَذَا حَقٌّ فِي الرُّؤْيَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ، مِثْلَ مَا رَأَى فِي الْمَنَامِ؛ فَإِنَّ سَائِرَ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا([8])))اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((جَوَّزَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ رُؤْيَةَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَنَامِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُجْرُوا فِيهَا الْخِلَافَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأُمُورٍ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا؛ فَتَارَةً يُعَبَّرُ بِالسُّلْطَانِ وَتَارَةً بِالْوَالِدِ وَتَارَةً بِالسَّيِّدِ وَتَارَةً بِالرَّئِيسِ فِي أَيِّ فَنٍّ كَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ ذَاتِهِ مُمْتَنِعًا، كَانَتْ رُؤْيَاهُ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ دَائِمًا بِخِلَافِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رؤى عَلَى صِفَتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا - وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ - كَانَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقًّا مَحْضًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ
وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ . . . وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَرَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ، وَلَكِنْ تَنْتَهِي تَعْرِيفَاتُهُ إِلَى الْعَبْدِ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ حَقًّا فِي كَوْنِهِ وَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ؛ فَيَقُولُ الرَّائِي: "رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ" لَا يَعْنِي أَنِّي رَأَيْتُ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُ فِي حَقِّ غَيره.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ رُؤْيَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى اللَّهَ عَلَى وَصْفٍ يَتَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، لَا يَقْدَحُ فِي رُؤْيَتِهِ، بَلْ يَكُونُ لِتِلْكَ الرُّؤْيَا ضَرْبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ([9])))اهـ كلام ابن حجر.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ رحمه الله، وَقَدْ سُئِلَ: مَا حُكْمُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ؟ وَهَلْ كَمَا يَزْعُمُ الْبَعْضُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَدْ رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ فِي الْمَنَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ مَرَّةٍ؟
فَأَجَابَ رحمه الله: ((ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله وَآخَرُونَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ وَلَكِنْ يَكُونُ مَا رَآهُ لَيْسَ هُوَ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فَلَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، لَكِنْ قَدْ يَرَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ يُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، وَمَهْمَا رَأَى مِنَ الصُّوَرِ فَلَيْسَتْ هِيَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا كُفْءَ لَهُ([10])))اهـ.
وَقَدْ وَرَدَ نَحْوُ هَذَا عَنِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ عُثَيْمِينَ، وَالْعَلَّامَةِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخِ، وَالْعَلَّامَةِ الْبَرَّاكِ، وَالْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّاجِحِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ رحمه الله عَنْ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ، وَهَلْ هِيَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ لَا؟ حَيْثُ يَكْثُرُ فِي كُتُبِ التَّرَاجِمِ: رَأَيْتُ رَبِّي وَرَأَى فُلَانٌ رَبَّهُ.
فَأَجَابَ رحمه الله: ((لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ ([11])))اهـ.
[1])) صحيح: أخرجه الترمذي (3234)، وأحمد (2580)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وصححه الألباني ((تخريج المشكاة)) (748).
[2])) ((الرد على المريسي)) (2/ 738).
[3])) ((شرح السنة)) (12/ 227).
[4])) ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) (7/ 220).
[5])) ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 326- 328).
[6])) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 251).
[7])) السابق (3/ 390).
[8])) ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 326).
[9])) ((فتح الباري)) (12/ 388).
[10])) ((مجموع فتاى ابن باز)) (6/ 367).
[11])) ((سلسلة الهدى والنور)) شريط (411).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: رُؤْيَةُ اللهِ تَعَالَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ:
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ؛ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَه ُ([1])».
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ([2])، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُون َ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ، كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُون َ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّم([3])».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلَا يَتْبَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلِصَاحِبِ النَّارِ نَارُهُ، فَيَتْبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى الْمُسْلِمُونَ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلَا تَتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، اللَّهُ رَبُّنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ ، ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيَقُولُ: أَلَا تَتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ اللَّهُ رَبُّنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ » قَالُوا: وَهَلْ نَرَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ، ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي، فَيَقُومُ الْمُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ([4])».
فَدَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُرَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَرَاهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ جَمِيعُ الْخَلْقِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، أَمْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُنَافِقُو نَ، أَمْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ فَقَطْ؟
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَالْأَقْوَالُ ثَلاثَةٌ فِي رُؤْيَةِ الْكُفَّارِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِحَالٍ؛ لَا الْمُظْهِرُ لِلْكُفْرِ وَلَا الْمُسِرُّ لَهُ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِي نَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِي نَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغُبَّرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إِتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ، الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ وَتَعْذِيبٍ؛ كَاللِّصِّ إِذَا رَأَى السُّلْطَانَ ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ؛ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُمْ وَيَشْتَدَّ عِقَابُهُمْ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِمْ؛ وَهُمْ فِي الْأُصُولِ مُنْتَسِبُونَ إِلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِلَى سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْتَسْتَرِيِّ.
وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ اللِّقَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالرُّؤْيَةِ؛ إِذْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ - مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ الْإِمَامُ - قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]: إِنَّ اللِّقَاءَ يَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَالْمُعَايَنَة ِ.
وَمِنْ أَقْوَى مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُثْبِتُونَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلَانٌ أَلَمْ أُكْرِمْك؟ أَلَمْ أُسَوِّدْك؟ أَلَمْ أُزَوِّجْك؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَتْرُكْكَّ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا، قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، قَالَ: فَيَلْقَى الثَّانِيَ، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟». الْحَدِيثَ.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ يَلْقَى رَبَّهُ.
وَيُقَالُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فَيَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ عِنْدَ ذَلِكَ؛ لَكِنْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا: اللِّقَاءُ الَّذِي فِي الْخَبَرِ غَيْرُ التَّرَائِي؛ لَا أَنَّ اللَّهَ تَرَاءَى لِمَنْ قَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَلْقَى رَبَّهُ فَيُوَبِّخُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَّبِعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ خَصُّوا بِالرُّؤْيَةِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ فِي الظَّاهِرِ - مُؤْمِنُهُمْ وَمُنَافِقُهُمْ - فَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَي ْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ رُؤْيَتَهُ لِكَافِرِ وَمُنَافِقٍ، إِنَّمَا يُثْبِتُونَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمُنَافِقِينَ "رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ" ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعَرْصَةِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ نَفَوْا الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِهِ الْمَأْثُورِ عَنِ الْمُتَقَدِّمِي نَ فَاتِّبَاعٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
وَالْمُخْتَلِفُ ونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أعذرُ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ أَمَّا الْجُمْهُورُ فَعُذْرُهُمْ ظَاهِرٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ؛ وَأَنَّ عَامَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الرُّؤْيَةِ لَمْ تَنُصَّ إِلَّا عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَصٌّ صَرِيحٌ بِرُؤْيَةِ الْكَافِرِ، وَوَجَدُوا الرُّؤْيَةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ صَارَتْ دَالَّةً عَلَى غَايَةِ الْكَرَامَةِ وَنِهَايَةِ النَّعِيمِ.
وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ عُمُومًا وَتَفْصِيلًا فَقَدْ ذَكَرْتُ عُذْرَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: قَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]؛ هَذَا الْحَجْبُ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: "حَجَبْتُ فُلَانًا عَنِّي" وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْحَجْبَ نَوْعُ رُؤْيَةٍ؛ وَهَذَا حَجْبٌ عَامٌّ مُتَّصِلٌ وَبِهَذَا الْحَجْبِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ أَنْ يُحْجَبَ الْكُفَّارُ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَة ُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا دَائِمًا أَبَدًا سَرْمَدًا؛ وَيَقُولُونَ: "إِنَّ كَلَامَ السَّلَفِ مُطَابِقٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ؛ ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ الَّذِي هُوَ عَامٌ لِلْخَلَائِقِ قَدْ يَكُونُ نَوْعًا ضَعِيفًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ أَنْوَاعٌ مُتَبَايِنَةٌ تَبَايُنًا عَظِيمًا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ طَرَفَاهَا".
وَهُنَا آدَابٌ تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا:
مِنْهَا: أَنَّ مَنْ سَكَتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَدْعُ إِلَى شَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ هَجْرُهُ؛ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ؛ فَإِنَّ الْبِدَعَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا لَا يُهْجَرُ فِيهَا إِلَّا الدَّاعِيَةُ؛ دُونَ السَّاكِتِ فَهَذِهِ أَوْلَى.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إِخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنِ الْفِتَنِ؛ وَلَكِنْ إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إِلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ.
بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ لِمَا قَدْ تَوَاتَرَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرُّؤْيَةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ صَارَ يُفْهَمُ مِنْهَا الْكَرَامَةُ وَالثَّوَابُ فَفِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ إِيهَامٌ وَإِيحَاشٌ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظًا يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْثُورًا عَنِ السَّلَفِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مَأْثُورًا([5])))اهـ.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182).
[2])) قال القاضي عياض رحمه الله في ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) (2/ 128): ((وغُبَّر أهل الْكتاب: كَذَا هُوَ بِضَم الْغَيْن وَتَشْديد الْبَاء؛ أَي: بقاياهم))اهـ.
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (183).
[4])) صحيح: أخرجه الترمذي (2557)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (215)، وابن منده في ((الإيمان)) (815)، وصححه الألباني في ((تخريج الطحاوية)) (576).
[5])) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 487- 504)، مختصرًا.
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (وَإِلَى السَّمَاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ)؛ دَلَّ عَلَى صِفَةِ النُّزُولِ – وَهِيَ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ - حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ([1])».
قوله:(بِغَيْرِ كَيْفٍ)؛ أَيْ: بِغَيْرِ كَيْفٍ مَعْلُومٍ لَنَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: ((فَإِنْ قَالَ لَنَا: كَيْفَ النُّزُولُ مِنْهُ جَلَّ وَعَزَّ؟ قُلْنَا: لَا نَحْكُمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءٍ؛ وَلَكِنَّا نُبَيِّنُ كَيْفَ النُّزُولُ مِنَّا وَمَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ([2])))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رحمه الله: ((يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّنَازُعَ فِيهِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ، وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ([3])))اهـ.
وَقَدْ أَوَّلَتْ بَعْضُ الْفِرَقِ صِفَةَ النُّزُولِ؛ فَقَالُوا: تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ، وَيِنْزِلُ ثَوَابُهُ، وَيَنْزِلُ أَمْرُهُ، أَوْ مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سَعِيدٍ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: ((فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ حُجَجِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ بَيَانٌ، وَلَا لِمَذْهَبِهِ بُرْهَانٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ يَنْزِلُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَوَقْتٍ وَأَوَانٍ، فَمَا بَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُدُّ لِنُزُولِهِ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ؟
وَيُوَقِّتُ مِنَ اللَّيْلِ شَطْرَهُ أَوِ الْأَسْحَارَ؟ أَفَبِأَمْرِهِ وَرَحْمَتِهِ يَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ ؟ أَوْ يُقَدِّرُ الْأَمْرَ وَالرَّحْمَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَا دُونَهُ فَيَقُولَا: "هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ " فَإِنْ قَرَّرْتَ مَذْهَبَكَ لَزِمَكَ أَنْ تَدَّعِي أَن الرَّحْمَةَ وَالْأَمْرَ اللَّذَيْنِ يَدْعُوَانِ إِلَى الْإِجَابَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ بِكَلَامِهِمَا دُونَ اللَّهِ؛ وَهَذَا مُحَالٌ عِنْدَ السُّفَهَاءِ، فَكَيْفَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ تُكَابِرُونَ.
وَمَا بَالُ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ يَنْزِلَانِ مِنْ عِنْدِهِ شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَا يَمْكُثَانِ إِلَّا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُرْفَعَانِ؛ لِأَنَّ رِفَاعَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِهِ: "حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".
وَقَدْ عَلِمْتُمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبْطَلُ بَاطِلٍ، لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَاهِلٍ([4])))اهـ.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (7494)، ومسلم (758).
[2])) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 406)
[3])) ((التمهيد)) (7/ 143).
[4])) ((الرد على بشر المريسي)) (215).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (وَأُقِرُّ بِالْمِيزَانِ)؛ أَيِ: الْمِيزَانَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يُنْصَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَصَحَائِفُ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا يُوزَنُ فِيهِ الْعِبَادُ أَنْفُسُهُمْ.
وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8، 9].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:102- 104].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6- 11].
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:103- 105].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ، مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: الْبِطَاقَةُ: الرُّقْعَةُ؛ وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ لِلرُّقْعَةِ: بِطَاقَةً([1]).
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الصَّحَائِفَ تُوزَنُ.
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا([2])».
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ([3])».
وعَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلًى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَخٍ بَخٍ، لَخَمْسٌ مَا أَثْقَلُهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ، وَالِدَاهُ([4])».
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ([5])».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}([6])».
فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ نَفْسَهُ يُوزَنُ.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: قَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ» قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([7])».
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله: ((وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحًا؛ فَتَارَةً تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَتَارَةً تُوزَنُ مَحَالُّهَا، وَتَارَةً يُوزَنُ فَاعِلُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ([8])))اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ، وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْلِ، فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَاهِدِينَ، وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا؛ إِذْ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا([9])))اهـ.
[1])) صحيح: أخرجه ابن ماجه (4300)، وأحمد (6994)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (8095).
[2])) صحيح: أخرجه مسلم (223).
[3])) صحيح: أخرجه الترمذي (2002)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وأحمد (27532)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1977).
[4])) صحيح: أخرجه أحمد (15662)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2817).
[5])) صحيح: أخرجه أحمد (3991)، وصححه الألباني ((الصحيحة)) (2750).
[6])) متفق عليه: أخرجه لبخاري (4729)، ومسلم (2785).
[7])) صحيح: أخرجه الترمذي (2433)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وأحمد (12825)، وصححه الألباني ((ظلال الجنة)) (772).
[8])) ((تفسير ابن كثير)) (3/ 390).
[9])) ((فتح الباري)) (13/ 539).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (وَالْحَوْضِ الَّذِي أَرْجُو بِأَنِّي مِنْهُ رِيًّا أَنْهَلُ)؛ أَيْ: وَأُقِرُّ بِحَوْضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الَّذِي يَكُونُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْحَوْضِ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا([1])».
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ([2])».
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ - وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا([3])».
وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ» فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ : أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ: «الْأَوَانِي»؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ : «تُرَى فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ([4])».
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ([5]) فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ([6])».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي([7])».
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ([8]) حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ([9])» فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: «مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ» وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ([10])».
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي([11])».
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ» فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا([12]).
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ؛ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ؛ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ العَرَبِ وَالآخَرُ مِنَ العَجَمِ، فَقَالَ: «اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الحَوْضَ([13])».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ([14])».
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6580)، ومسلم (2303).
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6592)، ومسلم (2298).
[5])) قال النووي رحمه الله: ((وَأَمَّا يَشْخُبُ: فَبِالشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْ نِ وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ وَالْخَاءُ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ، وَالشَّخْبُ: السَّيَلَانُ، وَأَصْلُهُ مَا خَرَجَ مِنْ تحت يد الحالب عند كل عمرة وَعَصْرَةٍ لِضَرْعِ الشَّاةِ. ((شرح مسلم)) (15/ 60).
[6])) صحيح: أخرجه مسلم (2300).
[7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1196)، ومسلم (1391).
[8])) قال النووي رحمه الله: (((إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِبِلِ مِنَ الْحَوْضِ إِذَا وَرَدَتْهُ وَقِيلَ مُؤَخَّرُهُ)). ((شرح مسلم))(15/ 62).
([9])قال النووي رحمه الله: ((مَعْنَاهُ أَطْرُدُ النَّاسَ عَنْهُ غَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ لِيَرْفَضَّ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ؛ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِي تَقْدِيمِهِمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ مُجَازَاةً لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَنْصَارُ مِنَ الْيَمَنِ، فَيَدْفَعُ غَيْرَهُمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ وَالْمَكْرُوهَا تِ، وَمَعْنَى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ: أَيْ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ)). ((شرح مسلم))
[10])) صحيح: أخرجه مسلم (2301).
[11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (7050)، ومسلم (2290).
[12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6593)، ومسلم (2292).
[13])) صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (2259)، وأحمد (15284)، وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2246): صحيح لغيره.
[14])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2367)، ومسلم (2302).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
هَلِ الْحَوْضُ هُوَ الْكَوْثَرُ؟
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:1- 3]، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» فَقُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ([1]) الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ([2])».
فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ الْحَوْضُ الَّذِي تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ؛ وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ غَيْرُ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، وَأَنَّ الْكَوْثَرَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ مَنْبَعُ الْحَوْضِ؛ حَيْثُ يَشْخُبُ مِنْهُ مِيزَابَانِ إِلَى الْحَوْضِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ – بَعْدَ مَا ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَ –: ((وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ ذَلِكَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ، وَالْحَوْضُ فِي الْعَرَصَاتِ قَبْلَ الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّهُ يُخْتَلَجُ عَنْهُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ أَقْوَامٌ قَدِ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُجَاوِزُونَ الصِّرَاطَ([3])))اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((وَالَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ: أَنَّهُ حَوْضٌ عَظِيمٌ، وَمَوْرِدٌ كَرِيمٌ، يُمَدُّ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ، مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ([4])))اهـ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ غَيْرُ الْحَوْضِ:
حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ، الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ - أَوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أَذْفَرُ([5])».
[1])) يختلج: أي: يُنتزع.
[2])) صحيح: أخرجه مسلم (400).
[3])) ((شرح الطحاوية)) (200).
[4])) السابق (201).
[5])) صحيح: أخرجه البخاري (6581).
(مسك أذفر): شديد الرائحة الذكية.
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الصِّرَاطُ يُمَدُّ فَوْقَ جَهنَّمٍ ... فَمُوَحِّدٌ نَاجٍ وَآخَرُ مُهْمَلُ)؛ أَيْ: وَأُقِرُّ – أَيْضًا - بِالصِّرَاطِ الَّذِي يُمَدُّ فَوْقَ جَهَنَّمَ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الصِّرَاطِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو([1])».
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ» قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ([2])».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ([3]) مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا([4])».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ؛ وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضُ مَزِلَّةٍ فَيُقَالُ: انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، وَيَرْمُلُ رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ قَالَ: يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، قَالَ: فَيَخْلَصُوا فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي أَرَانَاكِ، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا([5])».
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (299).
[2])) صحيح: أحرجه مسلم (329).
[3])) (حَسَكَةٌ) هِيَ: شَوكة صُلْبة مَعْرُوفَةٌ. (نهاية).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (302).
[5])) صحيح: أخرجه الحاكم (3424)، وصححه الألباني ((صحيح الترغيب)) (3629).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ:(وَالنَّارُ يَصْلَاهَا الشَّقِيُّ بِحِكْمَةٍ ... وَكَذَا التَّقِيُّ إِلَى الْجِنَانِ سَيَدْخُلُ)؛ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْحِكْمَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "الْحَكِيمُ"، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18].
فمِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ خَلَقَ النَّاسَ فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَمِنْهُمُ الطَّائِعُ وَالْعَاصِي، وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لَجَعَلَنَا أُمَّةً وَاحِدَةً؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:93، 94]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118، 119].
فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ؛ مِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَمِنْهُمُ السَّعِيدُ.
وَمِنْ حِكْمَتِهِ – أَيْضًا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اخْتِيَارُ الْمَحَلِّ الَّذِي يَصْلُحُ لِأَنْ يُوَفَّقَ إِلَى التَّقْوَى، وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ.
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ لِلنَّاسِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]؛ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ هُدَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَقْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِحِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله: ((وَتَفْصِيلُ حِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا عُقُولُ الْبَشَرِ([1])))اهـ.
وَقَالَ - أَيْضًا - رحمه الله: ((وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خَفَاءِ حِكْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا عَدَمُهَا، وَلَا مِنْ جَهْلِنَا انْتِفَاءُ حِكْمَتِهِ([2])))اهـ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ يُوَفِّقُ شَخْصًا لِلْخَيْرِ – وَالتَّوْفِيقُ هُوَ الْإِعَانَةُ – وَلَا يُوَفِّقُ الْآخَرَ – وَهُوَ سَلْبُ الْإِعَانَةِ – وَكُلُّ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ تَعَالَى، لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الْإِحَاطَةَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ وَالْمَخْلُوقُ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِحَاطَةَ بِاللهِ تَعَالَى وَلَا بِصِفَاتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
[1])) ((شرح الطحاوية)) (84).
[2])) السابق (343).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ فِي قَبْرِهِ ... عَمَلٌ يُقَارِنُهُ هُنَاكَ وَيُسْأَلُ)؛ وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ بِسُؤَالِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ وَعَذَابِهِ؛ فَكُلُّ حَيٍّ عَاقِلٍ سَوْفَ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ؛ ثُمَّ – بَعْدَ ذَلِكَ - إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نَارٍ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا المُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا» - قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا: أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ - قَالَ: «وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ([1])».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ - أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ([2])».
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ – وَهِيَ سُؤَالُهُ -عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ([3])».
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1374)، ومسلم (2870).
[2])) حسن: أخرجه الترمذي (1071)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وحسنه الألباني ((صحيح الجامع))، (724).
[3])) صحيح: أخرجه البخاري (6368).
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
قَوْلُهُ: (هَذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ... وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ)؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ هُوَ اعْتِقَادُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ ؛ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ.
وَهُوَ أَيْضًا اعْتِقَادُ غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ كَمِثَالٍ فَقَطْ؛ لِشُهْرَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنِ اتَّبَعْتَ سَبِيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ ... وَإِنِ ابْتَدَعْتَ فَمَا عَلَيْكَ مُعَوَّلُ)؛ أَيْ: إِنِ اتَّبَعْتَ سَبَيلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَسَبَيلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَسَوْفَ تُوَفَّقُ وَتُسَدَّدُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْضَ بِسَبِيلِهِمْ وَطَرِيقِهِمْ، وَابْتَدَعَ فِي الدِّينِ، فَلَنْ يُوَفِّقَهُ اللهُ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186]، وَلَنْ يُعرَّجَ عَلَيْهِ، وَلَنْ يُوثَقَ بِكَلَامِهِ.
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
جزاك الله خيرا شيخنا
وجزاك على إهتمامك بأمور العقيدة
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
موفق مسدد إن شاء الله أبا يوسف
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف حازم
جزاك الله خيرا شيخنا
وجزاك على إهتمامك بأمور العقيدة
بارك الله فيكم أخانا الحبيب الشريف حازم
رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوخزيمةالمصرى
موفق مسدد إن شاء الله أبا يوسف
وفقكم الله أبا خزيمة، وسددكم، وبارك فيكم