فضل صيام ستة أيام من شوال. كتبه فؤاد بن عبدالله الحاتم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد: فقد اطلعت على أقوال من يشكك في وقتنا هذا، في استحباب صيام ستة أيام من شوال، بدعاوى تحتاج الى تحرير، حتى يتبين وجه الصواب فيها من الخطأ، فكتبت هذا البحث، والله أسأل ان يجعله خالصا صوابا نافعا لكاتبه وقارئه.
وجعلته في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم صيام ستة أيام من شوال عند العلماء.
المطلب الثاني: دليل صيامها، ومناقشة ما قيل عن حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
المطلب الثالث: وقت صيامها.
المطلب الأول: حكم صيامها عند العلماء.
اتفق جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة على استحباب صيام ستة أيام من شوال، وكره ذلك أبو يوسف، والامام مالك خشية ان يلحق بصيام رمضان ما ليس منه.
من أقوال الحنفية:
قال الكاساني في الأيام التي يكره صومها: منها: إتباع رمضان بست من شوال، كذا قال أبو يوسف: كانوا يكرهون ان يتبعوا رمضان صوما، خوفا ان يلحق ذلك بالفريضة... وقال الكاساني: والإتباع المكروه هو ان يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام.
فأما إذا أفطر يوم العيد، ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه، بل هو مستحب، وسنة. [بدائع الصنائع ٢/٥٨٦]
وقال الحصكفي: وندب تفريق صوم الست من شوال، ولا يكره التتابع على المختار، خلافا للثاني.
والإتباع المكروه ان يصوم يوم الفطر، وخمسة بعده، فلو أفطر الفطر لم يكره، بل يستحب، ويسن.
ونقل ابن عابدين عن جماعة من علماء الحنفية استحبابه، وكراهة أبي يوسف لصيامه متتابعا، ونقل أيضاً طعن بعضهم عزو الكراهة مطلقا الى أبي حنيفة. [رد المحتار على الدر المختار ٣/٤٨٥]
من أقوال المالكية:
قال يحيى بن يحيى: سمعت مالكا يقول: في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان انه لم يرَ أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن احد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وان يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم و رأوهم يعملون ذلك. [الموطأ للإمام مالك]
قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكا حديث أبي ايوب، على انه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه، وذلك خشية أن يضاف الى فرض رمضان، وان يستبين ذلك الى العامة.
وكان رحمه الله متحفظا كثير الاحتياط للدين.
واما صيام الستة أيام من شوال على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه، فان مالكا لا يكره ذلك ان شاء الله. [الاستذكار ١٠/٢٥٩]
وقال القيرواني: وروي في صيام شوال فضائل، وجاء في من أتبع رمضان بستة أيام من شوال كان كصيام الدهر، أو صيام سنة.
قال مطرف: وإنما كره مالك صيامها لئلا يلحق أهل الجهل ذلك برمضان، واما من رغب في ذلك لما جاء فيه، فلم ينه عنه. [النوادر والزيادات ٢/٨٢]
وقال المازري: قال شيوخنا: ولعل مالكا إنما كره صومه على هذا، وأن يعتقد من يصومه أنه فرض، وأما من صامه على الوجه الذي أراد النبي عليه السلام فجائز، وقال بعضهم: لعل الحديث لم يبلغه، أم لم يثبت عنده، أو لما وجد العمل بخلافه. [إكمال المعلم بفوائد مسلم ٤/١٣٩]
وقال الرعيني: كره مالك رحمه الله ذلك مخافة ان يَلْحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء، واما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها.[مواهب الجليل ٣/٢٧٩]
ومراد مالك بالعلماء أي علماء المدينة النبوية.
قال الباجي: لما ورد الحديث على مثل هذا، ووجد مالكٌ علماءَ المدينة منكرين العمل بهذا، احتاط بتركه، لئلا يكون سببا لما قاله. [المنتقى شرح موطأ مالك ٣/٩٢]
من أقوال الشافعية:
قال الغزالي: وصوم التطوع في السنة: صوم عرفة، وعاشوراء، وتاسوعاء، وستة أيام بعد عيد رمضان. [الوجيز ١/٢٤١]
وقال الرافعي: الأيام التي يستحب التطوع بصومها تنقسم الى ما يتكرر بتكرر السنين، والى ما يتكرر بتكرر الشهور، والى ما يتكرر بتكرر الأسابيع...
ومنه ستة أيام من شوال، يستحب صومها، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد رحمهما الله. [العزيز شرح الوجيز ٣/٢٤٥]
وقال الشيرازي: يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال.
وقال النووي: قال أصحابنا: يستحب صوم ستة أيام من شوال. [المجموع ٦/٤٢٧]
من أقوال الحنابلة:
قال الخرقي: ومن صام شهر رمضان، وأتبعه بست من شوال، وإن فرقها فكأنما صام الدهر.
قال ابن قدامة: وجملة ذلك ان صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم.
روي ذلك عن كعب الأحبار، والشعبي، وميمون بن مهران. [المغني ٣/١٧٢]
وقال ابن مفلح: استحب أحمد، والأصحاب رحمهم الله، لمن صام رمضان أن يتبعه بصوم ستة أيام من شوال. [الفروع ٥/٨٤]
المطلب الثاني: دليل صيامها، ومناقشة ما قيل عن حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
استدل الجمهور على استحباب صيام ستة أيام من شوال بحديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر". [أخرجه مسلم في الصحيح ١١٦٤، وأبو داود في السنن ٢٤٣٣، والنسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٣، والترمذي في الجامع ٧٥٩، وقال الترمذي: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وثوبان. وحديث أبي أيوب حديث حسن صحيح. والبيهقي في معرفة السنن والآثار ٣/٤٥٠، وقال: هذا حديث صحيح ثابت من حديث أبي أيوب الأنصاري]
وقد اعترض بعض العلماء على حديث أبي أيوب رضي الله عنه بثلاثة أمور:
الأول: الإختلاف في تصحيحه وتضعيفه.
الثاني: الإختلاف في رفعه ووقفه.
الثالث: عدم العمل به.
قال ابن رجب: وقد اختلف في هذا الحديث، ثم في العمل به؛ فمنهم من صححه، ومنهم من قال هو موقوف؛ قاله ابن عيينة وغيره، وإليه يميل الإمام أحمد، ومنهم من تكلم في إسناده. [لطائف المعارف ص٣٨٩]
قلت: أما العمل بهذا الحديث فقد تقدم في المبحث الأول ان مذهب جمهور العلماء استحباب صيام هذه الستة أيام.
بل قال ابن رجب: وأما العمل به، فاستحب صيام ستة أيام من شوال أكثر العلماء.
روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وطاووس، والشعبي، وميمون بن مهران، وهو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأنكر ذلك آخرون. [لطائف المعارف ص٣٨٩]
وأما الاختلاف في تصحيح حديث أبي أيوب رضي الله عنه، فلأن مداره على سعد بن سعيد الأنصاري، وهو مختلف في توثيقه وتضعيفه.
فقد ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وقال ابن معين في رواية أخرى: صالح، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأس بمقدار ما يرويه.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطىء، وزاد لم يفحش خطاؤه، فلذلك سلكناه مسلك العدول.
ووثقه العجلي، وابن عمار. [تهذيب التهذيب لابن حجر ٢/٢٧٦]
وقد حفظ وضبط سعد بن سعيد هذا الحديث جيدا، ومما يدل على ذلك ان جماعة من الرواة رووا هذا الحديث عن سعد بن سعيد، ولم يختلف جمهورهم في إسناده، ولا في متنه.
ولذا أخرجه مسلم في الصحيح، وصححه الترمذي والبيهقي، كما تقدم، وقال عنه ابن عدي: حديث مشهور. [الكامل في الضعفاء لبن عدي ٣/٣٥٢]
وقال ابن الملقن: وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد هذا تسعة وعشرون رجلا، أكثرهم ثقات حفاظ أثبات. [البدر المنير ٥/٧٥٢]
ناهيك أن لفظ هذا الحديث قد روي عن غير واحد من الصحابة.
قال الترمذي: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وثوبان. [الجامع ٧٥٩]
وقال ابن حجر: قد روي من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث ابن عمر، وغيرهم. [النكت الظراف، بهامش تحفة الأشراف ٣/١٠١]
الأمر الثاني: الاختلاف في رفعه، ووقفه.
قال ابن القيم: ذكر عبدالله بن الزبير الحميدي هذا الحديث في مسنده، وقال: الصحيح موقوف. [تهذيب سنن أبي داود بهامش مختصر سنن أبي داود ٣/٣٠٨]
قلت: والحديث في مسند الحميدي هكذا: قال الحميدي حدثنا سفيان قال حدثنا سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب قال: "من صام رمضان، و اتبعه ستا من شوال، فكأنما صام الدهر" قال الحميدي: فقلت لسفيان، أو قيل له: إنهم يرفعونه؟ قال: اسكت عنه، قد عرفت ذلك. [مسند الحميدي ١/١٨٨]
ثم روى الحميدي بعد طريق ابن عيينة الحديث من طريقين مرفوعا!
فليس في كلام الحميدي أنه صحح وقفه! بل فيه انه انكر هو أو غيره على سفيان بن عيينة وقفه، بل ما صنعه الحميدي من خراج الحديث من طريقين مرفوعين بعد طريق سفيان دليل على أنه يرى رفعه.
وقد خالف سفيان بن عيينة كثير من الثقات الذين رووه مرفوعا، بل فيهم من هو أوثق منه، مثل سفيان الثوري، وعبدالله بن المبارك.
وممن روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد مرفوعا ما يلي:
إسماعيل بن جعفر، وعبدالله بن نمير، وعبدالله بن المبارك. [أخرجه مسلم في لصحيح ١١٦٤، وابن أبي شيبة في المصنف عن ابن المبارك ٢/٥٠٩، والطبراني في المعجم الكبير من طريقين عن ابن المبارك ٣/٩٧٩]
وعبدالعزيز بن محمد، إلا انه قال: عن صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد. [أخرجه أبو داود في السنن ٢٤٣٣، والنسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٣، والدارمي في السنن ٢/٣٤]
أبو معاوية الضرير محمد بن خازم. [أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/٤١٧، والترمذي في الجامع ٧٥٩]
ومحمد بن عمرو الليثي، إلا انه أخطأ فيه، فقال: عن سعد بن سعيد عن عمرو بن ثابت.
قال النسائي: هذا خطأ، والصواب عمر بن ثابت. [أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٣]
وورقاء بن عمر اليشكري. [أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/٤١٩، والنسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٣]
وداود بن قيس. [أخرجه عبدالرزاق في المصنف ٤/٣١٥، والطبراني في المعجم الكبير ٣/٩٧٩]
ومحمد بن أبي سبرة. [أخرجه عبدالرزاق في المصنف ٤/٣١٥]
وروح بن القاسم، وقرة بن عبدالرحمن، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن أبي حميد، وعمرو بن علي. [أخرجها جميعا الطبراني في المعجم الكبير ٣/٩٨٠]
وأبو جعفر الرازي [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ٧/٣٤٦]
ويحيى بن سعيد أخوه، وشعبة، والثوري، ذكره ابن عدي. [الكامل في الضعفاء ٣/٣٥٢]
وقال الدارقطني: يرويه جماعة من الثقات الحفاظ عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب.
منهم ابن جريج، والثوري، وعمرو بن الحارث، وابن المبارك، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم. [العلل ٦/١٠٧]
فهؤلاء جمع كثير من الرواة، رووا هذا الحديث عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي ايوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا.
فلا تعارض رواية ابن عيينة رواية من هم أكثر منه عددا، وفيهم من هو أوثق منه، كالثوري، وابن المبارك.
ناهيكم ان الأئمة النقاد لم يُعِلّوا هذا الحديث بأنه موقوف!
كأبي حاتم الرازي، ومسلم، والترمذي، والطبراني، والدارقطني، مما يدل على ثبوته عندهم مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يذكر الدارقطني هذا الحديث فيما تتبعه على البخاري ومسلم، وهذا مما يقوي الحديث.
وأما ما رواه عبد ربه بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي ايوب، موقوفا. [أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٣]
فقد تفرد به أبو عبدالرحمن المقرئ عن شعبة عن عبد ربه بن سعيد.
وأبو عبدالرحمن هو عبدالله بن يزيد المخزومي المدني المقري الأعور، ثقة.
ومثله لا يُحتمل تفرده عن مثل شعبة بن الحجاج في كثرة أصحابه، وكثرة ما روى.
ولو سُلِمَ جدلا بثبوت رواية عبد ربه موقوفة، فلا تُعارض روايتُه وروايةُ ابن عيينة روايةَ من هم أكثر عددا، وفيهم من هو أوثق منهما ضبطا وحفظا.
وأما ما قيل من أن الامام أحمد يميل الى وقفه، فلم أقف على ذلك، بل نُقِل عنه خلاف ذلك.
قال ابن قدامة: قال الإمام أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم. [المغني لابن قدامة ٣/١٧٣، الشرح الكبير لابن قدامة ٧/٥١٩]
ولم يتفرد سعد بن سعيد بهذا الحديث.
قال ابن القيم: وهذه العلل وان منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح فإنها لا توجب وهنه، وقد تابع سعدا ويحيى وعبد ربه عن عمر بن ثابت: عثمان بن عمرو الخزاعي عن عمر، لكن قال: عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب.
ورواه أيضاً صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت، ذكره ابن حبان في صحيحه، وأبو داود والنسائي، فهؤلاء خمسة: يحيى، وسعد، وعبد ربه، بنو سعيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي، كلهم رووه عن عمر، فالحديث صحيح. [تهذيب السنن، بهامش مختصر السنن للمنذري ٣/٣٠٩]
وقال ابن الملقن: وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد هذا تسعة وعشرون رجلا، أكثرهم ثقات حفاظ أثبات، وقد ذكرت كل ذلك عنهم موضحا في تخريجي لأحاديث المهذب، مع الجواب عمن طعن في سعد بن سعيد، وأنه لم ينفرد به، وتوبع عليه، وذكرت له ثمان شواهد. [البدر المنير ٥/٧٥٢]
المطلب الثالث: وقت صيام هذه الأيام الست.
يشرع صيام هذه الأيام الست في شهر شوال، وهو مذهب الجمهور، كما تقدم، وهو الصحيح لظاهر الحديث: "ست من شوال".
قال ابن قدامة: لا فرق بين كونها متتابعة، أو مفرقة، في أول الشهر، أو في آخره؛ لأن الحديث ورد بها مطلقا من غير تقييد. [المغني ٣/١٧٤]
ونقل النووي عن أصحابه الشافعية أنهم قالوا: يستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها، أو أخرها عن أول شوال جاز، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال أحمد، وداود. [المجموع ٦/٤٢٧]
وقال النووي أيضاً: والأفضل أن تصام الستة أيام متوالية عقب يوم الفطر، فان فرقها، أو أخرها عن أوائل شوال الى آخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستا من شوال. [شرح صحيح مسلم ٨/٥٦]
ومن كان عليه قضاء من رمضان صامه، ثم صام ستة أيام من شوال لتحصل له الفضيلة.
قال ابن مفلح: ويتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها وقضاء رمضان، وقد أفطره لعذر. [الفروع ٥/٨٦]
وذهب المالكية الى جواز صيامه في غير شهر شوال أيضاً.
قال في الذخيرة: واستحب مالك صيامها في غيره -أي في غير شوال- خوفا من إلحاقها رمضان عند الجهال، وإنما عيّنه الشرع من شوال للخفة على المكلف بقربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل من غيره، فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين.
ومعنى قوله: "فكأنما صام الدهر" لان الحسنة بعشر أمثالها، فالشهر بعشرة أشهر، والستة بستين، كملت السنة. [مواهب الجليل ٣/٢٨٠]
وحكى الرعيني جواز تاخير صيام الستة أيام عن غير واحد من المالكية أيضاً. [المصدر السابق]
وهذا الكلام يمكن حمله على حديث آخر رواه إسماعيل بن عياش واللفظ له، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن شعيب بن شابور، ثلاثتهم عن يحيى بن الحارث الذماري عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من صام رمضان، فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة" [أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/٢٨٠، والنسائي في السنن الكبرى ٢/١٦٢، والدارمي في السنن ٢/٣٤، وابن خزيمة في الصحيح ٣/٢٩٨، والطبراني في مسند لشاميين٢/٥٠]
وبوب عليه النسائي بقوله: صيام ستة أيام من شوال.وبوب عليه الدارمي بقوله: باب صيام الستة من شوال.
وبوب عليه ابن خزيمة بقوله: باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعلم أن صيام رمضان، وستة أيام من شوال يكون كصيام الدهر، إذ الله عز وجل جعل الحسنة بعشر أمثالها، أو يزيد ان شاء الله جل وعز.
وهذا هو الصواب، بأن يحمل هذا اللفظ المطلق في قوله: "وصيام ستة أيام بعد الفطر" على اللفظ المقيد في قوله: "ثم أتبعه ستة أيام من شوال"
قال المرداوي: ظاهر كلام المصنف أن الفضيلة لا تحصل بصيام الستة أيام في غير شوال، وهو صحيح.
وقال أيضاً: قال في الفائق: ولو كانت في غير شوال، ففيه نظر. قلت -الكلام للمرداوي- وهذا ضعيف، مخالف للحديث... [الإنصاف بهامش الشرح الكبير ٧/٥٢٠]
مما تقدم بيانه يتضح صحة حديث أبي أيوب مرفوعا؛ ويؤيده ما رواه غيره من الصحابة رضي الله عنهم؛ وكذلك عمل جماعة من السلف به، وهو مذهب جمهور العلماء، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: فؤاد بن عبدالله الحاتم