دفاعُ العَلَّامةِ مُلّا عَلِيّ القَارّيّ عن العقيدةِ السَّلفيَّةِ وشَيْخيْ الإِسلامِ
قالَ العلامةُ مُلَّا عَلِيٌّ القَارّيّ ـ رحمهُ اللَّـهُ ـ (ت1014هـ)، في كتابهِ المَاتعِ:
«جمعُ الوَسائِل في شرحِ الشَّمِائلِ» ([1]):
« قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ:
أَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا بَدِيعًا، وَهُوَ أَنَّهُ ﷺ لَمَّا رَأَى رَبَّهُ وَاضِعًا يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ أَكْرَمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالْعَذَبَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ نَجِدْ لِذَلِكَ أَصْلًا!.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيحِ رَأْيِهِمَا وَضَلَالِهِمَا!! إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ، وَأَطَالَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ، وَالحَطِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي نَفْيِهِمْ لَهُ!، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّة ِ لِلهِ تَعَالَى!، وَلَهُمَا فِي هَذَا المَقَامِ مِنَ الْقَبَائِحِ!، وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ مَا تُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ! ، قَبَّحَهُمَا اللهُ وَقَبَّحَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا!! ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَجِلَّاءُ مَذْهَبِهِ مُبَـرَّؤُنَ عَنْ هَذِهِ الْوَصْمَةِ الْقَبِيحَةِ كَيْفَ؟ وَهِيَ كُفْرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ!! .
أَقُولُ ــ الكلام لعليٍّ القارّيّ ــ:
صَانَهُمَا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ السِّمَةِ الشَّنِيعَةِ، وَالنِّسْبَةِ الْفَظِيعَةِ، وَمَنْ طَالَعَ شَرْحَ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَمِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ المَذْكُورِ قَوْلُهُ: عَلَى مَا نَصَّهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الحَنْبَلِيَّ ــ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ الجَلِيَّ ـ، تُبَيِّنُ مَرْتَبَتَهُ مِنَ السُّنَّةِ
وَمِقْدَارَهُ فِي الْعِلْمِ وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ الجَهْمِيَّةُ مِنَ التَّشَبُّهِ وَالتَّمْثِيلِ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي رَمْيِ أَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ بِذَلِكَ، كَرَمْيِ الرَّافِضَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ نَوَاصِبُ، وَالنَّاصِبَةُ بِأَنَّهُمْ رَوَافِضُ، وَالمُعْتَزِلَة ُ بِأَنَّهُمْ نَوَائِبُ حَشْوِيَّةٍ، وَذَلِكَ مِيرَاثٌ مِنْ أَعْدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمْيِهِ وَرَمْيِ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُمْ صَبَأَةٌ، قَدِ ابْتَدَعُوا دِينًا مُحْدَثًا، وَهَذَا مِيرَاثٌ لِأَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَبِيِّهِمْ بِتَلْقِيبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَهُمْ بِالْأَلْقَابِ الْمَذْمُومَةِ.
وَقَدَّسَ اللهُ رُوحَ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ: وَقَدْ نُسِبَ إِلَى الرَّفْضِ ـ شِعْرٌـ:
إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ *** فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّيَ رَافِضِي .
وَرَضِيَ اللهُ عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ تَيْمِيَةَ حَيْثُ يَقُولُ ـ شِعْرٌ ـ:
إِنْ كَانَ نَصْبًا حُبُّ صَحْبِ مُحَمَّدٍ *** فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّيَ نَاصِبِي .
وَعَفَى اللهُ عَنِ الثَّالِثِ حَيْثُ يَقُولُ ـ شِعْرٌـ :
فَإِنْ كَانَ تَجْسِيمًا ثُبُوتُ صِفَاتِهِ *** وَتَنْزِيهُهَا عَنْ كُلِّ تَأْوِيلِ مُفْتَرِ
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ رَبِّي مُجَسِّمٌ *** هَلُمُّوا شُهُودًا وَامْلَأُوا كُلَّ مَحْضَرِ
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ المَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنَ التَّشْنِيعِ المَسْطُورِ، وَهُوَ أَنْ حَفِظَ حُرْمَةَ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِإِجْرَاءِ أَخْبَارِهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَهُوَ اعْتِقَادُ مَفْهُومِهَا المُتَبَادَرِ إِلَى أَفْهَامِ الْعَامَّةِ، وَلَا نَعْنِي بِالْعَامَّةِ الجُهَّالَ!، بَلْ عَامَّةَ الْأُمَّةِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ:
وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿الرَّ حْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كَيْفَ اسْتَوَى؟! فَأَطْرَقَ مَالِكٌ حَتَّى عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ قَالَ:
الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَفَرْقٌ بَيْنَ المَعْنَى المَعْلُومِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَبَيْنَ الْكَيْفِ الَّذِي لَا يَعْقِلُهُ الْبَشَرُ، وَهَذَا الجَوَابُ مِنْ مَالِكٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ شَافٍ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ؛ مِنَ: السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْعِلْمِ، وَالحَيَاةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالنُّزُولِ، وَالْغَضَبِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالضَّحِكِ. فَمَعَانِيهَا كُلُّهَا مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا كَيْفِيَّاتُهَا فَغَيْرُ مَعْقُولَةٍ، إِذْ تَعَقُّلُ الْكَيْفِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الذَّاتِ وَكُنْهِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَكَيْفَ تُعْقَلُ لَهُمْ كَيْفِيَّةُ الصِّفَاتِ.
وَالْعِصْمَةُ النَّافِعَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَنْ يَصِفَ اللهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، بَلْ يُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، وَيَنْفِي عَنْهُ مُشَابَهَةَ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَيَكُونُ إِثْبَاتُكَ مُنَزِّهًا عَنِ التَّشْبِيهِ، وَنَفْيُكَ مُنَزِّهًا عَنِ التَّعْطِيلِ، فَمَنْ نَفَى حَقِيقَةَ الِاسْتِوَاءِ، فَهُوَ مُعَطِّلٌ، وَمَنْ شَبَّهَ بِاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَهُوَ مُمَثِّلٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ اسْتِوَاءٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَهُوَ المُوَحِّدُ المُنَزِّهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَتَبَيَّنَ مَرَامُهُ وَظَهَرَ أَنَّ مُعْتَقَدَهُ مُوَافِقٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْخَلَفِ، فَالطَّعْنُ الشَّنِيعُ وَالتَّقْبِيحُ الْفَظِيعُ غَيْرُ مُوَجَّهٍ عَلَيْهِ، وَلَا مُتَوَجِّهٍ إِلَيْهِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ بِعَيْنِهِ مُطَابِقٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالْمُجْتَهِدُ الْأَقْدَمُ، فِي فِقْهِهِ الْأَكْبَرِ مَا نَصُّهُ: وَلَهُ تَعَالَى يَدٌ وَوَجْهٌ وَنَفْسٌ، فَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ وَالنَّفْسِ، فَهُوَ لَهُ صِفَاتٌ بِلَا كَيْفٍ، وَلَا يُقَالُ أَنَّ يَدَهُ قُدْرَتُهُ، أَوْ نِعْمَتُهُ ; لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَالَ الصِّفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْقَدَرِ وَالِاعْتِزَالِ ، وَلَكِنَّ يَدَهُ صِفَتُهُ بِلَا كَيْفٍ. وَغَضَبُهُ وَرِضَاهُ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِهِ بِلَا كَيْفٍ. انْتَهَى».
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
([1]) (1/168-169)، طـ. المطبعة الشرفية - مصر، على نفقة مصطفى البابي الحلبي.
رد: دفاعُ العَلَّامةِ مُلّا عَلِيّ القَارّيّ عن العقيدةِ السَّلفيَّةِ وشَيْخيْ الإِسل
رد: دفاعُ العَلَّامةِ مُلّا عَلِيّ القَارّيّ عن العقيدةِ السَّلفيَّةِ وشَيْخيْ الإِسل
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أويس أيوب
بوركتَ أخانا الكريم ..
وإياكم أخانا أبا أيُّـوب .
رد: دفاعُ العَلَّامةِ مُلّا عَلِيّ القَارّيّ عن العقيدةِ السَّلفيَّةِ وشَيْخيْ الإِسل
نفع الله بكم ، نقل موفق .