الكتاب المختار ، مفاتيح الأغاني ، الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المرضية
الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى.
فقد نصحني بعض من صدقت في الله محبته أن أجمع كل ما كشفت النقاب عنه من كتبنا التراثية ، أو صححت عنوانه ، أو اسم مؤلفه ؛ في التفسير ، وعلوم القرآن ، والتجويد ، والرسم ، والوقف ، والعد ، والقراءات ، والنحو ، واللغة ، في مصنف مفرد ، فوجدتها فكرة صائبة ، وقد زادت بفضل الله – حتى الآن - على الألف وخمسمائة كتاب ، وقد انتهيت من جمع مادة الكتاب العلمية ، وضممت إليها الكثير من الفوائد كالسرقات العلمية في القراءات وعلوم القرآن ، وأثرها الخطير.
ومن أخطرها تلك السرقة التي تولى كبرها أحد رجالات تبريز ؛ حيث لم يكتف فيها بسرقته ، وإنما قلب الحقائق ، فاتهم قراء العرب بمعايب قراءات قراء العجم.
وكان أحد علماء الموصل في أواخر القرن السابع الهجري قد رحل إلى مدينة شيراز ، وأقام بين أهلها فترة من الزمن حتى أدركته الوفاة ، ودفن بها ، وقد صار شيخ قرائها ، وصنف لهم بإلحاح شديد ، ولِما رآه من أخطاء قراء العجم ومعايبهم في القراءات : مفردات القراء السبعة ، وبعد وفاته بشهور رحل أحد علماء تبريز إلى عراق العرب ، لكنه لم ينزل إلى الموصل بلد المسروق منه حتى لا يفتضح أمره ، بل نزل بغداد ، وصنف أيضاً مفردات القراء السبع ، وذلك – كما ادعى - بإلحاح من بعض أصدقائه ، ولما رآه من أخطاء قراء العرب في قراءة القرآن ( ! ) ، والحمد لله الذي فضح سرقاته بعد أكثر من سبعة قرون.
وكان من بين ما ألح فيه علي صديقي الصدوق إماطة اللثام عن ثلاثة كتب في القراءات تهم الباحثين في القراءات والنحو واللغة ، كنت قد تحدثت معه حولها ، وقد بالغت في الاعتذار ، وبالغ في الإلحاح ؛ نظراً لانتشار هذه الكتب بين الباحثين ، وقيام دراسات حولها ، وخطورة نسبتها إلى غير أصحابها.
وهذه الكتب الثلاثة نسب أحدها إلى راوي الكتاب ، والثاني إلى ناسخه ، والثالث إلى والد الناسخ ، وقد حققت في ثلاث رسائل دكتوراه ؛ بالسعودية والعراق ومصر.
وسأبدأ بالكتاب الثالث منها :
وقد نسب إلى والد أحد نساخ إحدى النسخ ، وهو : الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المرضية لسبط ناصر الدين الطبلاوي ( ت 1014 هـ ) - حققه الدكتور/ علي سيد أحمد جعفر الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية في المنوفية في رسالة دكتوراه بالقسم الذي أتشرف بالانتماء إليه ، وهو قسم أصول اللغة في كلية اللغة العربية بالقاهرة ، وقد حصل عنه على جائزة مجمع اللغة العربية في تحقيق التراث سنة 2005 م ، ثم نشرته مكتبة الرشد في الرياض سنة 1423 هـ ، ثم سطا عليه اللصان عبد الرحمن بدر ، وجمال شرف ، ونشرته دار الصحابة للتراث بطنطا سنة ( 1427 هـ/ 2006 م ).
أما مؤلف الكتاب فهو : كمال الدين محمد بن أبي الوفاء ، المعروف بابن الموقع المصري ثم الحلبي الشافعي المقرئ الصوفي ( ت بعد 973 هـ ).
وقد اعتمد المحقق على ثلاث نسخ خطية ، اتخذ إحداها أصلاً ، وهي نسخة دار الكتب المصرية ، وقد جاء اسم المؤلف صريحاً واضحاً على صفحة العنوان ، وحاشيتها : كمال الدين بن القاضي أبي الوفاء ، إلا أن المحقق ظنه شعلة الموصلي ( ت 656 هـ ) الذي خلط حاجي خليفة والزركلي بينه وبين ابن الموقع ، وبين منظومة الشمعة في قراءات السبعة أو مختصر الشاطبية لشعلة الموصلي التي يقول في أولها :
ألا اللهَ فأحْمَدْ من تعالى تكبُّرا ** وعُمَّ وخَلِّل بالصلاة لِتُغْزِرا
ودونك بِكراً مهرُها الفكرُ ** حُلَيَتْ بدُرٍّ به دَرُالمعانى لمن دَرَا
حوا عقدُها عقدَ القراءات سبعِها ** فعن نافع قالونُ مع ورشٍ اذكرا
وله في مدح هذه القصيدة :
هذه شمعة تضيء وتهدي ** لفتى طالب سبيل الرشد
في قراءات سبعة جمعوا الفضل ** وكانوا هدى لمن يستهدي
حوت السبع ذات ضبط وحصر ** في قصار التقريب للمستهدي
وإلى الله جل أرغب في أن ** ينفع الراغبين فيها ويهدي.
وهي واحدة من أصول النشر ، أثنى عليها الجعبري في آخر كنز المعاني ، وابن الجزري في أكثر من مصنف له ، وعرفه بها شمس الدين الذهبي في السير والتذكرة ومعرفة القراء ، ورواها عنه شيوخه وتلاميذه ، وأثنوا عليها وعلى ناظمها.
بل يقول أحد شيوخ قراء اليمن في زمانه ، وأبرز تلاميذ الحافظ ابن الجزري فيها ، وهو الشيخ عفيف الدين عثمان بن عمر الناشري ( ت 848 هـ ) في ( الفصل الثاني : في من شرح الشاطبية والعقيلة أو علق عليها فيما بلغني ) ، من مقدمة الحواشي التي علقها على الشاطبية والعقيلة وأتمها في مكة المكرمة سنة 844 ، التي اشتملت على فوائد عجيبة وفرائد مستحسنة غريبة كما يقول مؤلفها ، والتي جمع فيها من الفوائد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت كما يقول تلميذه عفيف الدين عبد الله بن محمد الطيب الناشري كاتبها ومن أجاز له رواية المقدمة والحواشي المذكورة والقراءات السبع والعشر وأذن له أن يقرأ ويقرئ :
(( ... والموصلي هذا مات في سنة ست وخمسين وستمائة ، وله نظم سماه : الشمعة ، وقد رويناها وغيرها من مصنفاته )).
ثم يقول في الفصل الثالث : في فضل الشاطبية وفضل حفاظها : (( وقد نظم في القراءات جماعة بعد الشاطبي كالإمام أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الربعي نظم النزهة في قراءة العشرة ... والإمام أبي حيان له : عقد اللالي في القراءات الثمان العوالي ، والإمام محمد بن محمد [ كذا ] الموصلي له : الشمعة في قراءة السبعة ، وهي قصيدة رائية ، والإمام محمد بن عبد الله بن مالك له قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية ، والإمام عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي مؤلف الكنز ، له الكفاية في العشر ، والإمام أبو الخير محمد بن محمد الجزري ، له الألفية الطيبة ، وقد رويت هذه القصائد كلها إلا قصيدة ابن قيصر ، بل قرأت الطيبة كلها على مؤلفها ، وقرأت عليه بمضمنها ، وقرأت من أول الكفاية لابن عبد المؤمن إلى باب مخارج الحروف على شيخنا العلامة محمد بن عبد القادر السكاكيني في حرم المدينة تجاه الحجرة الشريفة سنة 835 ... )).
وبين الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المضية لابن الموقع ، وقد فرغ من تصنيفه في أوائل ربيع الآخر سنة ( 962 هـ ) ، فاستبعده المحقق ظناً منه أنه شعلة الموصلي المتوفى سنة ( 656 هـ ) ؛ ونسب الكتاب إلى سبط الطبلاوي والد ناسخ إحدى نسختي المكتبة الأزهرية.
وقد نسب الكتاب إلى ابن الموقع ثلاثة من أعيان حلب ، هم : معاصره محمد بن إبراهيم بن الحلبي ( ت 971 هـ) في در الحبب ، وتبعه نجم الدين الغزي في الكواكب السائرة ، والطباخ في إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء.
وعلاوة على النسخ الثلاث التي اعتمدها المحقق هناك نسخة أوقاف صنعاء المبتورة من أولها ، فنسبت وهماً لشعلة الموصلي ، ونسخة مكتبة فاتح باستانبول ، وقد نسبت نسبة صحيحة لابن الموقع.
كما أن ابن الموقع قد جمع في هذا الكتاب مفردات القراء السبعة التي صنفها قبل الشمعة ، مع بقاء غالبها على وضعه الأول في مجموع لطيف ... إلى آخر ما ذكره في مقدمته ، وقد وقفت على ست من مفرداته هذه ، فضلاً عن رسالته في رواية حفص ، التي ذكرها في مقدمته أيضاً ، والعجيب أن عنوان المفردة الأولى قد ورد في أول نسخة الأصل هكذا : القول النافع في قراءة نافع ، كما ورد على موقع دار الكتب المصرية ، ولم أجد من المحقق تعليقاً !
وأختم بكشف النقاب عن هذه النسخ الخطية الخمس ، وقد من الله علي بذلك بعد وصولها إلي بدقائق معدودات ، فأقول :
إن كتاب الهداية المنسوب لابن عمار المهدوي ، والمحفوظة نسخته الخطية في مكتبة رشيد أفندي بالسليمانية في استانبول ، تحت رقم : 23/ 1 ، في 44 ورقة ، ضمن مجموع ، من ورقة 1 – 44 ، إنما هي نسخة مختصرة ، خالية من الأسانيد من كتاب " الهدية إلى الحضرة العلية في القراءات السبع " للحافظ محمد بن عمر بن علي بن أحمد العمادي الموصلي المقرئ ( ت 783 هـ ).
وأن مفردة أبي عمرو ، والهداية للقراء في الطرق العلا = مفردة يعقوب ، ومجتمع الثلاثة في القراءات الثلاث ، ورسم البرهان في هجاء القرآن – مجموع الغازي خسرو ، وعنه مصورة في مركز جمعة الماجد - نسبها البعض ؛ منهم : د. عمار الددو في مقدمة تحقيقه لمفردتي يعقوب للأهوازي وابن الفحام إلى ناسخ المجموع محمود بن عيسى ( ت بعد 966 هـ ) ، وذكر أنه من تلاميذ الشيخ محمد بن محمد العلويني ، ونسب بعضها إلى الجعبري ، والكتب الأربعة إنما هي من تأليف طاش كبرى زاده.
وللحديث بقية إن شاء الله.
رد: الكتاب المختار ، مفاتيح الأغاني ، الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المرضية
أنبه إخواني الأفاضل إلى أن ما أكتبه على الشبكة حول كتاب ما ليس كل ما انتهيت إليه ، وإنما هي إشارت موجزة ، وعبارات مختصرة ، قد تفي بالغرض لمن أراد ، وقد لا تفي ؛ لذا فإنني أعتذر عن الإيجاز فيما يحتاج إلى إطناب ، كما أعتذر عن متابعة الردود لانشغالي بأمور عظام.
فقد نسب إلى ناسخ الكتاب ، بل المجموع ومالكه ، وهو : مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الكرماني ( ت بعد 563 هـ ) – حققه الدكتور عبد الكريم مصطفى مدلج ، ونشرته دار ابن حزم في بيروت سنة 1422 هـ ، وهو في الأصل رسالة دكتوراه بكلية الآداب – جامعة بغداد ، وقد نفيت صحة نسبته إلى أبي العلاء الكرماني هنا :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=238778
وسبقني إلى ذلك الدكتور/ أشرف محمد طلعت في مقدمة تحقيقه لمفردة الكسائي لرضي الدين الكرماني ، ولم أكن قد اطلعت على ما بذله من جهد عظيم في هذا الأمر.
أما مؤلف الكتاب فهو : الشيخ إسماعيل بن أحمد الضرير الحيري النيسابوري ( 361 – بعد 430 هـ بيسير ) ، وقد عدد ستة عشر كتاباً من تصنيفه ، من بينها : علل القراءات السبع ، وعلل قراءة عاصم ، وعلل قراءة أبي عمرو ، والقروف في شواذ الحروف ، وتفصيل مذاهب القراء في عدد الآي ، وعلل عدد الآي.
وقد وصلنا منها ثلاثة كتب : وجوه القرآن ، حقق ثلاث مرات ، والكفاية في التفسير ، حقق في أربع رسائل دكتوراه بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، ثم أسامي من نزل فيهم القرآن الكريم ، وقد قام بدراسته وتحقيقه الباحث/ يونس فهد علي الجبوري ، بعنوان : أسماء من نزل فيهم القرآن ، برواية عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – ، ونشره مركز البحوث والدراسات الإسلامية التابع لديوان الوقف السني في بغداد ، وصدرت الطبعة الأولى سنة 1433 هـ/ 2012 م ، في ( 542 ) صفحة ، وقد اعتمد المحقق على نسخة مكتبة الإمام الحكيم العامة بالنجف وحدها ، وهي نسخة ناقصة.
وهنا أتوجه للباحث يونس فهد علي الجبوري فأقول :
إن كنت قد عقدت العزم على إعادة طبع الكتاب ففي حوزتي نسختان ، فضلاً عن النسخة التي اعتمدت عليها.
ولي هنا كلمة لابد من إيرادها ، وإن تطاول المتطاولون ، ممن دأبوا على أمر الناس بالمعروف ، والتزام أدب الحوار ، وهم أنأى الناس عنه :
قام الباحث محمد عادل شوك أستاذ النحو والصرف المشارك بجامعة الملك خالد – كلية التربية للبنات – الأقسام الأدبية – أبها ( حالياً ) بتحقيق رسالة بعنوان : المفرد في الوقوف اللازمة في القرآن العظيم لأبي الفخر محمد بن محمد بن الحسن الحاجي المديني ، ثم السرخسي ، معتمداً على نسخة خطية وحيدة ، تحصل عليها من مكتبة الشيخ محمد عبد الجليل الغزي ( ت 1400 هـ ) في زبيد ، مكنه منها ولده الشيخ أحمد ، ونشرها أولاً في العدد السابع عشر من مجلة البحوث والدراسات الإسلامية ، الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الإسلامية في ديوان الوقف السُّنِّيِّ ببغداد - الجمهورية العراقية – سنة 1420 هـ/ 2009 م ، في ( 27 ) صفحة ، من صفحة ( 147 – 173 ) ، يمكن تحميله من هذا الرابط :
http://www.iasj.net/iasj?func=full****&aId=49287
ثم أعاد نشرها بعد أربع عشرة سنة في مجلة آفاق الثقافة والتراث - الصادرة عن مركز جمعة الماجد للثقافة بدبي – السنة الحادية والعشرون – العدد الحادي والثمانون – جمادى الأولى 1434 هـ/ مارس ( آذار ) 2013 م ، في ( 27 ) صفحة أيضاً ، من صفحة ( 173 – 199 ).
ولم يغير الباحث شيئاً في عنوان البحث ولا في محتواه ، إلا أنه أضاف في التعريف بالمؤلف جملة (( أحد علماء الجزيرة العربية )).
وأضاف في آخر بحثه عبارة : (( هذا البحث تم دعمه من قبل برنامج دعم البحوث والباحثين بجامعة الملك خالد – المملكة العربية السعودية ، برقم : ( KKU_S051_33 ) )).
وهنا أتوجه للباحث بهذه الأسئلة :
1- ادعيت أنك لم تقف على نسخ خطية أخرى للكتاب ، فهل فتشت في فهارس المخطوطات عن نسخ أخرى ؟
لو كلفت نفسك بالبحث – على سبيل المثال - في فهرس المخطوطات اليمنية لدار المخطوطات والمكتبة الغربية بـ ( الجامع الكبير ) في ( صنعاء ) 1/ 110 ، 2/ 1864 – 1865 لوجدت المفهرسين قد ذكروا نسخة أخرى للمؤلف نفسه ، فنسخ الكتاب الخطية في إحصائي قد بلغت إحدى عشرة نسخة خطية ست منها تامة ، وخمس سقطت منها مقدمة المؤلف ، أقدمها المكتوبة بخط محمد بن مكي العاملي الجزيني الشيعي ( 734 – 786 هـ ) شيخ الحافظ ابن الجزري ، ونسخة في جامعة الإمام مصدرها مكتبة روضة خيري ، ونسخة في إحدة مكتبات الهند ، وأخرى في دار الكتب المصرية ، ونسخة في المكتبة القادرية ببغداد ، وست نسخ في مدينتي مشهد وطهران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
2- ذكرت أنك لم تعثر على ترجمة للمؤلف فيما وقفت عليه من كتب التراجم ، وأنك لست بدعاً في هذا الأمر ، وأن هذا الأمر قد وقع للكثير من الباحثين ممن اشتغلوا في تحقيق نصوص من التراث ، ذكرت منهم محقق مفاتيح الأغاني ، وأن عمله جاء من غير ترجمة للمؤلف ، ولكن هل يجيز لك هذا الادعاء بغير دليل ؟
فقد ادعيت أن ( الحَاجِي ) نسبة إلى موضع ( ذات حاج ) بين المدينة أو تبوك والشام ، وأنه يتبع حالياً إمارة تبوك في المملكة العربية السعودية ، وبنيت على ذلك ادعاءك أنه أحد علماء الجزيرة العربية ، فهل من دليل لديك على صحة هذه النسبة ؟
لقد غاب عنك أخي أن ( الحَاجِّي ) هي لغة العجم فيمن حج بيت الله الحرام ، فيقولون له : حاجّي ، والحاجّي.
فالمؤلف من علماء العجم ، وليس من علماء الجزيرة العربية ، وقد ذكره صاحب أعيان الشيعة ، وغيره.
3- نشرت الرسالة مرتين في مجلتين مختلفتين ، بينهما أربع عشرة سنة ، ولم أجد بينهما أدنى فرق إلا ما ذكرت أولاً ، فهل ترى أن الرسالة تستحق هذا الاهتمام ، وما هي إلا جمع للوقوف اللازمة وعللها من كتاب " وقوف المدلل " لابن طيفور السجاوندي مجردة معينة ؛ ليسهل حفظها ، مع إضافات يسيرة من كتب من ساروا على نهج السجاوندي كتاج الدين الزندني البخاري ، وقد حقق كتاب ابن طيفور في رسالتي دكتوراه ، وطبع ثلاث مرات ؟
وقد صرح المؤلف بذلك ؛ حيث قال في مقدمة رسالته : (( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ، وأوضح فيه إلى الرشاد نهجاً ، وجعله للمتقين نجوماً وسرجاً ، ومن الغموم والكروب فرجاً ومخرجاً ...
فقد قال العبيد الضعيف الراجي رحمة ربه تعالى أبو الفخر محمد بن محمد بن الحسن الحاجي المديني – وفي بعض النسخ : المدني - ، ثم السرخسي - أصلح الله شأنه بفضله ، وغفر له برحمته - : سألني جمع من العلماء - كثرهم الله تعالى وأبقاهم - أن أجمع لهم الوقوف اللازمة ، مجردة ، معينة ؛ ليسهل حفظها على من أراد حفظها ، فاستخرت الله تعالى ، وأجبتهم مستعيناً به تعالى ، وهو المستعان ، وعليه التكلان )).
فعمل الرجل لا يتجاوز جمع الوقوف اللازمة من كتاب ابن طيفور مجردة معينة ؛ ليسهل حفظها على من أراد ذلك.
ولي كلمة أقولها – بعد استقصاء وتتبع أخذ مني ثمان سنوات – إن ثلاثة أرباع تراث الأمة الإسلامية من مخطوطات الوقف والابتداء إنما هو لكتاب ابن طيفور السجاوندي ومن دار في فلكه ، وسار على نهج كتابه ؛ اختصاراً ، وشرحاً ، واقتباساً ، وانتهاجاً ، شرقاً وغرباً ، عرباً وفرساً وتركاً ، وبالرغم من ذلك فلم يلق كتابه هذا ما يليق به من اهتمام الباحثين ، فرحم الله إمام الزمان شمس العارفين الذي هتف به هاتف في الروضة الشريفة لما استأذن للرجوع : ارجع إمام الزمان ، شمس العارفين ، فرجع معرفاً مشرفاً بهذين اللقبين. كما قيل.
وكان الباحث المذكور قد حقق شرحاً على نونية السخاوي ، سماه : الجوهر المضيء على عمدة المفيد ، منسوباً لإبراهيم بن محمد المزجاجي الزبيدي ( ت 1304 هـ ) ويبدو أنه مالك المجموع ، ونشره في مجلة آفاق الثقافة والتراث – العدد 43 ، معتمداً على نسخة مكتبة الشيخ محمد بن عبد الجليل الغزي الخاصة بزبيد ، وهذا الشرح نفسه حققه الباحث فرغلي عرباوي ، ونشرته دار أولاد الشيخ منسوباً لأبي إسحاق إبراهيم بن جبارة السخاوي الذي هو من أوائل شيوخ علم الدين السخاوي ، معتمداً على نسخة المكتبة الأزهرية المتاحة على الشبكة وحدها ، والنسختان ناقصتان من أولهما.
أما مؤلف الشرح ونسخ الكتاب الخطية التامة والناقصة فيجدها القارئ في كتابنا المذكور أعلاه – إن شاء الله -.
رد: الكتاب المختار ، مفاتيح الأغاني ، الشمعة المضية بنشر قراءات السبعة المرضية
فقد نسب إلى راويه ، وهو الكتاب المختار في معاني قراءات أهل الأمصار لأبي بكر أحمد بن عبيد الله – أو ابن عبد الله - بن إدريس ( من علماء القرن الرابع الهجري ) بتحقيق الدكتور/ عبد العزيز الجهني على نسخة وحيدة في رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى.– مكتبة الرشد – الرياض – 1428 هـ ، ونال عنها جائزة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض لسنة 1429 هـ.
العنوان الصحيح : كتاب الحجج في القراءات الثمان.
اسم المؤلف الصحيح : أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ( ت 408 هـ ).
وقد أحال عليه في بعض كتبه التي وصلتنا نحو عشرين مرة ، وله في القراءات الثمان رواية : كتاب الواضح ، وقد أحال عليه كثيراً في المنتهى ، والإبانة ، واقتصر على ذكره جل من ترجم له. أما الاسم الذي حقق به فلعله من فعل الناسخ أو غيره ؛ لكثرة قول المؤلف : المختار ، الاختيار ، القراءة المختارة. وأما الرجل الذي نسب له الكتاب فاسمه الصحيح هو : أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن المرزبان المروزي المقرئ ( ت بعد 419 هـ ) ، وهو راوي كتبه الكبار والصغار، وقد وصلتنا أقدم نسختي المنتهى بروايته. ويراجع ما كتبته هنا : http://www.tafsir.net/vb/tafsir9583/
وهو أقدم ما وصلنا من الكتب المصنفة في دراية القراءات الثمان. فقد أحصيت الكتب المصنفة في القراءات الثمان رواية ودراية حتى نهاية القرن الخامس الهجري ، فبلغت عشرين مصنفاً ، وصلنا منها – رواية – سبعة كتب ، هي : 1- البديع لابن خالويه – مطبوع بتحقيق المغفور له الدكتور جايد زيدان مخلف - رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته - ، على نسخة تشستربيتي الفريدة ، وبها نقص يسير من أولها. 2- تبصرة البيان في القراءات الثمان للسَّعيديِّ الرازي. وقد من الله علي بالكشف عن إحدى نسخه الخطية ، وتلوح في الأفق نسخة أخرى ، وعنه نقول في هامش نسخة الأمبروزيانا من كتاب الإرشاد لأبي الطيب بن غلبون ، كما نقل عنه الحافظ ابن الجزري في نشره ، وهو الآن في طريقه للتسجيل بإحدى الجامعات ، وقد لاقى قبولاً وموافقة داخل القسم. وللسعيدي كتابان آخران في القراءات الثمان ، هما : الإرشاد ، والإيجاز والاقتصاد – ويقال اختصاراً : الاقتصاد – وهو أشهر الثلاثة. 3- التذكرة في القراءات الثمان لطاهر بن غلبون ، كان حياً في يوم عاشوراء سنة ( 428 هـ ) – مطبوع بتحقيق الدكتور أيمن رشدي سويد ، والدكتور سعيد البحيري ، وما عداهما لا يلتفت إليه ، وقد أثبت عدم صحة القول المشهور : إن وفاته كانت في شهر شوال أو ذي القعدة سنة ( 399 هـ ). 4- مفردات القراء الثمانية لأبي عمرو الداني ، طبعت المفردات السبع قديماً ، ثم أعاد المغفور له الدكتور/ حاتم صالح الضامن – رحمه الله رحمة واسعة – تحقيق كل مفردة على حدة ، ثم حقق مفردة يعقوب. 5- الوجيز لأبي علي الأهوازي ( ت 446 هـ ). 6- قسم الأصول من الكتاب الأوسط لأبي محمد العماني ( ت بعد 444 ، وقبل 470 هـ). 7- التلخيص لأبي معشر الطبري ( ت 478 هـ ). والكتب الثلاثة الأخيرة مطبوعة متداولة. كما وصلنا جزء مفرد لأبي الطيب بن غلبون بعنوان : ما انفرد به القراء الثمانية من الياءات والنونات والتاءات والباءات – مطبوع بتحقيق الدكتور/ علي حسين البواب ، ثم بتحقيق الدكتور محمد المشهداني ، بعنوان : انفراد القراء السبعة ویعقوب. وأما دراية فقد وصلنا كتابان ، هما :
1- معاني – أو علل - القراءات لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي ( ت 370 هـ ). 2- الحجج لأبي الفضل الخزاعي المطبوع بعنوان : الكتاب المختار ، والمنسوب لأبي بكر بن إدريس. كما وصلتنا نقول عن كتاب الحجج لأبي معشر الطبري في هامش نسخة الأمبروزيانا من كتاب الإرشاد لأبي الطيب بن غلبون ، قام بعض الأساتذة بتجريدها ، يمكن تحميله من هذا الرابط : وقد سماه ابن الصلاح في طبقات الشافعية : كتاب الحجة ، وقد قال المجرِّدُ : (( ولم يشتهر أن لأبي معشر كتاباً في هذا الموضوع ، فلم يرد له ذكر في المصادر التي ترجمت له ، أو ذكرت كتبه ... )) ، هذا بالرغم من اعتماده على طبقات ابن الصلاح ! ومن المفارقات العجيبة أن عنوان كتاب الخزاعي هو الحجج ، وقد سماه الذهبي : الحجة في القراءات الثمان ، وأن عنوان كتاب الطبري : الحجج أيضاً ، وقد سماه ابن الصلاح : الحجة ، ويمكننا أن نلحظ مدى تأثر أبي معشر بشيخ شيوخه أبي الفضل الخزاعي من خلال النقول التي وصلتنا عن كتابه الحجج مقارنة بالكتاب المختار الذي هو الحجج للخزاعي ، ولا عجب فأبو معشر هو تلميذ تلاميذه ، وقد تأكد لدينا روايته كتابيه المنتهى والإبانة عن شيخيه أبي علي الدقاق الجرجاني ، وأبي جعفر المدارعي الطبري ، عنه. أخيراً ... نقول هذا المحشي عن كتاب التبصرة للسعيدي لم تكن نصاً ، وإنما كانت تصرفاً واختصاراً ، ولعل الأمر كذلك في كتاب أبي معشر. وأختم بهذه الكلمات لأبي الفضل الخزاعي في رد اعتراض ابن مهران على ما حكاه عن ابن مجاهد والنقاش أنهما نصا على أن الكسائي يقف على " يا أبت " بيوسف آية رقم 4 بالتاء ؛ حيث قال : (( هذا خطأ منه ، والاعتماد على ما قاله ابن مجاهد والنقاش ، وأصحاب الكسائي في الأداء لا يعرفون عنه غير ما قالا ، وأما قوله على ما ذكره الإمامان فهذا منه عَثْرٌ ، ورد على من أجمع المسلمون على إمامته ، وسارت الأركاب في أقطار الأرض بتمكنه من علم صناعته ، وهو أبو بكر بن مجاهد – نضر الله وجهه - ، لقد يسر الله ذكره ، وعلّى مرتبته ، ورفع قدره ، وجعله إماماً وعلماً ، يُقتدَى به ، ويُسعَى بسعيه ، ويُتَّبعُ أثرُه ، وأدحض مخالفيه ، وأخمل ذكرهم ، فهاهم مرذولون مخذولون ، ولم أر أحداً من العلماء والفضلاء استحسن فعل ابن مهران ؛ لأنه اعترض على ابن مجاهد في مواضع من كتبه ، وحكى عنه ما لم يحكه ، وزعم أنه يرد على مثله ، وأخطأ في جميعها عليه ، ومن طالع كتب ابن مجاهد عرف ذلك ، وقد بَيَّنْتُ ذلك في " كتاب مفرد " ، يعرف مريده منه – إن شاء الله - )). وكنت قد أشرت إلى أثره الواضح في مصنفات أبي عمرو الداني هنا : واليوم يتأكد لدي هذا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك ، فرحم الله أبا الفضل الخزاعي رحمة واسعة.