-
طلب العلم والنوم
قال أبو هلال العسكري : (( كان الشيخُ أبو عليّ يكشفُ عن ظهرِه في الليلة الباردة يطرُدُ به النومَ. )) [ 1 ]
قال الإمام النووي : (( فلما كان عمري تسع عشرة سنة؛ قدم بي والدي إلى دمشق في سنة تسعٍ وأربعين، فسكنتُ المدرسة الرّواحية، وبقيتُ نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض، وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير. )) [ 2 ]
وسألَ البدرُ ابن جماعة النوويَّ عن نومه؛ فقال : (( إذا غلبني النوم اسْتَندتُّ إلى الكتب لحظةً وأنتبه. )) [ 3 ]
وقال طاش كبرى زاده : (( وكان محمد بن الحسن لا ينام الليل، وكان يضع عنده دفاتر، وكان إذا مَلَّ من نوعٍ ينظُرُ في آخر، وكان يُزيلُ نومَه بالماء، وكان يقول : إن النوم من الحرارة.
فعليك أن تغتنم من أزمان العمر أيام الحداثة وعنفوان الشباب، ومن الأوقات : ما بين العشاءين، وأوقات السحر، وأصلُ الكلِّ ملازمةُ السهر.
وقد قال موسى صلواتُ الله عليه وسلامه : ففف لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَاً ققق ليعلم أن سفر العلم لا يخلو عن النصب، ولابد من اختياره، لأن طلب العلم أمر عظيم، بل هو أفضل من الجهاد عند الأكثرين، وأن موسى عليه السلام مع كونه نبيّاً اختار هذا النَّصَب في طلب العلم، وينبغي أن لا يضيق صدرك ممن ينكر قدرك لما قال أفلاطون : لا يضرنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك. )) [ 4 ]
وقال السيد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني عن نفسه : (( وأقبل على المطالعة والدراسة بهمّةٍ ونشاط وعزم وحزم، بحيث لا يذكر أنه نام مدة عمره إلا غَلَبَة. )) [ 5 ]
يتبع...
ـــــــــــــــ ـــ
[ 1 ] الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبي هلال العسكري ( ص 28 ، ط. دار الفاروق ).
[ 2 ] تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين لابن العطار ( ص 45 - 46 ).
[ 3 ] المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النووي للسيوطي ( ص 45 ) نقلاً عن البدر السافر للأُدفوي.
[ 4 ] مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده ( 1 / 23 ، ط. دار الكتب العلمية ).
[ 5 ] المظاهر السامية في النسبة الشريفة الكتانية للعلامة عبد الحي الكتاني ( الورقة : 232، مكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء ).
-
رد: طلب العلم والنوم
-
رد: طلب العلم والنوم
والإمام الفقيه محمد بن إبراهيم بن عبدوس القيرواني صلَّى الصبح بوضوء العَتَمة ثلاثين سنة، خمس عشرة سنة من دراسة، وخمس عشرة سنة من عبادة. [ 1 ]
وقال الخطيب البغدادي : (( سمعتُ بعضَ الشيوخ الصالحين يقول : كان أبو عبد الله بن البغدادي لا يزال يخرج إلينا، وقد انشقَّ رأسُه، أو انْفتحَتْ جبهَتُه!، فقيل له : وكيف ذاك ؟ قال : كان لا ينام إلا عن غَلَبة، ولم يكن يخلو أن يكون بين يديه محبرة أو قَدَح، أو شيء من الأشياء موضوعاً، فإذا غلبه النومُ سقط على ما يكون بين يديه، فيؤثر في وجهه أثراً. )) [ 2 ]
قال عبد الغافر الفارسي عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني : (( سمعتُه في أثناء كلامٍ يقول : أنا لا أنام ولا آكل عادةً، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلاً كان أو نهاراً، وآكل إذا اشتهيتُ الطعام أي وقتٍ كان.
قال عبد الغافر : وكانت لذَّتُه ولهوُه ونُزهتُه في مذاكرة العلم وطلب الفائدة من أي نوعٍ كان. )) [ 3 ]
قال أبو بكر بن أبي عليّ : سأل أبي أبا القاسم الطبراني عن كثرة حديثه، فقال : كنتُ أنام على البواري ثلاثين سنة. [ 4 ]
وقال طاش كبرى زاده في ترجمة علاء الدين عليّ بن يوسف بالي بن شمس الدين الفناري : (( وكان مهتماً بالاشتغال بالعلم، وكان له مكان على جبل فوق مدينة بروسه، وكان يمكث فيه الفصول الثلاثة من السنة، ويسكن في المدينة الفصل الرابع، وربما ينزل هناك ثلج مرات كثيرة، ولا يمنعه ذلك عن المكث فيه، كل ذلك لمصلحة الاشتغال بالعلم، وكان لا ينام على فراش، وإذا غلب عليه النوم يستند على الجدار، والكتبُ بين يديه، فإذا استيقظ ينظر الكتب. )) [ 5 ]
وأختم ببيتَيْن من نظم الإمام اللغوي أحمد بن فارس الرازي ( ت 395 ) :
إذا كان يؤذيك حَرُّ المَصِيفِ ــــــــ ويُـبْـسُ الخريفِ وبَـرْدُ الشِّـتَـا
ويُلْهِيكَ حُسْنُ زمانِ الرَّبيعِ ــــــــ فَـأَخْـذُكَ للعلم قل لي : مـتـى ؟! [ 6 ]
ـــــــــــــــ ــــــ
[ 1 ] الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض ( ص 235 ).
[ 2 ] تاريخ بغداد للخطيب ( 8 / 527 ، ترجمة الحسين بن أحمد بن جعفر، أبو عبد الله، المعروف بابن البغدادي ).
[ 3 ] طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي ( 5 / 179، ترجمة إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني )، نقلاً عن سياق نيسابور لعبد الغافر الفارسي،وانظر الطبقات ( 5 / 174 وما بعدها ).
[ 4 ] سير أعلام النبلاء للذهبي ( 16 / 122، ترجمة أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني صاحب المعاجم ).
والبواري : هي الحُصْر المنسوجة.
[ 5 ] الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية لطاش كبرى زاده ( ص 111 - 112 ).
[ 6 ] تاريخ دمشق لابن عساكر ( 64 / 348، ترجمة يحيى بن عليّ بن محمد، أبو زكريا التبريزي ).