قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم
لا يحل للإنسان أن يقع في عرض أخيه ، فيغتابه في المجلس أو يسبه ، فإن ذلك من كبائر الذنوب .
قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (الحجرات:12)
أنظر للترتيب : أجتنبوا كثيراً من الظن ، فإن ظن الإنسان بأخيه شيئاً تجسس عليه ، ولهذا قال : (وَلا تَجَسَّسُوا) ، فإذا تجسس صار يغتابه ، ولهذا قال في الثالثة : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) . ثم قال تعالى : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) ؟
الجواب : لا . لا يجب ، بل يكره ، ولهذا قال : ( فَكَرِهْتُمُوهُ ) ، قال بعض المفسرين : إذا كان يوم القيامة ، فإنه يؤتي بالرجل الذي اغتابه الشخص ، يمثل له بصورة إنسان ميت ، ثم يقال له : كل من لحمه ، ويكره على ذلك ، وهو يكرهه ، لكن يكره على هذا عقوبة له ، والعياذ بالله .
فالغيبة ـ وهي انتهاك عرض أخيك ـ محرمة ، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، يعني يكرون الوجوه والصدور بهذه الأظفار التي من النحاس ، فقال : ( يا جبريل ، من هؤلاء ؟ ) قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويفعلون في أعراضهم(92). نعوذ بالله .
ثم أن الإنسان إذا انتهك عرض أخيه ، فإن أخاه يأخذ في الآخرة من حسناته ، ولهذا يذكر أن بعض السلف قيل له : إن فلان يغتابك ، فقال : مؤكداً ؟ قال : نعم ، اغتابك ، فصنع هدية له ، ثم بعث بها إليه ، فاستغرب الرجل ! كيف يغتابه ، ويرسل له هدية ؟ قال : نعن إنك أهديت إلي حسنات ، والحسنات تبقى ، وأن أهديت إليك هدية تذهب في الدنيا ، فهذه مكافأة على هديتك لي , انظر فقه السلف ـ رضي الله عنهم .
فالحاصل أن الغيبة حرام ، ومن كبائر الذنوب ، ولا سيما إذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من الأمراء أو العلماء ، فإن غيبة هؤلاء أشد من غيبة سائر الناس ، لأن غيبة العلماء تقلل من شأن العلم الذي في صدورهم ، والذي يعلمونه الناس ، فلا يقبل الناس ما يأتون به من العلم ، وهذا ضرر على الدين ، وغيبة الأمراء تقلل من هيبة الناس لهم ؛ فيتمردون عليهم وإذا تمرد الناس على الأمراء فلا تسأل عن الفوضى :
لا يـصـلـح الـنـاس فــوضـــى لا ســراة لــهــم
ولا ســـراة إذا جـــهــــالـهــ م ســـــادوا
فنسأل الله أن يحمينا وإياكم مما يغضبه ، إنه جواد كريم .
ابن عثيمين - رحمه الله -