عرض للطباعة
كفر النعم:
إظهار النعمة والتحدث بها
من صفات المؤمنين الشاكرين،
وأما أن يكتم المرء النعمة،
ويظهر أنه فاقد لها إما بلسان الحال أو المقال،
فهو كفر لها،
وهو من صفات الكافرين الجاحدين.
وإنما سمي الكافر كافرا،
لأنه يغطي نعمة الله التي أسبغها عليه
ويجحدها ولا يقر بها.
وقد وصفهم الله بذلك في كتابه،
فقال:
{ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا
وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }
[النحل: 83].
...[ 528 ] ...
ومما لاشك فيه
أن الكفر بنعم الله تعالى
مؤذن بزوالها عمن كفر بها،
قال تعالى:
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }
[النحل: 112].
وقد قص الله سبحانه علينا قصة "سبأ"
وأنهم كانوا في نعم كثيرة،
وأموال ممدودة، وفواكه منتشرة،
وأسفار بلا أخطار،
ثم إنهم غيروا بأنفسهم فغيَّر الله سبحانه أحوالهم،
فأرسل الله عليهم سيلا عارما،
جرف أشجارهم وحدائقهم وأموالهم،
وبدلوا بعد ذلك بأشجار مُرَّة أو ذات شوك،
وأشجار لا ثمار لها،
وكان خير الأشجار التي أعطوها
(شجر السدر) وثمره يسير،
قال تعالى:
{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ }
[سبأ: 17].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
يستعيذ من زوال النعمة في دعائه:
«اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك،
وتحول عافيتك،
وفجأة نقمتك،
وجميع سخطك»([1]).
===============
([1])أخرجه مسلم (2739)، وأبو داود (1550)،
والبغوي في شرح السنة 5/168، والحاكم 1/531.
من صور الكفران:
1- الشرك:
إن أعظم الشكر لله سبحانه هو
توحيده وعبادته وحده لا شريك له،
لأنه هو الذي خلق وأوجد من العدم،
ورزق الإنسان أرزاقا كثيرة،
ولم يشاركه في ذلك أحد،
فلا يستحق أحد العبادة معه،
ولكن أكثر الناس كما قال تعالى
أعرضوا عن هذه الحقيقة،
وجعلوا له أندادا.
فمن الشرك الذي يقع من العباد:
نسبتهم ما يحصل لهم من الأرزاق إلى المخلوقين،
قال البخاري رحمه الله في صحيحه:
باب قول الله تعالى:
{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }
[الواقعة: 82]،
قال ابن عباس:
شكركم.
ومن هذا قول الناس:
لولا الطبيب لمات ابني،
لولا البط أو الكلب لسرق اللصوص الدار،
وما شابه ذلك
من نسبة الفضل والنعمة لغير الله تعالى ([1]).
============
([1])النهج الأسمى.
2- الكنود:
وهو الذي لا يشكر النعم،
وقد ذمه الله سبحانه في كتابه،
فقال:
{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}
[العاديات: 6]،
قال الحسن:
هو الذي يعد المصائب وينسى النعم.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
أن النساء أكثر أهل النار بهذا السبب،
فقال:
«ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر،
ثم رأت منك شيئا، قالت:
ما رأيت منك خيرا قط»([1])،
فإذا كان هذا بترك شكر نعمة الزوج
وهي في الحقيقة من الله،
فكيف من ترك شكر نعمة الله؟
===============
([1])أخرجه مسلم (2737) (94)، وأحمد 1/234،
والترمذي (2602)، والطبراني في الكبير (12767) من حديث ابن عباس.
3 - استعمال النعمة في معصية الله عز وجل:
عن سفيان في قوله تعالى:
{ سَنَسْتَدْرِجُه ُــمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }
[الأعراف: 182]،
قال:
يسبغ عليهم النعم،
ويمنعهم من الشكر.
وقال غيره:
كلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم نعمة.