-
فوائد لطالب العلم
على طالب العلم أن يتأدب مع أقرانه؛ فلا يتعالى عليهم بل يتواضع لهم، ويرشدهم إلى ما ينفعهم، وينصح لهم.
وليعلم أنهم جميعًا سائرون في طريق واحد، مرابطون على جبهة واحدة؛ فإن كانت هناك ثغرة فلا يضر من سدها؛ وإنما التنافس يكون في الخير، فإنْ رأيت أخاك مقصرًا في سد ثغرة، أو غافلًا عن شيء ينفعه في ذلك؛ فينبغي –بل يتعين عليك- أن تناصحه وتدعو له بالتوفيق والسداد.
-
رد: فوائد لطالب العلم
وعليه أن يتحرى للحفظ والمراجعة أوقات خلو الذهن والبطن.
قال ابن جماعة رحمه الله: "أجود الأوقات للحفظ: الأسحار".
وقال الخطيب: أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم وسط النهار، ثم الغداة، قال: وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع.
-
رد: فوائد لطالب العلم
وعليه أن يقلل من المنام والكلام والطعام؛ ليفرِّغ ذهنه للعلم.
فأما المنام؛ فعلى طالب العلم أن يقلل منه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه، ولا يزيد في نومه في اليوم والليلة عن ثماني ساعات، وهو ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل منها فعل.
قال الزرنوجي رحمه الله: "دخل الحسن بن زياد رحمه الله في التفقه وهو ابن ثمانين سنة، ولم يبت على فراشه أربعين سنة".
وكان محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله لا ينام الليل وكان يضع عنده دفاتره، وكان إذا ملَّ من نوع ينظر إلى نوع آخر، وكان يضع عنده كأس الماء، ويزيل نومه بالماء، وكان يقول: إن النوم من الحرارة، فلابد من دفعه بالماء البارد.
وقد مدح الله عز وجل المتقين، ووصفهم بالإحسان، وبأنهم كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلًا؛ قال تعالى:{إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون}(الذاريات: ١٥ – ١٨).
وخلاصة القول: أن كثرة النوم ليست من شأن طلبة العلم، ولا هم منها بسبب قريب أو بعيد، بل شأنهم الجد والحرص، ولن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة.
وأما الوصية بقلة الكلام؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
قال النووي رحمه الله: "قَوْله صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ، وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ . وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ، فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الْإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}(ق: ١٨) وَاخْتَلَفَ السَّلَف وَالْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَب جَمِيع مَا يَلْفِظ بِهِ الْعَبْد وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَا ثَوَاب فِيهِ وَلَا عِقَاب لِعُمُومِ الْآيَة أَمْ لَا يُكْتَب إِلَّا مَا فِيهِ جَزَاء مِنْ ثَوَاب أَوْ عِقَاب؟ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء. وَعَلَى هَذَا تَكُون الْآيَة مَخْصُوصَة، أَيْ مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل يَتَرَتَّب عَلَيْهِ جَزَاء. وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْع إِلَى الْإِمْسَاك عَنْ كَثِير مِنْ الْمُبَاحَات لِئَلَّا يَنْجَرَّ صَاحِبهَا إِلَى الْمُحَرَّمَات أَوْ الْمَكْرُوهَات. وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه اللَّه مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ: فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر، أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ".
وقال ابن حجر رحمه الله: "قَوْله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْلِيَصْمُت»؛ بِضَمِّ الْمِيم وَيَجُوز كَسْرهَا، وَهَذَا مِنْ جَوَامِع الْكَلِم لِأَنَّ الْقَوْل كُلّه إِمَّا خَيْر وَإِمَّا شَرٌّ وَإِمَّا آيِل إِلَى أَحَدهمَا: فَدَخَلَ فِي الْخَيْر كُلّ مَطْلُوب مِنْ الْأَقْوَال فَرْضهَا وَنَدْبهَا، فَأَذِنَ فِيهِ عَلَى اِخْتِلَاف أَنْوَاعه، وَدَخَلَ فِيهِ مَا يَئُول إِلَيْهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا هُوَ شَرّ أَوْ يَئُولُ إِلَى الشَّرّ فَأَمَرَ عِنْدَ إِرَادَة الْخَوْض فِيهِ بِالصَّمْتِ".
وقال أبو الذيال: تعلَّم الصمت كما تتعلم الكلام، فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك، ولك في الصمت خصلتان: خصلة تأخذ بها من علم من هو أعلم منك، وخصلة تدفع بها جهل من هو أجهل منك".
قَالَ رَجُلٌ لِسَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَوْصِنِي. قَالَ: لَا تَكَلَّمْ. قَالَ: وَكَيْفَ يَصْبِرُ رَجُلٌ عَلَى أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ؟ قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ لَا تَصْبِرُ عَنِ الْكَلَامِ فَلَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا بِخَيْرٍ أَوِ اصْمُتْ.
وأما الوصية بقلة الطعام؛ فقد تقدم الكلام عنه، فانظره في الأدب الثالث والرابع من مقالاتي في أدب طلب العلم.
-
رد: فوائد لطالب العلم
وعليه أن يدعو ربه إذا استشكل عليه أمر أو استعصت عليه قضية.
فإن الله عز وجل قد يفتح عليه بسبب دعائه، وأيضًا عليه أن يتقرب إلى الله عز وجل بأعمال الخير، فإن القرب من الله يزيل ما على القلب من غشاوة، فَيَفْقَه