القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
حديث : "إن الله لا يملُّ حتى تملُّوا" .
حاصلُ أقوال أهل العلم في تأويل هذا الحديث ، تؤول إلى مسلكين:
المسلك الأول: أن الملل صفة ثابتة لله تعالى بهذا الحديث ، وهي صفة كمال لا نقص فيها ، وقال بثبوتها : القاضي أبو يعلى ، وإبراهيم الحربي ، والشيخ محمد بن إبراهيم .
قال إبراهيم الحربي : " قال أبو زيد : ملَّ ، يَمَلُّ ملالةً ، وأمللته إملالاً ؛ فكأن المعنى لا يمل من ثواب أعمالكم ؛ حتى تملوا من العمل " .
وقال أبو يعلى :" اعلم أنه غير ممتنع إطلاق وصفه تعالى بالملل ، لا على معنى السآمة ، والاستثقال ، ونفور النفس عنه " .
وقال الشيخ محمد إبراهيم : " إن الله لا يمل حتى تملوا" من نصوص الصفات ، وهذا على وجهٍ يليق بالباري ، لا نقص فيه ، كنصوص الاستهزاء ، والخداع ، فيما يتبادر " .
المسلك الثاني : أن الحديث لا يدلُ على صفة الملل لله تعالى ، لأن الملل معناه : استثقال الشيء وإعراض النفس عنه ، وضجرها منه ، وهذا لا يجوز على الله جل في علاه .
قال بهذا : ابن قتيبة ، والطحاوي ، وابن عبد البر ، وابن رجب ، ولكنهم اختلفوا في الملل الوارد في الحديث على قولين :
القول الأول : أن المعني : لا يملُ إذا مللتم ، وإلى هذا ذهب ابن قتيبة ،والطحاوي .
قال ابن قتيبة : " أراد : فإن الله لا يمل إذا مللتم ؛ ومثال هذا : قولك في الكلام : هذا الفرس ؛ لايفتر حتى فتر الخيل ، لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت ، ولو كان هذا هو المراد ، ما كان له فضل عليها ، لأنه يفتر معها ، فأية فضيلة له ؟ . وإنما تريد أنه لا يفتر إذا فترت ، حتى تنقطع خصومه ، تريدُ بذلك ؛ أنه لا ينقطع إذا انقطعوا ، ولو أردت أنه ينقطع ، إذا انقطعوا ؛ لم يكن له في هذا القول فضل على غيره ، ولا وجبت له به مدحة ، وجاء مثل هذا بعينه ، في الشعر المنسوب إلى ابن أخت تأبَّط شراً ، وقيل : إنه لخلف الأحمر :
صليت منِّي هذيل بخرقٍ .......لا يمل الشرَّ حتى يملُّوا
لم يرد أنه يمل الشر ، إذا ملوا ؛ ولو أراد ذلك ؛ ما كان فيه مدحٌ له ،لأنه بمنزلتهم ، وإنما أراد : أنهم يملون الشر ؛ وهو لا يمله " .
واستشهد هؤلاء بما روى عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ أنه قال : " اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يملُّ من الثواب ؛ حتى تملوا من العمل " .
القول الثاني :أن معنى الحديث : " يترك الله الثواب ، والجزاء على العمل ؛ ما لم تملوه وتتركوه ، فيكون المراد بالملل لازم الملل ، لأن من ملَّ شيئاً تركه ، فكنى عن الترك بالملل ، الذي هو سبب الترك .
وهذا قول ابن عبد البر ، وابن رجب عليهما رحمه الله ، وهو قول جماعة كبيرٌ من أهل العلم .
قال ابن عبد البر : " معلومٌ أن الله ، لا يمل ، سواء ملَّ الناس ، أو لم يملوا ، ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء ، جل وتعالى علواً كبيراً ، وإنما جاء لفظ هذا الحديث ، على المعروف من لغة العرب ، بأنهم كانوا إذا وضعوا لفظاً بإزاء لفظٍ وقبالته ، جواباً له وجزاءً ، ذكروه بمثل لفظه ، وإن كان مخالفاً له في المعنى ، ألا ترى إلى قوله تعالى : {وجزآؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها }، وقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم ، فاعتدوا عليه بمثل ما ا عتدى عليكم } .
والجزاء لا يكونُ سيئةً ، والقصاصُ ، لا يكون اعتداءً ؛ لأنه حقٌ واجبٌ .
وكذلك قوله _صلى الله عليه وسلم _ : " إن الله لا يمل حتى تملوا " ، أي : إن من مل من عملٍ يعمله ؛ قطع ع نه جزاؤه ، فأخرج لفظ قطع الجزاء ، بلفظ الملال ، إذ كان بحذائه وجواباً له " .
والراجح : اثباتُ صفة "الملِّ" لله تعالى ، على وجهٍ يليق به سبحانه جلَّ في علاه ، ويكون إثباتها من باب الصفات التي لا ينبغي أن يوصف الله عز وجل بها بإطلاق مثل :صفة الاستهزاء ، والمكر ، والخداع ......." .
وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة والطحاوي من أن معنى الحديث : " إن الله لا يملُّ إذا مللتم ، فغيرُ وجيهٍ ، لأن "حتى" ، لا تأتي بمعنى "إذا" ، وإنما تأتي على أربعة معانٍ هي :
1-انتهاء الغاية ، وهو الغالب .
2- والتعليل .
3-وبمعنى : "إلَّا وهذا أقلها .
4-وتأتي عاطفةٌ عند بعضهم ، وهو قليل .
ثم إن "حتى" حرفٌ ، وتفسيرها بــــ"إذا" يخرجها من الحرفية ، إلى الإسمية ، لآن "إذا" ظرفٌ ، والظروف أسماء ، كما أنه يجعل لها محلاً من الإعراب ، وهو النصب ، على الظرفية ، مثل "إذا" ، وقد أجمع النحاة على أن الحروف لا محل لها من الإعراب " .
وأما ما ذهب إليه ابن عبد البر وابن رجب _عليهما رحمة الله _ ، من تفسير "الملل" بلازمه ، وهو "الترك" ، وذلك تنزيهاً لله تعالى ، عن معنى الملل ، فهو خروجٌ بالنصِّ عن ظاهره المتبادر منه ، علماً أنه لا يلزم من إثبات هذه الصفة لله تعالى بالقيد المذكور ، أن يكون الله تعالى متصفاً بالنقائص والعيوب ، كيف وقد وصفه بذلك ؛ من هو أعظم الناس تنزيهاً لربه ، وأعلمهم بمراده ، وهو الرسول _صلى الله عليه وسلم _ .
كما لا يلزم من إثباتها نفي اللوازم الصحيحة لها ، فإن لازم الحق حقٌ ، لكن لا ينبغي أن يكون إثبات اللازم ؛ طريقاً لنفي الأصل ، وهو "الصفة" ، فالصفة ثابتةٌ ، ولوازمها الصحيحة ثابتةٌ .
ولعل الذي ألجأهم إلى هذا التأويل : هو ما فهموه من معنى الملل ، في حق المخلوقين ، ومعلومٌ أن الخالف ، لا يماثله أحدٌ من خلقه بشيء من صفاته ، فللخالف صفاتٌ تليق به ، وللمخلوقات صفاتٌ تليق بهم ، والاتفاق في الأسماء ؛ لا يلزم من الاتفاق في المسميات ، والله أعلم .
من كتاب"أحاديث يتوهم إشكالها" لسليمان بن محمد الدبيجي (بتصرف).
رد: القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
الصفات عموما إما نقص أو كمال وبالنظر لصفة الملل فهي صفة نقص في لغة العرب ولا تأتي كمال
ومن وصف الله بها إما أن يكون وصفه بها كما هي معروفه على حقيقتها وظاهرها ويعتبر في هذه الحاله وصفه بالنقص
وإما وصفه بها وأخرجها عن معناها الحقيقي وهو في هذه الحالة متأول وصارف للفظة عن معناها
والصحيح أن صفة الملل صفة نقص ولا يجوز وصف الله بها أبدا بل الله منزه عنها
وأفضل توجيه للحديث هو قول من قال أن حتى بمعنى إذا والشواهد على هذا صحيحة صريحة فالله لا يمل ولا ينبغي أن يمل حتى وأن مللنا
رد: القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
الملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال عن الله تعالي باتفاق.
وفي إطلاق ذلك على الله أقوال:
أولًا: فسروا " حتى " معناها اللفظي في انتهاء الغاية على أقوال:
1ـ قال الإسماعيلي وجماعة إنما أطلق " الملال لله " على سبيل المقابلة اللفظية كقوله تعالي: " وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا " الشوري40.
2ـ قال القرطبي: هو من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ لأن الله لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل، عبر عن ذلك بالملال.
3ـ قال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه.
ثانيًا: ذهب آخرون إلي تفسيرها كالآتي:
1- قيل معناه " لا يمل الله إذا مللتم "، ففسروا " حتى " بمعنى " إذا " .
2- تقدير " حتى " بـ " الواو " : " فيكون المعنى: " لا يمل الله، وتملون أنتم " .
3- تفسير " حتى " بـ " حين " فيكون المعنى " لا يمل الله حين تملون " .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل نفهم من حديث: " إن الله لا يمل حتى تملوا " المتفق عليه أن الله يوصف بالملل؟فأجاب: من المعلوم أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أننا نصف الله تبارك وتعالي بما وصف به نفسه من غير تمثيل ولا تكييف، فإذا كان هذا الحديث يدل على أن لله مللًا، فإن ملل الله ليس كمثل مللنا نحن، بل هو ملل ليس فيه شيء من النقص.
[المجموع الثمين فتاوى العقيدة: (1/ 49) فتوى رقم: (19) نقلًا من بلوغ الأماني تهذيب فتح الباري لشيخنا عادل بن يوسف العزازي: (1 /144)].
رد: القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
طيب حضرتك أجبت على نفسك بكلام الشيخ محمد بن عثيمين في النهاية .، فكما أن الله عز وجل يغضب ، وليس غضبه كغضبنا ، وأن الله يريد ، وليست إرادته كإرادتنا ، وأن الله يضحك ...............الخ . فكذا القول في هذه الصفة ، فالقول هناك كالقول هنا ، ومن ادَّعى المفارقة ؛ فعلية الدليل . وهذا إنما ذكرته ؛ لأنه أحد الأدلة التي يستدلُ بها القائلين بهذا القول .
رد: القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
بارك الله فيك، أنا ما قصدت الرد، إنما أردت الإضافة جزاك الله خبرًا
رد: القولُ المُستهلُّ في معنى حديث:" إن الله لا يملُّ" ..!!
جزاك الله خيراً ، أخي الكريم ( أبا البراء ) .