قصيدة سنمْضي للعلا (من نظمي)
سنمْضي للعلا
محمود العيسوي
سَنمْضِي للعُلاَ رَغْمَ الصِّعَابِ = ونَعْلُو بالهُدى فوقَ الضَّبابِ
وَنحمِل رايةَ الحقِّ المبينِ = لأمَّتنا، ونفتح كلَّ بابِ
ونُرجِع ما مضَى من مجدِ قوْمِي = ونرْفع أمَّتي فوق السحابِ
شبابَ المجد: هُبُّوا لا تكونوا = كساقِي القوم مِن برق السرابِ
شباب المجد: شدُّوا لا تَلينوا = لأفَّاك أثيمٍ ذِي ارتيابِ
شبابَ المجد: كُفُّو ا لا تَخُونوا = بتضييعٍ آماناتِ الكتابِ
شبابَ المجد: إيَّاكم فَإِنِّي = أُحذِّركم أَعاديَ كالذِّئابِ
شبابَ المجد: صِيحوا بالعُدوِّ = ولا تَهِنوا فأنتم أُسْد غابِ
تطاول ذِئبها عندَ العَرينِ = وكاد البُوم يفتِك بالعُقابِ
بصوتِ الحق يَبطُلُ كلُّ إفكٍ = ويَسكُت ذا الكذوبُ لدَى الخطابِ
شبابَ الصحوة الكُبرى: أفِيقوا = ففجْرُ الحق يُشرِق بالشبابِ
"صلاحٌ" بين أظهُركم سينمو = يُعيد القُدسَ مِن أيدي الكلابِ
يُوحِّدنا، ويغسِل عارَ قوْمي = ويَمْحو عنهمُ ذلَّ الرِّقابِ
فسِيروا في ربوعِ الأرْض، وامضُوا = لنشْر العِلم ضوء ُ العلم خابِ
أضِيئوا شعلةَ الإسلامِ فِينا = لتهديَنا طريقًا للصَّوابِ
عروس المجد للشاعر عمر أبو ريشة
سلسلة روائع القصائد:عروس المجد[1]
عمر أبو ريشة
يا عروسَ المجدِ تيهي، واسحَبي = في مَغانينا ذُيول الشُّهُبِ
لن ترَي حِفنَة رمل فوقَها = لم تُعطَّر بدِما حرٍّ أَبِي
درَج البغيُ عليها حقبَةً = وهَوى دون بُلوغ الأرَبِ
وارتَمى كِبْرُ الليالي دُونَها = ليِّن النابِ كليلَ المَخلَبِ
لا يموت الحق مهما لطمَت = عارضَيه قَبضة المُغتصِب
مِن هنا شقَّ الهُدى أكمامه = وتهادى موكبًا في مَوكِبِ
وأتى الدنيا فرقَّتْ طرَبًا = وانتَشتْ مِن عَبقِه المُنسكِبِ
وتغنَّت بالمُروآت التي = عرَفَتْها في فَتاها العَربي
أَصيَد ضاقَت به صَحراؤه = فأَعَدَّتْه لأُفْقٍ أَرحَبِ
هبَّ للفَتحِ فأدمى تحتَه = حافرُ المُهرِ جبينَ الكَوكَبِ
وأمانيه انتِفاض الأرض مِن = غَيهَبِ الذلِّ وذلِّ الغَيهَبِ
وانطِلاق النور حتى يَرتوي = كلُّ جَفنٍ بالثَّرى مُختَضبِ
حلمٌ ولَّى، ولم يُجرَح به = شرفُ المسعى ونبلُ المطلَبِ
يا عَروسَ المجدِ طال المُلتَقى = بعدما طال جوى المُغتَربِ
سَكرَتْ أجيالُنا في زَهوِها = وغفَتْ عن كَيدِ دَهرٍ قلَّب
وصحَونا فإذا أعناقُنا = مُثقلاتٌ بقُيود الأجنَبي
فدعَوناكِ فلم نسمَع سِوى = زفرَة مِن صَدرِك المُكتئِبِ
قد عرَفْنا مَهرَكِ الغالي فَلَمْ = نُرخِصِ المَهرَ ولم نَحتسِبِ
فحمَلْنا كلَّ إكليلِ الوفا = ومشَينا فوق هام النوَّب
وأرَقناها دِماءً حرَّةً = فاغْرِفي ما شئتِ منها واشرَبي
وامسَحي دمعَ اليتامى وابسَمي = والْمَسي جرحَ الحَزانى واطرَبي
نحن مِن ضعفٍ بَنَينا قوةً = لم تَلِنْ للمارِد المُلتَهِب
كم لنا مِن "ميسلون" نفضَتْ = عن جناحَيها غبار التعَبِ
كم نبَت أسيافُنا في ملعَب = وكبَتْ أَفراسُنا في ملعَبِ
مِن نِضالٍ عاثِر مُصطَخبٍ = لنِضال عاثر مُصطَخبِ
شرَف الوثْبَة أن تُرضي العُلى = غلَب الواثبُ أم لم يَغلِب
[1] - كتبها بعد انتصار أبطال سوريا على الفرنسيين وجلاء الغزاة المحتلين عن أرض الشام الطاهرة الأبية.
رثاء الأندلس لأبي البقاء الرندي
سلسلة روائع القصائد:رثاء الأندلس
أبو البقاء الرندي
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ = فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ = مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ = وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ = إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو = كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ = وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ = وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ = وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ = حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ = كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ = وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ = يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ = وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها = وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ = هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت = حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ = وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم = مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ = وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما = عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ = كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ = قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما = فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ = حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ = إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ = أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها = وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ = أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً = كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً = كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ = لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ = فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم = قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ = وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ = أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم = أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم = وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم = عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ = لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما = كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت = كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً = وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ = إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ