عرض للطباعة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
رب يسِّر وأعِن يا كريم
الحمد لله والصلاة والسَّلام على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
فهذا تخريج لحديث: " الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ "
وقد جاء مرفوعاً: من حديث أبي الدرداء -رضي الله- / وموقوفاً بنحوه على كعب الاحبار -رحمه الله-
- حديث أبي الدرداء :
... يُتبع بذكر طريق محمد بن واسع -بإذن الله- ...
- حديث أبي الدرداء :
رواه:
(1) محمد بن واسع البصري واختُلف عليه فيه:
فرواه 1/ إسماعيل بن أبي خالد واختُلف عليه كذلك:
1 - فرواه ابن نمير عنه عن محمد بن واسع قال: قال أبو الدرداء لابنه: "يابني ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله يقول: ((إن المسَاجِد بُيُوتُ المُّتَّقِين فَمنْ كانَت المَساجِدُ بَيْته ضَمِنَ اللهُ له بالرَّوْح والرَّحِمة والجَوَاز على الصِّراطِ إلى الجَنَّة)) " [زهد هناد 2/471 ح:951]
2 - وخالفه يعلى بن عبيد[مصنف ابن ابي شيبة 7/114 ح:34610] ومروان بن معاوية الفزاري [ابن ابي عمر في مسنده كما في المطالب العالية 3/561 ح:373] فروياه عنه عن رجل عن محمد بن واسع به
3 - ورواه ابن فضيل عنه عن رجل من أهل البصرة عن أبي الدرداء مرفوعاً. [الطبراني كما في جامع المسانيد لابن كثير 9/358 ح:12049] فلم يذكر ابن واسع في سنده ولا ابن ابي الدرداء في متنه، وقد يمكن أن يكون ابن واسع هو الرجل المبهم فإنه من أهل البصرة
4 - ورواه عمرو بن جرير البجلي عنه -يعني إسماعيل- عن قيس بن ابي حازم قال سمعت أبا الدرداء وهو يقول لابنه ... فذكره بنحوه [تاريخ الخطيب 9/298] و[المعجم الاوسط للطبراني 7/158 ح:7149]
ثم قال -الطبراني- : ((لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا عمرو بن جرير)) يعني: بهذا الاسناد
وعمرو بن جرير مُتَّهم، قال أبو حاتم: ((كان يكذب(( [الجرح والتعديل 6/224] وضعَّفه الدارقطني والعقيلي [الضعفاء الكبير 4/298] وقال أبو أحمد الحاكم: ((ذاهب الحديث)) وذكر له حديثا عن اسماعيل عن قيس عن أبي ذر ثم قال: ((ولعمرو من هذا الضرب ما لا متابع عليه)) [الأسامي والكنى ق-180-أ / ق-180-ب] وذكره ابن عدي في الضعفاء [الكامل 6/255] وذكر له أربعة أحاديث منها ثلاث عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن ابي حازم ثمَّ قال:
((وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ كُلُّهَا ، وَلِعَمْرِو بْنِ جرير غير ما ذكرت من الْحَدِيثِ مَنَاكِيرُ الإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ))
وقيس بن ابي حازم قال علي بن المديني: ((لم يسمع قيس بن أبي حازم من أبي الدرداء ، ولاَ سلمان)) [العلل له ص80]
وقول يعلى بن عبيد ومروان أشبه بالصواب
ورواه 2/ المُطعِم بْن المِقدام الكَلاَعِيّ الشّامي عن محمد بن واسع قال:
((كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى سَلْمَانَ: ... -وفيه- : وَلْيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ" ))
رواه أبو عبد الله القضاعي في مسنده [ الشِّهاب ص77] من طريق أبي يعقوب المِنْجَنِيْقِي ّ عن الرَّبيع بْن ثعلب الْمَرْوَزِيّ /
وابن الأعرابي (مُختصراً) [الزُّهد ص63 ح:112] قال: حدثنا الصائغ: محمد بن علي ، والبيهقي في الشُّعب [13/195] من طريق أحمد بن نجدة * كلاهما (الصائغ وابن نجدة) = عن سعيد بن منصور/
كلاهما (سعيد والربيع) عن إسماعيل بن عياش عن المُطعم -وفي روايةِ الربيع: (وَغَيْرِهِ)- بنحوه
واللفظ الذي سُقتُ منه محلّ الشاهد لفظ الربيع، ويُروى مُطوَّلا ومُختصراً
وخالف الربيع وسعيد بن منصور فيه: شجاع بن الأشرس فرواه عن اسماعيل عن المُطعم عن محمد بن واسع أن سلمان كتب إلى أبي الدرداء [الزُّهد لابن أبي الدنيا ص156 ح:338]
وهذا كأنَّهُ وهم، والصَّواب ما قال الربيع وسعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان ...
وتابع المطعم عليه:
* حمَّاد بن سلمة : رواه البيهقي [الشُّعب 13/390] من طريق يوسف بن يعقوب القاضي ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن سلمة بنحوه (مُختصراً)
* وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشَّامي، رواه:
- الخرائطي [مكارم الاخلاق ص218 ح:661] قال: حدثنا أبو الحارث محمد بن مصعب الدمشقي/
والدَّيلمي [كما في الغرائب المُلتقطة لابن حجر (مخطوط) ح:2158] من طريق أحمد بن سليمان بن زَبّان /
كلاهما عن هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن محمد بن واسع الأزدي، أن أبا الدرداء، كتب إلى سلمان ... (مختصراً)
ابن زبان ضعيف ومحمد بن مصعب روى عنه الخرائطي عدة أحاديث وترجمه ابن عساكر في تاريخه لكني لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا، فالله أعلم
ورواه 3/ إسرائيل عن عبد الله بن المُختار البصريّ عن ابن واسع، واختُلف على اسرائيل فيه:
فرواه:
1 - إسماعيل بن جعفر المدني [شعب الايمان 380/4] /
وآدم بن أبي إياس [جزء خيثمة الاطرابلسي ص71] / عنه عن عبد الله بن المختار عن محمد بن واسع عن ابن ابي الدرداء قال: ((أَوْصَانِي أَبِي ...)) بمعناه
2 - وخالفهما محمد بن عبد الله بن الزبير (أبو أحمد الزّبيري) [مسند البزار 10/85 ح:4152] فرواه عنه عن عبد الله عن محمد بن واسع عن أم الدَّرداء عن ابي الدرداء قال : ((لتكن المساجد مجلسك ... )) وليس هذا بمحفوظ
قال البزار: ((وهذا الحديث روى عن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم نحو كلامه بغير لفظه ، ولاَ نَعْلَمُ هذا اللفظ يُرْوَى عَن رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ بهذا الإسناد من هذا الوجه ، وهُو حسن الإسناد)) [مسند البزار 10/85 ح:4152]
وتلخيص هذه الطرق كالتالي:
- رواه إسماعيل بن ابي خالد عن رجلٍ عن محمد بن واسع أن أبا الدرداء قال لابنه ... مرسلاً
- وخالفه عبد الله بن المُختار فرواه عنه (ابن واسع) عن ابن ابي الدرداء قال اوصاني ابي ...
- ورواه المطعم بن المقدام وحماد بن سلمة وابن جابر (إن كان محفوظاً) عن ابن واسع أن ابا الدرداء كتب إلى سلمان .. = مُرسلاً
وهذا هو الصحيح عن محمد بن واسع
قال الدَّارقطني: ((وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَمُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: أَنَّ أبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سلمان، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَالْمُرْسَلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ)) [العلل 6/230]
و وذكر علي بن المديني محمد بن واسع في جماعة ثم قال: ((لا أعلم أحدا منهم لقي أحدا من الصحابة)) [جامع التحصيل ص271 ر:716]
... يُتبع بذكر طُرق: صالح المُرِّي ومعمر وقتادة -بإذن الله- ...
ورواه (2) صالح الْمُرِّيّ عن الجُرَيْرِيّ عن أبي عثمان قال: ((كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ ... )) فذكره بنحوه في خبر طويل
ورواه عن صالح المُرِّي:
1- عبد الله بن معاوية الجمحي [مسند البزار 6/505] و[المعجم الكبير للطبراني 6/254]
2- خالد بن خداش [المعجم الكبير للطبراني 6/254]
3- يونس بن محمد البغدادي المؤدب [شعب الايمان 4/381]
ثلاثتهم عن صالح المُرِّي به (ويختصره بعضهم)
وقال الدَّارقطني -رحمه الله- : ((تَفَرَّدَ بهِ صالح بن بشر المري عن الجريري، عَنه)) [الاطراف 1/414 ح:2247]
قال أبو نعيم: ((غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ)) [الحلية 6/176]
وصالح هذا من مشاهير الزُّهّاد والصالحين وليس هو في الحديث بشيئ، والجريري ثقة لكنه اختلط بآخره
ورواه (3) عبد الرزاق عن معمر عن صاحب له أنَّ أبا الدَّرْداء كتب إلى سلمان ... بنحوه [المُصنَّف 11/96] و[الزُّهد لابن الاعرابي ص63 ح:111] و[الحلية 1/214] و[الشُّعب 13/195]
وفيه: 1- جهالة شيخ معمر / 2- والانقطاع، وليس في شيوخ معمر من يُدرك مثل هذا، فبين هذا الراوي وأبي الدرداء راوٍ على الأقل
ورواه (4) عقبة بن عبدالله الرفاعي الأصم عن قتادة عن رجلٍ عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسجد بيت كل تقي ... ) الحديث [ابن فاخر في موجبات الجنة ص121-122 / ح162-163]
وهذا مُنكر عن قتادة ولا أعلم رواه عنه إلا عقبة الأصم هذا وليس هو بشيئ ضعفه أحمد وابن معين وغير واحد من الائمة
... يُتبع بذكر طُرق: سلام بن مسكين وليث بن ابي سليم وعثمان بن عطاء -بإذن الله- ...
ورواه (5) سلام بن مسكين عن أبي عبد الحميد قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسجد بيت كل تقي)) قاله البُخاريّ، نقله أبو أحمد الحاكم عنه [ميزان الاعتدال 4/546]
قال الذَّهبي: ((لا يُدْرَى من ذَا)) [ميزان الاعتدال 4/546] يعني أبا عبد الحميد هذا ، وهو مرسلٌ أيضا
ورواه (6) عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه قال: كتب أبو الدرداء إلى سلمان ... (مختصراً)
رواه ابن عمران الموصلي [الزُّهد له ص26 ح:33] عنه
وعُثمان ضعفه البخاري وابن معين وغير واحد من الأئمة، وقال أبو سعيد النقاش، والحاكم النيسابوري: ((يروي عن أبيه أحاديث موضوعة)) [إكمال التهذيب لمُغَلْطاي 9/171]
ورواه (7) ليث بن أبي سليم عن بعض مشايخه عن أبي الدرداء (مختصرا) [الطبراني من طريق محمد بن فضيل، كما في جامع المسانيد 9/358]
وهذا ضعيف جدّاً لحال الليث وجهالة شيخه، والغالب أن شيخه لم يدرك أبا الدرداء
وذكر المنذري [الترغيب 3/237] والهيثمي [مجمع الزوائد 8/160 ح:13509] بأن الطبراني رواه (مختصراً) بسَنَدٍ فيه بقية بن الوليد وراوٍ لم يُسَم، ولا أدري هو من أحد الطرق المذكورة في هذا التخريج أم هو طريق آخر، وعلى أيّ فهو معلول، والله أعلم.
... يُتبع بذكر حديث كعب، وبذكر الخلاصة -بإذن الله- ...
- حديث كعب الاحبار :
رواه أبو نعيم في الحلية [5/384] قال: حدثنا عبد الله، ثنا جَدِّي عيسى، ثنا آدم -ابن ابي اياس- ، ثنا أبو داود الواسطي، عن أبي علي عن كعب قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ تَصْحَبَهُ كَتَائِبُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيَحْفَظُونَهُ ، وَيُكْفَى مَا أَهَمَّهُ، فَلْيُخْفِ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ مَا شَاءَ)) وَقَالَ كَعْبٌ: ((طُوبَى لِلَّذِينَ يَجْعَلُونَ بُيوتَهُمْ قِبْلَةً -يَعْنِي مَسْجِدًا- )) قَالَ: ((وَالْمَسَاجِدُ بُيوتُ الْمُتَّقِينَ فِي الْأَرْضِ)) ، ((وَيُبَاهِي اللهُ تَعَالَى مَلَائِكَتَهُ بِالْمُخْفِي صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ وَصَدَقَتَهُ))
وفيه من لم أعْرِف
والخُلاصة:
(1) أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة والمُطعم بن المقدام وابن جابر وشيخٌ لإسماعيل بن ابي خالد عن محمد بن واسع /
ويرويه أيضاً معمر عن صاحبٍ له/
وعثمان بن عطاء الخراساني عن ابيه/
*ثلاثتهم (ابن واسع وعطاء والشيخ المجهول) : أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان ... مرسلاً
(2) وخالفهم:
- صالح المري عن الجريري عن ابي عثمان النهدي/ - وسلام بن مسكين عن أبي عبد الحميد/
قالا: كتب سلمان إلى أبي الدرداء
(3) ورواه عقبة الاصم عن قتادة عن رجل/
وليث بن ابي سليم عن بعض مشايخه/
= عن ابي الدرداء مرفوعاً
(4) ورواه آدم بن أبي اياس عن أبي داود الواسطي عن أبي علي عن كعب (الحبْر) قوله
وهذا إسنادٌ مجهول
وكُلُّ هذه الطُّرُق شديدة الضَّعف إلا طريق محمد بن واسع فهو = أصحُّها (أصحُّ الضَّعيف)
فلا يصح هذا، والله أعلم
ومحمد بن واسع صدوق ثقة من عباد الله الصَّالحين وليس من أصحاب الحديث، وقد بُلِي برواة ضُعفاء كما قال الدارقطني [سؤالات البرقاني 463] فكثيراً ما تأتي النَّكارة في حديثه من جهتهم لا منه، وهو كما قال علي بن المديني: ((سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار، ومحمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان فقال: "ما رأيتُ الصَّالحين في شيئ أكذب منهم في الحديث، لأنهم يكتبون عن كل من يلقون، لا تمييز لهم فيه" )) [شرح العلل 395/1]
[حديثٌ آخر]
وروى الإمام أحمد [الزُّهد ص630 ح:2279] وابن معين [كما في الجزء الثاني من الفوائد عنه ص 252 ح:199] والبيهقي من طريق عبد الملك بن مروان البصريّ [الشُّعب 4/383 ح:2695]
ثلاثتهم عن الحجَّاج بن محمد /
وأبو نعيم [الحلية 5/123] من طريق داود بن رُشيد ثنا أبو حَيْوَة /
والسَّمعاني [أدب الاملاء ص44] من طريق هشام بن عمار (وفي الاسناد إليه نظر) ثنا الوليد بن مسلم وغيره/
ثلاثتهم: عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن زيد عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: ((الْمَسَاجِد مجَالِس الْكِرَام))
وخالفهم أبو مسهر [كما في نسخته التي يرويها عنه ابن الرواس ح:13] و[الجامع للخطيب 2/60] ...
فرواه عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال أبو إدريس ... به
وأبو مسهر أثبتهم وأوثقهم وهو راوية سعيد وألزمهم له فقوله أشبه بالصَّواب
هذا ما وقفتُ عليه من طرق لهذا الحديث، والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .