-
فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
(1) أولادُنا والأوامر.
أسماء محمد لبيب
بعون الله؛ ابدأ -أنا الأمة الفقيرة إلى عونه سبحانه- سلسلةً تُعنَى بتربية أطفال المسلمين؛ بنين و بنات، تلك البراعم الغضة الطرية، والقلوب النقية، والصفحات البيضاء.
هى سلسلةٌ تتخذ سبيلًا إلى صناعة أجيال النصر المرجوِّ، في مصانع رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ بنين وبنات، ليلحقوا بركب المجاهدين، حَمَلةِ أمانةِ الإسلام بحقها، ما أن يشبُّوا عن طوق كَنَفِنَا؛ ويبلغوا الحُلُمَ، فيعيدوا للأمة مجدًا، بعد تيه في غيابت الضلال والميوعة، وسنن أصحاب الأهواء، مستعينةً بمدبرِ الأمرِ؛ مفصلِ الآياتِ؛ ملهمِ الرشدِ عز وجلَّ، في تناول تفصيلات الحياة اليومية، والمواضيع الدورية؛ التي تَعْرِضٌ لنا مع أبنائنا.
لعل غرسي القليلُ ينبت أشجارًا طيبةً، بأصل ثابت، وأفرعِ في السماء، ذوات أفنانٍ رحيبةٍ، يستظل بها كلُّ باحث عن الهدى، والطيبات، والله من وراء القصد، وهو حسبي، وحولي، واعتصامي
موضوع رقم واحد: أولادُنا والأوامر.
دائمًا وأبدًا، نجد أن الأمثلة العملية الواقعية هى أكبر دعاية لأى نظرية فى الحياة، ولذلك.. أسرد لكم فى أول مقال بقلمي بين أيديكم، مجموعة من المواقف والخبرات الحقيقية؛ التي مارسناها مع فلذات أكبادنا، أنا وزوجي حفظه الله، وجعله لي خير معين، يشتد به أزري.
هم ثلاثة من الصبية؛ متفاوتة أعمارهم، هداهم الله بهدي الإسلام، وأنبتهم نباتًا نفرح بثمره يوم الجزاء، آمين.
نتكلم فى هذا المقال عن شريحة عمرية ما بين الأربع سنوات، والعشر سنوات، تزيد أو تنقص تبعًا للفروق الفردية بين الأطفال، ولكن قبل سرد المواقف، لا بد من التأكيد على معنى هام، ألا وهو:
من أنجح الوسائل في سياسة أي نفس بشرية لدفعها لفعل أمر ما، والثباتِ عليه، لا سيما الأطفال؛ هي خَلْقُ الحافزِ الداخلي، الدافعِ لفعلِ هذا الأمرِ طوعًا لا كرهًا، بحيث إذا ما اختفى الأشخاص المحيطون بالشخص والداعون للأمر، بقي هذا الشخص ثابتًا راسخًا في أفعاله، لا يتأثر بفقدهم، ولا بانزوائه بعيدًا عن نظرهم، وبهذا يتحقق ليس فقط الثبات على الصالحات، بل أيضًا تخليص النية لله تعالى، فتنحصر فقط في فعل الطاعات، وترك الموبقات؛ خوفًا منه فقط سبحانه، ورجاءً فيما عنده هو فقط عز وجلَّ، و ليس امتثالًا على كُرْهٍ فرارًا من إلحاح الآَمِرين والناهِين.
ولخلق هذا الحافز نستأنس بروح الشريعة الإسلامية، وما تزخر به من وسائل شرعية حكيمة لبلوغ الغايات؛ مِن شرحٍ للصالحاتِ والطالحاتِ، وتبيانِ عاقبةِ كلٍ منها في الدنيا والآخرة، ثم التنفيرِ لا ريبَ من العواقبِ السيئة، وشحذِ الرغبةِ في الفرارِ منها على الدوام، و تزيين العواقب الحسنة وتحبيبها للنفس، وشحذِ الخشيةِ من تفويتِ مغنمها كذلك.
باختصار: شريعتنا هي دعوة دؤوبة متكررة متنوعة متجددة؛ لتطهير العقول والنفوس من الأدران الفكرية، والأهواء المهلكة، من أجل إعمال الفكر المنطقىّي النَّقِيِّ في المآلات كلها، ومن ثَمَّ اتخاذ القرار السديد الذي فيه النجاة والفلاح، وهكذا سياسة الأطفال الماهرة.
اقرأوا معي إن شئتم جانبًا من آيات تحرير الإرادة بعد شرح الخيارات بوضوح:
- {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29].
- {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11].
- {قالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]
ثم آيات تبيان العواقب والتنفير من سَيِّئِها، والتحبيب في حَسَنِها:
- {مَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ} [البقرة:256].
- {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} [محمد:38].
- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].
- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].
- {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].
- {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40].
- {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
- {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22].
- {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46].
- {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54].
وفي هَدْي خير الورَى صلى الله عليه وسلم كذلكم بحرٌ واسعٌ:
- «ما بال أقوام» (صحيح الجامع؛ برقم:4692)
«يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم تركه».
«من رغب عن سنتي فليس مني» (صحيح الجامع؛ برقم: 4946).
«هم مني و أنا منهم» (فيه ضعف؛ حديث الأشعريين).
إلى آخر ما لا يُحصِى له عددًا إلا المُحْصِي عز وجل.
باختصار...
لنا في القرآن والسُنة النبوية ما يفوق مداد البحر كلمات، تؤكد على تلكم الاستراتيجية التي سنتخذها معْلَمًا رئيسيًا على الطريق، ألا وهي:
"أي بُنِىَّ: تَعَلَّمِ الخيرَ، والشرَّ، وَافْهمِ العواقبَ جيدًا، وَاخْتَرْ لنفسك، وتحمل نتيجة اختيارك، لستُ أنا من ستحاسبك، هناك رب لهذا الكون قد قال:
- {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22].
- {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [يس:17].
- {وقُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [الأنعام:66].
لن أُكْرِهَكَ على فعل الخيرات جبرًا و قهرًا، إن استقمتَ فُزْتَ، وإن اعوججتَ هَلَكْتَ، كله لك أو عليك أنت وحدك، و لكن فقط؛ طالما أني لا زلت راعيةً لك مسؤولةً عنك أمام الله يوم الحساب إذ أنك لا زلت تحت جناحي، فلن أُمَكنك من فعل المنكرات باستخدام النعم التي أنعم الله بها علىَّ، بل أمنعك منها، ليس تحكمًا فيك، و إنما حرصًا مني على ميزاني أنا عند رب الموازين القسط رب العالمين، ويوم أن تملكَ أنت زمامَها بيديك وحدك يا بني تَتَحَمَّل الأمرَ وحدك؛ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95].
ولا يمنع هذا إطلاقًا من الحزم في مواطن الحزم، والعقاب حسب الحاجة من آن لآخر، من باب التنويع في وسائل الزجر والردع.
والهجرُ عقابٌ، والحرمانُ من المتع المحببة عقابٌ، وعدم الدعاء له عقابٌ.
لكن نتجنب الضرب والإهانة، والإفراط في التقريع والسخرية والتبكيت والدعاء عليه كوسائل للعقاب، ففي غيرها من الوسائل لمندوحة عنها بإذن الله.
والتكرار لا بد منه لجني الثمار، مع تبتل وتوسل إلى الله كل حين بهدايتهم، واعتقاد تام أنه سبحانه هو الهادي، ولستِ أنتِ بكلامكِ، ولا أفعالكِ، بل كل النتائج مرهونة بمشيئة مَن بيده الأمر كله سبحانه، وإنما هي أسباب قد تصيبُ الهدفَ، وقد تُخْطِئُهُ، وإنما الأجر على قدر المشقة، وفي النهاية؛ وكما قال الإمام ابن القيم: "وإن من الذنوب ما لا يكفره إلا الهَمَّ بالأولاد".
أترككم الآن مع بعض تلك المواقف الواقعية التي تكلمتُ عنها فى أول المقال:
* حين يتشاجر أبناؤك -كالعادة بالطبع-:
قولي لهم: "من هو البطل القوي الذي سيطرد الشيطان، ذاك الخبيث الذي يهوى الوقيعة بين المسلمين؟ من سيطرده من الغرفة شر طردة؟".
أو قولي أحيانًا أخرى: "أعوذووو .....؟" واتركيهم يكملوها بأنفسهم؛ "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، سيتسابقون على الأولى والثانية، ومن يسبق كافئيه؛ بضمة حانية، أو قبلة بين عينيه، أو دعاء جميل، أو أي حلوى يحبها، وإن فعلوها كلهم في نفس الوقت كافئيهم جميعًا بنفس القدر.
أما من يرفض؛ ويُؤْثِرُ الصمتَ، والمراقبةَ الماكرة، أو يعلنها صريحةً أنه لن يستعيذ، فقولي له: "كما تشاء يا بنىّ، فلتظلّ هكذا مصاحبًا للشيطان، ودعه يرتع بين أذنيك بالوسوسات الخبيثات حتى يجرك معه إلى النار كما يخطط و يريد".
بالتكرار مرة تلو مرة، أنتِ بذلك تحفزين ابنك؛ لتفريغ طاقة عداوته، وغضبه حين يغضب، نحو عدوه الحقيقي، وليس نحو إخوته، أو إخوانه في الإسلام بأي حال.
* حين يقوم الأخوان أو الأختان بتسميع القرآن لبعضهما البعض:
لانشغالك بأمر ما لن يفعله سواكِ مثلًا، ثم تجدينهما، وقد تعاركا، وبدأ الصياح، والتراشق بالغضب بينهما، وتعلمين أن ابنك الذي يستمع للتسميع هو المخطئ بالفعل، قولي له: "توقف! لا أريدك أن تكمل، هاتِ المصحف، أنا من سأساعد أخاك في التسميع كي أفوز بمساعدة الله وعونه لي، وأغْنَمُ أنا جبالَ الحسنات وحدي، كل حرف بعشر حسنات، لن أتركها لك"، رد فعل ابنك وقتها غالبًا سيكون كالتالي: "أفف! لا عليكِ أمي، سأكمل وأمري لله، أففف"، قطعًا لا تتركي الأمر ينتهي عند هذا الحد، أردفي القول: "بالطبع لا يا بني، من يتصدق بالصالحات ثم يؤذي الناس، ويمنُّ عليهم بها يُبْطِلُ صدقَتَهُ تمامًا كمن مرَّ عليها بممحاةٍ، فالله قال: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ} [البقرة:264]، أثقُ بأن ابنكِ سيهدأ، ويتأهب لمنع انفلات حسناته من بين يديه.
* إذا بكى ابنك أحيانًا أثناء تسميع سورة معينة صَعُبَ عليه حِفْظُها، فتجدينه وقد انتفخت أوداجه من الغيظ كمدًا من احتمال إعادة مراجعتها ثانية لتثبيتها أكثر، مما لا شك سيؤثر سلبًا على وقت اللعب الثمين، فلتأخذي منه المصحف بهدوء تام، وأنت تقولين: "لا لا لا بني، علامَ البكاء؟! هذا كلام الله حبيب القلوب، أغلق المصحف، واترك القرآن لأهل القرآن، أهلِ الله وخاصتِه، أنتَ لا تقوى على حملِه، ولله أهلٌ اصطفاهم لحمل كلامه في الصدور بدلًا منك"، سينزوي ابنك في مكانه خجلًا، و يتحفز للدفاع عن مكانه وسط أهل القرآن.
* إذا كذب ابنك، تَصَنَّعِى الاشمئزازَ والنفورَ، وقولي بتأففٍ: "أففف! ابتعد عني بسرعة"، سيسأل بالطبع: "ماذا هنالك أمى؟!"، أجيبي: "الملائكة تبتعد عن الكاذب من نتن ما قال، ونحن والملائكة نتأذى من نفس الأشياء"، ابنك سيتأثر لا ريب، وبالتكرار ستترك أثرًا بالغًا.
* حين يقترف ابنك جُرمًا أو سيئةً ما، قولي له: "بادرْ بُنَىَّ من فورك باستغفارٍ عاجلٍ؛ كي تمحو ما اقترفتَ، قبل أن يَخُطَّها المَلَكُ على شمالك، وقبل أن ينسيك الشيطان"، فإذا استغفر ولدك فقولي له: "الحمد لله حبيبي مُحِيَتْ بإذن الله، خشيتُ أن تموت قبل أن تتوب منها"، أنتِ بذلك تزرعين في وجدانه المسارعة في التوبة، والخوف من لقاء الله في أي لحظة بمعاصٍ والعياذ بالله، بالإضافة إلى عقيدة راسخة بأن الموت لا يستأذن قبل حصد الأرواح بإذن الله.
* حين يتكاسل أبناؤك عن خدمتك أو خدمة أحد، قولى بصوت مسموع: "تُرَى من هو ذاك الفتى الطيب حبيب الحسنات الذي سيفعل لي كذا وكذا؟ و سأدعو له يدخل معي قصري في الجنة بإذن الله"، عن تجربة، سيتقاتلون على برك وقتها.
* لوأن ابنك تكاسل عن الصلاة فى المسجد، قولي له: "يا للخسارة، كنتُ أتمنى لو أنكَ ضمن ضيوف الرحمن اليوم، على كل حالٍ، سيستقبل ربُنا في بيته عز وجل ضيوفًا آخرين؛ يحبهم ويحبونه، وسيكرمهم كالعادة بِكَرَمِ الكريم، لكنك بكل أسف لن تكون حاضرًا معهم، يقول ربنا: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
* إذا لاحظتِ بوادر بخلٍ على ابنكِ وشُحٍّ بما فى حوزته، علميه أن قطعة الحلوى أو اللعبة التي سيتصدق بها على إخوانه أو المساكين، إنما هي له هو بالفعل وليست لغيره، قولي له: "أي بني، أرسل حلواك أو لعبتك تلك إلى نفسك في صندوق الكنز الخاص بك في الجنة (بإذن الله ندخلها)، ادخرها هناك يا بني، حيث لن تبلى وستبلى فى الدنيا لا محالة، هناك ستجدها أكبر كثيرًا، وطعمها أحلى كثيرًا، فمن يبخل بكل هذا فإنما يبخل به عن نفسه لا غيره، كما قال ربنا، فكن ذكيًا فَطِنًا".
* بدلًا من أن تقولي له: "صلِّ الضحى"، اسأليه: "هل تصدقت عن مفاصلك اليوم يا حبيبي؟".
* بدلًا من أن تقولي له "أخرج صدقة"، اسأليه: "أأرسلت لنفسك اليوم هدية إلى الجنة يا حبيبي (بإذن الله ندخلها)؟"، أو اسأليه: "هل أطفأت غضب الله اليوم يا بني؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "قل الأذكار"، اسأليه: "حصَّنْتَ نفسك اليوم يا حبيبي من الحسد ومن الشيطان ومن الناس؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "سبِّحِ الله مائة مرة"، اسأليه: "أأعتقت المائة رقبة اليوم يا حبيبي؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "قم فصلِّ الفرض"، قولي له: "هيا بنا نشحن البطارية"، أو "هيا بنا نكلم الرحمن"، أو "هيا بنا نلبي نداء المنادي".
* بدلًا من أن تقولي له: "اجلس واقرأ كم آية تنفعك"، قولي له: "أنا ذاهبة للجلوس مع حبيبي قليلا (القرآن)، هل ترافقني؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "اجلس في المسجد بين المغرب والعشاء"، اسأليه: "أأتممت رِباطك في سبيل الله اليوم يا حبيبي؟"
تلك بعض الأمثلة التي من السهل والله -مع الاستعانة بالله- تأصيلها كمنهج حياة يومي متكرر، نتذوق بعض ثماره في وقت قريب، ويزداد حسنه رويدًا رويدًا بالممارسة والتكرار والدعاء.
ألقاكم في مقال جديد قريبًا، ضمن هذه السلسلة، سلسلة (فن الكتابة في الصفحة البيضاء).
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
(2) أولادنا وحبُّ الصلاة
أسماء محمد لبيب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
بحول الله وقوته، تكلمنا في المقالة السابقة في ذات السلسلة عن كيفية سياسة الأطفال بشكل يجعلهم يندفعون طوعًا نحو الطاعات والفضائل دون إكراه..، وبدأنا الكلام في أول مقالة عن أولادنا والأوامر، تكلمنا فيها بشكل عام عن نماذج عملية تطبيقية لتطويع قلوب وجوارح أبنائنا لكل جميل في الحياة..
واليوم نستكمل بحول الله وقوته ذلك، ونُثَنِّي بموضوع هو ذروة سنام أمور المسلم ألا وهو "الصلاة"، كيف أجعل الصلاة قرة عين أبنائي؟ الإجابة في (أولا وثانيًا وثالثًا ورابعًا وخامسًا وأخيرًا).
- يغلب عليّ في كلامي أنه موجه للأمهات التي لديها أبناء ذكور، بحكم أن الأم هي غالبًا من تقضي معظم الوقت مع الأبناء، وبحكم أن أبنائي الثلاثة ذكور، لكن هذا لا يمنع أبدًا أن الكلام موجه ضمنيًا كذلك للوالد، فالتربية مشاركة، ولم أكن لأتمكن بعد فضل الله من أي إنجاز معهم بدون مشاركة والدهم بارك الله لنا فيه.. وهذا لا يمنع أيضًا أن الكلام موجه للبنات، باستثناء الكلام عن الصلاة في المسجد.
أولا: صلاتك أنت أيها المربي الفاضل.
لا بد أن تكون من المصلين، هذا فحسب؟!
لا، بل لا بد لصلاتك أن تكون بالهيئة التي ترغب أنت أن ترى أبناءك يؤدونها..
فإن كنتِ أيتها الأم الفاضلة تريدين أن يقف ابنك بخشوع وضراعة في صلاته، فلتقفي أنتِ أولا بخشوع وضراعة، وإن كنتَ تريد أيها الوالد من ابنك في صلاته ألا ينقر الأرض نقرًا، فلا تنقرها أنتَ أولًا، -أجل هكذا هي حياة من ينجب أطفالًا-، أنت مُرَاقَبٌ دومًا لا محالة، فانتبه وكن قدوة حسنة. فأبناؤك مرآة أفعالك لا ريب.
ثانيا: عندما تتأهبون للصلاة.
- ناد على ابنك بجمل تحرك القلوب وتأسرها في شِباكِ حُبِّ الصلاة، لا مجرد نداء جاف لا موعظة فيه: "هيا قم وصلِّ!"، سأفرد مجالاً واسعًا الآن لبعض تلك النماذج من الجمل، والتنوع بينها مطلوب لا شك لأن القلوب تمل، وكل أم تختار حسب استيعاب أبنائها سواء عقلًا أو سنًّا، فالأمر مَرَدُّه للفروق الفردية، وتكرار المعاني وتنويعها يبرمج عقول الأطفال بعون الله..
* بنيّ هَلُمَّ بنا نكلم الله (1)، * بنيّ هيا لنرتاح قليلاً بين يدي ربنا حبيب القلوب، * هيا نسكب ذنوبنا أولاً ونتخلص منها مع ماء الوضوء في (الحَوْض) كي نصير "فُل الفُل بإذن الله" أمام ملك الملوك قبل الصلاة * هل تعلم يا حبيبي أن رجال السلف الصالح كان أحدهم يتصبب عرقًا ويرتجف وهو مقبل على الصلاة، فيسألونه ما بك يا فلان؟! فيقول: "أتدرون بين يديّ من سأقف الآن؟!"
* انتبه حبيبي وركز جيدًا: هل تدري أين نحن داخلون الآن؟ نحن داخلون إلى منطقة (حرام)، أي ممنوع فيها الأكل والشرب والضحك والكلام إلا الذكر، سنقف بين يدي الله الآن، ما أن ننطق جهرًا تكبيرة الإحرام "الله كبر" وندفع الهواء بأيدينا، خلف آذنينا تخيل نفسك أنك بذلك تدفع الدنيا كلها وراء ظهرك، ثبّت بصرك على مكان السجود.. لا تلتفت يمينًا ويسارًا يا حبيبي كي لا ينصرف الله عنك (2).
* تخيل نفسك يا بني أنك تصلي أمام الكعبة مباشرة قبلة المسلمين، والله ناظر إليك، والجنة عن يمينك تتزين للمؤمنين.. وأنت واقف على الصراط الدقيق الآن تصلي وأسفل منك جهنم تكاد تميز من الغيظ، وخلفك ملك الموت ينتظر فراغك من الصلاة ليقبض روحك، والرسول صلى الله عليه وسلم يرقب صلاتك.. تخيل يا حبيبي أنها آخر صلاة لك في الدنيا، وعندما تنتهي فلتظل قلقًا وجلًا خائفًا متسائلًا "أتُراها صلاتي قُبِلَتْ أم لا؟".
* بني يا حبة الفؤاد هل تعلم ماذا تعني "الله أكبر"، تعني أن ما من شيء أقوى من الله، ولا أرحم ولا ألطف ولا أعظم ولا أوسع ولا أجود ولا أقدس ولا أعز ولا أعلم ولا أحكم ولا أعدل ولا أعلى منه سبحانه، ولا أشد منه جبروتًا وانتقامًا وبطشًا وقهرًا ونفعًا.. إلخ، فكل شيء هو سبحانه الأكبر فيه -كل شيء مما ثبت في حق ذاته عز وجل في السنة الصحيحة من أسماء-.
* حبيبي، لا تكثر الحركة في صلاتك بلا سبب، ألا تعلم ماذا قال سيدنا عمر عن الذي (يفرك) كثيرًا في صلاته؟ قال عنه: "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه"، فاحذر يا بني، إلى آخر الأمثلة الممكن إيرادها في هذا الباب والتي تحتاج لسجلات طويلة لا تتسع لها مقالة واحدة.. فأبدعي أيتها الأم وأيها الوالد بالمزيد بالاستعانة بأحاديث الصلاة وأحوال السلف فيها.
- إذا كنتم متأخرين عن الصلاة بعد الأذان: العصر على سبيل المثال- فلا تقولي لابنك: "هيا بنا سريعًا بنيّ لندرك الصلاة! فقد بقي من الوقت ربع ساعة فقط على أذان المغرب!"، بل قولي: "هيا بنا سريعًا يا بني لندرك الصلاة! لقد تأخرنا عن النداء جدًا! أرأيت كم مرَّ من الوقت على الأذان! أهكذا نضيع أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها"، الغرض من هذا هو أن تكون همته دائمًا منصبة حول "أنا متأخر أد إيه" لإحياء إحساسه بالتقصير على الدوام، ولا يكون هدفه دائمًا، "لسة قدامي وقت وفرصة أد إيه" فيركن دومًا إلى التسويف، -وبالطبع تتبعين كلامك بجملة ذكرني أن نستغفر كثيرًا أو نخرج صدقة بعد الصلاة لنمسح هذا التأخير بإذن الله-.
- لازلنا في التهيئة للصلاة: قفي أمام المرآة بجوار ابنكِ واضبطي إسدال الصلاة كما ستضبطينه لو قيل لكِ: "هيا نلتقط صورة تذكارية معًا"، وشميه جيدًا لتتفقدي نظافته، واجعلي ابنك يشم ملابسه ويتفقد نظافتها بنفسه ليعتاد على ذلك، وتعطروا بعطر مناسب للجنسين (فواكه مثلاً أو عود أو مسك) (3)، وفي يدك السواك وفي يده كذلك سواكه، وعلميه أن يقشره بنفسه مرة يوميًا، لا تقلقي سيتعلم بسهولة إن شاء الله، أو قشريه له بنفسك مرة يوميًا..
- أطفئوا أي مصدر للإزعاج وابتعدوا عن أي ملهيات، هيئوا أنفسكم للقاء الجبار الرحيم العظيم، أفهمي ولدك هذا الأمر كل مرة..
- قولي له لتعلميه تسوية الصف: "ما رأيك أن نصطف كما تصطف الملائكة؟ فلنغلق الفتحات والفرجات حتى لا تدخل الشياطين لتوسوس وتسرق من صلاتنا" (9).
- أفهميه أن أي شيء يخطر بباله ويقلق لأجله أثناء الصلاة ويصاب بالهم خوفًا على فواته، إنما هو بيد من يقف يصلي أمامه الآن، فليتوكل عليه سبحانه وليخشع، وليفرغ قلبه تمامًا من أي هم ولو بسيط: "الكرتون الذي تخشى فواته يا بني فإن الله هو من رزقك إياه، قد تهرول في صلاتك وتختلسها اختلاسًا لتلحق به ثم تجد النور قد انقطع أو الحاسوب قد تعطل!
الهاتف الذي يرن وتخشى أن يتوقف قبل أن تنهي صلاتك إنما الله هو من جعل الطالب يطلبك وجعل الهاتف يرن، قد تأكل صلاتك أكلاً لتلحق به ثم تجد الهاتف قد توقف رنينه أو "رقم غلط" وقد خسرت صلاتك! اللعبة التي تخشى نفاذها من عند البائع وتخشى أن يسبقك إليها غيرك إنما هي بيد الله سبحانه الذي تقف الآن بين يديه، سيحفظها لك إن كانت من رزقك"، إلخ، نوّعي في الأمثلة حسب اهتمامات ابنك التي تقلقه أثناء الصلاة أو تجعله يكسل عنها، وأفهميه أن المرء يبتلى ويختبر فيما أحب..
- أفهميه أن وضع أيدينا بهذه الهيئة اليمين على الشمال إنما هو أدب مع الله، فليتأدب قلبه.
- أفهميه معنى التشهد وأهميته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفيه أن رسوله علمه لسيدنا عبد الله بن مسعود وهو ممسكًا كفه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وكان يعلمه إياه كأنما يعلمه السورة من القرآن وليس مجرد كلامًا عاديًا، وأسعدي قلبه بالبشرى السارة: أنه عندما يقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، فقد سلم على كل العباد الصالحين في الأرض (4)، سيفرح كثيرًا بذلك ويتحمس ويتربى دومًا على روح الترابط بين المسلمين ولو غيبًا..
- علميه قصة الفاتحة، وأنها مقسومة بيننا وبين ربنا عز وجل، وأن الله يرد على كل آية منها، فلينصت وليتأدب، وليتخيل الحوار في ضراعة (5)، وأفهميه معنى المغضوب عليهم ولا الضالين، فإن فهم المعاني يساعد على الخشوع.
- علميه أن يدعو في السجود بكل ما تتوق له نفسه، فهنا في السجود مقام أقرب ما يكون العبد من ربه.. وعلميه كذلك في الركوع أن يستغفر من أخطائه وزلاته مع التسبيح بالطبع..
- قصي عليه قصة خنزب، -حرامي- الصلاة الخبيث عدو الخشوع، وعلميه ماذا يصنع إذا أتاه يلبس عليه صلاته وكيف يطرده بالخشوع، حتى يعود مفلسًا لا شيء معه مسروقًا من صلاته (8).
- عرفيه أن من آخر وصايا حبيبه صلى الله عليه وسلم له ولكل المسلمين وهو على فراش الموت يتصبب عرقًا من أثر سكرات الموت كانت الصلاة، فهل يعقل أن يضيعها مسلم!
ثالثا: تسهيل الشعائر والتحميس لها
- سهلي له الصلاة بالرُّخَص وقت الرُّخَص فيحبها أكثر وأكثر، ولا تشددي عليه بلا سند شرعي وبلا إجماع، الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، الصلاة في النعال مثلاً، لا تمنعيه عنها وتقولي "لأ دي في الشارع بس!"، والمسح على الجورب مثلاً، لا تمنعيه عنه وتقولي لأ دة في البرد بس!"، بل علميه شروطهم وموانعهم وتابعيه حتى ينضبط أمره فيها وتتأكدين أنه يمسح خمس مرات فقط بعد نقض وضوئه في غير السفر، وليس يمسح 47 مرة، كذلك لا مانع من الوضوء بالماء الدافئ أحيانًا -وليس دائمًا من باب الخشونة، كما سنتناول هذا الأمر إن شاء الله لاحقًا في مقالة "أولادنا والخشونة"-.
- اسمحي له أن يصلي في المكان الذي يحبه من البيت، لا داعي لتحكمات لا مبرر لها تورث النفور من الأمر لا شك.. اجعليه يختار معكِ السور التي يحب أن يسمعها منكِ في الصلاة الجهرية -تنويه: عندما أتكلم عن صلاته معك في البيت، أقصد في مرحلة ما قبل تعويده الصلاة في المسجد، على سبيل المثال حتى سن 7 سنوات.. أو أقصد أيضًا حالات من هم أكبر من ذلك، لكن الوالد غائب عن البيت فترات معينة فلا أحد يأخذه للمسجد ليصلي-.
- شجعيه على صلاة الجماعة التي في البيت بأن تقولي له دومًا إذا كسل عنها: "معقول! أيوجد مسلم عاقل يخيروه بين أن تُكتَبَ صلاته مرة واحدة أم 27 مرة، فيختار بنفسه وبإرادته الحرة أن تُكتَبَ مرة واحدة فقط! هيا هيا يا رجل استعذ وقم إلى جواري نصلي".
- وشجعيه على صلاة الجماعة في المسجد بأن تقولي له: "حبيبي إياك أن تفوتك ضيافة الرحمن لأحبائه في بيته عز وجل، لن تجد في كرمه على الإطلاق" -كما تحدثنا في المقالة الأولى "أولادنا والأوامر"-، وأفهميه الحقائق الشرعية بلا تدليس –عذرًا- فلا تقومي بليِّ عنق النصوص أو بإخفاء خلافٍ معتبرٍ في مسألة ما لتتحكمي فيه وترغمينه على اتباع أوامرك، سيعلم الحقيقة لاحقًا ويفقد الثقة بك، أفهميه أن حكم الصلاة في المساجد فيه خلاف معتبر بين العلماء، لكن المسلم الحق متبع لكل السنن النبوية بغض النظر عن حكمها أو التشديد في أمرها..
قولي له على سبيل المثال أن المسلم يكفيه فقط أن يعرف أن ترك الرجال للصلاة في المسجد أمر يحزن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ويغضبه، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يود أن تقام الصلاة في مرة ثم يترك أحدًا مكانه في الصلاة ويذهب بنفسه ليحرق بيوت تاركي صلاة المسجد على ساكنيها، وأن المسلم الحق يكفيه فقط أن يعرف أن الناس كلها يوم القيامة خارج ظل عرش الملك عز وجل إلا سبع أصناف من البشر، من بينهم رجل قلبه معلق بالمساجد، أفهميه أن تلك الكلمات فقط كافية جدًا عند المسلم راسخ الإيمان.. -إن شاء الله في مقالة مستقلة نفرد مساحة أكبر لتجربتي أنا وزوجي مع أولادنا فيما يخص الصلاة في المسجد-.
رابعًا: داخل الصلاة.
- أتمي حركات الصلاة، أتمي القيام والركوع والسجود، واطمئني في صلاتك، «..حتى تطمئن..» (صحيح البخاري:6251)، كما جاء في الحديث.
- في الاستغفار والتسبيح أثناء الركوع، تعمدي تعلية صوتك بقدر يسير جدًا -همس مسموع لا أكثر- (6)، وحققي الحروف ببطء وسكينة حتى يتعلم ابنك عمليًا الخشوع..
- كذلك في السجود حتى يسمعك تحققين حروف التسبيح براحة ويشعر بالسكينة منبعثة من حركاتك وكلماتك، ويسمعك تهمسين بدعاء طيب، حبذا لو كان دعاء للآخرة لا الدنيا، فيتعلم منك عمليًا حمل هم الآخرة على الدوام، ولا مانع أن يسمعك في مرة تخصينه بدعوة طيبة في سجودك، على سبيل المثال: "اللهم إني أحب ابني فأحبه"، أو "اللهم ارزق ابني كل ما يتمنى من خيرات"، أو "اللهم اهد ابني ووفقه لحفظ كتابك"، إلخ.
لكن قطعًا إذا قال لك بعد الصلاة: "أماه لقد سمعتُك وأنت تدعين لي بكذا وكذا" فيجب أن تتصنعي البراءة وقتها وتقولين له على الفور: "حقا سمعتني!؟ أنا أعتذر منك بني، في المرة القادمة سأخفض صوتي أكثر لأن المصلي لا ينبغي أن يشوش على صلاة من يقف إلى جواره"، وتكون مجرد فترة تعليمية مؤقتة فقط وطريقة تضاعفين بها خشوعك أنت أيضًا إن شاء الله -عن تجربة-.
- وأفهميه أنه كلما أطال الركوع والسجود، كلما تساقطت عن عاتقه الذنوب، فإن كان قد بقي شيء من ذنوبه بعد الوضوء، فالركوع والسجود محطة ثانية يتخلص فيها تمامًا من البقية، لذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن: «الصلوات الخمس كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (السلسلة الصحيحة:1920)، في الحديث الصحيح: «إن العبد إذا قام للصلاة أُتِيَ بذنوبه كلها على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه».
- حققي الهيئة النبوية للصلاة تمامًا، «صلوا كما رأيتموني أصلي» (صحيح الجامع:893)، -اشتروا كتيب محقق صغير عن هيئة صلاة النبي واقرأوه سويًا-.
خامسا: بعد الصلاة.
- ابتسمي ابتسامة رضا وسعادة وانشراح كبير بعد الصلاة وأنتِ لا زلتِ جالسة على الأرض في مصلاكم، وقولي: "الله على الجمال والراحة والسكينة، قلبي سعيد ومغتبط جدًا، النبي صلى الله عليه وسلم كان محقًا إذ قال أن الصلاة قرة عينه"، سيتبرمج عقله تدريجيًا بالتكرار إن شاء الله، وأنتِ كذلك..
- امكثي قليلاً على سجادتك قبل المغادرة –ولو حتى فريضة واحدة في اليوم في وقت ليس بذروة- ثم سبحي وادعي ويؤمن على دعائك، واتركيه مرة يدعو هو وتؤمنين على دعائه..
- صممي جدول أسبوعي بمواقيت الصلاة بالساعة بالضبط، وارسمي خمس خانات أمام كل فريضة..
(مثلاً: 1- النظافة والطهارة، 2- الصلاة على وقتها، 3- إتمام الحركات، 4- عدم الحركة كثيرًا، 5- سنن الصلاة قبلها وفيها وبعدها)، وكل خانة في أولئك الخمسة تأخذ نجمة لاصقة -ستيكر- ملونة بلون مختلف عن الخانات الأخرى في كل فريضة -اشتري نجوما بخمسة ألوان-، وهكذا تفعلين مع كل صلاة في اليوم والليلة لمدة أسبوع، ثم تقومون بعدّ النجوم في نهاية الأسبوع، ويرى بنفسه أكثر لون ظاهر وواضح في الجدول وأكثر لون نادر -ارتباط ذهني بالصورة هام ومفيد-.
ويظل هذا الجدول معلقًا بجوار الجدول الجديد للأسبوع الجديد، حتى يكون حافزًا له على التحسن أكثر في الألوان النادرة، وعليكي تنبيهه والتأكيد عليه دومًا أنه سيرى في صحيفته التي سيحملها بيده يوم الحساب جدولاً مشابها لهذا الجدول -حتى يتعلم الإخلاص عند إحصاء نجومه الجميلة-.
- في حالة أنه قد صلى وحده وكسل عن صلاة الجماعة، ووجدتيه يختلس صلاته ويسرع فيها ولا يتم حركاتها، أجلسيه إلى جوارك برفق ولين وقولي له: "أي بنيْ! هل تعلم ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتك؟ قال عنها "نقر كنقر الغراب"، -وارسمي علامات امتعاض على وجهك أنفةً من هذا التشبيه، ثم أكملي-، هل تدري ماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع من صلى مثل صلاتك تلك؟ النبي جعل الرجل يعيد صلاته أكثر من مرة حتى أقامها صحيحة، ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ، لكن حاولي عدم تكرار هذا الأمر كثيرا لأن ابنكِ بالفعل لا زال في مرحلة التعليم لا التكليف، ولا نريد أن يصيبه الإحباط واليأس، حاولي أن تغضي الطرف أحيانًا كثيرة بعد التوجيه، كما لو كنتِ لا تبصرين، العبرة -كما قلنا في المقالة الأولى- بالدعاء والصبر والتكرار والرحمة.
وأخيرًا: وبشكل نمطي متكرر، وبمناسبة وبدون مناسبة:
- علميه أن أول ما سيحاسب عليه هو الصلاة، إن فسدت فسد باقي عمله ولا ينظر فيه (7).
وعلميه أن السنن الرواتب لأجل ذاته لا أحد سواه، فما ينقص من صلاته ينجبر بها برحمة الله وفضله، ومن منا كملت صلاته!
- علميه أنها عمود الخيمة ووتدها، أحضري له (ملاية) وضعي تحتها عصا منصوبة، ثم انزعي العصا ليرى بأم عينه كيف ينهار البناء بلا وتد، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وفي كل حين يضيع الصلاة ذكريه بجملة واحدة "أنت هكذا تهدُّ الخيمة كلها فوق رأسك يا مؤمن".
- علميه أن ديننا جعل الصلاة حلاً لكل المشاكل..
عندنا طلب وحاجة، هناك صلاة للحاجة.
عندنا حيرة كبيرة من أمر ما ولا نستطيع أن نحسمه أو نريد أن نطمئن لاختيارنا هناك صلاة الاستخارة.
في بلدنا كسوف ٌللشمس مقلق هناك صلاة الكسوف.
عندنا صدقات كثيرة نريد أن نؤدي حقها ولا نملك نقودًا هناك صلاة الضحى نتصدق بها عن كل مفصل في جسدنا يوميًا، في بلدنا جفاف وقحط والماء شحيح هناك صلاة الاستسقاء.
عندنا قلب متعب مرهق خائر القوى يشكو الران هناك صلاة القيام تريح الروح وتصفي النفس وتغسل القلوب.
- اجعليه يشعر بكل الفخر أن ديننا هو الدين الوحيد الذي يتصل فيه المسلمون بخالقهم خمس مرات في اليوم والليلة، ومن استزاد من السنن استزاد من النعيم، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه..
وصدق من قال: "عجبتُ لمن يبحث عن السعادة ولديه خمس صلوات في اليوم والليلة"!
ـــــــــــــــ ــــــــــ
الهوامش:
(1) ليس بحديث ولكن قول للحسن البصري: "من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرءان -على اعتبار انه كلام الله- و من أراد أن يكلمه الله فعليه بالصلاة -على اعتبار الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قال الله حمدني عبدي..» ألخ.
(2) من حديث حسن.
(3) لا يهم كون العطر بكحول أو غير، لأن الخلاف قائم حول نجاسة الكحول عينًا، فالبعض يراه عين نجسة فى ذاته فلا بد من تطهير الثوب منه والجسد عند الصلاة، والبعض لا يراه عينًا نجسة وبالتالي لا يبطل الصلاة.
(4) روى البخاري ومسلم وابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، -فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»".
(5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وفي رواية: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي» (رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة) والآيات: [الفاتحة:2-7].
(6) {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء من الآية:110].
(7) ورد في الحديث الصحيح: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك»، ومن معانى الحديث أن تارك الصلاة لا يقبل منه أي عمل صالح حيث جاء في إحدى روايات الحديث: «فإن قبلت منه قبل سائر عمله، وإن ردت عليه رد سائر عمله»، وقد ذكر هذه الرواية الألباني في الصحيحة: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله» (من المجلد 1-3 موسوعة الدرر، (2/240) برقم:1859، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (1358).
(8) خنزب هو اسم شيطان خبيث عدو الخشوع في الصلاة، جاء فى الحديث الذي رواه مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثًا»، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني".
(9) في الحديث الذي صححه الألباني: «أقيموا الصفوف، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل -الفتحات-، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات -فتحات- للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله»، وفي حديث مسلم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: "يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول -بضم الهمزة جمع الأول بفتح الهمزة-، ويتراصون في الصف»".
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أولادنا والهوية العربية والتعليم بالعربية (حوار شيق)(3)
أسماء محمد لبيب
كثيرات يسألنني سؤالا متكررا: هل أدخل أولادي في المدرسة قسم لغات أم قسم عربي؟
وأجيب في شكل حوار شيق بإذن الله وهادئ بيني وبينك أخيتي على هيئة سين وجيم، أفند فيهم كل الجوانب بعون من الله، وما كان من نقص فأسأل الله أن يجبره.
لكن قبل بدء هذا الحوار، مقدمة قصيرة لابد منها، بمثابة وضع النقاط فوق الأحرف..
بالنسبة لي شخصيا وللكثيرين، الموضوع لا نراه أمرا هينا بسيطا وإنما هو من الأمور العظام، فهو أمر متصل مباشرة بالهوية الإسلامية والعربية، وعنوان فرعي كبير منبثق عن عنوان رئيسي عريض اسمه "الغزو الفكري على المسلمين"... ألهذه الدرجة!!؟؟ أجل... والهروب من تلك الحقيقة أو الإنكار لن يفيد في شيئ.. وصدقا أنا لا أضخم صغيرا ولا أهول هينا، هذا هو حجم الأمر.. وسأسوق على ذلك أدلة معلومة بالضرورة لكل مسلم واع.. فلننتبه..
بمنتهى البساطة: جملة "إن تعريب المناهج هو من أصل هويتنا العربية والإسلامية" ليست قولا نشازا بل شيئ بدهي.. وهذا ليس كلامي أو رأيي الشخصي، بل كلام علماء وأساتذة قد سجلوه في كتب علمية وأبحاث كثيرة جدا لا يتسع المجال لجمعها هنا، ولكن أذكر منها فقط ما جاء في كلام الأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح-عميد كلية أصول الدين بالزقازيق سابقا، في كتابه الرائع "الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام"، والذي يتكلم فيه عن أساليب الغزو الفكري التي استبدلها الغرب بدلا من الغزو العسكري المباشر ومنها التبشير، والاستشراق، النعرات القومية، الفتن الطائفية، القضاء على الخلافة الإسلامية، التدخل فى نظم الحكم فى العالم الإسلامى، التدخل فى مناهج التعليم، تهميش الإسلام، هدم الأسرة المسلمة، وقف المد البشرى الإسلامى، تكوين الفرق الهدامة، تهميش الأزهر وإفساده، أسلوب المنح و القروض...إلخ
فمن كلام عالِمنا الدكتور سعد آخذكم في جولة سريعة داخل هذين العنوانين فقط "التدخل في مناهج التعليم وتهميش الإسلام"، أضعها بين أيديكم في الهوامش في آخر المقالة.. ولن أقول لكم أن "عدم دراسة المناهج باللغة العربية" خطأ، لكن لا ينكر أحد –رجاءً- أن من وراء تغيير مناهج التعليم ومنع تدريس العلوم المختلفة بالعربية هم الغرب أعداء الإسلام، وأن هذا تبديل للأصل.. نعم الأصل.. فقط لا ننكر هذا رجاءً رجاءً.. لابد أن تعرف أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنها كلما ابتعدتْ عن هذا الأصل فإن الذي وراء بُعدِها والانحراف المنهجي هذا هم أعداؤها.. ولا يخفى على أحد السبب من وراء تلك السياسات الغربية بالتأكيد، فالغرب لا يحبنا في الله بالطبع! فمن تلك الجولة السريعة من كلامه القيم ستتبينون مدى اقتران "تهميش اللغة العربية" دوما بـ "تقليص المناهج الإسلامية" في التعليم لغرض معروف طبعا: طمس الهوية.. وأترك لكم الحكم بعدها ما إن كانا متلازمين لا ينفكان أم لا، و كيف أن أعداءنا على دراية واسعة بمواطن العزة للمسلمين ونتركهم بكل بساطة يمرغوا بها أنوفنا في التراب، وكيف أنهم يعلمون تمام المعرفة أين يصيبونا في مقتل بكل أسف.. (انظر الهامش رقم1)
والآن يحين دور حوارنا الشيق بإذن الله.. وهو مساعدة مني لكل أسرة لازال أمامها فرصة الاختيار أو إمكانية لتغيير اختيارها، أما الأسرة التي قد قطعت شوطا بالفعل في التعليم الأجنبي وتخشى أن تتقهقر حالة أبنائها التعليمية والنفسية والاجتماعية إن هي قامت بنقله فجأة للتعليم بالعربي وترتبك حياتهم بشدة، أو تلك الأسر التي تعيش في الغربة والخيارات التعليمية المتاحة أمامها بالفعل محدودة وتحصرها في الخيار الأجنبي، فأولئك جميعا لست أوجه إليهم كلامي ذاك..
...نبدأ الحوار...
س1: ما رأيك يا أسماء، هل أدخل أبنائي مدارس عربي أم مدارس لغات؟
ج: أدخليهم مدارس لغات قسم عربي حبيبتي، أومدارس عربي مباشرة إن كنتِ لا تقدرين على مصاريف المدارس اللغات..
س2: ماذا؟! واللغة؟! اللغة لن تتقوى هكذا أبدا يا أسماء!
ج: من قال هذا حبيبتي؟! بلى.. ستتقوى إن شاء الله لأنه سيكون في قسم العربي بالفعل، أي قوة بعد هذه تريدين؟
س3: لا لا.. أنا أقصد تقوية اللغة أي اللغة الأجنبية.
ج: ألا يأتي هذا بعدما يقوّي لغته الأم أولا حبيبتي؟! هل هو قوي في العربية حتى يقوي غيرها ؟!
س4: يا أسماء ابني حين أدخله المدارس اللغات قسم إنجليزي سيأخذ عربي وإنجليزي وبالتالي يتقوى في كليهما معا، لكن في القسم العربي لن يأخذ إلا العربي فقط. أليس كذلك؟
ج: لا حبيبتي هذا الكلام غير صحيح.. التلاميذ في المدارس اللغات يدرسون مادة الإنجليزية شاؤوا أم أبوا، هذا أمر تابع للحكومة لا يلغى إلا بسياسة عامة في الدولة على كل المدارس، والواقع أن كل المدارس بها مادة الإنجليزية، سواء مدارس عربي أو لغات.. لكن الفرق هو أنه في قسم العربي يأخذ العلوم والكمبيوتر والحساب بالعربية، لكن في قسم إنجليزي يتلقاهم بالإنجليزية. ففي كل الأحوال القسمين فيهما مادة مستقلة للإنجليزية لها كتاب من الوزارة موحَّد لكل المدراس.. بعض المدارس تقوم بتدريس كتاب إنجليزي إضافي وقصة -ستوري- للقسمين أو لقسم الإنجليزي فقط، هذا أمر إضافي تحدده كل مدرسة كما تحب، على سبيل المثال مدرستنا ظلت تعطي نفس الكتب الإنجليزية للقسمين بما في ذلك القصة، ثم حاليا صارت تعطي لقسم العربي كتاب إنجليزي إضافي بجانب الإنجليزي الوزاري مختلف وأسهل قليلا من كتاب قسم إنجليزي، نظرا لتتابع شكوى الأهالي من ثقل حمل الإنجليزية على أبنائهم وهم في الأصل قد أدخلوهم قسم العربي هروبا من الضغط العصبي الخاص بـ "وَهمِ اللغات" هذا، ليخففوا عن أبنائهم هذا الحمل الذي يرونه غير ضروري حاليا.
س5: أنا معك.. لكن بالتأكيد مستوى طالب قسم العربي مختلف في اللغات عن مستوى طالب قسم الإنجليزي. صحيح؟
ج: إن صح كلامك هذا كقاعدة عامة، ففي كل الأحوال لا ينبغي لنا أن نقلق من موضوع مستوى اللغة الأجنبية هذا لدى أبنائنا إن كان مستوى متدنيا حتى لو في كل مراحله التعليمية، لأنه بالفعل حين يكبر فإن الصعوبات التي يواجهها حاليا في فهم اللغات ستتفتت أسرع لأن الأمر بالتأكيد أيسر وأسهل استيعابه في الكبر إن شاء الله كما تقص لنا التجارب بالفعل.. فعلام نهشم رءوس أبنائنا ونقهر طفولتهم مبكرا هكذا لتعلم شيئ ثانوي ويمكن تداركه في المستقبل بمجهود أقل، ولم لا نستغل طفولته الغضة فيما هو أصلح له صحيا ونفسيا وتربويا وعلميا ودينيا بالفعل على المدى الطويل؟!
س6: ولماذا العكس لا يصلح؟ بمعنى: لماذا لا أتركه يقوي لغته العربية حين يكبر وأهتم الآن بتقوية اللغة الأجنبية استغلالا لطفولته الغضة كذلك والتي تستوعب بالفعل بشكل أكبر من سن الشباب فالنقش في الصغر كالنقش على الحجر؟!
ج: أولا: لا مانع عندي من تلقينه اللغة الأجنبية جنبا إلى جنب مع العربية إن وجدت لديه ذكاء لغويا ونَهما للغات بالفعل ولن يؤثر ذلك على أنشطته الحركية أو نفسيته أو مساحة اللعب الحيوية أو حلقات العلم وتلقينه القرءان.. ما عدا ذلك، فلتكتفي باللغة الأم مؤقتا. ثانيا: أذكري لي اسم أب أو أم قد اهتما بتقوية اللغة العربية لأبنائهم بعدما كبروا وتخرجوا ودفعوا ولو أقل القليل في دروس لغة عربية بعد ما مر ابنهم بالثانوية العامة برحمة الله وانتهى الأمر!.. بل العكس هو الأضمن، فمن يكون قد اجتاز تعليمه بالعربي حتما ولابد سنجد أهله يحثونه حثا على تقوية اللغة الأجنبية بشهادات إضافية "تويفل" وكورسات وخلافه، لكسب موضع قدم ثابتة فيما يسمى بالـ "كاريير"، لكن هذا أبدا لا يحصل مع لغتنا العربية بدورها للأسف.. مع أن اللغة العربية هي الأولوية للمسلم والله، هي التي نفهم بها القرءان والحديث والعلوم الشرعية ونفهم عن الله بسهولة ويسر بدلا منغربة الدين التي صار الناس فيها الآن وتفشي الجهل الشرعي الواسع.. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. ألا ترين حينما تنشر إحدانا على صفحتها على فيسبوك مثلا فقرة من كتابات ابن القيم أو ابن تيمية أو أحد الأئمة، كيف يفتح الناس أفواههم ومعاجمهم طلبا للفهم وكأننا نتكلم بالهندية!؟ وصرنا كي نكسب قلوب الناس بالدعوة نتكلم بالعامية في معظم الوقت لكي يفهم الناس خطابنا ويقبلون عليه، "أصل العربي بتاعهم مش قوي أوي"!!... ولازلنا نتمادى في تثبيت أركان المأساة وتكرارها مع أبنائنا يا أمة الإسلام..!
س7: لا غبار على هذا الكلام، أوافقك عىلى منطقيته، لكن هذا هو الزمن الذي نعيش فيه بالفعل واللغة الأجنبية مهمة جدا له وتعتبر من أدواته الضرورية. أقصد أن اللغة الأجنبية تفتح مجالات شغل أكبر وأكثر ولا تحصر ابني فقط في المستقبل في وظائف محددة قد تكون دون مستوى طموحه وإمكاناته الكبيرة..
ج: وأنا لم أقل بعدم تعلمها ولا أنها ليست مهمة.. كل ما أرجوه فقط هو إعطاؤها حجمها الطبيعي في حياتنا كمسلمين، و ألا نظل نلف وندور في المدار الذي رسمه لنا أعداء ديننا وغموا أعيننا إلا عنه وقالوا لنا هكذا هي حياتكم التي ينبغي أن تعيشوها وتلك أولوياتكم يا مسلمين إن كنتم تبغون التقدم والحضارة.. لا والله قد كذوبوا وخبث مقصدهم.. لماذا أنغص على طفل بريء طفولته المشردة أصلا بمناهج تعليمنا الرائع، بدعوى أني أريده حين يكبر أن تكون معه لغة ولديه مجالات وظائف أكبر!؟ هذا رزق في السماء يقطفه في حينه بالأسباب التي سيسعى لها حينها بأمر الله حين يكبر ويتطور استيعابه أكثر، هذا إذا اتضح أصلا عندما سيبحث عن وظيفة أن وظيفته تلك بحاجة لكل هذا الكم المبالغ فيه من الحشو اللغوي الذي تعرض له في مراحل تعليمه الأجنبي.. أقصّ عليكم قصة.. صديق زوجي خريج مدارس عربي حكومي، بعد الثانوية العامة والجامعة أخذ كورسات تقوية لغة أجنبية في بضعة أسابيع، ليتقدم لوظيفة في وزارة الخارجية، وسبحان الرزاق تم قبوله بسهولة، وكيف لا وقد وجدوا أن كفاءته ومهارته عمليا رائعة لا تقبل الرد بدعوى أنه خريج مدارس عربي.. فالعبرة في النهاية باتقان التطبيق العملي عند "الانترفيو" وفي الحياة وليست بعنوان المدرسة.. ومن جدّ وَجدْ.. أزيدكم من الشعر بيتا؟ زوج أخت أعرفها شخصيا من سنين –اللهم احفظه بحفظك- كان تعليمه في مدارس عربي، وبفضل الله حاليا قد وصل للعالمية بفيديوهات تعليمية تعلم فن "الكارفينج" على قناته على يوتيوب –هذا علم من علوم طب الأسنان قد تميز فيه بقوة عن سائر زملائه، يهتم بنحت الأسنان وتشكيلها- وتلك الأفلام تخطى عدد مشاهديها في آخر تحديث لها الـ 30 ألف مشاهدة حول العالم، وصار يأتيه على إثرها طلبات توظيف في دول عربية.! بل قد أنهى الماجستير والدكتوراة وينشر "بيبرز" –أوراق بحثية في مجلات عالمية أجنبية متخصصة في طب الأسنان ولا تقبل للنشر إلا الأبحاث المتقنة- ويقوم بتدريس المناهج - والتي هي بالإنجليزية والله في كل المواد!- يقوم بتدريسها للطلبة بطريقة شهد له فيها العدو قبل الحبيب بأنه يشرّبهم المعلومة كأنما يشرّب الإسفنجة بالماء.. فذاع صيته وأتته الوظائف كالمطر كذلك.. هذ ليس له إلا معنى واحد: أن هذا الشخص قد استطاع أن يهضم ويفهم جيدا الكتب الأجنبية في الجامعة باجتهاده حين كبر، رغم أنه كان تعليمه بالعربية.. إذن الأمر رزق بحت في النهاية.. وبالطبع لكل مجتهد نصيب، ولكن لا نبالغ في أسباب الرزق بشكل مَرَضِي على حساب هويتننا وأولوياتنا.. فلكل مقام مقال..
س8: ولكن تلك حالة استثنائية.. أقصد على أقصى تقدير حالات استثنائية لا ترقى لتكون قاعدة مهما شاعت في واقعنا.. لكن القاعدة هي أن الإنسان لا مستقبل له من غير لغة أجنبية..
ج: تلك عاهات وتقاليد حبيبتي تحرري من تلك الأوهام .. وإلا فما رأيك في مستقبل د.أحمد زويل؟ وما رأيك في مستقبل د.مجدي يعقوب؟ ومستقبل د.زغلول النجار؟ كل هؤلاء وغيرهم من النوابغ في مجال العلوم الدنيوية قد درسوا في قرى مصرية أصيلة في مدراس عربي وبأقل إمكانيات ووسائل منهجية تعليمية، وبعد ما أنهوا الثانوية قاموا بتحسين وتدعيم اللغة الأجنبية التي ستدعم التخصص الذي اختاروه، وتمت عملية تقوية اللغة الأجنبية تلك بسهولة بعدما كبر عقلهم ونما إدراكهم ونضج استيعابهم أكثر، ونبغوا في تخصصاتهم العلمية وصاروا فيها علما من الأعلام التي تمثل بلدانهم في الخارج، بل منهم من سافرإلى الخارج وأكمل تعليمه بالكامل وعاش هناك دهرا حتى صار يتكلمها كأهلها.. فلا تقولين لي حالات استثنائية..
س9: لكن لا يفوتك يا أسماء بالطبع أن اللغة ممارسة.. بمعنى أن ابني لابد له أن يظل لسانه ناطقا للغة الأجنبية متمرسا عليها حتى لا ينساها..
ج: وكذلك كل العلوم، إن هجرناها نسيناها، وإن مارسناها تذكرناها وأتقناها حبيبتي، لا ربط لذلك بالضرورة بوجوب تعلم اللغات في الصغر.. ثم إني قد قلت لك في سؤال سابق بالأعلى أن ابنك بالفعل -وللأسف بالنسبة لي- سيتلقى حصة إنجليزية في المدرسة بالفعل ويوميا، شاء أم أبى.. وبإمكانك أن تقوي لغته الأجنبية كما يحلو لك في الإجازة الصيفية عن طريق سماع سيديهات الكتب الخارجية كالأضواء أو كتب المدرسة الخارجية وألعاب الأطفال التعليمية ومواقع إلكترونية تعليمية على النت فيها كلمات متقاطعة بالإنجليزية و "فوكابلاري" متنوع وما شابه ولكل الأعمار، منها تملئين وقت فراغ له، ومنها يكتسب اللغة التي "تحبينه" أن يتقوى فيها ولكن بعيدا عن الضغط الدراسي والنفسي الإلزامي السيئ مما يتيح مساحات أكثر للعب والعلوم الشرعية والقرءان والأنشطة خلال الدراسة والإجازة على حد سواء.
س10: أمسكت بك أخيرا وأوقعتك في الفخ، فكلامك معناه أن ابني سوف يتعب في الكلية فيما بعد لو كانت لغات. فلماذا تستنكرين تعبه في الصغر وتهونين من تعبه في الكبر؟
ج: لأن فرق كبير بين التعبين، ومسافة شاسعة كالمسافة بين السماء والأرض.. أأستنكر تعبا يتعبه في الكبر لمدة فصل دراسي واحد فقط أو حتى عام كامل بعد اشتداد العود ونضج العقل وتحديد الهدف والتخصص، ولا أستنكر تعبا يتعبه لمدة أربع عشر عاما تنوء تحت وطأته طفولته البريئة ما بين "هاو-أولد-آر-يو" و "ماساسوشتس" و "الإكزيلوفون"؟ ؟! لا يستويان قطعا.. حين يلتحق ابنك بالجامعة سيتعب لمدة سنة على الأكثر -وكثيرون أعرفهم تأقلموا في فصل دراسي واحد فقط وليس عام دراسي كامل حتى - وكما حدث معي سيحدث معه غالبا: سيظل ممسكا بقاموس "للترمينولوجي) فقط -أي مصطلحات المادة العلمية- لأن الجمل الإنجليزية الاعتيادية -والتي تربط بين (التيرمينولوجي)
وبعضها- كل الناس فيها سواء بالفعل، فكما قلنا أن الكل قد تلقى لغة إنجليزية في المدارس لأن هذا لا خيار فيه لأحد بل يتبع الحكومة وسياسة عامة في البلد، و"الترمينولوجي" فقط هو الذي سيكون جديدا على عقله، مثله في ذلك مثل الطالب القادم من مدارس لغات ولا عجب!.. أو على أسوأ تقدير سيستعين بقاموس إنجليزي أيضا لو كان ضعيفا طوال عمره في الإنجليزية -سواء كان متخرجا من مدرسة لغات أو عربي... أجل والله سيان في النهاية!... فكم من طلاب تخرجوا من مدارس لغات ومستواهم يقترب من درجات الرسوب في اللغات على مر السنين الدراسية.. والعكس أيضا صحيح، فأنا شخصيا كنت في مدارس فرنسية والتحقت بكلية تعليمها بالإنجليزية، فكنت أمشي بقاموسين في أول سنة في الكلية، رغم أني كنت من أنجح وأمهر الطالبات في مدرستي ومعي شهادة استثنائية في الفرنسية لم يحصل عليها إلا البعض فقط في المدرسة، تتيح لي دخول كليات في أي كلية فرنسية على مستوى العالم.. و في النهاية حملت القاموس!... فدعكم من هذا الهم والله.. ليس هكذا تورد الإبل..
س11: صدقا كيف يحدث هذا لا أفهم!؟ مع أن التدرج في اللغة منذ الصغر يجعل الطفل يتشربها أفضل!
ج: أجل.. ولكنها فقط ليست قاعدة.. فكما قلت لك: في دفعتي في مدرستي الفرنسية –والتي فيها اللغة الأولى هي الفرنسية تدرس بها كل المواد منذ الروضة وحتى الثانوية- كان معنا طالبات مستواهم متدهور للغاية في الفرنسية نطقا وصياغة وفهما.. مثال آخر: إحدى صديقاتي وإخوتها الذكور قد التحقوا منذ الصغر بمدارس لغات، هي قد تفوقت طوال السنوات الدراسية لكن إخوتها تخلفوا على الدوام، بلغتنا العامية "إخواتها مش وش تعليم ومذاكرة"، وهذا يحدث نتيجة لفروق فردية لابد لنا أن نأخذها في الاعتبار أو أحيانا يحدث نتيجة لأخطاء في توجيهات الأهل في التعليم.. المهم، هؤلاء الإخوة رغم ضعفهم الدراسي تم ضغطهم أكثر باللغات وأجبروا على الدوران منذ الصغر في ساقية المنظومة العالمية المعنية بعقدة الخواجة تلك في التعليم، فبدلا من تخفيف الحمل عنهم تم إثقالهم بالمزيد الذي يفوق قدراتهم، فتعثروا دراسيا أكثر وأكثر، والأهل مصرون على الضغط أكثر هربا من مواجهة الواقع ببساطة والفكاك من العقد المجتمعية بشجاعة. فصار الصبيان يرسبون في المدرسة كل فترة حتى تم نقلهم لمدرسة أخرى، لغات أيضا! عدوا المرحلة المدرسية بشق الأنفس والتزموا في اختياراتهم للتعليم الجامعي بنفس المنظومة المنهِكة للعقول والطاقات، أحدهم دخل تجارة إنجليزية وبالواسطة! وتعثر بالطبع وخرج منها قبل السنة الثالثة بلا شهادة جامعية.. والآخر دخل معهد كمبيوتر خاص لأن مجموعه في الثانوية كان أدنى من60%.. واشتغل كل منهم فيما بعد في مجاله الذي يتقنه بالممارسة العملية في النهاية، وبدون تقديم مؤهلات جامعية في بلد ليس فيها وظائف أصلا لمن يملك شهادة عليا.. ماذا؟؟ وهم خريجي مدارس لغات في الأصل؟! أي نعم.. وحاليا قد منّ الله عليم بالزواج والإنجاب وينفقون على بيوتهم.. في رأيي المتواضع: لو كان أهل أولئك الصبية قد خففوا عنهم الحمل وقاموا بالتركيز على تنمية استيعابهم العلمي بلغتهم الأم فقط، أزعم أنهم كانوا سيجنبوهم عثرات دراسية كثيرة قاسية قد حجّمَت قليلا "أبواب الوظائف" في مستقبلهم أكثر من التحجيم الذي ظل أولئك الأهل يتفادونه بتعليم ابنهم اللغات قهرا دون جدوى، ظنا منهم أنهم بذلك يؤمنون مستقبله أكثر... وفي النهاية.. هي أسباب.. وهو رزق.. فيا مسلمين ارحموا أنفسكم قليلا وأعيدا ترتيب أولوياتكم بشكل صحيح من جديد..
س12: لماذا تشعرينني بأن تعلم اللغات هذا ليس من الإسلام!؟ أنا ما أعلمه هوأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم! فما قولك؟
ج: صلى الله عليه وسلم .. اعلمي حبيبتي أن هذا ليس بحديث نبوي أصلا.. ومع ذلك فلن أختلف معكِ أن معناه سليم عقلًا وموجود في ديننا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت بتعلم السريانية لأنه لا يأمن اليهود في تحريف رسائله صلى الله عليه وسلم.. لكن أتعليمن كم هي المدة التي أتقن فيها السريانية هذا الصحابي الجليل وصار كأنه مواطن سرياني؟ في أسبوعين اثنين فقط حبيبتي قد أتقنها.. وهذا هو الحجم الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه اللغة الأجنبية في حياتنا يا مسلمة والله: 1-نتعلمها للحاجة والضرورة، 2-ولتحقيق ذلك تأخذ كورس مثلا أو اثنين مدة أسبوعين أو ثلاثة أو شهرين أو ثلاثة، حبذا لو على كبر ليكون أسهل، وتصبح لديك لغة ثانية بعدها وانتهى الأمر.. ثم فيما بعد بإمكان أهل التخصص اللغوي الأجنبي أن يستكملوا تقوية اللغة الأجنبية كما يحلو لهم حتى يبلغوا بها التفوق المطلوب لمهنتهم، لا أن يكون لزاما على كل المسلمين ذلك الأمر وكأن كل المسلمين قد قرروا بما لا يدع مجالا للشك أن يكونوا من أهل هذا التخصص اللغوي!! إقرئي معي تلك الفتوى حبيبتي: ""جواز تعلم اللغة للمصلحة والحاجة هذا لا ينازع فيه أهل العلم.. أما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضا في مناهج التعليم في أكثر المستويات فهذا دليل على الإعجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعا، وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام. ومثل هذا فإن لابد أن ورائه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن فهم القرآن وفقه السنة، فإن فهمهما واجب ولا يمكن ذلك إلا بفهم اللغة العربية"" *(انظر هامش رقم2) .. فكفانا لهثا وراء مظاهر فارغة تهدر الطاقات والأعمار يا مسلمين.. العزة العزة يرحمكم الله..
س13: وما المشكلة لو أنه "برستيج"؟ "البريستيج" له بريق يجعل الناس تحبك وتقبل عليكِ، فلم لا؟
ج: لا تغضبي مني حينها إن قلتُ لكِ أنه للأسف هذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع بعض المسلمين –وليس كلهم بالطبع- للتعلق بساقية اللغات، وإن أنكروا أو تخفوا وراء نوايا طيبة عن حسن نية بالطبع، "البرستيج" والخوف من أن تأكل الناس وجوههم وتعايرهم وتقول عليهم "ياي أرابيك سوفاج" .. وفي هذه الحالة فلا أملك إلا أن أقول لك: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلَّنا الله.".. ولا إسلام بغير قرءان.. ولا قرءان بغير لغة عربية.. ولا لغة عربية بغير فهم.. ولا فهم بغير علم أصلا وأول العلم اللغة العربية المتينة.. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثله... من ينادي ويقول أين عُمَر وأبو بكر لينقذوا الأمة، فإن عُمرًا وأبا بكر لو كانا معنا فمعروفٌ ما الذي كانوا سيعملونه في تلك القضية بالطبع..
س14: أوافقك قليلا، ولكن صدقيني إن قلت لك أن من ضمن نواياي أني أريد لابني أن يتشرب مادة العلوم جيد جدا لأني أريد مساعدته على تحقيق حلمه بأن يكون طبيبا عالميا ماهرا إن شاء الله..
ج: إذن سوف أكرر لك كلامي وأقول: علماء نوابغ كثر قد تخرجوا من دراسة بالعربية وليس لغات، زويل والنجار وغيرهما كما ذكرنا.. وفي إحدى الحلقات التي استضافوا فيها د.زغلول النجار لسؤاله عن أسباب نبوغه العلمي هذا ليقتدي به الشباب، قال دكتور زغلول: "إن تعلم العلوم باللغة الأم هو من أهم أسباب نبوغ الإنسان في تلك العلوم، وكل الدول تعلم هذا وتطبقه على شعوبها، ففي بلد كذا تجدي أن الطفل قبل سن 13 سنة ممنوع أن يأخذ أي لغة أجنبية إضافية، ليس سوى لغته الأم، –فما بالنا بالكلام عن أخذ العلوم والحساب بلغة ثانية أصلا!- ، وفي بلد كذا هناك قانون يمنع التحدث بلغة أخرى سوى اللغة الأم ويسخر عندهم الناس ممن يتحدث بلغة أخرى سواها -وليس العكس كما عندنا وإنا لله!- ، وما هذا إلا لعلمهم أن هذا من أسباب التقدم والنبوغ.. ولا تجد دولة تجبر الطلبة في التعليم على تعلم لغات جديدة منذ الصغر بل لا تجد مدارس تدرس المواد العلمية بلغة أخرى سوى في دول العالم الثالث، لمزيد تقهقر عن ركب الحضارة كما خطط لهم أعداؤهم" (انتهى كلامه بتصرف من حوار صحفي معه قديم، في إذاعة القرءان الكريم المصرية)... أزيدكم معلومة علمية أخرى؟ في كتاب عن تعريب العلوم قال أحد المتخصصين: "الفهم باللغة الأم يكون على ثلاث مراحل: 1-استقبال 2-ثم تحليل ثم 3-التعبير.. والفهم بلغة أخرى يكون على خمس مراحل: 1-الاستقبال 2-ثم الترجمة للغة الأم 3-ثم التحليل العقلي 4-ثم الترجمة للغة الأجنبية 5-ثم التعبير، وهذا يجعل المعلومة مشوهة في النهاية والتعبير عنها قاصر بعكس الأمر حين يكون التعليم باللغة الأم، ولا مفر من تلك المراحل الخمسة في عقل أي إنسان عند الفهم من لغة أخرى والتعبير بها.. ومثال بسيط: طوال عمري أخلط بين "الدايجيستيف سستم" و (الرسبايريتوري سستم) من ناحية التعريف حيث ظللت أعكسهم دوما، لكن حينما سمحوا لنا في الثانوية العامة عندما نجد صعوبة في التعبير عن المعلومة المفهومة بالفعل في رأسنا وأردنا الانطلاق بلسان عربي مبين أن نكتب بالعربية، قمت الحمد لله بكتابة التعريف للجهاز التنفسي والجهاز الهضمي كل في مكانه صحيحا أخيرا ولم أعكسهما .. "بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" ... مبييييين يا مسلمين.. اقرءوا معي تلك الفقرة: "إحصائية علمية أثبتت أن اليابان وألمانيا وتركيا من أكثر الدول التي لديها براءات اختراع وأعلى مستويات في نظم التعليم لأنهم يتعلمون العلوم الأساسية كالرياضيات والعلوم الطبيعية بلغتهم الأم في المدارس لأن ذلك يزيد من نسبة الإبداع والابتكار لدى الأطفال بنسبة 75% عندما يتعلموه بلغتهم الأم، لأمن ذلك يسمح للطفل بتصور المفاهيم بشكل أدق".. منقول من محاضرة بعنوان (أهمية اللغة) الأستاذ أيمن عبد الرحيم *(انظر هامش3)..
س15: أجل.. هذا لأنك لست ماهرة في لغتك الأجنبية.. أما أنا فأريد أن يكون ابني "لبلب" بالإنجليزية.
ج: بإمكانك أن تدعيه يشاهد رسوم أفلام كرتون أجنبية سليمة من المخالفات العقدية والأخلاقية وتكون مترجمة، جنبا إلى جنب بجانب الكرتونات العربية ودراسته العادية باللغة العربية بالطبع، وليلعب كلمات متقاطعة باللغتين الإنجليزية والعربية، فيكتسب مصطلحات لكن ليس على حساب لغته الأم، في جو من المرح والتسلية دون ضغطه بالدراسة الثقيلة ودون المساس بأصل هويته كذلك، وستجدين ابنك يتكلم بالإنجليزية "لبلب" كما تحبين ومثلما كنا نتقنها أيام الجاهلية حين كنا نشاهد الأفلام الأجنبية وخلافه –غفر الله لنا ولأهلينا.. وبتلك المناسبة أقول: كم كنا نتقن "عوج" لساننا جيدا باللإنجليزية: "آي وانا جو=آي وانت تو جو" و "واريفير=وات إيفر"، لكن اللغة الحقيقية علميا كم منا من كان يفقه فيها ما سوى النذر اليسير!!؟ قلة قليلة تُعَدُّ على الأصابع من كل دفعة دراسية، لأن قد تم حشو عقولنا بها في مرحلة خطأ وبمنهجية خطأ.. وكم من أولادنا من يتقن الفصحى نطقا وفهما وكتابة؟.. المجتهد سيكون مجتهد في أي مكان بإذن الله.. المهم هو أن تربي رجلا مسلما حقا مسئولا يعرف التخطيط لحياته وترتيب أولولياته إسلاميا وتحقيق أحلامه بإرادة قوية.. وليس الضغط والحشو الفارغ هما الضامن لمستقبله.. هذا الكلام ينطبق على "التعليم كله عموما" بالمناسبة وليس مجرد فكرة تعليم بالعربية أم لغات فقط.. ولكن لا يتسع الآن المجال لذلك.. نفرد له كلاما إن شاء الله في مقال "أولادنا والمذاكرة" في نفس السلسلة قريبا إن شاء الله.
س16: وماذا أفعل لكي أجعل ابني معتزا بهويته العربية تلك دوما وكيف السبيل إلى تقوية لغته الفصحى، بخلاف تعليمه المناهج بالعربية؟ وبم تنصحينني في نوعية التعليم: هل أدخل ابني أزهر أم إسلامي أم مدرسة عادية؟
ج: إجابة السؤال الأول مجاب عنه في مقالة "أولادنا والفصحى وطرق تقويتها"، وإجابة االسؤال الثاني في مقالة "أولادنا وأفضل نوع تعليم لهم"، كلا المقالين في نفس السلسلة التي بين أيديكم إن شاء الله.
والله المستعان..
انتهى الحوار..
===========
[الهوامش] :
1* لمحة عن إجراءات الاحتلال الانجليزي لمصر في التعليم، من أيام دانلوب واللورد كرومر الحاكم الإنجليزي لمصر وإلى يومنا هذا، كي تروا مدى اقتران "تهميش اللغة العربية" دوما مع "تقليص المناهج الإسلامية في التعليم"، واحكموا بأنفسكم كم هما "متلازمان لا ينفكان" وتعرفوا مدى كون أعدائنا أدرى بمواطن عزتنا وكيف نتركهم يمرغون أنوفنا في التراب طوعا ببساطة بكل أسف!!..:
1-إخراج القرآن والسنة وتاريخ الإسلام من البرامج التعليمية، 2-تخريج أجيال مضطربة دينيا وعقديا مرتبطة بالغرب أكثر من ارتباطها بالإسلام، 3-تجهيل أبناء الإسلام بلغتهم العربية وبالتالي تراثهم القديم،جعل اللغة الإنجليزية هي لغة التدريس للعلوم والرياضيات والتاريخ والجغرافيا والرسم للتضييق على اللغة العربية والقضاء عليها بالتدريج، 4-جعل الدين مادة ثانوية ليست بأهمية مادة الرسم أو الأنشطة الأخرى، 5-إلغاء أبواب للعقائد والعبادات الإسلامية من المناهج بدعوى أن كتب التعليم ينبغي أن تخلو من أي مساس بالإسلام، 6-التوسع في دراسة التاريخ الغربي (نابليون وفريزر ونلسون، وتاريخ الثورات الأوروبية من الابتدائية إلى الجامعة (ليست المشكلة في تدريسذلك بقدر أن يكون ذلك على حساب تدريس تاريخنا الإسلامي لا شك!)، 7-تقليل مساحة تدريس التاريخ الإسلامي وفتوحاته وشخصياته الباسلة حتى أن من تخصص في الجامعة في فرع التاريخ صار يدرس التاريخ الإسلامي تحت عوان "تاريخ العصور الوسطى!"، 8-نجد توسعًا في التاريخ الفرعوني وأنظمة الجيش والأسطول الفرعوني، ثم حذف مُخِلّ من منهج نظام الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية ونظام القضاء والجيش والأسطول الإسلامي.. ثم داخل الحضارة الإسلامية ليتنا نجد علما صافيا صحيحا! بل تشويه وتضليل وإيهام المسلم أن المسلمين اعتمدوا في حضارتهم على اليونان! وتصوير حضارة العصر العباسي حضارة فسق ومجون ولهو ومعازف!.. ولجأ الاستعمار لاستخدام أجهزة الإعلام في التنفير والسخرية من طالب الأزهر وأستاذه وصاروا يفرقون في المدارس بين مدرس الدين واللغة العربية وبين مدرس المواد الأخرى. (مثال بسيط بالأرقام عن مناهج المدارس وقتها في الإعدادية وثانوية: التاريخ الأوروبي: 370 صفحة، الحضارة الإسلامية 250 ، نابليون 16 صفحة، عمر بن عبد العزيز صفحة واحدة..!)...* انتهت الجولة السريعة من كلام الأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح "عميد كلية أصول الدين بالزقازيق سابقا، في كتابه الرائع "الأساليب الحديثة فى مواجهة الإسلام"..
*2 رابط الفتوى:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28996
*3 هذه الفقرة كلها منقولة من على موقع فيسبوك.. وفيها رابط المحاضرة: http://we.tl/f0sfoE7dtE
وفيها صفحة الأستاذ أيمن: http://facebook.com/profile.php?id=653122047&fref=ts
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أولادنا والفصحى وطرق تقويتها
أسماء محمد لبيب
كيف أقوي لغتي الفصحى أنا وأولادي؟
سبع نقاط تخصك عزيزتي الأم... وثلاثة عشرة نقطة تخص ابنك.
****بالنسبة إليكِ أولًا أخيتي:
1*أنصحك بحفظ كتاب الله.. فلغته هي الأفصح على الإطلاق، و تصقل المخزون اللغوي لدى المرء تلقائيا.. وتحسن نطق الحروف متصلة بالتشكيل، أو على الأقل ادمان قراءته كالحال المرتحل، وهذا من أهم أبواب اتقان العربية..
2*مع قراءة تفسير القرءان لا ريب.. من كتاب تفسير لا هو بالمختصر بشدة ولا هو بالمتبحر في شتى علوم الآية، ولكن بين بين.
(هاتان النقطتان هما حد أدنى)..
3*وطلب العلم الشرعي عامة هو مما يقوي اللغة جدا، ويجعل فهم الفصحى مرنًا في الأفهام.
4*أما إن تعذر طلب العلم الشرعي حاليا، فعليكِ بمذاكرة دروس النحو من جديد.. ولو مجرد القواعد العامة التي درسناها حتى الثانوية العامة.. أنعشي ذاكرتك
5* التجول فى معاني الكلمات في المعجم من آن لآخر بشكل عشوائي، قطعا ستكتسبين لفظة جديدة.. مثلا اكتبي فى البحث في المعجم "شقق" واضغطي لتبحثي عن معناها.. أو اكتبي فى مربع جوجل "معنى شقق"، سيفتح لك موقعا اسمعه المعاني -almaany- تجولي في المعاني الواسعة واشتقاقات الكلمة كأنما تذاكرينها.. وهكذا كل فترة ابحثي عن معاني كلمات بحروف عشوائية تماما.. وهناك موقع مستفيض أكثر في الأمر ولكن قد يصعب على بعض الناس فهم مضمونه، اسمه "الباحث العربي"، لكنه رائع بمعنى الكلمة.. <3 .. كذلك كلما صادفتك كلمة عربية غريبة ابحثي عن معناها..
6*اقرئي للأئمة العظماء والكُتَّاب المشهورين بالفصحى البليغة.. الأئمة: كالغزالي وابن القيم وابن تيمية وابن الجوزي والشافعي...إلخ، والكُتّاب: كالمنفلوطي والرافعي ومصطفى محمود وسيد قطب (مع ملاحظة الشبهات التي فى كتاباته رحمة الله عليه والانتباه لقول العلماء الأجلاء فيها وتنقيحها) وغيرهم من الكتاب المعاصرين أصحاب الأقلام الذهبية واللغة الفصيحة والكلمة الهادفة.
7*اجعلي أنظمة وتطبيقات التي على أجهزتك الاكترونية باللغة العربية، من باب الاعتزاز بهويتنا العربية مبدئيا، ومن باب تعلم المصطلحات العربية اليومية البديلة ونشرها ثقافيا في المجتمع رويدا رويدا فنكون لبنة ولو صغيرة في بسط نفوذ العربية على سائر اللغات وفي حفر مكان مميز لها لا يخفت نوره على شبكة الانترنت وشبكات التواصل..
***بالنسبة لابنك:
1* أدخليه قسم عربي في المدرسة وليس الإنجليزي (للاطلاع على كامل التفصيلات لوجهة نظري المتواضعة تلك والحكم على مدى واجاهتها برجاء الرجوع إلى مقال "أولادنا والهوية والتعليم بالعربية" هنا على الموقع في نفس السلسلة التربوية التي بين أيديكم)
2*حفظيه القرءان واجعليه يستمع إليه كثيرا على مدار اليوم في البيت أو السيارة وعند نومه.. وفهميه معاني الكلمات الصعبة فيه والغريبة عليه.
3* شجعيه على القرءاة، وكوني قدوة في ذلك، واقرءا سويا من الكتب البسيطة والقصص التي تستهويه، ودعيه يقرأ بنفسه حتى وإن كان يتتعتع وأنتِ تقومين بالتصويب له تباعًا..
4*علميه أنه أينما أراد أن يكتب اسمه على أي من أغراضه أن يكتبه باللغة العربية، سواء على الكراسات أوالكتب أوالمقلمة أو الألعاب، بل وعلى ملابسه من الداخل عندما نريدها أن لا تضيع... إلخ، بل على أغراض مادة اللغة الإنجليزية أيضا –فما الداعي أن يكتب اسمه بالإنجليزية عليها؟! ألم يتعلمه وانتهى الأمر أخيتي؟! ..
5*اجعليه يشاهد الرسوم الكرتونية المصممة باللغة العربية الفصحى أكثر من مشاهدتها بالعامية... وأكثر من الإنجليزية لا ريب..
6*حببي إليه تحسين خطه العربي وعلميه أنواعه (كوفي وفارسي ورقعة ونسخ وديواني)، وحملي له من على النت نماذج تعليمية للخطوط مثلما تهتمين بتحميل رسومات تعليم حروف الإنجليزية..
7*علميه أن يعبر عن حبه وعن مشاعره في البطاقات الطفولية الجميلة التي يصممها لأصدقائه وأهله باللغة العربية.. وسواءً كانت لكِ أو لأي شخص آخر فليتخذ العربية وسيلة وحيدة للتعبير والكلام والتواصل مع الآخرين، بدلا من كتابة "آي لاف يو مام" أو قول "بليز" و"هابي فيست".. بل وعلميه عدم الكتابة بما يسمى "الفرانكو-أراب" نهائيا
مثل eid Mubarak- فحروف العربية تغنيه عن ذلك..
8*علميه تلفظ أسماء الأغراض والأدوات والأماكن باللغة العربية لا الإنجليزية -قدر الإمكان- مثال: كراسة المتابعة بدلا من التشانيل-بووك، الخطة الأسبوعية بدلا من الويكلي-بلان، الواجب بدلا من الهومورك، شكرا بدلا من ثانك-يو، آسف بدلا من سوري ، حذاء أو "جزمة" بدلا من شوز، علبة الأكل بدلا من لانش-بوكس، الحمام بدلا من تويلت أو دبليو-سي، غرفة المعيشة أو "أوضة القعاد" بدلا من "الليفينج".... إلخ.. أُدرك تماما أننا لن نتمكن من تغيير كل المصطلحات الحياتية مرة واحدة وأن هناك مصطلحات ليس لها بدائل بالعربية مستساغة حاليا (مثل بيتزا وساندوتش ومايوه وآيس كريم...إلخ) فبدائلها بالعربية حاليا قد تجعل البعض يسخر من ابنك إن قالها وقد يجعله هذا ينفر من اللغة العربية لا سمح الله، فالمجتمع لازال يحتاج للتدرج ليستسيغها، لكن ما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُتْرَكُ كلٌّه والله المستعان..
9*شجعيه على الخطابة في الإذاعة في المدرسة وجهزي معه الكلمة واضبطيها له لغويا واجعليه يتمرن عليها..
10*اغرسي بداخله الاعتزاز بلغته العربية، وأنه إذا صادف أحدا من أقرانه يسخر منه لأنه يدرس المناهج الدراسية بالعربية، فعلميه حينها أن يدافع عن هويته بفخر وثقة..
11*حفظيه الشهور العربية وترتيبها ومعانيها وأعطيه دوما إجابة بالتاريخ بالهجري والميلادي معا -وليس بالميلادي فقط- حين يسألك عن تاريخ اليوم... ومعلوم أن الأصل عند الله هو الشهور العربية "إن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم" ... فلنثبت لهويتنا مكانتها التي تليق بها ولنبتغي العزة بها لا بغيرها..
12*علميه أن يستمتع بالكلمات المتقاطعة وساعديه فيها (يوجد منها على النت وفي المكتبات مستويات حسب السن)..
13*خصصوا يوما في الأسبوع للكلام بالفصحى فقط، حتى أثناء اللعب والأكل، صدقيني سيكون وقتا ممتعا ومفيدًا حيث سيتعلمون خلاله البدائل العربية بببساطة، وفي ذات الوقت سيجدون الأمر مرحا ومضحكا نظرا لعفوية أخطاء
أثناء التعلم، (ابني كان يقول لي "قَيوة يا قمُي"، يقصد أيوة يا أمي ) .. مع التسامح بالطبع في الأخطاء اللغوية نسبيا حتى يتقنون التخاطب بها إن شاء الله.. فالغرض هو تعويدهم التناغم اليومي مع لغتهم العربية قدر الإمكان.
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
لا تُخبروا أبي وأمي...!
أسماء محمد لبيب
ضجة كبيرة في المتجر، رجالٌ يمسكون بفتاةٍ يتهمونها بالسرقة.. يتزاحم الناس.. صاحت سيدة: اتركوها!.. ثم اقتربَتْ من الفتاةِ وقالت: أعطيني رقمَ والدِكِ لنجدتكِ! فَصَرَخَتْ مَفزُوعَةً: لا..! لا تخبروا والِدَيّ.. سيقتلاني! فسأَلَتْها: فَمَن! إذًا؟ هل من صديق نطلبه؟.. أجابتْ:نعم.. أخبري خالي.. دقائق، وكان الخالُ "الصديقُ" يُؤْوِى الفتاةَ إليه.. أخبرَه البائعُ أنها جاءت مع شاب، يزعمان شراءَ هاتِفٍ، واستأذنه الشابُ أن يُجربَه خارجَ المتجر لاختبار جودة الشبكة والصوت، ثم..... اختفى!... أعطاهم الخالُ ثمنَ الهاتف وانصرفا.. واتَّضَح لاحقًا أن ذلك الشاب قد تعرَّفَ عليها مُؤخّرًا ووعدها بالزواج، وَلكيّ يُثبتَ "جديَّتَه" وَعَدَها بـ"هاتف" ثمينٍ كهدية، ثم اتضح أنه يستغلُ الفتياتِ في هكذا سرقات...!
الشاهد من الكلام: ((لا تخبروا والِدَيَّ.. سيقتلاني.. أخبري خالي..))
إنه الأمان... أساس العلاقات المثمرة، ومُسَكِّنُ الاضطراباتِ الجامحة، ومرفأ التَّوْبِ والأَوْب، وجامعُ القلوبِ والعقولِ..
يُلَخِّصُه الدعاءُ المُوسَوِيّ: {اجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}
الآيات فيها السند، المشاركة، الاحتواء، الصُّحبة، الدَّعم، التواصي بالحق والصبر، الحب، الإكبار، الأمان. وتلك من مفاتيح أقفالِ الأبناء، ومن المكابح الوقائية والعلاجية لجُمُوحِهم وتمرُّدِهِم، لاسِيَّما المراهقين، وخاصةً الفتياتُ الزهراوتُ ريحاناتُ القلوبِ..
في نقاط: نرفعُ الواقعَ، ونَرصُدُ أسبابَه، ونطرحُ العلاجَ..
=الواقع=
-"المراهقة" ليست مصطلحًا غربيًا قبيحًا كما يُشاع، إنما مُصطَلحٌ عَرَبِيٌّ مذكورةٌ مشتقاتُه في القرآن، وهو مِن (رَاهَقَ الصَّبِيُ، أي: قارَبَ على البلوغ).. لكنه صار مُصطَلحًا سَيئ السمعةِ بسبب سوءِ تعريفِ خصائص المراهَقةِ ومتطلباتِها بشكلٍ أظهرَ المراهقَ كوحشٍ جامحٍ خارجَ السيطرة، والأسرةَ عاجزةً جازعةً أمام جُموحِه...!
-في حين تتداخلُ "المراهقة" مع مرحلةِ "الطفولة المتأخرة" قبلها، ومرحلةِ "الشباب" بعدها.. فكونُها بين نَقِيضَيْن وطَرَفَيْن -طفولة وشباب- جعلها تَحوِي خليطًا من كليهما رغم أنفِ المراهِقِين أنفسهم، فبدت كالبحرِ المضطربِ حِينًا والهاديءِ حِينًا..
فتحتاجُ لقبطانٍ حاذقٍ، مُمسِكٍ بدفةِ المدرسةِ التربويةِ القرآنيةِ والنبويةِ بمهارة، مسُتعينًا بالله..
=الأسباب=
-شُيوعُ المدرسةِ التربويةِ والنفسيةِ الغربية، وهَجْرُ المدرسةِ الإسلامية، ساهما في انحرافِنا أكثرَ عن سبيلِ خيرِ القرون.. فبرَزَتْ مشكلاتٌ تربويةٌ ونفسيةٌ عميقةٌ أسَّسَتْ لظاهرةِ جُموحِ المراهقين.
تفصيل للأسباب:
*أسبابٌ معرفية: جهلُ الأبناء بمكانةِ الوالدين وحقوقِهما.. أو جهلُ الوالدين بحقوقِ الأبناء وخصائص واحتياجات المراهقة ومُشكلاتِها وحلولِها.
* أسبابٌ شرعية: كُفرُ الوالدين أو أحدِهما أو فُسوقُه عَلَنًا.. ولا نُسوِّغُ بذلك عقوقَهما ولكن: كيف يُطالِبُ فاسِقٌ وَلَدَه بالرُّشْد؟!
* أسبابٌ إيمانية: عدم رضى بالحالةِ الاجتماعية أو الاقتصادية ونحو ذلك.
* أسبابٌ أخلاقية: حُب الظهور، الغرور، الكِبر، سُوء الخُلُق، الرُّعُونة، الأنانية، التصلب.
* أسبابٌ بيئية (القدوات): جموحُ الوالدين أنفسِهم مع آبائهم، أو جموحُ أصدقاءِ المراهقين مع آبائهم وضعف الآباء عن علاج ذلك وظهور ذلك أمام المراهق، أو سقوطُ الآباء أنفسهم كقدوات، أو عُلُو صوت الإعلامُ وما يُسَوِّغُهُ من معاملةِ الأهلِ بندِّيَّةٍ والاستقلالِ عنهم وكَسْرِ هَيبَةِ الدِّينِ والقُدوات، وإثارةِ الشهواتِ، والترويجِ للعنف والتَّمَرُّد...
* أسبابٌ اجتماعية: تواضعُ المستوى الاجتماعي، أو ارتفاعُه بشكل فيه إفسادٍ تربَوِي..وربما انغلاقُ الأهلِ عن التواصل مع الناس وانعزالهم اجتماعيًا لسبب أو لآخر..
*أسبابٌ نفسيةٌ سلوكية: اندفاعية مَرَضِية (pathological impulsivity) مع عجز المراهق عن التحكم بها، تُصاحِبُ اضطراباتِ التوتُر والقلقِ (Anxiety & Stress disorders)، وتَظهَرُ بوضوحٍ مع اضطرابِ الشخصية الحدية (Borderline personality disorder)/*2
* أسبابٌ وراثية/ عضوية: خللٌ عُضويٌّ لم يُعرَضْ على مُختَصّ تعديل سلوك وعلمِ نفسٍ إدراكي، وربما خللٌ في الغُدَد، أو خلفيات وراثية (استعداد عَصَبي)..
* أسبابٌ رقابية: غيابُ الرقابةِ الأُسَريَّة والمجتمعية بشكل عام..
* أسبابٌ من خصائص المرحلة: يجد المراهقون أنهم قد صاروا أكبرَ وأقوى وبالتالي أقدرَ على التحدي والتدافعِ مع التيارِ المُعاكِسِ لأهوائهم، ويُقابَلُ ذلك باستنكارٍ ومُمَانَعَةٍ من الأهلِ أحيانًا بغَيرِ رُشْد فيزيد الطينَ بلةً..
* أسبابٌ نفسيةٌ عامّة.. وفيها تفصيل:
-عدمُ الشعورِ بالحرية.. ويكون ثمرةً لعواملَ، منها:
1.كثرةُ الأوامر بدون وجود علاقةٍ أُسَرية متينة، فيشعر المراهقون بالتضييقِ وأنهم آلةٌ تتلقَّى الأمرَ لتنفِّذ..
2.الإكراهُ الدائمُ، وقلةُ مساحاتِ الحريةِ الشخصيةِ لهم في المُباحات.
-عدم الشعور بالأمان.. ويكونُ ثمرةً لعدمِ التعاملِ بالصدق، العدل، الاحترام، اللين، الرحمة، التقدير، العفو..
أمثلة:
1.عدمُ إنصافِهم من أنفسنا خاصَّةَ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ}
2.التفرقةُ في المعاملة بين الإخوة وكثرةُ المقارَنات غير الموضوعية ولا التنافسية.
3.الفُجْرُ في الخُصُومَةِ وغِلظةُ النقدِ وقسوتُه وشدةُ التقريعِ على أبسط الأخطاء، وصعوبة العفو عن زلاتهم..
4.الحرمانُ من الميراث أو الحقوق عامّةً.
5.التجسسُ وتوجيهُ التهمِ مباشرةً والتحقيقُ معهم بطريقةٍ بوليسية.
6.عدمُ التقديرِ لمحاولاتِ التزكِّي والتَحَسُّن.
7.التَّهَكُمُ عليهم مما يسبِّبُ شعورًا بالنَّقصِ واهتزازِ الثقة..
8.كثرة الحمايةُ والتدليلُ بإسراف..
9.تحميلُهم ما لا يُطيقُون..
10.تكرارُ الإذلالِ بأخطاءِ الماضي..
-اكتئابٌ أو ضغوطٌ: سواء نفسية أو دراسية أو أسرية أو اجتماعية أو مادية ونحو ذلك..
-عدمُ الشعور بالحب: لا بسمات.. لا أحضان.. لا عطف.. لا ابتهاج معها ولا ترحيب بمجيئها.. لا اهتمام بما يهمها..
-عدمُ الشعور بالانتماء للأسرة: شعورٌ بوحشةٍ داخليةٍ رغم الضجيج في الخارج..!
-عدمُ الشعور بالاحتواء، سواء:
1-للطاقات: تريد الفتاةُ مثلا أخذَ دوراتِ تطريز أو تزيين الكعك أو الخط العربي مثلا أو حلقات للقرآن، أو تريد كتبًا جديدة لتقرأها، أو ممارسة الرياضة مثلا والترويح عن النفس بلا مخالفة لشرع الله، أو يريد الفتى استقبال أصحابه في البيت أو الخروج معهم في رحلة مدرسية أو معسكر مثلا.... فيُقالُ لهم دومًا: "لا.. ممنوع!".
2-للمشاعر: كلامُهم عن الحُب يُقابَلُ بالزَّجرِ والتعنيفِ والتهديد..
3-للتطلعات: كلامُهم عن اختيارِ الكلية أو الزواجِ المبكرِ مثلا يُقابَلُ بسُخريةٍ أو تسلُّط أو تعنيف.
4-للتقلبات المزاجية والانفعالية والنفسية للمراهَقة: فتقابلُ كافَّةً بجملةِ "كفى نكدًا! كفى إزعاجًا"، لاسيما فيما يَخُصُّ التغيراتِ الهرمونيةِ للفتيات في تلك المرحلة وما يصاحبها من استعدادٍ عصبِيٍّ وتوترٍ لا إرادي وتَخَبُّطٍ وتَناقُض..
5-لاحتياجات المرحلة عامَّةً..
وأمثالُ ذلك مما يؤزُّ الأبناءَ على العُقوق، وكما قِيل: "عَقَقْتَ وَلَدَكَ قبل أن يَعُقَّكَ!".. ولا نُسوِّغ بهذا الكلام للعقوقِ مطلقًا، وإنما نَرفَعُ واقعًا لنعالِجَه.
= وقايةٌ وعلاجٌ، بعدَ إخلاص النيةِ لله والدعاء=
1-الكفُّ عن ترديد أدبياتِ المراهَقةِ الغربيةِ الحديثةِ -التربويَّة والنفسيَّة- واستبدالُها بالمَدرسةِ الإسلامية..
2-الاهتمامُ بالمرحلةِ السابقةِ للمُراهَقة.. وكما قيل: ((ويَنشأُ ناشيءُ الفتيانِ مِنّاعلى ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه)).. فإن أُهْمِلَتْ فالجُهدُ حَتمًا سيكونُ أكبرَ بعدَها.. لكن، ما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُترَكُ كُلُّه، ودَومًا هناك فرصةٌ لبدايةٍ جديدة..
3-التنشئةُ على الإيمان وحُسنِ الخُلُقِ ومَعرِفةِ حُقوقِ العبوديةِ لله عز وجل وحَقِّ الوالدين { {أن اشْكُر لِي وَلِوَالِدَيكَ إليَّ الْمَصِيرُ} }
والشفافيةُ والأمانةُ معهم في التوجيهِ لذلك، فما يكونُ شَرعًا نقولُ "حرام أو حلال"، وما يكون رأيًا نقول "هذا رأيٌ لا شرع، ونصيحتي كذا، ولكم الخيارُ بعد استخارةِ الله".. || والنقطتان معًا بمثابةِ الأساسات التي يرتفعُ عليها البنيانُ مُستقيمًا بإذن ربِّه -لذا لم أَفْصِلهما- وبِهِما تزولُ جُلّ مشكلاتِ الأسبابِ الإيمانيةِ والمعرفيةِ والأخلاقية...
4-تنميةُ المعرفةِ لدى الوالدين بخصائص كل مرحلةٍ عُمريةٍ واحتياجاتِها ومشكلاتِها وعلاجاتِها على ضَوءِ القرآنِ والسُّنة -خاصَّةً خصائص النموِّ الانفعالي ومظاهره، وتوعيةُ الأبناء المراهقين بهم كذلك، من خلالِ حواراتٍ يغشاها الوُدُّ والإكبارُ والإنصافُ والصدقُ والاحتواءُ والإصغاءُ واللينُ والهدوءُ والعطف والتقدير، والأدلةُ المُحكمةُ شَرعًا وحِسًّا وعَقلا، وبهذا تزولُ جُلُّ مشكلاتِ الأسبابِ النفسِية..
5-عدمُ الإصرارِ على انصياعِ الأبناءِ فَورًا للنُّصح.. والصوابُ: أحيانًا نُفْحِمُ بالحُجَّةِ، وأحيانًا نَسقِي ثُمَّ نتولَّى إلى الظِّل..!
6-توجيهُ واستغلالُ الجُموح الإيجابي، وعدم تمكِينهم من الانتصارِ بجُمُوحِهمُ الخاطيء المشوب بسوء الأدب والرعونة وقلة الرشد.
7-فتحُ مساحاتِ تواصلٍ اجتماعيٍّ راشدٍ مع أهلِ الرأيِ والصلاحِ والأُلفة، وعدمُ تضييقِ الدائرةِ الاجتماعيةِ لفَرطِ الخوفِ على الأبناء.
8-الاهتمامُ بالقناعاتِ الفكرية للمراهقين، إذ يترتبُ عليها السلوكُ.. فنُعَلِّمُهُم مَهَاراتِ وأُصُولَ النقدِ الذَّاتِيّ للخطأ: كعدمِ قبولِ المُقَدِّماتِ الفاسدة، وعدمِ قبولِ دَعوَى بلا دليلَ أو بدليلٍ لا يصح، والتدقيقِ في علاقةِ التلازُمِ بينَ الأمورِ دَومًا.... إلى آخِرِ الأصولِ التي تَبنِي عقليةُ ناقدةً فاحصةً مُحَصّنةً ضد الشُّبُهات، تُمَيِّزُ بين المُشتبَهات ولا تقبلُ ولا تُمَرِّرُ إلا الحق.. لكن لابد من وجود التقوى أولًا لدى المراهقين لتفعيلِ تلك العقلية الناقدة، ثم لتصويبِ الخطأ في النهاية بعدَ نقدِه، وهذا يكون ثمرةَ التربيةِ الإيمانية المذكورة آنفًا..
9-تفنيدُ دوافعِ الجُموحِ وحلُها بالحوار، واستشارةُ أهل الأمانةِ والخبرةِ والاختصاص -خاصَّة الدوافع النفسية- وتفنيد ما إن كان الحل يحتاج لعلاج دوائي، بجانب العلاج الكلامي بجلسات العلاج المعرفي السلوكي(CBT) في حالةِ "اضطراب التوتر والقلق"، أو جلساتِ العلاج الجدلي السلوكي (DBT) في حالة "اضطراب الشخصية الحدية"/*2
10-محاوطة أبنائنا المراهقين بصحبةٍ صالحةٍ يَسهُلُ التواصلُ والتناصحُ مع أهلِهم في تعزيزِ المُشتَرَكاتِ التربويةِ القَوِيمة بيننا وحسن متابعتهم عن كثب برشد..
11-شغلُ فراغهم بإنجازاتٍ رُوحِيةٍ ومَهارِيةٍ ومَعرِفِيةٍ واجتماعيةٍ وعقليةٍ ورياضية..
12-غرسُ الشعورِ بالكفاءةِ والثقةِ والأهليةِ للخيرِ والنجاح، وبأنهم قد أصبحوا أعضاءَ فاعِلِين في الأسرةِ يشاركون في القراراتِ والمَهام، مع إعطائهم المساحاتِ لإثباتِ الذات، فينزلُ المراهقُ من أحلامِ اليقظةِ خاصَّتِه، وينغمسُ في واقعِه الذي أصبحَ جَذَّابًا، فتقِلّ دفاعاتُه الشرسةُ عن مساحتِه السحابيةِ الحالمة التي يعتقدُ دَومًا أن هناك حربًا أُسَرِيةٍ لنزعِها منه..
13-عدمُ التركيز فقط على الترهِيبِ من مرحلِة التكليف، بل إخبارُهم بأنهم كما زادت واجباتُهم زادت كذلك حقوقُهم ومُوجِباتُ إكبارِهم، وأن تكليفَهم يَعنِي وصولهم لنضجٍ عقليٍ ونفسيٍ وبدنيٍّ يؤهلُهم لتَحَمُّلِ نتيجةِ أفعالِهم واختياراتِهم ولخوضِ غمارِ الحياةِ بقوةٍ ورشدٍ أكبر.
14-الاتفاقُ معهم على قوانين أسرية أساسية لا هوادةَ فيها، وقوانينَ أُخرى فرعيةٍ فيها مساحاتِ تَجَاوُزٍ وتغافل حَسْبَ الحاجَة..
15-توحيدُ توجيهاتِ الوالدَينِ أمام الأبناء والحرصُ على عَدَمِ التناقُضِ فيها..
16-احترامُ اختياراتهم وميلهم لبعض الأصدقاء ممّن دُونَ مُستوَى الصُّحبةِ المَطلوب، مع الاتفاقِ على شروطِ اختيارِ الأصدقاءِ وبالأدلة الشرعيةِ والعقلية، على أن يكون من بينها: أن يكون هو العنصر المؤثرُ إيجابيًا في أصدقائه وليس هم من يؤثرون فيه سلبيًا، ومتابعة تحقق ذلك الشرط وكل الشروط دوريَا بشكل عملي تطبيقي..
17-صيانةُ سرَّهُم.. وعدم فضحهم..
18-مصاحَبَتُهُم ومُمازَحَتُهم ومشاركتُهم في أفكارهم وشكوكهم ولعبهم وطموحاتهم.
19-إسباغ العطفِ، بالكلمةِ والتربيتةِ والضمةِ والقبلةِ والهديةِ والإطراءِ والدعاءِ –سرًا أو جهرًا في وجوههم- وترخيمِ الاسمِ والترحيبِ بهم عند قدومهم.. ولنا في النبي ﷺ خير أسوة هنا، حيث كان يقوم لفاطمة ويُقبِّلُها ويُجلسُها عن يمينه، وذلك غَيضٌ من فيضُ مدرستِه التربوية القويمة والتي لا يتسعُ المقالُ لحصر أركانها العطرةِ كلها..
20-التغافُل..!
21-إشباعُ الأمان.. إن الدعاءُ عليهِم أو إهانتُهم ولو ((مرةً واحدة)) يَطعَنُ الأمانَ ويدفعُ للجُموحِ والتَّمَرد..
22-إبرازُ القُدواتِ الجَذابة في محيطهم، وزرعُ الولاء داخلهم للمجتمعِ المسلمِ الصالحِ الناجح، واجتنابُ غير ذلك من مصادر المحيطِ الخارجي، سواء أهل/ أصدقاء/ إعلام، مع نقدها والتنفير منها للتوعية بشَرِّها.
وختامًا.. إِنْ عليكَ إلا البلاغ، وليس عليكَ هُداهُم ولكنَّ اللهَ يَهدِي مَن يشاء.. إنما عليك السَّقْيُ، وليس عليك الثمرةُ، مَعذرةً إلى ربكم ولعلَّهُم يتقون.. والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا، وإن الله لمعَ المحسنين.. فسددوا وقاربوا... وأبشروا..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أزمةُ "رصيد" أم أن "مُنشِدُ الحَيِّ لا يُطرِبُ"..؟
أسماء محمد لبيب
لا أنسى حين كنتُ أطالعُ منشوراتٍ وُضِعتْ تحت وسمٍ يُبرزُ مَناقِبَ إحدى المعلماتِ المربياتِ التي أعرفها شخصيًّا، قد صاغتْها طالباتُها لتكريمها. كانت كباقةِ أزهارٍ قد تجمَّع شذاها في مِزهريةٍ فَوَّاحَةٍ تَسُرُّ الناظرين..
كتبَتْ إحداهُن: أولُ حصةٍ، قسّمت المعلمةُ السبورةَ قِسمين: ثلث، وثلثين .. ثم سألتنا عمَّا نريده منها، وكتَبَتْهُ في القِسم الأكبر! ثم جاء دورُها، فماذا طَلَبَتْ !ثلاثةَ مبادئ: الصدقُ، الاحترامُ، تعظيمُ الوقت.. فحسب! وضربتْ مثالًا للصدقِ قائلة: "قولي مَلَلْتُ وأود الخروجَ قليلًا، ولا تقولي "أحتاجُ لدورة المياه" كذريعةٍ للخروج.. مُربية حكيمة تتفهَّم احتياجاتِ طالباتِها وتُوَجِّهُهُنَّ إلى القِيَمِ دون إهانة..
وتلك أخرى تحكي: قبيل بدء الحصة تعانقُنا ونحن ندخل الفصلَ على صوتِ أنشودةٍ جميلةٍ جَهَّزَتْها لنا.. ولو كان اليومُ مُزدَحِمًا فهل تَحرِمُنا من ذلك؟ مُطلَقًا! تجعلنا نتبادلٌ سلامًا جماعيًا ثم نجلس ونُكمل الأنشودة ونأكلَ حتى تُنَظّفَ السبورةَ وتبدأ الشرحَ، ثم تأتي لكلِ واحدةٍ في مكانها تُعانِقُها وتُقَبلُ رأسَها وهي تتابعُ كراستَها.! أيُّ حِرصٍ دؤوبٍ على التربية بالحب..!
ليس هذا فحسب، فطالبةٌ ثالثة أردفتْ: ندخلُ الفصلَ فإذا عنوانُ السبورة: "الحبيباتُ اللاتي تبتهجُ النَّفْسُ برؤيتهنّ"..! ويبدأُ الشرحُ ونتسلَّمُ أوراقَنا، فإذا عُنوانُها: "وُريقاتُ عَمَلٍ للحبيبات"..! فنفتحُ الورقَ لنجدَ أولَ سؤال: ((اعربي الآتي: يا صُحبةَ الخير، آتيكنَّ واللهُ وحده يَعلمُ حالي، فيُلْقِي بِكُنَّ بهجةً في قلبي.. لا أنفكُّ أنظرُ إليكنَّ فتنجلِي همومي، وأجدُ انفراجةً واسِعًا مَداها.. فالله أسأل أن يرضى عنكن وييسر لكُنَّ أموركنَّ الحياتية والأخروية)).! أي إصرارٍ هذا على أَسْرِ القلوب...!
ونشرَتْ أخرى قائلة: ما أجملَ أن تقول لك المعلمةُ: "أكون على سَجِيَّتِي حين أُجالِسُكِ!".. وطالبةٌ خامسةٌ تحكي: في مرةٍ أرسلْتُ لمعلمتي اعتذارًا عن خطأٍ ارتكبتُه، فقالتْ: "يا حبيبة، أنا لا أملأ عيني بأخطائكُنّ، وإن عَرَضَ أَحَدُها أمامي فإن صورتَه تَذهبُ مع الغَمضِ.. فلا تَحمِلي هَمًّا"..!! نَشْرٌ دائمٌ للطُمأنينة، ورغم ذلك لا يخلو الأمرُ من مُنَغِّصات، فقد قَصَّتْ إحداهنَّ قائلة: أثناء الحصةِ خرجنا عن الدرس ونفد الوقت، فصاحت فينا المعلمة! ثم ما لَبِثَتْ أن قالت قبل انصرافها: "آسفةٌ على الصِّياح لكنِّي لستُ آسفةً أني تضايقت".. كم تأثَّرنا!.. شَعُرنا بتقديرها لمشاعرنا وحرصها على تعليمِنا أنه ليس معنى أنك تملكُ السلطةَ على أحدٍ أن تكونَ شديدًا معه.. هي ليست مجرد معلمة، هي مربية! -بوصفهن.
وكتبَتْ أخرى: ذات يوم، نسيتُ أدواتِ مادةِ معلمةٍ أخرى أخافُ من زَجرِها، فقالتْ لي معلمتُنا الحبيبة: "سأرافقُكِ إلى المعلمة وأعتذرُ منها نيابةً عنكِ".. تُعَرّضُ نفسَها للحَرَجِ لأجلي! فقلتُ فورًا: لا معلّمتي! سأدخُل وَحدِي لا عليكِ.. فضمَّتْني وهَمَسَتْ بكلماتٍ لا أنساها: "أنا بجانبكِ.. سأقِفُ بالخارج، إنِ احتجتِ إليَّ فقط أدخليني". فرفضْتُ تعريضَها للحرج.. فقالت: حسنًا، ولكن قولي في الطريق: "اللهم أذهِب غيظَ قلبهِا وأجِرْنا من النار". نفَّذْتُ الوصيةَ، فإذا بالمعلمةِ المُهابةِ مُتَغَيِّبَةٌ والحصةُ مَلغِيةٌ!.. شعُرتُ وكأنَّ نارًا قد انسكبَ عليها الماء البارد..!. أيُّ ثِقَةٍ تزرعها مواقفٌ كتلكَ في قلوبِهن؟
وَحَكَتْ طالبةٌ: رأتْني معلمتي يومًا وقد انفرط رباطُ حذائي وأنا أعْقُده، فانحَنتْ على الأرض وأخَذَتْ تربطه بيديها وهي تقاوِمُ محاولاتي لإثنائِها وتقول: "أذلةً على المؤمنين"..!
تلك قَطَراتٌ من سَيلِ شهاداتهنَّ عنها بحروفهنَّ الصادقةِ دون زخرف، جاءت تحت وسمِ "يومياتُ معلمٍ يُساهِمُ في رِفعةِ أُمةِ محمد" ﷺ، لمربيةٍ عَلِمَتْ وعَلَّمَتْ أنَّ التربيةَ والتزكيةَ مُقَدَّمةٌ على التعليمِ كما في مَهَمَّةِ الرُّسل: {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ } .
وحين سُئِلَتْ عن سِرِّ ذلك الارتباطِ والثقةِ بينها وبينهنَّ حتى صارتْ صُندوقَ أسرارِهِنَّ، أجابت -بعد إرجاعِ الأمرِ لرزقِ اللهِ وتوفيقِه: لا أَخْذَ دونَ عطاء.. وإذا أردتِ من "بناتِك" أمرًا فلتكوني له نموذجًا حيًّا.. وعندي قانونٌ اسمُه "الرصيد"، يُشحَنُ بالحُبِّ والاحترامِ، فإذا حدَثَ موجِبٌ للعقاب، يكون العقابُ بالـ "سحب" من الرصيد.. فيَحرِصنَ على رصيدِهنَّ لديَّ، ويتعلَّمْنَ العِبرةَ دون إهانات.. فحِفظُ ماءِ وُجُوهِهِنَّ يُنْمِي المحبةَ والثقةَ والأمان..
تذكَّرْتُ حينَها، أيامَ كنتُ مُعلمةً للقرآن في المسجد، وكانت طالباتي يستشِرْنَنِي في أمورِهن الخاصة، حتى أنهن كُنّ يتواصَلن معي هاتفيًا لضيقِ وقت الحلقة.. ومنهن من حكت لي يومًا باكيةً، أمورًا يندى لها الجبينُ، وكنت أنصحُ بالرجوعِ للأهلِ لمزيدِ دعمٍ، فتُجيبُ وجوهُهن: مستحيل! ربما لعلمِهنّ أن الأهل قد يضاعِفون المشكلةَ بدلا من ترمِيمِها، وربما لأسبابٍ أخرى لا علاقةَ للأهلِ بها كما في شِعرِ ابنِ الجوزي: ((يَرَون العجيبَ كلامَ الغريبِ، وقولُ القريبِ فلا يُعجِبُ.. وعُذرُهم عند توبيخِهم: مُنشِدُ الحَيِّ لا يُطرِبُ!))*(بتصرف يسير)..
إلا أنه لا يختلفُ عاقلان على أن الأبناءَ لا يتواصلون مع من لا يُحبون، ولا يُحبون إلا من يأتمِنون..
مواقفُ المدرسةِ والحلقة، أفرزَتْ لديَّ قناعةً بوجودِ عواملَ تُعزِّزُ أحيانًا ثِقَةَ الأبناءِ في المربياتِ خارجَ المنزلِ أكثرَ من ثقتِهم في الأم -أو الوالدين معا- وليستْ دومًا كلها بسبب تقصيرِ الأم، فللمشهدِ عواملٌ أخرى كي يبدو بتلك المثاليةِ الرائعةِ خارجَ البيت، حتى نكون مُنصِفين...
فثمةُ عوامل يمكن التحكمُ بها وتعزيزُها من قِبَل الأمهاتِ والمعلماتِ، وتُلَمْنَ عليها حالَ التقصير، وعواملُ أخرى لَصِيقَةٌ بالمعلمات فقط، خارجَ حدودِ مقدرةِ الأمِ ووُسعِها، ومهما بَذَلَتْ من جهد لتحقيقِها فلا مجالَ للمنافسِة فيها، بالتالي فلا ذنبَ حينئذٍ لبيئةِ البيت، بل إن من واجِبِنا وقتَها دفعَ الأبناءِ إلى التفهُّم لتستقيمَ نظرتُهم للحياةِ بإنصافٍ ورُشد.
فمن العوامل الممكنُ توفُّرها لدى الأمِّ والمعلمةِ معًا:
إخلاصُ النيةِ للهِ وصيانةُ أمانةِ التربيةِ، واليقينُ في الثمرةِ إن عاجلًا أو آجلًا.. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ..
جنبًا إلى جنبٍ مع الدعاء بالتوفيق: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً..
بجانب القراءة دوريًّا في وسائلِ التنشئةِ الإسلامية وخصائصِ كلِّ مَرحلةٍ عُمرِيَّةٍ ومشكلاتِها وعلاجاتِها على ضَوءِ القرآنِ والسُّنة..
والرفق الحب والحِلم والتشجيع والإنصاف... تَطييبُ الكلامِ والتبسمُ ونشرُ الراحةِ النفسيةِ لا الشد العصبي.. التحكمُ في ردود الفعلِ تجاه الأخطاء، والتفريقُ بين الخطأ العمدِ والسهوِ والزَّلَل.. عدمُ تغليظِ النقدِ والتقريعِ بقسوة، ولا السخرية، ولا الإذلال بأخطاء الماضي.. التثمينُ لمحاولاتِهم التَّزَكِّي.. صيانةُ سِرِّهِم وعدمُ فَضحِهم.. عدمُ تحميلِهم ما لا يُطيقون.. إفساحُ المجالِ للتعبيرِ بأمانٍ عن أفكارِهم مع غرسِ الشعورِ بالكفاءةِ والثقةِ والأهليةِ للخيرِ والنجاح..
غير أنه قد تكسِبُ مربياتُ المسجدِ والمدرسةِ ثقةَ الأبناءِ أحيانا أكثرَ من الأم، لِمَيزاتٍ ليست لدى الأخيرة، فمن ذلك:
استطاعةُ المعلمة الفصل بين حياتِها الشخصيةِ والعمليةِ وترك مشاكلِها خارجَ الفصل، و الأهمُّ من ذلك أن الدوامَ له نهايةٌ مهما طال، تَتَخَفَّفُ بعدها من ضغطِ أمانةِ تربيةِ الناشئين وثِقَلِ التَّصنُّعِ والتَّطَبُّعِ فيه بكل جَميلٍ معهم.. بينما الحالُ مع الأمِّ مختلفٌ، فالدوامُ دائمٌ والضغطُ مُستمرٌ والتصنعُ مهما طال سينهارُ أمامَ طولِ العِشرَةِ والاحتكاك، والطَّبعُ يغلبُ التَّطَبُّعَ غالبًا.. لذلك لا نَعذُرُ المُّعلمَ العصبيَّ مثلما نعذرُ الأم، لأن ثَمَّة فرق بين من يتعرَّضُ للمسؤوليةِ بِضعَ ساعاتٍ لخَمسةِ أيامٍ في الأسبوعِ فقط ويُمْكنُه أخذُ إجازة منها، وبين من يتعرضُ لها يوميًا بدون فواصلَ تقريبًا. ولذا، ننصحُ دومًا الوالدين بالمجاهدة في التَّزَكِّي بالأخلاق حتى تصيرَ سَجِيَّةً، لا تَطَبُّعَ فيها ولا تَصَنُّع..
المعلمةُ إذًا في نَظر الأبناء، إنسانٌ مثاليٌّ لا يُخطيءُ، بينما في البيت يتصادمون مع زَلَّاتِ الأم، فيؤثرُ ذلك على تَرَجُّحِ كفةِ ثقتِهم لصالحِ المُعلمةِ، بدلًا من مُنشِدِ الحَيّ: الأم..
كذلك إذا كانت المعلمةُ تُعَزِّزُ الإبداعَ لدى الطالباتِ وتُحَرِّرُ طاقاتِهن الكامنة، فإن ذلك يُضاعِفُ ميلَهُنَّ الشعوريَّ تجاهَها، ويُفرِزُ قُربًا أكثرَ، ويُزيلُ الحواجز، ويُضاعِفُ الثقة.. بينما الأمُ التي لا يتسعُ وقتُها غالبًا بجانبِ مَهام التربيةِ والبيت -وربما عَمَلٍ لإعانةِ الأبِّ مَعِيشِيًّا- تنحسرُ طاقتُها عن مِثلِ تلك المِساحات الإبداعية..
أيضًا كونُ هدف المعلمةِ التربوي محدود، يجعلُ أقلَّ تَقَدُّمٍ للمدعُواتِ إنجازًا، فتُثنِي عليهِن بحماسٍ يُشعِرُهُنَّ بالتميزِ والجدارة.. بينما هدفُ الأمِّ التربويُّ بلا سقف.. هي تريدُهم أفضلَ البشر.. فيَظَلُّ قَوْسَ أهدافِها التربويةِ مَفتوحًا، مما يُنسيها تَثمِينِ إنجازاتِهم "البسيطة" في نَظَرِها، وربما يُضاعِفُ النقدَ المُكثف، فيُحبَطُ الأبناءُ ويَفِرُّونَ من الشعورِ السلبيِّ إلى واحاتِ المحاضنِ التربويةِ الأخرى..
فيا أيتها الأم، لا تُخفِضِي سقفَ الطموحِ ولكن: ثَمِّنِي أيَّ نجاحٍ لأبنائِك، وَضَعِي خُطَطًا تربويةً مرنةً وتصاعدية، تُراكِمُ شعورَهم بالإنجاز..
كذلك تَقارُبُ سِنِّ المعلمةِ مع المدعواتِ يُذِيبُ الفوارقَ، إلا أن الأمَّ تستطيعُ أن تُعَوِّضَ ذلك بتقَمُّصِها لمرحلَتِهِنَّ العُمرِية ما أمكن، والنزولِ لمستوى تفكيرِهن وحواراتِهن.. ولعل ذلك يؤيدُ التوجهَ الداعمَ للزواجِ المبكرِ بضوابِطِه، ليتلاشى الفارقُ العمريُّ الكبيرُ بين جِيلِهم وجيلِ أبنائِهم..
وقد تكونُ الأمُّ لديها كلُّ تلك الميزاتِ، ثم في النهايةِ يُسِرُّ الأبناءُ سِرَّهُم للغريبِ.. ربما لكونِ السِّر في ذاتِه مما يَخجَلُ الأبناءُ من إفشائِه للأمِّ لشدةِ إجلالهم لها.. وربما بلا سبب واضح سِوى بيت الشعر: "لا عيبَ لي غيرَ أني من ديارِهم"..
وأيًّا كان السببُ، فعلى الأمِّ إذا لاحظت ذلك، أن تقتفِي الأسبابَ وتُرَمِّم ما لها فيه يَدّ، ثم لا حرجَ بعدها إذا اتَّخَذَ الأبناءُ بعضَ الثقاتِ خارجَ البيتِ جَنبًا إلى جنبٍ مع ثقتِهم فيها، فتنوعُ خبراتِ الأبناءِ من ذوي الأهليةِ يُنَمِّي مهاراتِهم الحياتيةَ، ويُعزز روابطَهمُ الاجتماعيةَ، ويُسَرِّعُ تناميَ رُشدِهم..
وليكُن شعارُها دومًا: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰاحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ.. وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِٱللَّهِ..عَلَي ْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
مُقَدِّمة: النيةُ من التربية.. ووقودُ التربية..
أسماء محمد لبيب
بَعضُ الناس يقولون أن ديننا ليست فيه أدواتٌ وقواعدُ لتعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ بالشكلِ الموجودِ في أدبياتِ التربيةِ الغربيةِ الحديثة..
ومن يقول ذلك، إما أنه لم ينَلْ شرفَ إتمامِ ولو خَتمةٍ واحدةٍ للوحيَينِ: القرآنُ وصحيحُ السُّنةِ،
وإما أنه قد قرأَ منهما عشوائيًا ثم فَتَرَتْ هِمّتُهُ وانجذبَ أكثَرَ لبريقِ التربوياتِ الغربية..
بينما لو اصطبرَ على طريقِ موسى و الخَضِر، لأوشكَ أن يلتقطَ بشِغافِ قلبِهِ وعقلِه كنوزًا تربويةً فريدةً ومدهشة، تَبْرُزُ لهُ لآلِئُها من أصدافِها، جزاءً وِفاقًا على اصطبارِه،
تُنافِسُ وتتفوقُ باكتساحٍ على أعظمِ المدارسِ التربويةِ الحديثةِ وأدبياتِ تعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ كافة..
فما التربيةُ إلا قرآنٌ وسُنة..
وهذا ما سوف أجتهد في إظهاره للقاريء الكريم من خلال هذه السلسلة بإذن الله..
أضع فيها بين أيديكم أفكارًا عَمَليةً طبقتُها فى تربية أبطالي الثلاثة على مدار أكثر من ستة عَشَر عامًا بحول الله وقوته، تخص مشاكلنا معهم ومشاكلهم معنا.. مع عرض لتجربتي المتواضعة في حلها وفك تشابكاتها بفضل الله وحده وتوفيقه، عساها تنفعكم..
وأسأل الله أن يحفظ أولادَنا ويهديَهم ويصنعَهم على عينه ويقر بهم العين والقلب يوم الجزاء... فإنما هي أسباب نُتبِعُ بعضَها بعضًا... وإنما علينا البلاغ.. والله يهدي من يشاء إلى سواء الصراط..
أبدأ فأبين النيةَ والغايةَ المَرصُودةَ للتربية، ووسائلَها...
أولا::: غايةُ منهجي التربوي:
منهجي في التربية يستهدفُ العبارةَ الذهبية في حديث السبعة الذين يُظِلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله:
.."و شابٌ نشأ في طاعة الله"..
وضَعتُ لتلك الغايةِ الأصيلة عشر غايات فرعية من ورائها، أجتهد في تحصيلهم بحول الله وقوته لأبلغ الغاية الكبرى بسلام بإذن الله..
تتمثل تلك العشر في تخريج ذرية:
1.عالِمَةٍ بأمور الشريعة والعربية متقنة لها عارفة بحقوقها وواجباتها..
2.تَحملُ القرآنَ علمًا وعملاً وتبليغًا وجهادًا به جهادًا كبيرًا..
3. تَحرُسُ الدين وتطبقه كمنهج حياة كامل وتنشره عزيزًا دون أن تجد في نفسها حَرَجًا منه..
4.تملك عقلية فاحصة ناقدة قد درست مواطنَ الفتن وتحصنت بأسلحتها وحصنت غيرها..
5.خالية من الدنس والدناءات والتفاهات والعلائق والشهوات والشبهات، موَفَّقة لشروط الضبط والعدالة التي اتفق عليها العقلاء لتعريف خير الرجال، مُنزهة حتى عن خوارم المروءة بإذن الله، وليست كأي ذرية..
6.عالية الهمة، تتحرى النوافلَ والمندوبات كما تتحرى الفرائض والواجبات، وتطبق كل شِعَب الإيمان من أعلاها -لا إله إلا الله- إلى أدناها -إماطة الأذى عن الطريق- دون تباطؤ عن أي بر..
7.واعية بتحديات الواقع غير منعزلة عن هموم المسلمين..
8.زاهدة في الدنيا..
9.تُحِب الموتَ في سبيل الله كما يحبُ أهل الدنيا الحياة..
10.تُحَررُ الأقصى والأمة بأسرها..
ثانيا::: وسائل منهجي التربوي لتحقيق تلك الغاية:
ببساطة وبحولِ الله وقوته:
▪️ تطبيقٌ مستمر للقرآن والأحاديث والآثار الصحيحة، بفهم السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى ومن وافَق خُطاهم في العصور التالية إلى يومنا هذا، في الحياة كمنهجٍ عام أولًا مع نفسي لأجل نفسي، وثانيًا مع الأولاد أنفسهم، لتتصل سلسلة الاتباع بخير القرون بإذن الله، ولكي يجدوا توافقًا بين كلامي النظري و تطبيقي العملي كقدوة..
وأبتعد تماما عن نظريات التربية الغربية، ولا آخذ منها حتى ما لا يتعارض مع نص شرعي، فديننا أولى بالفَخار والانبهار، بل أخالفها أحيانا بقوة حين تخالف قاعدة تربوية معلومة من الدين مهما دَقَّ شأنُها.. فالخير كل الخير في اتباع السلف... وخير القرون هي التي زكاها النبي ﷺ الذي لا ينطِق عن الهوى وإنما يُوحَى إليه الخيرُ كله من رب العالمين، والتي أخرجت لنا شموسًا لم تُشرق على الأرض مثلُها حتى يومنا هذا: القرون الثلاثة الأولى...
ولو كان ثمةَ خير تربوي نزعُم أنه في أيدينا لَسبَقونا إليه.. { {فبهداهم اقتده} }..
▪️ وبالطبع هناك أمور لا يوجد نص شرعي واضح فيها، أو هي من أمور دنيانا المتروكة لاجتهاد كل فرد أو تَتْبَعُ قوانينَ علميةً تجريبيةً نافعةً وثابتة، وليست من أمور ديننا ولا من ميراث النبوة في شيء، فأجتهد حينها كذلك مع أبنائي تحت مظلة الأصول والمقاصد الكلية للشرع وقواعده العامة والجزئية، فلا أستأنسُ ولا أسكنُ إلا تحت ظل الشرع، كي يطمئن قلبي أني على صواب أو أقرب ما أكون إليه ما استطعتُ، وأني لست أتبعُ الهوى المُضِلّ المُزِل، ولو في أقل توجيه لأبنائي أو لنفسي، قدر الجهد والعلم المتواضعَين...
فاللهم اعصمنا وسددنا واجعلنا وذريتنا أئمة للحق والمتقين..
✔️ فمن توافَقَت غايتُها ووسيلتُها التربوية وخَطُ اجتهادِها الفكري التربوي مع هذا الطريق، فلتركب معنا مرحبًا بها ولتُدلِي معنا بخبراتها على نفس المسار الذي يتخذُ الآخرةَ قبلتَه والشرعَ النقيَّ مَطِيَّتَه -حتى وإن كانت خبراتُها العمليةُ كأم تختلف عن خبرات بعضٍ منا فيما يسعُنا فيه الاختلاف تبعًا للفروق الفردية- فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه..
✔️ ومن خالفَ هواها هذا المنهجَ، فلتتركنا و منهجنَا وتدعو لنا بالتوفيق إن كان خيرًا، و لتكفِنا شرَ الجدالِ المحسومِ -بلا شك- لصالح منهج السلف القويم المتين. إلا إن رأت في كلامي ما يُخالِفُ مَنهجَ السلفِ فلا تتردد في تنبيهي قطعًا فكما قال الشافعي: إن صح الحديث فهو مذهبي..
والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا..
اللهم هذه همتي و عزمي.. وعليك توكلي و بك حولي وقوتي.. فأعني بحولك وقوتك.. فلا حول ولا قوة إلا بك.
ثالثًا::: وَقُودُ التربية:وقفةٌ تأسيسيةٌ قبل أي كلام تربوي..
ما الذي تحتاجه الأمومة؟.. ما هو وقود التربية؟
التربية تحتاج في الأساس إلى صبر.. وحكمة.. وحنان..
أي: حِلمٍ وعِلمٍ ورحمة..
وإنما العِلم بالتعلم...
وإنما الحِلم بالتحلم...
والرحماءُ يرحمهم الله....
و يعينكِ على الثلاثة أيتها الأم الطيبة، بجانب إخلاص النية لرب العالمين:
..الاستعانةُ بالله..
بصدقِ افتقارٍ إليه عز وجل، وتجَرُّدٍ تام من حولِك وقوتِك إلى حولِه وقوتِه سبحانه وتعالى، وتذلل في الدعاء بقلبٍ خاشع مُنكَسِرٍ بضعفِه مُعترفٍ بعجزِه، بين يدي القوي المتين..
وللاستعانةِ بالله طرقٌ كثيرة.. أعظمُها أثرًا:
- الدعاء.
- الذِكر بشكل عام.
- استغفار/ وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم/ وحوقلة = بشكل خاص.
- قضاء حوائج الناس.
- صلوات النوافل (كثرة السجود)..
وأحبُّها إلى القلب وأسرُعها أثرًا: كثرة السجود والاستغفار...
1= فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا حارثة:
"أعني على *نفسك* بكثرة السجود"...
وأولادكِ قطعة من *نفسك*، حقيقةً ومجازًا..
فاستعيني على نفسِك وقِطَعِ نفسِك، بكثرة السجود..
2= وكما قال الله عز وجل: { { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكم تُرْحَمُون} }
فاستعيني على استخراج ثمرتِِك بأمطار الاستغفار..
باختصار أيتها الأم الطيبة..
تلك "روشتة" وقائية علاجية في ذات الوقت، أكتبها دوما لأي أم تأتيني باكية والعجز ينهش فلبها وتكاد تنهار من اليأس:
استغفري.. وصلي على النبي.. وحوقلي.. وأكثري من النوافل وأطيلي فيها السجود والدعاء...
حتى يعجز عدادك عن العد..
و حينها: سترين عجبا... بإذن الله..
رابعا:::: خريطة السلسلة بحول الله وقوته:
القسم الأول: قواعدُ تريوية
القسم الثاني: أدوات/وسائل تربوية
القسم الثالث: ممنوعاتٌ تربوية
القسم الرابع: إيمانياتُ ابنكِ
القسم الخامس: أخلاقياتُ ابنكِ
القسم السادس: ابنُكِ ومُعتَرَكُ الحياة..
سأضع إن شاء الله في مقدمة عنوان كل مقالة، اسمَ القسمِ الخاص بها، تيسيرا على القاريء الكريم عملية تصفحَ السلسلة..
والبداية في المقالات القادمة مع قسم القواعد التربوية بحول الله وقوته..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (1)
مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم ولعلهُم يتقون..
أسماء محمد لبيب
منذ أن تتيقظَ حواسُّ وَلَدِكِ للتلقين، ومادامتْ فيكِ أنفاسُ الحياةِ،
طَرِّزِي نسيجَ يومياتِه بدينِ ربِ العالمينَ خَيطًا خَيطًا وعُودًا عُودًا..
نشِّئيهِ على الإسلامِ بكل تفاصيلِهِ الصغيرةِ والكبيرةِ المعرفيةِ والعمليةِ، وألقِمِيهِ إياها مع غذاءِ بَدَنِه، قَطرَةً وراءَ قَطرَةٍ ولُقمَةً إثْرَ لُقمَة..
ولا تنزِعِي يَدَكِ من ذلك أبدًا بحججٍ واهية، كأنْ تقولي ((إنه صغيرٌ لا يستوعِبُ بَعدُ هذهِ الأمورَ ولا تعنِي لهُ شيئًا!))..
فظَنُّكِ هذا بعيدٌ عن الواقِع، فهؤلاءِ الصغارِ صفحاتٌ بيضاءُ لها خَمسُ مُستقبِلاتٍ سِحريةٌ مُدهِشَة، تتلقّفُ كلَ ما يمُرُّ أمامَها في نَهَمٍ وتُخَزِّنُهُ في أدراجٍ عقليةٍ متراصَّةٍ بنظامٍ كشَريطِ الكاميرا المتتابِع..
خاصةً تلكَ المعلوماتِ التي يَتِمُ تمريرُها مِرارًا وتكرارًا على تِلك الحواسِّ الخَمس، فإنها تتلقَّى عِنايةً فائقةً في مُستودَعاتِهم العقليةِ، أكثرَ من غيرها..
فالتكرارُ قَولًا وفِعلا، يَجعلُ المعلوماتِ والمعرفةَ تُنقَشُ وتُختَزَنُ في الوجدانِ في ذَواكِرِ المَدى الطويل، فتتحولُ لقناعاتٍ وأفعالٍ بحولِ اللهِ وقوتِه، ولو بعد حِين، فكلُّ شَجَرَةٍ لها أوانُ حَصادٍ نلتقِطُ فيه ثِمارَها..
حتى إذا حانَ وقتُ تَمَكُّنِ البراعِمِ من التعبيرِ بالكلامِ والفعالِ وآن أوانُ إزهارِ الثمارِ من مخابِئِها، اهتزتْ وربتْ وأنبتَتْ مِن كلِّ زَوجٍ بَهِيج..
فلا تظني أنهم قبل ذلك كانوا عنها من الغافلينَ أو الرافضين، حتى وإن عارضُوها بأفعالِهم وعاكسُوا توجيهاتِك فيها فيما يبدو لكِ من مشاغباتِ الصِّغارِ البريئة..
كذلك لا تَنزِعي يَدَكِ من ذلك التلقينِ الدَؤُوب، بأن تقولي: ((أنا قد غالَبتُه على ذلكَ كثيرًا فغَلَبَنِي!، مهما أُعَلِّمُهُ وأُلَقِّنُهُ لا يَستَجِيب، حاولتُ كثيرًا وفَشِلتُ، فَتَرَكْتُ..))..
فإنك إن تركتِ فكأنما وَضَعْتِ سَدًا أمامَ نَهْرِ حسناتٍ جارٍ باسمِكِ يا طيبة..
لأن العِبرَةَ بقاعدتين:
(( {إنْ عليكَ إلا البلاغ} )) و (( {ليسَ عليكَ هُداهُم} ))..
أي أنكِ ستحاسبين عِندَ ربِّكِ على التربيةِ نفسِها كيف كانت، والسعْيِ معها كان في طريقِ صَلاحِها أم فسادِها..
لكن لن تُحاسبي على ثمرةِ التربيةِ نفسِها كيف كانت، طالما لم تتركي السعيَ في طريقِ صلاحِها، ولم تسلُكِي طريقَ فسادِها..
السعيُ يكونُ بقدرِ الطاقةِ والوُسْع..
والطاقةُ والوُسعُ رزقٌ مَحض..
واللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمنْ يشاءُ ويَقْدِرُ، فلن يحاسِبَكِ إلا على رِزقِك..
والثمرةُ، وقتَ أن يأذنَ اللهُ فالقُ الحبِّ والنَّوَى.. فانتبِهِي، لأن بتأخُّرِها أحيانًا، يختَبِرُ الحكيمُ العليمُ صبرَكِ وثباتَكِ على الطريقِ الصحيحِ، وعدمَ يأسِكِ مِنهُ ولا ارتيابِكِ في جَدواه..
وإن ثباتَكِ عليهِ حتى المماتِ خيرُ دليلٍ على يقينِكِ أنهُ الحقُّ،
فاثبُتي..
مهما طالَ بِكِ الطريقُ وشَقَّ على صبرِكِ،
ومهما كانتْ أحوالُ الثمرةِ المُتَقَلِّبَةِ أمامَ عَينَيكِ بينَ المرارةِ والحلاوةِ..
فليسَ أمامَكِ إلا هذا الطريق،
تُرابِطينَ عليهِ كالمجاهدينَ على الثغور،ِ
لِعِلمِهِمْ أنَّ الأمرَ ها هنا حياةٌ أو موتٌ فلا يملكونَ رفاهيةَ اليأسِ أو القُعود،
حتى تحوزين إحدى الحُسنَيَيْنْ:
ثمرةُ التربيةِ الحلوةُ المَرجُوَّةُ بأبناءٍ صالحينَ كواكبَ دُرِّيَّةً في تاجِ الأُمَة..
أو الموتُ وأنتِ على ذلك في سبيلِ الله، مادامتْ نيتُكِ أن تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا بغَرسِك التربوي..
فالأمرُ باختصار:
{... {مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ} .. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ...}
فاصبروا وصابروا ورابطوا...
ومن هنا نسألُ سؤالًا: أين ينبغِي أن يكونَ طموحُنا التربوي؟
والجواب في المقالةِ القادمةِ إن شاء الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (2)
الطموحاتُ التربوية: "فاسألُوا الفِردَوس"..
أسماء محمد لبيب
أحزانُ الأمهاتِ تتفاوتْ..
هناك أمٌّ يشتدُّ حُزنُها حينَ لا يُرَتِّبُ ابنَها أشياءَه، أو يُبلِي مَلابسَه سريعًا، أو يُحدِثُ جَلَبَةً أثناءَ لعِبِهِ، أو يَنسَى كُتُبَه...
وأمٌ يشتَدُّ حُزنُها إن فاتَ ابنَها التمرينُ الرياضِيّ، أو حِصةُ العلوم، أو خالفَ خِطةَ الأطعمةِ الصحية...
وأمٌّ يشتدُّ حزنُها إن فاتَ ابنَها الظُهرُ في المسجدِ، أو قيامُ الليلِ، أو صلاةُ الفجرِ قبل الشروق..
كلُّ واحدةٍ لديها هَمٌّ رئيسيٌّ يَشغَلُ خاطرَها ودعواتَها بحرارة..
لكن الفرق بينهن: الطُمُوح.. الغايةُ النهائيةُ التي ينفعلُ معها القلبُ وتسهرُ العَين..
الأولى طموحُها في ابنِها كان متواضعًا، فلم تُرَكزْ إلا على هذا القليل، بالتالي قد يَسقُطُ ابنُها في الأساسيات..
والثانيةُ كان طموحُها أرقَى، لكنه لا يزال دُونَ القِمَم، بالتالي ابنُها عُرضَةٌ للنكوصِ إلى المرتبةِ الأدنَى..
أما الثالثةُ فكان طموحُها أعلى الهَرَم، فحين يتهاون ابنُها سيكون في فروعٍ ونوافلَ ولَمَم، لا أصولٍ وفرائضَ وطَوام..
ألمْ يُوصِنا نبيُّنا ﷺ بتعليةِ سَقفِ طموحِنا للقِمة، حين قال "إذا سألتُمْ اللهَ فاسألوهُ الفِردَوس"؟..
لذا..
الطموحُ في التربيةِ لابد أن يبدأَ بسقفٍ عالٍ وغاياتٍ كُبرَى كما قلنا في المقال الأولِ "النيةُ من التربية"..
وأعلم أن مُعظَمَنا يبدأُ التربيةَ وعَينُهُ على قِمةِ الهَرَم، فأنا لا أكادُ أعرفُ أُمًّا لا تتمنَّى أن تُنجِبَ مُحَرِّرَ الأقصَى وحاملَ القرآنِ وإمامَ المتقين..
لكن بعد الإنجاب يَظهَرُ الفرقُ على أرضِ الواقِع:
بين التي كان الأمرُ مجرد أمنيةٍ غاليةٍ لم تَتَجَهَّزْ لها لا بالعلمِ ولا بالوقتِ ولا بالهِمة الكافية..
وبين التي جَهَزَتْ نفسَها وسَخَّرَتْ كلَّ وُسعِها لتحقيق هذه الأمنية، مِن طَلَبِ عِلمٍ، وهِمّةٍ عاليةٍ، وحُسنِ تخطيطٍ، وتجديدٍ للنيةِ والتزكية، وتحصيلٍ للمعارفِ التربوية..
بقَدرِ طموحَكِ الأُخْرَوِيِّ في تربيةِ وَلَدِكِ وبقدرِ جهوزِيَّتِكِ لهذا الطموح،
بقَدرِ ما ستَرَينَ ثمرةً تُقِرُّ العينَ والقلبَ في الدنيا وفي صحيفتِكِ بإذنِ الله..
حتى وإن تأخرَتْ الثمرةُ لِما بعدَ موتِكِ..
فكم سمِعنا عن قِصَصِ توبةٍ واستقامةٍ للأبناءِ أخيرًا إثرَ وفاةِ أمِّهِم أو أبيهِم، وكانَ هذا هو أوانُ إزهار هدايتِهم في عِلمِ الحَكيمِ الخبير.. فسيجبُرُكِ اللهُ يَقِينًا، بقدرِ هَمِّكِ وهِمَّتِكِ في هذا الطريق.. فأبشري.. واصبري إن الله لا يضيع أجر المحسنين..
وبالطبع، لكلِّ قاعدةٍ استثناءٌ، والهدايةُ رِزقٌ،
لكن في نفس الوقتِ لا نريدُ أن يظلَّ مثالْ -((ابنُ سيدِنا نُوح))- في عقلِكِ حاضرًا بالشكلِ الذي يُحبِطُكِ ويُقعِدُكِ عن السعيِ التربويّ الإسلامِي الدؤوب، لأنَّ -أولا وأخيرًا- ابنُ سيدِنا نوحٍ كافرٌ باللهِ وبعقابِه وثوابِه، فهو ليسَ مُسلمًا نستطيعُ أن نَسُوقَهُ لفِعلِ الصوابِ وتَركِ الخطأِ بتحفيزِه بجَنةٍ أو بنارٍ يؤمنُ بهما، فلا نقيس عليهِ كلَّ مَرَّةٍ تربيتَنا لأبنائِنا المسلمينَ قياسًا مُتطابِقًا مِئَةً بالمِئَة، لأن تلقينَ الدينِ لمُسلِمٍ لا شكَّ أيسرُ، وثمَرَتَه أقربُ وأرجَى بإذن الله، لوجودِ العقيدةِ التزكويةِ القويمةِ: الخَوفِ من اللهِ والرجاءِ في رحمتِه، ومَعلومٌ وثابتٌ أن تربيةَ خيرِ القرون هي مَصنَعُ إنتاجِ خَيرِ الثمراتِ..
فلو أنَّ الله ابتلاكِ في تربيتِك الطامحة لمعالي الأمور، بنَقصٍ من ثمراتِها، فاصبري للنهاية، وسيجبُرُكِ ويُمَتِّعُكِ بثمرتِها لا محالةَ، عاجلًا أو آجلًا بإذنِ الله..
.. {وَلَنَبْلونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ ((وَالثَّمَرَاتِ ))... وَبَشِّرِ ((الصَّابِرِينَ)) } ..
وهنا يأتي سؤال: أَإِلى هذا الحدِ يَعظُمُ أجرُ مَهَمَّةِ الأبُوةِ والأُمومة...؟
والجواب: في المقالة القادمة بإذن الله...
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (3)
أمومتك كنز فاغترفي لصحيفتكِ بسخاء
أسماء محمد لبيب
مُتَشبثونَ بِطرَفِ جِلبابِك ليلَ نهار؟ يَطُوفُونَ حَولَكِ طَوالَ اليومِ ويُراقِبونَ مَواضِعَ مَجلِسِكِ ليَنْصِبُوا ضَجِيجَهُم إلى جوارِك؟ يُريدونَكِ دومًا في كاملِ التركيزِ مَعَهم في لَعِبِهِم وحَكاياهم وحتى شِجارِهم؟ يَطلُبونَ صَراحَةً كلَّ اهتمامِكِ إنْ شَرَدتِ عَنهم قليلًا؟ يحزنونَ إذا نِمتِ ساعةً من نهارِ فلا يتركونَ أحلامَكِ المطمَئِنةَ تَخطِفُ بَهجَةَ أوقاتِهم وفاكهةَ أيامِهم؟
ويخنُقُكِ هذا كثيرًا ويُشعِرُكِ أحيانًا وكأنكِ تتنفسينَ بصعوبَةٍ من سَمِ الخِياطِ، وربما تَرَجرَجَتْ دَمعةٌ في مُقلتَيكِ فألجَمتِها وابتلَعَها جَوفُكِ في صَمتٍ حزينٍ وشُرودٍ مُحبَطٍ، لأنك تحلُمينَ بإنجازِ أمورٍ ومَهماتٍ كثيرةٍ تَخصُ مساحاتِكِ الشخصيةِ التي تُشبِعِينَ فيها مُتعَتَكِ الخاصَّة، بعيدًا عن مَسؤولياتِ الأبناءِ المُستَنزِفةِ لكلِّ الوقتِ والجُهدِ والتركيز، وتتمنِينَ لو أنكِ خَلَوتِ بنفسِكِ قليلًا في مكانٍ هاديءٍ مُريحٍ للأعصابِ خالٍ من التوتر والمطارداتِ الدؤوبة، عامرٍ بمزاولةِ المُتَعِ البسيطة، وارتشافِ الكُتُبِ في سَكينة، أو قراءةِ القرآنِ على مُكثٍ، أو التلذُذِ بموعدٍ مع النورِ عز وجل في جَوفِ الظلامِ قِيامًا بجسدٍ لم تُنهِكْهُ مَهَمَّاتُ يومٍ مُتَكَدِّسٍ بالصَّخَبِ والنَّصَب؟
أشعرُ بكِ.. فأنا مِثلُكِ أَمُرُّ بذلكَ كَثيرًا..
ومن قبلُ كانتْ خديجةُ مِثلَنا، أمُّ البنينَ والبناتِ السِّتة، ولم يمنعْها ذلكَ من مُعاونةِ النبيِ ﷺ بكلِ ما أُوتِيَتْ من قُوّةٍ في دَعمِ دَعَوتِهِ والذبِّ عنها، وأبناؤها بَعْدُ صِغارٌ ملتصقونَ بجِلبابِها، فكانتْ السَّكنَ والمَلاذَ الآمِنَ المريحَ له ولأولادِهِما، رُغمَ نَصَبِ التربيةِ وصَخَبِ الصغارِ ومَشَقَّةِ المسؤوليات..
فإذا كان رَبُّ خديجةَ قد بشَّرَها على لسانِ جبريلَ ببيتٍ في الجَنةِ، من لؤلؤٍ مُجَوَّفٍ وياقُوت، لا تَعَبَ فيه ولا صَخَبَ ولا ضَجِيجَ ولا إزعاج، فأبشري كذلكَ يا حفيدةَ خديجةَ بفضلِ ربٍّ كريم، فكما جاء في شروح الحديث، هذا رزقُ أهلِ الجنة كافَّة وليس شرطًا أن يكونَ خاصًّا بخديجةَ فقط، وإنما قد بُشِّرَتْ في الدنيا بذلكَ البيتِ الهانيء لسُرعَةِ استجابتِها بالإيمانِ مع رسولِه ﷺ دون أن تُحوِجَه إلى رفْعِ صَوتٍ ولا مُنازَعَةٍ ولا إرهاقَ ولا صَخَب، بلْ أزالَتْ عنه كلَّ نَصَبٍ، وآنسَتْهُ مِن كلِّ وَحشَةٍ وتَعَب، وهوَّنَتْ عليه كُلَّ عَسيرٍ، فناسَبَ أن يكونَ منزلُها بالصفةِ المقابلةِ لكل ذلك..
فتذكَّرِي جِدَّها وتفانِيها وانطلاقَها كالسهمِ في دَعمِ دِينِ اللهِ، بينما في طرفِ جِلبابِها سِّتةٌ صِغار، فيَهُونُ عليكِ أمرُكِ ومَشاغلُكِ ومُتَعُكِ..
وادعي لنفسكِ جزاءَ صبرِكِ على كلِ ذلكَ الصخَب والتعب، ببيتٍ في الجنةِ من ياقوتٍ وقَصَب لا نَصَبَ فيه ولا صَخَب..
وإن كنتِ أحيانا تنسَين أو لا تعرفِين، حَجمَ كَنزِ الأمومةِ في الإسلام..
فدعيني أنثرْ عليكِ لؤلتينِ منهُ فقط لضيقِ المقام..
اللؤلؤةُ الأُولى:
عن الإمامِ بِشْرِ الحافِي الزاهدِ الوَرِعِ التَّقِيِّ...
فرُغمَ زُهدِهِ الشديدِ وتَفَرُّغِهِ للعبادةِ وتشَبُّعِهِ بالوَرَعِ لدرجةِ خشيتِهِ من الزواجِ لئلا يُقَصِّرَ في حقِ زوجتِهِ ورَعِيتِهِ، وربما خَشِيَ من التقصِيرِ في العبادة لشدة وَرِعِه، حتى صارَ نَمُوذجًا للعابدِ المُتَرَقِّي في درجاتِ التقوَىِ والذي يَرجُو الجميعُ أن يكونُوه، إلا أنهُ عِندَ وفاتِه قال عنهُ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل:
"لو كان تَزَوَّجَ! فلو أنه تزوجَ لَتَمّ أمرُه".. لِعلمِ إمامِ السُّنّةِ الفقيهِ الحكيم، أن مَهَمةَ إنباتِ قلوبٍ مُسلمةٍ تَسجُدُ للهِ في أرضِه إلى يوم القيامة، إنما هو مِن معالِي الأمورِ وأعظمِ العبادات..
فاستحضِرِي دومًا أن تمامَ أمرَكِ عندَ ربِكِ هو بما اصطفاكِ لهُ من الأمومةِ بإذنِ الله، مهما نَقَصَتْ سائرُ أمورِكِ الأُخرى ومساحاتُكِ الخاصةُ وحزِنتِ لذلك، فربُكِ كريمٌ جبار، وما تقدموا لأنفسكم مِن خيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هو خيرًا وأعظمَ أجرًا..
واللؤلؤةُ الثانيةُ عن ابنِ عُمَر:
أنَّه رأى رجلًا في الطوافِ يحمِلُ أمَّه على ظهرِهِ وهو يُثنِي على فَضلِها عَلَيهِ منذ كان رَضِيعًا، ثم سألَه: هل تَظُنُّنِي جازيْتُها يا ابنَ عُمر؟ فقال: لا..! ولا زفرةً واحدةً.!
فيا أيتها الأمُ الحاضنةُ الكريمة:
أمومتُكِ في الإسلامِ كَنزٌ.. فاغترِفِي بسخاء ولا تبخَلِي على نفسِك..
فكلُّ ما تَفعلينَهُ لولدِكِ لهُ أجر.. وكلُّ ما يُصيبُكِ فيهِ لهُ أجر.. وكلُّ ما تصبِرِينَ عليهِ مَعَهُ لهُ أجر..
فاصبري على صَخَبِ أبنائِك وتَعَبِ طريقِ التربيةِ على مَرضاةِ الله، وجاهِدِي في الجَمعِ بينَ معالِي الأمورِ كلِّها مثلَ خديجة..
فإن عَجَزْتِ، فيَكفيكِ من الأمومةِ أجرًا وشَرَفًا، أنَّكِ مَضرِبُ المثَلِ في المَرحمَة، مِن اللهِ ورسولِه ﷺ ، فحين يُرادُ شَرحُ مَدَى سِعَةِ رحمتِهِ سبحانَهُ بمثالٍ يستوعبُهُ الناسُ،
لا يُؤتَى إلا بــ "رحمةِ الأم" التي تَنعَقِدُ عليها كلَّ مرةٍ المُقارَنةُ في الأمثلةِ النبويةِ الحكيمة: "للهُ أرحَمُ بكم مِن هَذِهِ بوَلَدِها"..
فاصبري.. وأبشِري..
فالأمومةُ تستحقُ، لأنك تصنعينَ بِها المُسلمَ السَّوِيَّ الصالحَ المُصلِح..
ولأجل ذلكَ اقترنَ بِرُّ الوالدينِ بعبوديةِ اللهِ...
كما سنرى في القاعدة القادمةِ إن شاء الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (4)
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ..
أسماء محمد لبيب
مَا إن يبدأُ ولدُكِ في إدراكِ مفاهيمَ الحياةِ مِن حَولِهِ، فإنَّ أولَ مَطلُوبٍ تُلَقِّنينَهُ إياهُ بَعدَ التوحيدِ هو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }
وربما ذلكَ قَدْ يَبدأُ بعدَ إتمامِه لعامِه الثانِي واللُه أعلم، فهذا الشَّطرُ من الآيةِ قد جاءَ بعدَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن}
ولكن إنِ استوعبَ الأمرَ قبلًها فبادرٍي، فالعِبرَةُ بالاستيعاب..
فما إنْ يَعقِلُ مَفاهِيمَ التواصُلِ والامتنانِ، لَقِّنِيهِ شُكرَ أصحابِ الإنعامِ الأكبرِ عليهِ في حياتِه:
-ربِّه تباركَ وتعالَى أولًا، خالقِه ورازِقِه،
-ثم أمِهِ وأبيهِ ثانيًا، مَنْ جَعَلَهُما اللهُ سببًا في وُجُودِه ورِزقِهِ وعافيتِه وسعادتِه..
وكما هو معروفٌ أنَّ الشكرَ أصلُ العبادةِ للهِ عز وجل وأَصلٌ في تَحَقُّقِها حيث قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فهو كذلك من أسبابِ ((التعلقِ والارتباطِ الشعوري)) عمومًا، بولِيِّ الفَضلِ والنِّعمَةِ،
ومن أقوَى أسبابِ الإحساسِ بالسكنِ معَهُ وحُبِّ الانقيادِ لَه،
بسببِ الشعورِ العميقِ بالامتنانِ والتقديرِ تجاهَه..
ولا شكَّ أن هذا يكونُ مِن أقوَى الأسبابِ المُحَفِّزَةِ للنفسِ على البِرِّ والطاعةِ والتسليمِ بينَ يَدَيِ المُرَبِّي عُمومًا،
وبالتالي يُقَوِّي من الاستجابةِ للتقويمِ والتوجِيهِ والتربيةِ على الإسلامِ والاستقامةِ،
وتسليمِ الزِّمامِ طواعيةً بسَهُولةٍ ولِينٍ ويقينٍ وثِقَةٍ وحُبّ..
فمَنْ يَشكُرْ للهِ = سيَعبُدُه ويُطيعُه ويَبَرُّهُ ويَستسلِم لَهُ ويَخضَعُ بين يَدَيهِ..
ومن يشكرْ لوالديهِ = سيُطُيعُهُما ويَبَرُّهُما ويَنقادُ لهما بالمعروفِ ويَخفِضُ لهما الجناحَ ويَلِينُ بينَ يَديهِما..
ولذلكَ نجدُ التفكُكَ المُجتَمَعِيَّ في أعلَى صُوَرِه مَوجُودًا في المجتمعاتِ الغربيةِ الحديثة،
إذْ إنَّ من أقوَى أسبابِ انهيارِ المُجْتمَعات:
هَدمُ مَفهومِ بِرِّ الوالدينِ في الأُسرةِ،
والتسخيفُ مِن قِيمةِ الالتزامِ نحوَهُما بِشَيْء،
وكَسْرُ هيبتِهِما في عُيونِ الأبناء،
وانتشارُ ثقافةِ الاستغناءِ عن أبيكَ وأمِّكَ ودعواتِ التخلُّصِ من هيمنةِ الكِبارِ والسُّلطَةِ الأَبَوِيَّة،
والتهوينُ من قُبحِ جُحُودِ نِعمَتِهِمْ أو مِن كَربِ العَيْشِ بِدُونِهِمْ،
وبالتالي تَمَرُّدُ الأبناءِ على توجِيهاتِ الآباءِ وقُيُودِهم..
ولا يَخفَى على كُلِّ عاقلٍ ما نَتَجَ عن ذَلِكَ مُجْتَمَعِيًّا ودِينيًا وإنسانيًّا، ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله..
فالحمدُ للهِ على نِعمةِ الإسلامِ، الذي قَرَنَ بِرَّ الوالِدَينِ، والامتنانَ لنِعَمِهِمَا، وطاعتَهُمَا في المَعروف،
بتمامِ العُبودِيَّةِ للمُنْعِمِ الأعظمِ وشُكرِهِ عَزّ وجَل، وخَوَّفَ من التفريطِ في ذلك،بِيَوْمِ الجَزَاءِ والحِسابِ قائلًا:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ... إليَّ المصير}
لكن أيتها الأمُّ الطيبة،،،
أهَمُّ ضامِنٍ لفعاليةِ هذهِ القاعدةِ مَعَكِ بإذن الله، هو ألا تُلَقِّنِيها لوَلَدِكِ بطريقةٍ فيها ((مَنٌّ وأذَى))..
وإنما بطريقةٍ تُنَشِّؤُهُ على أنَّ الأدبَ، والمُرُوءةَ، والخُلُقَ القَوِيمَ، وعَيْنَ الإسلامِ والإيمانِ:
-الامتنانُ لِرَبِكَ،
-والامتنانُ لوالِديْكَ..
وهنا يأتِي سؤالٌ: ألَا يجلِبُ امتنانُهم لنا وإجلالُهم إيانا، التَروِيضَ المُمَيْكِنَ، بدلًا من التربيةِ التَزكَوِيَّة؟
والإجابةُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (5)
شابٌ نشأ في طاعةِ الله: تربيةٌ أم ترويض؟
أسماء محمد لبيب
التربيةُ ليس مرادِفُها أن تَجعَلي أبناءَكِ مُنضَبِطِي السلوكِ فقط مادُمتِ حاضِرَةً بسَمعِكِ وبَصَرِكِ مَعَهُم..
إنما التربيةُ هي أن يَفعَلواَ الصوابَ حتى وأنتِ لستِ في الجوار..
النوعُ الأولُ اسمهُ "ترويضٌ" أو "تعايشٌ سِلمِيٌ"،
وهذا هو ما تقدمه لكِ نظرياتُ التربيةِ الغربيةِ الحديثةِ للأسف، خاصّةً لو طبقتِها بدونِ مِسطَرَةِ التربيةِ الإسلامية..
والنوع الثاني اسمُه "تربيةٌ" و "تزكيةٌ" و"فنُّ صناعَةِ الرِّجال"، ذُكرانًا وإناثًا..
الترويضُ استئناسٌ للنفسِ لتصبح أليفةً، حتى إذا فُتِحَ القفصُ أو غابَ الحارِسُ، عادتْ لتَوَحُّشِها..
لكنِ التربيَةُ، هي إعادةُ تشكيلٍ للنفسِ بالتقوَى الذاتِية، فيَستَوِي عندَها وجودُ رقيبٍ من عَدَمِه، لعلمها أن الله شهيدٌ رقيب..
إذًا...
الترويض تطويعٌ مٌؤقَّت، بينما التربيةُ تَطوِيعٌ دائم..
لكني لا أُنكِرُ أنَّ التربيةَ تحتاجُ معَها للترويضِ أحيانًا بالفعل، بل إنَّ بعضَ نظرياتِ الترويضِ المنتشرةِ، موجودةٌ في دينِنا نحنُ قبلَ كلِّ تلكَ الكُتُب..
لَكِنِ الفرقُ، أن الترويضَ في التربيةِ الإسلاميةِ لا يكونُ وحدَهُ بأيةِ حالٍ، وإن وُجِدَ فلا يكونُ هو الأصلُ..
أي إننا يُمكننا الاستغناءُ عنِ الترويضِ ونحن نُرَبِّي،
لكن لا يمكننا الاستغناءُ عن التربيةِ ونحن نُروِّض..
ولأجلِ ذلكَ، فإنَّ خليطَ التربيةِ الإسلاميةِ وَحدَهُ يُحَقِّقُ المعادلةَ التربويةَ المُدهِشة في قوله تعالى: {يَهدِي لِلَتِي هِيَ أَقْوَمُ}..
فإنْ سألَ سائِلٌ:
كيفَ السبيلُ إلى تلكَ التربيةِ الإٍسلاميةِ التي تؤتِي أُكُلَها الطيبةَ دونَ خَلَلٍ بإذنِ رَبِّها،
وتُنشِيءُ أطفالَ المسلمينَ على الاستقامةِ في كلِ حال؟
فالجوابُ في ثلاثٍ:
أولًا: سقايةٌ متينةٌ ومحكمةٌ للعقيدةِ النقيةِ في قلوبهمُ الغَضَّةِ..
كمفهومِ التوحيدِ الخالِصِ وشُرُوطِ لا إلهَ إلا الله/ وأسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه/ وأركانِ الإسلامِ/ وأركانِ الإيمانِ، خاصَّةً رُكنُ الإيمانِ بالأنبياءِ القدواتِ الحسنةِ، والإيمانِ بالملائكةِ الكرامِ الكتبةِ، والإيمانِ بيومِ الجزاءِ والجنةِ والنارِ..
فتلك المنظومةُ المتراصَّةُ بإحكامٍ ستُنبِتُ في قلوبِهِمُ التقوَى والخوفَ من غَضَبِ الله/ والرجاءَ في جَنَّتِهِ ومَحَبَّتِه/ والإخلاصَ/ وحُبَّ الخيرِ وأهلِه/ وبُغضَ الشرِّ وأهلِه/..
وسنفصلُ ذلكَ أكثرَ في مقالاتٍ لاحقةٍ بحولِ اللهِ وقُوَتِه..
ثانيًا: سِقايةٌ متأنيةٌ وعلى مُكثٍ، للقرآن..
وتعليقِهِم بِهِ كغذاءٍ لا غِنَىً عنْهُ،
كغذاءِ البَدَنِ تمامًا بلْ أشد..
فينشأونَ على أنَّ "القرآنَ حياةٌ"، حِفظًا وفَهمًا وحُجَّةً وعَمَلًا ودِرْعًا أمامَ المِحَنِ..
ثالثا: وسائلُ أخرى لا تقلُّ أهميةً، مِن إخلاصِ النيةِ للهِ/ وصِدقِ الاستعانَةِ به/ والقدوةُ/ والصبرُ/ والحبُ والمرحمةُ/ والذِّكرُ للهِ كثيرًا وفيهِ الدعاءُ..
وتكلمنا عنهم من قَبلُ ولازالَ للتفصيلِ بقيةٌ بإذنِ الله..
فختامًا نقولُ،،،
الإسلامُ يُنَشِّئُهُم منذُ صِغَرِهِم على حَملِ هَمِّ الدينِ وهَمِّ إهدائِهِ للناسِ قُدوةً وقِيادة.
ويَنقَعُ قلوبَهم وأعمارَهُم فِي القُرآن.
ويُرَبِّيهُم على الخشونةِ والتخفُّفِ مِنَ الدُنيا وعدمِ الهشاشةِ أو المُيُوعةِ.
ويُلَقِّنُهُم أنَّ مَعَالِي الأمورِ لا نَملِكُ رفاهيةَ تَرْكِها.
ويُعَلِّمُهُم فَنَّ التخطيطِ الشاملِ لحياتِهم حولَ كَعبَةِ رضا الله.
ويَغرِسُ فيهم أنَّ الإنجازَ الساحِقَ والميداليةَ الذهبيةَ = في رضا اللهِ لا الناسِ، وأنَّ ذلكَ هُو الفوزُ العظيم.
وكذلك الإسلامُ يُعَلِّمُكِ وأباهم أن تُلقِناهُم ذلك وأنتُما تحيطانِهِم بحبٍ وتَحنانٍ وحُسْنِ صُحبَةٍ وتَشجِيعٍ واحتواءٍ وصبرٍ وحِكمةٍ..
ويَحَثُّكُما على أن تكونا قدوةً في كلِّ ذلكَ أولًا، ليَقتَفُوا خُطُواتِكما بثباتٍ، فِي فَنِّ ((مَلءِ الصحيفةِ بالحسناتِ))..
فإن رَبَيتُم وتَرَبَيتُم على ضوءِ تِلكَ الثمانيةِ، فلن تقلقُوا من فَخِ الترويضِ، ولن تحتاجُوا إلى الغَربِ لِكَيْ يُعَلِّمُوكُم كيفَ تُرَوِّضُونَ أبناءِ المسلمين..
لأنَّ الثمرةَ إن لم تكُنْ "شابًا نشأَ في طاعةِ الله"، فإننا حِينئذٍ لَم نُرَبِّ غالبًا، وإنَّمَا قد رَوَّضْنا وحَسب..
والتربيةُ صعبةٌ.. أجَلْ..
لَكِنِ الثمرةُ تستحقُّ..
فروِّضُوا أبناءَكم بالإسلامِ..
وهنا قد تسألُ أمٌ فاضلةٌ: هل من نَمُوذجٍ قرآنِيٍّ عَمَلِيٍّ، يُبرِزُ ويُؤكِّدُ هذا الكلامَ، نضَعُهُ نُصْبَ أعينِنا ونَسِيرُ عَلَيهِ؟
والجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..
أسماء محمد لبيب
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (6)
صناعةُ القادةِ والقدواتِ، وآتَيْناَهُ الحُكْمَ صَبِيًّا
أسماء محمد لبيب
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ = سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
قواعد: (6) صناعةُ القادةِ والقدواتِ.. {وآتَيْناَهُ الحُكْمَ ((صَبِيًّا))..}
{وآتيناه الحُكمَ ((صبيًّا))..}
مَنْ هَذَا....؟
سيدُنا يَحيَى عليهِ السلام..
وما معنى الآية؟
معناها أنَّهُ أُوتِيَ مَعرِفةَ أحكامِ اللهِ والحُكمَ بها، وهو في حالِ صِغَرِه وصِباه..*1
فهل من آيةٍ أخرى؟
نعم: { {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ.. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ((بِيَحْيَى)).. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ((سَيِّدًا)) وَ((حَصُورًا)).. وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} }..
لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مِن نَعِيمِ الدنيا الذِي يُبَشَّرُ بهِ المَرءُ، أن يكونَ ولدُهُ ((سيدًا)).. و((حَصُورًا))..
سَيِّدًا مُؤَثِّرًا فِي الناسِ، لَهُ كلمةٌ مًسمُوعةٌ وينتهِي إليهِ القولُ، سَواءً في دائرتِهِ أو أوسَعَ منها..
وحَصُورًا لا يأتِي الذنوبَ والفواحِشَ، بل حَصَرَ نفسَهُ عَنها، وخَصَّصَ بَدَنَهُ لطاعةِ ربِهِ وَتَزكِيةِ نَفسِهِ،
بالِغًا بذلك دُرَّةً عاليةً في الطُّهْرِ والاستقامة:
= فهو سيدٌ في المَشُورةِ والإمامَةِ، أي: ((قائدٌ))..
= وسيدٌ في الصلاح ِ والعِفةِ والعِصمَةِ من المُنكَرَاتِ، أي: ((قدوة))..
والآيةُ تُشِيرُ إلى أنَّ من أقوَى أسبَابِ ذلك: التسلُّحُ بالعلمِ الشرعيِّ منذُ الطفولةِ، وأخدُهُ بقُوةٍ..
ببساطةٍ..
الآيتانِ تَلفِتانِ نِظَرَنا لنوع ٍ مِنَ التَرْبيةِ اسمُهُ [[ فَنُّ صِناعَةِ القادةِ والقُدْواتِ ]]..
فمِن فُنُونِ صِناعَةِ القادةِ: التربيةُ على هدفٍ أكبرَ من دائرةِ الذَّاتِ: "سيادةُ العالمِ وإمامَةُ الناسِ"..
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ، سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!"
تلك أمٌّ قد فَقِهَتْ الآيةَ، ورَبَّتِ ابنَها بها، حتى صارَ "مَعاويةَ بنَ أبِي سُفيان"، داهيةَ العَرَبِ قبلَ الإسلامِ وأحدَ فُضلاءِ الصحابةِ بعد الإٍسلامِ.. رضي الله عنه..
أما نحنُ اليومَ؟... فنتَحَسَّسُ رقابَنا إذا فَكرْنا في مُخاطَبَةِ بَعضِ الناسِ بأدبياتِ تربيةِ تلكَ النفوسِ التِي سادَتِ الدنيا..!!
هذا فيما يَخُصُّ فَنَّ صِناعةِ القادةِ..
أما فيما يَخُصُّ فَنَّ صناعةِ القُدْواتِ:
فمِن أقوَى ما يُعِينُ عليهِ وأشارتْ إليهِ الآياتُ، تربيةُ ولدِكِ على الانتباهِ جيدًا لسلوكياتِهِ ومواضعِ خُطُواتِه حِرصًا على خُطُواتِ الناسِ خَلفَهُ، إخوتِهِ وجِيرانِه وصُحبَةِ المَسجِدِ والمَدرَسةِ وغيرِهم.. فتَكرَارُكِ ذَلِكَ عليهِ دومًا، من أقوَى وسائلِ تَنمِيَةِ حِسِّ القُدْوَةِ بداخِلِه..
مثلما فَعَلَ سيدُنا عُمَرُ معَ سيدِنا طَلحةَ..
ففي يومٍ مِن أيامِهِمُ النَّدِيَّةِ، رأى سيدُنا عُمَرُ سيدَنا طلحةَ وهو مُحرِمٌ بملابسَ مصبوغةٍ، فسألَهُ عن ذلكَ.
فقالَ لهُ طلحةُ: إنما هُوَ مَدَرٌ – أي إنه طِين ٍ لَزِج ٍ فحسْبْ.. وقد ظَنَّهُ سيدُنا عُمَرُ صبغةَ ألوانٍ من التِي لا تَجُوزُ في حَقِّ الرِجالِ..
فقال عُمَرُ جُملتَهُ الذَّهَبِيَّةَ:
[[ إِنَّكُم أيُّها الرَّهطُ أئمَّةٌ يَقتدِي بكُمُ الناسُ.. فلو أن رجلاً جاهِلاً، رَأَى هذا الثوبَ، لقالَ: "إنَّ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلبَسُ الثيابَ الْمُصَبَّغَةَ في الإحرامِ"، /فلا تَلبَسوا أيُّها الرَّهطُ شيـئًا من هَذِهِ الثِّيابِ المُصَبَّغَةِ..]]
رضِيَ اللهُ عن لَئالِيءِ الأُمَّةِ..
ونقولُ خِتاماً..
= رَبِّي وّلَدَكِ على سِيادةِ الدنيا بالقدوةِ الصَّالِحَةِ..
= فِإنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَسِيادةُ قومِه..
= فإن لمْ يَستَطِع، فسيادةُ نَفْسِه وامْتِلاكُ زِمامِها، كَأهَمّ وأَجَدَرِ غايَةٍ للِفلاحِ..
= وهَيِّئِيهِ لتلكَ الدَرَجاتِ العُلَى بِالعِلمِ والقُوَّةِ وكلِّ الأسبابِ، مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ..
فقطْ نَنتَبِهُ ونحنُ نُرَبِّيهِمْ على سِيادَةِ العالَمِ، أن لَّا نَزرَعَ فيهم حُبَّ الرِّئاسَةِ ولا السَّعْيَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ مَالٍ أَوْ مَنصِبٍ أو زَعَامَةٍ، وَلا دُونَ جَدَارَةٍ واستِحقَاقٍ.. فلا يُقَدِّمُ نَفسَهُ لِلقِيادَةِ والإداراةِ وما شابَهَ إلَّا إذا تَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالكَفاءَةِ وَالإِخلاصِ للهِ، كما فَعَلَ سيدُنا يوسفُ {اجعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الآرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. وكما دَعَا عِبادُ الرحمَنِ الذين زكاهم الله: {وَاجعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}..
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟.. فَضَرَبَ ﷺ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ.. إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» "..
لكن في نفسِ الوَقتِ، عن عُثمانَ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "يا رسولَ اللهِ! اجعَلْنِي إِمَامَ قومِي" فقالَ ﷺ: أنتَ إِمامُهُم..
رُغْمَ أَنَّهُ كانَ أصغَرَ قَومِه مِن وَفدِ بَنِي ثَقِيف، إلا إنَّهُ كانَ أحْرَصَهُم عَلَى طَلبِ العِلمِ بَينَ يَدَيِ النبيِ ﷺ، فاستَحَقَّ إمَامَتَهُم..
فالأمرُ أولًا وأخيرًا بضوابِطَ وأدواتٍ نربيه عليها أولًا، ولا يَتَسِعُ لها المَقامُ هُنا..
فيكونُ سَعْيُه لِلقِيادةِ والقُدوَةِ وَسِيلَةً لنَشر ِ دِينِ اللهِ، وليستْ غايةً لِصَرْفِ وُجُوهَ النَّاسِ إِليهِ..
فحِينَها ((سيَحيَى)) بِحَقٍ كَسِيدِنا ((يَحيَى))، الذي كان سَيّدًا فِي النَّاسِ بعِلمِهِ وعملِهِ ذا كَلِمَةٍ مَسمُوعَةٍ، وسيدًا في الصلاح ِ ذا نَفْسٍ حَصُورَةٍ عن الشَّهَوَاتِ والذُّنُوبِ، وسَيِّدًا فِي الأنبياءِ بَلَغَ مِنَ الخَيرِ والكمالِ البَشَرِيِّ ذُرْوَتَهُ..
فيُحْيِي اللهُ الناسَ بِوَلَدِكِ، و((يَحيَى)) هو خالدَ الذِّكْرِ بِلِسانِ صِدْقٍ فِي الآخِرِين.. بحول ِ اللهِ وقُوَّتِهِ..
وهُنا يَأتِي سؤالٌ: كيف يَلِينُ بَينَ يَدَيْكِ فِي كُلِّ ذَلِك...؟
والجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بِإذنِ الله..
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (7)
الصِدْقُ والعدلُ أساسُ المُلْك.. {لأعدِلَ بينَكُم}
أسماء محمد لبيب
إِذا سَألْنا كيفَ يَلِينُونَ بَينَ يَدَيكِ ويَثِقُونَ في توجيهاتِكِ، فإنَّ أَوَّلَ صِفَتَينِ تملكِينَ بِهِما -بحولِ اللهِ وقوتِهِ- زِمامَ قلبِهِمْ وعقلِهِمْ، هُمَا: الصدْقُ والعدلُ.. وتأتيانِ قبلَ حَتَى كلامِنا عن الحُبِّ والحَنان..
فحنانُكِ مَعَهُم ومَرحَمَتُكِ، ومُشارَكَتُكِ إياهُم لَعِبِهِم، وإلقامِهِمْ مَا لَذَّ وَطابَ مِنَ الأطعِمَةِ، واهتمامُكِ بتفاصِيلِهم المُحببَةِ إليهِم، وتَلْقِينُكِ إياهُم الخِبراتِ الحياتِيَّةِ بِلِينٍ ورِفقٍ، وضَحِكُكِ مَعَهُم وحِرصُكِ على مَصلَحَتِهِم في العاداتِ الصحيةِ، وما إلَى ذلكَ مِنْ مَظاهِرِ أمُومَتِنا لِفَلَذاتِ أكْبادِنا، إن كانتْ جَميعُها لَدَيكِ بنِسَبٍ مُتَوَسِّطَةٍ أو مَقبُولَةٍ، فلا تُحبَطِي مَادُمْتِ في الصِّدقِ والعدلِ تُحَقِّقِينَ دَرجاتٍ نِهائِيةٍ ونِسَبًا قِياسِيَّةٍ...
بلْ أُبَشِّرُكِ: سَتَملِكينَ قلوبَهُمْ أسرَعَ وأقوَى بإذنِ الله..
وبالمُقابِلِ: قد تكونُ نسبتُها كلُّها في أُمُومَتِكِ عَاليةً جِدًا وتَبذُلِينَ فِيهم مَجهُودًا جَبارًا قاصِمًا للظَّهرِ (باركَ اللهُ فِيكِ وتقبلْ مِنكِ فهوَ مِن مَعانِي الأمُومَةِ الجَميلةِ قَطعًا بلا شَكّ)، لكنَّكِ في ذاتِ الوَقتِ تُخفِقِينَ في تَحقِيقِ النَّجاحِ في درجاتِ الصدقِ والعدل، أو ربما في نَظَرِ أولادِكِ قد أحرَزتِ درجةَ السُّقوطِ والعياذِ بالله، فهُنا أخشَى أن أحَذِّرَكِ: أنكِ قد تَخسَرِينَ قُلُوبَهُمْ وعُقُولَهُمْ مهما فَعَلْتِ لهم من مُبهِجاتِ، إلا أنْ يَرحَمَكِ اللهُ، لأنَّ أبناءَكِ هكذا يَفقِدُونَ الشعورَ بالأمانِ في جَنابِك،ِ والثقةِ في حُكمِكِ أو كلامِكِ..
نَعَم سَتَرَيْنَ أبناءً بَارِّينَ مُطِيعِينَ فهذا هو دِينُهم، لكن قلوبُهم وعقولُهم لا سُلطانَ لهُم عليها، ستكونُ مُهاجِرةً من وَاحَاتِكِ لواحاتٍ آُخرَى آمِنَةٍ، بحثًا عن الصدقِ والعَدلِ..
لذلك هما أكثرُ صِفَتَينِ غَيرُ مَقبُولٍ فيهما نِسَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ، بل لا أبالغُ إنْ قُلتُ غَيرُ مَقبُولِ فيهما أصلًا أقلَّ من مائة بالمائة.
حين ضاقَتْ الدنيا على الصحابةِ لشدةِ تَعذِيبِ قريشٍ لهم، وصَّاهُم النبيُّ ﷺ بالحَبَشَةِ..
لماذا بالذات......؟
الجوابُ مِنَ الحديثِ: «لأنَّ عِندَهُم مَلِكٌ لا يُظلَمُ عِندَه أَحَدٌ: النَّجَاشِيّ» (السلسلة الصحيحة)
فكانَ عدلُه سببًا لأن تَهوِي إلَيهِ القلوبُ مِن كُلِّ جَانِبٍ..
فالأمانُ مُقُدَّمٌ على الحُبِّ، لأنَّ دَفْعَ الضَرَرِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المنفعة..
بل لا حُبَّ بِدونِ أمانٍ....
ولا أمانَ بِدونِ عدلٍ...
ولا عدلَ بِدونِ صِدق...
وحينَ كانَ هُناكَ نِزاعٌ بينَ فَريقَينِ من الصحابةِ، حولَ مسألةِ "أيهُما أحقُّ برسولِ اللهِ ﷺ، احتِجاجًا بمِعيارِ "أيهُما الأسبَقُ للهِجرَةِ مِنَ الآَخَرِ"، كان بعضُ المهاجرين يقولون لمُهاجِرَةِ البَحرِ الذينَ هاجَرُوا للحَبَشَةِ قَبلَهُمْ بالسفينةِ ثمَّ بَعدَ بِدْءِ الهِجرَةِ لِلمَدِينَةِ هَاجَرُوا للمدينةِ:
"نحنُ سَبَقناكُم بالهجرَةِ ونحنُ أحقُّ بالنبيِّ مِنكُمْ"..!!
وفي مَرَّةٍ، قالها سيدُنا عُمَرُ لإحدَى مُهاجِراتِهم: السيدةُ أسماءُ بِنتَ عُمَيْسْ.. فَغَضِبَتْ بشدةٍ وقالتْ له كلامًا مُلَخَّصُهُ:
"هذا الذي تقولُهُ يا عُمَرُ كَذِبٌ!!.. وإِنَّكُمْ كُنتُمْ في أمانٍ والنَّبِيُّ ﷺ بينَ أظهُرِكُم يُطعِمُ جائعَكُم ويُوعِظُ جاهلَكُم، بينما نَحنُ كُنا وَحدَنَا بِدونِهِ، نُؤذَى ونَخَافُ للهِ وفي اللهِ ورسولِه..!! "
وأقسَمَتْ ألا تَأكلَ أو تشرَبَ إلا بعدَ تبليغِ الرسولِ ﷺ بالأمرِ ليأتيَ لها بحقِّها هِيَ وَمَنْ مِثلِها مِنْ مُهاجِرَةِ الحَبَشَةِ.. فلما اشتكتْ للنَّبِيِّ ﷺ، أنصَفَها وخَطَّأَ سيدَنا عُمَرَ، قائلًا إجمالًا: « ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان » (رواه البخاري ومسلم)
تَتَخَيَّلُونَ حَجمَ سعادتِها وقومِها بهذا الإنصافِ المُنتَظَرِ، ومَدَى تمَلُّكِ النَّبِيِّ ﷺ لقلوبِهم وعقولِهم بعدَها أكثرَ وأكثرَ؟
وصَفَتْ، جانبًا من رَدّ فِعلِهِم فقالتْ: ((ما مِنَ الدنيا شيئٌ هُم بِهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهِم مما قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ..))
فيا أيَّتُها الأمهاتُ الطيباتُ..
- اعْدِلنَ بينَ أولادِكُنَّ: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]
- واحكُمنَ بينَهُم بالعدلِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} [المائدة:42]
- وأنصِفُوهُنَّ مِن أنفُسِكُنَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]
- وأَتْقِنَّ الصِّدقَ والعَدلَ..
- وكُنَّ مَلاذَهُمُ الآمِنَ الأمِين...
تَملِكْنَ قلوبَهمْ بإذنِ مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار..
فالعدلُ أساسُ المُلْكِ.. والصِّدْقُ أساسُ العدلِ.... والعدلُ هو بَذْلُ الحُقُوقِ بلا نُقصَانَ، والتسويةُ بَيْنَ المُستَحِقِّينَ في حُقُوقِهِم..
وأَعدَلُ قانونَ حُقُوقٍ تُطَبِّقِينَهُ مَعَهُم، بَلْ تَخضَعُونَ لَهُ جَميعًا بأمانٍ فلا تَناقُضَاتٍ فيه تُفقِدُ الثِّقَةَ في عَدَالَتِهِ وتُفسِدُ الوُدَّ وتُوغِرُ الصدُورَهو العدلُ الإلهيُّ، المُتَمَثِّلُ في شَرعِهِ الحَكيمِ الذِي أُحكِمَتْ آياتُه.. ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كثيرًا وميلًا عَظيمًا..
في قانُونِهِ خَمسَةُ أحكامٍ للأمورِ: واجبٌ/ حرامٌ/ مَكرُوهٌ/ مُستَحَبٌ/ مُباحٌ..
- أنصِفِي ابنَكِ مِنكِ فِيهِنَّ تَملِكِينَ قَلبَهُ وعَقلَهُ وتُعَزِّزِينَ إيمانَه بإذنِ الله..
وتَذَكَّرِي أنَّ نِصْفَ حُرُوفِ الـ ((أَ مَ ا ن)) هي الـ ((أُ مَّ)) ..
إلا ما كانَ عَنْ تَقصِيرٍ بَشَرِيٍّ طَبِيعِيٍّ، فنُسارِعُ بَعدَهُ بالإِقرَارِ بالخَطَأ، وهذا عَيْنُ الصِّدقِ والعَدْلِ..فكلنا ذَوُو خَطأٍ، وخَيرُ الخَطائِينَ التوَّابُون..
والسؤالُ: كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَهُمْ بالأحكامِ الخَمسَةِ؟ وما علاقتُها بِالتَربِيةِ وتأسيس السلوك وتعديله؟
والجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذنِ الله.
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (٨)
وأنزلْنا مَعَهُم ((الكتاب)) و ((الميزان)) ليقومَ الناسُ بالقِسط..
أسماء محمد لبيب
[[ قوانين الأسرة]]
كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَ أبنائِنا بالأحكامِ الخَمسَةِ؟
بالكتابِ والمِيزانِ: {لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰت ِ.. وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ}
المسألةُ ليستْ بهوَى الأمهاتِ ولا الأبناءِ.. المسألةُ: بالكتابِ والميزانِ.. هم ونحن عباد لله.. {وَمَا ٱختَلَفتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ}.
فما الكتابُ والميزانُ؟ هما باختصارٍ: الدينُ والعدلُ.. الحَقُّ المِسطَرَةُ للمَنطِقُ المُستَقيمُ...
فحين يَشكُو إِليكِ ابنُكِ أمْرًا في الحياةِ لا يُعجِبُه، فقبلَ أنْ تقولي له "هذا خطأٌ أو ليسَ خَطَئًا، أو هذا ليسَ مِنْ حقك الشَكوَى مِنه أو أنتَ مُحِقٌ في شَكواكَ"، عليكِ أولًا:
-أنْ تَزِنِي الفِعلَ بمِيزانِ الشَرعِ.
-وأن تُبَيِّنِي لهم كلَّ مَرَّةٍ أنكِ تَحكُمِينَ على الأمُورِ أو تُعَدِّلِينَ سلوكَهم وِفْقَ الكتابِ والميزان.
-وتَسُوقِينَ لِذلكَ دليلًا من مَصادِرِ التشريعِ التي نَستَقِي مِنهَا حُكمَنَا على الأمور، سواءٌ مِنَ المَصادِرِ المُتفقِ عليها من آيَةٍ أو حَدِيثٍ أو قِياسٍ أو إجماعٍ، أو المختلَفِ عَلَيها كالاستِحسانِ، والمَصَالِحِ المُرسَلَةِ، والاستِصْحابِ، والعُرْفِ، ومَذهَبِ الصَحَابِيِّ، وشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وسَدِّ الذَّرائِعِ..
وكلُها مُستَقَاةٌ بأدِلَّةٍ، مِنَ المَصدَرَينِ الأَصْلِيَيْنِ للتشرِيعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ/ وتابِعَةٌ لَهُما/ ولا تَسبِقْهُما..
وتلك هي عَلاقَةُ الأحكامِ الخَمسَةِ بِالتَربِيةِ وتأسِيسِ السُّلوكِ وتَعْدِيلِه..
مع العِلمِ أن مراعاةَ المكروهِ والمُستَقبَحِ في العُرْفِ، مَطلُوبٌ شَرَعِيٌّ، بل مِن مَحَاسِنِ الإسلامِ وواقِعِيَّتِه، ما لمْ يُخالِفِ الشَّرِيعَةَ..
فدينُنا لم يَترُكْ أيًّا مِن أُمُورِ حياتِنا اليَومِيَّةِ إلا وأرشَدَنا فِيها لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وأرقَى..
سواءٌ قَصَّةُ الشَّعْرِ، وَشَكلُ وَطُولُ الأظافرِ، والنظافةُ الشخصيةُ، والأدَبُ حتى مَعَ نَواةِ التَمرَةِ والزيتونَةِ، وألوانُ الملابسِ وهَيئتُها، وطريقةُ الأكلِ ونَوعِيَّتُهُ وآدابُه، وفِقهُ الهَدِايا والعَوَراتِ والأماكِن، وآدابُ الصُّحبَةِ والزِيارةِ والحِوارِ واللَعِبِ والمِزاحِ وإخراجِ الريحِ،
صُعودًا إلى العِبادَاتِ والفرائضَ والأركانِ والمقاصِدِ الكُبرَى للدين..
مَا فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيءٍ.. وكُلَّ شَيءٍ فَصَّلناهُ تَفصِيلًا... فالحمدُ للهِ علَى الإسلامِ.. أكملُ وأحكَمُ وأشمَلُ قَواعِدَ وأدواتٍ تَربَوِيَّةٍ في الوُجُود..
نَموذَجُ حِوارٍ تأسيسيٍّ لقانونِ الأُسرَةِ:
يا أبنائِي الأعزاء،،
-لن أقولَ على أمرٍ ما أنَّهُ ((خطأٌ)) لمجردِ أنَّ هذا الشيءَ ليسَ مُوافِقًا لذَوقِي وهَوَايَ، وإنَّما لأنَّ هذا حُكمُ الشرعِ فِيه.
-ولن أقولَ على أمرٍ ما أنهُ ((جميلٌ وصَوابٌ)) بِغَضِّ النَّظَرِ عَن رَأيِ الشَّرعِ فِيهِ ولمجردِ أنِّي أُحِبُّهُ..
-وإنما لوِ الأمرُ وُجهَةُ نَظَرٍ فسأقولُها صَرَاحَةً: هذا رأيِي الشخصيُّ ولكم ما شِئتُم..
-ولو الأمرُ شَرعِيٌّ فسأقولُ بوضَوحٍ: هذا رأيُ الشَرْعِ وهَاكُمُ الدليلُ..
-فأقولُ على الخطأِ الشَرْعِيٍّ حَرامٌ.. ولا أقولُ على المَكرُوهِ أنه حَرامٌ أو مُنكَرٌ.. ولا أقولُ على المُستَحَبِّ أنَّه واجِبٌ أو فَرْضٌ.. وأقولُ على الخطأِ العُرفِي: ((لا يَلِيقُ كذا/ أو الأقربُ للتقوَى والجَمالِ ومُرادِ اللهِ وسَدِّ الذرائعِ وتَحقِيقِ المَصْلَحَةِ كذا..))
-ولَنْ أُمَكِّنُكُم مِنَ المُنكَرَاتِ، ولنْ أُجبِرَكُم على المُستَحَبَّاتِ ، لكن سأُحاسِبُكُم على تَركِ الواجِباتِ والمسؤولياتِ، وسأنصَحُ لكُم في المُشتبَهاتِ بتركِها أحوطَ لِدِينِنا وعِرْضِنا..
-بوضوحٍ هكذا في كُلِ مَسألةٍ دونَ خَلطٍ للأمُورِ ولا تَذوِيبٍ للفَواصِلِ بينَ الدينِ والعُرفِ والهَوَى، فَلَا أُشَدِّدُ عَليكمْ بِغَيرِ حَقٍّ ولا أُفَرِّطُ في حَقٍّ للهِ والعِياذُ باللهِ.. فدِينُنُا قدْ قالَ: {كُونُوا قَوامِينَ بِالقِسطِ} ، {وَإِذَا قُلتُمْ فَاعدِلُوا}، و «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ...
-بالتالي يا حباتِ الفؤادِ، مَن يَعتَرِضْ مِنكم بعدَها على قَبولِ حُكْمِ الدينِ في شأنِه، يَكُونُ رافِضًا لِحُكمِ اللهِ، وقد جاءَ الإسلامُ لِنُخرِجَ أنفُسَنا من داعِيَةِ هواها ونُطَوِّعُها لِمرادِ اللهِ: { {أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّة ِ یَبۡغُونَ.. وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ} }.. { {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيؤِ هُدًى مِنَ الله} }؟...
-فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا العِنادَ، فَذَلِكَ لَنْ يَمنَعَني مِنَ الاستمرارِ في تَربِيَتِكُم بِما يُرضِي رَبِّي ورَبِّكُم، وأَزِّكُم أَزًّا علَى فِعلِ الخَيرِ وتَركِ الشَّرِ، وتَكرَارِ النُّصحَ لكُم سِرًا وَجَهرًا، لَيلًا ونَهَارًا، بأمرِ اللهِ: " {فَاصدَعْ بِما تُؤمَرُ} "..
-فإِصرارُكُم علَى الخَطَأِ لن يَجْعلَنِي أترك نُصحَكُم وتَذْكِيرَكُمْ:{ {أفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} }؟
ولا أَرضَخُ وأُسَهِّلُ لكُم المُنكَرَاتِ، فكلٌ مِنا يَجمَعُ لصَحِيفَتِهِ: { {قُلْ كُلُّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} }، { {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ} }، { {وَمَن یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} }..
فإن وَجَدتِ بَعدَها أيتُها الكريمةُ، أحدَهُم مُتَضَجِّرًا بَعدَ مَا بَيَّنْتِ لَهُ مِيثاقَ القَوانِينَ الحاكِمَةِ للأُسرَةِ تَحتَ مِظَلَّةِ شَرعِ اللهِ، فهذا يَعنِي أَنَّهُ بِحاجَةٍ للتَذكِيرِ بالتوحيد وحُقوقِ العُبُودِيَّةِ والشُرُوطِ السبعة لـ"لا إله إلا الله"، إلَى آخِرِ مَا بَينَّاهُ فِي القاعِدَةِ الخامِسَةِ،
لِتُوقظي لَدَيْهِ {سَمِعنَا وَأَطَعْنَا} مَعَ اللهِ ثانيةً، رَغَبًا وَرَهَبًا..
{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ}.. وسنفصلها أكثر في الممنوعات التربوية بإذن الله..
{فَإِنْ أَسْلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهْتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَیْكَ ٱلْبَلَـٰغُ.. وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلْعِبَادِ}..
وتذكري دومًا قول أبي حامد الغزالي رحمه الله:
"الصبي أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهرُ جَوهَرَةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورةٍ، وهو قابلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كلِ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليهِ، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرةِ أبواه وكلُ مُعَلِّمٌ له ومؤدبٌ.. وإن عُوِّدَ الشرَ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه"
وهنا يأتي سؤال: هل مِن قواعدَ تفصيليةٍ أكثر لإدارةِ الأزمات بالعدلِ بيني وبين أبنائي....؟
والجواب في المقالة القادمة بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (9)
قواعدُ إدارةِ النزاعاتِ مع ابنكِ: من القرآن..
أسماء محمد لبيب
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
حين تحدثُ أزمةٌ بينِكِ وببنَ وَلَدِكِ، ما القواعدُ التفصيليةُ التي تمشينَ عليها تَطبيقًا لما سَبَقَ من القواعدِ العامة؟
بدايةً.. استحضِرِي الغايةَ الكبرى: إرضاءُ ربُ العالمين.. واستحضِري نظرَه إليكِ وتسخيرَهُ لملكينِ عِندَكِ يَرصُدانِ كلَ ما تلفِظِينَ من قولٍ أو فِعل... {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
وبناءً عليه..
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
وليس ((نفسيتَكِ)) أنتِ/ وتفريغَ انفعالاتِكِ: {ونَهَى النفسَ عنِ الهَوَى}..
-بالتالي لاتَغضَبي لنفسِكِ.. اغضبِي للهِ فقط: { {ليس لكَ مِنَ الأمرِ شيء} }
-فإن كان الغضبُ لغيرِ اللهِ وإنما لعارضٍ مِن الأمورِ الحياتِيةِ مثلا، فاذكُرِي اللهَ وتَعَوَّذِي مِن الشيطانِ واتْلِي قُرآنًا لتسكينِ القلوبِ وترغيمِ الشيطانِ وتَهيئةِ النفوسِ للخير:{ {وإما يَنزَغَنكَ مِنَ الشيطانِ نَزغٌ فاستعِذ بِالله} }/ { {ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القلوب} }/ {إنَّ هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِيَ أقوَمُ}..
-ثم أنزِلِي حُكمَ اللهِ على المشكلةِ كما فَصَّلنا في مَقالَتَيْ العدلِ/ والكتابِ والميزان: { {وأنِ احكمْ بينهم بما أنزلَ اللهُ} }.. {فلا وربكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّمونَكَ فيما شَجَرَ بينَهم ثم لا يَجِدُوا في أنفُسِهِم ((حَرَجًا)) مما قَضَيتَ.. ويُسَلِّمُوا تَسلِيمًا}.. { {وَمَن لَمْ يَحكُمْ بِما أنزلَ اللهُ فأولئكَ هم الظالمون} }
-وإن ثبتَ أنكِ أنتِ المُخطِئة، فاعترفي بالحقِ بشجاعةٍ وتواضُع: { {كونوا قوامينَ بالقِسطِ شُهُداءَ للهِ ولو عَلَى أنفُسِكُمْ أو الوالدينِ والأقربين} }
-ولا تترددي في إعطاءِ صاحبِ الحقِ حقَه،ُ ولا تنسِبِي الخَطَأَ لغيرِكِ بغيرِ حَقّ: {وَمَن يَكسِبْ خَطيئةً أو إِثمًا ثمَ يَرمِ بِهِ بريئًا فقدِ احتَمَلَ بُهتانًا وإثمًا مُبِينًا}
-ولا تُتْبِعِي ذلكَ الحَرَجَ بويلاتِ عقوباتٍ وجزاءاتٍ شتَّى حِفظًا لماءِ وجهِكِ وتنفيسًا عن ضِيقِكِ من كَونِكِ المخطئة.. كلا: فكما قلنا: {ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهِم حَرَجًا مما قضَيْتَ}.. { {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} }... { {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا.. اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتقْوَى} }.. { {وقد خابَ من افتَرَى} }.. {وقد خابَ من حَمَلَ ظُلمًا}...
-واحذَرِي من مُعاقَبَةِ كل البيتِ بجريرةِ شَخصٍ واحد: { {ألا تزِرُ وازرةٌ وِزرَ أُخرَى} .. { وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما ((سَعَى))} ..}
{ {وَلَا تَعْتَدُوا.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} }/ { {واللهُ لا يُحِبُ ((الظالِمِين))} ..}
-وإياكِ أن تتهاوَنِي في حَقِ الناسِ إرضاءً وانحيازًا لأحدِ أبنائِكِ لو كانتْ الأزمةُ تَمَسُّ حَقًا للهِ أو الآخَرِين: {إنما أموالُكُمْ وأولادُكُم فِتنةٌ واللهُ عندَهُ أجرٌ عظيم}.. {لا تُلهِكُم أموالُكم ولا أولادُكُم عن ذِكرِ اللهِ.. وَمَنْ يفعلْ ذلكَ فأولئكَ هُمُ الخاسِرُون}.. {إنَّ مِن أزواجِكم وأولادِكُم عَدُوًا لكم فاحذَرُوهُم}..
-خاصةً حقوقُ الناسِ فلا تَرضَيْ فيها بالظلمِ ثم أنتِ عندَ حقِكِ وحقِ أبنائِكِ تُقِيمِينَ الدنيا حرائقَ وتقولينَ "هذا لا يُرضِي الله"، كلا.. فهذا مِن أمراضِ القُلُوب: { {ويلٌ للمطففين} }.. { {وإذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِه ليَحكُمَ بينهم إذا فريقٌ منهم مٌعرِضُون.. وإن يَكُن لهمُ الحقُّ يأتُوا إليهِ مُذعِنين} }
-و كلُّ ما عَدَا حَقِّ اللهِ والآخَرِين، وتقدِرِين على العَفوِ فِيه، وتعلَمِينَ أن عَفوَكِ لَن يُفسِدَ وَلَدَكِ ولن يُجَرِؤه أكثرَ على التمادِي، فاعفِي واصفَحِي: {وأن تعفُوا أقرَبُ للتقوَى}.. {والصُلْحُ خَيرٌ}.. {والكاظِمين الغيظَ والعافِينَ عنِ الناسِ}.. {وإذا ما غَضِبُوا هُم يَغفِرُون}
-واجعليهِ عَفوَ الكرام لا عفوٌ فيهِ مَنّ وأذَى: { {فاصفَحِ الصَفحَ ((الجميل))} }.. { {قَولٌ معروفٌ ومَغفرةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذَى واللهُ ((غَنِيٌّ حَلِيم)).. يا أيها الذينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدقاتِكُم بِالمَنِّ والآذَى} }..
-وإياكِ وكُفرانَ العِشِير، فلا تَشطُبِي مواقفَهمُ الطيبةَ بِسببِ غَضَبِكِ: {ولا تَنسَوا الفَضْلَ بينكُم}.. {إن اللهَ يأمُرُ بالعَدلِ والإِحسانِ}
-وَتَخَيِّرِي ألفاظَكِ بعنايةٍ فمِن الكلامِ ما قَتَل: {وقُل لعبادِي يَقولُوا التي هِي أحسَنُ إنَّ الشيطانَ يَنزَغُ بينَهُم}.. {وقُولُوا للناسِ حُسنًا..}.. {لا يُحِبُ اللهُ الجَهرَ بالسوءِ مِنَ القَولِ إلا مَن ظُلِم}.. { {وهُدوا إلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ} }..
-و اسمعي منه فقد يكونُ مُجردَ سُوءِ فَهم: { {فتبينوا أن تُصِيبُوا قومًا بجهالَةٍ فتُصبِحُواعلى ما فَعَلتُمْ نادِمِين} }
-وإن عَجَزتِ عَن حَسمِ الحُكمِ واشتبهَتْ عليكِ المسألة، فلا تَتَعَجَّلِي بحُكمٍ عَشوائِيٍّ لإنهاءِ المَوقِفِ وحَسب، بل فَهِّمِي أبناءَكِ أنك فَوَّضْتِ الحُكمَ للهِ عَالمِ الغيبِ والشهادة.. هذا أفضلُ عندَ رَبِكِ وأبنائِكِ من أن تَتَبِعِي الهوَى فتظلِمِي: {فلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أن تَعدِلُوا}
-ولا تُكثِرِي مِن الحَلِفِ باللهِ وأنتِ غَضْبَى كيلا تَندَمِي.. ولو أقسَمْتِ على شَيء، فَبَرِّي قَسَمَكِ إن لم يِكُنْ فيهِ إثمٌ أو عذابٌ وَعَنَتٌ على أهلِك، وإلا فَلتَحنثي ولتُكَفّرِي عَن يَمِينِكِ طالما الخيرُ والإصلاحُ في ذلك: {ولا تجعَلوا الله عُرضَةً لأيمانِكُم أن تَبَرُّوا وتَتَقُوا وتُصلِحُوا} { {واحفَظُوا أيمانَكم} }.. فحِفظُها يَكُونُ عنِ الكَذِب/ أو الإسرافِ/ أو الحِنْثِ إِلا لِخَير..
وختامًا..
أعلمُ أن كَبحَ زِمامِ النفسِ شديد، وأننا لن نُوَفَّقَ فيهِ دومًا..
لكنه يسهلُ بالاستعانةِ بالِله: { {واستعينوا بالصبرِ والصلاة} }...
وبالمجاهدةِ المستمرةِ كما في الوصيةِ النبوية: "استَعِن باللهِ ولا تَعجَز"/ إنما العِلمُ بالتعلمِ وإنما الحِلمُ بالتحلُم.."
مع تَذكِيرِ النفسِ دَومًا أنهم أمانةٌ في حُجُورِنا قد وهَبْنا غَرسَها للهِ بلا حَظِ نَفسٍ أو مَصلحةٍ سِوَى الفِردَوس..
وبذلك لن يكونَ سَهلًا عَليكِ ظُلمُهُم والثأرُ لِنفسِكِ، وسيكونُ ذِكرُ اللهِ رفيقَكِ، وستَقطِفِينَ ثمرَةَ حُبِهِم واطمِئنانِهم مَعَكِ، فتغنَمِينَ في الدنيا والآخرةِ ما يُعَوِّضُ صَبرَكِ، فمَن تَزَكَّى فإنما يتزكَّى لنفسِه...
فإن سألتِ: كيفَ نوازن بين الحِرصِ على نفسيتِهِم و" {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء} "،
وبين تعلِيمِهِمْ تَحَمُّلِ عواقِبِ الأمور؟
فالجوابُ في القاعِدةِ القادمة بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (10)
تفصيل قاعدة {ليس لك من الأمر شيء}
أسماء محمد لبيب
فإن سألتِ: كيفَ نحقق قاعدةَ "ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء"، دون إهمالِ تَعلِيمِهم تَحَمُّلِ عَواقِبِ الأمور؟
مثلا، إذا سَقَطَ منه كوبُ العصير دون قصدٍ أو إهمال، أو لم يصنعْ لكِ كوبَ قَهوَتِكِ كما تحُبِينَهُ، أو دَخَلَ إلى المنزِلِ بحذائِهِ الممتليءِ بالرملِ، أو أغلقَ السيارةَ قبل أن تنزِعوا المفاتيحَ منها، أو أضاعَ هاتفَهُ أو نَزَلَ إلى المَسبَحِ ناسيًا أن الهاتفَ فِي جَيبِهِ.. إلى آخِرِ تلكَ المواقفَ اليوميةِ العفويةِ التي لا تتماسُّ مع العقوقِ أو الحقوقِ، ومتصلةٌ بأمورٍ دنيويةٍ لا دينية، وليس فيها شُبهَةُ إهمالٍ أو سوءُ خُلُق..
فبدايةً:
-استهدِي باللهِ وحَوقِلِي واسترجِعِي واحمَدِي اللهَ علَى كُلِ حال..
ثم اقبَلِي اعتِذارَهُ ولا تُشعِلِي البيتَ حرائقَ على مِثلِ تلكَ الأمور، مهما كانتْ مُوجِعةً لكِ وسخيفة..
-وفهّمي ولدَكِ أنها دنيا لا تُساوِي عِندَ اللهِ جَناحَ بَعوضةٍ فلن تغضَبِي لفواتِ دُنيا، وأنكِ ستحتَسِبِينَ أجرَ كَظمِ الغيظ، لأنكِ دومًا تَدْعِين أن يُصَبِرَكِ اللهُ على مصائبِها ومُنَغِّصاتِها وسخافاتِها كي تَغنَمِي أجرَ الصبرِ الجميلِ، وأنكِ تَحمَدِينَ اللهَ أنها ليست مَصائبَ في الدينِ ولا فِيهم فالحمدُ للهِ أنهم بِخير.. وأن قُدوَتَكِ في ذلكَ النبيُ ﷺ الذي لم يغضَب لنفسِهِ ولا انتقمَ لها قَط ..
-واجعَلِيهِ يُساهِمُ في إصلاحِ الخطأِ قدرَ استطاعتِهِ، فلا تَحمِلِي عنهُ واجِبَ الإًصلاحِ إلا قليلًا حسبَ تقديرِكِ للظرفِ الراهِنِ، بكلِ هدوءٍ وصبرٍ وحِلم..
فمادامَ قد أخطأَ رُغمًا عنهُ ودونَ إهمال، ووَجَدتِهِ نادمًا، فسامحِيه.. ولا تلومِيهِ كأنه مُتُعَمِدٌ.. ففي الحديث: «رُفِع عن أمَّتِي الخطأَ والنسيانَ وما استُكْرِهُوا عَلَيه»
ولو كان أخطأَ عن قَصدٍ وهناكَ شبهةُ إهمالٍ، لكنهُ نادمٌ، فاجعلِي غايتَكِ أن يَتَعَلمَ الدرسَ المُستفادَ مِن خَطَئِهِ، وسُرعَةَ إزالتِهِ بإقرارٍ واعتذارٍ وإصلاحٍ: {ويدرؤون بالحسنةِ السيئة}، وقال النبي ﷺ: «أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمْحُها» ..
ولا تكن غايتُكِ أن يرى قدراتَكِ على الانتقامِ والبَطشِ/ وشِدةَ اعتدادِك بحظِّ نفسِكِ والعياذُ بالله/، ورَفْضَكِ لقبولِ الإصلاحَ مِنه/
فلا يدفَعُكِ حِرصُكِ على ردعِهِ إلى أن تفعَلي ذلك..: {إنما التوبةُ على اللهِ للذينَ يعمَلُونَ السُوءَ بجهالةٍ ثم يتُوبُونَ مِن قَرِيب} .. {إلا من ظَلَمَ ثُم بَدَّلَ حُسْنًا بعدَ سُوءٍ فَإنِي غَفورٌ رحيم} ..
فإن الشعور َبالذنبِ أقوَى رادعٍ عن الخطأِ بالفِعل، وقد تحقَقْ لكِ..
أما إن كان قد أخطأَ عامدًا مُتَعَمِّدًا وتكرارًا، ولديهِ استهانةٌ بحقِ الآخرينَ أو النعمةِ، مع عدمُ الشعورِ بالذنبِ أو الندم، فلتكُنْ غايتُكِ هنا كذلكَ وأنتِ تتخيرينَ وسيلةَ الردعِ، أن تربيَهُ على النفورِ من تَكرارِ الخطأِ والحرصِ على الحقِ واجتنابِ الظلمِ، لا أن تَجعَلِيهِ يكتئِبُ وييأسُ من نفسِهِ بسببِ شِدةِ ردِّ فِعلِكِ..
وأحيانًا تَضعُفُ مقاومَتُنا ولا رَيْب.. فلو غَضِبتِ لنفسِكٍ في موقِفٍ ليسَ لديكِ نيةٌ للهِ من ورائِهِ بل ثأرًا لحظِّ نفسِكِ فقط، وتَجاوَزتِ الحَدَّ في رِدِّكِ وظَلَمْتِ وقَصَّرتِ في تطبيقِ القواعد، فحذارِ أن تُبَرِرِي ذلكَ بأعذارٍ تَنفِي بها أنّ ما صدرَ مِنكِ كان خَطَئًا وظُلمًا يَستَوجِبُ توبةً واعتذارًا، ولا تُلقِي بالخطأِ على ولدِكِ كما قلنا سابقًا،
بل على النقيض: بادِري بالإقرارِ بشجاعةٍ وتواضُعٍ أنه كان سلوكًا خاطِئًا وكلُنا ذوُو خَطأٍ وخَيرُ الخطائينَ التوابون.. {يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوامِينَ بالقِسطِ شُهَداءَ للهِ ولو على أنفُسِكُم}..
وإن كان خَطَؤُهُ في أمورٍ دينيةٍ أو أخلاقيةٍ، كتَكاسُلٍ عن مَوعِدِ الصلاةِ مَثَلاً أو التلفُظِ بالسبِّ أو الكذِبِ أو خيانةِ أماناتٍ وأسرار
أو السخريةِ والاغتيابِ لغيرِه وما إلَى ذلك، فاغضَبِي ها هنا للهِ إن شِئتِ ولا حرج عليكِ، لأنك تُعَلِّمِينَهُ بغضَبِكِ هنا أن يَعمَلَ حِسابًا لغَضَبِ الله لا غَضَبِك، فغَضَبُكِ هنا تربيةٌ إسلاميةٌ قَوِيمةٌ، وإن رأوْا أوداجًا مُنتَفِخَةٌ ووَجهًا مًتَمَعِّرًا حتى، فليسَ عليكِ مَلام..
وفهِمِيهِم كلَ مَرةٍ هذا التمايُزَ السلوكِيَ بينَ المواقفِ التِي ((للهِ))، والمواقفِ التي ((لنَفسِكِ))، غرسًا لقِيمةِ الأُولَى في نفُوسِهم، وطلبًا للمساعدةِ منهم كصُحبَةٍ صالحةٍ، حالَ ضَعفِكِ في الثانية،
وأن رسولَهم ﷺ لم يغضَبْ لنفسِهِ قَط، إلا إنّ يَقَعَ مُنكَرٌ أمامَه أو تَهاوُنٌ في حقوقِ الغَير وما إلى ذلك، وأن غضَبَهُ ﷺ كان درجاتٍ:
-أولُها يَسكُتُ ويَتَغَيَّرُ وجهُهُ بالعُبُوسِ أو بتعبيراتِ الاستياءِ، وتَختَفِي ابتسامتُه الحَنونةُ الدائمةُ، وقد تَحِلُّ مَحِلَّها ((ابتسامةُ المُغضَب)) كما حدثَ في قِصةِ كعبٍ بنِ مالِكٍ وغزوةِ تَبُوك.
-ثانيها يسكُتُ ويَحْمَرُّ وجهُهُ ويُقرَأُ الغضبُ في وجهِه، وتَضطَرِبُ لذلكَ قلوبُ رِجالٍ كالفاروقِ عُمَر..
-ثالِثُها يَنهَرُ المُخطِيءُ بغضَبٍ واضحٍ يَهابُ مِن وَقعِهِ الحاضِرُون..
فخِتامًا...
كُونِي قدوةً في الاعتِرافِ بالخطأِ/ والتواضعِ للحقِ/ والتوبةِ من قريبٍ/ والغضبِ للهِ لا للنَفسِ/ وكُونِي في ذاكِرَتِهِم الأمَّ التقيةَ الرحيمةَ العَفُوَّةَ، التي تُسامِحُ في أمورِ الدنيا إجمالًا، لكِنَها في حَقِ اللهِ وتربيتِهم على الاستقامةِ لا تِتهاوَن..
وبذلكَ تُحَقِقِينَ التَوازُنَ في {لَيسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيءٌ} ، وتُضاعِفِينَ مِن أمانِ أبنائِكِ النفسيِّ والدِينِيّ، بإذن الله..
وأعلمُ أن كثيرًا منا قد تَرَبَّى خلافَ هذا ورُبَمَا يَعوقُهُ ذلكَ كثيرًا عن المجاهدَة..
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (11)
ثلاثُ قواعد في عَلاقَةِ والديكِ بتربيتكِ لأبنائك
أسماء محمد لبيب
كل ما سَبَقَ سَهلٌ بحولِ الله وقوته الالتزام به، وأعلمُ أن كثيرًا منا تَرَبَّى بخِلافِه ورُبَمَا يَعُوقُ ذلكَ مُجاهدتَهُ، إذ يَجِدُ طِباعَهُ تَغلِبُ محاولاتَهُ الإصلاحِية باستمرار، أو يَجِدُ آباءَه يَعوقُونَ توجِيهاتَه التربويةَ المخالفةَ لبعضِ ما رَبَّوهُ عَليه، ومِنا مَن تَشَرَّبَ الخَلَلَ حتى النخاعِ ولا يَقبَلُ حتى فكرةَ أن يُرَبِّي أبناءَه بشكلٍ مُختَلِف...
والحلُّ لهذِهِ المُنَغِّصاتِ بجانِبِ ما سبقَ من قواعِد: تَذَكُّرُ ثلاثَ قواعِدَ خاصةٍ لتطويعِ هذهِ العقباتِ وتَمهِيدِ طريقِ التربيةِ بإذنِ اللهِ..
:القاعدةُ الأولَى
قولُ النبيِّ ﷺ: «احرِصْ على ما يَنفَعَك»
فلا تجعلي حِرمَانَكِ سببًا فِي حِرمانِ أبنائِك، فإنَّ فاقدَ النعمةِ هو أَقدَرُ الناسِ على إعطائِها..
فَأيُّ قِسوِةٍ أو حِرمانٍ أو ألَمٍ قد تَعَرَّضتِ لهم في بيتِ أهلِكِ الكِرامِ -عفا اللهُ عنهم وعنا- اجتهِدِي أن تُجَنِّبِيهِ أولادَكِ.. وكلنا غَيرُ مَعصُومين..
وكذلك... أيُّ فَضيلةٍ أو قِيمَةٍ تعلمْتِها مِنهُم في بيتِهم الكريمِ -جزاهمُ اللهُ الجنةَ- اجتَهدِي في تعليمِها لأبنائِكِ بغَضِ النَظَرِ عن ألمِكِ فِي غيرها، وتَذَكَّرِي والديكِ بالثناءِ حينَها أمامَ أولادِكِ، وادعِي لهما جَهرًا بصِدقٍ وامتنانٍ، أحياءً أو أمواتًا.. هذا تربيةٌ على الامتنانِ وحُسنِ العَهد، لقلبِكِ بالتَكرار، ولأبنائِكِ بالقُدوَة..
انسَيْ تمامًا قاعدةَ: "فاقد الشيء لا يعطيه"..
وتَذَكَّرِي فقط قاعدةَ: {قد أفلح من زكاها} ..
فإنَّ فاقِدَ الشيءِ هوَ أقدَرُ الناسِ على إعطائِهِ، لأنهُ الأكثرُ مَعرِفَةً بقَدرِ هذا الشيءِ وبأثَرِ وشعورِ الحِرمانِ مِنه..
هذا فقط لوِ القلبُ سليمٌ، لم يَفسُدْ بنَبْضِ الثأرِ، وَلَمْ تُقَسِّهِ القَسوَةُ، ولمْ تَحرِقْهُ شَهوَةُ الحِقدِ والانتقام؛ ويَتُوقُ لتخرِيجِ أجيالَ مُسلِمةٍ خاليةٍ من التشوهاتِ النفسيةِ والإعاقاتِ الروحيةِ والاعوجاجِ التربوِي...
سلامٌ على كل ابنَةٍ رَحِمَتْ أبناءَها من أيِّ بلاءٍ تَربَوِيٍّ أثَقَلَها، فَجبَرَتْ نَقصَ والديها الكرامِ بإكمالِ حالِ أبنائِها فِيه، وأوقَفَتْ مُسَلسَلَ التشوهاتِ والعُقَدِ النفسيةِ عِندَ عَتَبَتِها..
سلامٌ على كل رُوحٍ مُتعَبةٍ، وتأبَى إلا الإحسان..
القاعدة الثانية:
قاعدة عامة ولها استثناء:
{بِرُّوا آباءَكم تبرَّكم أبناؤُكم}
فبقدرِ بِرِكِ بوالديكِ، بِقَدرِ بِرِّ أبنائِكِ بِكِ، غالبًا وليس مُطلقًا..
ورغم أن الحديثَ مُختَلَفٌ حولَ صِحَتِه، إلا أَنَّهُ صحيحُ المعنَى وإن لم يكن قاعدةً مُطلَقَة..
فإن أردتِ مضاعفةَ صلاحِ ثَمَرَتِكِ، فَعَلَيكِ بِبِرِّ والدَيكِ..
فلو لازالا أحياءَ فبادِرِي بالتوبةِ عنِ التقصِيرِ أو الخطأِ، وأدرِكِي ما فاتَكِ باجتهادٍ وصِدقٍ..
قال ﷺ: «رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ...! قيل: مَنْ يا رَسُولَ اللهِ؟! قال: مَن أدرَكَ والدَيهِ عِندَ الكِبَرِ، أحدَهُما أو كِلَيهِما، ثم لم يَدْخِلِ الجَنةَ» *2
ولو ما عَادا أحياءَ، فِبِرُّهُمْ لَم يَنقَطِعْ بَعدُ رُغمَ الفِراق..
قال رجل: " «يا رسولَ اللهِ إنَّ أبَوَيَّ قد هلَكا، فهلْ بَقِيَ لِي بَعدَ مَوتِهِما مِن بِرِّهِما شَيءٌ؟ قال ﷺ: نَعَم، الصَّلاةُ عليهِما، والاستغفارُ لهُما، وإنفاذُ عُهُودِهما مِن بَعدِهما، وإكرامُ صديقِهِما، وَصِلةُ رَحمِهما الَّتِي لا رَحِمَ لكَ إلَّا مِن قِبَلِهما» ".*3
فلازال أمامَكِ سَبَبٌ من أسبابِ تَحسِينِ ثَمَرَتِكِ تأخُذِينَ بِهِ كلما تأمَّلْتِها بِحُزنٍ لِتَأَخُّرِها أو لذُبُولِ بَعضِ وُرَيقَاتِها، فإنْ عَجَزتِ عن سببٍ فلا تَعجَزِي عن غَيْرِه.. {والذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِين} ..
و {جَاهَدُوا فِينَا} تُنَبِّهُكِ ألا تَنْسَيْ إخلاصَ النيةِ لِوَجهِ اللهِ الكَرِيم..
القاعدة الثالثة:
{وَاخفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِ}
عِندَ تَعارُضِ تَوجِيهاتِكِ لابنِكِ، معَ توجيهاتِ وَالدَيكِ لَه، فالأمرُ يَنقَسِمُ لأُمُورٍ دِينِيةٍ وأمورٍ حياتِيةٍ عادِية..
فمثلًا، إن كانَ الجَوُّ بارِدًا ووالدتُكِ الكريمةُ تَحرِصُ بِشِدَّةٍ علَى المُبالَغَةِ فِي تَدفِئَةِ ولَدِكِ بسِروالٍ إضافيٍّ ووُشاحٍ على عُنُقِهِ وأنفِهِ ورُبمَا طاقِيَّةٍ وقُفازاتٍ وجواربَ صُوفِيَّةٍ، بينما أنتِ تَترُكِينَ أبناءَكِ يُقَرِّرُونَ بأنفُسِهِم حَسبَ شُعُورِهِم بِالبَردِ، ما يَوَدُّونَ ارتداءَهُ دُونَ إفراطٍ أو تَفرِيط، وَتَعلَمِينَ أنهُم علَى قَدرٍ مِنَ المَسؤُولِيةِ هُنا، لِتَعلِيمِكِ إياهُم حُسنَ التَفكِيرِ وَتَقدِيرِ عَواقِبَ الأُمور..
الشاهد: هذا مَوقِفٌ دُنيَوِيٌّ عام، وَلَيسَ شَرعِيًا مَحضًا، تَجِدِينَ فيهِ أُمَّكِ الكريمةَ تُعارِضُ توجيهاتِكِ تِلكَ أمامَ ابنِكِ، وَتُوَجِّهُهُ لِخِلافِها، وَتُصِرُّ أمامَهُ أنَّ كلامَكِ خَطَأٌ وكلامُها هُوَ الصَوَاب...
هنا..
استمِعِي لكلامِها ولَيِّنِي قَلبَ وَلَدِكِ.. ولا تُعارِضِيها أكثَرَ مِن ذَلكَ أمامَه.. واخفِضِي لها جَناحَ الذُلِّ مِن الرَحمَةِ بشكلٍ عَمَلِيٍّ، وأَرِيحِي قلبَها أراحَ اللهُ قلبَكِ وكَتَبَ أجرَكِ.. ولا تَخشَيْ هُنا عَلَى تَربِيةِ وَلدِكِ بسببِ فِعلِهِ عَكسَ توجيهاتِكِ القَوِيمَةِ، فعلَى النَقِيضِ: وَلدُكِ الآنَ قَد تَرَبَّى بِشكلٍ عَمِيقٍ سَتقَطِفِينَ ثِمارَهُ الزكيةَ وَلوْ بَعدَ حِينٍ..
كيف....؟
وَلدُكِ هكذا قَد تَعَلَّمَ عَمَلِيًا مَعنَى البِرَّ بالآباءِ واحتِرامِهِم، وهذه الفَضِيلةُ تحاوِلِينَ ليلَ نهارٍ تَلقِينَهُ إياها تِجاهَكِ وتجاهَ والدِهِ لِيَلِينَ في أيدِيكُما للتَربِيةِ الرَشيدَةِ على الكتابِ والسُنة، فرآكِ مُتَسِقَةً مع قِيَمكِ وتعاليمِ دينِكِ التي تُلَقِّنِينَهُ إياها، بشكلٍ واضِحٍ وصادِقٍ وحَقِيقِيٍّ بعيدًا عن الشِّعارات..
باختصار: رآكِ قُدوةً له في بِرِ الوالدين....
فاحتسِبِي الأجرَ والثمَرَةَ حينَها واطمِئنِّي، فالبِرُّ لا يَبْلى.
ثم حين تَعُودُون لِبَيتِكُم، تفاهَمِي مَعَهُ على انفرادٍ وبهُدُوءٍ وعَقلانِيةٍ وحنان، حولَ الموقَفِ والعِبرَةِ فِيه، مَعَ كاملِ احتِرامٍ وإحسانٍ وَحِفْظٍ لِسِيرَةِ أُمِّكِ بِالغَيبِ، ولا تَنسَيْ أن تَشكُرِيهِ على بِرِّهِ لَكِ في إعانَتِكِ عَلَى بِرِّها..
وَلَقِّنِيهِ بالدليلِ الشرعيِّ والعِلمِي، ما الصوابُ في المسألة، وأنَّ قاعدةَ "إنْ عَليكَ إلا البلاغُ" نَحنُ مأمورنَ بتَطبِيقِها معَ الناسِ كافَّة..
وأنَّ الواجبَ عَلَيهِ هوَ أن يختارَ الصوابَ ويَترُكَ الخطأَ، عَمَلًا بقاعدةِ: {كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهيِنٌ} ،
وَحَفِّزِيهِ لاتباعِ الحِكمَةِ أينما وَجَدَها، بقاعدِةِ: {الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ}
أما إنْ كانَ النزاعُ على أُمُورٍ عَقَدِيَّةٍ/ أو مُنكَرَاتٍ لا يَجُوزُ السكوتَ عَنها/ أو حَثٍّ عَلَى تَركِ نوافلَ أو فِعْلِ مَكرُوهات --- فَلَعَلَّ والدتُكِ لا تَعرِفُ.. فَلتُوَضِّحِي لها الحُكمَ بِكُلِّ بِرٍ وَبِالدَلِيل،
فِي حينِها أو لاحقًا حَسْبَ المُناسِب..
ولو علمتِ أَنَّ الأقربَ لِقَلبِها وَقبُولِها كلامُ وَلَدِكِ معها بدلًا مِنكِ، فلا تترددي..
ثم بعدَها فلا سُلطانَ لكُما عليها، وَما أَنتَ عَلَيهِمْ بِوَكَيل...
أهَمُ شَيءٍ:
-البرُّ والاحترامُ والمصاحبةُ بالمعروفِ..
-وتَقدِيرُ المكانةِ والسنِ والعِلمِ والحِكمَةِ الأعلَى للكِبارِ عامَّةً والوَالِدَينِ خاصَّة، عَلَنًا أمامَ الأحفاد..
-وتَجاهُلُ الإساءةِ، والصبرُ عليها إيمانًا واحتسابًا..
-ثم نَهجُرُ الخطأَ الشَرعِيَّ الذِي يَحُثانا عَلَيهِ، ونَتِّبِعُ سَبِيلَ الطائِعِينَ وَلو لَمْ يَكُونا مَعَنا فيه: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }
هذا وكُلُّ ما سبقَهُ يَقودُنا للكلامِ عن القُدوَةِ.. في القاعِدةِ القادِمةِ بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (١٢)
{فَبُهُداهُمُ اقتَدِه}: لا قُدوة على غَيرِ هُدًى..
أسماء محمد لبيب
قالَ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَهُ الكريمَ ﷺ: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقتِدِهْ} ..
يأمرُهُ بالاقتداء بالصالِحِين، وهو ﷺ أكمَلُ الناسِ صَلاحًا وَخُلُقًا وَطَرِيقةً، وأعلمُهُم بِالهُدَى..!
فكيف بنا نحن؟
لا شَكَ سنقولُ جَميعًا: ((لكننا قُدوَةٌ صالحةٌ لأبنائِنا بالطبعْ..!))
فأتساءلُ: ومِن أينَ استقَينا المَعْرِفَةَ أو المعلوماتِ التي تُؤَسِّسُ أفعالَنا وقناعاتِنا الصادرةَ أمامَهم لِيَقتَدُوا بِنا فِيها كي نَجزِمَ بيقينٍ أننا قُدوةٌ صالحة؟ ألا نُدرِكُ أن الأفعالَ هي ثمَرةُ القناعاتِ؟ وأن القناعاتِ هي ثمَرةُ المعرفةِ؟
إن القدوةَ هي مُحاكاةٌ لنَموُذَجٍ ما، سواءٌ كان النموذجُ غائِبًا أو حاضِرًا.. فالنَمُوذجُ الحاضِرُ قُدوَةٌ عَمَلِيَّةٌ حِسِّيَّةٌ -أي نَتلقَّاها بالحواسّ-/ والنمُوذجُ الغائبُ: قُدوَةٌ عِلميةٌ خَبَرية -أي نتلقاها بالأخبارِ والمَعرِفة..
تَظُنِينَ حبيبتي أن اللهَ سيأمُرُ نبيَهُ بالاقتداءِ بقومٍ مِن زَمانٍ آخرَ لم يُعاشِرْهم، ثُم لا يَمُدُّهُ بمَعلوماتٍ عن هَديِهِم وطَرِيقتِهِم وأخلاقِهِم؟
القاعدةُ الأصوليةُ الفِقهِيةُ المَعروفَةُ تقول: ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا بِهِ فهو واجبٌ..
فلا يَشُكُّ عاقلٌ أن الأمرَ الإلهيَّ بالاقتداءِ بالقُدواتِ الغائبةِ، مُتَضَمِّنٌ لأمرٍ آخَرَ مَنطِقِيٍّ لا ينفكُّ عَنهُ وَلا يَتِمُّ إلا بِه، ألا وهُو: تَعَلُّمُ سِيرِتِهِم وأفعالِهم أولًا..
هذا... وهو النبيُّ واسِعُ العِلمِ بالأخلاقِ والفضائلِ وأركانِ الصلاحِ الإنسانِيَّ الشامِلِ عِلميًا وعَمليًا،
فما بالكم نحن، وَنحنُ لم نُتَمِمْ بَعدُ ما لا يَسَعُ المسلمَ جَهلُهُ في أبسَطِ أصولِ ومعارِفِ دينِنا الإيمانيةِ والأخلاقيةِ والسلوكيةِ؟ كيف سنربِي أولادَنا على شَيءٍ لم نتَرَبَّ بِهِ نحنُ أولًا كقدوةٍ حاضرةٍ أمامَ حواسِّهم الخَمسَة؟
كيف سأكون صبورةً وأُربي ولدي على مَراتِبِ الصبرِ، ولم أَتَعَلمْ مثلًا قِصةَ أيوبَ ويوسفَ ونُوح؟
كيف سأربي نفسِي ووَلَدِي على معاني العِفَةِ، ولم أتعلَمْ مثلا قِصةَ يوسفَ ومريمَ؟
كيف سأربيهم على الحياءِ ولم أتعلمْ قصةَ موسَى وبناتِ شُعَيب؟
كيف سأربيهم على الصِدقِ دونَ أن أتعلمَ قِصةَ كعبٍ بنِ مالِكٍ،
أو على الدعوةِ بلا يأسٍ أو قنوطٍ دُونَ أن أتعلمَ قِصةَ نوحٍ ويونُسَ؟
بل كيف سأربيهم على أي خَصلَةِ خيرٍ دونَ أن أتعلمَ قَصصَ الأنبياءِ والصحابةِ والصالحينَ من سلفِ الأمةِ كافَّة؟
تلك هي القدواتُ المطلوبُ منكِ أنتِ أولًا تَعَلُّمَ سِيرتِها الصحيحةِ معرفيًا، قبلَ أن تكونِي فيها قُدوةً عَمَلِيًا،
إن كنتِ تريدينَ غَنِيمَةَ الآخرةِ لكليكُما كما قالَ تعالَى: {لقد كانَ لكُمْ فِيهِمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ}
تَأَمَّلِي بَنِي إسرائيل حينما استَنكَرُوا وِلادةَ مريمَ لطِفلٍ دونَ زوجٍ وظنوا السوءَ بها، ماذا قالوا أولَ شَيء: {يَا أُختَ هارُونَ ما كان أبوكِ امرأَ سَوءٍ وما كانتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ... يُذَكِّرُونَها بقدواتِ بيتِها الكرامِ ويستنكرُونَ أن يَصْدُرَ مِنها ما ينافِي سيرتَهُم العفيفةَ وأخلاقَهم القويمةَ..
تَأَمَّلِي كذلكَ كلمةَ "كما" في قولِ اللهِ تعالَى: {فاصبِرْ ((كما)) صَبَرَ أولُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ}
القدوةُ إذًا -حاضرةً أو غائِبةً- هي أقوَى الأدلةُ إقناعًا وأشدُّها َحَثًا لأولئكَ البراعمَ المقتفينِ لأثَرِنا، أنَّ كلامَنا عَمَلِيٌّ تطبيقيٌّ، لا مُجِردَ شِعاراتٍ نظرِيةٍ عَصِيَّةٍ على التنفيذ.. فيَصبِرُونَ كما تَصبُرِين، ويَعفُونَ كما تَعفِينَ، ويستُرُونَ كما تَستُرِين، ويَجُودُونَ بالخيرِ كما تَجُودِين، ويَتَرَفَّعُون عنِ الفواحشِ كما تترَفَّعِين، وهَلُمَّ جَرًا..
بالتالي... فإنَّ على رأسِ القُدواتِ المطلوبُ مِنا تَوفيرُ أصولِها في أنفسِنا لأبنائِنا: النبيَ محمد ﷺ..
فهو الذي قِيلَ فيه أنه ((قرآنٌ يَمشِي على الأرضِ)).. والقرآنُ هو الذي قِيلَ فيه أنه {يَهدِي للتي هِيَ أقوَمُ} ..
فصار ﷺ أسوةٌ حسنةٌ حاضرًا وغائبًا، على أكملِ وأجملِ ما يكونُ..
فتعلَمِي عنهُ هُو بالأخص:
كيفَ يُعَظِّم اللهَ وشعائرَه/ وكيف لا يَغضبُ لنفسِهِ ولا يَسُبُ ولا يَكذِبُ ولا يَسخَرُ/ وكيف يَعدِلُ ويَحكُمُ بما أنزلَ اللهُ دونَ حَرج/ وكيفَ كَرَمُه وحياؤُهُ وصِدقُهُ وعَفوُهُ ورِفقُهُ وتواضُعُهُ/ وكيف هِمَّتُهُ وعبادتُهُ واعتناؤُهُ بالعِلمِ وزُهدُهُ في الدنيا/ وغيرُ ذلكَ من هَديِهِ القويمِ في المُعاملاتِ والآدابِ وكلِّ فَضِيلَةٍ تَستَطِيعِينَ تَحصِيلَ عِلمَها وتَطبيقَها، قَبلَ أن تطلُبِي من أولادِكِ الالتزامَ بها..
وصَدَقَ مَن قال:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
فأعيذُكِ أن تكوني كمن قال فيهم ﷺ: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ، كمثلِ السِراجِ: يُضِيءُ للناسِ... و((يُحرِقُ نفسَهُ))"..
وكلُ ذلكَ لن ينجحَ دونَ الاستعانةِ بحولِ اللهِ وقُوتِهِ، على أنفسِنا وأبنائِنا..
فسدِدُوا وقارِبُوا.. وأبشرُوا..
فالتوازنُ مطلوبٌ، دونَ مِثالِيةٍ مُحبِطةٍ، ولا عَفَوِيَّةٍ مُهلِكَةٍ، ولا تناقُضاتٍ مُخجِلَةٍ..
فكيف نُحَقِّقُ هذا التوازنَ؟ ومتى ينبغِي أن ننتبِهَ لأمرِ القدوةِ؟ ومَتَى تبدأُ المحاكاةُ عادَةً؟ وإنْ خُدِشتِ القدوةُ أمامَ الأبناءِ يَومًا فكيفَ التصرُفُ؟ وإنْ كَبُرَ وَلَدِي وأنا لازِلتُ أجاهِدُ نفسِي ولم تَكتَمِلْ قُدوَتِي لهُ بَعدُ فِي حَدِّها الأدنَى ويُقَلِدُنِي، فما الحل؟
والجوابُ في القواعِدِ القادمةِ تِباعًا بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (١٣)
كل ابن آدم خطاء": ليسوا ملائكة.. ولا أنتِ!
أسماء محمد لبيب
ثمةُ أمهاتٍ يُعامِلنَ أولادَهُنَّ كملائِكَةٍ لا يَعصُونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرون..
رُغمَ إقرارِهِنَّ أنَّ كلَ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، إلا أنهُنَّ عَمَلِيًا يَنسَوْنَ هذا القانونَ البَدَيهِيَّ..
حبيبتي..
ابنُكِ دونَ الحُلُمِ مَرفُوعٌ عنهُ القلمُ لأنهُ سيُخطِيءُ كثيرًا عن جهلٍ وعُذْرٍ، وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..!
فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟
لأنه غيرُ مُكتَمِلِ النُمُوِّ الجسديِّ والعَقليِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ.. فلا يُمُيِّزُ الصوابَ من الخطأِ ولا يُدرِكُ عواقِبَ الأمورِ ولا يُلِمُّ بقوانينِ الحياةِ كلِها بَعْد.. فيتَعَثَّرُ تمامًا كَتَعَثُرِهِ حينَ يتعلمُ المَشْيَ أولَ مَرَّة..
ويُصبحُ مكلفًا مُحاسَبًا بأهليةٍ وجَدارَةٍ حين يَبلُغُ الحُلُمَ ويَشتَدُّ عُودُه، دونَ أدنَى ظُلمٍ له مِن ربِهِ أرحمِ الراحِمينَ وأحكمِ الحاكِمين..
ونِسبَةُ الخطأِ والتَعَثُرِ تَقِلُّ تدريجيًا كلما كَبَرُوا وانتقلوا بسلامٍ من المرحلةِ العُمرِيَّةِ الأدنَى إلى الأعلَى، وكانت تربيتُهم فِي جَوٍّ أُسِرِيٍّ آمِنٍ وصِحِيٍّ وإسلامِيّ، بلا عَقبَاتٍ قاصِمة فِي طريقِ نُمُوِهِمُ الشامِل..
فعليكِ:
-إدراكُ ذلك
-والإلمامُ بالحدِ الأدنَى من المعرفةِ بطبيعةِ وسِماتِ واحتياجاتِ المرحلةِ العُمْرِيةِ، وبكيفيةِ تحقيقِ التوازُنِ بين طبيعةِ كلِ مَرحَلَةٍ ومُتَطلباتِها وخُطَةِ التربيةِ التي رسَمتِها لهم
-واستيعابُ أنَّ صبرَكِ على أخطائِهِم ليسَ تَفَضُّلًا وإنعامًا مِنكِ حبيبتي، إنَما هو شَهادةٌ في حَقِكِ بالرُشدِ والحِكمَةِ، وأنكِ عاقِلَةٌ فِكرِيًا ومُتَزِنَةٌ انفعاليًا، مُستَوعِبَةٌ للبَدِيهِياتِ وتُعطِينَ الأمورَ حَجمَها، وتُمَيزِين جيدًا مَنِ الصغيرُ ومَنِ الكبيرُ/ ومَنِ القويُ ومَنِ الضعيفُ/ ومَنِ العالِمُ ومَنِ الجاهلُ/ ومَنِ المُكَلَفُ ومَنِ المَرفُوعُ عنهُ القلمُ..
ليسوا ملائكةً.. وكذلك أنتِ.. كلاكُما ابنُ آدم وكُلُ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ..
فلو تَعذُرِينَ نَفسَك؟ِ= فَهُم أجدرُ بالمَعذِرة، فعلَى الأقلِ هم مَعذُورون لقلةِ رُشدِهِم ونُضجِهم وخِبراتِهم، بينما أنتِ كبيرةٌ وراشدةٌ وخبيرةٌ، فكيفَ عُذرُكِ مُقارَنةً بهم؟
ولو عذرُكِ في عَصَبِيتكِ هو الضُغوطُ والمسؤولياتُ؟= فأعِيدِي مُراجعةَ وترتيبَ أوضاعِكِ مِن جديدٍ وأزيحِي منها ما أمكَنَ، مِن عَمَلٍ أو دِراسَةٍ أو رسائلَ عِلمِيةٍ قد لا يكونوا بالضرورةِ العاجلةِ التي تبدو لكِ بل ربما الأفضلُ لكِ ولبيتِكِ تأجيلُها لأجواءٍ أكثرَ بركةً في التحصِيل، واكتفِي مُؤقتًا بالضغوطِ الأصلِيةِ في حياتِكِ كأمٍ وابنةٍ وأختٍ وزوجة، فنحنُ جنودٌ لله، نَعمَلُ حيثُ سخَرَنا وقَدَّرَ لنا، وتَذَكَّرِي دعاءَ النبيِّ ﷺ بالجنةِ حينَ قال: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ"، أي إذا أُقِيمَ في مُقَدِمَةِ الجَيشِ لِحراسَتِه رَضِيَ وقامَ، وإنْ أُقيمَ في السَّاقةِ مُؤَخِّرةِ الجَيشِ رَضِيَ وقامَ، ولا يَضُرُّهُ تفاوتُ المَواضِع، لابتغائِهِ وَجهِ اللهِ، وهو خامِلُ الذِّكرِ بِلا مَكانةٍ بيْنَ النَّاسِ ولا يَسعَى لوَجاهَةٍ بيْنَهُم..
فطُوبَى كذلكَ لأُمٍ آخذةٍ بعِنانِ نفسِها ولِجامِ أمرِها في سبيلِ اللهِ، مُنطَلقةً تُجاهِدُ في تربيةِ أبنائِها بإحسانٍ، مُستَدبرَةٍ زخارفِ الدنيا، خَفِيةِ الذِكرِ بينَ الناسِ بِلا مكانةٍ عِلمِيةٍ أو شَرَفِيَةٍ، لكنها عندَ ربِها حَفيةُ الذِكرِ شريفةُ القدرِ مَحفُوظةُ الأجرِ..
ولو عُذرُكِ هُو جَهلُكِ بقواعِدِ التربيةِ تِلك، فها قد عَرَفتِ فالزَمِي، وقولي ربِّ زِدنِي عِلمًا.. وأكمِلِي مَسيرَةَ طلبِ العِلمِ التربوِيِّ، لتفكيكِ ما يُضاعِفُ تَعَثُرَكِ مَعَهُم.
ولو عُذرُكِ ضَعفُ مُقاومَتِكِ؟= فكيفَ بِمَن هم أضعَفُ وأَعجَزُ مِنكِ؟ لا شكَ أنكِ بَشَرٌ تَضعُفِينَ وتَعجَزِينَ، لكنِ الصغارُ أضعَفُ وأضعَف.. اجبُرِي ضعفَكِ بحَوقَلاتٍ واستغفاراتٍ وركعاتِ بَثٍّ مِن نوعِيةِ "أرِحنا بِها يا بلال"، وبمُحاسَبَةٍ دَورِيةٍ وإصلاحٍ، وبالاستعانةِ بمن يَدعَمُكِ ويَحمِلُ عَنكِ/
وَلَبِنَةٌ فوقَ لَبِنَةٍ يَكتَمِلُ البِناءُ.. فاستعِنْ باللهِ ولا تَعجَز..
ولو عُذرُكِ هُو حُزنُكِ لتأخُرِ الثَمَرةِ وتُبَرِّرِينَ عَصَبِيَتَكِ بذلك؟= فكما قُلنا مِرارًا: كُلُّ نَبتَةٍ لها مُدةُ إنباتٍ..
هناك بِذرَةٌ تحتاجُ سبعَ سنواتٍ لتُزهِرَ، كشجرةِ المانجو مثلًا، وهناك بِذرةٌ تحتاجُ لسبعَةِ أيامٍ، كالعَدَسِ مثلًا.. فتأمَّلِي! سبعُ سنواتٍ وسبعُ أيامٍ، والماءُ واحدٌ والتُربَةُ واحدةٌ.. وفي السماءِ رِزقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ.. والرِزقُ يحتاجُ لسَعْيٍ، فاسعَيْ وتَرَقَّبِي رِزقَهُ برضا وتَوَكُلِ الطيرِ= فتَغدِينَ بكفوفٍ خاويةٍ، وتَعُودِينَ بها عامرةً بالأزهارِ..
فاسقَي.. واستمِرِي.. واصبرِي.. وأبشرِي.. ربُكِ سيسألُكِ عن السقايةِ، لا ثمرتِها، ما دُمتِ رَعَيتِها بِما علَّمَكِ..
وثمةُ أمهاتٍ تتعاملُ مع خَطئِها بجلدٍ للذات مُفرِطٍ ومُحبِطٍ..
فَلا تنسَي: أنتِ لستِ ملاكًا.. فلا تُسَوِّقي نفسَكِ عِندَهُم كالملاكِ أو قريبٍ مِنه، حتى إذا زَلَلْتِ تكونُ صدمةٌ لكليكُما..
بَل أدرِكِي ضَعفَ نَفسِكِ، واعلَمِي أن هناكَ مِساحاتُ عَجزٍ وقِلَةِ حِيلَةٍ نستعينُ فيها باللهِ ذِي القوةِ والطولِ، والتقصيرُ مَعفِيٌّ عنهُ طالما نجتهدُ ونجاهِدُ بنفسٍ لوامةٍ بغيرِ إفراطٍ، تُصحِحُ المسارَ أولًا بأول..
وكَرِّرِي عليهم أن كُلَ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابُون، وأنكِ قُدوةٌ تُسارِعُ إلى الخيرِ الذي تأمُرُ بِه، وتمتَنِعُ عن الخطأِ الذي تَستَنكِرُه.. ولا تَمنَعَنَّكِ زلاتُكِ عن الاستمرار..
قِيلَ عنِ الحسنِ البَصرِيِّ أنهُ ما بَلَغَ ما بَلَغَهُ مِن مكانةٍ إلا لكَونِهِ إذا أمَرَ الناسَ بشَيءٍ يَكونُ أسبقَهُم إليه، وإذا نهاهم عن شَيءٍ يكونُ أبعدَهم مِنهُ.. وهوَ نفسُهُ الذِي حِينَ قِيلَ لَهُ أنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ مَخافَةً أن يقُولَ مَا لَا يفْعَلُ، قال: [وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟-يَقصِدُ ((كُلَّ)) ما يَقول- [وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّ يظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ]..
=فالأساسُ أن فِعلُكِ مُوافِقٌ لقولِكِ، لا انفصامَ بينَهُما ولا ازدواجيةً للمعايير، فقاعدتُكِ: {وما أُريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}/ {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}/ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
=والخطأُ والتقصيرُ وارِدٌ، وقاعِدتُكِ: {كل ابن آدم خطاء}/ و{إن أريد إلا الإصلاح ((ما استطعت))}..
=وبادِرِي بالإقرارِ والاعتذارِ إن أخطأتِ، وقاعدتُكِ: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}..
=وتَجَنَّبِي مَواطنَ الشُبهَةِ وبَرِّئِي سُمعَتَكِ... وقاعدتُكِ: {ما عَلِمنَا عليه من سوء}.. كما فعلَ النبيُ ﷺ حين كان مع صفيةٍ في الطريقِ ليلًا، فبعضُ الصحابةِ أَسرَعُوا الخُطَى، فَبَرَّأَ ﷺ موقفَهُ وأوضحَ أنها زوجتُه.. ذَكَرَ ابنُ حَجَر ضِمنَ فوائدِ الحديثِ: ((اجتنابُ التَعَرُّضَ لسوء الظن بنا وتقديم العذر فيه))..
غَفَرَ اللهُ لنا انفلاتَ أعصابِنا معَ المَرفُوعِ عنهُم القَلَمُ..
شَمِلتْهُم رحمتُهُ تعالَى، وضاقَتْ عنهم رحمَتُنا...
فاللهم سامِحْنا واجبُرْ عَجزَنا واجبُرْهُم.. وما أُبَرِّيءُ نفسِي فكُلنا خطَّاؤُون.. وخيرُ الخطائِينَ التوابُون..
فإن سألتِ: متى وكيفَ ننتبِهُ لأمرِ القُدوَةِ؟ ومَتَى تَبدأُ المُحاكاةُ عادَةً؟
فالجوابُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: ( ١٤)
{بلْ نَتَبِعُ مَا ألْفَينَا عَلَيهِ آباءَنَا}.. فِطرَةُ المُحاكَاة!
أسماء محمد لبيب
قال أبٌ لولَدِه: [[انتبهْ بُنَيْ إلى خطواتِكَ وأنتَ تَسِير!]] فأجابه: [[بَل انتبِهْ أنتَ يا أبَتِ لخُطُواتِكَ فأنا عليها أسِيرُ]]!!
بسببِ تَقلِيدِ الصغارِ لنا واستِعراضِهِم لِمِرآتِنا السلوكيةِ في كلِ صغيرةٍ وكبيرةٍ، أصبحَ مِن إيجابياتِ الإنجابِ أنهم يُعَزِزُونُ بداخلِنا عقيدةَ الإيمانِ بوجودِ مَلَكٍ رقِيبٍ عتيدٍ مُلازِمٍ لنا يُحصِي علينا أعمالَنا وربما أنفاسَنا واللهُ المستعان..!
المحاكاةُ غَريزةٌ، والغريزةُ هي الدافعُ للإنسانِ إلى عَمَلٍ دونَ تفكيرٍ وهي جُزءٌ من الفِطرَة*ِ.
فالإنسانُ بطبيعَتِهِ يَمِيلُ للتقلِيد، لِما فِي ذلكَ من إشباعٍ لشعورِهِ بالانتماءِ مَع مَن حَولِهِ في سُلُوكِهِم، خاصَّةً الأطفالُ، حيثُ يعتقدونَ أن كلَ أفعالِ الكبارِ صحيحةٌ فيقلِدُونَهُم، بدافِعِ مَحَبَتِهِم إياهُم أولًا والتجربةِ ثانيًا. وهذا بالطبعِ يُخالفُ مَزاعِمَ فرويد صاحِبِ عُقدَةِ "أوديب"، أن الولدَ يُضمِرُ بُغْضَ أبيهِ لأنهُ ينافِسُهُ على أمِهِ، وهذا افتراءٌ واتهامٌ باطِلٌ لفِطرَةِ الأطفالِ الأبرياءِ بالنفاقِ والحِقدِ، وليس المجالُ الآنَ لتفصِيلِهِ* (كتاب التربية-مشكاة-بتصرف)
القدوةُ إذًا من أهَمِّ صُوَرِ انتقالِ السلوكِ علَى مَرِّ الأُمَمِ، حتى بينَ الحيواناتِ وبعضِها، بل بينَ الحيواناتِ والبَشَرِ..
تأملوا نبأَ ابنَيْ آدمَ وكيفَ بَعَثَ اللهُ غُرابًا يَبحَثُ في الأرضِ ليُرِيَ ابنَ آدَمَ القاتلَ كيفَ يُوارِي سَوءةَ أخيهِ المقتولِ، فيتعلَمُ الدفنَ بالمُحاكاة..
بَل يَتَعَجَبُ الإنسانُ إذا جاءَهُ مَن يَصرِفُهُ عن تَقلِيدِ آبائِهِ: { {أَجِئتَنا لِتَلفِتَنا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيهِ آباءَنا} }!
فالقدوةُ سلاحٌ ذو حَدَّينِ ولاعجَبْ.. فهي غَنِيمَةٌ عظيمةٌ لو كان القائدُ صالحًا، ونِقمَةٌ وشقاءٌ إن كان مُعوَجًّا..
ولو اجتمعَ مَعَها الحُبُ صارتْ أبلَغَ في الأثَرِ كالنَقْشِ علَى الحَجَرِ، فالحُبُ أداةُ الاستِمالَةِ، والقُدوَةُ أداةُ الإقناع، وهما معًا جناحا الاتباعِ..
إذًا الأصلُ هو المحاكاةُ، والتِي أبرَزَها القرآنُ مِرارًا---< { {بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كذلكَ يَفعَلُونَ} }/ { {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا علَى آثارِهم مُقتَدُون} }/ { {بَلْ نَتَبِعُ ما ألفَينَا عَلَيهِ آباءَنَا} }..!
ثم تكونُ العاقبةُ: 1-إما { {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتۡهُم ۡ ذُرِّیَّتُهُم ((بِإِیمَـٰنٍ)) أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَمَاۤ أَلَتۡنَـٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَیۡءࣲ} }/
2-وإما { {إذْ تَبَرَّأَ الذِينَ اتُبِعُوا مِنَ الذِينَ اتَبَعُوا ورأَوا العَذَابَ وتَقَطَعَتْ بِهِمُ الأسباب} }..
ولأجلِ ذلكَ حَذَّرَ الإسلامُ مِن المُجاهَرَةِ بالخطأِ والتفاخرِ به وكَشْفِ سِتْرِه، لئلا يصيرَ عَدوَى سلوكيةً ولكيلا تُخدَشَ القدوةُ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعافَى إلَّا المُجاهِرُين"..!
وَشَدَّدَ على اختيارِ الزوجةِ المتدينةِ وعدمِ تفويتِ الخاطبِ المتدينِ، لأنَ هؤلاءِ هُمُ الآباءُ قدواتُ الصغارِ مُستَقبَلًا:
"إذا خَطَبَ إليكُم مَن تَرضَونَ دينَه وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إلا تَفعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرضِ"، "فاظفَرْ بِذاتِ الدِينِ تَرِبَتْ يداكَ"..!
ووجَّهَ كذلكَ إلَى انتقاءِ الجُلَساءِ وضرورةِ حَبْسِ النفسِ مع الأخيارِ فهؤلاءِ هم قدواتُ الحاضِرِ:
{ {يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتِخِذْ فُلانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذْ جاءَنِي} }، و"مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ"..
وحَثَّ كثيرًا علَى تَعلُمِ سِيَرِ السلَفِ الصالحِ لأنَ هؤلاءِ هُم قدواتُ الماضِي:
{ {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ} }/ { {فبهداهم اقتدِه} }..
فالشريعةُ أحاطتْ الإنسانَ بقدواتٍ عبرَ كلِ المراحلِ الزمنيةِ لأهميتِها السلوكية..
فمتى يبدأُ الاقتداءُ؟
جزءٌ مِن طباعِ أبنائِنا طَبائِعُ كانتْ أو لازالت فينا وانتقلَتْ إليهم جِينِيًا بالوراثةِ، أو اكتِسابًا بالمُمَارَسَةِ أمامَهم.
قال ابنُ القيمِ في مَدَارِجِ السالِكِين: [[الخُلُقُ: مِنهُ ما هو طَبيعَةٌ وجِبِلَّةٌ، وما هُو مُكتَسَبٌ]]..
وبعضُ الطباعِ لَهُ وجهانِ: وَجهٌ حَسَنٌ مَحمُودٌ ووجهٌ قبيحٌ مَعيوبٌ.. مثال: سُرعةُ الكلام، مَمدوحةٌ لو لدينا مُصِيبَةٌ ونحتاجُ لمُوجَزٍ سريعٍ لما حدثَ لنَهْرُعَ بالتصرُفِ السليمِ، لكنها مُزعِجَةٌ جدًا فِي الحِوارَاتِ اليَومِيةِ الطبيعيةِ ومُخالفِةٌ للتريثِ النبويِّ الكلامِيِّ المُبِين..
والتقليدُ يبدأ عادةً بعدَ العامِ الأول، ويَبلُغُ درجةً كبيرةً عند السادسةِ والسابعةِ، ويستمرُ مُعتدلا حتى مرحلةِ الحَزَاوِرَةِ، وهِيَ ما يُعرَفُ بالطُفولةِ المُتأَخِرَةِ، أو المراهَقةِ مَا قَبْلَ البُلُوغ...*
فماذا كانَ يَحدُثُ قبلَ العامِ الأولِ؟
قنصٌ لكلِ شيءٍ بالحواسِّ الخَمسَةِ وتخزينُهُ ومُعالجتُهُ.. كاميرا ومُسَجِّلُ صوتٍ وبِطاقَةُ ذاكِرةٍ وَنَولٌ وخُيوطٌ، حتى إذا حانَتْ لحظةُ التَصدِيرِ أنتجَتْ الماكينةُ القماشَ ورأينا الثَّوبَ الذِي كانَ يُغزَلُ بسلوكِياتِنا..
فلا تَظُنِّي الماكينةَ كانتْ مُعَطَلةً قبلَ ذلكَ وعلَى مُؤَشِّرِ "غَيرِ نَشِطٍ" لأنَ القماشَ غَيرُ مَرئِيٍّ لَكِ بَعدُ!
لذلكَ نقولُ..
التربيةُ تبدأُ مِن تَزكِيةِ أنفسِنا نحنُ أولًا والنظَرُ إلَى طبائِعِنا المُكتَسَبَةَ والمَوروثَةَ والجِبِلِيَةَ، والعملُ على تهذِيبِ ما أمكنَ مِنها بالإيمانِ وسِيَرِ الصالِحينَ، قبلَ الزواجِ والإنجابِ بفترةٍ طويلةٍ لاستحقاقِ زوجٍ صالحٍ يكونُ أبًا صالحًا لذريةٍ صالحةٍ.. فنعتني بالقدوةِ بنظرةٍ مُبَكرَةٍ شامِلَةٍ، لتهيئةِ القدواتِ الصالحةِ في حياةِ الطفلِ قبلَ مَجيئِهِ، فإن لم تَكُنْ التزكيةُ قد بدأَتْ مُبكرًا منذ صِغَرِنا نحنُ في بيتِ أهلِنا، فلنبدأْها بأنفسِنا على أقصَى تَقدِيرٍ منذُ بلوغِنا الحُلُمَ وجريانِ القلمِ علينا، لنُقَدمَ من أنفسِنا نموذجًا في الصلاحِ لأبناءِ المستقبلِ، تَمهيدًا لأسرةٍ مسلمةٍ، للمتقينَ إمامٍ بحولِ اللهِ وقوتِهِ..
فَمَن غَفَلَتْ عن ذلكَ حتى تَزَوجَتْ وفُوجِئَتْ بابنِها يُحاكِي كلامَها وأفعالَها الصالحةَ والطالِحَة، فلتُدرِكْ يَقينًا أنَ ماكينةَ القدوةِ بدأتْ إنتاجَ القماشِ وأنها لن تُلاحِقَ سُرعتَها فكلُ شيءٍ قد تَمَّ ويتِمُ قَنصُهُ بِدقَّةٍ، وسَترَى الثَّوبَ قريبًا على وَلَدِها.. فلتقِفْ معَ نفسِها وتُحَلِلِ المَشاهِدَ وتنظُرْ أيُّها أزكَى سُلُوكًا فتُعَزِّزُهُ لديها لينعَكِسَ عليهِ، وأيُّها أولَى بالسِّترِ والمُجاهَدَةِ لينزوِي مِنْ مِرآةِ ولدِها السُّلُوكِيِّةِ ...
فالتربيةُ بالقدوةِ تحتاجُ مُحاسَبَةً وتزكيةً وتَجَرُّدًا للحقِ..
وهذه جميعًا تحتاجُ علمًا وصبرًا: عِلمَ الأخلاقِ وعِلمَ الإيمان..
وإنما العِلمُ بالتعلُمِ... وإنما الحِلمُ بالتحلُمِ..
وقد وصفَ اللهُ عَبدَه إبراهيمَ قائلًا { {إنَّ إبْرَاهِيمَ لأواهٌ حَلِيمٌ} }، وهِي صِيغَةُ مبالغَةٍ من ((الحِلْمِ)) تُؤَكِدُ كَثرَةَ المُواظَبَةِ عَلَيهِ حتى صارَ صِفةً مُلازِمةً لَه، فلا عَجَبَ بعدَها حينَ نَقرأُ بِشارَةَ اللهِ لَهُ في وَلَدِهِ إسماعيلَ الذِي تَحلَّى بِنَفْسِ ثوبِ الحِلمِ بِالمِثلِ: { {فبشرنَاهُ بغلامٍ حَلِيمٍ} }..
فهما طريقانِ: إما { {جَعلناهُمْ أئِمَةً يَهدُونَ بأمرِنا} } ونسألُ اللهَ أن نكونَ مِنهم..
وإما { {جَعلناهُم أئِمةً يَدعُونَ إلى النَّارِ} } ونَعُوذُ باللهِ مِن ذلك..
فماذا نفعلُ إذا خُدِشَتِ القُدوَةُ وبدأَ أبنائِي يُصدِرونَ سلوكياتٍ خاطِئَةٍ؟
الجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذن الله.
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (15)
{قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنْفُسَكُمْ}.. فتِشِي بالداخل..!
أسماء محمد لبيب
إِحدَى صَدِيقاتِي كانتْ تَشكُو إِلَيَّ بِشدةِ من وَلَدِها.
جَلَسْتُ مَعَهُ في أولِ زِيارةٍ لهم.. يبدُو جميلًا وزكيًا حفظَهُ الله، مُندمِجٌ بشكلٍ صِحِيٍّ مع أولادِي ولا تَظهَرُ عليهِ أيُّ أماراتِ اعوجاجِ سُلُوكٍ..! فسألتُها: مَالَهُ وَلَدُكِ؟! أراهُ بِخَيرٍ، ففيمَ شكواكِ مِنهُ؟ فقالتْ لِي إِجمالًا: نَعَم، هو وَلَدٌ رائعٌ ومنيرٌ، لكنِ اختَلِفِي مَعَهُ فقط في الرأيِ وستُظلِمُ الدنيا فِي وَضَحِ النهارِ..!
في الحقيقةِ، أنا سَكَتُّ ولم أُعَقِّبْ، لأنها رَمَتْهُ بدائِها وانسَلَّتْ وهِي لا تَشعُرُ، وكُنتُ أتمنَّى إخبارَها أن هذا الشِبلَ مِن ذاكَ الأسدِ للأسفِ وأنه اكتسَبَ العِنادَ مِنها ولطالما عانيْتُ مِن ذَلِكَ مَعَها، لكِني استحيَيْتُ لأنِي في بيتِها ولأنَ عَلاقتَنا لمْ تَتَعافَ بَعدُ مُنذُ آخِرِ صِدام!
أيتها الأمهاتُ الطيبةُ..
لا تأتِينِي شاكيَةً مِنْ عَيبٍ أو خَطَأٍ مِن أولادِكِ، أنتِ شخصيًا الكبيرةُ الراشدةُ ذاتُ الإرادةِ تَفعَلِينَهُ وتَعجَزِينَ عن تَركِهِ وتَعذُرِينَ نفسَكِ بأنَّ هذا وُسعُكِ وتُماطِلِين فِي المُجاهَدَةِ والتزكِيةِ..
فمثلما تَعذُرِينَ نفسَكِ في تَركِ التَزكِيةِ، للأسفِ هُم كذلكَ يَعذُرُونَ أنفسَهم وينتظِرُونَ مِنكِ إعذارًا بِالمِثلِ.
غَضَبُكِ الكاسِحُ، كَذِبُكِ، سِبابُكِ، اغتيابُكِ للناسِ، نقرُ الغُرابِ في صلاتِكِ، احتقارُكِ للناسِ، شكواكِ المستمرةُ على كلِ حال، نُكرانُكِ للجَمِيل، فُجورُكِ في الخُصومَةِ، ضَعفُ شَخصيتِكِ، كسلُكِ، إهمالُكِ لمسؤولياتِكِ، تَدخينُكِ، جَزَعُكِ عِندَ المُصيبةِ...... إلى آخِرِ مُنكَراتِ السلوكِ والعباداتِ كافةً، إن رأيتِ أولادَكِ يُحاكونَها ولا تُبادِرِينَ بتزكيةٍ مُعلَنَةٍ وصادقةٍ، فراجِعِي نفسَكِ قبلَ فواتِ الأوان..
وقبلَ أن تشتكِي من وَلَدِكِ، هناكَ أمورٌ ينبغِي فعلُها أولًا، وأمورٌ ينبغِي ألا تفعَلِيها..
فإياكِ أن يكونَ أولَ ما تفعلينَهُ هو تبريرُ خطئِكِ لتبرِئَةِ نفسِكِ أمامَهُ.. لا تستهِينِي ببطاقةِ الذاكرةِ وعملياتِ الفرزِ والتحليلِ التي يُجرِيها عقلُهُ كلَّ ثانيةٍ للمُدخَلاتِ، والتي من ضِمنِها اقتناصُ نقاطِ التعارُضِ وازدواجيةِ المعايير..
ثم إننا كأمهاتٍ طَمُوحَةٍ نَبتَغِي تربيةَ أجيالَ العِزَةِ، ليسَ في قاموسِنا التَربَوِيِّ مُصطلَحُ "أنا فقطْ أسبُّ أو أصرُخُ أو أُدَخِنُ أو ألطُمُ وَجهِي عِندَ المُصيبَةِ أو أُشاهِدُ المسلسلاتِ" مثلا..
أي نَعَمْ هناكَ أمورٌ خاصةٌ بالكبارِ فقط لا إثمَ فيها وَلَيستْ مِن صلاحياتِ الصِغار، لكِنَها تكونُ منطقيةً وبتقبلونَها بالحوارِ المُقنِعِ الهاديءِ الودودِ، وبالدليلِ الشرعيِ أو العقليِ مِن مَنطِقِ الحياةِ إجمالًا: مِثلُ سَهَرُكِ بالليلِ أحيانًا وهو لا، وقيادةُ والدِه للسيارةِ وهو لا..
إياكِ أيضًا أولَ شيء أن تَبحثِي عن آخَرِين تُلصِقِينَ بِهم تُهمَةَ فسادِ سُلُوكِ وَلدِكِ تَبرِئَةً لنفسِكِ مِنَ المَعَرةِ التربويةِ كذلك، على غرار: ((ابنُ فلانٍ سَيءُ الخُلُقِ وهُوَ الذي عَلَّمَ وَلَدِي يَفعَلُ الخطأ))..
وأنا لا أنفِي تأثيرَ البيئةِ الخارجيةِ ولا دَورَ الصُحبَةِ السيئةِ معهم -(ولنا كلامٌ عنها لاحقًا بإذنِ الله)- ولا أنكِرُ تَأثُّرَ الصِغارِ ببعضِهِمِ البَعضَ بطبيعةِ الحالِ فالتقليدُ فِطرَةٌ غريزيةٌ عامَّةٌ كما قلنا،
لكنِ المَطلوبُ: ألا نلجأَ أولَ شَيْءٍ لهاتَينِ الحِيلَتَينِ النَفسِيتَينِ دُونَ رَوِيَّةٍ وَتَبَيُّنٍ وصِدْقٍ مَعَ النَفسِ، لمجَردِ تَبرِئَةِ نفسِكِ كقُدوَة..
وأن نعرفَ أن غالبيةَ مشاكلِ التربيةِ داخليةٌ وليستْ خارجيةً، أيْ مِن بُيُوتِنا ولَيسَتْ مِن خَارِجِها، غالبًا ولكلِ قاعدةٍ استثناءٌ.. {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} {وَمَا أَصابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِنْ نَفسِكَ} {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا.. قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}..
فما أَوَّلُ شَيءٍ نَفعَلُهُ حِينَها لنَفهَمَ مَوطِنَ الداءِ؟
أولًا: نُفَتِشُ عن تربيتِنا نحنُ لأولادِنا.. هل ربيناهُم على ذلكَ السوءِ؟ ثُم هل حصَّنَّاهُم مِنَ المُدخَلاتِ الخاطِئَةِ وعَلَّمناهُم كيفَ لَا يكونُوا إِمَّعَةً -إذَا أحسَنَ الناسُ أحسنُوا وإذا أساؤُوا أساؤُوا؟ بل يقولون للمُخطِيءِ: "أنتَ مُخطِيءٌ.. وَكُفَّ عن السُوءِ فإنهُ لا يَلِيقُ بالمُسلِم"، ولا يُسارِعُون في تقلِيدِ الخطأِ كلَ مَرَّة....؟
فإن كانتْ تربيتُكِ تَرتَكِزُ على أن يكونَ ولدُكِ هو المُؤَثِرَ في الآخرينَ بالخَيرِ وليسَ العَكسَ، ونشّأتِهِ على تَجَنُبِ المُنكراتِ وسَيِّءِ الأخلاقِ وعَدَمِ محاكاتِها، وعلى التَحَلِّي بالفضائلِ وتقليدِها== ومَع ذلكَ يُقلِدُ أقرانَهُ في أخطائِهم، فحينَها: { {لا يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُمْ} }، فلا لَوْمٌ عليكِ ولا حَرجَ، ولْتُكمِلِي تِكرارَ النُّصحِ والإصلاحِ، وأجرُكِ على الله..
ثانيا: نُفَتِشُ عَن قدوتِنا نحنُ في مِرآتِهِمُ السلوكيةِ لنَرَى هل نحنُ نفعَلُ ذلكَ السُوءَ أمامَهم؟
وإن رأينا انعكاسَهُ مِنا بالفعلِ، وشعُرنا بالذنبِ والندمِ والعزمِ على الإصلاحِ، فالحمدُ للهِ: لقد وضعنَا أيدِينا على بدايةِ طريقِ التقويمِ الفعّالِ وتعديلِ السلوكِ مُمتَدِ الأثَرِ فينا وفيهم بإذنِ اللهِ..
فحين نتعامل هكذا مع جذور المشكلة بكل تَجَرُّدٍ للحقِ وصِدقٍ معَ اللهِ والنفسِ== سنتعلم من أخطائِنا ونُصلِحُ ما أفسدناهُ لاستئصالِ السوءِ من مَنبَعِهِ، وحينَها كذلك: {لَا يَضُرُّكُمْ مَن ضَلَّ إِذَا هتَدَيتُمْ}..
أما خِلافُ ذلك؟=== { {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أنفُسِهِم} }.....!؟
فلا نَدفِنُ رأَسَنا في الترابِ لتفادِي مُواجَهَةِ الحقائقَ والمُورِثَةِ للحُزنِ والضِيقِ والجُهدِ التَزكَوِيِّ والتَربَوِيِّ المُضاعَف..
فلن يورِثَنا ذلكَ الهروبُ إلا راحةً مُزَيَفَةً مُؤقَتَةً نَشقَى ونتخَبَطُ بعدَها أكثرَ..
واللهُ لا يُغَيِرُ ما بقومٍ حتَى يُغَيرُوا ما بأنفُسِهِم...
فإن سألتِ:
بعدما يَتَضِحُ أنَ الخطأَ {فبِما كَسَبَتْ أيديكم} ، كيفَ أغنَمُ الآيةَ {لا يَضُرُكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُمْ} ، وقُدوتِي لَهُم مَخدُوشةٌ للأسف ولازِلتُ أُجاهِدُ نفسِي في الإصلاحِ؟
والجوابُ في القاعدة القادمة بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (16)
{لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
أسماء محمد لبيب
من جميلِ كلامِ الشيخِ عليِّ الطنطاوي، حين عُوتِبَ في حَلقِه للِحيَتِه:
((أمَّا حَلقُ اللحيةِ فلا واللهِ ما أجمَعُ على نفسِي بين الفِعلِ السيءِ والقولِ السيء، ولا أكتمُ الحقَ لأني مُخالِفُهُ، ولا أكذبُ على اللهِ ولا على الناس.. وأنا مُقِرٌ على نفسِي أَني مُخطِىءٌ في هذا، ولقد حاولتُ مِراراً أن أدَعَ هذا الخطأَ، ولكن غَلَبَتْنِي شهوةُ النفسِ وقوةُ العادةِ، وأنا أسألُ اللهَ أن يُعِينَنِي على نفسِي حتى أُطلِقَها، فاسألوا اللهَ ذلكَ لي فإنّ دعاءَ المؤمنِ للمؤمنِ بظهرِ الغيبِ لا يُرَدُّ إن شاء الله))
ثُمّ وفقهُ اللهُ بعدها فأرخَى لِحيتَهُ وأعفاها.
يُلهِمُنا هذا بالكثير..
فما إن يبدأُ وَلَدُكِ في تَقليدِك في خطأٍ ما لازِلتِ تجاهدينَ نفسَكِ في الإقلاعِ عنه والتزكية، فبإمكانِكِ رُغمَ ذلكَ وبفضلِ اللهِ اغتنامُ الآيةِ: { {لا يضُرُكُم مَنْ ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم} }..
حتى وإن استَمَرَّ هوَ على الخَطأِ..
كيف؟
-أولُ خُطُواتٍ كما قلنا في القاعدةِ السابقة: عدمُ البدء بإلصاقِ الخطأِ بالبيئةِ الخارجيةِ دون دليلٍ، للتَمَلُّصِ وتبريرِ الخطأِ بحِجج وحِيَلٍ نفسِيةٍ والتبرؤِ مِن الحَرَج..
-بل نفتشُ في الداخلِ وفي مِرآتِنا السلوكيةِ أولًا، وإن ثَبَتَ أن المَنبَعَ مِن عِند أنفسِنا، فالخُطوَةُ التاليةُ: إقرارٌ واعتذارٌ..
فتقولين لولدكِ:
=أنا مُخطِئَةٌ في هذا السلوكِ وهو لا يُرضِي اللهَ وقد قالَ فيه كذا، فلا تفعلْ مِثلي يا بُنَي..
=وأنا أتوب إلى الله من ذلك وأجاهِدُ نفسِي دَومًا، لكنّي أحيانًا أضعُفُ ويَستحوِذُ عليَّ الشيطانُ ويُنسِيني ذِكرَ اللهِ وأحتاجُ حِينَها لصُحبَةٍ صالِحَةٍ مِثلِكَ يا بَطليَ الصغيرَ المؤدب، لتُذَكِّرَني باللهِ، فتغنمُ صُبَحتِي وأغنَم: {اجعل لِي وزيرًا مِن أهلِي.. هارونَ أخِي.. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا.. إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}...
=لا صحبةٍ سيئةٍ تُكرِرُ خَطَئِي فتأثَمُ وتُؤثّمُنِي أكثرَ ونُضاعِفُ عَدَدَ المسلمينَ المُسِيئِينَ المُسرِفين..
=الإنسانُ يا بُنَيّ قليلٌ بنفسِهِ كثيرٌ بإخوانِهِ ولا حولَ له ولا قُوةَ إلا بإعانةِ رَبهِ ثم بالتعاونِ مَع غيرِه على الصلاح..
=فإن رأيتَني أفعلُه مُجَددًا فقُل لي:
أمي هذا خطأٌ ولا يُرضِي اللهَ ولا يَلِيقُ بالمسلم كما عَلَّمْتِنِي، ولْنتعاوَنْ في تَركِهِ بمتابَعةٍ عَمَلِيةٍ حَثِيثَةٍ، وقاعدتُنا يا أمي: { {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} }..
---هذا مثالٌ للأمهات، أو كما تَرَينَ الردَ المناسبَ، المهمُ أن يكونَ بمصداقيةٍ تُعَوّضُ وتُفسِّرُ عَجزَكِ كقُدوةٍ، عن تعديلِ سلوكِك في نفسِ الخطأ..
-وعليكِ إظهارُ حَسرتَكِ الحقيقيةَ كَونَ هذا العيبَ فِيكِ..
-والتمني بشدةٍ أن يعافيكِ اللهُ منه..
-ومجاهدةُ نفسِكِ فيه فِعليًا كلَ مَرةٍ خاصةً أمامَه، وتَعَمُّدُ جَذْبِ انتباهِه لذلكَ بمواقفَ عمليةٍ صَرِيحَةٍ تَشرَحِينَ له فيها كيفَ قاوَمْتِ هنا بصِدقٍ وإصرارٍ واستعانةٍ بالله/ وكيف ضَعُفتِ هنا وتلومينَ نفسَكِ/ وماذا ستفعلينَ المرةَ القادمةَ أكثرَ بخُطواتٍ: واحدٍ اثنانِ ثلاثة..
-وتقديمُ الأسبابِ الشرعيةِ والعقليةِ لقُبْحِ هذا العيبِ، والحرصُ أن تكونَ أسبابًا تَلمِسُ قلبَهُ وتحركُ فِكرَهُ وتؤثرُ فيه وتستعرِضُ عواقبَ هذا الخطأِ في الدنيا والآخرة، والاستعانةُ بقصصٍ واقعيةٍ لأناسٍ هَلَكُوا بسببِه أو خَسِرُوا خيرًا كثيرًا..
وبالمِثل: استِعراضُ المقابلَ الصالحَ من هذا السلوكِ وعواقبَهُ الطيبةَ في الدارينِ كذلك، شرعًا وعقلًا وواقعًا ملموسًا صادقًا..
=مع مُضاعفَتِكِ لسلوكياتِكِ الزكيةِ أمامَ حواسِّه..
=والاستتارِ بالسلوكِ السيئِ الذي لازِلتِ بعدُ تُجاهِدِينَهُ..
فمثلًا لو أنكِ لازالتِ تُقاوِمِينَ التدخينَ أو مُشاهَدَةَ الأفلامِ والأغانِي عافانا اللهُ، فعلَى الأقلّ لا تفعليهِ أمامَ وَلَدِكِ بل استَتِرِي، وجاهِدِي حتَى يتوبَ اللهُ عليكِ ويعافِيَكِ من المَعَرَّةِ والمَلامَةِ والذنبِ، وقاعدتُك هنا "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ"..
=وهكذا إذًا...
إذا خُدِشَتْ قُدوَتُكِ في مَوطِنٍ، تُعَوِّضِينَها في مواطِنِها الأخرى، بخمسِ قواعِدَ قرآنيةٍ ونبويةٍ،
احفظِيها عَني:
=واحد: الاعترافُ بالحقِ مباشرةً: {وآخَرُونَ اعترَفُوا بذنُوبِهم خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيئًا عسَى اللهُ أن يتوبَ عليهِم}
=اثنان: التوبةُ فورًا: {ثم يَتُوبُون من قريب}..
=ثلاثة: عدمُ الإصرارِ والتمادِي في الخطأِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).. أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ}
=أربعة: البِدءُ بإصلاح النَفسِ قَبلَ الآخَرِين: {قُوا أنفُسَكُمْ وأهلِيكُم نارًا}
=خمسة: الإكثارُ مِن السلوكياتِ الطيبةِ سرًا وعلنًا لمزاحَمَةِ الأخطاءِ ومَحوِها: "أتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها"، {إن الحسناتِ يذهبن السيئات}
فأدركي أمرَكِ قبلَ أن ينفَرِطَ عُقْدُ القُدوةِ من بينِ يديكِ وتجدينَ ولدَكِ يومَ القيامةِ يقولُ: {إنا وَجَدنا آباءَنا كذلكَ يَفعَلُونَ وإنَّا على آثارِهِم مُقتَدُون}، والعياذُ بالله..
أعلمُ أن لدينَا طِباعًا يَغلِبُنا فيها التطَبُّعُ والمُجاهدةُ، ولا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها، لكِنْ يَظهَرُ لولدِكِ بوضوحٍ كيف أنكِ تحاولينَ تغييرَها بصدقٍ، من خلالِ تنفيذِك لتلك القواعد..
أما إذا اتضح أن وَلَدَكِ مُجرد يُترجِمُ فِعلَكِ بِشكلٍ خاطِيءٍ فيُحاكِيكِ في سلوكٍ ظاهرُه خطأٌ فحَسْب، وليسَ خطأً مطلقا =فبيِّنِي لهُ أنّ ما رآهُ ليسَ كما فَهِمَ، وبَرِّئِي نفسَك فأنتِ قدوة.. مِثال: رآكِ تُلقِينَ الفُطورَ في سَلَّةِ القِمامةِ فَألقَى طَعَامَ الغَداءِ مثلَكِ..! فسألتِه: لماذا بُنَيَّ فعلتَ ذلك؟ فأجاب: رأيتُك تفعلينَهُ يا أمي..! فتقولين: لكنِّي ألقيتُهُ لأنهُ فاسدٌ لا يَصلُحُ للأكلِ الآدَمِي، وألقيتُهُ في القمامةِ المُجَمَّعَةِ لقِططِ الشوارِعِ، فعمَلِي مأجورَةٌ عليهِ، بينما عَملُكَ لا يُرضِي اللهَ لأنكَ ألقيتَ نَعمَةً يحتاجُها المَساكينُ.. في المرةِ القادمةِ بُنيَّ تَبَيَّنْ أولًا قبلَ تقلِيدِ أحد، ولا تُقَلِّدْ الخطأَ.. وَوَجَبَ عَلَيّ كذلكَ أنْ أُبيِّنَ فِعلِي لِئلَّا يُساءَ الظنَّ بِي ويُقتدَى بِي بِالخطأ..
وختامًا..
إذا اتضح بعد نقاشِكُما أنّ مصدرَ السلوكِ الخطأِ الذي يُحاكِيهِ ليسَ مِنكِ، ففتِشِي عن الصُحبَةِ والأقاربِ والمَرئِياتِ، كما سنتكلمُ عنهم لاحقًا بإذنِ اللهِ لأهميتِهم..
فلكَيْ تَستَقِيمَ النَبتَةُ علَى سَوقِها، تَحتَاجُ لمناخٍ مُلائِمٍ وصَوبَاتٍ خاصة.. أم نتركُها في مَهَبِّ الرِيح وهي لازالَت خَضراءَ طريةً، بزَعمِ أنّ هذا يُقَوِّيها؟
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (17)
{فَأوُوا إِلَى الكهْفِ}.. صَوباتُ التربية!
أسماء محمد لبيب
تخيلِي مَعِي.. كُرِةً صغِيرَةً في ماسورةٍ، مَنقُوشٌ بداخِلِ مسارِها رسوماتٌ دائريةٌ سوداءُ، تُشبِهُ الحُفَر.. وأنَّكِ قد عَلَّمْتِ تلكَ الكُرةَ أنها يَومًا ستَخرُجُ مِن الماسُورةِ وتُواجِهُ في الحياةِ حُفَرًا حقيقيةً مُهلِكَة، وقد تَقَعُ فيها إن لم تتَعَلمْ مِنَ الآنَ داخلَ الماسورَةِ أولًا كيفيَّةَ تفادِي أشباهِ الحُفَر..!
ثم تَخَيَّلَي مَعِي كُرَةً أُخرَى صَغِيرَةً كذلك، قد سمَحْتِ لها بالقَفْزِ خارِجَ الماسورةِ إلى أرضِ الحياة، وقُلتِ لها وهي لازالتْ تتعلمُ المَشْيَ والتَدَحرُجَ بَعدُ:
((انتبِهِي للحُفَرِ في طريقِكِ ولا تَمُرِّي فوقَها، قد حّذَّرتُكِ!))
في رأيكِ أيتُها الطيبة:
أيُّ الكُرَتَينِ هي الأقربُ لإكمالِ أطولَ مَسارٍ مُمكِنٍ بِسلامٍ ونجاحٍ دونَ السقُوطِ المُبَكِّر؟
بالتأكيد الكُرَةُ الأُولَى..
حسنًا.. تَخيلِي مَعِي شيئًا آخَرَ..
لديكِ وَلَدَان.. قد ربَّيْتِهما علَى القِيَمِ والعقيدةِ، ثم معَ أحدِهِما أحكَمتِ السيطرةَ على الجَبَهاتِ الداخليةِ والخارِجيةِ، والآخرُ ربَّـيْـتِهِ بانفتاحٍ مُطلَقٍ وتَخَفُفٍ مِن قُيُودِ الدِين، وتغافُلٍ عنِ المُحيطِ الذِي يَرتَعُ فِيه..
ثم كلاهُما انْحرَفَ والعياذُ بالله، فمع أيِّهما ستندَمين على تربيتِكِ وتلومينَ نفسَكِ على انحِرَافِه؟ ومع أيِّهما لن تندَمِي؟
بالتأكيد أنتِ مَلُومَةٌ معَ الثاني..
ولكن....
ربما تقولين:
((لا! سأندمُ مع الولدِ الأولِ كذلكَ لأنَّ التضييقَ على الأولادِ باسمِ الدينِ وقواعِدِ السلامَةِ يَخنُقُهُم فينحَرِفون كذلكِ! فالأفضلُ بالنسبةِ لَهُ هو أن يَكبُرَ وهو -كما يُقالُ بالعامِّيةِ- "خِبرة" و"مقطّع السمكة وديلها" و"سالِك" في الحياة و"مخَربِش"، لا أن يَخرُجَ من "الماسورَةِ" ويصلَ لسنِ الجامِعَةِ وهُو: "مِقفّل" و "لبخَة" و "بَرِيء" ولمْ يُجَرِّبْ "خِبراتِ" الشبابِ "المعتادةِ" لمثلِ سِنِّهِ في زماننا... لذلك فأنا لا أُقَيدُ حُريتَهُ على الإنترنتِ والتِلْفازِ مَثلًا، ولا أمنعُهُ من الخروجِ مع أيِّ أصحابٍ يرُوقُونَ لَه، ولا مِن الاختلاطِ بالبناتِ في المَدرَسةِ والنادِي وغيرِهم، ولا مِن قِراءَةِ المَجلاتِ والقِصَصِ الغَربيةِ وأشباهِها، بل أُفَهِّمُهُ الصوابَ من الخطأ ثم أتركُهُ يمارسُ حياتَهُ دُونَ قُيود، ليُمارِسَ تَفادِي الخطأَ بنفسِهِ دُونَ تَدَخُل..))
فلو أن هذا تفكيرُكِ أيتُها الأمُ الطيبةُ فأقولُ لكِ: راجِعِي نَفسَكِ..
لأن غَنِيمةَ ((شابٌ نشَأَ فِي طاعَةِ اللهِ)) بالتأكيدِ هِي أفضَلُ من شابٍ نشأَ في حُفَرِ ومُستنقعاتِ "الخِبراتِ" المُهلِكَة.. لأنَّ هذِه العاقِبةَ الزَكِيةَ هي عند اللهِ الأفضلُ والأكملُ والأرقَى حالًا ومآلًا، فيُـبَـلِّغُهُ بها ظلَ عَرشِهِ يومَ القِيامَة..
ثم أنتِ تستطيعينَ أن تجعلِي وَلَدَكِ كَما شِئتِ خِبرةً في الشَرِ وتُلَقِّنـِيـهِ كيفَ يَقتَحِمُ الحياةَ، دُونَ إلقائِهِ مباشرةً لتَجربةِ الشرِ ليُعايِشَ المُهلِكاتِ والفِتَنَ فِعليًا..!
أم أنكِ تلسَعِينَهُ بالنارِ وتُغرِقِينَهُ في البَحرِ كيْ يَتَعَرَّفَ على خَطَرِهِما...؟
وسأفتَرِضُ مِعَكِ احتمالَ انحرافِهِ بِزَعمِ بعضِ المَنعِ والتضييقِ التابِعَينِ للتنشِئةِ السليمةِ، وأسألُكِ:
=هلْ يَجعَلُكِ هذا تَندَمِينَ على تربيتِكِ لهُ بما يُرضِي اللهَ؟ هل هذا خَطأٌ مِنكِ أنتِ أم مِنَ النفسِ المُنحَرِفَة؟
=وإن كان هناك بعضُ مَن يَنحرفونَ بِزَعمِ أن الممنوعَ مرغوبٌ، فهل هذا يَعنِي أن أجعلَ الممنوعَ غَير مَمنوعٍ؟!
مؤكدٌ أن الجوابَ المُشترَكَ لهذِه كلِها هو: ((لا))..
فثمرةُ الاستقامةِ رِزقٌ مَحضٌ كما قُلنا مِرارًا، وطالما أنها مُتَغَيرَةٌ وغَيبِيةٌ، فعلينا أن نَلتزِمَ طريقةَ الزراعةِ التي قضاها اللهُ لِحمايةِ تَرَعرُعِ الشجرةِ، ثم لا نُبالِي بَعدَها..
ومن أسبابِ أنَّ تربيتَنا لولدِنا على الاستقامةِ ربما لا تُؤتِي ثمارَها المَرجوَّةَ أحيانًا:
سُوءُ تطبيقِنا لها، أو ربما ظروفٌ استثنائِيةٌ خاصةٌ بالطفلِ تُؤثرُ على استجابتِهِ، أو أسبابٌ تَخُصُّ البيئةَ مِن حَولِهِ.. فتكونُ المشكلةُ هي عدمُ الكفاءةِ التربويةِ أو انحرافاتٍ مَنهجيةٍ في التلقِينِ والتطبيقِ، وليستْ في مَنهَجِ الاستقامةِ ذاتِه ولا عدَمِ مُلاءَمَتِهِ للتربيةِ وصناعةِ النَشءِ الصالحِ، حاشَ للهِ..
بالتالي، لا شكَّ أنكِ كأمٍّ –(ومهما كانتْ عثراتُكِ وإخفاقاتُكِ التربويةِ)- ستكونينَ مُطمَئِنةً وأبعدَ عن الندمِ في كل الأحوالِ إن اتَّبَعتِ مَنهجًا ربانيًا قَوِيمًا، وقرآنًا يَهدِي للتي هِي أَقوَمُ، ولن تَخافِي من لحظةِ السؤالِ عن رَعِيتِكِ يَومَ الحِسابِ، لأنكِ تَعلَمِينَ أن سؤالَهُ لكِ -سبحانهَ- عن المنهجِ التربويِ سيكونُ أشدَ وأعسرَ مِن سؤالِهِ عن مَدَى حِكمَتِكِ أو تَخَبُّطِكِ في تَطبِيقِه، وتعلمينَ أن عَفوَهُ عنِ الذينَ يُطبِقُونَ مَنهجَهُ سبحانَهُ لكِن بِضعفِ كفاءَةٍ وقِلَّةِ حِكمَةٍ في الوسائل، يكونُ -بإذن الله- أقربَ إليهم مِن الذينَ تَركُوا مَنهجَهُ تمامًا واستبدَلُوا بِهِ مَنهجًا آخَرَ مِن صُنعِ البَشَرِ واجتهاداتِ الأمهاتِ حسب الأهواءِ..
هل يستويانِ مثلًا...؟
الحمد لله...
لذلك كان ضِمنَ عُنوانِ المَقالةِ ((الصوباتُ التربويةُ)).. فإن الصوباتِ الزراعيةَ هِي واحِدةٌ مِن أهمِ الوسائلِ الآمِنةِ لإنتاجِ المَحاصيلِ الزراعيةِ وحمايتِها من التلوُثاتِ الخارجيةِ والظروفِ المناخيةِ المُتَغَيرَةِ والحشراتِ والآفاتِ؛ وتهيئةِ ((الظروفِ البيئيةِ)) المُلائِمَةِ لإنتاجِ المحاصيلِ داخلَها وزيادةِ مُعَدلاتِ الإنتاجِ الزراعيِّ، حتى أنهُ في بَعضِ الدراساتِ: القيراطُ الواحدُ من إنتاجِ الصوباتِ يُعادِلُ إنتاجَ فدانٍ كامِلٍ من الأراضِي ((المَكشوفَة)) سبحانَ الله..
وتُسهِمُ كذلك في تِرشِيدِ استخدامِ المياهِ وصِيانةِ ((الثروةِ المائية)) وخَفضِ الاحتياجاتِ من الغذاءِ، بل تُساهِمُ في إنتاجِ بعضِ الخُضَرِ ((في غَيرِ مَوسِمِها))...!
لذلك تُعرَفُ باسمِ: ((البُيوتُ المَحمِية)).. وصَدَقُوا..!
فالصوباتُ تُوَفِّرُ الطاقةَ وتَصُونُ الموارِدَ وتضاعِفُ الثمرةَ وتُنَوِّعُها وتُهَيِّئُ ((بَيْتًا آمِنًا)) للغَرسِ المُثمِر..
وهو ما يُذَكِّرُنا كذلِك، برَشادِ فِتيةِ الكهفِ حينَ احتَمُوا مِن ((فِتنَةِ الدِينِ)) بالكهفِ وقالُوا: {فأوُوا إلَى الكهفِ يَنشُرْ لكم ربُكُم مِن رَحمَتِهِ ويُهَييءْ لكُم مِن أمرِكُم مِرفَقًا}..
فكما نهتمُ بالجبهَةِ الداخِليةِ، مِن توفِيرِ قُدوةٍ، وصِدقٍ، وعَدلٍ، وعِلمٍ ومنهجٍ قويمٍ،
=علينا بنفس القَدرِ الاهتمامُ بالجهبةِ الخارجيةِ، وأن نَنْصِبَ حولَ أبنائِنا صَوباتٍ تربَوِيةً مُحكَمَةً، تُفَلتِرُ الصَحبَةَ والمَرئياتِ والمَدرسةَ والمُدخَلاتِ كلَها، لضَمانِ إطالَةِ أمَدِ صَلَاحِ الثمرَةِ وبُعدَها عن المهلكاتِ بإذن الله، حتى يَشتدَّ عُودُها..
وقطعًا لن نَستطيعَ غَرسَ أبناءَنا في بيئةٍ مُعَقّمَةٍ مِئةً بالمِئةِ كفِتيَةِ الكهفِ، لكن ما لايُدرَكُ كُلُهُ لا يُترَكُ كلُهُ، فالمطلوبُ هو تَحصينُهم مِن فِتنَةِ الدينِ والعَقلِ والفِطرَةِ، وعزلُهم -بما نستطيعُ- عَن مُخالَطَةِ الفِتنِ والقبائحِ، معَ تَهيِئَةُ شَتَى أنواعِ الكُهوفِ الداخليةِ في محاضِنهم التربويةِ:
=كهفُ العِلم/ =وكهفُ الصُحبَةِ/ =وكهفُ الدين..
حتى يَرشُدُونَ ويَشتدَّ عُودُهُم وتتكوّنَ لديهِم مَناعَةً ذاتِيَّةً مَعقُولَةً، لمواجِهةِ العالمِ بِشَرِّه وهَمزِهِ ونَفثِه بحولِ اللهِ وقوتِهِ..
فإن سألتِ بعدَ كُلِ تلكَ القواعدِ: كيفَ السبيلُ إلى ضمانِ السِقايةِ الحَكيمةِ بجُرعاتٍ آمِنةٍ مُثمِرَة؟
فالجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بإذن الله..
--
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (18)
فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.. ترتيبُ التلقين للأبناء.
أسماء محمد لبيب
تكلمنا في المقالة السابقةِ عن ترويضِ أبنائِنا بالإسلامِ، واليوم نتكلمُ عن أولويات السقايةٍ الحكيمةِ المُثمِرَةِ بإذنِ الله، فقد لا تَظْهَرُ الثمرةُ أحيانًا لاختلالِ أولَوِياتِ رِعايةِ النبتَةِ وكثافةِ سِقايتِها وعدمِ مُراعاةِ أحوالِ البُذور..
فمن أينَ نبدأُ؟ وكيفَ نَتَرَقَّى؟ كيفَ نُرَتِّبُ أولوياتِ التلقِينِ الذي يترتبُ عليهِ تعديلُ السلوك؟
نتأملُ مثلًا وَصيةَ النبي ﷺ لِمعاذِ بنِ جبلٍ حينَ ابتعَثَهُ لأهلِ اليمَنِ ليُعَلِمَهمُ الإسلامَ:
"إنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ.. فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً..." (إلى آخر الحديث)
ونتأملُ قولَ عائشةَ عنِ القرآنِ: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.. وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا...".. (والمُفَصَّلُ هو الأجزاءُ الأخيرةُ من المُصحف)..
▪️فلدينا تلقينُ ((إيمانٍ)) و((قُرآنٍ)) و((عباداتٍ))..
▪️فنَزَلَ مِنَ القرآنِ ما يُرَسِّخُ الإيمان..
▪️ثم نَزَلَ تِباعًا مِن القرآنِ ما يُؤَسِّسُ للعباداتِ والآدابِ والأخلاقِ المَبنِيةِ على هذا الإيمان..
يُؤكدُهُ ما قالَهُ جُندَب بنُ عبدِ الله: "كُنَّا مَعَ النبي ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (أي قاربنا البلوغ)، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"..
وليس معنى كلامِه تَركُ القرآنِ أو تأخيرُه في المرتبةِ الثانية!
بل الاستعانةُ بالقرآنِ في تعليمِ الإيمانِ.. فالقرآنُ هو الإيمانُ جملةً وتفصيلًا..
هو كتابُ التوحيدِ والعقيدةِ الأولُ الذي نِسكُبُهُ في مَسامِعِ صِغارِنا وهُم أجِنَّةٌ في بطونِنا، ذَهَبًا مُسالًا في عُرُوقِهِم رُويْدًا رويدًا..
فالقرآنُ والإيمانُ كلاهُما بَوابَةٌ للآخَرِ ووَقُودٌ لَه..
▪️▪️وأول ما نزل كان القرآنُ، ليُعَلمَ النبيَ ﷺ الإيمانَ: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"..
▪️▪️وقد كانَ يَنزِلُ الوَحيُ على مَسامِعِ صِغارِ الصحابةِ قَبلَ تَعَلُّمِهِ:
قالَتْ عائشةُ: "لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}../ وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ" (تقصِدُ بعدَ زواجِهِ بها ﷺ في المدينة..)
إذًا... جاريةٌ صغيرةٌ تتلقَّى القرآنَ بأذنَيها وتَحفَظُهُ قبل أن تَفهَمَهُ..
▪️ ▪️ كما عَلَّقَ ابنُ تيميةَ على حديثِ جُندَبٍ قائلًا: [[القرآنُ يُعطِي العِلمَ المُفَصَّلَ، فيِزِيدُ الإيمان.. وتَعَلُّمُ الصحابةِ للإيمانِ قَبلَ (((استِكثارِهِم))) مِنَ الحِفظِ، ساهَمَ فِيهِ أنّ أُسُسَ الإيمانِ مَبثُوثَةً فِي سُوَرِ المُفَصَّلِ؛ ولذا سَمَّى ابنُ مَسعودٍ سُوِرَ المُفَصّلِ بلُبابِ القُرآنِ.]] (انتهى كلامه)
فلا نُعَطِلُ تَحفيظَهُ للصغارِ ريثما نُتَمِمُ تَلقينَ العقيدةِ، بلِ المذمومُ هو تكديسُ حِفظِ القرآنِ كلِهِ مِن فاتِحَتِهِ إلى خاتِمَتِهِ، على حِسابِ تعليمِ الإيمان..
كذلك، ليسَ مَعنى الحديثينِ تأخيرُ تلقينِ بقيةِ شُعَبِ الإيمان -من أخلاق وعبادات- أو عدم دمجِها مع تلقينِ العقيدة، فقد جمعها النبي ﷺ معًا:
▪️كما في حديث الغُلام: "يا غلام: سَمِّ اللهَ=(عقيدة)/ وكُل بِيمينِكَ=(عبادا ت)/ وكُل مما يَلِيك=(أخلاق)"،
▪️وكما في حديثِ شُعَبِ الإيمانِ،
▪️وكما في آيةِ تعريفِ البِرّ، الجامعةِ لأصولِ الدينِ الثلاثةِ: الإيمانُ والأخلاقُ والأعمالُ..
بل إن أركانَ الإسلامِ الخمسةَ ذاتَها= تربيةٌ للنفس وتعديلٌ مستمرٌ للسلوك وتنميةٌ لروحِ الثبات على مُرادِ الله.. فكيف نؤجلُ تلقينَها وتعليمَها للبراعم...؟
لذلك:
▪️مَنْ يَستَنكِرُ البِدءَ بتعليمِ أركانِ الإسلامِ قَبلَ أركانِ الإيمانِ...
▪️أو يستنكرُ بِدءَ تحفيظِ الصغارِ القرآنَ قبلَ إتمامِ الإيمانِ....
فليُراجِعْ حَدِيثَ الغلامِ/ وجُندَبٍ/ وعائشة/ وغيرِهِم..
فلا يعنِي الترتيبُ أنَّ التربيةَ تتناولُ رُكنًا بعدَ رُكنٍ مُنفَصِلِين بالضرورة.. بل هناك تداخلٌ وتكاملٌ بينَها في كلِ مرحلةٍ بلا استثناء، لكنْ فقط ستزدادُ كثافةُ رُكنٍ مُعينٍ عَن كثافةِ بقيةِ الأركانِ ليكونَ لهُ الأثرُ الأقوَى في المَرحلةِ، دونَ إهمالٍ لبقيةِ الأركانِ لأنهم كالبُنيانِ التربوِيِّ المرصوصِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا.. وهذا ما نراهُ بوضوحٍ في التربيةِ القُرآنيةِ والنبويةِ للفئاتِ العُمرِيةِ المختلفةِ..
▪️▪️ وتَنقَسِمُ مراحلُ التربيةِ والتلقينِ حَسْبَ الفِئاتِ العُمرِيةِ مِن المَهدِ إلى الرُّشدِ، إلى مراحلَ ثلاث:
1-مرحلةُ ((البُذُور)): وهي مِن الجَنِينِيةِ والمَهدِ إلَى بدايةِ سِنِّ التمييزِ.
2-مرحلةُ ((الساق)): وتَشمَلُ سِنَّ التمييزِ والمراهقةِ إلى البلوغ..
3-مرحلةُ تَمَدُّدِ الجُذُورِ وتَفَتُحِ ((الثمار)): وهي من البُلُوغِ إلى الشبابِ والرشدِ.
ومصادِرُ التلقينِ المُعتَمَدَةُ لتَعدِيلِ السلوكِ هِيَ: القرآنُ وصحيحُ السُنةِ، وسِيرةُ النبيِّ ﷺ والصالحينَ سَلَفًا وخَلَفًا، وقواعِدُ الدين ومُحكماتُهُ بِفَهمِ سَلَفِ الأُمة..
▪️أولا: مَرحلةُ البُذورِ- حتى سَبْعِ سِنِين..
هي مرحلةٌ تأسِيسيةٌ مَعرِفِيةٌ لأصولِ الدينِ الثلاثة، فلا يكادُ يَطغَى هنا رُكنٌ مَعرِفِيٌّ على آخَر..
فنبدأ بسقايةِ نَبتَةِ العقيدةِ في قلوبِ الصغارِ بتَعرِيفِهم بِربهم وقَدرِهِ،/ ورسولِهم ومَنزِلَتِهِ ﷺ،/ وكتابِهِم وعَظَمَتِهِ،/ والملائكةِ والشياطينِ/، والغايةِ من وجودنا في الدنيا،/ والخيرِ والشرِ، واليومِ الآخِرِ والجزاءِ والجنةِ والنارِ...
ولو بأبسَطِ أدواتِ التَلقينِ كالقَصَصَ والأمثالِ والعلومِ، كما سنتكلمُ في [[الأدواتِ التربويةِ]] بإذن الله..
فيتعلمونَ هنا أركانَ الإسلامِ وأركانَ الإٍيمانِ إجمالًا،/ وأسماءَ اللهِ الحُسنى،/ وقِصَصَ الأنبياءِ والقرآنِ والصحابةِ وسِيَرَ أعلامِ النُبلاءِ عُمومًا،/ والأذكارَ والآدابَ والأخلاقَ والعباداتِ ومعانيها حَسْبَ استيعابِهِم،/ وثوابَ وعقابَ الأعمالِ والأقوالِ إجمالًا.. ويُمنَعُونَ مِن الحرامِ ويُعَوَّدُون على تَركِه ويُخاطَبُون بالعِلَّةِ مِنَ المَنعِ كما فعلَ النبيُّ ﷺ مع تَمرَةِ الحسن والحسين التي أخذاها من تمر الصدقة وهما يلعبان..
ونستعينُ في هذه المرحلة:
-بالقدوةِ والمكافآتِ والتشجيعِ واللعبِ..
-وبتحفيظِهِم ما تيسَّرَ فَهمُهُ وحِفظُهُ مِنَ المُفَصَّلِ وأحادِيثِ الصِغارِ المُوجَزَةِ، وتقويةِ لُغَتِهِمُ العَرَبِيةِ.. (وحديثُ عائشةَ يُعلِمُنا أنَّ حتى مَرحَلَةَ [[تَحفيظِ القُرآنِ]] لها سُلَّمٌ بِداخِلِها مِثلَ بقيةِ المراحِل..)
وبِقَدرِ ترسِيخِنا هنا في قلوبهمْ لمقامِ اللهِ وحلاوةِ الجنةِ وفظاعةِ النارِ، سنتمكنُ من تدريبهم على الفضائلِ والقِيمِ بحولِ اللهِ وقوتِه..
▪️ثانيا: مَرحَلَةُ الساقِ: سِنُّ التمييزِ والمراهقةِ إلى البلوغ..
وهي مرحلةٌ تطبيقيةٌ رئيسيةٌ قبلَ التكليفِ، يَغلِبُ الاهتمامُ فيها بثلاثة أمور:
1-بالتوسُّعِ في تلقينهم أصولِ الدينِ وفروعِهِ ودقائقِهِ.
2-بالتطبيقِ العمليِّ الجادِّ المنتظِمِ، لِما عَلَّمناهُم إيَّاهُ في المرحلةِ السابقة.
3-وبمَدَى ظُهورِ وثباتِ أثرِهِ على تَطوُّرِ سُلوكِهم..
---ويُؤكدُ ذلك، حديثُ "مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ لسَبعٍ، واضربُوهُم عليها لعشرٍ"..
فنعاوِدُ هنا المرورَ على أركانِ الإسلامِ والإيمانِ وأصولِ الدينِ، مِن عقيدةٍ ومُعامِلاتٍ وعباداتٍ وأعمالِ البِرِّ عُمومًا، لكن:
-بتفصيلٍ وتفرُّعٍ أكبرَ يُناسبُ تطورَ نُمُوِّهِم العَقلِيِّ والفكريِّ والنفسيِّ والمَهارِيِّ..
-وبتعويدٍ مُنتَظِمٍ وجادٍّ يُمَهِّدُ لمرحلةِ التكليفِ..
ويُرشدُنا لذلكَ المفهومِ، أنَّ الصغارَ لو مارسُوا الطاعاتِ والفضائلَ، يُكتبُ لهم أجرُها سبحان الله، وما ذلكَ إلا لتشجيعِ فئاتِ ما قبلَ البُلوغِ على التطبيقِ والتَعَوُّدِ بالمُمارَسَةِ العَمَلِيةِ كثيرًا، وإن كانتْ الفريضةُ لا تَسقُطُ عنهم إلا بأدائها عند البلوغ بالطبع..
•••ومن أهمِّ المُعِيناتِ في تلكَ المرحلةِ: المُصاحبةُ والقدوةُ الصالحةُ وبِيئةُ المَسجِدُ، بجانِبِ ربطهُم أكثرَ بقدواتِ السلفِ وعُظمائِهِ، والتعمقُ في إثباتِ صِدقِ وإعجازِ وربانيةِ القرآنِ والسُنةِ، وتشجيعُهم على طَرحِ الأسئلةِ بلا خوف، دُونَ دخولٍ في جدلياتٍ مذمومةٍ شرعًا.
▪️ثالثا: مرحلةُ الثمارِ- مِنَ البُلوغِ إلى الرُّشدِ..
وهي مرحلةٌ حصاديةٌ قِياسِيةٌ، فتُعتَبَرُ المِقياسُ السلوكيُّ الحقيقيُّ لحصادِ ((التلقين))ِ و((التطبيقِ))، الذَينِ حَدَثا في مَرحَلَتَيِ ((البذورِ)) و((الساقِ))..
ويغلبُ الاهتمامُ فيها:
-بتحميلِهم همومِ الأُمةِ..
-ودفعِهم للقيادةِ والدعوةِ والإصلاحِ والإنتاجيةِ
-والاستزادةِ من طَلَبِ العِلمِ
-وإتقانِ العباداتِ والمعاملاتِ الشرعيةِ
خِتامًا نُلَخِّصُ فَنَقول،،،
نبدأُ بالإيمانِ..
فأولُ حُبٍّ نَغرِسُهُ: حُبُّ اللهِ ورسولِهِ وقرآنِه..
وأول مَنطِقٍ نُؤَسِّسُهُ: خَلْقُهُ إيَّانا لِنَعْبُدَهُ..
وأولُ عُلُومٍ نَسكُبُها: كمالُ وإِحاطةُ علمِهِ وقدرتِه وتدبيرِه وحِكمتِهِ ومُلكِه لكلِ شيء، وأننا مِن دُونِهِ نَضِيعُ..
وأولُ أمنيةٍ نُعَلِّقُهُم بِها: جَنتُهُ ورِضاه..
وأولُ مَحذُورٍ نُخَوِّفُهُم مِنهُ: نارُه وغَضَبُه..
دُونَ فصلِ تَعَلُّمِ الإيمانِ عن تَعلمِ بَقيةِ أصولِ الدين من أخلاقٍ وآدابٍ وعباداتٍ، كُلٌّ حَسْبَ مَرحَلَتِهِ العُمرِية، ثم كلما ازدادَ البُنيانُ مَتانةً ورُسوخًا رفَعنا دَورًا جَديدًا كما رَفعَ إبراهيمُ وإسماعيلُ القواعدَ من البيت، حتى تصيرَ النبتَةُ شجرةً طيبةً أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماءِ، وتصيرَ الشجرةُ جنَّةً بِربوَةٍ أصابَها وابِلٌ فآتَتْ أُكُلَها ضِعفَين..
ولدينا فطرةٌ نقيةٌ مُهيأةٌ تلقائِيًا لقبولِ ذلك، وقرآنٌ تسقينَ بهِ كلَّ بِذرَةٍ تُلقينَها في قلوبِهِم..
فاغتنمي البُكورَ.. قد بُورِكَ للأُمَّةِ في بُكُورِها..
انتهتِ القواعدُ التربويةُ العامةُ التي تنطبقُ على أيِّ عمليةٍ تربويةٍ.. يَتَفَرَّعُ عنها قواعدٌ فرعيةٌ وجزئية لا حصرَ لها، يَختَلِفُ تَطبيقُها وكثافتُها حَسْبَ الأسرةِ وأفرادِها والأحوالِ والطباعِ وغيرِهم، مُستَنبَطَةٌ كذلكَ مِنَ الوَحيينِ، لنا كلامٌ عنها في مَقالاتِ الأقسامِ القادِمةِ بإذنِ الله..
--
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (19)
في ختام القواعد: "دليلُكِ التربَوِيُّ المُختَصَرُ"..
أسماء محمد لبيب
في خِتامِ القواعِد.. نُذَكِّرُ بأنه لدينا:
▪️ قواعدُ عامةٌ/ أو كُليةٌ/ ثابتة/ أو أركانٌ... أيًّا كان مُسمَّاها فهي تِلكَ القوانينُ الثابِتَةُ التي تَنطَبقُ على أيِّ عَمَليةٍ تربويةٍ أو مرحلةٍ عُمريةٍ بالضرورة، فلا يتعطلُ تفعيلُها ولا تنحَسِرُ نِسبَتُها في وقتٍ دونَ وقت..
▪️وهناك قواعدُ جزئيةٌ/ أو متغيرة، تتفرَعُ وتتشعَبُ عن القواعِدَ الكليةِ تلك وتَتَرَتبُ عليها، ولكن تختلفُ وتتغيرُ ضَرورَةُ ونِسبَةُ تفعيلِها بحسبِ الأُسرةِ والثمرةِ الملموسةِ والمراحلَ العُمريةِ والفروقِ الفَرديةِ..
▪️▪️القواعدُ الكليةُ مثلًا تَمَثَلَتْ في:
-النيةُ من التربيةِ
-الاكتفاءُ بتربيةِ الوحيينِ، وتركُ التربوياتِ الغربية
-الدعاءُ والصبرُ وحسنُ الصلةِ بالله
-إعلاءُ الطموحاتِ التربوية
-عدمُ التعلقِ بالثمرةِ بشكلٍ يؤدِي إلى تَركِ السَعيِ، فالعبرةُ بالسعيِ مادامَ وِفْقَ التربيةِ الحَق.
-قَدرُ الأمومةِ والأبوةِ في الإسلام، وفِتنَةُ البُنُوَّة..
-أهميةُ تنشئةِ الأبناءِ في طاعةِ اللهِ وكيفيتُها..
-قيمةُ القُدوَةِ ومَرجِعِيتُها وفِطرَةُ المُحاكاة..
-قيمةُ الصِدقِ والعدلِ في تأسيسِ علاقةٍ أسريةٍ متينةٍ مُحَصنة.
-مَرجعيةُ قوانينِ الأسرةِ وإدارةِ الأزماتِ داخلَ البيت.
-تحييدُ حظِ النفسِ وتشوهاتِ الماضي عند تربيةِ الأبناء..
-ضرورةُ التعايُشِ مع واقعِ أن الخطأَ والمحاكاةَ طبيعةٌ بشريةٌ، وأهميةُ التفرقةِ بين العَمدِ والسَهوِ..
-أهميةُ تفعيلِ الصوباتِ التربويةِ للوقايةِ مِن الفتن..
-وأخيرًا... كيفيةُ ترتيبِ تلقينِ القناعاتِ والقِيمِ السلوكيةِ المَطلوبةِ للأبناءِ حسبَ المراحلَ العمريةِ، والتي يَنبَنِي عليها تعديلُ السلوكِ بشكلٍ عام..
فكلُها قواعدُ لا خَيارَ لنا في التأسِيسِ عليها كالأركان للبنيان، ولا تَحتَمِلُ التعطيلَ أو التأويلَ أو التقييدَ أو التجزِئةَ.. فَصَّلنا كثيرًا مِنها وأجمَلنا البعضَ..
▪️▪️أما القواعدُ الجزئيةُ:
-فتطبيقُها نِسبِيٌّ لتَوَقُفِهِ على عواملَ مُتَغَيرة،
-وهي قواعدُ لا حَصرَ لها ولا يَتَسِعُ لها المجالُ هنا،
-وأؤجلُها للكتابِ بإذنِ الله..
لكن مبدئيًا نُوجِزُ نُبذَةً عنها ونقول:
-أن بعضَها كما قلنا يَتَرَتبُ على القواعِدَ الكُلية..
-وبعضُها مَوجودٌ مُباشَرةً في توجِيهاتِ التربيةِ النبوية وقواعِدِ الفِقه، أو مُستخلَصٌ مِن مَقاصِدِ الشريعةِ العامةِ..
**أمثلةٌ لقواعِدَ جُزئية:
تقنينُ الأجهزةِ الالكترونيةِ والانترنت/ اختيارُ مدارسَ مُعينة/ المكافأةُ على الصالحات والرشاوَى التربوية/ الضربُ على ترك الصلاة/ الضربُ التأديبي/ التدريج/ المُحاورةُ في الشبهاتِ ابتداءً وتفنيدُها/ الإيفاءُ بالوعد/ التبكيتُ/ التخييرُ/ العقابُ بالهَجر/ التعويدُ على صلاةِ المَسجدِ للصبيانِ وعلى الحجابِ للفتيات/ حَملُ القرآن/ مراعاةُ المشاعِر/ التقليلُ من التنعُمِ/ الدفعُ بهم في مُعتَرَكِ الحياةِ ليشتدَ عُودُهم..........
إلى آخر قائمةٍ من قواعدَ بحجمِ الحياةِ كافة، لا حَصرَ لها ولا قوالبَ تطبيقيةً ثابتةً لها غالبًا على وَجهِ الدِقة.. تتنوعُ حسبَ الواقعِ عمومًا وبيئةِ المحاضِنِ التربويةِ المُتَغَيرةِ كما قلنا..
▪️▪️ويُقابِلُ القواعدَ أو يُماثِلُها في القُوةِ والإطلاقِ والتأسِيسِيةِ:
((المَمنوعاتُ التربوية))..
وبعضُها ممنوعاتٌ عامةٌ/ كُليةً كَذلك، وبعضُها ممنوعاتٌ جُزئية..
**أمثلةٌ للممنوعاتِ التربويةِ عُمومًا، كُليةٌ أو جُزئيةٌ:
عدمُ الدعاءِ على الأبناءِ/ عدمُ سبِّهِم أو احتقارِهم أو السخريةِ منهم/ عدمُ المجاهَرَةِ بالمعاصِي أمامَهم/ عدمُ إدخالِهم مَدارِسَ مُختَلَطَةٍ/ عدمُ إرغامِهم على الأكل/ عدمُ تركِهِم وحدَهُم بدون رَقيب/ عدمُ التَجَسُسِ عليهم.......
فالممنوعاتُ إذًا تُعتَبر في حقيقتِها (((قواعدُ))) لكن بالسَّلبِ والإحجام والاجتنابِ..
لذا سنتناولُ بعضَها بإذنِ اللهِ مباشَرةً بعدما أنهينا القواعدَ الكُلية..
ثم بعدَها سنتكلمُ عن بَعضِ الأدواتِ التربويةِ التي هي وسائلُ الوالِدَينِ لتعديلِ السلوكِ وغَرسِ القِيَم، تحتَ مِظَلَةِ القواعدَ والمَمنوعاتِ بالطبعِ..
وننوهُ هنا إلى أننا قد نَجِدُ قاعدةً ما أو مَمنُوعًا مُعَيَّنًا، هو أداةٌ في نفسِ الوقت....
مِثال:
-الدعاءُ... هو قاعدةٌ/ وفي نفسِ الوقتِ وسيلةٌ لتعديلِ السلوك..
-كذلك الصدقُ والعدلُ.. قاعدةٌ/ وفي نفسِ الوقتِ أدواتٌ لكسبِ قلوبِ الأبناءِ وثِقَتِهِم..
-كذلك "ادفَعْ بالتِي هِيَ أحسن"... قاعدةٌ عند زلاتِهِم/ وفي نفسِ الوقتِ أداةٌ لتعزيزِ الحُبِ والامتنان..
-كذلك "لا تدعُوا على أولادِكم"... هي من الممنوعات، وأيضا وسيلةٌ لترسيخِ الأمان..
فلن نختلفَ كثيرًا هنا في تصنيفِ الأدواتِ والقواعدَ والممنوعاتِ، لشدةِ تداخُلِهِم وتضافُرِهم أحيانًا، إنما فقط عمليةُ العناوينِ والسَّبرِ والتَقسِيمِ هَذِهْ، مُجَردُ محاوَلةٌ تَنظيميةٌ لخريطةِ التربيةِ قَدرَ المُستَطاع، لكن بِمُرونَةٍ وبساطةٍ بإذن الله..
ويأتي السؤالُ الأهمُ على الإطلاق لدى الأمهات:
ماذا علَى الأمِ من خُطواتٍ لتبدأَ التربيةَ بَعدَ ما تَضطَلِعُ على كل ذلك؟
والجوابُ:
-مبدئيًا عليها اتباعُ القواعِدَ الكُليةِ مُطلَقًا، واجتنابُ المَمنُوعاتِ الكُليةِ مُطلقًا..
-ثم تَتَبُعُ القواعدَ والممنوعاتِ الجُزئيةِ/ والأدوات، وتفعيلُهم مع الأبناءِ دوريًا حسبَ المَرحَلةِ العُمريةِ والمَنفعةِ المَرجُوةِ والمصلحةِ الراجِحة..
وخِتاما نَجمَعُ القواعِدَ الكليةَ إجمالًا في عِقدٍ مُترابِطٍ بعُنوانِ ((دليلُكِ التربويُّ المُختَصَرُ)) بإذنِ اللهِ، فنقول:
1-نيتُكِ من التربيةِ هي إرضاءُ اللهِ وأداءُ الأمانةِ وإعزازُ الأُمةِ برجالٍ يَحرُسونَ بيضَتَها ويُعَبِّدُونَ الأرضَ لله..: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}..
2-وهدفُكِ من التربيةِ هو حَجزُ مَكانٍ لأبنائِكِ تحتِ ظِلِ عَرشِ الرحمنِ..: ((شاب نشأ في طاعة الله))..
3-وطموحُكِ في التربيةِ هو بحَجمِ أعظَمِ جزاءاتِ الله...: ((وإذا سألتَ فاسألِ الفِردَوس)).
4-ومرجعيتُكِ في التربيةِ هي القرآنُ والسُنةُ بفَهمِ سَلَفِ الأُمة، فَدعِي عَنكِ تربيةَ الغَربِ وأقبِلِي على تربيةِ ربِ العالمين...: {{إن هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِي أقومُ..}}، ((وإن أحسَنَ الهَديِ هَدْيُ مُحمدٍ ﷺ..))، {{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِه}}..
5-وزِمامُ الأمورِ بِيَدَيكِ وسوفَ تُسألِين..: ((كُلكُم راعٍ.. وكُلكُم مَسؤولٌ..))
6-والمُثابَرَةُ وتَحسِينُ الصِلَةِ باللهِ وَقودُ التربيةِ وسَببٌ لثمرتها..: {وَالذِينَ جاهَدُوا فينا لنَهدِينَّهُم سبُلَنا} .، ((فأعنِي على نفسِكَ بكثرةِ السُجُود))..
7-وبعدَ بَذلِ الوُسْعِ بِصِدقٍ وإخلاصٍ وعِلمٍ فلا نَدَم...: {لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إذا اهتديتم}
8-ولْتَطمَئِنِي على ذريتِكِ مادُمتِ بدأتِ البنيانَ بالعقيدةِ الحَقِّ....: {وَالذِينَ آمنُوا واتَبَعَتْهُم ذُريتُهُم بِإيمانٍ ألحَقْنا بِهِم ذُرِّيتَهُم}
9-والإقرارُ بالخطأِ والاعتذارُ عنه واجبٌ وليس فَضلا...: {وَلم يُصِرُّوا على ما فَعلوا وهُم يَعلَمون}
10-والفَصلُ في أمورِ الأبناءِ يَكونُ بحُكمِ اللهِ لا بالهَوَى...:{وأنِ احكُمْ بينَهُم بما أنزلَ اللهُ}
11-والدعاءُ والصبرُ والتقوى مفاتيحُ الفَرَج....:{إنهُ مَن يَتَقِ ويَصبِرْ فإنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ المُحسِنِين}
12-واليأسُ من رحمةِ اللهِ كُفرٌ، وانتظارُ الفَرَجِ عِبادةٌ... والثبات على تربيتهم رغم تأخر الثمرة واجبٌ لا فضل..:{معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون}..{فاصبرْ صبرًا جميلًا} .. و «استعِن باللهِ ولا تَعجَز»
13-((وكُلُ ابنِ آدمَ خطاءٌ.. وخيرُ الخطائينَ التوابون))....:{فَم ن تابَ وأصلَحَ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنُون}
14-وأنهُ مَن يَترُكْ بيتَهُ بلا سقفٍ فلا يَندِبُ حَظَهُ العاثِرَ حينَ تَهطِلُ السُيول.. {فأوُوا إلى الكهفِ يَنشُرْ لكُم رَبكم مِن رَحمَتِهِ ويُهَيِّءْ لكم مِن أمركمْ مِرفَقًا}
وإلى لقاءٍ مع (((الممنوعاتِ التربوية))) في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات (مقدمة):
{هاؤُمُ اقرأُوا كِتابِيَهْ}: أنقّى صَحِيفَةٍ تَربَوِيَّة..
أسماء محمد لبيب
إليك أنظفَ صَحِيفَةٍ تربويةٍ يمكنُها أن تُقِرَّ عينَ أيَّ أُم، سواءٌ في الدنيا أو في الآخِرَةِ لدى ربِها الملِكِ الديّانِ عز وجل مهما كانت تَفِدُ إليه سبحانه بتقصير تربويٍّ وتفريط..
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
المَمنوعاتُ العَشرُ
... يا بُنَيَّ يا فلذَةَ كبِدِي وقِطعَةَ نَفسِي:
أنا وللهِ الحمدُ ربِ العالمين:
1-أبدًا ما عصيتُ اللهَ لأُرضِيَك..
2-أبدًا ما دعوتُ عليك..
3-أبدًا ما شَتَمتُك..
4-أبدا ما شَمِتُّ فِيك..
5-أبدا ما فَضَحتُك..
6-أبدًا ما ربيتُكَ لأجلِ منفعتِي الخاصة..
7-أبدا ما لَطَمتُكَ على وَجهِكَ ولا ضَربتُكَ الضَربَ المُحَرَّمَ..
8-أبدًا ما كذبتُ عليك..
9-أبدًا ما خدَشْتُ فِطرَتَك..
10-أبدًا ما تَعَدَيْتُ على حُقوقِكَ المكفولةِ لكَ شرعًا وأنا أعلم ذلك وسكتُّ"...
أيتها الأمهاتُ الطيبات..
رأيتُنَّ تلكَ المُجتنَبَاتِ العَشْر...؟
هي في رأيي المتواضع تمثلُ:
أنظفَ صَحِيفَةٍ تربويةٍ يمكنُها أن تُقِرَّ عينَ أيَّ أُم، سواءٌ في الدنيا لدَى ولدِها مهما كان بينهما من نِزاعَات وتَجاذُبات، أو في الآخِرَةِ لدى ربِها الملِكِ الديّانِ عز وجل مهما كانت تَفِدُ إليه سبحانه بتقصير تربويٍّ وتفريط..
فجهزي تلك العَشَرَة من الآن، بالمُجاهَدةِ والمُثابَرَةِ والصبرِ والاستعانةِ بالله، كي تتمكنينَ بحولِ اللهِ وقوتِهِ من قَولِها لولدِكِ بكلِ فَخرٍ وثِقَةٍ وصِدقٍ حينَ يَكبُرُ، وبين يديْ ربِكِ ضِمنَ الصائِحِين فَرَحًا وسُرورًا{هاؤُمُ اقرَؤُوا كِتابِيَهْ...}..
أعلَمُ أن كثيرًا مِنكُنّ مُفَرِّطَةٌ في إحدى النقاط العَشْرِ- وربما كلِها والعياذُ باللهِ مِن ذلكَ العَجزِ والتَفرِيطِ- ويَنكَوِي قلبُها الآنَ وهي تَستَمِعُ بحسرَةٍ للكلامِ وتقولُ لنفسِها: ((هيهاتَ هيهاتَ لتلكَ المَنزِلَةِ الرفيعةِ وهذا الفَخرِ المَجِيدِ يا مِسكينة!))، لِعلمِها أنها قد سَقَطَتْ في اختبارِهم منذ زمنٍ وما عادَ يُمكِنُها أن تقولَ "أبدًا ما فَعَلْتُ كذا فيكَ بُنَيْ"...
وكم كانت تتمنى ذلكَ النقاءَ لصحيفتِها التربوية..!
وأقولُ لصواحِبِ تلكَ الأنَّاتِ الأسيفةِ الرَّئِيفَةِ: لا زالت أمامكِ تلكَ الفرصةَ أخيتِي رُغم أننا لا نَستطيعُ إرجاعَ عقاربَ الساعةِ للوراءِ..
أجَل...! فاقتَنِصِيها..
تُوبي عن أولئِكَ العشرةِ فورًا تَوبةً نصُوحًةً صادقَةً.
وقَدِمِي لولدِكِ إقرارًا واعتذارًا وأظهِرِي فيهما ندمَكِ ذاك بكل صدقٍ وتجرد.
وأخبرِيهِ أن كلَ ابنِ آدمَ خطاءٍ وأن خيرَ الخطائينَ التوابينَ.
وأنكِ الآن مِن هؤلاءِ وتبتغِينَ تَصحيحَ مسارَكِ، إرضاءً للهِ وإفراحًا لَهُ سبحانه بالتوْبِ والأوبِ وَدُونَ تَباطُؤ..
فكما قال الحكماءُ:
"عندما تركبُ القطارَ الخطأَ، حاوِلْ أن تنزِلَ في أوَّلِ مَحطَةٍ، لأنه كلما زادَتْ المَسافةُ، زادَتْ تكلِفَةُ العَودَة"..
وقال رَبُكِ أحكمُ الحاكِمين:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:70]
وقال أيضًا: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِم} [آل عمران:136]
إذًا...
أشهِدِي ولدَكِ على نيتِكِ الإقلاعِ عن كلِ ذلكَ بعَونِ الله، وحينها ستستطِيعِين يومًا ما قريبًا غيرَ بعيدٍ بإذنِ اللهِ وحولِهِ وقُوتِهِ أن ترفَعي رأسَكِ وتقولِي لَهُ في الدنيا ولرَبِكِ في الآخِرَةِ تلكَ المَفخَرَةَ العزيزةَ والمَصفُوفَةَ الغاليةَ للممنوعاتِ العَشرِ:
".. يا بُنَيَّ يا فلذَةَ كبِدِي وقِطعَةَ نَفسِي:
أنا وللهِ الحمدُ ربِ العالمين، منذ تُبتُ وأنَبْتُ إلى اللهِ وعَرَفْتُ الصوابَ مِنَ الخطأِ في أمانةِ تَربيتِكَ وفي ديني وأن كلَنا رُعاةٌ وكلَنا مسؤولون عن رَعيتِنا:
1-أبدًا ما عصيتُ اللهَ لأُرضِيَك..
2-أبدًا ما دعوتُ عليك..
3-أبدًا ما شَتَمتُك..
4-أبدا ما شَمِتُّ فِيك..
5-أبدا ما فَضَحتُك..
6-أبدًا ما ربيتُكَ لأجلِ منفعتِي الخاصة..
7-أبدا ما لَطَمتُكَ على وَجهِكَ ولا ضَربتُكَ الضَربَ المُحَرَّمَ..
8-أبدًا ما كذبتُ عليك..
9-أبدًا ما خدَشْتُ فِطرَتَك..
10-أبدًا ما تَعَدَيْتُ على حُقوقِكَ المكفولةِ لكَ شرعًا وأنا أعلم ذلك وسكتُّ".
حبيباتِي جاهِدنَ أنفُسَكُنَّ وصابِرنَ... وأبشِرنَ،،، {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النمل:11]
هذا إجمالٌ...
وفي المقالاتِ القادِمَةِ من هذا القسم الجديد [[ممنوعاتٌ تربويةٌ]]،
نَستَعرِضُ بتفصيلٍ تلك العَشْرةَ، لنتعاونَ معًا على إغلاقِ مداخِلِها وتثبيتِ التوبةِ مِنها بحولِ الله وقوتِهِ، ومعرفةِ كيفيةِ تَدارُكِ الزَلَلِ فيها بإذنِ الله.. لنستكمل معًا بقية قواعد وأدوات التربية من الوحيين (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ)[طه:82]
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات (2):
"ولا تدعوا على أولادكم"... دعاؤكم عليهم دعاءٌ على الأُمة..!
أسماء محمد لبيب
[[خِلصِت روووحك... اتفلِق.... يخرب بيتك... يخرب عقلك...!]]
إن كنتِ ممن يقولونَ تلك الجمل أو شيئًا منها لأبنائِكِ حال الغضبِ منهم، وتُسرِفين فيها دونَ مراجعةٍ وتوبة، وعلى أمورٍ دنيويةٍ تافهةٍ غالبًا أو أمورٍ لكِ فيها حظوظُ نفسٍ، فلا تظنِّي أن هذِه دُعاباتٌ من الكلامِ أو زلاتٌ مَغفُورَةٌ منسيةٌ مارَّةٌ مرورَ الكِرام...
ومثلها: أتاكَ الرَعدُ في أذنَيكَ..! أتاكَ العَمَى في عينيكَ..! ضُربْتَ في قلبِكَ...!! أحرقَ اللهُ دمَك...! دَهَسَتْكَ قاطِرَةٌ...! قُطِعَتْ رقبتُك...! قُصِمَ ظَهرُك...! شُلَّتْ أركانُك...! سمَّمَ اللهُ بدنَك...! لعَنَكَ اللهُ...!
كلها بالطبعِ بعدَ ترجمتِها للفُصحى، فسماعُها بالعاميةِ أشدُ إهانةً وبأسًا وتنكيلًا...!
وغيرُها مما يتَحَرجُ القلمُ مِن كتابتِه، ويحمِلُ غِلًا وغَلَيَانًا عَجيبًا يستَحِثُّ انتقامَ اللهِ للآباءِ مِن الأبناءِ في لحظةِ غضب، ثم يَنسَونَها وكأنها لم تكن..!
فلا تظني أنها مَغفولٌ عنها، بل كلُها أدعيةٌ صريحةٌ على ولدِك، تُقْلِعِينَهُ بها من تُربَةِ الأمانِ وتَزرَعينَه في أرضِ الخوف، ناهِيكِ عما فيها من إهانةٍ، فتكسِرِينَهُ مرتينِ بل ثلاثَ، بل مراتٍ ومرات...
هذا بخلافِ تعويدِه بذلك على اللعنِ والمبالغةِ في الانفعالاتِ والشططِ في المشاعرِ وعدمِ السيطرةِ على غضبِ اللسانِ وآفاتِه، بدلًا من تعويدِه على العِفةِ والنزاهةِ والرقيِّ والأدبِ وقولِ التي هي أحسنُ... كيف -بربكِ- ستُلقنِينَه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء:53] و «ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ» (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني)؟
دَعُوني أقُصُّ عليكم قِصةَ أمٍّ من هؤلاءِ عفا اللهُ عنها..
ظَلتْ تَشكُو إليَّ من ابنِها ونِسيانِه لكثيرٍ من طلباتِها وفَشلِهِ في تلبيةِ كُلِ احتياجاتِها نظرًا لظروفِهِ المَعِيشيةِ الصعبةِ التي هي تَعلَمُها وتُدرِكُ صعوبَتَها وتُطالبِهُ بالمثالية رُغمَ ذلك..
فقلتُ لها هداهُ اللهُ، نظرًا لأني لم أُعُدْ أملِكُ أيَّ ردٍ غيرَ ذلك، فلا جدوَى من أيِّ نُصحٍ أو استعطاف..
فردّت قائلةً بالنَّص: "سواء ربنا يهديه أو ما يهديهوش، هو مش نافعني في حاجة كده كده.. ربنا يحرق دمه زي ما هو حارق دمي.."
حين أسمع أمامي أمًّا تقولُ على ابنِها: "ياربِ ينكِّدْ عليك زي ما نكّدت عليا ويوجَع قلبك زي ما بتوجع قلبي" أو "ربنا يشلَّك وينتقم منكَ ويحرَق دمك زي ما بتشلِّني على ما تعمل لي إللي بطلبُه"، أشعر بذهولٍ وصدمةٍ عَقليةٍ مُتجمدة..!
حسنًا... أين الخللُ.....؟ ربما تظنون أنه في اللسان.. وربما في الأخلاق... لكنْ -ولا عجبَ!- إنه في العقلِ والقلبِ..
إن قناعةَ الأم أنها ليست مُلامَةً أن تفعلَ ذلك، يَدلُ على خَلَلٍ في إخلاصِ النيةِ في التربيةِ للهِ ربِ العالمين، إذ تجعلُ لِذاتِها مِن أبنائِها حَظَ نَفسٍ، إن لم تحصلْ عليهِ بالحُسنَى منهم طَفِقَتْ مَسحًا بالسوقِ والأعناق..!
"يا رب يهِدَّك عشان أرتاح شوية من تنطِيطَك وكَركَبتَك"؟
سبحان الله..!
وحتى تلك الأم الأفضل، التي لا تريدُ من ابنِها إلا أن يهتدِيَ للخيرِ ولا تدعُو عليهِ لمصالحَ دنيويةٍ ولا حظِّ نفسٍ، ليسَتْ بعيدةً عن الخَلَلِ إذا دعتْ على ابنِها حين يُعانِد!
لكنه خللٌ من نوعٍ آخر: خَللُ المَنطِق..
إذ كيف يُقنِعُني أحدٌ أنها تَدعُو على وَلدِها -وهي بوعيِها!-أن يزيدَهُ اللهُ عذابًا وشقاءً وفشلًا، لأنه لا يريدُ أن يستجيبَ ويجتنبَ طريقَ العذابِ والشقاءِ والفَشَل...!
"يارب تسقَط وتعيد السنة عشان مش راضي تقوم تذاكر".....!
سبحان الله..!
فالأمُ الأُولَى خلُلها في إخلاصِ النيةِ للهِ والتي محِلُّها القلبُ، والثانيةُ خَلَلُها في إِعمالِ العَقلِ وتَغليبِهِ على العواطِفِ.. وكلتاهما لديها خَلَلٌ واضحٌ في الأمومة...!
لأجلِ ذلك نقول: إن عَلاقَةَ الدعاءِ على أولادِنا// بالنيةِ مِن التربيةِ ووُضوحِ الرؤيةِ في ذلك عَلاقةٌ طَردِيَّةٌ: كُلما استَحضَرتِ غايتَكِ التَربَوِيةَ= كلما أشفَقْتِ مِنَ الدعاءِ عليهم واجتنَبتِهِ مهما أُحبَطتِّ بخُذلانٍ أو عنادٍ أو تأخُرٍ للثمرة..
النيةُ من التربيةِ إذًا ألفْ باءْ أمومةٌ وعبودية..
لا يصحُ أن ننسَى لماذا نُنجِب..
نحن لا نُنجِبُ خدمًا تحت أقدامِنا..
نحن ننجبُ خَدَمًا تحتَ أقدامِ الأُمة..
ودعاؤنا عليهم دعاءٌ على الأمةِ بالنقصانِ والفشلِ والتعثرِ والخيباتِ..
قد نتفهمُ مبرراتِ ودوافعَ الصياحِ الشديدِ لإحدى الأمهاتِ أو حتى ضربَها بعنفٍ لولَدِها في لحظاتِ انفعالٍ وإحباطٍ -وإن لم نَعذُرْها قَطعًا..
لكن في النهايةِ: قُوةُ ضربتِها لَه هي قُوةُ ضَربِ "إنسان" لـ "إنسان"..
لكن أن تستسهلَ الأمُ بسببِ نفسِ الدوافِعِ -غيرِ المُبَررةِ- أن تُفَوَّضَ "ربَّ الكونِ القويَ المتينَ" بقُدَرتِهِ المُطلقةِ وبطشِه الشديدِ، أن يُعاقِبَ ولدَها وينتقمَ لها مِنه..!!
فذلك هو ما لا أتفهمُه مُطلقًا ولا أتعاطَفُ معه ويَصدِمُني كلَّ مَرة..
نعم... اللحظةُ التي تتحولين فيها من كائنٍ يُضرَبُ به المَثَلُ في المَرحَمَةِ وصَدِّ الأذَى عن ابنِها ولو كانَ مِن "لدغَةِ نامُوسةٍ" إلى كائنٍ مُستَمطِرٍ للأذَى على فلذَةِ كبِدِها مِن القويِّ شديدِ العقابِ ذِي الطَولِ سبحانه، وتعَلَمِينَ أن دعوتَكِ مُستجابَةٌ اعلَمِي أنكِ الآن فاقِدَةٌ للأمومةِ الحَقةِ والخَالِصةِ لوجهِ الله.. حتى تستفيقِي وتُصلِحي..
فكما أن السكرانُ فاقدٌ لعقلِهِ حتى يَفِيقَ... فإن الأمَّ التي تدعو على ابنِها فاقدةٌ لأمومتِها حتى تَفِيقَ..
اللهُ أعطاكِ سِلاحًا -الدعاءَ المستجابَ- رحمةً منه لَكِ.. ليُدرِكَ الأبناءُ قَدْرَ مَعيّةِ اللهِ لكِ فيوقِّرُونَكِ ويبَرُّونَكِ ويهابُونَ غضَبكِ ويُطِيعونَكِ في المعروف.. لا لكي تذبحيهم به..
يا طيبة.. فلا تذبَحِي أبناءَكِ برحمَةِ اللهِ لك..
الخلاصةُ...
دعاؤكِ على ولدِكِ من الدعاءِ المستجابِ.
وهو سلاحٌ أودعَهُ اللهُ مَعَكِ أمانةً وامتحانًا.
لا تقتُلِي بهِ أولادَكِ انتقامًا لنفسِكِ بزَعمِ أنكِ تريدينَ أن ينصَلِحَ حالُهم.. هذا إفسادٌ من حيث تريدين إصلاحًا.
دعاؤكِ عليهم دعاءٌ على الأمةِ الإسلاميةِ أن يزدادَ فيها عددُ الفشلةِ والمتعثرينَ والخائبين.
لن نغنمَ شيئًا حين ندعو أن يذيقَهم اللهُ ما أذاقونا إياه في تربيتِهم، ولا ينبغِي لذلكَ أن يُدخِلَ علينا السرورَ إن حَدَث.. فلا تنسَيْ قِصةَ أمِ جُرَيجٍ وما حَدَثَ لهُ بدعوتهِا عليهِ حينَ تأخَّرَ عن تلبيةِ ندائِها مِرارًا فقالت: "اللهم لَا تُمِتْهُ حتى تُريَهُ وجوهَ المومِساتِ".. وقد كان.. تَعَرَّضّتْ له المُومِساتِ وظُلِمَ واعتُدِيَ عليهِ وتَعَلَّم كلاهُما الدَرسَ بالدمِ، حتى قالَ حين استفاقَ: أصابَتْنِي دَعوَةُ أمِ جُرَيج..
فلن تَفرَحِي حينَ تَجِدِينَ ولدَكِ وقد كُسِرَ ظهرُه أو أُصيبَ بعاهةٍ من حادِثٍ مثلًا سبقَهُ دعاؤكِ عليهِ لتَعَنُّتِهِ في مُذاكرَةٍ أو مهامٍ منزليةٍ ونحوُه... أنتِ بذلك تكسرين قلبَكِ مرتين.. ألا تَكفيكِ كسرتُكِ من بَعضِ عقوقِهِ ذاك؟ وواللهِ إن تلكَ الكَسرَةِ أهونُ وتَنجَبِرُ بإذنِ اللهِ بالدعاءِ لَهُ والحوقلةِ كثيرًا والصبرِ والحِلمِ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ}[البقرة:45].. لكن عاقبةَ الدعاءِ عليهم لا تَنجَبِرُ...
الوالِدِيَّةُ الحَقَةُ لا مكانَ فيها للتشفِّي والثأرِ للذاتِ وتنفيسِ الغِل.. بل هي قَلبٌ مُخلِصٌ للهِ يَحمِلُ هَمَّ الأمةِ، وعينٌ ساهرةٌ على ترميمِ كسرِها بإصلاحِ أبنائِها، مهما كانت مشاكلُهم شاقةً ومُنهِكةً وخانِقةً، فالثمرةُ تستحقُ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعاً}[المائدة:32]
فاستهدِي بالهادِي الحليمِ الصبورِ.. وربِّي ولدَكِ بالدعاءِ له لا بالدعاءِ عليه.. وردِّدِي دومًا: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فإن سألتِ:} [الأحقاف:15].
ألم يَقُلِ النبيُّ ﷺ لبعضِ صحابتِه ثَكِلَتْكَ أمُكَ بل ودعَا علَى بَعضِ أهلِه؟ وما الحَلُ لِمَن دَعَتْ بالفعلِ عليهِم وينهَشُها الخوفُ الآنَ من إجابةِ اللهِ لدعائِها؟ وَمَن تابتْ وتجاهدُ ولكن لازالَ لسانُها يَفلِتُ، فماذا تفعلُ إلى أن ينتهِيَ هذا الأمرُ مِنها؟ وما قصةُ جُرَيجٍ وأمِه؟
فالجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذن الله...
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات (2) تابع :
ألم يدعُ النبيُّ ﷺ علَى بعضِ أهلِهِ والمُسلِمِين؟
أسماء محمد لبيب
وقفنا عند أسئلة:
-ألم يدعُ النبيُّ ﷺ على بعضِ أهلِه والمسلمين؟ ألم يقل لبعضِ صحابَتِه " «ثَكِلَتْكَ أمُك» !" أيْ: "فَقدَتْكَ" أيْ: دعاءٌ بالموتِ كما نقولُ بالعامية "ربنا ياخدَك"؟
-وما الحلُ لمن دَعَتْ بالفعلِ على أولادِها وينهَشُها الخوفُ من إجابةِ اللهِ لدعائِها؟
-ومَن تابتْ وتجاهدُ ولكنْ لازالَ لسانُها يفلِتُ، ماذا تَفعَلُ؟
نبدأُ بالسؤالِ الأولِ..
أولًا... تلك الكلمةُ في لهجةِ العَرَبِ ليسَ معناها طلَبُ تَحَقُقِ الشيءِ وتمنِّي وُقوعِهِ، فليستْ دعاءً على أحدٍ بالموتِ حقيقةً -حتى وإن كان هذا معناها الحرفيُّ لُغَوِيًا..
إنما تُطلَقُ على سبيلِ العادةِ التي جَرَتْ بها ألسنةُ العَرَبِ آنذاك مِن وَصلِهم لكلامِهم دونَ قَصدٍ أو نِية، مثل: تربَتْ يَمينُك،/ ولا أشبَعَ اللهُ بَطنَك،/ ولا كَبِرَ سِنُك، وغيرهم...
قال النوويُّ في شرحِ صحيحِ مُسلم :
"وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَلِمَةٌ اعتادتْ الْعَرَبُ اِسْتِعْمَالهَا غَيْرُ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، فَيقولون: تَرِبَتْ يَدَاك، وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ! وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَ لَك، وَثَكِلَتْهُ أُمُّه، وَوَيْلَ أُمِّهِ..... وَمَا شابَهَهُم مِنْ أَلْفَاظٍ يَقُولُونَهَا عِنْدَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ، أَوْ الزَّجْرِ عَنْهُ، أَوْ الذَّمِّ عَلَيْهِ، أَوْ اِسْتِعْظَامِه، أَوْ الْحَثِّ عَلَيْهِ، أَوْ الْإِعْجَابِ بِهِ". انتهى كلامُه بتَصَرُّفٍ يَسِير.
وقد قالها ﷺ في مواقفٍ تَستَجلِبُ الدهشةَ.. مثلا:
*حين قال لإحدَى زوجاتِه «تَرِبَتْ يداكِ» حين تعجَّبَتْ مِن وُجودِ ماءٍ للمَرأةِ كالرجلِ..
*وحين قال: «لا كَبِرَ سِنُكِ!» لبنتِ أمِ سُلَيمٍ الصغيرةِ اليتيمة! حيث رآها ﷺ يومًا بعدما كَبُرِتْ قليلًا، فاندهشَ وقالَ لها مُتَعَجِّبًا: «أنتِ هِي؟ كَبُرْتِ..! لا كَبِرَ سِنُكِ!»... مثلما يُقالُ ربما -واللهُ أعلمُ- بالعاميةِ المصريةِ دونَ قصدٍ الدعاءِ: "يُقصُفْ عُمرَك عَملتَها إزاي دي!" أو "يِخَيِّبَك! صلحتها إزاي!" أو يا مَقصُوفِ الرقبة!...
فعادتْ اليتيمةُ إلى أمِها تبكِي مِن الخوفِ سبحانَ الله، فلما سألَتْها قالتْ: دعا علَيَّ النبيُّ ﷺ أن لا يَكبُرِ سِني أو قِرْنِي -أي أقرانِي وأشباهُ سِني..
فهَرَعَتْ أمُ سُليمٍ إليهِ على عَجلٍ تستَفهِمُ، فلما رآها وَجِلَةً قال: «مالَكِ يا أمَّ سُلَيم!؟»فقالت: يا نبيَّ اللهِ! أدعوتَ على يَتِيمَتِي؟ فتعجبَ وسألَها! فلما أخبرَتْهُ ضَحِكَ ﷺ.. ثم قال يُطَمئِنُها: «أما تَعلَمِينَ أنِّي اشتَرَطْتُ علَى ربِّي فقُلتُ: إنَّما أنا بشرٌ أرضَى كما يَرضَى البشرُ، وأغضَبُ كما يَغضَبُ البشرُ، فَأيُّما أحَدٍ دعَوتُ عليهِ مِن أُمَّتِي بِدَعوةٍ ليسَ لها بِأهلٍ، أنْ تجعلَها لهُ طَهُورًا وزكاةً وقُربةً يُقرِّبُهُ بها مِنهُ يومَ القيامةِ»(رواه مسلم)
كذلك قالَها ﷺ في مَواقِفَ تَستَوجِبُ الإنكارَ والاستِعظام... كما حَدَثَ حين سألَهُ سيدُنا مُعاذٌ مُتَعَجِّبًا: يا رسولَ اللهِ! أنؤاخَذُ بكلِّ ما نتكلمُ به؟.. فأجابه النبي ﷺ مُنَبِّهًا إياهُ مُندَهِشًا من السؤال: «ثَكِلَتْكَ أُمُكَ يا مُعاذ! وهلْ يُكَبُّ الناسُ على مَناخِرِهِم فِي جهنمَ إلا حصائِدُ ألسنتِهم!؟» (رواه الترمذي)
فكلُها مِن كلامِ العربِ الدارِجِ للتعبيرِ عن الدهشةِ ونحوِها.. وربما أَحَدُ معانِيها الذِي يتبادَرُ لذِهنِي مُباشرَةً، هو: التَنَبُؤُ بما سيَقَعُ في المستقبلِ لهذا الشخص. فكأنها باللغةِ البسيطةِ واللهُ أعلَم: "سَوفَ تَهْلَكُ يا فلانُ إن لمْ تَنتَبِهْ لكذا!"..
المهمُ أنها ليستْ للدعاءِ على أحدٍ كما يَفعلُ معظمُنا للأسفِ وقتَ الغضَب.. وإنَّما وقعُ هذا مِنهُ ﷺ نادِرًا؛ فلم يَكنْ فاحشًا ولا لعَّانًا لكنه فقط بَشرٌ..
ثانيًا... وحتى إذا صدَر منه ﷺ دعاءٌ على مُسلمٍ غيرُ كلامِ العَربِ الدارِجِ- وتَلَفَّظَ بهِ ﷺ في لحظةِ غَضبٍ بشريةٍ حقيقيةٍ عَفَوِيةٍ كذلكَ -لأنهُ بَشرٌ يَغضبُ مثلَنا كما يَصِفُ نفسه ﷺ:
فيكونُ ذلكَ فِي مَوضِعٍ شَرعِيٍ تربويٍ مِحوَرِيٍّ جدًا يَستَوجِبُ الغضبَ لله.
بالإضافةِ إلى أنه ﷺ يُرَمِّمُ ويَتَقِي عاقبَةَ تلكَ الغَضبةِ البشريةِ العفويةِ بِنفْسِ الحَلٍ الوِقائِيِّ المُستدَامِ الذي فعلَه فِي قصةِ أم سليم، بِقولِه: «اللهم إني أتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإنَّما أَنَا بَشَرٌ.. فَأَيُّ المُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لهُ صَلاةً وزَكاةً وقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِها إِلَيْكَ» فبذلك تُصِيبُ دعواتُه المنافقين وأمثالَهم فقط..
1*مثلما قال ﷺ يومًا لإحدَى زَوجاتِهِ«قَطَع َ اللهُ يدَكِ!».
والقصةُ كما تحكيها هي بنفسِها، أنها -رضي اللهً عنها- غَفَلَتْ عن أمرٍ عظيم استودَعَها ﷺ إياه، حيثُ كانَ ﷺ قد أحضَرَ أسيرًا لتَحبِسَهُ عندها في بيتِه، وأمرَها ألا تغفَلَ عنهُ فيهرُب.. فزارتْها صويحباتُها فانشَغَلَتْ بهِنَّ عنه فهرَب..
كافرٌ يحاربُ دينَ اللهِ ويؤذِي المسلمين، وَأُسِرَ بعدَ معاناةِ الحَربِ، ويحبِسُونَهُ غالبًا حتى تَتِمَّ مبادلتُهُ بأسرَى مُسلمين لدَى العدوِّ، أو ربما يأخذونَ فديةً عنهُ تُرَدُّ إلَى بيتِ مالِ المسلمين..
هذا الأسيرُ هَرَب من يَدِ المسلمين! لغفلةِ أمِّنا الفاضلةِ تلكَ عَنهُ بصويحِباتِها -رضي اللهُ عنها- فغضبَ النبيِّ ﷺ وقالَ لها: " «قطعَ اللهُ يَدَكِ»
ولم يَقُلْها قبلَ سؤالِها والتَحَقُّقِ من السببِ أولًا وأنها غَيرُ مَعذورَةٍ فيما يَظهَرُ له...
ثم هي زوجتُه وليستْ ابنتَه أو أطفالًا لم يَبلُغُوا الحُلُمَ بعد...
فأين نحنُ من ذلك مع أبنائِنا....؟
لكن -ورغمَ كلِ ذلك- حينَ عادَ ﷺ مرةً أخرَى للبيتِ -بعدما أرسل الصحابةَ في ملاحقةِ الأسيرِ ووجدوه وأعادوه- ووجدَها مُتأَثِّرةً وخائفةً من الكلمةِ التي قالها لدرجةِ أنه وَجدَها قد مَدَتْ يديْها تُقَلِّبُ فيهما بقلقٍ تَتَرَقَّبُ أيتُهما تُقطَعُ، لأنها ليسَتْ مُعتادةً على ذلك مِنهُ ﷺ -هذا أولًا- ولأنها تَعلَمُ أن دعاءَهُ مُستجابٌ..
فبَشَّرَها ﷺ بالعهدِ والشرطِ الذي أخذَه مَعَ ربهِ فيما يَخُصُّ الدعاءَ على أحدٍ من أُمَّتِهِ.. فاطمأنَّتْ..
فأين نحنُ مِن ذلكَ، بما نفعلُهُ مَعَ أولادِنا؟
2*ومثالٌ آخَر لدعائه على أحدٍ في الغَضَب:
قالتْ عَائِشَةُ: دَخَل عَلَى رسولِ الله رَجُلانِ.. فكلَّماهُ بشَيءٍ لا أَدرِي ما هُو، فأَغْضَبَاهُ -
فلَعَنَهما وسبَّهما -(واللعنُ دعاءٌ بالطردِ من رحمة الله، وسيأتي كلامُنا عن السبِ في مَوضِعِهِ بإذنِ اللهِ)- فلمَّا خَرَجَا قالتْ له ما معناه أن هذين الرجلين قد حُرِما من الخير لا مَحالة..! فقال: «وما ذاك؟» قالت: لَعَنْتَهُما وسَبَبْتَهما! فقال ﷺ: «أوَما عَلِمْتِ ما شارَطتُّ عليه ربِّي؟ قلتُ: اللَّهُمَّ إنَّما أنا بَشَرٌ، فأيُّ المسلِمين لَعَنْتُه أو سَبَبْتُه فاجْعَلْه له زَكاةً وأجْرًا»
فالنبي ﷺ إذًا...
- قد يجتهدُ في الحُكمِ فيَظهر له ﷺ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة استحقاقُ أحد الناس للدعاء عليه لأنه منافقٌ مثلا، بينما هو عند الله قد لا يكون أَهْلًا لِذَلِكَ، فلأنه ﷺ لا يعلمُ الغيب يحكم بالظاهر وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر..
- أو قد يَغضبُ عَفَوِيًّا كما يَغضَبُ البشرُ فيدعو كذلك على من لا يَستحقُ من أمَّتِه..
- أو قد يتَفَوه بدعاءٍ من كلامٍ العربِ الدارجِ غيرِ المقصود بعينهِ كدعاء...
فماذا فعل....؟
أمَّنَ واحتاطَ للمؤمنين من ذلك كلِه:
-بتفويضِ اللهِ في تحديدِ أهليةِ واستحقاقِ الشخصِ لدعائِهِ عليه من عدمِه،
-وتقريرِ مَن هو منافقٌ أهلٌ للدعاءِ عليه فتَصيبُه دعوتُه، ومن هوغيرُ أهلٍ لذلكَ وكان مسلمًا فتكونُ لَهُ طَهُورًا وقُربَةً..
-وقبل كل ذلك أمَّنَهُم بأن عَفَّ لسانَهُ عن تلكَ الأمور ابتداءً إلا نادرًا فهو بَشرٌ مثلُهم لكنه أكملُهم
-ثم لو تَتَّبَعْنا مواطنَها فلن نجِدَها إلا عندَ مواطِنِ الغَضَبِ لِحَقِّ اللهِ والناسِ، لا الغَضَبِ للنفسِ أو الدنيا.. قالت عنه عائشة:"ما انتقم لنفسه قطّ إلاَّ أن تُنتَهَكَ حرماتُ الله"..
لأنها ليستْ طبيعةَ لسانِهِ الشريفِ ولا قلبِهِ الرئيف، فقلبه لا يُبَيِّتُ رَغبِةً أبدًا في إيذاءٍ مُسلمٍ... فكيف بأهلِ بيتِه وأبنائِه....؟
بل ويحكي عن الأنبياءِ الرحماءِ مِن قبلِه، منهم نبيٌ قد ضَرَبَهُ قومه فأدمَوه فكان يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.."
فأين نحن من كل ذلك مع أبنائنا قبل أن نسألَ ألم يَدْعُ النبيُّ على بعضِهم؟
ونأتي للسؤالِ الثاني الخاصِّ بالأمِ التي دَعَتْ على أولادِها وينهشُها الخوفُ الآنَ ِمن استجابةِ اللهِ للدعاءِ، وكلما حدثَ لهم مكروهٌ أنَّبَتْ نفسَها..
فكلُ ما عليها هو أن تتوبَ إلى اللهِ مما قالتْ وتستبدلَهُ بدعاءٍ لهم ليلَ نهارٍ، وتُشهِدُ اللهَ وتُشهِدُهُم أنها لا تَقصِدُ إيذاءَهُم، وتطلبُ منه سبحانَهُ أن يَجعلَ فَلَتَاتِ لِسانِها السابقةَ خيرًا لهم في حياتِهم وقُربَةً لَهم عندَه، وإذا حدَثَ لهم مَكروهٌ فعليها ألا تُصابَ بالوساسِ أنهُ بسببِ دعائِها عليهم، ولْتطْمَئِنَّ بربٍ توابٍ حَليمٍ رحيمٍ..
وأخيرًا يأتي السؤالُ الثالثُ المُتَبَقِّي:
ما الحلُ لِمَن لازالَ لسانُها يَفلِتُ؟
والجوابُ:
حلٌ عمليٌ مُصاغٌ في سِتِ نِقاطٍ، نَجمَعُها فِي المقالةِ القادمةِ، بعدما نحكي قصةَ جُرَيج بإذنِ الله...
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات (2) تابع :لمن تُجاهِدُ الدعاءَ على أبنائِها ثُمَّ تَِزِلُّ
أسماء محمد لبيب
كان تاجرًا.. يَكسِبُ أحيانًا ويَخسَرُ أحايِين.. ففكرَ يومًا: تجارةُ البشرِ هباءٌ.. سأتاجِرُ مع الله.. وخرج من بلدِه وبنَى لنفسِه صومعةً تًعزِلُه عن الناسِ، يَصعدُ إليها بحبلٍ ثم يسحبُه خلفَه لئلا يَصعدَ إليهِ أحدٌ ويُزعِجَه..
كان عابدًا دؤوبًا خاشعًا..
وفي يومٍ كان يتعبدُ في مِحرابِه، أتتْ أمُه أسفلَ الصومعةِ تنادِيه.. انتظَرَتْ طويلاً وهي تَحجُبُ لَفْحَ الشمسِ بكفيها عن عينيها وهما معلقتانِ ببابِ الصومعةِ عساهُ يَنفَتِحَ، ولكن لا مجيبَ.. وضِيقُها وتألُمُها من الوَقفَةِ يزداد..
بينما ولدُها يَسمعُ صوتها أثناء صلاتِه ويتساءَلُ: أردُ على أمي؟ أم أُكمِلُ صلاتي؟.. تردد طويلا ثم حسَمَ أمرَه واختارَ صلاتَه وتركَ أمَه تنادي.. فانصرفَتْ...
أتتْهُ في الغَدِ مُجددًا، وتَكرَّرَ نفسُ المَشهدِ بنفسِ أنفاسِ الألَم، وانصرفَتْ بنفسِ مرارةِ وقسوةِ اللامبالاة..
ثم يومٌ ثالثٌ...
ويتكررُ نفسُ الخُذلانِ ثانيةً...
لكنِ اليومَ.. لم تنصرِفْ أمُ جُرَيجٍ بخيبةِ رجائِها، بل رفعَتْ شكواها إلى اللهِ وكفَيها إلَى السماءِ بالدعاءِ عليه "اللهم لا تُمِتْهُ حتى يَرَى وُجوهَ المُومِسات"....
وهُنَّ البغايا اللاتِي تتكسَّبْنَ مِن فِعلِ الفاحشة.. وأُمُهُ تَعرِفُ مدى تقواه وكَراهتِه حتى لرؤيةِ أهلِ الفسق والفجور، فعلمَتْ أين مَوضِعُ الألَم..
للأسف غَلَبَتْ فطرةُ الثأرِ للنفسِ بداخلِها على فِطرة الأمومةِ فأرادتْ أن تُذِيقَهُ الألَمَ كما أذاقها إياه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
أما وَجَدتَّ يا جُرَيجَ وقتًا حتى بعد فراغك من عبادتك كي تذهَبَ لبلدِك، منذُ أولِ مرةٍ انصرفَتْ فيها أمُك مِن عِندِك لتُغِيثَها؟ ألستَ تأكلُ وتَشرَبُ وتنام؟ ألم تفكرُ في انكسارِ خاطرِها وحاجَتِها وافتقارِها إليكَ ثلاثةَ أيامٍ متوالِيات؟ بل كيف ارتحَلْتَ مِن بلدٍ فيها أمُكَ مِن الأصلِ تاركًا إياها ومُغَلِّباً عليها الخلوةَ بربِك؟ بل كيف استمَعْتَ دعاءَها عليكَ ثم لم ترتَعِدْ وتهرَعْ إلى قدمَيها تَطلُبُ الصفحَ قُربَةً لربِك؟ لعلك قلتَ لنفسِك: "كيفَ لعابِدٍ مِثلي مُنعَزِلٍ في صومعتِه أن يرَى المومسات!" فاطمأنَنْتَ؟..
لكن يا جُرَيج... إن ربَكَ المعبودَ على كلِ شيئٍ قدير..
---
في يومٍ... جاءتْ سيرةُ جُرَيجٍ بين فاسِقِين، وتكلمُوا كيفَ هِمَّتُهُ في العبادةِ وزُهدُه في الدنيا.. وكانت إحدَى بغايا بني إسرائيلَ تَستَمِعُ.. فتَحَدَّتْهُم أن تُراودَه عن نفسِهِ، وكانت شديدةَ الجَمال.. وبالفعلِ ذهبَت قُربَ صَومعتِه، وصارت تتعرَّضُ له لتفتِنَه، لكنه العابدُ الزاهدُ التقيُّ لا يُبالِي بها.. فلجأَتْ لحيلةٍ أخرى..
مَرَّ راعٍ واستظلَّ بالصومَعة، فراودَتْهُ عن نفسِهِ وأغوَتْهُ والعياذُ بالله، وحَمَلَتْ في بطنِها ولدًا مِنه.. ثم صارتْ تمشي في الناسِ قائلةً "ابنُ جُرَيجٍ في بَطني"!!
انتظرَ الناسُ حتى وَضَعَتْ، وذهبوا بالفؤوسِ إلى صومعةِ جُريجٍ يَبغُونَ شرًا بالفاسِقِ المنافقِ الكذابِ كما زعموا، وبدأُوا في تحطيمِها وهم يَسُبُّونَهُ وهو بداخلِها يُصَلِّي نافلتَه.. فخرج إليهم ليفهم..!
آلآن يا جُرَيجَ خرجْتَ! أوَتَستَطِيعُ الخُروجَ مِن الصومعةِ أثناءَ صلاتِكَ يا جُرَيج! أوَحِينَ شَعُرْتَ بالخطرِ على نفسِكَ خَرَجْتَ! وخَطَرُ انكسارِ قلبِ أمكِ بثلاثِ خيباتٍ متتالياتٍ مِنكَ، ألا قيمةَ له لديك....؟
لم يَكَدْ ينزلُ حتى أخذوه وأوثَقوه بالحبالِ وجرُّوه إلى ملكِ القريةِ ليُحاسبَه..
من الملكُ؟ أبو البَغِيِّ ذاتِها..!
كم مِن طوامٍّ لبني إسرائيل، فحدَّثْ ولا حَرَج.. وكيف أن الدَرسَ مُؤلِمٌ يا جُرَيج!
وتَزاحَمَ الناسُ على الرَّكبِ في الطريقِ..
ومن بين الحشودِ مَن؟..
المومساتُ...!
وحين رآهم، تذكرَ دعوةَ أمِه عليه..
كم كنتَ تحتاجُ لهذا الدرسِ المؤلمِ يا جُرَيج..
ولكنَّ اللهَ الرحيمَ لا يَذَرُ أولياءَه العابِدينَ المُتقِين، خاصةً بعدَ إدراكِهم أنهم كانوا خاطئين.. ابتلاه بدعوةِ أمِه لعقوقِه، ثم أنجاهُ وأظهرَ براءتَه، بكراماتِه لأوليائِه الصالحين، فأنطَقَ الرضيعَ بالحَقِّ..
وذُهِلَ القومُ وطفِقُوا يَعتذرون إليه ويَعِدُونَهُ ببناءِ صومعةٍ جديدةٍ مِن ذهب..
فأبى واكتفَى فقط بإعادتِهم إياها بالطِين..
الدرسُ لنا جميعًا لا جُريجَ وحدِه وأمِه..
لا تظنَّ أنكَ بصلاحِكَ، بَعيدٌ عن الابتلاءِ بدعوةِ أمِكَ إن عَقَقْتَها..
ولا تظنِّي أن دعوتَكِ على ولدِكِ عِندَ خَطَئِه، تَمُرُّ بسلام..
إلا أن يرحمَكما اللهُ..
وليسَتِ القصةَ الوحيدةَ..
فأُمٌ قالت لولدِها "قُصِمَ ظَهرُك".. فعادَ للبيتٍ مَحمُولًا في الجبائِر..
وأخرَى قالت لابنتِها "سَمَّمَ اللهُ بدنَكِ وأحرَقَ دَمَكِ".. كَبُرَتْ ومَرِضَتْ بالسُكَرِ والسَرَطانِ..
وثالثةٌ قالت لابنِها "يَنتَقِمُ اللهُ مِنكَ".. فخَرِبَ بيتُه وطَلَقَ زوجتَه وحُرِم العيش مع ابنتِه وتضاعفَتْ دُيونُه..
كلهن استعمَلن سلاحَ الدعاءِ في لحظاتٍ كان أبناؤُهم بالفعلِ أهلًا للدعاءِ عليهم بعقوقِهم... فاستجابَ ربُك، وما رَبُكَ بظلامٍ للعبيد..
فهل تُحِبين أن تنضمي لهؤلاء.....؟
إذًا...
من لازالَ لسانُها يَفلِتُ بالدعاءِ على أولادِها، فالحلُ -بعدَ الندمِ وكثرةِ الحوقلةِ وإخلاصِ القَصدِ للهِ والدعاءِ للنفسِ بالهُدَى والتُقَى والحِلمِ واللينِ مع الأولاد- هو استحضارُ وتفعيلُ سِتِ قواعِدَ، يُعِينُ بعضُها على بعض:
1-الأولى: "فاعتبِروا يا أُولِي الأبصَار"..
استحضارُ قصة جُرَيج وأمثالها كلَ مَرة.. وكأنَّ ولدُكِ ماثلٌ بجراحِ بَدَنِه وقَلبِه أمامَ الناسِ يقولُ "أصابَتْني دعوةُ أُمّي"..
تُطِيقين...؟
2-الثانية: "إنَّما فاطمةُ بِضعةٌ مِني، يُؤذِينِي ما آذاها.. ويُنْصِبُنِي ما أنْصَبَها -أي يُتعِبُنِي ما أتعَبَها"..
فلا تؤذِي عاقِلةٌ نفسَها، بل تُرَمِّمُها بالدعاء..
فالحلُ هنا: الاعتقادً الجازمُ كلَ مرةٍ أنكِ تَدعِينَ على عُضوٍ من جوارِحِكِ، قِطعَةٌ من نفسِكِ.. أتقولين "اللهم اكسِر لِي ذراعي المُتَوَرّمَ؟"/ أو "أعمِ لي عَينِي المُلتَهِبَةَ؟"/ أو "خُذْ اصبَعِي المُؤلِمَ؟"...
تستطيعين الدعاءَ على قِطعةٍ مِنكِ بالذُلِ والحَرقِ والكَسرِ....؟
كذلك أولادُكِ..
اجتهدِي كلما استبدَّ بِكِ الغضبُ وتطايرَتْ أمامَ عينِكِ الجُمَلِ الانتقامِيةِ، أن تستبدلي صياغتَها بدعواتٍ لهم أو لنفسِكِ، حتى وإن لَفَظتِها بَغَضبٍ وغَيظٍ وصِياحٍ مُستَطِير، فلا شكَ أهونُ مِن سهامِ دعائِكِ عليهم...
حتى تَملِكي زِمامَ نفسِكِ رُويْدًا بحولِ الله..
فاستَبدِلِي "هَدَّكَ اللهُ!".. بـ"هداكَ اللهُ"...
و"اللهم العَنْهُ" بـ"اللهم صَبِّرنِي"..
قولي اللهم اهدِ قلبي الذي يُشقِينِي، واشفِ عينِي التي تُلهِبُني، واجبُر ذراعي الذي يؤلمني.. واهدِ ولدي الذي يُتعِبني... كلُهم بِضعَةٌ مِني...
قولي أسألُ اللهَ يا بُنَيَّ يا سببَ وَجِعِ قلبِي وانكسارِ نفسِي وسيلانِ عَينِي، ألَّا يُذِيقَكَ ذلكَ مع أبنائِك، ويَجبُرَني بهدايتِك.. فكلُ أمَلي أن يَنصَلِحَ حالُ الأمةِ بكَ وبذريتكَ وأن يأجرَنِي ربي على الصبرِ الجميل..
فأصلحي اعوِجاجَ وَلدَكِ، بالدعاءِ لَه لا عَليه..
3-الثالثة: "أمسِكْ عليكَ لسانَك.."
فإن لم تتمكنِي مِن تبديلِ الدعاء عليه بدعاءٍ له، فألجِمِي لسانَكِ بالصمتِ أو الذِكْر.. خاصةً الاستعاذةُ، فإنها تُعِينُكِ على الاثنتَينِ فتكونين من المُتقين: {إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ.}كذ لكَ لأجلِ تقديمِ قدوةٍ عمليةٍ له في تلكَ القاعدةِ النبويةِ في كافَّةِ الحياةِ، وليسَ فقط كلامًا نظريًا ولدُكِ يراكِ بنفسِهِ أعجَزَ الناسِ عن تَطبيقِه...
فجاهدي ولا تقولي لا أستطيع..
لماذا تستطيعين إمساكَ لسانكِ عن أمكِ وزوجِكِ ومديريكِ في العملِ؟
لأنكِ روضتِ نفسَكِ بقناعاتٍ ودوافعَ مُعَيَّنَةٍ مَنَعَتْكِ من التجاوزِ معَهم..
وأرجو ألَّا يكونَ المانعَ عنهم فقط هو استِسهالُكِ لقَهرِ الضعيفِ واستثقالُكِ لمجابهةِ القَوِيّ، فإن رَسولَكّ قد حَرَّجَ علينا حقَّ الضعفاءِ... فراجعي قلبك..
4-الرابعة: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ يُنتَفَعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له"
-أتدعينَ بالخرابِ علَى الياسَمِينَةِ التي تَسقِينِها وتُنَمِّينَها لتَنشُرَ شَذَى أعمالِكِ الصالحةِ والدعاءِ لكِ في السماءِ والأرضِ، بعدَ انقطاعِ شذاكِ من الدنيا؟
-أتطلبين الهلاكَ لمشروعِكِ الذِي أفنيتِ عليه صحتكِ وشبابِكِ وكل ما تملكين وادَّخَرتِه ليومٍ عَصيب،
(( {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} ))؟
----
5-الخامسة: { {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} }..
أي: ليسَ لكَ من أمرِ النَّاسِ شيءٌ، فأمْرُهم إلى اللهِ وَحْدَه يَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويُعذِّبُ مَن يَشاءُ.. نزلت حين كان النبيُ ﷺ يدعو على مُشركين بالاسم، في قنوتِه بالفَجر..
فعلمَ ﷺ أنَّ اللهَ قدْ يَهْدي هؤلاءِ للإسْلامِ، وهو ما حدَثَ فعلا وأسْلَموا..
فلا نيأسْ من هِدايةِ أحَد... بالذات، مَن لازالوا يَتَعَلمونَ الحياة..
6-السادسة: الوقايةُ النبويةُ= "أنِّي اشترطْتُ على ربِّي..."
والتي فصَّلناها سابقًا..
فاشترِطِي على ربِكِ مِثلَه ﷺ،
أن يجعلَ أيَّ دعوةٍ يَفلِتُ بها لسانُكِ على أبنائِكِ، زَكاةً لهم وقُربَةً عِندَ ربهم...
بشرط:
تكون فلتاتُكِ نادرةً -كفلتاتِهِ ﷺ- مع مُجاهدتِكِ لنفسِكِ فيها..
فتلك الهدية تُرجَى ثَمَرَتُها لمن تَصُونُ لسانّها ولكنْ لازالتْ تَزِلُّ في مُقاومةِ الفَلتات، وليستْ لمن تُصِرُّ على الدعاءِ على أبنائِها وتتهاوَنُ، دونَ محاولاتٍ للتوبةِ والمراجعةِ..
----
وبعدما أنهينا الممنوعَ الثانِي ومتعلقاتِه، يأتي الممنوعُ الثالثُ: "أبدًا ما شَتَمتُكَ"..
في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات: (1) {واحذَرْهُم أن يَفتِنُوكَ}..
الابتزازُ التَربَوِيُّ وعِلاجُه مِنَ القرآن
أسماء محمد لبيب
أولُ المَمنُوعاتِ العَشْر معنا كان:
((أبدًا ما عَصَيتُ اللهَ لأرضِيَك..))
وقد قلنا في مقالةِ القواعِدِ الثامِنةِ بعنوانِ [[قوانينُ الأسرةِ]]، أن مرجعتَينا
عندَ اتِخاذِ القرارتِ الأُسَريةِ والتَربَوِيةِ، هو حُكمُ الله..
ومَعلومٌ أن الأهواءَ لن تترُكَ المُسلِمَ في سلامٍ مع قوانينِ ربِهِ دونَ مُنازَعَةٍ خارجيةٍ وداخليةٍ، وإلباسٍ للحقٍ بالهوَى، ومُمارسَةٍ للحِيَلِ النفسيةِ لتزيينِ الهوَى على أنهُ مُرادُ اللهِ، وتَسوِيغٍ الرضوخِ والاستسلام..
فربما قاوَمَتِ الأمُ في البدايةِ لغَلَبَةِ خَيرِ نفسِها على شَرِها، لكن فِتنَةُ الأولادِ شديدةٌ، فما يلبث أن تَجِدَ الأمُ نفسَها وقد رَضَخَتْ وخَضَعَت لمُرادِ أبنائِها في النهايةِ بسيفِ الإلحاحِ.... وكما في المَثَلِ الشَعبِي: "الزَن على الودان أمَرّ مِن السِحر"..!
واليومَ نُعطِيكِ كبسولةَ رُقْيَةٍ تُبطِلُ هذا السحرَ بعونِ الله، وتعينُكِ على الصمودِ أمامَه حين يَهجِم على قلبِكِ الذِي يقتاتُ على فَرحَةِ عُيونِ أبنائِكِ ومَحبَتِهم إياكِ..
فإياكِ أن تَسْتَسْلِمِي لابتِزَازِهِمْ وتُخَالِفِي ربَكِ لتَكسِبِي وُدَّهُمْ وتُبْهِجِي قَلوبَهُم..
فلَنْ يَنفَعَكِ يَومَ القِيامَةِ منهم إلَّا طاعَتُك للهِ فيهم { {لن تنفعَكُم أرحامُكم ولا أولادُكم.. يومَ القِيامةِ يَفصِلُ بينَكم} }.. " «وَكُلُّكُمْ رَاعٍ.. وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ.» ."
{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ} ...
يقولُ ابنُ القَيِّم..:
((والصبيُّ وإن لَم يَكن مُكلَّفًا، فوليُّه مُكلَّفٌ.. لا يَحِلُ له تَمكينُه من المُحَرَّمِ؛ فإنه يَعتادُه، ويَعْسُرُ فِطامُهُ عَنهُ))..
وقال الغزالِيُّ: ((الصَّبِيُّ أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهِرُ جوهرةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورة، وهو قابِلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كل ما يُمالُ به إليه، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ =نَشَأَ عليه، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرِةِ أبواه وكُلُ مُعَلِمٍ لَهُ ومُؤَدِّبٍ،// وإن عُوِّدَ الشَرَّ وأُهمِلَ إهمالَ البهائِمِ =شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه))
انتهى كلامُهما..
و"الصبيُ" تُطلَقُ على المَولودِ في المَهدِ وحتى يَبلُغَ الحُلُمَ..
واقرأوا إن شِتئم:{كيف نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهدِ ((صَبِيًّا))..}..
ويُؤَيِّدُ كلامَهما قِصَصٌ من السُّنةِ...
أشهَرُها: لَومُ النبيِ ﷺ على الحَسَنِ والحُسينِ في عُمُرِ سَبعِ سنواتٍ الأكلَ مِن تَمرِ الصدقةِ، وإخراجُه ﷺ للتمْرةِ من فَمِ أحدِهِما مباشَرة،ً والنَظَرُ إلى الآخَرِ نظرَةً لَومٍ ونَهيٍ في مَرةٍ أُخرَى حتى ألقاها الصغيرُ من فَمِه، مع تلقينِهما في كلِ مَرَّةٍ السبَبَ وراءَ ذلكَ وحُرمَتَه..
===فإن تَحَجَّجَ أبناؤكِ لفعلِ المُنكراتِ بِكونِهم صغار، فقُصِّي عليهم تلك القَصَصَ.. وأخبريهم أنهم لو اعتادوا على ذلكَ سيكبُرُ معهم إلى سِنِ التكليفِ وحينَها سيُحاسَبُون، ومَن شَبَّ على شيئٍ شابَ عليهِ ومَن عاشَ على شيئ ماتَ عليه، فلابُدَّ من التَعَوُّدِ منذُ الصِغَر..
===فإن هَدَّدوكِ، بفِعلِ المُنكَراتِ سِرًا وتَركِ الواجباتِ بَعيدًا عن رَقابتِكِ، وقالوا "إن لم نحصُلْ على كذا أو نشاهِدْ كذا أمامَكِ يا أمي فسنفعلُها مِن ورائِكِ في السِر"،
ويُلِحُّونَ عَليكِ مِرارًا وتَخشَينَ أنْ يُنَفَذوا تهديدَهم..
فيا طيبة:
هَوِّنِي على نَفسِكِ، فاللهُ أرحمُ بِكِ مِن هذا.. فليس عليكِ من حِسابِهِم مِن شيءٍ إن حَدَثَ ذلكَ وفَعَلُوهُ خارجَ رَقَابَتِكِ ومسؤُولِيتِكِ ورُغم توجيهاتِك: { {ما عليكَ مِن حِسابِهم مِن شيءٍ وما مِن حِسابِكَ عليهِم مِن شَيئ} }..{ {كلُ امرِءٍ بِما كِسَبَ رَهِينٌ} }..
وليكُن حِوارُكِ معَهم حينَها كالتالٍي وبِكل ثباتٍ وثِقَةٍ بالله قولي:
-أنتم هكذا لاتهددونِي أنا بل تهددون أنفسَكُم، فرِفقًا بأنفسكم يا أولاد..
-فحين يقول لي أحدُكُم "ألقينِي في النارِ بدلًا مِن القَفْزِ فيها بنَفسِي مِن ورائِكِ سرًا"، فَمن يُهَدِد؟!.. { {إِن يُهلِكُونَ إلا أنفسَهم وما يَشعُرُون} }..!
-أنا لن أُسألَ عن عدمِ هَيمنتِي على سلوكِكم في السرِ فذاكَ بيدِ الرقيبِ الشهيدِ وحدَه: { {وما أرسلناك عليهم حفيظا} }..
-فلا ذنب عليّ لو فَعلتُم الخطأَ سِرًا بذريعةِ مَنعِي إياهُ عَنكُم علنًا: { {أنْ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وأنْ لَيسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى} }..
-فالأمرُ يَصُبُّ مباشرةً في صحيفةِ المخطيء عمومًا لا صحيفتِي، طالما لم أُفَرِّطْ في واجبي: {ومَن يَكسِبْ إثمًا فإنما يَكسِبُهُ على نفسِه}..
-والواجبُ الذي سأُسأَلُ عنهُ هو التسهيلاتُ التي قدمتُها لكم لفِعلِ المُنكَراتِ وتركِ الواجِبات، وعدمُ مَنعِي إياكُم مع استطاعتِي: { {إلا تفعلُوهُ تَكُنْ فِتنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ} }
-فاللهُ يختبرُ طاعتِنا لهُ في ما وَهبَنا: { {إنا مُرسِلُو الناقَةِ فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر} }..
-ومِن ذلكَ أزواجُنا وأولادُنا..: {إنما أموالُكُم وأولادُكم فِتنَة}..
-ومن يَفتِنَّا منهُم عَن مُرادِ اللهِ يكونُ عدوًا لنا تَجِبُ مُقاوَمَتُه: { {إن مِن أزواجِكم وأولادِكم عدوًا لكم فاحذَرُوهُم} }..
-وبقدر تفريطِي فقط في أمانةِ تربيتِكم، بقَدرِ ما سأحمِلُ في صحيفَتِي { {وَلَيَحْملن أثقالَهم وأثقالًا مَعَ أثقالِهِم} }، { {وَمَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرةٍ شَرًا يَرَه} }..
-بالتالِي، مَعِي كاملُ الحَقِ أن أصونَ صحِيفَتِي عن كلِ ذلك، فلا أحدَ يستحقُ أن أُهدِيَهُ ذرةً من حسناتي أو أحمِلَ عنهُ ذرةً مِن سيئاتِهِ، لأنَ الجَميعَ -حتى الوالدانِ الكريمانِ أحنُّ البَشَرِ علينا- سيهرُبون مِنا يَومَ القيامَةِ :{يومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أخيهِ وأمِهِ وأبيهِ وصاحبَتِهِ وبَنِيه}..
-ولن يضمنَ بقاءَنا أحِبةً يومُها إلا "تقواناَ" في الدنيا: {الأخِلاءُ يَومَئِذٍ بعضُهم لبَعضٍ عدوٌ إلا المتقين}..
هذا بالنسبةِ لي.
==والواجِبُ عليكم أنتم الذِي ستُسأَلون عنه حِينَ تَبلُغُونَ الحُلُمَ وتحتاجُون التَعودَ عليهِ مِنذ الصغر هو:
-عدمُ ارتكابُكم لأيِّ مَعلُومٍ بالضرورةِ شَرعًا أنه مُنكَرٌ لا يُرضِي الله/ أو تفريطُكم في واجبٍ شَرعِيٍّ أو أخلاقِي/ بالذاتِ سِرًا: {يستَخْفُونَ مِنَ الناسِ ولا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وهُو مَعَهُم}.. {أَتَخْشَونَهُم. . فَالله أحق أن تّخشَوهُ إن كنتم مؤمنين}..
-فالله يختبِرُنا بالخَلَواتِ لأنها مَعقِدُ الإيمانِ برقابةِ اللهِ حَقًا: {لَيَبلُوَنكم اللهُ بشيئٍ مِنَ الصيدِ تَنالُهُ أيديكُم ورماحُكم لِيَعلَمَ اللهُ مَن يَخافُهُ بالغَيب}..
-وَبِقَدرِ تفريطِ المرءِ في حُرُمات اللهِ سِرًا، بقَدرِ تفريطِه في حسناتِه يوم القيامة، بمجيئه يومَئذٍ ضمنَ أصحابِ الصالِحاتِ الضخمة كالجبالِ، والتي يجعلُها اللهُ هباءً منثورًا.. مَن هُم أولئِكَ يا رسولَ الله؟ =" «أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» "..
-وما دُمتُم في مسؤوليَّتِي ورعايتِي وقِوامَتِي الماليةِ والتربويةِ وغيرِها، فهذا هو القانونُ والنظامُ المُتَبَعُ لأجل نجاتِنا جميعًا من سُوءِ العواقِبِ.. {فأعِينونِي بقُوةٍ أجعَلْ بينكم وبينهم رّدمًا}..
-ثم حينَ يَرزُقُكم اللهُ بأموالِكُم الخاصةِ بعيدًا عن وِصايَتِي وتُصبِحونَ مسؤولينَ فيها عَنِ السؤال المُنتظَرِ لِكلِ عَبدٍ: "عن مالِهِ: مِن أين اكتسبَهُ وفِيمَ أنفقَه"،/ وعن أفعالِكُم كامِلَةً =فافعلوا حينَها ما شِئتُم واستطعتُم حَملَهُ في صحيفتِكم: { {فَمن أبصَرَ فلنفسِهِ.. ومَن عَمِيَ فعلَيها.. وما أنا عليكم بحفيظ} }..
{فليَحذَرِ الذِين يُخالِفُونَ عن أمرِه أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يصيبَهم عذابٌ أليم}
{وبَشِّرِ المُخبِتِين}...
انتهَى نموذجُ الحوارِ والذِي -(في تلك الفترةِ وإلَى أن تَختَفِيَ تلكَ الظاهرَةُ مِن بيتِكُم بحولِ اللهِ وقوتِهِ)- ستحتاجينَ مَعه:
1-الاستعانةَ باللهِ على الصبرِ على جِدالهِم بالتِي هي أحسن، وعلى الثباتِ أمامَ إلحاحِهم وما يُسَبِبُهُ من إنهاكٍ نَفسِيٍّ، فأكثِرِي من الحوقَلَةِ والصلاةِ على النبيِّ ﷺ والاستغفار..
2-الاجتهادَ مُجَددًا في تقويةِ صِلَتِهم باللهِ على أساسٍ مَتينٍ مِنَ العَقِيدَةِ الصحيحةِ وأركانِ الإيمانِ السِتة، لأنهم مَفاتيحُ تأسيسِ التَقوَى ومُراقَبَةِ اللهِ ومعرفةِ قَدرِه وقَدْرِ الآخِرَةِ وحقيقةِ الدنيا والعُبودِيةِ و ما إلى ذلك..
3-صلةً قويةً بابنكِ أركانُها الحُبُ والثِقَةُ والاحترامُ والتقديرُ والتفاهمُ والصدقُ والعُدل.
4-قدرًا كافيًا لديكِ مِن الإصرارِ والصلابَةِ في الحَق، مُقابِلًا لقوتِهم في الإلحاحِ والعِناد، فلا َيِفلّ الحديدَ إلا الحديدُ، وصاحَبُ الحقِ أقوَى، فاثبُتِي..
5-الإلمامَ بالدليلِ الصحيحِ -شرعًا وعَقلًا وحِسًا- على نكارَةِ هذا الفِعلِ مِنهم، حتى يَتَيقنوا أنكِ لا تتكلمينَ بهوًى كما بينَّا في القواعِدِ السابقةِ، فمن أهمِ العقائدِ التي ينبغِي أن تكونَ تأسسَت فيهم: أن مَصادِرَ أفعالِنا وقناعاتِنا نأخُذُها مِن القرآنِ والسُنة.
6-الاجتهادَ في التعامُلِ مع هذا الأمرِ أحيانًا بشيءٍ من رُوحِ الدُعابة، وفي ذاتِ الوقتِ بحزمٍ وثَباتٍ على المبدأ، فاللينُ والرفقُ والمُمازَحَةُ واللطفُ مِن أعظمِ طُرُقِ التأثيرِ في النفوس.. { {ولو كنتَ فَظًا غليظَ القلبِ لانفضُّوا مِن حولِكَ} }..
7-مع مشاركتِهم تدبرِ أحوالِ وعواقبِ أهلِ التفريطِ، اتعاظًا بهم: {قل سيروا في الأرضِ فانظروا كيف كان عاقبةُ المُجرمين}..
8-والتذكيرِ دومًا عند وجودِ بوادرَ رَغبَةٍ في التفَلُّتِ مِن أحكامِ الله، بالآيتين الكريمتين: {فلعلَّكَ تارِكٌ بَعضَ مَا يُوحَى إليْكَ وَضائِقٌ بهِ صَدرُكَ}؟... { {كِتابٌ أُنزِلَ إلَيكَ فلا يَكُنْ فِي صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ} }..
9-وتذكيرِهم بقولِ إسماعيلَ لأبيهِ إبراهيم {يا أبتِ افعَلْ مَا تُؤمَرُ ستَجِدُنِي إن شاءَ اللهُ مِنَ (((الصابِرِين)))}، فطاعتُهُم في الأصل للهِ وليست للوالدين.. فليكونوا من الصابرين عليها كإسماعِيل..
10-وأولًا وآخِرًا.. كوني القدوةُ فيما تأمرينَهم بِه: {كَبُرَ مَقتًا عندَ اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون}
وكما بدأنا بابنِ القيمِ نَختِمُ بِه..
قال: "مِن رحمةِ الأبِ بولدِه أن يُكرِهَهُ علي التأدُّبِ بالعلمِ والعَمل.. فإن أهملَ ولدَهُ كان لقِلةِ رحمتِه بِه -وإن ظنَّ أنه يرحمُه و يُرَفِّهُهُ ويُرِيحُه!.. فهذهِ رحمةٌ مقرونةٌ بجهلٍ".. انتهى كلامه..
فاصبري وصابري ورابِطي، وأبشِرُكِ عن تجربة:
سيلينون بين يديكِ بإذن اللهِ ولو بعدَ حِينٍ {فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهۡتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ}
فإن كان قَلقُكِ مِن تَعَلُّقِهم أكثرَ بالأمورِ الممنوعةِ بحُجةِ أن الممنوعَ مَرغوبٌ؟ أو مِن كونهم لازالوا يرتكبونَ الخطأَ بحِجةِ عدمِ وجودِ سيئاتَ لهم بعد؟
فالجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذن الله.
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات 1 (تابع): {فأكلا مِنها}.. والمَمنوعُ مَرغُوبٌ..!
أسماء محمد لبيب
بَعدَ مَقالَتنا السابقةِ تتساءلُ بعضُ الأمهاتِ: أليسَ الممنوعُ مرغوبًا؟ ألن يضاعِفَ المَنعُ مِن رَغبَةِ أبنائِي في الشَيئِ الممنوع؟
وربما يجعلُ ذلكَ السؤالَ منطقيًا ومُعتَبَرًا، سؤالٌ آخرُ مشابهُ لَه، ألا وهو: ألم تكُن الجَنةُ كلُها حلالًا هنيئًا لآدمَ وزوجِه، بخاصَّةٍ الأطعمةُ مِن كل مَا لذَّ وطاب، ورغم ذلك مالَتْ نفسُهما للشجَرةِ المَمنُوعَةِ عنهما التي نهاهُما ربهما عن الاقتراب منها.... فأكَلَا مِنها؟
وهذا المنطقُ بالفعل هو الذي يَجعلُ بعضَ الأمهاتِ يَقُلنَ أنهُ لَيسَ صوابًا مَنعُ الاختلاطِ عن أبنائنا مُبَكّرًا بين البنينَ والبناتِ منهم، ولا تقييدُ حريتِهم عن صحبةِ من يحبون أو مطالعة ما شاؤوا من المرئياتِ والمُدخَلاتِ المتنوعة، مِن انترنتْ وتلفازٍ وأماكنَ ترفيهٍ وفنونٍ شتَّى وثقافاتٍ مختلفٌ ألوانُها، بحُجَّةِ أن هناك قاعدةً معروفةً ولابدَ مِن وضعِها في الاعتبارِ، ألا وهي أن الممنوعَ مَرغوبٌ.. فبدلًا من مَنعِ ابنهِنَّ مِن فِعلِ الشيئِ الممنوعِ أو الاقترابِ مِنهُ، يَسمَحنَ لَهُ بهِ أمامَهُن وتحتَ رَقابتِهِن كيلا يحصلَ عليه من ورائهن، لأننا شِئنا أم أبَينا هو لن يتركَه إن منعناه! -حَسْبَ كلامِهِنَّ!
ونقولُ لهذه الطيبة.. الممنوعُ مَرغُوبٌ قاعِدةٌ أَجَل... وبالفعلِ تزدادُ الرغبةُ والافتقادُ للشيءِ حينَ نُحرَمُ مِنهُ، لكِنها -كقاعدةٍ- مَوجودةٌ كَي تدفعَنا لمقاومةِ ذلكَ "المَمنوعِ المرغوب"، وعدمِ الحصولِ عليهِ إلا وهُوَ "غيرُ مَمنوعٍ"... أي: في حلالِ الله ووُفقَ حُدودِه، بل عدمُ الاقترابِ منهُ أصلًا لأنه مَن حامَ حولَ الحِمَى يوشِكُ أن يقَعَ فيه، وقد قالَ اللهُ لآدمَ وحواء: {لا تَقْرَبَا}، فلما اقتربا أكلا. تمامًا كما لو أن القاعدةَ بها جُملةٌ محذوفةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بها تقدِيرُها: الممنوعُ مَرغوبٌ فانتبِه ولا تنساقْ وراءَ رغبتِكَ فِيهِ، أيْ: لا تَقرَبا فتأكُلا...!
بينما ليست تلكَ القاعدةُ -قاعدةُ "الممنوعُ مَرغوبٌ"- موجودةً لكي تقنعَنا بـممارسةِ أبنائنا لهذا المَمنوعِ في العَلَن تَجَنُّبًا لممارستِه في السرِ بسببِ حَظرِه!، فنجعلُ أولادنا يباشرون "الممنوعَ" ويعتادونَ عليه تحتَ إشرافِنا، بذريعةِ عدمِ إلجائِهِم لفِعلِهِ في الخفاءِ خلفَ ظهُورِنا! حين يحدثُ هذا، فأي فَرقٍ سيكونُ في تعريفِ الفعلِ المَمنوعِ في الحالتينِ، سوى أنَّ هذا فُعِلَ سِرًا وبدونِ إشرافِنا، وهذا فُعِلَ عَلَنًا وتحتَ إشرافِنا؟؟! هل ينفي هذا عنهُ أنه لازالَ مَمنُوعًا ولا يُرضِي الله؟ هل يَعفي هذا مِن الخطأِ مَن أتاحَ ذلكَ المَمنوع؟ هل ذلك يَمنَعُ الضَرَرَ المُترتِبَ على الاقترابِ مِنه؟
إطلاقا....
الممنوعُ يَظلُ خَطأً، سواءٌ كان سِرًا أم علانيةً، وتظلُ لهُ عَواقِبُهُ الضارةُ على حياةِ الإنسانِ في الدنيا والآخِرة، سواءٌ ارتُكِبَ أمامَ الأهلِ أم مِنْ خَلفِهِم... بل إن ارتكابَهِ بمباركة الأهلِ أولياءِ أمورِ الأبناءِ وتحتَ سمعِهم وبصَرِهِم، بأريحيةٍ دونَ أي غضاضة يجعله أشدَّ ضررًا، لأن ذلك يُمِيتُ الإحساسَ داخل الابنِ بكونِهِ خَطئًا، فيَجعَلُ احتماليةَ إفاقةِ الأبناءِ مِنهُ يومًا ما وتصحيحِ المسار: شِبهَ مُستَحِيلَةٍ... بعكسِ الاضطرارِ لمباشرةِ الممنوعاتِ في السرِ بسببِ نَهيِ الأهلِ عنها....
قَطعًا...!
فكما قلنا فيالتربية?__ref=searc h"> الصوباتِ التربويةِ وفي المقالةِ السابقة:
أبعدِي ولدَكِ عن الفِتَنِ بشكلٍ عامٍ ما استطعتِ إلى ذلكَ سبيلًا، وعنِ الصحبَةِ السيئةِ بشكلٍ خاصٍّ -سواءٌ أشخاصٌ أو مرئياتٌ أو كتبٌ أو أماكنُ أو كلُ ما ينطبِقُ عليهِ وصفُ المُصاحَبَةِ لأولادِك- لأن الجليسَ الصالحَ كحامِلِ المِسكِ، وجليسُ السوءِ كنافِخِ الكِيرِ.. ودينُنا أمَرَنا أن نَختارَالجليسَ الصالِح، وحذَّرَنا مِن مُصاحَبةِ جليسِ السوء، مِن بابِ الوِقايةِ والحِفظِ لدينِنا وعاقِبَتِنا..
وبالتأكيد أولادنا أولى بذلك..
أي نعم لن نَضَعَ أبناءَنا في بيئةٍ مُعَقَّمةٍ ومدينةٍ فاضلةٍ مائةٌ بالمائة! -لأن البيئةَ مهما فَعلْنا مَليئةٌ بالمُدخَلاتِ المُنكَرةِ والفِتنِ على أشكالِها ظاهرةً وباطنة ونُرَبِّي أبناءَنا دومًا على التشمِيرِ والتَرَبُصِ لها والحَذرِ مِنها لتلافِيها، وعلى التوبةِ إذا وقَعوا في أيٍّ مِنها، وعلى التقوَى في السرِ والعلنِ للوقايةِ مِنها، فحِواراتُ الفِتَنِ إذًا ليسَت بعيدةً عن مسارِهم الحياتِيِّ فلسنا فِي بروجٍ مُشَيِّدَة.. لكن أن أضعَ وَلدِي بنفسِي في بيئةِ فِتنٍ، وأقولُ له "قاوِم"! "امتَنِع"..! "إياكَ أن تقترِب"!، وكل هذا وهو أصلًا لازالَ في طَورِ النموِ الانفعاليِّ والنفسِيِّ والإيمانِيِّ فلَم يَنضِجْ بعدُ ويَبلُغْ أشدَّهُ ورُشدَهُ وامتلاكَهُ لزِمامِ نفسِه...؟!
النبي ﷺ أمرنا أصلا ألا نتمنى لقاءَ العدوِ، قال: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ..وَاِ سْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةِ»
(رواه مسلم)
قال المناوِيُّ في شَرحِ الحديثِ: "لا نَتَمَنَّى لقاءَ العَدُوِ، لِما في ذلكَ مِن صورةِ الوُثوقِ بالقُوةِ، وقِلةِ الاكتراثِ به، وهذا مُخالِفٌ للاحتياطِ" –بتصرف
وليس ذلك إلا لأن الثباتَ أمامَ الفِتَنِ شديدٌ حتى على أقوى الأقوياءِ إيمانًا وبُنيانًا، فكيفَ لعاقلٍ أن يطلُبَ الفتنةَ بنفسِهِ ويسعَى لها سَعيَها أو مجرد حتى يفتحَ لها البابَ استسلامًا لها وينتظرُ قدومَها على أبنائِه، بزَعمِ أن منَعَها يَجعَلُ نفوسَ أبنائِه تَتُوقُ وتميلُ لها أكثر!؟
إن هذا أشبهُ بِمَن يقولُ: "سأعطي ابني بَعضًا مِن المُخَدِّراتِ حتى لا يَضطَرَّ للتَخَفِّي بتَجَرُّعِها سِرًا دُونَ إشرافِي"!..
صَدَمَكُم المِثالُ....؟!
وهل فَتْحُ بابِ المُدخَلاتِ على مِصراعَيهِ أمامَ حواسِّ أبنائِنا وقلوبهم، أقَلُ فَتكًا بالعَقلِ والفِطرَة والقِيَمِ، من المُخَدِرات....؟!
ألم نَعلَم تحذيرَ النبي صلى الله عليه وسلم مِن مُجَرَّدِ مُوارَبَةِ البابِ بإرادتِنا الحُرةِ ولو شِبرًا حتى، قال: «ويْلَكَ ! لا تفتحْه، فإنَّك إنْ تَفْتَحْه تَلِجْهُ»(جامع الترمذي) فكيفَ بمناعةِ مَن هُم أضعفُ وأصغرُ وأقلُ رُشدًا ومقاومةً مِنا أمامَ الفِتَنِ والشهواتِ: فلذاتُ أكبادِنا؟
ثم إنه ﷺ أمَرَ الرجالَ بسَترِ العوَراتِ وغضِ البَصَرِ، وأمرَ النساءَ بالحجابِ وسَترِ زينتِهِم وغَضِ البَصَر، كلُ ذلكَ من بابِ الوقايةِ والاحتياطِ مِن فِتنةِ "المَمنوعِ"، لأن الوقايةَ مِنَ المَمنوعِ خَيرٌ من علاجِ آثارِ الوقوعِ فيه..... بلا شك..!
ويأتي سؤالٌ: هل بتلكَ التنبيهاتِ النبويةِ قد عَقَّمَ النبيُ ﷺ المُجتَمَعَ مثلًا؟
إطلاقًا..
إنما هي مجردُ إجراءاتٍ وِقائيةٍ لن تمنعَ الفِتَنَ تمامًا، لكنها تُقَلِّلُ مِن شِدَتِها وعدَدِها وانتشارِها بلا شك وهذا هو مَعنَى الوِقاية من المشكلة.. مع تأكيدِه ﷺ دائمًا على الثباتِ والمقاومةِ ومُجاهَدَةِ النفس عند الفِتَنِ، فكما في بقيةِ حديثِ لقاءِ العَدُوِّ «فإذا لقِيتُموهُ فاثبُتُوا» وهذا هو معنى العلاجُ إذا وَقَعَتِ المشكلة...
خِتامًا...
لا أضعُ ابنِي في بيئةِ فِتَنٍ وأقولُ: فرصةٌ كي يتعلمَ ويُصبِحَ مِن ذَوِي الخِبرَةِ وراجِعي مقالةَ الصوباتِ التربويةِ في القواعد،
لكن أُعَلِمُه كيف يُقاوِمُ إذا دَفَعَتْهُ أقدارُ اللهِ للتواجُدِ في بيئةِ الفِتَن.. ولا يستويان قطعا...حتى إذا اشتدَّ عُودُه وَوُضِعَ في بيئةِ الفتنِ بقدَرِ اللهِ وطبيعةِ الحياةِ لا بإرادَتِي أنا: يكون قادرًا على المقاومةِ والاستمساكِ بالصلاح بحول اللهِ وقوتِه.. وواجب عليَّ قطعا ما استَطَعْتُ، انتِشاُلُهُ مِن أيِّ بيئةِ فِتنٍ يَقَعُ فيها..
يتبقى سؤال: ماذا لو قال لي ولدي "لازلتُ صغيرًا يا أمي وليس لي سيئاتُ بعدُ!" فيرتكب الخطأ بتلك الحجة..
فماذا أفعلُ....؟ والجواب في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات1 (تابع): لازلتُ صغيرًا وليس لي سيئاتُ بعدُ
أسماء محمد لبيب
مَاذَا أَفعَلُ لَو قالَ لي ولدي: "لازلتُ صغيرًا أُمي! وليسَ لِي سيئاتُ بَعدُ!" ويَرتَكِبُ الخطأَ بتلكَ الحُجة..؟ أنا أهددُه بمثلِ ذلكَ ليَرتَدِع.. فأقولُ: "لو كذَبتَ ستدخلُ النارَ فِي الآخرة.. أو إن لم تسمعْ كلامي فاللهُ سيعاقِبُك ويَغضَبُ عليكَ في الدنيا.. أو اللهُ لا يحبُكَ لأنكَ فعلتَ كذا..".. ابنتي تضرب إخوتَها وتأخُذُ أغراضَهم مُطمَئِنَّةً أن اللهَ يحبُها مهما أخطأَتْ ولن يحاسِبَها لأنها طفلة.. كيف أجعلُهم يَتَوقفون عن الخطأِ إن لم يكنْ ثَمةَ تَرهيبٌ هكذا بالعقابِ الإلَهيِّ لهم بَعد؟
والجوابُ: لا يجوزُ حبيبتي أن نُخبِرَ الأطفالَ دون التكليفِ، أيًّا مِن ذلكَ إن أخطأوا..
أولًا: لأن هذا كذِبٌ صَرِيحٌ، إذ أن اللهَ قد رفعَ عنهم القلمَ بالفعلِ قبلَ البلوغِ، فلا حسابَ ولا نارَ ولا مؤاخّذّةَ لِمَن هم لازلُوا في طَورِ النُمُو العَقلِيِّ والنفسِيِّ والمَعرِفيِّ.. ليس هناك سِوى حسناتُ أعمالِهم فقط تُكتَبُ لهم مِن ربٍ شكورٍ رحيم، تشجيعًا لهم..
ثانيًا: لأن كلامَكِ هذا يَغرِسُ في قلوبِهم الرقيقةِ شُعُورًا سَلبيًا تجاه الرحمن، في مرحلةٍ نحنُ فيها أحوَجُ ما نكونُ لغَرسِ مَحَبةِ اللهِ لهم، ومحبتِهم إياهُ بالمُقابِلِ مَحبةً تَرسُخُ لآخِرِ العُمُر.. وحتى لو كان ابنُكِ بالغَ الحُلُمِ، فلا يجوزُ كذلك إخبارُه بتلكَ الجُمَلِ، لأن هذا يُعتَبَرُ تأليًا على اللهِ، أي: افتراضُ إرادةٍ مُعينةٍ للهِ في أَمرٍ ليسَ لنا فِيهِ من اللهِ بُرهان.. وقد يُعَرضِكِ أنتِ إلى حبوطِ عملِكِ ودخولِ النارِ والعياذُ بالله، «قال رجلٌ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ!، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» (رواه مسلم) وفي رواية: «أن الله قال لذلك الحالِفِ: أكنتَ بي عالماً؟!، أو كنتَ على ما في يَدي قادرًا؟! وقال: اذهبوا به إلى النار»(أخرجه أبو داود)، بالإضافةِ إلَى كَونِهِ مُيئسًا للعبدِ مِن رحمةِ ربِهِ لِما في الكلامِ مِن حَسْمٍ قاطِعٍ للأمل..
فاحذري حبيبتي.. فالنيةُ الصالحةُ لا تصلِحُ العملَ الفاسِد.. وهو إفسادٌ مِن حيثُ تريدين إصلاحًا.. وبالنسبةِ لسؤالِك، فأجيبُكِ في خمسةِ محاورَ على هيئةِ حوارٍ معَ ولدِك:
أولًا بُني: قد جعلَ اللهُ الطفولةَ مرحلةَ تمرينٍ طويلٍ يَسبِقُ التكليفَ، لأن الإنسانَ يحتاجُ لفترةٍ ممتدةٍ تتسعُ للتجربةِ والخطأِ واختبارِ تفاعلاتهِ مع الحياةِ وفَهْمِ أحوالِها المُختلفَةِ والتَعَرضِ للتقويمِ المستمرِّ لمعارِفِهِ وسلوكياتِه، كي يَرسُخَ في طبائِعِه وطريقَتِه في الحياةِ تَراكُمِيًا: الميلُ للخيرِ والبُعدُ عن الشرِ.. حتى إذا بلغَ الحُلُمَ، كان مُتَمَرِّسًا كفايةً ومُؤَهَّلًا لأداءِ رسالتِه العظيمةِ التي أُعِدَّ لها طوالَ طفولتِهِ وسيبدأُ حسابُه عليها الآن.. لهذا احتاجَ لطولِ مَرحلةِ الطفولةِ ولرفعِ القلمِ عنه فيها..
لا ليتمادَى في الخطأِ قائلًا قولَ اليهودِ والنصارَى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:18]، بعكسِ بقيةِ المخلوقات: يكبرونَ وينتقلونَ بسرعةٍ من طَورِ الطفولةِ إلى طورِ النُضجِ والبلوغ، لأن ليس لهم رسالةُ إبلاغٍ للحقٍ وتَعميرٍ للحياةِ بهِ كبَنِي آدَم، بل خُلِقُوا لغرضٍ آخر: أن يكونوا مُسَخَّرِينَ لهذا الإنسانِ في غذائِهِ وركوبِهِ ومعاشِهِ الذِين يستعينُ بهم على رسالتِه تلك، فلذلك يَكبُرون سريعًا...
فهذا الفرقُ العَظِيمُ يَجعلُنا نَجتَنِبُ إهمالَ التَجَهُّزِ لرسالتِنا تلكَ.. خوفًا من إفسادِنا الأرضَ حين نبلُغَ، ومِن عِقابِ اللهِ على ذلكَ حينَها..
ربنا قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9]، والتَزكِيةُ تحتاجُ لفترةِ تَدريبٍ مُكثَّفٍ، حتى إذا بَلَغَ الصغيرُ باستقامَةِ العُودِ دَهرًا طَوِيلًا، لم يُعْوَجَّ وينحَرِفْ، وسَهُلُ عليهِ تفادِي الأخطاءِ عندَ التكليفِ بإذنِ اللهِ، لأنَ الخطأَ يومئذٍ ما عادَ مرفوعٌ عنهُ القَلَم، بل قد يُضاعِفُ اللهُ عليهِ العُقوبةَ أحيانًا حسبَ الأحوالِ الشرعية.. وَصَدَقَ القائِلُ: "ويَنشَأَ ناشِيءُ الفِتيانِ علَى ما عَوَّدَاه عليه أبواه"...
ثانيًا: كيفَ تقولُ هذا وأنتَ تريدُ مكانًا معَ طائفةِ "شابٍ نشأَ في طاعةِ اللهِ" ضمنَ السبعةِ الذينَ سيُظِلُّهم عرشُ الرحمنِ يومَ تدنُو الشمسُ من الرؤوس؟ فما طاعةُ اللهِ إلا فِعلُ أوامرِه واجتنابُ نواهِيه!؟ وما النشأةُ فيها إلا بالمواظبةِ والتدرُّبِ على ذلكَ بكلِ طاقتِنا؟
ثالثًا: أمَرَنا نبيُّنا ﷺ أن نُمَرّنَ الأطفالَ على الصلاةِ عندَ سَبعِ سنينَ، وأنَّ مَن يرفُضُها نَضرِبُه عِندَ عَشْرِ سنين ليَزدِجِرَ ويُقَوَّمَ.. وكذلكَ قالَ التابِعُونَ أن آباءَهم مِن الصحابةِ كانوا يَضرِبونَهم على العَهدِ والأيمانِ وهم صِغار، أي يُؤَدِبُونَهم بالضربِ لو رأَوا منهم تَساهُلاً في الحَلِفِ باللهِ والعُهود، ولم يَمنَعْهُمُ النبيَّ ﷺ مِن ذلكَ بَل وَضَعَ ضوابِطَ شرعيةً للضربِ.. أليسَ ذُو العَشرِ سنواتٍ بُنَيَّ -وأصغرُ مِنهُ- لَم يَبلُغُوا الحُلُمَ بَعدُ؟ فلِماذَا يُعاقَبُون؟ الجوابُ: نَعَم، الصغيرُ غيرُ مُكَلَّفٍ، لكنهُ يُضرَبُ تأدِيبًا ورَدعًا عن الخطأِ، لأننا لو سلَّمناهُ للبُلوغِ وهو تاركٌ للصلاة أو مُستَهِينٌ بأوامرِ الله، سيستمرُ غالبًا على تلكَ الاستهانةِ بها وبغيرِها ويصيرُ مِن أهلِ الانحرافِ عن الصراطِ المستقيمِ والعياذُ بالله.. فهل ضربُه على ذلكَ قبلَ التكليفِ وتقوِيمُ اعوجاجِهِ وهو لازالَ عُودًا أخضَرَ لَينًا، أهوَنُ؟ أم ألمُ النارِ في الآخِرَةِ إذا ماتَ على ذلكَ في البلوغِ؟ وليسَ كُلُ التأديبِ ضَربًا فقط بالطبع.. ولكن لماذَا تُعَرِّضُ نفسَكَ لأيٍّ منها بُنَيَّ وتُحزِنُنِي وتُحزِنُ نفسَك؟
أنا مطلوبٌ مِني أمامَ اللهِ، تَعليمُكُمُ الحقَّ وتَطوِيعُكم عليهِ حتى البلوغ، وعند ارتكابِ الخطأِ فواجِبِي تحذيرُكم منه وتأديبُكم عليهِ وردعُكم عنه بكلِ وسيلةٍ شرعيةٍ محمودةٍ ومُعتَبَرَةٍ كما فعلَ الصحابةُ تلاميذ النبي ﷺ، إلى أن أطمَئنَّ أنكم ارتدَعتُم، أو أني قد بلَغْتُ مِنَ الوُسعِ أقصاهُ أمامَ رَبِي وإن لم تَرتَدِعُوا... أيُهما أقربُ..
رابعًا: ليست كُلِ أخطاءِ الطفولَةِ بلا حسابٍ ولا عقوبة.. بمعنى: لو أنكَ سرَقْتَ شيئًا مِن أخيكَ مثلًا والعياذُ بالله وتَعلَمُ خَطأَ هذا، فأجَلَ! لن تَكتُبَها الملائكةُ في صحيفتِكَ بَعدُ، وليسَ مِن حقِّ القاضِي كذلكَ أن يَقطَعَ يَدَكَ كعقوبةٍ جِنائِيةٍ بحَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ، لأنكَ لستَ مَسؤُولًا بعد مسؤوليةً جِنائِيةً، لكن معّ ذلكَ فمِن حَقِّي كَوَلِيِّ أمرِكَ أن أعاقِبَكَ عقوبةً تأديبيةً رادعةً طالما تَخَطَّيْتَ السبعَ سنوات، بخاصةٍ لو كان الأمرُ مُتصلًا بحقوقِ الآخرين، كالضربِ مثلًا وشهادةِ الزورِ وخيانةِ السرِ والسبِ والغِيبةِ والسخريةِ من الآخرينَ وترويعِهم وإخفاءِ أغراضِهم وعدمِ احترامِهِم، لن أتركَكَ تفعلُها وأقفُ مُتَفَرِّجَةً، تمامًا كما لن أتركَكَ لو رأيتُك تُؤذِي نفسَكَ.. ولا يعنِي هذا أن أتركَكَ تُخطِيءَ إن كنتَ أقلَّ مِن سَبعِ سنوات.. فللوالدينِ تأديبُ أولادِهما وعقابُهما عند الحاجةِ طالما يعقِلونَ العقابَ ويَردَعُهُم..
خامِسًا بُنَي: إن ربَنا الكريمَ الطيبَ المُحسِنَ الرحيمَ قد جَعلَ لَكَ على الطاعاتِ والخيراتِ حسناتٍ تُسَجَّلُ فِي صحيفَتِكَ وأنتَ بَعدُ لازِلتَ طِفلًا لا تَعقِلُ كثيرًا مِنها.. ألا يَستَحِقُّ منكَ أن تَترُكَ الأعمالَ السيئةَ والشَرَّ الذِي لا يُحبُهُ ونَفَّرَكَ مِنْهُ؟
قال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7]، فجديرٌ بِنا ذلكَ بُنَيّ، شُكرًا للِه الكريمِ وتَحَبُّبًا وتَعَبُّدًا لهُ بِكلِ جميلٍ، فخيرُه ليلَ نهارَ إلينا نازِلٌ، أفيكونُ شَرُّنا ليلَ نهارَ إليهِ صاعِدٌ..؟ هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانِ بُنَيّ؟
وهكذا أيتُها الكريمةُ، تَحُلِّينَ المُعضِلَةَ، وتتجنَّبِينَ التألِّي على اللهِ والكذِبَ، ويفهَمُ ولدُكِ أنه إن لم يَكُن هناكَ عِقابٌ إلهيٌّ فهناكَ عقابٌ بَشَرِيٌّ أباحَهُ اللهُ لرَدعِ الأطفالِ دونَ البلوغِ لتعويدِهم الخيرَ وتَرْكَ الشَرِ، وكَفِّ أذاهم عن الناسِ وأنفسِهم.. مع العِلمِ -وكما قال الدكتورُ عبدُ القادِرِ عُودَه في كتابِهِ "التشريعُ الجنائيُّ الإسلاميُّ مُقارَنًا بالقانونِ الوَضعِيِّ"- أنه: "لم تُحَددِ الشريعةُ نوعَ العقوباتِ التأديبيةِ التي يُمكنُ توقيعُها على الصِبيان، وتركتْ لولِيِّ الأمرِ تحديدَها على الوَجهِ الذِي يترَاءَى له، ومِنَ المُسَلَّمِ بهِ لَدَى الفقهاءِ أن التوبيخَ والضربَ مِن العقوباتِ التأديبيةِ.. وتركُ تحديدِ العُقوباتِ التأديبيةِ لولِيِّ الأمرِ يُمَكِّنُ مِن اختيارِ العقوبةِ المُلائِمَةِ للصَّبِيِّ في كلِ زمانٍ ومكانٍ، فيجوزُ لولِيِّ الأمرِ أن يُعاقِبَ بالضربِ أو التوبيخِ، إلى غَيرِ ذلكَ من الوسائلِ التي تؤدِي إلى تأديبِ الصبيِّ وتهذيبِه" انتهّى كلامُه باختصارٍ يَسِير..
فسُبُلُ العِقابِ والتأديبِ مُتَنَوِّعَةٌ مُتَدَرِّجَةٌ ولها ضوابطُ وشروطٌ وموانعُ نُفَصِّلُها لاحقًا بإذن الله.. وبعدَما أنهينا مُتَعَلِّقاتِ المَمنوعِ الأولَ مِن الممنوعاتِ العَشرِ "أبدًا ما عَصَيتُ اللهَ لأُرضِيَكَ"، ننتقلُ للممنوعِ الثانِي: "أبدًا ما دَعَوتُ عليكَ"..
في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله.
أسماء محمد لبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات3: أبدًا ما شتمتُك.. "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان"
أسماء محمد لبيب
سألتني إحدى الأمهاتِ قائلةً:
- أنا أشتمُ ابني كثيرًا.. ولا أستطيعُ التوقفَ.. هلا أنقذتِني بحل...؟!
وتساءلْتُ..
كيف تريدين أن يكونَ ولدُكِ مهذبًا ولا يشتُمُ ولا يَفحُشُ في القولِ، وأنتِ غالِبُ أسلوبِكِ معه هو الشتْمُ والتهكُمُ والتحقيرُ والنَبزُ بالألقاب؟
نسمعُ أمهاتٍ تقولُ لولدِها غَضبًا: يا تَيْس ألا تنظر أمامك! يا غَبِي كسرت الكوب! أين الورقةُ يا كلب؟ هل ستسمَعُ الكلامَ أم ستشلُني كعادتك يا عملي الأسوَد! ألديكَ مخٌ مثلَنا أم أن تحتَ فروة الخروفِ هذِهِ قَديدٌ مُنتَهي الصلاحية! مالكَ تُشبِهُ البقرةَ العَرجاءَ في مِشيتِك! لماذا تتباطأُ يا بارد لعنكَ اللهُ!..
أيُعقَلُ أن هذه أمٌ وهذا فَلذَةُ كبِدِها؟
تلعنه وتسبه وتدعو عليه لأنه مثلًا تباطأ عنها...؟
ألم تعلم أن أم الدرداء سمعت الخليفة عبد الملك بن مروان يوما يلعن خادمه حين تباطأ عليه بعدما ناداه، فوعظته وحذرته قائلة له: أن أبا الدرداء أخبرها أن النبي ﷺ قال: " «لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "..؟
فكيف لو كان لعانًا...؟ وكيف لو كان الملعونُ ابنًا من صلبِه وليس خادمًا....؟
أنَسِيَتِ أن سِبابَ المسلمِ فُسوق؟
أما علمتِ أن أطفالَ المسلمين ليسوا كلابًا ولا حميرَ ولا أبقارَ ولا حيواناتٍ، فالشرعُ نهى عن السِبابِ بأسماءِ الحيواناتِ وألفاظ التحقيرِ وكلِ فُحشٍ مِن القَول؟
أما علمتِ أن للمسلمِ حُرمةً وأنها بذلكَ تنتهِكُها، وقد قال الله:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} ،
وقال رسوله ﷺ: " «كلُ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعِرضُه» "؟
وأحيانا نجد أمهات يشتمن من باب المزاح. كأن تقول لابنها مثلا: رأيتَ الحِمارَ الذي يقودُ تلكَ السيارة؟!.. رأيتَ البهائمَ التي تذِيعُ النشرة؟
==ألم تعلمي أن اليهودَ تطاولوا على النبيِ ﷺ في الكلامِ وقالُوا "السَّامُ عليكَ" بدلًا من "السلامُ عليك" -(والسام تعني الموت، فيَظهر كلامُهم وكأنما سقطَتْ منهم اللامُ من السرعةِ فقط، بينما هم لخبثِهم يقصدون المواربةَ بالدعاءِ عليهِ والاستهزاءَ به ﷺ..
ألم تعلمي أنهم فعلوا ذلك ولم يَرُدَّ عليهم بفُحشٍ مُقابِل، واكتفَى برَدِّ الدعاءِ عليهم بالمِثلِ فأدَّبَهم بشرفٍ ومروءةٍ ﷺ فقال "وعليكم".. فقط..
ولم ينتهوا...
كرروها.. فغضبتْ عائشةُ وأجابتْهم: "بل السامُ عليكم وغَضَبُ اللهِ!، إخوانَ القرَدَةِ والخنازِير!، أتُحَيُّونَ رسولَ اللهِ ﷺ بما لم يُحَيِّهِ به اللهُ!؟"
فنهاها ﷺ ووصفَ ما فعلَتْه بأنَّهُ فُحشٌ مِن القول!
مع أن مِن حقِ المُسلمِ أن يَرُدَّ السِبابَ بالمِثلِ لو تَعَجَّلَ تحصيلَ حقِهِ في الدنيا قبل الآخرة، لكن دون تجاوزٍ للحدِ أو الضوابطِ الشرعيةِ...
ومع ذلك، لم يرضَ ﷺ بذلك لنفسه..
قال لها:
"مَه..! إن اللهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التفحشَ.. قالوا قولًا فرددناهُ عليهم.. فلمْ يَضُرُّنا شيءٌ، ولَزمَهُم إلَى يومِ القيامة"...
فتأملي كيف أن السِبابَ واللعنَ بأسماءِ الحيواناتِ ولو كان دِفاعًا عنه ﷺ ضدَ أعداءِ اللهِ اليهودِ، فُحشٌ فِي القول لا يحبه ﷺ..!
ثم نأتي نحن فنشتمُ أبناءَنا ليلَ نهارَ دون عذرٍ شرعيٍ مقبولٍ، أو نشتم مزاحًا، ونراه أمرًا عادِيا، ولا نرى له وَزنًا لا في يومَ الحسابِ ولا في الدنيا في نفسيتِهم وسلوكهم ومسارِ حياتِهم...؟
=وموقفٌ نبويٌ آخرُ حينَ دخلَ عليه ﷺ رجلٌ معروفٌ بفُحشِ قولِه، فلم يستقبلْهُ النبيُ ﷺ بفُحشٍ مِن القولِ ابتداءً، إنما ألانَ له الكلامَ.. مع أن الرجلَ لا يستحقُ الكلامَ اللينَ، بل قد قال عنه ﷺ قبل أن يأذنَ له في الدخول: "بئسَ أخو العشيرة!".. وقال عنه بعد خروجِهِ مِن عِندِه: "إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ -أوْ ودَعَهُ النَّاسُ- اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.. وفي رواية: اتِّقَاءَ شَرِّهِ"..
فتعجبتْ عائشةُ! فسألتْه، فقالَ لها ﷺ كلمة تُكتَبُ بماءِ الذهبِ:
"يا عائشةُ! متى عهدتِني فَحَّاشًا؟"...
أيْ: متى علمْتِ عنِي أني سأقابلُ فُحشَهُ المعروفُ بِه، بفُحشٍ في القولِ مقابِلٍ؟
=فالنبيُ ﷺ يعلمُنا أن الفُحشَ والبذاءةَ والسِبابَ من مسلمٍ لمسلٍم كله مذمومٌ وليس من أخلاق المسلمين، لا ابتداءً ولا تعقيبًا..
=بل ويعملنا حتى أن نتفادَى سماعَ فُحشِ الفحَّاشين ونقطعَ عليه طريقَ الانطلاق، بالمدارةِ في الكلامِ دونَ مُداهنَةٍ في دينِ الله، إغلاقًا لحِمَمِهِم البركانيةِ القبيحةِ كيلا تتأججَ وتُسممَ الآذانَ والأبدانَ..
فيعملُنا ﷺ كيف نتجنَبُ القبائحَ بألسنتِنا، وآذانِنا كذلك..!
ثم نأتِي نحن ونَقرَعُ آذانَ أبنائِنا ليلَ ليلَ نهارَ بالسِبابِ والنَبْزِ دونَ أيةِ غضاضة؟
----
وكما رأينا، الكلامُ هنا يتقاربُ مع كلامِنا حولَ الدعاءِ على أبنائِنا في المقالاتِ السابقة، من حيثُ النهيِ عنهما وأن الإكثارِ من كليهما يَنسِفُ شعورَ الأبناءِ بالأمان..
لكن "السَبُ" يتمايزُ عن "الدعاءِ عليهم"، بفوارقَ مُخيفةٌ، فهو ليس فقط ساحِقٌ للأمانِ النفسِيِّ والترابطِ الأسريِّ بقسوةٍ لما فيه مِن إهانةٍ وتحقيرٍ يجلبانِ شعورًا بالدونيةِ ويورِثانِ نَدَباتٍ نفسيةٍ عميقةِ الأثَرِ في شخصيتِهم وسلوكِهم، إنما كذلكَ يلحَقُ فاعلَه مِن الإثمِ والمَذَمَّاتِ ما يُشَيِّبُ..
ولكي ندركَ خطورةَ الأمرِ، نبدأُ أولًا بتعريفِه..
ففي الحديث: "ليس المؤمنُ بالطعانِ ولا اللعانِ ولا الفاحش ولا البذيء.."
فما الفرقُ بين اللَّعّانِ والطعَانِ والسبَّابِ والفاحِشِ والبَذِيء؟
الطعَانُ هو الَّذي يَقَعُ في النَّاسِ ويَعيبُهم في أعْراضِهم ويَغتابُهم..
اللعانُ هو الذِي يُكثِرَ لعْنَ النَّاسِ وسَبَّهم والدُّعاءَ عليهم بالطَّرْدِ مِن رحْمةِ اللهِ..
والسبُّ هو الشتمُ والإهانةُ بكلامٍ جارحٍ..
والفاحشُ هو الشتامُ للناسِ، المتجاوزُ للحدِّ في السبِّ بمبالغةٍ وشناعَةٍ وقُبحٍ عظيمٍ..
والبَذِيءُ هو الذي كلامُه قبيحٌ وفاحِشٌ وإن كان صِدقا.. يُعبرُ عن الأمورِ المُستَقبَحَةِ بالعباراتِ الصريحةِ.. يتلفَّظُ بالكلامِ الذي يَقبُحُ ذِكرُه ويُستحيَى منه..*1
هي إذًا ألفاظٌ ذاتُ معانٍ متقاربةٍ تشملُ السوءَ في القولِ أو الفِعل..
فكيف حَذَّرَ الإسلامُ منها؟ وما عواقبُها التي تُشَيِّبُ...؟
-قال تعالى: {ولا تنابزوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعد الإيمان}
-وقال النبي ﷺ: سباب المسلم ((فسوق))..
والفسوق: هو الخروجُ عن طاعةِ الله ورسولِه ﷺ، وهو في عُرفِ الشرعِ ((أشدُّ)) من مجرد العصيان، كما في شرحِ الحديثِ في الدُرَرِ السَّنِية*4
-والسِبابُ من الأعمالِ التي تؤدي إلى إفلاسِ العبدِ يومَ القيامة؛ فقد قال النبيُ ﷺ:
"أتدرون ما المُفلِسُ؟ قالوا: المفلسُ فينا من لا دِرهمَ له ولا مَتاع، فقال: إن المُفلِسَ من أُمتي يأتي يوم القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتِي قد شتَم هذا، وقَذفَ هذا، وأكل مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِه، وهذا مِن حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليه، أُخِذَ مِن خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طُرِحَ في النار))..
فمن أسباب الإفلاسِ "الشتمُ"*2
-وقال عبدُ الله بن مسعود: (ألأَمُ خُلُقِ المؤمنِ الفُحشُ)
-ورأى أبو الدرداءِ امرأةً سليطةَ اللسانِ، فقال: لو كانت خرساءَ، كان خيرًا لها...
-وفي الشرعِ، فإن تشبيهَ المسلمِ لأخيهِ بالكلبِ والحمارِ يستحقُ به المرءُ التأديبَ والتعزيرَ عند الجمهورِ: المالكيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ ومتأخرِي الحنفية*3..
- فكيف بمن جمعّ كثرةَ السبِ مع الدعاءِ على الناسِ ليلَ نهار....؟
ومعنى اللعنُ كما ذكرنا في التعريفات: السبُ والدعاءُ بسوءٍ على الآخرين، ويُطلَقُ أحيانًا على الدعاءِ عليهم فقط أو السب والشتم فقط..
فإن الإكثارَ منه يورِثُ الإثمَ والنارَ، كما قال ﷺ في حديثِ النساءِ من أنهن أكثرُ أهلِ النار، فلما سُئِلَ لماذا، قال ﷺ: "تُكثِرنَ اللعنَ وتكفُرنَ العشيرَ"؟...
ولا شك أن كثرةَ اللعنِ تكونُ بسببِ التغافلِ عن جوانبِ الخيرِ في الشخصِ الذي نشكو منه، مما يورثُ كفرانَ نِعَمِهِ وفضلِه وبالتالي كثرةَ لعنِه..
-لذلك قال ﷺ أن اللعانين لا يكونون شهداءَ ولا شفعاءَ يومَ القيامة، لأننا لو تأملنا لوجدنا أن اللعانينَ انفعاليون، يَميلُون مع انفعالاتِهم حيثُ دارَت، فيُخِلُّونَ بالعدلِ والإنصافِ حتمًا، فيكف يشهدون يوم القيامة بالحق أو يشفعون بالرحمة..؟
وقال كذلك: (لا ينبغي لصدِّيقٍ أن يكونَ لعَّانًا)..
ففي هذه الأحاديثِ يجعلً النبيُّ ﷺ اللعنَ يتنافَى مَعَ مقامِ النبوةِ ورُتبةِ الشهادةِ والصدِّيقِيَّةِ ..
فلماذا يَصعُبُ على هؤلاءِ الامتناعُ عن كل ذلك رغم عدم جهلهم بعواقبه في الدنيا والآخرة؟ وما العلاجُ...؟
هذا ما سنعرِفُه في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..
**هوامش:
1*https://www.dorar.net/hadith/sharh/35492
2*https://www.alukah.net/sharia/0/137781/#ixzz7Bfi0YaNt
3*https://www.islamweb.com/ar/fatwa/231685
4*https://www.dorar.net/hadith/sharh/1412
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات3 (تابع): "يا عائشةُ! متى عَهِدتِنِي فَحَّاشًا؟!".. السبب والعلاج.
أسماء محمد لبيب
وقفنا عند سؤال:
لماذا يَصعُبُ على اللعانين الشتامين، الامتناعُ عن ذلك رغم عدم جهلهم بعواقبه في الدنيا والآخرة؟ وما العلاجُ....؟
-قال العلامة ابن حبان:
"الحياءُ هو الحائلُ بين المرءِ وبين المزجوراتِ كلها -أي الأمور التي يجب ان ينزجِر َعنها... فبقوةِ الحياءِ= يَضعُفُ ارتكابُه إياها... وبضَعفِ الحياءِ= تَقوَى مُباشَرَتُه إياها...*1
إذًا البداية -كما قلنا في مقالاتِ الدعاءِ على أبنائنا- :
ليستْ في اللسان..
إنما في القلب، محِلِّ الإيمان، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان..
وكلما تشرَّبَ قلبُكِ أن الأبناءَ نعمةٌ، وأمانةٌ، ووجودَهم له غايةٌ تُخلِصِينَ فيها لرب العالمين بلا حظوظِ نَفسٍ أو مآربَ دنيويةٍ، بل فقط تربينَهم لله،
= كلما استحيَيتِ من انطلاقِ لسانِكِ بسوءٍ وامتنعتِ عن إهانتِهم وتحقيرِهم..
جاء في الدرر السنيةِ بموسوعةِ الأخلاق، أن مالكًا روى عن يحيَى بن سعيد،ٍ أن عيسَى بنَ مريمَ لقِيَ خِنزِيرًا في طريقٍ فقال له: "انفُذْ بسلام"... فقيل له: "تقول هذا لخِنزِير!!؟"...
فقال عيسى عليه السلام: (((إني أخاف أن أُعوِّد لساني المنطق السوء))).
سبحان الله القائل: { {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ} }..
فالذي يُسَهِّلُ على الأمِ لَعنَ أبنائِها هو تَعَوُّدُ لسانِها أصلاً على الشتمِ عمومًا في الحياة..
تشتُم الجوَّ، تشتمُ الحذاءَ، تشتمُ العثراتِ، تشتمُ الملابسَ، تشتمُ الهاتفَ، تشتمُ الناس..
أي شيئٍ يُضايقُها تشتُمُه.. بل إن منهنّ اليومَ من تتبادلُ السِبابَ مع صديقاتِها تبسُّطًا وتَعبيًرا عن ذوبانِ الحدود بينهما!
فالعلاجُ يبدأُ مِن القلب..
قناعاتُه الأُخرويةُ وأعمالُه لأجلِها، مِن تَقوَى وخَشية وحياءٍ..
فالإناءُ يَنضَحُ بما فيه..
تُريدينَ مَعرفةَ كيفَ تُنَفِّرينَ أبناءَكِ مِنكِ وتجعلينَهم يتحاشُون أماكنَ تواجُدِكِ ويبتهجون بغيابِكِ ويُمَرِّرون كلامَكِ باستخفافٍ ويُلِينُون الكلامَ معكِ فقط من بابِ المُداراةِ لأجلِ التخلُصِ فقط من توتراتِ وعواقبِ التواصلِ معك؟
أكثري مِن لَعنِهم وسبِهم والتحقيرِ والتهكم..
قال القاسِمِي: إياكَ وما يُستَقبَحُ مِن الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنكَ الكرام*2
وقال تعالى { {وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَ} }
وقال رسوله ﷺ كما قلنا سابقًا في حديثِ بئسَ أخو العَشيرةِ:
(( «إنَّ شرِّ الناسِ مَنزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ، من تُرِكَ اتقاءَ فُحشِه أو شَرِّه» ))..
تحبين أن تكوني مكانَ ذلك الرجلِ الذي ذمَّه النبيُ ﷺ وحذر المؤمنين من فُحشِ لسانِه والعياذُ بالله....؟
وكما أن من آثارِ السِبابِ على نفوسِ الأبناءِ، نفورَهم مِنكِ وانفضاضَهم عنكِ،
فمن آثارِه كذلكَ فقدانُ قيمتِكِ كقدوةٍ لهم في الصلاحِ والإصلاحِ،
وضياعُ هيبةِ ومصداقيةِ توجيهاتِك،
وانسحاقُ نفوسِهم تحتَ الشعورِ بالدونيةِ والهوانِ والاكتئابِ والوَحشَةِ،
واهتزازُ قوتِهم النفسيةِ وتَضاعُفُ هشاشتِهم..
فكلما ابتعدتِ عن تلك القاذوراتِ واستنكرتِها أمامَ أولادِك،
كلما تشبَّعوا بنكارتِها وشناعتِها وقبِلوا مِنكِ تقويمَكِ لهم فيها،
بالإضافةِ إلى صيانتُكِ لكرامتِهم ونفسيتِهم،
فينشأون -بفضلِ إعفافِ لسانِكِ عنهم- على العِزةِ والحياءِ والقوةِ النفسيةِ والأمانِ..
وكلما استهنتِ بها وعودتِهم عليها،
كلما صَعُبَ عليكِ نَهيهُهم عنها، سواءٌ كان معكِ أو مع الآخرين وزوجاتِهم وأبنائِهم مستقبلا..
فما العلاج؟
في استحضارِ الآتي دومًا:
-أن سبابَ المسلمِ فسوق، وأن مِن عواقِبهِ الإفلاسَ يومَ القيامةِ وربما النارُ، (إلى آخر عواقب السبِ واللعنِ التي ذكرناها) ..
-وأنه مُنقِصٌ لأخلاقِنا وميزانِنا نحن، فكما قال ﷺ: "ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ"..
-وأن الله يَبغَضُ الفاحشَ البذِيء..
-و{ {لا يُحِبُ اللهُ الجهرَ بالسوءِ من القولِ إلا من ظُلِم} }
-وأن السِبابَ يَزِيدُ المسافةَ بيننا وبين النبي ﷺ ويؤثرُ على درجةِ مَحبَتِه لنا، ففي الحديث: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا"..
-وأن سبَ أبنائِنا فيه انتهاكٌ لحرمتِهم..
-وأن المسلمَ مَن سلِمَ المسلمون من لسانِه ويده..
-وأن سيءَ القَولِ يتحاشاهُ الناسُ، خوفًا من شرِّ لسانِه، وهو بذلك شر الناس منزلةً يوم القيامةِ..
-وأن الفُحشَ في القولِ ليسَ من صِفاتِ كاملِ الإيمانِ فهو من مُنقِصاتِ الإيمان.
-وأن اللهَ حَرَّمَ على نفسِهِ الظلمَ وحَرَّمَه علينا..
-وأن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة..
-وأن كلَكُم راعٍ وكلَكم مسؤولٌ..
بجانبِ استحضارِ القواعدِ الستةِ التي فصَّلناها في المقالةِ السابقةِ في "علاجِ الدعاءِ عليهم" -يمكنكم الرجوعُ إليها مَنعًا للتكرار- والتي كان من أهمِّها:
-فاطمةٌ بِضعَةٌ مِني يُؤذِيني ما يؤذيها..
-أمسِكْ عليكَ لسانَك..
-إني اشتَرَطتُّ على ربي: "فأيُّ المسلِمين لَعَنْتُه أو سَبَبْتُه فاجْعَلْه له زَكاةً وأجْرًا.."
-أو ولدٌ صالحٌ يدعُو له.. فالسِبابُ إضرارٌ بالباقياتِ الصالحاتِ التي أفنينا أعمارَنا في زراعتِها..
ومِن المُعِينات:
-عدمُ مخالطةِ اللَّعّانينَ الشتَّامِين، فكما في الحديث: "المَرْءُ على دِينِ خَليلِه، فَلْينظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلْ"...
-والتعوذُ باللهِ من نَزغِ الشيطانِ وتحريشِه بيننا في الأقوال، كما قال تعالى: ﴿ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} ﴾
-وإغراءُ النفسِ بالعواقِبِ الطيبةِ كلِها للمجاهدة في إعفاف اللسان، بخاصةٍ عاقبةُ ((نقاءِ السُمعَةِ في الدنيا من كلِ سوء))، والتي أبرزَتْ جمالَها الجملةُ المنقوشةُ بالذهبِ المَذكورةُ في المقالةِ السابقةِ على لسانِ طيبِ الذِكرِ ﷺ حين قال في حديث "بئس أخو العشيرة":
"يا عائشةُ! متى عَهَدتِنِي فَحَّاشًا؟"..
وقالت مثلَها نسوةُ المدينةِ من قبلُ عن يوسُفَ عفيفِ السريرةِ والجوارحٍ: { {حاشَ للهِ ما عَلِمْنا عليهِ مِن سُوء} }..
فتلك غنيمةٌ مَرجُوَّةٌ وثمَرَةٌ طيبةٌ مأمُولةٌ، يَهنأُ قاطفُوها بَعدَ طولِ مجاهدةٍ ولابُد..
فطوبَى لأهلِ السُمعَةِ الزكيةِ والسيرةِ الحسَنَةِ وطابَ جهادُهم،
الذين يشهَدُ لهم من حولَهم بالعفةِ قولًا وعملًا، ويجعلُ اللهُ لهم لِسانَ صدِقٍ عليًا..
فنقول للسائلةِ وأمثالِها ختامًا وإجمالًا بعد تفصيل..
يا أعانكِ الله.....
قد أشفقتُ على ولَدِك.. ومؤكدٌ أنكِ تشفقين عليه أكثر مني كذلك..
وقد عرفتِ آثارَ السبِ.. وعرفتِ مَواطِنَ الخللِ وطُرُقَ العلاج..
فابدئي..
فلن يُسعِدَكِ أبدًا يومَ القيامةِ إيقافُكِ لتَقرَئِي بنفسكِ كلَ عريضةَ الشتائمِ التي قَرَعتِ بها على مسامعِه حين يُقال: ((اقرأ كتابَك))...
مَشهدٌ مُخجِلٌ جدًا لا ريب، أمامَ الخَلقِ كلهم وخالقِهم والعياذُ بالله..
ناهيكِ عن عتابِ اللهِ يومَها ومجازاتِه لمَن أسرفَ وتجاوزَ في حَقِّ عبادِه لاسيَّما الضعفاءِ منهم...
وليس هناك مجالٌ لكلمةِ "لا أستطيعُ أن أتوقف"..
فأين الوصيةُ النبويةُ ((استَعِن باللهِ ولا تَعجَزْ))..؟
=والأخرى: (( «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه» ))*3..؟
= أولاد المسلمين ليسوا حيواناتٍ ولا حَميرَ ولا بهائِمَ يا أخية..
= أولادُ المسلمين تاجُ الأمةِ وكنوزُها ولآلئُها المكنونةُ المُنتَظَرَة..
= ابنُكِ المسلمُ ليسَ كائنًا مُهانًا لا كرامةَ له..
= بل هو حاملٌ لثُلُثِ القرآنِ والسبعِ المثانِي وأمِ القُرآنِ... فيكف يُهان...؟
=بل قال النبيُ ﷺ: "إن مِن إجلالِ اللهِ إكرامَ حاملِ القرآنِ"
= أي أنه جوهرة وحَجَرٌ كريمٌ مُعزَّزٌ ومُكَرَّمٌ في بيتِ والدِيه،
=لا لوحةُ أهدافٍ -نُسدِّدُ إليها ضرباتِنا وطلقاتِ ألسنتِنا..
=ابنُكِ المسلمُ هو "عملُكِ الصالحُ الممتدُ بعدَ انقطاعِ عملِكِ من الدنيا/ والدعوةُ الحُلوةُ التي ستؤنِسُ قبرَكِ/ والاستغفارُ الذِي سيرفعُكِ في الجنةِ بإذن الله كما في الحديث:
"إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا؟ فيقالُ: ((باستغفارِ ولدِكَ لكَ)).."
جعلكِ اللهُ ممن قالَ فيهم { {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَٰطِ الحَمِيدِ} }
وقال عنهم الناس {حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء}..
وأعاذكِ ممن قال عنهم: "وهل يَكُبُّ النَّاسَ على مَناخِرِهم في جَهنَّمَ إلَّا حَصائدُ ألسِنتِهم"..؟
أو انفضَّ عنه أحبابُه والناسُ، اتقاءَ شَرِّه..
وإلى اللقاءِ مع الممنوعِ الرابعِ "أبدًا ما شمتُّ فيك".. في المقالة القادمة بإذن الله..**هوامش:
1* - و2* : الدرر السنية موسوعة الأخلاق:
https://dorar.net/akhlaq/2603/%D8%A3...A7%D8%A1%D8%A9
3*حديث: ((إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه))..
الراوي: أبو الدرداء وأبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم : 2328 | خلاصة حكم المحدث : حسن
https://dorar.net/hadith/search?q=%D...e=&rawi%5B%5D=
--
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات 4: أبدا ما شمتُ فيك.. "لا تُظهِر الشماتةَ لأخيك"
أسماء محمد لبيب
أحيانا نجد بعض الأمهات، حين يسقُط ولدَها أو يصطدمُ بشيئ مؤلمٍ أو تنكسرُ لعبتَه، تقول له أمُه: "أحسن ! أنتَ تستأهل وتستحق ما حدث لك! هذا بسبب غضبي عليك ! أو هذا بسبب عصيانك أمري!"..
تشمَتُ في ولدِها بوضوح.
بينما -وكما قلنا في المقالات السابقة- عينُ الأمومةِ هو استشعارُ الأمِ أن ما يؤذِي ولدَها يؤذيها كذلك كما قال النبي ﷺ عن فاطمتِهِ: "إنما فاطمةٌ بِضعَةٌ مِني يؤذيني ما يُؤذِيها" فالطبيعيُّ هنا، أن لا تغلبَ روحُ الثأرِ بداخلِها على فطرةِ الأمومة لكن ما يحدثُ هو العكسُ.
فما الأسبابُ؟
قبل تفصيلِ الأسباب، فمن الإنصاف أن نُفَرِّقَ هنا بين نوعين من الأمهات:
النوعُ الأول:
تُظهِرُ الشماتةَ رُغمًا عنها لفرحتِها أن ولدَها سيتعلُم درسًا لن ينساه فيتأدب ويَرشُد، لكن قلبُها عامِرٌ بحبِ ابنِها ولو آذاه غيرُها معها أو تدخَّلَ بشفاعةٍ سيئةٍ عنه ستغضبُ لولدِها وتدافعُ عنه..
والنوعُ الثاني:
تُظهِرُ الشماتةَ عمدًا وبداخلِها غِلٌّ حقيقي على الولد، وتفرحُ كلما تألمّ أكثر حتى إنها تأتِي بآخرين يضاعِفون عليه الإيلامَ النفسيَ، لا لتأديبِه وردعه وإنما للشماتةِ به أكثر وإذلالِه وكسرِه.
كلتاهما، قد يكون ولدُها صعبُ المِراسِ حقا وعنيدًا ويثيرُ غضبَها بسهولةٍ وتَعجَزُ عن تقويمِه أو تستعجلُ الثمرةَ
لكن الفرقُ بينهما:
أن الأم الثانيةَ تتركُ الغضبَ للنفسِ يَتَملَّكُ قلبَها ويتعاظَمُ حتى يغلبَ الأمومةَ ويصلَ للتشفي، فالتربيةُ بالنسبةِ لها تصبحُ معركةً بين فيلٍ ونملةٍ ويجبُ أن تنتصِرَ فيها على ولدِها كي لا تضيعَ هيبةَ الفِيل ! وأحيانًا يَفلِتُ الولدُ من شماتتِها فيه لكونِه بريئًا مثلًا من الخطأِ الذي تُعَنِّفُه عليه، فتشعرُ حينَها بانكسارِ هيبتِها أمامَه، فتتربصُ له عند أقربِ عثْرةٍ كي لا يظنَ أنه غلبَها فيتمادَى ظنًا منها أن هذا الذي سيَردَعُه فيصبحُ التشفي والشماتةُ ديدنَها، ويَغِيبُ استحضارُ منهجِ الرسولِ ﷺ عند الغضب والنوايا التربوية ومع الوقتِ تتحولُ لعلاقةِ عداءٍ كاملٍ، يخفُتُ فيها الوُدُ واللطفُ والتراحمُ، ويطغى فيها الحقدُ والتربُصُ والمَقتُ والقَسوةُ وتتبخرُ مَقاصِدُ التربيةِ ويَنفَرِطُ العِقدُ
فلماذا نتركُ أنفسنَا حتى نصلَ لتلك الهاوية؟
لذلك نقول:
إن كنتِ من النوعِ الأول
-فلا تُظهِري الشماتةَ في ولدِكِ مهما كانتْ نواياكِ طيبةً، لأنه لن يفهمَ سِوَى أنكِ تشمَتين فيه، وسيقتدي بكِ في تعاملاتِه مع الآخرين.
-وجاهدي لذلك نيتَكِ دومًا أن غايتَكِ الكُبرى هي مصلحتُه بعيدًا عن حظِّ نفسِكِ.. تَذكَّرِي دومًا: {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيئٌ}، لئلا تتحولي مع الوقتِ للنوع الثاني...
وإن كنتِ من النوعِ الثاني
-فآن الأوانُ حبيبتي لوقفةٍ حاسمةٍ مع نفسِكِ لتأديبِها قبلَ الآخرين، فماذا بَقِيَ من الأمومةِ إن تركتِ نفسَكِ لمشاعرِ الحِقدِ تجاهَ ولدِكِ، والمَقتِ والرغبةِ في الانتقامِ مِنه...؟
حين يحزَنُ ولدُكِ أو يُؤذَى ويتألمُ، أنتِ أمٌ مُشفِقَةٌ، لا عَدُوٌ مُتَشَفِّي، بأيِّ مبررٍ كان...
فعادةً، الذي يفرحُ بآلامِنا، هم الأعداءُ، كما قال هارونُ لأخيه مُوسَى عليهما السلام: {فلا تُشمِتْ بيا الأعداءَ} ..
فأصلُ الشماتةِ: فَرَحُ عَدُوٍّ بِبَلِيَّةٍ تُصِيبُ مَنْ يُعَادِيه..*1
بل هي من شِيَمِ ألدِّ أعداءِ المُؤمِنِ: المنافق..! قال تعالى: {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} ..!
فكيف يُعقَلُ هذا مِن أمٍ تجاهَ ولدِها؟ُ
وقال الشَّوكانيُّ: ((استعاذَ ﷺ مِن شَمَاتَةِ الأعداءِ وأمرَ بالاستعاذةِ منها؛ لعِظَمِ موقِعِها وشدَّة تأثيرِها في الأنفُسِ البَشريَّةِ ونُفُورِ طباعِ العِبادِ عنها، وقد يتسبَّبُ عن ذلكَ: تَعاظُمُ العداوةِ المُفْضِيةِ إلى استحلالِ ما حرَّمهُ اللهُ..))--
يقصد أنك بذلك تفتنين ولدك عن طاعة الله..
وحتى لو كان ما تعرَّضَ له مِن ألمٍ أو مشكلةٍ هو بسببِ عدمِ استماعِه لنصحِكِ وتحذيراتِك، فلا مُبررَ للشماتةِ ناهيكِ عن إظهارِها..
إنما دروسٌ وعِبَر..
وربما عتابٌ إن أردتِ..
ولكنِ الأفضلُ تأجيلُ العتابِ قليلًا ريثما تواسيه أولا، ثم يكونُ عتابًا تربويًا تعليميًا لاستخلاصِ العِبَرِ وتقويمِ السلوك، لا صورةً من الشماتةِ والثأر
(أنت مجروحٌ الآن يا ولدِي.. هذا ليسَ وقتَ العتابِ)
تلك جملةٌ أعجبتني في مقالةٍ لأحدِ التربويين الأفاضلَ
فنربتُ أولًا ونحنًو ونرحمُ بلهفةٍ وقلقٍ ونطيِّبُ الخاطرَ ونُرَبتُ على القلبِ ونَرقِي بأيدينا مَوضِعَ الألَمِ، سواءٌ في الأبدانِ أو الوجدانِ
حتى لو كان الألمُ بسببِ خطئِه وعِنادِه
ثم نعاتبُ إن أردنا، لتبيينِ الخطأِ لئلا يتكررَ
ومن ذلك:
-أن نبينَ له أن ما حدثَ هو بسبب العنادِ وصمِّ الآذانِ عن النصح
-وأن الواجبَ فيما بعد عصيانُ هواه وإعمالُ عقلِه في الحقِ، واتباعُه بعدما يتبين بوضوح..
-وإن لم يقتنع أحيانًا لقلةِ خبرتِه، فالوالجبُ عليه طاعةُ والديه ثقةً في أنهما أحرصُ الناسِ عليه، ماداما يتقيانِ اللهَ فيهِ وهو يعلمُ، ومادام الأمرُ فيه ضَررٌ أو تفويتُ مصلحةٍ متحققة..
-وأنه ليسَ عَجبًا أن نُخطِيءَ لكنَّ العيبَ أن نتمادَى في الخطأِ ونُكَررَه بعدما تعلمنا الدرسَ..
لكن هذا لا يمنعُ أننا أحيانًا قد نجعلُ ولدَنا يتعلمُ خطأَه ويُصحِحُهُ بينما جُرحُه لازالَ موجودًا، إذا كان الموقفُ لا يَحتَمِلُ التأجيلَ أو الانتظارَ..
كما حدثَ مع المسلمين في مَوقعةِ أُحُد، حينَ أثخنَتْهُمْ مُصيبتُها جِراحًا وآلامًا جَسديةٍ ونفسيةٍ عميقة، وكان ذلك بسببِ خطأِ طائفةٍ مِنهم بتركِهم جبلِ الرُماةِ فانكشفَ ظَهرُ المسلمين للعدوِ ووقعَ ما وَقع...
ولم يمنعْ ذلكَ النبيَ المربي الرؤوفَ الرحيمَ ﷺ، مِن أن يأمُرَهم وجراحُهم لم تندمِلْ بعدُ، بالذهابِ إلى مِنطقةِ حمراءِ الأسد، لملاقاةِ الكفارِ من جديد وترميمِ الخطأِ... وانتظروا هناك ثلاثةَ أيامٍ جَبُنَ فيهنَّ عدوُهم عن ملاقاتِهم، فعادُوا للمدينةِ مَرفوعِي الرأسِ مِن جديد..
الشاهد:
نُوازِنُ أمورَنا بين هذا وذاك حين يستدعِي الأمرُ استثناءً حسبَ المواقف.. لكنِ الأصلُ هو المَرحَمةُ واللينُ والرأفةُ.. وأن لا شماتةَ مطلقًا في المُؤمنين.. تمامًا كالدعاءِ عليهم وسبِهم...
وهذا التوازنُ مطلوبٌ لئلا نصنعَ طفلًا مدللًا بدرجةٍ مُفرِطَةٍ، مُفتِقرًا للقوةِ النفسيةِ المطلوبةِ، غارقًا في الهشاشةَ النفسيةَ..
فلا ينكسِرُ حين تعصفُ به المعاملاتِ الإنسانيةِ المختلفةِ فيما بعد..
وهذا يشملُ البنتَ والولدَ على حدٍ سواء..
وبالتالي كذلك، إذا رأيتِ أحدَهم يشمَتُ بأخيه فعلميه:
-أن هذا حرام..
-وأن الشماتةَ لا تكونُ إلا في منافقٍ أو عدوٍ للهِ مُحارِبٍ لشرعِهِ وفِطرتِه، لا بين المؤمنين...
وأن الله قال: {إنما المؤمنون إخوة}.. و{رحماءُ بينهم}
ونبيه ﷺ قال: "لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك"..*2
وقال أيضا: إن أفضل المسلمين، من سلم المسلمون من لسانه ويده
وقال أحدُ أكثم بن صيفي، الصحابيُ الجليلُ وحكيمُ العربِ المُفَوَّهُ: (ليس مِن الكرم أن يَشْمَت الرَّجل بصاحبه إذا زلَّت به النَّعل، أو نزل به أمرٌ)*1
أعلمُ أننا أحيانًا كثيرةً يكونُ بداخلنا بركانٌ يغلي ولا يُطفِيءُ ثورتَه إلا بإفحامِهم بشدةٍ لا تخلُو مِن شماتَةٍ وقسوة...
لكن:
-حين نتذكرُ تلك النصوص الشرعية،
-وأننا بذلك نربيهم على الشماتةِ بالآخرين فننقلُ الخطأَ بأيدينا لأجيالٍ متتاليةٍ ونَحملُ أثقالًا مع أثقالنا،
-وأن الهدفَ الجليلَ مِن وراءِ بناءِ علاقةٍ متينةٍ معهم أهمُ مِن إفراغِنا لشحناتِ غَضبٍ عابرة،
===فباستحضارِ كلِ ذلك، نتمكنُ من كبحِ غضبِنا، مُحتسبين الأجرَ من الله...
وإلى اللقاء في المقالة القادمة بإذن الله، مع الممنوع الخامس: ((أبدا ما فضحتك))..
هوامش:
1*الدرر السنية
https://dorar.net/akhlaq/2293/%D8%A7...A7%D8%AA%D8%A9
2*عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن))
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات5:
أبًدا ما فضَحتُك.. "لو ستَرتَه بردائِك لكانَ خيرًا لك"
أسماء محمد لبيب
قالت لي:
((إلى الآن أتذكرُ شكوى أقاربى من أبنائِهم ونحن صغار.. لا أنسى أبدًا قصةَ فلانة عن ابنِها الذي كان يشربُ السجائرَ في الثانوية، وفلانة التي كان ابنها يهرب من الدروس.. وغيرها من الفضائحَ التي لا يعلمُ أصحابُها إلى الآن أني أعرفُها عنهم، وما عرفتُها سوى من حَكايا أمهاتِهم..
وكم تخيلتُ مرارةَ ذلك لو حدثَ لي، فالمرءُ حينَها يَشعُرُ وكأنَّ وظهرَه مكشوف))..
وغيرُها قالت:
((أذكرُ إحدى الأمهاتِ وهي تتحدثُ عن أولادِها الذين في الابتدائيةِ والإعداديةِ، بانتشاءٍ وزهوٍ وكأنها تحكِي طُرفَةً ومَفخَرَةً: "ضربَهم أبوهم أمسُ بشماعةِ الملابس ليستذكِروا دروسَهم.."
وأخريات تقول أمام الناس:
((ابنتي تضعُ أصبعَها في أنفها! أو ابني يسرِقُ من إخوتِه طعامَهم لشدةِ شراهتِه! أو ابنتي تجلسُ كثيرًا أمامَ المِرآةِ لتتزينَ قبل مَجِيءِ صويحباتِها للبيتِ، وكأن عريسًا قادِمٌ! أو ابني ينامُ عن صلاةِ الفجرِ هربًا من البرد..))
هكذا يتحاكَى بعضُ الآباءِ بمعايِبِ أبنائِهم علنًا، وربما وأبناؤُهم حاضرون -وهذا أشدُ إيلامًا..
يفعلونها تنفيسًا للغضبِ أو الثرثرةِ أو الضحِك، ولا يكترثون بوقعِ ذلك في نفوسِ أبنائهم، وموقعِه من الشرعِ حين يتمُ بدون مُبرِرٍ مُعتَبَرٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ ثابتةٍ شرعًا..
=قال ابنُ المبارَكِ: "كان الرَّجلُ إذا رأى مِن أخيه ما يَكره، أمره في سِتْرٍ، ونهاه في سِتْر، فيُؤجَرُ في سِتْرِه، ويُؤجَرُ في نهِيه... فأمَّا اليومَ، فإذا رأى أحدٌ مِن أحدٍ ما يَكرَه، استغضَبَ أخاه وهَتَكَ سِتْرَه"*
=وقال ابنُ عِياض: "المؤمنُ يَسْتُرُ ويَنصَحُ، والفاجرُ يَهتِكُ ويُعيِّر"*1..
=وعن أحد السلف: "مَن ذَكَرَ عَوراتِ المؤمنين، فقد هتَكَ سِتْرَ اللهِ المَرخَىَّ على عبادِه"*2..
==وأظلمُهُن، من لا تَذكُرُ إلا سوءاتِ ولدِها، فتنشرُ فضائحَه وتَكتُمُ خيرَه...
وأعيذها مما قاله ابن القيم في ذلك: "من النَّاس مَن طبعه طبعُ خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه ((قَمَّهُ))/ أي: انكفأ عليه ليأكله"*3
واعتبر العلماءُ كلامَ الأمِ مع الآخرينَ عن وَلَدِها بما يكرَهُ أن يقالَ عنه، وبدونِ مُسَوِّغٍ شرعيٍ -كطلبِ مشورةٍ أو دعمٍ/ أو تقديمِ عِبرةٍ أو تحذير/ ونحو ذلك: (((غِيبةً محرمةً))).. فكأنكِ تأكلين لحمَ مَيتَةَ أبنائِكِ والعياذُ بالله..
==وأظلمُ منهما، مَن فضَحَت أمرًا قد اطَّلَعَت عليه بالتجسسِ على ولدِها..
ونقصد: التجسسَ غيرَ المشروع، فلو هناكَ قرينةٌ أو ضررٌ راجحٌ يدفعُ الآباءَ للتجسسِ على الأبناءِ لإنقاذِهم من شرورِ أنفسِهم، فلا حرج..
وسِوى ذلك: فمُحَرَّمٌ وهتكٌ للسترِ الذي بينهم وبين ربِهم..
فهؤلاء لهم حُرمَةٌ وحقوقٌ وليسوا مِلكيةً خاصةً بنا..
وما الآيةُ التي فيها: { {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}} [الحجارات:12]، إلا لتعليمِنا سدَ منافذِ الفضائح...
فالغيبةُ: نشرٌ للكلامِ المكروه عن الشخص، والذي ربما يكونُ غيرَ مَعلومٍ للمستمعِ، فتقعُ الفضيحةُ..
والتجسسُ: هَتكٌ للسِترِ المَرخِيِّ، وجِسرٌ لعبورِ الفضائح..
قال مُجاهدٌ عن {وَلا تَجَسَّسُوا}: "خذوا ما ظهرَ لكم، ودعُوا ما سَتَر الله"*4
وقال النبيُ ﷺ:
"يا معشرَ من آمن بلسانه، ولم يَدخلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبعِ اللهُ عَوْرتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عَوْرتَه يفضحْهُ في بيتِه.."*5
وعلى الناحيةِ الأخرى:
**أعرفُ أُمًا ظلَ ولدُها يُعانِي من التبولِ الليليِّ حتى بعدَ البلوغِ بفترة، ولم يعرفْ بالأمرَ أيٌ من أهلِهم، ولا حتى إخوتُه الذين معه في بيتٍ واحد!
هي ووالدُه فقط..!
حتى استجابَ اللهُ دعاءَهم وعافاه.. ولازال سرًا لا يعرفُه أحد..!
**وأعرف أمًا ارتكبَ ولدُها منكراتٍ يندَى لها الجبين، ثم تابَ اللهُ عليه بعد سنواتٍ من بذلِ الأسبابِ والدعوات.. فأحبتْ أن تنقلَ للأمهاتِ قصتَها ليتعلموا العلاجَ، لكنها آثرَتْ ألا تكشِفَ اسمَها لئلا تفضحَ ولدَها -رغمَ رفعِه الحرج عنها بالفعلِ لأجلِ أن معرفةَ الناسِ بهويتِهما سيكونُ أبلغَ في الأثرِ وأوسعَ في التفاعُل!- لكنها كأمٍ عاشت على سِترِ ولدِها، ما كانت لِتُنهِي تلك المسيرةَ المشرفةَ بفضحٍ له بعدما تاب، حتى لو كان من وراءِ ذلك مصلحةٌ متحققةٌ، فألأولَى مِن المصلحةِ: دفعُ الضرر.. وإن تعارضَتْ مصلحتانِ نقبلُ بأقلِهما ضررًا..
فربما ابنُها غيرُ مُعارِضٍ الآن، لكن فيما بعدُ قد يندمُ ويتمنى لو كانت أمُه تريثَتْ..
بل أحيانًا أجِدُ ولدِي حين يُخطِيء وألومُه ثم نتصالحُ، يقولُ: "هل ستخبرين أبي وتفضحينني؟"! وبدهشةٍ أحاولُ كلَ مرةٍ إفهامَه أن إعلامَ والدَه ليس بفضحيةٍ فهو شريكي في تربيتِهم ويجبُ أن يطّلعَ على تطوراتِها التي غابت عنه لئلا يفوتَه شيءٌ من حُسنِ تقويمهم.. ومهما حاولتُ إقناعَ ولدِي يَظَلُّ مهمومًا لشعورِه بالصغارِ بعدما اكتشفَ قُبحَ خطئِه، ويتخيلُ معرفةَ والدِه بزلتِهِ مُجددًا أو كونًه لازالَ بهذه التفاهةِ ونحو ذلك= فيتألمُ..
فمجرد إدراكُه أن هناك شخصًا سيعرفُ= يؤلمُه، حتى لو كان الشخصُ أباه الذي يحبه ويحرصُ عليه ويُؤَمِّنُه من العقاب/ وحتى لو كان الأمرَ لا علاقةَ له بالفضحيةِ..
حتى صِرتُ أحيانًا أستجيبُ لطلبِه في أمورٍ بسيطةٍ ومكرَرَةٍ ولا مشكلةَ في كتمِها عن والدِهم، من بابِ طمأنتِهِ وجبرِ خاطرِه وإقناعِه بهدفي حقًا من هذا الأمرِ حينَ أفعلُه..
الشاهدُ من كل ذلك:
التأكيدُ على أن شعورَ الفضيحةِ مَريرٌ.. لا يطيقُه أحد..
وهو من أشدِ إهاناتِ الآخرة...
ومعافاةُ المرء منه يومَئذٍ هو من أعظمِ البشرياتِ، حين يُرخِي اللهُ كنفَهُ وسِترَه على عبدِه ليُعَرِّفَهُ وحدَه بذنوبِهِ التي سيغفرُها له بعدما سترَها عليه في الدنيا..
ولذلك كان النبيُ ﷺ يقول صُبحًا ومَساءً: "اللهم استر عوراتي.."..
وحثَّنا على السِترِ وبشرَنا بمضاعفةِ أجرِه قائلًا: "مَن سترَ مسلمًا سترَه اللهُ يومَ القيامة.."*6
والسَترُ: هو "سَترُ سوءةِ المُسلمِ الحسيةِ والمعنويةِ وعيوبِه، بعدَمِ إظهارِهم ولا اغتيابِه،/ والذَّبُّ عنه، والسَترُ عليه إن وقعَ في معصية، بشرط أن لا يُعلنَها ويَجهَرَ بها فلا يكونُ معروفًا بالفسادِ.. فالمعروفُ باستقامتِه إذا زَلَّ، نُوصِح وسُتِر"*7
بل حثتِ الشريعةُ على السَترِ حتى في الكبائر..
بل نهت عن هتكِ المرءِ سِترَ نفسِه، وحثتْهُ على التوبةِ من المعصيةِ سِرًا وعدمِ فضحِ نفسِه، وتوعدتِ المجاهرين:
==مثلا:
قصةُ ماعز.. الذي ذهبَ للصِّدِيق ثم للفاروقِ ليعترفَ على نفسِه بالزِنا، فنصحاه بالتوبةِ منها وعدمِ إخبارِ أحد.. فلم يفعل! وذهبَ للنبيِ ﷺ وأخبرَه.. فأعرضَ عنه ﷺ ثلاثَ مراتٍ.. والرجلُ يُصِرُّ عليهِ ﷺ! حتى أرسلَ ﷺ لأهلِ الرجلِ يسألُهم: هل به مَرض أو جنون!؟ فلما تبينَ أنه صحيحٌ= لم يكن مَفَرًّا من إقامةِ الحد.. فَرُجِمَ حتى الموتِ، لأنه كان ثيِّبًا..
وسببُ كلِ ذلك:
رجلٌ اسمُه هَزَّال.. هو من نصحَ ماعزَ، بإخبارِ معصيتِه لهم..
فقال له ﷺ: ((يا هَزَّال.. لو سَتَرتَه بردائِكَ لكان خيرًا لك))..*8
أي: لو ستَرتَهُ بأن أمَرتَهُ بالتَّوبةِ، وكتمانِ خطيئتِه..
والرِّداءُ: على سبيلِ المبالغة، بمعنى: "لو لم تجد طريقةً لسَتْرِه إلَّا بسَترِهِ بردائِكَ عن أعينِ الشهود، لكان أفضلَ ممَّا فعلتَ..*11
==ومثلُها:
قصةُ شُرَحْبِيل بن السِّمْط..
كان على جيشٍ، فقال لهم: "إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب -أي: الخمر- فمن أصاب منكم حَدًّا فليأتِنا فنطهِّره".. فأتاه ناسٌ..!
فبلغ ذلك الفاروقَ... فكتبَ إليهِ: "لا أمَّ لك! أنت الذي يأمرُ النَّاسَ أن يهتِكوا سِتْرَ اللهِ الذي سَتَرَهُم به!!؟"*9
==وفي المجاهرين بفضائحهم قال ﷺ:
"كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، ومن المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَرَه اللهُ عليه، فيقولُ: ((يا فلان، عمِلتُ البارحةَ كذا وكذا...))!.. وقد باتَ يَسْتُرُه ربُّه، ويُصبِحُ يَكشِفُ سِتْرَ اللهِ عنه"*10
فكلُ ذلك يؤكدُ خطورةَ الاستهانةِ بإبرازِ الفضائحِ والسوءاتِ، فإنه:
*يُجَرِّيءُ المَفضوحَ على العنادِ والخطأِ أكثرَ، ويُيَئسُهُ من تزكيةِ نفسِه، فيؤجِلُ توبتَه، ويُعانُ شيطانُهُ عليه..
*ويُجَرِّيءُ الناسَ على الخطأِ، لظهورِ المجتمعِ كمجتمعٍ أكثريتُه فاسدون..
*ويفتنُ الذين يتخذونَهُ قدوةً لهم ولأبنائِهم.. ويُنفِّرُهم مِنه..
*ويُوغِرُ الصدورَ ويؤلِمُها ويتركُ ندباتٍ تَعوقُ النموَّ النفسِيَّ السليمَ، ويُفسِدُ العلاقاتِ الأسرية..
*ويُجَرِّيءُ الآخرينَ على انتهاكِ حرمةِ ولدِكِ واغتيابِه والاستهزاءِ به..
لذلك ننصحُ حتى الأمهاتِ اللاتي يَطلُبنَ استشارةً، سواءٌ سرًا في رسالةٍ أو علنًا في تعليقٍ مثلا، أن يَصِغنَ السؤالَ بصيغةٍ حمَّالةِ أوجُه:
فبدلًا من قولِ: ((ابني يكذِبُ/ أو يشتمُنا/ أو لا يغُض بصرَه/ أو يسمَعُ الأغاني... فماذا أفعل؟))
==الأستَرُ والأفضلُ تقولُ: ((لو أمٌ يفعلُ ولدُها كذا، فماذا تفعل؟))
إلا بالطبع ما كان في أمورٍ يسيرةٍ لا تَرقَى لأن تكونَ فضيحةً ولا تُسببُ حرجًا للأبناء.. والأولَى السَترُ على كل حال..
فلْنُعِدَّ العُدَّةَ مِن الآنِ للثمرةِ المَرجوةِ التي ذكرناها في بدايةِ سلسلةِ الممنوعات:
أن تقولِي يومًا لولدِكِ بكلِ فَخرٍ ولله الحمد: "أبدًا ما فضحتُك"....
أو تقولي: "منذ تُبتُ وأنبتُ إلى الله في ذلك بحمد الله: أبدًا ما فضحتُك"..
وإلى اللقاءِ مع الممنوعِ السادس: "أبدًا ما ربيتُكَ لمنفعتِي الخاصة"..
في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..
الهوامش:
1* جامع العلوم والحكم*لابن رجب (1/225)..
الدرر السنية موسوعة الأخلاق:
https://dorar.net/akhlaq/611/%D8%A3%...B3%D8%AA%D8%B1
2* عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي*(التوب يخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (1/101) .32)./الدرر السنية.)
3* ابن القيم/ نقلا عن الدرر السنية.
4* الطبري/ نقلا عن الدرر السنية.
5*"يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه".. الراوي : أبو برزة الأسلمي والبراء بن عازب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع.. الصفحة أو الرقم : 7984 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
6* الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ. الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2580 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
7*بالجمع بين جملة من تعريفات الستر اصطلاحا، مع اختصارها في فقرة واحدة/ من موسوعة الأخلاق الدرر السنية:
https://dorar.net/akhlaq/602/%D9%85%...A7%D8%AD%D8%A7
8* حديث قصة ماعز:
- عن هزَّالٍ أنَّه أمر ماعزًا الأسلميَّ أن يأتيَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيُخبِرَه بحدثِه ، فأتاه ماعزٌ فأخبره بحدثِه فأعرض عنه مِرارًا وهو يُردِّدُ ذلك على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فبعث إلى قومِه فقال : أبه جِنَّةٌ ؟ فقالوا : لا ، فسأل عنه : أثيِّبٌ أم بِكرٌ ؟ قالوا : ثيِّبٌ ، فأمر به فرُجِم ، ثمَّ قال : يا هزَّالُ لو سترتَه بردائِك كان خيرًا لك الراوي : هزال بن يزيد الأسلمي | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : التمهيد | الصفحة أو الرقم : 23/125 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
https://dorar.net/hadith/sharh/150118
9*قصة شرحبيل: ((مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني)) (5/197) (9371)، و((الزهد)) لهناد بن السري (2/646)/ نقلا عن الدرر السنية موسوعة الأخلاق: https://dorar.net/akhlaq/611/%D8%A3%...B3%D8%AA%D8%B1
10* 1 - كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 6069 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
11*شرح "ردائك": موسوعة الأخلاق الدرر السنية: ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه dorar.net/akhlaq/609/ثانيا:-الترغيب-في-الستر-في-السنة-النبوية https://dorar.net/akhlaq/609/%D8%AB%...88%D9%8A%D8%A9
--
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات6:
أبدا ما ربيتُك لأجل منفعتي الخاصة: {لا نُرِيدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكُورًا}
أسماء محمد لبيب
فهدفنا اليوم هو فطامُ النفس ومنعُها من التطلع لأي شكر أو جزاء أو مصلحة تعوق تخليصِ نيتنا لله في التربية، من خلال تفعيلِ الممنوعِ الشاملِ المذكور في قوله تعالى:{لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
تكلمنا في الممنوعِ الثاني والثالثِ عن بعضِ دوافعِ دعاءِ الأم على ولدِها، وكان من أبرزِها: سيطرةُ رغبتِها في الثأرِ لنفسها، على أمومتِها تجاه ولدها.
ومن أقوى أسبابِ انجرارِ الأمِّ لذلك أحيانًا: تربيتُهم لأجلِ المنفعةِ الدنيويةِ الخاصة، التي حين يخفقون في تلبيتِها يَسقُطُون من نظرنا، ويقعون في مَرمَى طلقاتِنا وربما بصورِ غَضَبٍ وغِلٍّ تتعارضُ مع الأمومةِ مَضرِبِ المَثَلِ في المرحمةِ الكونية..
وقد يسألُ سائلٌ: ألم يمدحِ اللهُ عبادَ الرحمنِ قائلًا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]؟ والجواب: نعم.. لكنِ المقصودُ وفقَ سياقِ الآيات: ((قرةُ عينٍ وسرورٌ وأُنسٌ بصلاحِهم..))، لا كما يظن الناسُ: ((قرة عينٍ بشأنِهم الدنيوي..))..
وتأملوا ختامَ دعائِهم في آخرِ الآية: {واجعلنا للمتقين إمامًا}..
قال السعدي في تفسير [قرةَ أعين]: ((وإذا تأمَّلنا حالَهم وصفاتِهم عرفنا مِن هِمَمِهم وعلوِّ مرتبتِهم أنهم لا تَقَرُّ أعينُهم حتى يَروا أولادَهم مطيعين لربِهم عالمين عاملين.. وكما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه ((دعاء لأنفسِهم)) لأن نفعَه يعودُ عليهم، بل يعود إلى نفعِ عمومِ المسلمين))-بتصرف
وسؤالُنا اليوم: كيف يمكنُنا تحقيقُ القاعدةِ التي ذكرناها في مقالةِ "النية من التربية"..: {ني نذرتُ ((لك)) ما في بطني}..؟
كيف نحققُ الإخلاصَ للهِ في الإنجاب؟
والإجابةُ بأمرين: تكسيرُ موانعِ الإخلاص// وتكثيرُ دوافعِ الإخلاص.
واليومَ نناقشُ: ((تكسيرُ موانعِ الإخلاص))...
المانعُ الأولُ: طاعتُنا وإرضاؤُنا لأولادِنا على حسابِ الشرع..
(وفصلناه في مقالاتِ الممنوع الأولِ بعنوان [[أبدا ما عصيتُ الله لأرضيك": {واحذرهم أن يفتنوك}..]]... وملخصه: "فتنةُ الميلِ إلى رغباتِ الأبناءِ على حسابِ رضا الله..)
أما المانع الثاني فهو لبُ حديثِنا اليوم: ((لهاثُنا وراءَ حظوظِ أنفسِنا من الإنجاب..))
فتنعقدُ نياتُنا من الإنجاب على نوايا تخدُم حظَّ النفس، سواءٌ بما يخالفُ الشرعَ أو لا يخالفُه.
1 فمنا من تنجبُ لأجل منفعةٍ خاصة بما لا يخالفُ الشرع: (كأن أنجبُ لأتمتعَ ببراءةِ الأطفالِ وجمالِهم، ومشاعرِ الأمومةِ مثلا، وإعانتِي في الكِبَر)..
2 ومنا من يفعلُ ذلك بما يخالفُ الشرع: (كأن أُنجِبَ لأتباهَى بأبنائي أمامَ الناسِ، أو أغيظَ فلانةً العقيمَ مثلا)..
فالأُولى مباحةٌ شرعًا، لكننا لا نؤجَرُ عليها..
لكِنِ الثانيةُ معصيةٌ نُؤزَرُ عليها..
كحالِ الوليدِ بنِ المغيرةِ.. قال الله عنه: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا}[المدثر:12-14]
شُهودًا أي لا يفارقونه أبدًا لا سفر ولا إقامة، يتقوَّى بهم ويُرهِبُ بهم أعداءَه...
أي: سَخَّرَهُم لمنفعتِه الخاصة...
{ثمَّ يَطمعُ أن أزيد}..! فلا يَكتفِي، نتيجةً لتضخمِ قيمةِ "منفعتِه الخاصةِ وحظِّ نفسِه"..
حتى إذا جاء الإسلامُ، استعملَهم في محاربةِ الدين.. فذَمَّهُ اللهُ كما لم يَذُمَّ أحدًا..
نعم.. قد تقودُ عبوديةُ المنفعةِ الخاصةِ إلى هاويةِ الاستغناءِ، كما قال الله: {أنْ رآهُ استغنَى}..
تتعجبون؟
أما تَذكُرون العربَ في الجاهلية كيف يَسوَدُّ وجهُ أحدِهم إذا بُشِّرَ بالأنثى، فلماذا؟
مِن الأسبابِ: أنه سيضطرُ للإنفاقِ عليها لأنها لا تعملُ ولا تساعدُه في مهامِّ الرجال.. وتضخَمَتْ لديهم قيمةُ المنفعةِ الخاصةِ وحظِّ النفسِ مِن الذريةِ، إلى مرحلةِ "وأدِ البنات"...
رأيتم حين تختلُ النيةُ وتطغَى المصالحُ الضيقةُ على سموِّ الغايات، كيفَ قد تنتهي بنا الطريقُ إن أمِنَّا الفتنةَ ولم نحاسِبْ أنفسَنا ونُصححِ المسارَ؟
ولذلك، صِرنا نرى أمًا تَضرِبُ ولدَها وتعنفه لعدمِ حصولِه على الدرجةِ النهائيةِ مثلَ أقرانِه، أو لرفضِهِ الذهابَ لبطولةٍ رياضيةٍ مشهودة، وتَضَعُ قوانينَ صارمةً لإشباعِ منافعِها مِن إنجابِه، مهما أهلكَهُ ذلك..
ويُضاعِفُ من بشاعة فِعلِها، حينَ يَظهَرُ التغافلُ واللينُ فقط عندَ حقوقِ الله..
وأُمًا أخرَى، لا تختالُ بالذريةِ لكنَّها قد تُعَنِّفُ ولدَها لرفضِه مساعدتِها في ترتيبِ البيتِ، بينما لو رفضَ القيامَ لصلاةِ الفجر مثلا تقولُ "لا عليكَ اجمعْها مع الظهر"!.. أو لو غَشَّ في الامتحان فلا تبالي..
وسمعنا عمن قتلوا أولادَهم أو تسببوا لهم في عاهاتٍ مستديمة، في مثل ذلك..
لذلك، أنذرَنا اللهُ من طغيانِ باعِثِ المنفعةِ الخاصةِ مِن الذرية وغيرها، لأنه يُلهِي عن الغايةِ الأسمَى: {إني نذرتُ لكُ ما في بطني}، حين قال: {ألهاكمُ التكاثُرُ* حتى زُرتُم المقابر}.. والآيةُ ليست خاصةً فقط بالتكاثر والتفاخر بالأولاد.. فكلُها منظومةٌ واحدةٌ مترابطةٌ: {للهِ ربِّ العالمين..}
وقد تقولُ إحداكُن:
فما المشكلةُ أن أبتغِي بالإنجابِ منفعةً خاصةً ولا أخالفُ الشرعَ في نيتِي، فأفقدُ فقط الأجرَ ولا آثمُ بالوِزر؟
والجواب:
رغم أنه لا حرج على من لم يقصدْ إلا قضاءَ شهوتِه وحاجتِه والتمتعَ بالمباح، ما دام الأمرُ لا يخالفُ الشرعَ، فلا يأثمُ بمجردِ فعله وكذلك ليس له أجرٌ بمجردِ فِعلِه،
إلا أننا نحذِّرُ من التساهُلِ في حظِّ النفسِ هذا لعدةِ أسباب:
أولًا: لأنه بوابةٌ للتحولِ للجانبِ الذي فيه وِزر.. والشريعةُ علمتْنا أنَّ سدَّ الذرائعِ بوابةٌ النجاة.. والدنيا دارُ امتحان.. والأولادُ فتنة: {إنَّما أموالُكم وأولادُكم فتنةٌ}.. فلابد أن نُمتَحَنَ في الإخلاص.. لذلك قال الله في ختام الآية: {واللهُ عندَه أجرٌ عظيم..}.. ثم أعقبَها بالآيةِ: {فاتقوا اللهَ ما استطعتُم واسمَعُوا وأطِيعُوا}..
ورُبَّ نيةٍ أورثَتْ شِركًا والعِياذُ بالله، قال اللهُ في الحديثِ القُدسِي: «أنا أغنى الشُّرَكاءِ عنِ الشِّرْكِ.. من عَمِلَ عملًا أشرَكَ مَعِي فيهِ غَيري فأنا بريءٌ منْهُ -أي لا أقبلُه فلا يَصِلُ إليَّ- وَهوَ كلُّه للَّذي أشرَكَه»[1]
ثانيا: ابتغاءُ العملِ لوجهِ اللهِ يَجعَلُ فيهِ البركةَ والتوفيق.. فمن تتركُه، فلا تندِبْ قلةَ نَصيبِها من بَركَةِ الذريةِ والتوفيقِ في سعِيها..
ثالثا: قد تغنمينَ بنيتِكِ الخالصةِ لربِكِ، ثمراتِ أمهَرِ المُرَبِّين، رُغمَ تواضُعِ أدواتِ سَعيِكِ.. النيةُ تَسبِقُ.. فاعمَلِي بذَكاء..
رابعًا: ألا تريدين أن تغنمي أعلَى درجاتِ الجنةِ بكلِ حسنةٍ تستطيعينَ اقتناصَها، كي تتمكني من رفعِ أبنائِكِ مَعَكِ إليها بإذن الله، الذين عجَزَتْ أعمالُهم عنها وطالما تمنيتِ لهم تلك الدرجات....؟ كما قلنا في قاعدة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:21]
وليس معنى الكلامِ أن نَكرَه المنافعَ من أبنائِنا أو لا نفرحَ بفضلِ اللهِ فيهم.. فتكثيرُ عددِ الأولادِ نعمةٌ أرشدَنا اللهُ لشكرِها حين قال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}[الأعراف:86] وحين قال: { {ويُمدِدْكُمْ بأموالٍ وبنينَ}[نوح:12] كمكافأةٍ بعد استغفارِنا.. ولكنها نعمةٌ بحسبِ نيةِ الشخصِ من العددِ.. كما قال اللهُ: وَأَمْدَدْنَٰكُ م بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا...}[الأعراف:6-7]
فالكلامُ عن ابتداءِ الباعثِ والنيةِ والقصدِ، وخطورةِ الالتهاءِ بذلك عن الغايةِ الكبرى..
فنتذكرُ دومًا أنهم زينةٌ لا أكثر.. ويظنُ البعضُ كذلكَ أن كلمةَ "زينة" هي مدحٌ للأبناءِ، بينما هي تحذيرٌ من التمتعِ بهم ونسيانُ اغتنامِ الأجر، فالزينةُ فانيةٌ، بينما الذي يبقَى هو ما احتسبنا أجرَه من الله..
قال السعدي في تفسير: {ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡبَـٰقِیَـٰ تُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا} [الكهف:46]: أي ليس وراءَ ذلك شيءٌ، والذي يبقَى للإنسان وينفعُه ويَسُرُّه: الباقياتُ الصالحات.. وتأمل كيف ذكرَ اللهُ أن الدنيا فيها نوعان: نوعٌ هو من زينتِها، يُتمتَعُ به قليلًا ثم يزولُ بلا فائدة تَعودُ لصاحبه بل ربما لَحِقَتْهُ مَضَرَّتُه: ((وهو المال والبنون))... // ونوعٌ يبقَى وينفعُ صاحبَه على الدوامِ، وهو: ((الباقيات الصالحات))..]].(بتصرف)
ولهذا قال سفيانُ الثورِيُّ: "ما عالَجتُ شيئاً علَيَّ أشدَّ من نيتي، إنها تتقَلَّبُ عَلَيَّ..!!"
وما أبريءُ نفسي فالأمرُ حقًا صعبٌ ولكنه يسيرٌ على من استعانَ بربه..
بخاصةٍ الجانبُ المباحُ الذي بلا وِزر، لا ننتبهُ له لشدةِ خفائِه في القلبِ وعفويتِه واعتبارِ غالبيةِ الناسِ الإنجابَ ضمنَ المباحاتِ والمتاعِ فقط لا العباداتِ والطاعات..
فهدفنا اليوم هو فطامُ النفس ومنعُها من التطلع لأي شكر أو جزاء أو مصلحة تعوق تخليصِ نيتنا لله في التربية، من خلال تفعيلِ الممنوعِ الشاملِ المذكور في قوله تعالى:{ما نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}
ولكي نمسكَ بتلابيبِ النيةِ من بدايتِها لنتمكنَ مِن مقاصِدِنا بحولِ الله، تعالَوا نتتبعْ مؤشراتِ المنفعةِ الخاصةِ وتفاوتِ مراتبِها بداخلنا.. فمنا من تختلطُ عليه النيةُ ابتداءً قبل الإنجابِ أصلًا، ومنا من ربما بدأ بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ الله، ثم تتحولُ نيتُه في المنتصَف..
وتفاصيلُ ذلك بالأمثلةِ وطرقِ الوقاية، في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..
هوامش:
1*معنى "أنا بريء منه": أي لا أقبله فلا يصل إليّ
*الحديث بكل روياته الصحيحة
-
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
ممنوعات6
(تابع): "وإنما لكلِّ امرِءٍ مَا نَوَى"
أسماء محمد لبيب
قلنا في المقالةِ السابقةِ:لكي نُمسِكَ بتلابيبِ النيةِ التربويةِ في بداياتِها، سنتتَبَعُ مواضعَ نيةِ المنفعةِ الخاصةِ، وكيف يمكنُنا اكتشافُها من خلالِ آثارِ أقدامِها..
ولدينا...
ثلاثُ مراحل:
أولُ مرحلةٍ: ابتداءً.. قبل الإنجاب أصلا:
فننجبُ كما يُنجِبُ الناسُ.. دون احتسابِ أجرٍ من الله..
=إما لنتخلصَ من كلامِ الناسِ عن تأخرِنا في الحَملِ مثلا، وإخمادِ غيرتِنا من قريناتِنا اللاتِي أنجبنَ قبلنا..
=أو لنستعملَ الأولادَ في خِدمتِنا ويكونوا لنا عُزوَةً ننتسِبُ إليها ويشدون مِن أزرِنا..
=أو لنحصُل على جِنسيةِ بلدٍ ما مثلا ونتمتعَ بصلاحياتِ المواطنين فيها..
=أو لنحصلَ على نفقةٍ في حالةِ حدوثِ طلاقٍ لاحِقًا لا سمحَ الله..
وما إلى ذلك من المنافعِ الدنيويةِ الخاصةِ التي لا وِزر فيها إن كانت نيتُنا لها، لكن لا أجرَ لنا من ورائها كذلك، لفقدانِ الاحتساب..
فكما قال ﷺ: "إنما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوَى"..
=و مِنا من تُنجِبُ طمَعًا في أن ينالَها مِن حُسنِ سَمتِ الأولادِ وتَدَيُّنِهم وتفوقِهم وشأنِهم، شُهرةً أو مدحًا أو مالا.. ونُكاثِرُ بهم قوافِلَ المُفاخِرين بالذرية...
وهذا يَتبَعُ القِسمَ الذِي فيه وِزر والعياذُ بالله..
تأملوا قولَ النبيِ ﷺ في الخيلِ:
«"الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ.. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ.. وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ.. =فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ، فَلاَ تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا../ وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا../ وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ -حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا! (أي أخذ يُعَدِّدُ كُلَّ شيئٍ فيها ويُلحِقُ به الأجرَ!)- « وَلَوْ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ» (أي ركضت وأسرعت)، «كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ..!»
= «وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا، وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا، وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا» ، (أي يؤدِي حق الله فيها والناس، وإن لم يهبها في سبيل الله)..
- «وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ وِزْرٌ: فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا، وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ » (أي خيلاء وفخر)..*3
هذا في الخَيلِ...!
فكيف بمن أنجبَ ولدًا للحياةِ وسقاهَ ورعاهُ من لحمِهِ ودمِه وأنفقَ عليه شبابَه وصحتَه ومالَه في سبيلِ الله.....؟
وبالطبع ليس كلُ سرورٍ بمدحِ الناسِ رياءً، فالسرورُ المحمودُ حين يفرحُ المرءُ بفضلِ الله عليهِ، لا بحمدِ الناسِ لعملِه.. "قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ الرَّجُلَ يَعمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيرِ ويَحمَدُه النَّاسُ عليه؟ فقالَ: تِلك عاجِلُ بُشرى المُؤمِنِ"
وهنا نسأل: أين ننتبهُ لهذا النوعِ من النوايا؟
===عند الغضبِ.. يَظهَرُ وينكَشِفُ بوضوح..
فغضَبُ الأمِ بشدةٍ واكتئابِها وحَنَقِها وسَخَطِها، حينَ لا تَحصُلُ على أيٍ مِن تلكَ الثمراتِ المطلوبةِ، علامةٌ تدُلُ على وُجودِ هذا النوعِ.. وأشدُّ مِن ذلك وضوحًا: غضبُها بوسيلةٍ مما نَهَى اللهُ عنه، مِن سَبٍ ودعاءٍ عليه وربما عنفٍ وسخريةٍ وتجريح..
هي هنا تغضبُ لنفسِها وصورتِها أمامَ الناسِ لا تغضبُ للهِ... ولا تدرِي..
المرحلةُ الثانيةُ: في المنتصف.. بعد الإنجاب..
فربما تبدأُ الأمُ بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ اللهِ منذ البداية، ثم تتحولُ نيتُها في المنتصف..
=إما لخوفٍ شديدٍ على الولدِ، لتنامي تعلقِها بهِ أكثرَ كلما كَبُرَ، ولشدةِ جزَعِها من كسرِ خاطِرِه، فتُجَنّبُهُ الكثيرَ من مِواطِنِ التربيةِ المُستقيمةِ والتقويمِ الإيمانيِّ والخُلُقِيِّ الحازمِ بما أمرَ اللهُ، إشفاقًا عليه وإشفاقًا مِن تبرّمِهِ وغضبِه، مثلما فصّلنا في الممنوعِ الأولِ سابقا.. فتتحولُ كما تحوّلَ الذين حَكَى اللهُ لنا عنهم تحولَهم بعدما وهَبَهم الطفلَ السليمَ من العيوبِ كما طلبوا، قائلا: {{فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَا فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ}} ..
=وإما لتعجّلِها الثمرةِ، فيغزوها الإحباطُ وفقدانُ الأمل.. فتهجُرُ تجديدَ النيةِ الأصليةِ لديها للإنجاب، وتطغَى داخلَها نوازعُ المنفعةِ الخاصةِ بحكمِ سرعةِ وتيرةِ الحياة وضغوطاتِها وتَعارُضِ المصالحِ وضعفِ الإنسانِ أمامَ احتياجاتِه.. فتتجهُ بكاملِ طاقتِها القلبيةِ لتلبيةِ منافعِها الخاصةِ الضيقةِ ويخفُتُ صوت:ُ {للهِ ربِّ العالمين}..
نعم.. تعجُّلُنا للثمرةِ وفُقدانُنا للأملِ يكونُ أحيانًا نقطةَ تحولٍ فارقة..
فلا يُلهينا غيابُ ثمرةٍ عاجلةٍ، عن قطافِ ثمراتٍ أعظمَ مُؤجَّلة..
=وإما تتحولُ فرارًا من ((وجعِ الدماغِ)) التربويِّ المتضخمِ، حين اكتشفَتْ بعدما كَبُرَ ولدُها، أن التربيةَ وفق هذه النيةِ إلى ما لا نهايةٍ= أمرٌ صعبٌ ومُرهِقٌ، وشبابُها يزولُ سريعًا وأوقاتُها الخاصةُ تبخرتْ وهذا كلُه يُزعجُها، فتتركُ ولدَها للشوارعِ أو للعالم الرقميِ يُرَبِّيانِهِ عِوَضًا عنها مادامَ يَجِدُ فيهما مُتعتَهُ وضالتَه وتُرحَمُ بهما من طَنِينِهِ وثَرثَرَتِه وأسئلتِه لها وملاحقتِه والتصاقِه بها.. أو ربما تمنعُه من الشوارعِ والعوالمِ الرقمية، لكنها تتركهُ وحيدًا في عالمهِ الخاص كالقوقعةِ المنبوذةِ في قاعِ المحيطِ، لتنعمَ هي بقوقعتِها الخاصةِ كأيامِ شبابِها، فمادام لا يرتكبُ مصائبَ ظاهرةً ولا يَطلُبُ شيئًا منها =فلا بأسَ بالنسبةِ لها أن تنشغلَ عنه بعالَمِها وكفى اللهُ المؤمنين القتال.. فلا تتأكدُ من إحكامِ عقيدتِهِ كفعلِ سيدِنا يعقوبِ مع بَنِيه حتى آخرَ أنفاسٍه من الدنيا: {{إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي}} .. ولا تتفقدُ أحلامَه كما كان يفعلُ النبيُ ﷺ مع أصحابِه حين يُصبِحون فيسألُهم عن أحلامِهم ليلةَ أمس.. ولا تتفقدُ طموحاتِه واحتياجاتِه ولا تشاركه طعامًا ولا حوارًا كما كان يفعلُ النبيُ ﷺ مع أهلِ بيتِه.. ولا تُفَتِّشُ وراءَ همومِ وجههِ وشرودِ روحِه كما كفعلِ النبيُ ﷺ مع أبي عمير وعصفورِه النغيرِ.... وغيرِهم..
فيصبحُ الولدُ يتيمًا وأبواه على قيدِ الحياة.. ويَنقَطِعُ أجرُها هي بعدما كان شلالًا عذبًا زُلالًا لا ينقطعُ حتى وهي نائمة..!
=وربما تركَتْ النيةَ في المنتصف، لخذلانِ مَن حولِها لها في حَملِ عِبءِ التربيةِ معها... ولو أنها ركزتْ على النيةِ مهما عاكَسَتْها البيئةُ الخارجيةِ وخذَلَتْها، لنالتْ الأجرَ حتى ولو فَسَدَتْ ثمرتُها بسببِ الخذلانِ وفقرِ الأسباب..
قال النبيُ ﷺ عن الرجلِ الذي لا مالَ عنده ويتمنَى المال ليتصدق، أنه قال: ..((لو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ بعملِ فلانٍ..)).. "فهو بِنِيَّتِه.. وهُمَا في الأجرِ سواءٌ"..
=وربما تحولت نيتُها، لكثرةِ لومِ الناسِ وانتقادِهم لها وتبكيتهم إياها ووصفهم إياها بالتشدد، لتربيتِها ولدَها بالوحيينِ تربيةٍ محافظةٍ ذاتِ رقابةٍ ومرجعيةٍ دينيةٍ، وهو بعدُ صغيرٌ -في نظرِهم!..
بينما الإخلاصُ أن يستوِي عندنا مدحُ الناسِ وذمِّهم..
قال الفضيل بن عياض:
[[مَن عَرَف الناسَ استراح]].. أي مَن عرفَ أنهم لا يَنفعونه ولا يَضُرونَه استراحَ منهم..
وقال ابن تيمية:
[[السعادة ُفي أن تعاملَ الخلق لله؛ ترجو اللهَ فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافُ اللهَ فيهم ولا تخافَهم في الله.]]
وقال ابن القيم :
[[مَتَى اسْتَقَرَّتْ قَدَمُ الْعَبْدِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِخْبَاتِ (المخبتين)، وَتَمَكَّنَ فِيهَا: ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ، وَعَلَتْ نَفْسُهُ عَنْ خَطْفَاتِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَلَا يَفْرَحُ بِمَدْحِ النَّاسِ. وَلَا يَحْزَنُ لِذَمِّهِمْ ، هَذَا وَصْفُ مَنْ خَرَجَ عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ، وَتَأَهَّلَ لعُبُودِيَّةِ رَبِّهِ، وَبَاشَرَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ قَلْبُهُ]]
*وقال ابن الجوزي: [[ومتى نَظَر الإنسانُ إلى التفاتِ القلوبِ إليه فقد زاحمَ الشركَ نيتَه؛ وضاعَ العملُ، وذهب العمرُ]]*6
ويأتي السؤال:
أين ننتبهُ لهذا النوع؟
الجواب:
-عند أوامرِ الله..
-وعند مدحِ الناسِ لنا أو ذمِهِم..
فإن كنا لا نَسمَعُ لاختلالِ النيةِ صوتًا لأنه أخفَى من دبيبِ النملِ كما قال ﷺ: "الشِّركُ في هذه الأُمَّةِ أخْفَى من دبيبِ النَّملِ"، إلا إن لدبيبِهِ في القلبِ كما فصلنا آثارًا على الجوارحِ تفضحُه...
وكل ذلك، إن لم يكن فيه وِزرٌ، فإنه ليس فقط يُفقِدُنا الأجرَ، وإنما أيضاً يُفقِدُ التربيةَ بركتَها والتوفيقَ فيها غالبًا، بالإضافةِ إلى أنه يؤدِي لسوءِ العلاقةِ بيننا وبين أولادِنا، إذ تصبحُ مبنيةً على المصالحِ الضيقةِ والأهواءِ االمُتعارضةِ بطبيعةِ الحال، لا علاقةً مبنيةً على معالِي الأمورِ والغاياتِ والمقاصدِ، فيُمَزِّقُها الشيطانُ كُلَّ مُمُزَّقٍ والعياذ بالله..
بينما ما كان لله دامَ وارتفع..
وكلما كانت العلاقةُ في اللهِ ولله، كلما ذابت المسافات بين أطرافِها وسَدَّتْ بينهم فُرَجِ الشيطانِ المُفسدة..
وهكذا نكون قد تعرَّفْنا على جانبٍ من الواقعِ يخصُّ أنواعَ النياتِ ومراتِبها وأمثالِها..
وبقِيَ أهمُ سؤالٍ:
بعدَ كلِ الرصدِ والتحليلِ والتشخيصِ والتصنيفِ:
كيفَ العلاجُ.....؟
والجواب في المقالةِ القادمةٍ بإذن الله..
*الهوامش:
1* رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح
2* https://dorar.net/hadith/search?q=%D...e=&rawi%5B%5D=
3*صحيح البخاري ومسلم
4*"من مدارج السالكين " (2/ 8).
5*صيد الخاطر
6*بتصرف واختصار
*شرح حديث عاجل بشرى المؤمن:
https://dorar.net/hadith/sharh/148912
*شرح حديث الخيل ثلاثة:
https://dorar.net/hadith/search?q=+%...e=&rawi%5B%5D=