رد: شرح ركن الإسلام الأول
شرح ركن الإسلام الأول
خالد بن عبد اللّه المصلح
فضل لا إله إلا الله:
لكلمة التوحيد وكلمة الإخلاص فضائل عظيمة ولها مكانة رفيعة منها: أن من قالها صادقاً من قلبه أدخله الله الجنة ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله في الدنيا، وفي الآخرة وحسابه على الله. ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ بن رجب في رسالته المسماة ((كلمة الإخلاص)) ومنها:
1- أنها ثمن الجنة
2- ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
3- وهي نجاة من النار وتوجب المغفرة
4- وهي أحسن الحسنات.
5- وهي تمحو الذنوب
6- وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله - عز وجل –
7- وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها
8- وهي أفضل ما قاله النبيون
9- وهي أفضل الذكر
10- وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً وتعدل الرقاب، وتكون حرزاً من الشيطان
11- وهي أمان من هول الحشر
12- وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم
13- ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
14- ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار لتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها.
هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب - رحمه الله - في رسالته ((كلمة الإخلاص من ص 54-66 واستدل لكل واحدة منها)).
أركان لا إله إلا الله:
لا إله إلا الله لها ركنان:
1-النفي، فشطرها الأول ((لا إله)) يبطل الشرك بجميع أنواعه ويوجب الكفر بكل ما يعبد من دون الله.
2-الإثبات، وشطرها الثاني ((إلا الله)) يثبت أنه لا يستحق العبادة إلا الله.
وقد جاء معنى ذلك في كتاب الله قال - تعالى -: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)256 [البقرة].
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) وهو معنى الركن الأول، (وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) معنى الركن الثاني.
وقال - تعالى -: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)الز رف[26، 27]. : (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ِ) هو الركن الأول: (إِلا الَّذِي فَطَرَنِي) هو معنى الركن الثاني.
شروط لا إله إلا الله سبعة:
ذكر العلماء أن لكلمة الإخلاص شروطاً سبعة وبعضهم عددها ثمانية.
ونظمها بعضهم في قوله:
علم يقين وإخلاص صدقك مع * * * محبة والانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكـفران منك بما * * * سوى الإله من الأوثان قد ألها
1-العلم: فإذا علم العبد ان الله - عز وجل - هو المعبود وحده وأن عبادة غيره باطلة وعمل بمقتضى ذلك فهو عالم بمعناها، قال - تعالى -: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ) وقال - تعالى -: (إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)).
2-اليقين: فيجب على من أتى بها أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقول من أحقية إلهية الله - تعالى -، وبطلان إلهية من عداه. قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) البقرة[4].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيها إلا دخل الجنة)) رواه مسلم.
وعنه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال له من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أنه لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة))رواه مسلم.
وقال - تعالى -في وصف المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) [الحجرات: 15]، أي لم يشكوا بل هم موقنون تمام الإيقان، فأما المرتاب فهو من المنافقين، قال - تعالى -: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 45].
3-الإخلاص المنافي للشرك، وذلك بأن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله وابتغاء مرضاته ليس فيها شائبة، قال - تعالى -: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه)) رواه البخاري.
وعن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) رواه البخاري.
4-الصدق المنافي للكذب: وذلك بان يصدق مع الله في إيمانه صادقاً في عقيدته صادقاً في أقواله، صادقاً في دعوته، قال - تعالى -: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة[119] و عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صادقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)) رواه البخاري.
5-المحبة المنافية للبغض: فيحب هذه الكلمة وما تدل عليه وأهلها العاملين بمقتضاها، فيحب الله ورسوله ويقدم محبتهما على كل محبوب (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165].
6-الانقياد المنافي للشرك: وهو الاستسلام والإذعان لما تدل عليه هذه الكلمة العظيمة، قال تعال: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر: 54]، والاستسلام هو الانقياد لأوامر الله، وقال - تعالى -: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [لقمان 22]. وقال - تعالى -: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [النساء: 125]. وقال - تعالى -: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
7- القبول المنافي للرد: أي يقبل كلما اقتضته هذه الكلمة يقبله ولسانه، قال - تعالى -: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) فمن قالها ولم يقبل ذلك كان ممن قال الله فيهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)[الصافات: 35و36].
8- الكفر بما يعبد من دون الله: قال - تعالى -: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [البقرة: 256].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)) رواه مسلم.
من آثار لا إله إلا الله:
لهذه الكلمة إذا قيلت بصدق وإخلاص وعمل بمقتضاها ظهراً وباطناً، آثار حميدة على الفرد والجماعة من أهمها:
1-اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال - تعالى -: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [آل عمران: 103].
وقال - تعالى -: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 62و63].
والاختلاف في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر، قال تعال: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159]، وقال - تعالى -: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]، ويظهر ذلك في حال العرب قبل الإسلام وبعده.
2-توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحِّد الذي يدين بلا إله إلا الله، قال - تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] وقال - تعالى -(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، وقال - تعالى -: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].
3-حصول السعادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55] فربط الله - سبحانه - هذه المطالب بعبادته وحده لا شريك له.
4- حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا إله إلا الله عاملاً بمقتضاها قال - تعالى -: (ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ القهَّار) [يوسف: 39].
5-حصول السمو والرفق لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]. فدلت الآية على أن التوحيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول.
6- عصمة الدم والمال والعرض، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) قوله بحقها معناه: أنهم إذا لم يقوموا بحقها من التوحيد والابتعاد عن الشرك لا تنفعهم.
معنى شهادة أن محمدا رسول الله:
الاعتقاد الجازم الذي لايخالطه شك بأنه رسول رب العالمين إلى الخلق أجمعين، ويتضمن ذلك: الطاعة له فيما أمر به، والتصديق بكل ماأخبر به عن الله - عز وجل - في الكتاب والسنة واجتناب كل مانهى عنه وزجر، وأن لايعبد الله إلا بما شرعه دون زيادة او نقصان 0ويتبع ذلك الاقرار له بانه رسول الله إلى الناس جميعا بشيرا لمن اطاعه، ونذيرا لمن عصاه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن التيه إلى النهج القويم، وأنزل معه الكتاب(القرآن)مه يمنا على الكتب وناسخا لها ومشتملا على المنهاج الكامل عقيدة وشريعة، به سعادة البشرية في الدنيا وخلاصها في الآخرة، ذلك الكتاب المحفوظ المعجز. فطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طاعة الله. قال - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). آل عمران[31]. وقال - تعالى -: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ). آل عمران[32].
وتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخبار الماضية والمستقبلة مما كان من أمور الغيب واجتناب ما ينهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوجب الواجبات، قال - تعالى -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). الحشر[7]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه). وألا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا كان من شرطي قبول العمل المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال - صلى الله عليه وسلم -: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). وقد جعل الله سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهي: أقواله وأفعاله وتقريراته تشريعا تجب طاعته والتزامه بأمر الله.
مستلزمات شهادة أن محمدا رسول الله
ومن مستلزمات شهادة أن محمدا رسول الله، الإقرار بأنه خاتم الرسل وانه يجب على جميع البشرية إتباعه، لقول الله عزوجل: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)الفرقا [1] وقوله - سبحانه -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، سبأ[28] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بعثت إلى الثقلين: الجن والإنس)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (والله لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني- ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار). وغير اليهودي والنصراني من باب أولى لأن أولئك أهل كتاب وأتباع رسل. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (وبعثت إلى الناس كافة إلى قيام الساعة).
التلازم بين ركني الشهادة
لا يصح الإيمان بالله والإقرار له بالعبودية إلا بالإيمان برسوله- صلى الله عليه وسلم - وإتباعه في جميع شؤون الحياة، لأن الله عزوجل أمرنا بذلك وجعل طاعته وعبادته لا تستقيم ولا تصح إلا من خلال شرعه الذي أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال - تعالى -: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ). النساء[65] وقال - تعالى -: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ). النور[54] وقال - تعالى -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). وقال - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وأركان شهادة أن محمدا رسول الله ركنان:
1-الاعتراف برسالته - صلى الله عليه وسلم -.
2-اعتقاد عبوديته - صلى الله عليه وسلم - لله كما قال - عليه الصلاة والسلام -: (إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله). فلا يرفع فوق منزلته - صلى الله عليه وسلم - فيكون له خصيصة من خصائص الألوهية فيعتقد أنه يعلم الغيب أو ينفع ويضر أو أنه يقضي الحاجات ويفرج الكربات، وقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات:
أ-في إنزال القرآن، قال - سبحانه -: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا). الفرقان[1].
ب-في الإسراء، قال - سبحانه -: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ). الإسراء[1].
ج-في مقام الصلاة والدعاء، قال - سبحانه -: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ). الجن[19].
د-في مقام الحفظ والكفاية، قال - سبحانه -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ). الزمر[36].
لقد أكرم الله نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن عليه بخصال كثيرة وصفات عظيمة رفع بها قدره وأعلى شأنه بين جميع خلقه:
1-أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر فيمن ذكر من الأنبياء في الوحي في قوله - سبحانه -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا). سورة النساء[163].
2-أنه خاتم النبيين، قال - سبحانه -: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا). الأحزاب[40].
3-وهو أول المسلمين في هذه الأمة، قال - سبحانه -: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). الأنعام[14].
4-ومن عظيم قدره أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم، قال - تعالى -: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا). الأحزاب[6].
5- ومن عظيم قدره أنه الشافع المشفع يوم المحشر، وأنه نبي الرحمة، خير الخلق، وعموم رسالته للثقلين، وأنه سيد ولد آدم وأنه نبي الإسلام.
وقفـة:
للشهادتين آثار عظيمة على الفرد والمجتمع في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق.
وبعثة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بدين الإسلام الخاتم ليس للعرب وحدهم، بل وللناس كافة، أشرقت في وقت كانت البشرية كلها بأمس الحاجة إلى من يخرهم من الظلمات إلى النور.