-
الشاهد الثاني : ابن عمر رضي الله عنه
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال : " اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث ، الشيطان الرجيم " .
أخرجه الطبراني في " الدعاء " ( 1/ 135) حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبد الحميد بن صالح . وحدثنا أحمد بن بشير الطيالسي ، ثنا خالد بن مرداس السراج ، قالا : ثنا حبان بن علي ، عن إسماعيل بن رافع ، عن دويد بن نافع ، عنه به .
وسنده ضعيف جدا ؛ فيه خمسة علل وهي كالآتي :
العلة الأولى : أحمد بن بشير الطيالسي ؛ قال في حقه ابن حجر في " اللسان " ( 1/ 140) : " لينه الدارقطني ... قال ابن المنادي : كتب الناس عنه ، وقال أحمد بن كامل : مات في شوال سنة خمس وتسعين ومائتين ، وكان قليل العلم بالحديث ، ولم يطعن عليه في السماع " .
قلت : فهو ضعيف ، ولكن حديثه مما ينفع في المتابعات والشواهد .
العلة الثانية : حبان بن علي ، قال عنه الحافظ في " التقريب " ( ص 217) : " ضعيف ، من الثامنة ، وكان له فقه وفضل " .
وانظر ترجمته في " الميزان " ( 1/ 449) للإمام الذهبي رحمه الله ، ففيها مزيد فائدة .
العلة الثالثة : إسماعيل بن رافع ، ذهب الحافظ في " التقريب " ( ص 139) إلى أنه : " ضعيف الحفظ " .
العلة الرابعة : دويد بن نافع ؛ قال عنه ابن حجر في " التقريب " ( ص 38) : " مقبول وكان يرسل "
قلت : ومعنى مقبول كما لا يخفى على القارئ الكريم أي عند المتابعة وإلى فلين الحديث ، فهذه المرتبة من أدنى مراتب التعديل ، وقد لفت الحافظ النظر إلى أنه يرسل ، أي يسقط الراوي أو الرواة فوقه ، فتأمل .
العلة الخامسة : الانقطاع ما بين دويد هذا وابن عمر ، فدويد بن نافع من الطبقة السادسة ، وأصحاب هذه الطبقة لم يلقى أحد منهم الصحابة فروايتهم عنهم منقطعة ، وقد قرر ذلك ابن حجر ذلك في مقدمة " التقريب " فقال في تعريف أصحاب هذه الطبقة : " طبقة عاصروا الخامسة ، ولكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج " .
وباقي رجاله لا مطعن فيهم .
-
ثم وجدت للحديث شاهدا لبعض معانيه عن زيد بن أرقم قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا دخل أحدكم الغائط فليقل : أعوذ بالله من الرجس النجس ، الشيطان الرجيم " .
أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 5/ 204) حدثنا محمد بن محمد التمار ، وعثمان بن عمر الضبي ، قالا : ثنا عمرو بن مرزوق ، أنا شعبة ، عن قتادة ، عن النظر بن أنس عنه به .
وسنده ضعيف ، فيه محمد بن محمد التمار ؛ ترجم له ابن منده في " فتح الباب " ( 1/ 194) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وما روى عنه إلا علي بن محمد بن نصر وكناه " . وذكره ابن حبان في " الثقات " ( 9/ 153) وقال في آخر ترجمته : " ربما أخطأ " .
فهو على هذا الحال مجهول الحال ، وباقي رجاله ثقات .
قلت : وهذا الحديث بهذا اللفظ مخالف تماما لأصل حديث : " إن هذه الحشوش محتضرة ... " الحديث حيث لم يذكر فيه الثقات جملة : " الرجس النجس ، الشيطان الرجيم " فلعل الخطأ منه والله أعلم .
فهو منكر ، لا يتقوي به حديث الباب كذلك .
وتابع عمرو بن مرزوق ، إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ومحمد بن غالب ، عند الحاكم في المستدرك ( 1/ 297) بنفس لفظ زيد بن أرقم .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي . وحدثنا أبو بكر بن أحمد بن بالويه ، ثنا محمد بن غالب ، قالا : ثنا عمرو بن مرزوق به .
وسنده صحيح على شرط الشيخين ؛ إلا أنه مخالف لأصل حديث : " إن هذه الحشوش محتضرة ..." الحديث
فلم يذكر فيه من ضبطه جملة : " الرجس النجس " .
وعليه فهو شاذ ، وقد خرجته وحققت القول فيه بتفصيل في بداية هذا المؤلف - صحيح وضعيق مصنف ابن أبي شيبة - فراجعه هناك تجد فيه فوائد أخرى .
-
وللحديث آثار شاهدة للحديث ، - وهي التي محل الدراسة من المصنف والتي قادتني أيضا لتوسيع البحث في الحديث - إلا أنه لم يسلم أغلبها من النقد :
الأثر الأول : عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1/ 11 ) حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن عبد العزيز بن عمر ، قال : حدثني الحسن بن مسلم بن يناق ، عن رجل من أصحاب عبد الله بن مسعود قال : قال عبد الله : " إذا دخلت الغائط فأردت التكشف فقل : اللهم إني أعود بك من الرجس النجس ، والخبث والخبائث ، والشيطان الرجيم " .
وسنده محتمل للتحسين رجاله ثقات ، عدا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز القرشي أبو محمد المدني ، قال عنه الحافظ في " التقريب " ( ص 614) : " صدوق يخطىء " .
وفيه رجل مبهم من أصحاب عبد الله بن مسعود ، وقد بحثت عن شيوخ الحسين بن مسلم فوجدتهم كلهم ثقات ، إلا أنه لم يدرك عبيد بن عمر الليثي ، فإذا حدد أحدهم من طريق آخر فالأثر حسن لذاته ، ولهذا قلنا إنه محتمل للتحسين ، خصوصا إذا علمنا أن الحسن بن مسلم ثقة من رجال البخاري رحمه الله .
قلت : وجملة " الخبث والخبائث " صحيحة لها شواهد جاوزت القنطرة ، وقد سبق بيانها فيما تقدم من تخريج لحديث زيد بن أرقم في " الحشوش امحتضرة " فراجعه هناك .
الأثر الثاني : عن الضحاك بن مزاحم مقطوعا به نفسه
حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن الزبرقان العبدي عنه به .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1/ 11) وفي ( 6/ 114) .
وسنده حسن رجاله ثقات عدا راويين وهما :
الراوي الأول : الزبرقان العبدي ، قال عنه ابن سعد في " الطبقات " ( 6/ 335) : " وكان قليل الحديث"
وقال عنه الذهبي في " تاريخ الإسلام " ( 9/ 135) : " صالح الأمر ، وهو أقدم من السراج " وقد أشار إلى عدالته ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3/ 611) فقال : " روى عنه العوام بن حوشب سمعت أبي يقول ذلك "
قلت : والعوام ثقة ثبت فاضل كما قال الحافظ في " التقريب " ( ص 757) ؛ وعليه فالراجح في حقه عندي : أنه صدوق على لين خفيف فيه .
وقد أجاد وأفاد أخونا البحاثة " الناصح " بارك الله فيه ، في تفصيل أمره وبيان حكمه في " ملتقى اهل الحديث " جوابا عن سؤالي للتدرب على دراسة الرواة ، فانظره هناك تجد فيه مزيد فائدة ، جزاه الله خيرا .
الراوي الثاني : الصحاك بن مزاحم ؛ قال في حقه الحافظ في " التقريب " ( ص 459) : " صدوق كثير الإرسال " وقال عنه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " : " ولم يثبت له سماع من أحد من الصحابة " .
الأثر الثالث : عن حذيفة به .
أخرجه كذلك ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1/ 11) وفي ( 6/ 114) من طريق عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عنه به .
وسنده ضعيف فيه جويبر وهو ابن سعيد الأزدي أبو القاسم البلخي ، وهو " ضعيف جدا " كما قال ابن حجر في " التقريب " ( ص 205) .
والله تعالى أعلم .