-
أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ
سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية
(ردًّا على الْمُنْصِف، وانتصافًا من المتعسِّف
)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
الحلقة الأَوَّلَة: (ما ترى! لا ما تسمع!!)
قال أبو تمام [من الكامل]:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ = طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ = مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
فنشكر الأخ "المُنْصَف!" أنه أتاح لنا فرصةً لبيان الحقّ فيما ذكره من أَباطيل وضلالات، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: قد قسم الأئمة الأعلام مسائل الخلاف إلى ما يسوغُ فيه الاختلافُ وما لا يسوغ:
* فسوغوا الخلاف في بعض المسائل لتكافُؤِ الأدلَّة، أو لعدم وُرودِ نصوصٍ صريحة، أو ما شابه ذلك.
* ما لا يسوغُ الخلافُ فيه؛ فالخلافَ فيه يُعتَبَر شُذوذًا؛ لقيامه على شبهات لا دلالات، أو أوهام وخيالات، أو تشهٍّ وذوقيات، أو أحلام ومنامات.
- فأما الأول فلا يُنكَر فيه على المخالف، ولا يكون سببًا للتفرُّق في الدين، ولا يؤدي إلى التنازع والبغضاء، مثل الخلاف في الفروع الفقهيه بين المذاهب، قال الإمام أحمد: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على قوله"، أو في المسائل العقائدية المختلف فيها بين الصحابة السلف وهي مسائل قليلة محصورة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وإني أقرر أنَّ الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يَعُمّ الخطأ في المسائل الخبرية القوليَّة والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكُفْر ولا بفسق ولا معصية، كما أنكر شُرَيْحٌ قِراءَةَ مَن قَرأ: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) وقال: إن الله لا يَعْجَبُ، فبلغ ذلك إبراهيمَ النخعيَّ، فقال: إنَّما شُرَيْحٌ شاعر يعجبه علمُه، كان عبدُ الله أعلمَ منه وكان يقرأ: (بَلْ عجِبْتُ)، وكما نازعتْ عائشةُ وغيرُها من الصحابة في رؤية محمد ربَّه وقالت: "مَن زَعَمَ أنَّ محمدًا رأى ربه فقد أَعْظَمَ على اللَّه الفِرْية". ومع هذا لا نقول لابن عبَّاس ونحوه من المنازعين: إنه مفتَرٍ على الله، وكما نازَعَتْ في سماع الميّت كلامَ الحيّ، وفي تعذِيبِ الميّت ببُكاءِ أهله وغير ذلك. وقد آل الشر إلى الاقْتِتال مع اتّفاق أهل السّنَّة أنَّ الطَّائِفَتَيْن جميعًا مؤمِنَتانِ، وأنَّ الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأنَّ المقاتِل وإن كان باغيًا فهو متأوّلٌ، والتأويل يمنع الفسوق". اهـ. ولكن لما كان الصحيح من كلام أهل العلم: أن الحق لا يتعدد؛ بل هو واحد في كل مسألة -: وجب على من استبان الدليل توجيه النصح إلى من خالفه.
- أمَّا الثاني حيثُ لا يسوغ الخلاف، وينْكَرُ على المخالف – فيفسق أو يبدع أو يضلل أو يكفر؛ بحسب المسألة التي خالف فيها - فهي المسائل المُجْمَع عليها في العقائدِ والفروع الفقهيَّة، بين أهل السنة والجماعة؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115]. فهذا النوع يجب فيه الإنكارُ على المخالف؛ والاختلاف معه وهجره ومفارقته – إن أصرَّ وأبى بعد البيان والنصح وإقامة الحجة – ويدخل في ذلك الخلافُ الحادثُ عند المتأخرين في كثير من مسائل أصول الدين، وكان إجماع سلفِ الأمة على خلافِه؛ كالتَّأْويلات الذي لا مُسَوّغَ لها في صفات الله - عزَّ وجلَّ – وأسمائه وأفعاله، وما شابه ذلك البدع الحادثة؛ اعتمادًا على المعقولات الفاسدة، والأقيسة الباطلة، والذوق المعوج، والخيالات الجامحة.
ولا يَعنِي هذا تفسيق المخالف، أو تضليله، أو تبديعه، أو تكفيرَه، حتى تُقام عليه الحُجَّة في هذه المسائل.
لكنَّ تقبُّلَ هذا الخلافِ بغيرِ إنكارٍ وتَبيينٍ للحقّ: يؤدي إلى التباس الحق بالباطل، والسنة بالبدعة، والإيمان بالكفر، والهداية بالضلالة، وإقرارِ الفِرَق الضالَّة المبتدعة على ما عندهم من ضلالات وبدع، وتعطيلِ فريضةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفَى ما في ذلك من الفساد الكبير، والضلال المبين، ومخالفة سبيل المؤمنين، ومتابعة أصحاب الجحيم؛ وبهذا يتبين أنَّ وضع ذاك "المُنْصَف!" لمسائل العقيدة غير المختلف فيها بين السلف أهل القرون الثلاثة المفضلة والمسائل الفقهية التي هي محل خلاف معتبر؛ من عهد السلف إلى يومنا هذا -: هو وضع للأشياء في غير موضعها، وجمع بين المختلفين على تباين ما بينهما؛ فكيف يسوغ لمن ادعى الإنصاف: أن يلحق قطعيًّا بظني، وإجماعيًّا بخلافي؛ فقد أجمع علماء الفرق سنيهم وأشعريهم ماتريديهم ومعتزليهم زيديهم ورافضيهم: أن الخلاف في مسائل العقائد الإجماعية غير سائغ، وأن المخالف في ذلك لا يخلو من بدعة أو كفر، ولم يلحق أحد منهم - فيما نعلم - الخلاف في العقائد والأصول بالخلاف في الفقهيات والفروع؛ فالتسوية بينها مغالطة ظاهرة، ومناورة مكشوفة؛ بل ذلك لعمر الحق عينُ المحال الباطل، والضلال العاطل.
أما الأشاعِرة، ففرقةٌ تَنْتَسِبُ إلى الإمام أبي الحسن الأشعريّ - رحمه الله - وقد مرَّ الأشعريُّ بمراحلَ - كما ذكر ذلك ابن عساكر في "تَبْيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري" وابنُ كثير والزبيدي وغيرُهم - مرحلة "الاعتزال"، ثم "متابعة ابن كُلَّاب"، ثم "موافقة أهل السُّنة والجماعة" على أكثر عقائدهم، وعلى رأسهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل.
وقد صرَّح الأشعريُّ بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: "رسالة إلى أهل الثغر"، و"مقالات الإسلاميين"، و"الإبانة عن أصول الديانة"، وهذا الأخير آخر ما ألف ومنه يؤخذ معتقده الذي مات عليه وبه يلقى الله – إن شاء الله - فمن تابَعَ الأشعريَّ على هذه المرحلة الأخيرة؛ فهو موافقٌ لأهل السُّنة والجماعة في أكثر المقالات.
ومن لزِمَ طريقَتَهُ في المرحلة الثانية - كما هو حال الأشعريَّة منذ أن حرف الجويني أبو المعالي عقيدة الأشعري ومن بعده الرازي والآمدي والإيجي حتى آخر أشعري في يوم الناس هذا -: فقد خالفَ الأشعريَّ نفسَه، والأشعري من عقيدته براء، وخالفَ - أيضا - أهل السُّنَّة والجماعة في أكثر مقالاتهم.
هذا؛ وقد ردَّ أهل السُّنة عليهم خطَأَهُم، وبيَّنوا مخالفاتِهم، وأظهروا انحرافهم عن ِمُعتَقَد السَّلف الصَّالح أهلِ السنة والجماعة، والطائفة الناجية المنصورة بالأدلة البينات، والبراهين الجليات، والحجج الناصعات؛ وإنك لواجد ذلك - بأجزل عبارة، وألطف إشارة، وأعظم دلالة، وأبين حجة، وأظهر محجة - عند شيخ الإسلام، والعلم الهمام، وبركة الأنام، شيخ الإسلام والمسلمين، إمام الأئمة المهديين، سيد الأولياء، هادي الأتقياء، من قهر الأشاعرة، وألحق بهم سلفهم من المعتزلة والفلاسفة، من جمع بين العقل والنقل بعد أن كانا متعارضين في نفوس أهل الضلالة والمين، من جعل الاعتزال والرفض مذ كان إلى الآن في سفول وخفض، من صير منهاج كرامتهم منهاجا لندامتهم، وان مطهرهم أولى أن يكون ابن منجسهم، كاسر الطواغيت الجامدة للرازي والآمدي، ناقض التأسيس بعد أن أحاط بهم تلبيسُ إبليس، وانظر مجموع فتاواه النفيس، نور القلوب والنفوس؛ ليعلم شانئه أنه من جنود إبليس، من ٌقرأ له علم، ولزم الجادة وسلم، ومن نظر في كتبه، زاد الله في بصيرته وأدبه؛ أتدري من هُوْ؟! ومن أي جهة هَوَاهُوْ؟! قاتل الله شانيه، وأبعد من خالفه فيما لا حجة فيه، إنه شيخ الدنيا بلا منازع، وإن نازع في ذلك من نازع، العلم الخفاق، ومن طار ذكره في الآفاق؛ إنه أبو العباس، وسيد الناس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، ذي الصفات العلية، والنعوت الجلية، العابس في وجوه المبتدعة والجهمية، والحامد لربه ذي الأعطيات السنية، ذي الحلم على البرية، السالم من أعدائه، والمسالم لأوليائه، تُيِّم به أهل السنة النبوية، وأحبه أهل السيرة المرضية والطريقة السوية.
ومن هذه المشكاة المباركة ما دوَّنه اللاَّلكَائِيُّ في "أصول الاعتقاد"، والأصفهاني في "الحُجَّة" ذات العماد، والذهبيُّ في "العُـلُوّ"، لربنا الرحمن ذي العلو، نعني علو الذات، فضلا عن علو القدر والقوات، ومن قبلهم عبدالله بن أحمد، ذو العلم الأحمد، في سنته السديدة - "السُّنة" - وابن خُزَيْمة الهمام في توحيده الإمام - "التوحيد" – والحبر ابن مَنْدَه، من كل الخير عنده، في كتابه "التوحيد"، الحاوي للعلم الرشيد، و"الرد على الجهمية"، ذوي الخطة الردية، ولا تنس "الشريعة"، لإمام الشريعة، نعني أبا بكر، ذا الفهم والفكر، محمد بن الحسين الآجري، من ألقم المبتدعة بالجَصِّ والآجر، و"الإبانة"، عن أصول الديانة، عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرق الهاوية، لأبي عبدالله الإمام الأواه، ابن بطة العُكبري، ثم الحنبلي، و"الرؤية" و"الصفات" لجامع الحسنات، الحديث والقراءات، والإمام الدارقطنى، من صار أمره إلى بياض القطنِ، و"موقف ابن تيمية من الأشاعرة"، ذوي الأسواق الشاغرة، والأفواه الفاغرة، لعبد الرّحمن بن صالح المحمود، ذي المقام المحمود، عند أهل السنة والجماعة، والخير والضراعة، وغير ذلك من دواوين أهل الإسلام المعتمَدَة عند الأنام؛ حيث بيَّنوا في كتبهم عقيدة السَّلف، وضللوا عقيدة الخلف، من الأشعرية ذوي المواقف المخزية، والشبهات الردية المردية، والعقول الكاسدة، والأقيسة الفاسدة.
على أن الأشاعرة وإن كانوا وافقوا أهلَ السنة في بعض السمعيات، وشيء من مباحث النُّبوَّات، فقد خالفوهم فيما عَداها من العقائد، ولا ينبيك عن هذا مثلُ قولهم: "مذهبُ السلف أسلمُ، ومذهب الخلفِ أعلمُ وأحكمُ"، أي: أن مذهب التأويل الفاسد عند المتأخرين، أعلمُ وأحكمُ مِمَّا كان عليه السادة من الصحابة والتابعين، فبالله عليكم أين العقل الصريح أو النقل الصحيح أو الفطرة المستقيمة أو الهداية المستديمة؟! كيف فاتت السلامة مذهبا جمع العلم والحكمة والبيان، بل كيف حُرم العلمَ والحكمةَ مذهبٌ وصف بالسلامة والجبران؛ أيقبل هذا ذو عقل سليم؟! إن هذه العبارة الردية، والجملة الخلفية، والتي أطبق عليها الخلوف، ودان بها الحلوف - المراد: من استعصى غباؤه"، وأمكن داؤه، فلا يرجى شفاؤه، إلا أن يتداركه الله بالهدايه، ويقصده بالولاية، فيفزع إلى المذكور، في الكلام السابق المزبور – المكتوب – إن هذه العبارة تنادي على قائلها بالغباوة، وعلى معتقدها بالشقاوة، وتخرجهما من جماعة العقلاء، إلى زمرة الجهلاء، ومن معشر الناس إلى خشاش النَسْنَاس، فإن صدر هذه العبارة يناقض عجيزتها، وعجيزتها تنافر صدرها، فبالله كيف اجتمع النقيضان، وقد أطبق أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم على أنهما لا يجتمعان في آن، كما اتفقوا على أنهما لا يرتفعان، فلا جمع بين النقيضين ولا رفع، إلا عند من أصيب في عقله بالرفع، وحسبك من شر سماعه، وإن فاتك خير فقد ينفعك استماعه.
هذا؛ وكل واحد من أُلَيَّائِكَ المبتدعة، يدعي أن صريح العقل مَعَه، وأن مخالفه قد خرج عن صريح العقل؛ ونحن - في هذه!! - لن نكذِّبَ أحدًا منهم في هذه الدعوى، بل سنصدِّق جميعهم، ونبطل عقل كل فرقة بعقل الفرقة الأخرى، ثم نقول للجميع: بعقلِ مَنْ مِنْكم – أيها العقلاء! - يوزن كلام الله ورسوله؟! وأيُّ عقولكم تُجْعَلُ معيارًا له؛ فما وافقه قُبِلَ وأُقِرَّ على ظاهره، وما خالفه رُدَّ أو أُوِّل أو فُوِّض؟!
وأيُّ عقولكم هو إحدى المقدمات العشر التي تتوقف إفادةُ كلام الله ورسوله لليقين على العلم بعدم معارضته له؛ أعقلُ أرسطو وشيعتِهِ؟! أم عقل أفلاطون وشيعته؟! أم فيثاغورس؟! أم أنبادقليس؟! أم سقراط؟! أم تامسطيوس؟! أم الإسكندر بن فيلبس؟! أم عقل الفارابي؟! أم عقل ابن سينا؟! أم عقل جهم بن صفوان؟! أم عقل النَّظَّام؟! أم عقل العَلَّاف؟! أم عقل الجُبَّائي؟! أم عقل بشر المِرِّيسي؟! أم عقل الإسكافي؟! أم عقل حسين النَّجَّار؟! أم أبي يعقوب الشَّحَّام؟! أم أبي الحسين الخَيَّاط؟! أم أبي القاسم البَلْخي؟! أم ثُمَامة بن أَشْرس؟! أم جعفر بن مبشِّر؟! أم جعفر بن حرب؟! أم أبي الحسين الصالحي؟! أم أبي الحسين البَصْري؟! أم أبي معاذ التُُّومَني؟! أم مَعْمَر بن عَبَّاد؟! أم هشام الفُوطي؟! أم عَبَّاد بن سليمان؟!
أم ترضون بعقولِ المتأخِّرين – من الأشاعرة - الذين هذَّبوا العقليَّات، ومَحَّضوا زُبْدتها، واختاروا لنفوسهم، ولم يرضوا بعقولِ سائر مَنْ تقدَّمهم؛ فهذا أفضلهم عندكم محمَّد بن عمر الرازي إمام الأشاعرة بلا منازع؛ فبأيِّ معقولاته تَزِنون نصوصَ الوَحْيِ، وأنتم تَرَوْنَ اضطرابَهُ فيها في كتبِه أشدَّ الاضطراب؛ فلا يثبُتُ على قولٍ؛ فعيِّنوا لنا – أرشدكم الله! - عقلًا واحدًا مِنْ معقولاته ثَبَتَ عليه، ثم اجعلوه ميزانًا؟!
أم تَرْضَوْنَ بعقلِ نَصِيرِ الشرك والكفر والإلحاد الطُّوسي؛ فإنَّ له عقلًا آخَرَ خالَفَ فيه سلفَهُ من الملحدين، ولم يوافق فيه أتباعَ الرسلِ والموحِّدين؟! أم ترضون عقولَ القرامطةِ والباطنيَّة والإسماعيلية؛ أم عقولَ الاتحاديَّة القائلين بوَحْدة الوجود.
فكلُّ هؤلاءِ وأضعافُهُم وأضعافُ أضعافهم، وأذنابهم وأذنابُ أنابهم يدَّعي أنَّ المعقولَ الصريح معه، وأن مخالفيه – من مذهبه الذي يعتزي إليه، وغير مذهبه الذي يتبرأ منه- خَرَجُوا عن صريح المعقول، وهذه عقولهم بين أيديكم؛ ألا ترون - بصَّركم الله – أنها تنادي عليهم في كتبهم وكتب الناقلين عنهم، ولولا الإطالة لعرضناها على السامع عقلا عقلا، وقد عرضها المعتنون بذكر المقالات؛ فاجمعوها إنِ استطعتم، أو تخيَّروا منها عقلًا، واجعلوه ميزانًا لنصوص الوحي، وما جاءت به الرسل، ومعيارًا على ذلك، ثم اعْذِرُوا بَعْدُ مَنْ قدَّم كتابَ الله وسنةَ رسوله الذي تسمُّونه الأدلةَ اللفظية على هذه العقولِ المضطربة المتناقضة المتهافتة بشهادة أهلها، وشهادة أنصار الله ورسوله عليها؛ فإنَّ كتاب الله وسنة رسوله يفيد العلمَ واليقينَ واطمئنانَ القلبِ وانشراح الصدر، وأما هذه العقول المضطربة المتناقضة إن أفادتْ فإنما تفيدُ الشكوكَ والحيرة والريبَ والجهل المركَّب.
وأما نحن معاشر أهل السنة فنقول قولًا لا رجعة فيه، نبديه ولا نخفيه: إن الأصل الأصيل، والقول الجميل، هو قانونُ أهل السنة والجماعة، وميزانُ أصحابِ الهداية والضراعة: أنه إذا تعارَضَتْ هذه العقولُ الفاسدة، والآراءُ الكاسدة، مع النقلِ الصحيحِ الصريح - أَخَذْنَا بالنقول، دون هاتيك العقول؛ ورَمَيْنَا بها دَبْرَ آذاننا، وخَلْفَ ظهرنا، بل تحتَ أقدامنا، وحُطَّتْ وأصحابَهَا حيثُ حَطَََّهم اللهُ ورسولُه، كما أخبر الصادقُ المصدوقُ قيلُه؛ حيث قال: كُلُّ أمرٍ من أمورِ الجاهليَّة تحتَ قَدَمي موضوعٌ كله. ويدخُلُ بلا ريب في أمورِ الجاهليَّة هذه: ما ابتدعته تلك الفرق الردية، لا سيما الطائفة الأشعرية، في الإلهيات والنبوات والسمعيات، خاصة في مباحث الأسماء والصفات، وبالأخص صفات الأفعال، لربنا ذي الجمال والجلال، المستوي بذاته على عرشه، العالم بأحوال خلقه من عرشه إلى فَرْشِه، المتصفِ بصفةِ النزول العليَّة، إلى سماء الدنيا الدنية، كما يليق بجلاله، وعظيم سلطانه، الذي يجيء يوم القيامة للحساب والعرض، يوم تبدل الأرض غير الأرض.
وبعد هذه التطوافةِ العطرةِ على رياض أهل السنة الأُنُف، والمرورِ مر الكرام على قلاليطِ أصحابِ البدعِ العُجُف – والقَلَاليط: جمع قَلُّوط، وهو نهرٌ بالشام تجتمع فيه الأنتان - فإنَّنا نذكر - في عُجَالة، تتبعها أضغاثٌ على إبَّالة – الأصول النتنة، التي بنى عليها الزنادقة والمبتدعة، مذاهبهم الفاسدة، وآراءهم الكاسدة.
فدونك أصولَ وبعضَ عقائدِ الأشاعرة، المعتمدة في مذاهبهم المتنافرة، والتي جمعناها من كتب علمائهم المتناحرة؛ فدونك بعض أصول الأشاعرة وعقائدهم؛ فمن تلك الأصول، التي خرجت من هاتيك العقول:
1- تقديم عقولهم على النقل عن الله ورسوله (وضبطوه بقولهم: تقديم العقل على النقل)؛ إذ افترضوا التعارُض بين الأدلَّة النقليَّة والعقليَّة، مما يستدعِي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغَ الأشاعِرَةُ للتعامل مع هذا التعارُض الموهومِ قانونًا قدَّموا بموجبه العقل، وجعلوه الحَكَمَ على أدلَّة الشرع في أصول العقائد وفروعها؛ بدعوى أنَّ العقل شاهدٌ للشرع بالتصديق، فإذا قدَّمنا النقل عليه فقد طعنَّا في صِدق وصِحة شهادة العقل. وهذا يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال؛ وهذا - لعمر الحق، ومن رفع السماء وخفض الأرض -: هو عين الضلال بن التلال.
وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله، وطيب ثراه، وقدس روحه، ونور ضريحه - في الرد على هذا "الطاغوت" في كتابه العظيم: "بيان موافقة صريح المعقول لصريح المنقول"، وإن شئت: "درء تعارض العقل والنقل" – والاسم الأول أولى، كما يأتي بيانه - وذلك من أكثرَ من أربعين وجهًا في عشرة مجلداتٍ ضِخَامْ، لا يحسن – علم الله - فهمَهَا - بل لا يمكنُ فَهْمَ بعضها أو بُعَيْضَ بعضِ بُعَيْضِ بعضها - أحدٌ من أولئك المبتدعة الأشعرية الطَّغَام، ضاربًا بهذه الوجوه ذات الوجاهة – بارك الله في يمينِه، وشَلَّّّتْ عِشْرُو شانئِهِ ومُشِينِه - في وجوه تياك الطُّغْمة من المتكلمين – الرازي ومن لفَّ لفه – وأولئك الفلاسفة – ابن رشد ومن جرى جريه، وضلَّ ضلاله – ولخص هذا كله وزاد عليه وحرره ونقحه ونمقه ونسقه، في أكثرَ من ثلاثمائة وجه حالية، مع أمثلة متتالية - عجز الأنام أن يأتوا بمثلها، أو يجيئوا بأشباهها - شيخُ الإسلام، وبركة الأنام، وإنسان عين الإنسان، طبيب القلوب، أحد الموقعين عن علام الغيوب، طيب الله ثراه، وهدانا لهداه، أبو عبد الله، في صواعقه المرسله، على أولئك الجهمية والمعطلة، من أشعري أو معتزلي.
2- والأصل الثاني، وداهية المثاني، عافاكم الله، مما خرج من هذه الأفواه: فقولهم – شَلَّتْ عَشْرُهم، وخَبُثَ نَشْرُهم - : قولهم: إن أخبار رسول الله الصحيحة التي رواها العدول، وتلقَّتها الأمة بالقَبُول، لا تفيد العلمَ ولا اليقين، وغايتها أن تفيد الظنَّ في الدين؛ فمنعوا الاحتجاج بالأحاديث النبوية، على الصفات المقدسة العلية؛ قالوا: الأخبار قسمان متواتر وآحاد؛ فالمتواتر و إن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة؛ فإن الأدلة اللفظية لا تفيد العلم ولا اليقين؛ فسدوا بذلك على القلوب معرفة الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول، وأحالوا الناس على قضايا وهمية، ومقدمات خيالية، سموها قواطع عقلية، وبراهين نقلية، وهي في التحقيق {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
وقد نقضه ابن القيم – رحمه الله – في عشر مقامات واضحات جليات، في صواعقه المرسلة على الجهمية المعطلة، وبين أن خبر الواحد العدل يفيد العلم والصدق؛ بأدلة كثيرة نيفت على العشرين.
3 - وأما ثالثة الأثافي: فهو قولهم: إن الاحتجاج بظواهر الكتاب والسنة كفر!! وأصَّلوا لذلك فقالوا: إن الدليل اللفظي – يعنون أدلة الكتاب والسنة، المتواتر منها وغير المتواتر - لا يفيد العلم ولا اليقين؛ وغايته أن يفيد الظن، والظنيات لا مدخل لها في العقائد؛ إلا عند تيقن أمور عشرة:
أ*- تيقن عصمة رواة تلك الألفاظ.
ب*- تيقن عصمة إعرابها وتصريفها.
ت*- تيقن عدم الاشتراك.
ث*- تيقن عدم المجاز.
ج*- تيقن عدم النقل.
ح*- تيقن عدم التخصيص بالأشخاص والأزمنة.
خ*- تيقن عدم الإضمار.
د*- تيقن عدم التقديم والتأخير.
ذ*- تيقن عدم النسخ.
ر*- تيقن عدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح على النقل؛ إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل لافتقاره إليه فإذا كان المنتج ظنيا فما ظنك بالنتيجة؟!
وقد ذكر ذلك وقرره الرازي، في محصَّله ومحصولِهِ، وتابعه عليه الخلوف؛ فجاء شيخ الإسلام، فهدم هذا البنيان؛ وبين أنه مبنيٌّ على شفا جرف هار، وأنَّ محصَّله ومحصولَه إلى انهيار؛ فنقضه مِنْ نيِّف وسبعين وجها، أو أكثر؛ ذكرها في شرحِهِ - رحمه الله - على أربعي الرازي، وأول محصَّله، وحبره من بعده وفصله، تلميذه النجيب، والحبر الأديب شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية في صواعقه التي أرسلها، على الجهمية والمعطلة وأنزلها.
4 – وأما رابع أصولهم الأربعة، والداهية المزمعة، فقولهم: إن آيات الأسماء والصفات والأفعال وأحاديثها، مجازات لا حقيقة لها، وهذا طاغوت لهج به المتأخرون، والتجأ إليه المعطلون وضعته الجهمية والمبتدعة لتعطيل حقائق الأسماء والصفات والأفعال، جعلوه جنة يتترسون بها من سهام الراشقين، ويصدون به عن حقائق الوحي المبين، وقد افترقوا في وقوع المجاز في اللغة ثلاثة فرقا، ففرقهم الله مزقا، وتفرقوا شذر مذر، وذهبت بهم بدعهم شَغَرَ بَغَر.
فالفرقة الأولى: جمهورهم ودهماؤهم، وعليه تتايع جهلاؤهم وعلماؤهم، قالوا: إن أكثر لغة العرب حقيقة ووقع في بعضها المجاز، ومن هذا آيات الأسماء والصفات والأفعال وأحاديثها، وهو قول الفِرق الاثنتين والسبعين فيما بلغنا من قول النقلة واللغويين، وعلى هذا القول جرى أكثر علماء اللغة والبيان والقراءات وتفسير القرآن من الإعجازيين والمفسرين، واللغويين والبيانيين؛ وقد رد هذا المذهب الردي بكل دليل قوي شيخ الإسلام وترجمان القرآن ابن تيمية الحراني في كتابه الإيمان، وفيما رد فيه على السيف الآمدي، في رسالة الحقيقة والمجاز، وفي رسالته الأخرى في الأسماء والصفات، وفي مواضع متفرقة من كتبه وفتاواه الطيبات، وجمع ذلك كله نسقه، وأرسله صواعق محرقة، شيخ الأنام والعلامة الهمام، ابن قيم الجوزية، لازالت سحائب الرحمة عليه مرخية، فأفسدها من خمسين وجها، وطمسها فلا تعرف لها وجها.
وأما الفرقة الثانية: فقد أبعدت النجعة في الرابية، وفاهت بالهذر من القول، فلا قوة إلا بالله ولا حول، هذا قول ابن جني، وقد كان عن الشريعة في اعتزال وكِنِّ، قال، ولبئس ما قال: إن أكثر لغة العرب مجاز، وفي بعضها وقعت الحقيقة، ذكر ذلك في كتابه الخصائص، وهو سفر حسن لولا هاتيك النقائص، فمما قال: بابٌ في المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة: اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة، ثم ساق ما ساق، وجرى على هذا الاتساق، وقد نقض ذلك كله، أبو عبد الله إمام الأئمة الأجلة، وذلك من خمسة وعشرين وجهًا ذكرها في صواعقه، فقضى على هذا المذهب وبوائقه، وقال في طليعة ردوده: الوجه الأول: أن تعلم أن هذا الرجل – يعني ابن جني - وشيخه أبا علي الفارسي، من كبار أهل البدع والاعتزال المنكرين لكلام الله تعالى وتكليمه، فلا يكلم أحدًا ألبتة، ولا يحاسب عباده يوم القيامة بنفسه وكلامه، وأن القرآن والكتب السماوية مخلوقٌ من بعض مخلوقاته، وليس له صفة تقوم به، فلا علم له عندهم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا إرادة، ولا سمع، ولا بصر، وأنه لا يقدر على خلق أفعال عباده، وأنها واقعة منهم بغير اختياره ومشيئته، وأنه شاء منهم خلافها، وشاؤوا هم خلاف ما شاء، فغلبت مشيئتهم مشيئته، وكان ما شاؤوه هم، دون ما شاءه هو، فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون، وهو خالق عند هذا الضال المضل وعالم مجازًا لا حقيقة، والمجاز يصح نفيه؛ فهو إذًا عنده لا خالقٌ ولا عالمٌ إلا على وجه المجاز، فَمَنْ هذا خَطَؤُه وضلاله في أصل دينه ومعتقده في ربه وإلهه، فما الظن بخطئه وضلاله في ألفاظ القرآن ولغة العرب؛ فحقيقٌ بمن هذا مبلغ علمه ونهاية فهمه: أن يدعي أن أكثر اللغة مجاز، ويأتي بذلك الهذيان، ولكن سنة الله جاريةٌ أن يفضح من استهزأ بحزبه وجنده، وكان الرجل وشيخه في زمن قوة وشوكة المعتزلة، وكانت الدولةُ دولةَ رفض واعتزال، وكان السلطان عضد الدولة بن بُوَيْه، وله صنف أبو علي الإيضاح، وكان الوزير إسماعيل بن عباد معتزليًّا، وقاضي القضاة عبد الجبار معتزليًّا، وأول من عرف منه تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هم المعتزلة والجهمية.
وأما الفرقة الثالثة فقالوا: إن كل اللغة مجاز وهوقول ابن بتوية تلميذ ابن جني ةتبعه على ذلك قوم شذاذ، فاتبعوا هذا المذهب الفاذ، فأتوا بكل آبقة، نعذ بالله من حالقة، وهو من المذاهب القبيحة، وحكايته تكفيك رده وتضعيفه، ومن هنا أعرض الشيخان عن الفصيل في رده، لظهور فساده وضعفه.
وبقي المذهب الحق، والطريق الصدق، والقول الأدق، والنهج الأرق، وهو إنكارُ المجاز في اللغة أصلًا، وأنها كلها حقيقة، وهو قول أبي إسحاق الإسفراييني، وأبي علي الفارسي، وابن عَقِيل الحنبلي - في أحد قوليه – وهو ما حرَّره وانتصر له الشيخان أبو العباس ابن تيمية، وأبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، والعلامة الأمين الشنقيطي في رسالته "منع جواز المجاز".
وتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هو - كما قال الشيخان -: لا يصح أن يكون تقسيمًا عقليًّا، ولا شرعيًّا، ولا لغويًّا، وغايته أن يكونَ اصطلاحًا؛ وهو اصطلاح فاسد في نفسه:
• فإن العقل لا مدخل له في دلالة الألفاظ وتخصيصها بالمعنى المدلول عليه حقيقة كان أو مجازا، ولو كان التقسيم عقليًّا لما اختلف باختلاف الأمم، ولا جهل أحدٌ معنى لفظ.
• والشرعُ لم يَرد بهذا التقسيم، ولا دلَّ عليه، ولا أشار إليه.
• وأما أهل اللغة فلم يصرح أحد منهم بأن العرب قسمت لغاتِها إلى حقيقة ومجاز، ولا قال أحد من العرب قط: هذا اللفظ حقيقة وهذا مجاز، ولا يوجد في كلام من نقل لغتهم عنهم - مشافهة ولا بواسطة - ذلك؛ ولهذا لا يوجد هذا التقسيم – نعني تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز - في كلام الخليل، ولا سيبويه، ولا الفراء، ولا الأصمعي، ولا أبي عمرو بن العلاء، ولا أمثالهم؛ كما أنه لم يوجد في كلام أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا تابعي التابعين، ولا في كلام أحد من الأئمة الأربعة، ذوي المذاهب المتبعة؛ وهذا الشافعي وكثرة مصنفاته ومباحثه مع محمد بن الحسن الشيباني وغيره لا يوجد فيها ذكر المجاز ألبتة؛ وهذه "رسالته" التي هي كأصول الفقه، لم ينطق فيها بالمجاز في موضع واحد. وكلامُ الأئمة مدون بحروفه، لم يحفظ عن أحد منهم تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز.
• بل أول من عرف عنه في الإسلام أنه نطق بلفظ المجاز هو أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه صنف في تفسير الكتاب مختصرًا سماه "مجاز القرآن" وليس مراده بالمجاز قسيم الحقيقة؛ فإن هذا التفسير تفسيرٌ لألفاظ القرآن بما هي موضوعة له؛ وإنما عنى بالمجاز: ما يَعَّبر به عن اللفظ ويُفسَّر به؛ كما سمى غيره كتابه "معاني القرآن"، أي: ما يُعْنَى بألفاظه ويراد بها؛ وكما يسمي ابن جرير الطبري وغيره ذلك تأويلًا.
ونذكر في الحلقات التالية، شيئًا من عقائد الأشعرية البالية – تأتيكم تباعا، نقدًا ونسيئةً ومشاعا -نبين عوارها، ونكشف مكنونها، نظهر تهافتها، ونجمع اضطرابها، نأتي عليها بالرد والنقض؛ فلا تقوم لها - إن شاء الله - قائمةٌ إلى يوم العرض، كيف وقد أنكرتها القلوب السليمة أشد النكران، فلم تعرفها أيَّ عرفان، فلفظتها لفظ النواة، وألقت بها إلقاءَ الحصاة.
هذا؛ وإن للحديث لبقايا، تأتي على هذا المخالف للحق في العقائد بالبلايا والرزايا؛ فقد كشفت الحرب عن أنيابها، وبان لذوي الألباب حقيقة أمرها، كيف وقد هوجم شيخ الإسلام، وبركة الأنام، وحجة الله على الطغام، فيما هو من أخص خصائص عقائد أهل الإسلام، مما انعقد عليه عليه الإجماع، فلا يقبل من عالم أو جاهل أو مارقٍ فيه نزاع؛ وما حدا بنا إلى ذلك – علم الله - إلا ظنٌّ فاسد، واعتقاد كاسد: أن أهل السنة ليس في زواياهم خبايا، ولا في تكاياهم رَوَايا، وأن آكامهم قد خلت من الأسود، أو غلب على أهلها النومُ والهجود؛ فَغَرَّ هذا المضادّ، هذا الظنُّ منه والاعتقاد، فنأتي – بحول الله وقوته - على جميع كلام هذا المُنْصَف حرفا حرفا، وكلمة كلمة، وجملة جملة، بل في كل حركة أو سكنة لحرف، ولن نتجاوز النِّصْف – الإنصاف – ولن نترك من كلامه – على تهافته – شيئا، عسى أن يفيء فيئا؛ نَجمع بين عُجَر كلامه وبُجَرِه، وعجزه وصدره، وقَده وقَديده، وقصيره ومديده، وخَطَئِهِ وخِطْئِه، وأصله وفصله، ومرجعه ومرتجعه، ومصدره ومورده، وترهاته وخزعبلاته، ونزغاته ونزعاته، ومبتدعاته وضلالاته، ولا يحسبن حاسب، أو يجدن واجد، أو يخالن خالٍ، أو يظننَّ ظان، أو يذهبن ذاهب: أننا بانشغالنا بما سبق، بالرد على هذا الذي أبق: سنترك ما بين السطور، أو هَجَسَ في تياك الصدور، كلا بل لا نُرى جائزًا لنا أن نترك من تطاول على التِّعِلَّامة، والإمام الفهامة، والحِبْر العلامة،شيخنا وشيخ الدنيا، تقي الدين ذي الخصال العليا، كيف نغفل عمن تستر بالتقية، وزعم أنه من أهل الفرقة المرضية، وما نراه إلا هَيَّ بنَ بَيّ، أو هَلْمَعَةَ بنَ قَلْمَعَة؛ وإلا يكن ذاك - وشر المعارف من آذاك - فليكشف اللثام عن دخيلة أمره، ودسيسة فكره، وخبيئة قلبه، ومكنونات لبه، بالكلام الصريح: حقيقة معتقده، وصريح عقيدته وعقده، وإلا يفعل، ويأتِ بالذي هو أجمل، فلا يظننّ أنّا تاركوه، أو مُخَلُّوه، من هذه المناظرة، وتلك المناورة؛ لزعمه أنها مجرد مناصحة ومحاورة!!
نقول: احذر - يا هذا - ألا تكون أعددت للأمر عدته، أو تجمع للنزال أُهْبَتَه، فقد بدأت الحرب العوان، ونُودي بالأقران، والتقت السيوف، وصفت الصفوف، واصطكت الكتوف بالكتوف؛ فقد أمكنت – لعمر الجبار المنتقم - من نفسك، وأتيت على مهجتك وحسك، ولا غَرْو؛ فعلى نفسها جنت براقش، وإياك أن تكع أن تناقش، ويداك أوكتا وفوك نَفَخْ، ولن نتلو عليك: بَخْ بَخْ.
ثم نعود إلى القول فنقول، والحقُّ والحقَّ نقول: إنه لن ينجيك منا إلا شاهق جبل، أو ظلمة مغارة، أو نفقٌ في أرض، أو دِهْلِيز قَبْو، أو بطن حوت، أو ظلمة بحر لجيّ، أو أن تأوي إلى قصر مشيد، أو تبرز لنا من وراءك، حتى نناقشه ونفاتشه، ونناظره ونناكشه، اللهم إلا أن تتوب، وتثوب إلى علام الغيوب، فتعود إلى رشدك - وهو والله أحب إلينا- أو تكع عن المناظرة، فلا نراك ألبتة في محاورة أو مداورة؛ تلك عشرة كاملة، ما أشبهها بعشرة الرازي العاطلة، وسنرد بعدل وعلم، وبيان وحلم: على تعليقاتك الساخرة، وتعريضاتك الماكرة، على الإخوة المشرفين والمشاركين، من طلبة العلم والعلماء الربانيين.
وآخر ما نقول: أننا بالله نعتصم، وبه نلوذ مما يشين ويصم؛ الذي لا يترك من استجار بحماه، ودعاه وأخلص له ولم يدع أو يستغث بسواه، ولم يتوسل إلا بما شرعه الله، في كتابه أو سنة مصطفاه. وبيننا وبينك أيامُ الجنائز، ودع عنك يوم الجوائز!
ولله در من قال، وأنشد وأحسن في المقال، من البحر الطويل، ذي الوزن الجميل، والمعنى الجزيل:
ودُونَكَ إِذْ تَرْمِي الظِّباءَ سَوَانِحًا .......... تَلَقَّ مَرَامِيْهَا (فَمَنْ يَرْمِ يَتَّقِ)!!
يعني بالكلام المفتشر، والقِيل المشتهر: (ما ترى لا ما تسمع!!)؛ وحينَها لن يَنفعك قولُك أو قِيلك أو مَقالك: دَعْ دَعْ، فالنجاءَ النجاءْ، ودونك الصحراءْ!
هذا ما جرى به القلم، في فجر يوم الخميس؛ فقلنا متفائلين، وبالله مستعينين: الخميسَ الخَمِيس.
وكتباه:
أبو محمد خالد بن عبد المنعم الرفاعي، وأبو العباس حسني بن أحمد الجُهَنِي
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
جزاكم الله خيرا و نفع بكم
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
رفع الله قدرك وجزاك الله خيرا..
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
شكر الله للشيخين الفاضلين ما كتباه، وجعله في ميزان حسناتهما
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
حتى لا استعجل في الرد ....
هل تقصداني ؟
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
تبارك الله ، ما أجمل ما خطت يداكما .
بارك الله في الشيخين الكريمين ، وذبّ عن وجهيكما النار .
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
نعم ؛ وهل أعني إلا إياك، أو أقصد أحدًا سواك، أنت وكل من تكلم في شيخ الأنام وحجة الإسلام، لينصر عقيدة الطغام.
فابرز وانثر كننانتك إلم تَكٌن كُسِرَتْ!
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
المشايخ الكرام: المقدادي - عبد الله الخليفي - محمد بن مسلمة - الحمادي - خالد العمري
جزاكم الله خيرًا.
واللهَ أسألُ أن يرزقنا وإياكم صدق التوجه، والدفاع عن عقيدة السلف الصالح، وأن يجعلنا -سبحانه - سهامًا في صدور مخالفيها.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
أرى أسهم كنانتك قد انتثر ، ومالي عن ردك عجز ولا خور ، ولكن .....
أردتُ فكرة تتلوها فكر ، هي نُبذ حقٍ لمن ادكر ، أرميها علّها تُذكي الإنصاف ، لمن جنّب نفسه كل ظلمة واعتساف ، ومابي بشيخ الإسلام بغضا وحقدا ، فحبه في قلبي يزداد ودا وودا ، خرجتَ عن الرد ترمي شططا ، وما أصبتَ حتى أنشات خططا ، علي فما انا إلا حر كاظم ، أراد كشف كل حق باسم ، صار مكتوما بفعل فاعل ، واعتصر في الكتب الأوائل ، أبدعت صناعة الحروف ، ورصصت كلامك رص الدفوف ، أشبهته بسجع كسجع الكهان ، ولحبك له ذا كلامي رامه البيان
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
دمتَ مسددا يا شيخ خالد..
وبورك قلمُك الثرّ السيال بالنافع المفيد
والسلام عليكم
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
أخي الحبيب - أبا القاسم -
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، آمين، وجزاك الله خيرًا.
وللمبتدعة عندنا - بحول الله وقوته - ما يرون لا ما يسمعون.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد عبد المنعم الرفاعي
أخي الحبيب - أبا القاسم -
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، آمين، وجزاك الله خيرًا.
وللمبتدعة عندنا - بحول الله وقوته - ما يرون لا ما يسمعون.
أرأيت حميتك اين أودت بك ؟
رميتني بالبدعة ...
رمتني بدائها وانسلت ....
هداك الله إن كان في سبق علمه هدايتك
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاتب منصف
أرأيت حميتك اين أودت بك ؟
رميتني بالبدعة ...
رمتني بدائها وانسلت ....
هداك الله إن كان في سبق علمه هدايتك
هذا قليل في حقك , فما نثرته من كذب و بهتان في مقالتك البائسة ليس له إلا هذا
ألا تستحي من الله تعالى ؟
تتهم قوما بأن الدوائر تدور بهم اذا ذكر نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم ! ما هذا الكذب المفضوح ؟؟؟
اتق الله في نفسك قبل رمي الآخرين بالكذب و البهتان فهذا والله من الفجور في الخصومة
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
الشيخ الجليل، سلمك الله، وسلم قلمك، وجعلك غصة في حلوق المبتدعين الذين جعلوا القرآن عضين.
ووالله لافض فوك ولا بر من يشنوك، فزدنا بارك الله فيك مما عندك.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المقدادي
هذا قليل في حقك , فما نثرته من كذب و بهتان في مقالتك البائسة ليس له إلا هذا
ألا تستحي من الله تعالى ؟
تتهم قوما بأن الدوائر تدور بهم اذا ذكر نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم ! ما هذا الكذب المفضوح ؟؟؟
اتق الله في نفسك قبل رمي الآخرين بالكذب و البهتان فهذا والله من الفجور في الخصومة
للأسف ظننت ردك حري بالقراءة فإذا به اجترار تكرره في كل مجلس
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
بل هو غصة في حلقك الى ان تكف عن الكذب و الفجور في الخصومة !
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك من الضلالَهْ، ونسألُكَ أنْ ترفَعَ عنا الجهالهْ، وتزيلَ عنا الغَيَايَهْ، وتُكْرِمَنَا بالهدايَهْ، وتُرْشِدَنَا إلى الوَلَايَهْ. آمين.
وبعدُ: فرَدًّا على "المُنْصِفْ"، أَلَّذِي جارَ وتعسَّفْ، فأصابَهُ العِيُّ والحَصَرْ، فلا خيرَ منه ولا ضُرّْ، وقد قال الشاعر [من الطويل]:
[center]إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنَّما يُرَادُ الفَتَى كَيْمَا يَضُرُّ ويَنْفَعُ[/center]
ولله درُّ الآخَرْ، حيث جاء بالكلامِ الفاخِرْ، وقال - لا فُضَّ فُوهْ، وزِيحَ عنه مَنْ يَجْفُوهْ، ولا بُرَّ شانئوهْ، [ومن الوافر]:
[center]إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ![/centerفنقولْ، وعلى اللهِ القَبُولْ، وبه الحَوْلْ، ومنه الطَّوْلْ، وعليه الاتكالْ، وإليه المآلْ:
قولك أيُّها المنصف: "هل تقصداني": فاسدٌ كاسدٌ من وجوهٍ عِدَّهْ، تطولُ فيها المُدَّهْ، وذلك من حيث اللفظُ والمعنى، ومِنْ جهةِ المطابقةِ واللزوم:
أما من جهة اللفظ: فقد أخطأتَ الحُفْرَهْ، ووقَعْتَ في النُّقْرَهْ؛ كيف سقطَتْ منك النُّونْ، فلَحِقْتَ بالدُّونْ، ورَمَقَتْكَ العيونْ، وظُنَّتْ بك الظنونْ، وآلَ أمرك إلى المجون، وحُقَّ أن تأتيَكَ شَعُوبُ أو المنونْ، ألم تَعْلَمْ أنَّ "الهمزة" و"هل" حرفَا استفهامٍٍ مهملانْ، فلا يَعْمَلانْ، لا نَصْبًا ولا جَزْمَا، ونحنُ نُنْبِيكَ عِلْمَا؛ ألم تقرأْ قولَ اللهْ، وتَتْلُهُ بلا اشتباهْ؛ حيث قال سبحانَهْ، في محكم قرآنِهْ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ}، وقال أيضًا جَلَّ جلالُهْ، وعَظُمَ سلطانُهْ: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}؛ فارتفَعَ الفعلانْ، وثَبَتَتِ في الآيةِ الأَوَّلَةِ النونانْ، لكنَّك لم تَتَّبِعْ كتابَ اللهْ، ولم تَقْفُ الجادَّةَ في سنةِ رسول اللهْ؛ فقلتَ: "أتقصداني"، فحذفْتَ إحدى النونَيْنِ ولم تبالي، ولو اتبعْتَ المَحَجَّهْ، ووَلَجْتَ اللُّجَّهْ، لقلت: "أَتَقْصِدَانِن ي؟"، أو: "هل تَقْصِدَانِنِي؟ " - نونٌٌ لأبي محمَّد، وأخرى لأبي العَبَّاس - وثَمَّةَ وجهانِ آخرانْ، غريبان لا يعرفانْ، لا تعرفهما - فيما نخالُ ونَظُنّْ، واليقينُ قد يُفْهَمُ من الظَّنّْ - ولو خَرَجْتَ مِنْ بَطْنِكْ، أو التَفَفْتَ على ظهركْ، إنْ أخبرتنا بأحدهما أخبرناك بالثاني، دون تَوَانِي، وموعدُنَا الجوابْ، فضلًا عن يومِ الحسابْ، ونحن في الانتظارْ، أيها المنصف المحتارْ، لكن بربِّك لا تستعنْ بالجانّْ، فإنه سبيلُ الكفرانْ!!
والعجبُ لا ينتهي ممَّن يتكلَّمُ في العقيدةِ ويخبرُ عن اللهْ، ولا يحسنُ أن يُخْبِرَ عن نفسِهِ وهواهْ، ويَفْصِلَ بين المذاهبْْ، وهو عن العربيةِ ذاهبْ، فللهِِ!! ما أعجَبَ ما وَلَدَتْ لنا الأيامْ، وحدَّثتنا به السِّنُونَ والأعوامْ.
وأما من جهة المعنى: فقد أخطَأْتَ خَطَأً جسيمَا، لستَ به عليمَا؛ مقالةٌ تربو على خمسَ عَشْرةَ صحيفهْ، أطاحَتْ بالمنصِفِ وتخاريفَهْ، قَصَدْنَاكَ فيها ظَهْرًا وبطنَا، ولفظًا ومَعْنَى، وأفصحْنَا عن اسمِكَ في طليعةِ الجوابْ، وكشفنا عن رسمِكَ إلى عَجُزِ الكتابْ، فلا شبهةَ فيك ولا اشتباهْ، لكنْ يكاد المريبُ أنْ يقول: خُذُونِي، نذكرك ونتلوك، ونلوك اسمك ورسمك، في مرَّاتٍ أربعهْ، ولا شبهة في كلامنا معهْ، ذكرنا اسمَكَ محرَّفَا، ولم نَجْفُ في ذاكَ جفاءَ مَنْ جَفَا، فما أنتَ – دام شخصُكْ، ولا خَبُثَ نَشْرُكْ – إلا ميمٌ ونونٌ وصادٌ وفاءٌ تزاد ألفًا تتبعُهَا لامٌ في أولاك معرَّفَا، ثم تسألُ عن عِرْفَتِكَ بعد هذا التصريحِ بوجهٍ قبيحْ، وقلمٍ شقيحٍ نَقِيحْ؟! ألا شاهتِ الوجوهُ الصفيقهْ، وكُسِرَتِ الأقلامُ المحروقهْ، فإنَّ مَنْ يسألُ هذا السؤالَ لَمُبَاهتٌ أو مكابرْ، أو أصابتْهُ جِنَّهْ، أو مَسَّتْهُ حِنَّةٌ أو بِنَّهْ، أو لَدَغَتْهُ حَيَّهْ، أو أصابَهُ الوَلَهُ بِمَيَّهْ، وما نُبْعِدُ أنْ تكونَ لسعتْهُ عَقْرَبْ، أو حَفَّ بجانبِهِ شَعْرُ أرنَبْ، فخالَهُ العِفْرِيتَ النِّفْرِيتْ، فلعلَّه عاذَ بالخِرْتِيتْ، ففاه بسجعِ الكُهَّانْ، ولم يعذْ بكلام الرحمنْ، ولا ركَنَ إلى ركنٍ ركينْ، ولا أَوَى إلى معتقَدٍ متينْ؛ فحينَهَا رفَعَ عقيرتَهْ،وشغَبَ قولتَهْ؛ فلا يدري ما يقولْ، ولا ما يصولُ به في الميدانِ ويجولْ، فأفلَسَ لعمرُ اللهِ وأبلَسْ، ولم ينطقْ ببنتِ شَفَةٍ ولم يَنْبِسْ!!
ألستُمْ معنا - أيُّها الإخوانُ الأكابرْ، والنُّجَبَاءُ العساكرْ - أننا لا نقصدُ أحدًا في الخلق غَيْرَهْ، بلا ارتباكٍٍ ولا حَيْرَهْ، غيرَ أنه سكَتَ ألفَا، ونطَقَ خُلْفَا، لقد ذَكَرناك - إي لعمرُ اللهِ - وقصدناكْ، وسنكشفُ عن خبيئتِكَ ومَغْزَاكْ، وعقيدتِكَ ومنتهاكْ.
أخبرونا أيها الحكماءْ، والسادةُ النجباءْ، أَتُرَانَا وإيَّاكمْ نحاورُ عَجْماءْ، أو رجلًًا من بلادِ الوَاءِ الواءْ (الواق الواق، بلهجتنا الدارجة)، أو ننظرُ في ظلماءْ، أو نحاور الدهماءْ، كأننا بك لا تعرفُ مِنْ نفسكَ إنصافَا، وإنما تعتسفُ الكلامَ اعتسافَا، أَعَمِيتَ - يا رجلُ - عن نفسِكْ، أبهذه الأُخْذَةِ غابَتْ عنك حقيقةُ شخصِكْ، يالله للعجبْ، نحن لم نحاوركَ يا رجلُ بَعْدْ، ولم نَمُدَّ معك حبالَ القولِ مَدّْ؛ فللهِ ما أشَدَّ تكلُّفَكْ، وأَغْرَبَ تحريفَكَ وتحرُّفَكْ!! كيف أنكَرْتَ عِرْفَةَ نفسِكْ، وأنَّنا قصدناك قصدًا رَغْمَ أنفِكْ، أتظنُّ أننا نحيدُ عَنْكْ، أو نَكِعُّ مِنْكْ؟!! هيهاتَ هيهاتْ، والذي حرَّم عبادةَ العُزَّى واللاتْ، وقمَعَ المبتدعةَ حتى المماتْ.
نحن – يا هذا - قصدناكَ لزامَا، ووجَّهنا سهامَ السُّنَّةِ نحوَكَ مطابقةً وتضمُّنًا والتزامَا، منطوقًا ومفهومَا، مجهولًًا ومعلومَا، واعتزمنا ذاك اعتزامَا، بكلِّ أنواع الدلالاتِ والجهالاتْ، والمعروفاتِ والمعلوماتْ، والموجوداتِ والمعدوماتْ، وكأنَّنا بك تصيحُ صيحةَ الحَجَّاجْ، وتقولُ بلا لجاجْ، خارقًًا بصوتِكَ الفِجَاجْ، ومثيرًا العَجَاجْ، صائحًا بائحَا، باكيًا نائحَا: مالي وشيوخَ السُّنَّهْ، وأئمَّةِ الأئمَّهْ، وتمامِ مِنَّةِ اللهِ على الأمَّهْ؟!! ولا تَحْسِبَنَّ ذلك نافعَكَ شيئَا، إلا أن تفيءَ فيئَا، أو تؤوبَ الأوبهْ، وتعودَ إلى التوبهْ!!
على أنا نتنزَّل جدلَا، ونقولُ قولًا مجندلَا؛ فنقول، ومن اللهِ القبولْ: سلَّمنا أنَّ لك أن تحذفَ النونَ مِنْ قولك: "هل تقصداني؟"، دون تخطيءٍ منا أو تعانِي، لكنْ لا شكَّ أنَّ كلَّ عاقلٍ قد فَهِمَ أنك بهذا القولِ تتهدَّدنا وتتوعَّدنا، وتُزْبِدُ معنا وتُرْعِدُنَا، غيرَ أنَّك ما لبثتَ أنْ فَلْسَعْتَ وكَعَعْتْ، وأَبَنْتَ - لنا وللقراءِ الكرامِ - عن عجزٍ عاجزْ، وعجوزٍ راكزْ؛ فلا أنتَ تَهِشُُّ ولا تَنِشّْ، ولا تَهْمِسُ ولا تَبِشّْ، كلا ولا تدفعُ عن نفسِكَ ما أحاطَ بك من الشَّرّْ، وقد قصدَكَ الجميعُ بالضُّرّْ، فآلتْ بنا الذكرى: أن تذكَّرنا ما قالتِ العربْ، في جميلِ الأَدَبْ: تمخَّضَ الجَبَلُ فولَدَ فَارَا، ونطَقَ الرُّوَيْبِضَةُ فاجتَرَّ عَارَا، وأذكَرَنا ذلك قولَ جريرٍ في الفرزدقْ، فقال وبَرَّ وصَدَقْ، [من الكامل]:
زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعًا أَبْشِرْ بِطُولِ سَلَامَةٍ يَا مِرْبِعُ!!
فتلونا قولَ جريرْ، ورجَعْنَا بالحمدِ للعليمِ الخبيرْ، وأبْشَرْنَا بطولِ السلامَهْ، وقلنا: لا نَدَمَ على ما كتبناه ولا نَدَامَهْ؛ كيفَ وقد نصَرْنَا السُّنَّهْ، وقَمَعْنَا البِدْعهْ، وأوقَعْنَا الضالَّةَ في اللُّجَّهْ، فاللهمَّ حمدًا لك حمدَا، وشكرًا لك شكرَا، كَبَتَّ عدوَّنا، وأظهَرْتَ منهاجَنَا، ودَرَأْتَ عن عَقْلِنَا مجانبةَ نقلِنَا، فوافَقَ العقلُ الموهوبْ، النقلَ عن الرَّبِّ المربوبْ، غيرَ أننا سنذكُرُ العقيدةَ في ربِّنا، كما جاءتْ في كتابِهِ وسنةِ نبيِّنا، وإجماعِ سلفنا، محرِّريين ما ذكَرَ إماما السنةِ الأحمدانْ، مَنِ انتسبا إلى شَيْبان وحَرَّانْ، إِبْنُ حنبلٍ الإمامْ، وأحمدُ بن عبدِالسلامْ، شَابَا في السُّنَّهْ، وكانا حَرْبًا على البدعهْ، فحَبَلَتْ أهلُ البدعةِ بالغَيْظْ، وسَلِمَ أهلُ السنةِ مِنْ حَرِّ القَيْظْ، فظهَرَتِ السنهْ، وقُمِعَتِ البدعهْ، فلله دَرُّ الأحمدَيْنِ الإمامَيْنِ العظيمَيْنِ شيخَيِ الدنيا، ومِنَّةِ اللهِ العظمى.
وستأتي حلقاتُ هذه العقيدةِ السَّلَفية متتاليهْ، مناظرةً وقاهرةً عقائدَ المبتدعةِ الباليهْ؛ لينظُرَ كلُّ ذي عينَيْنِ أين يَضَعُ قدمَهْ، وليعلمَ كلُّ مكلَّفٍ علمَهْ، فانتظِرُونَا وارتَقِبُونَا، وادعوا لنا وقوِّمونا.
ولْيَرْجِعِ القولُ رَجْعَتَه، لنحاورَ "المنصفَ" فيما كَتَبَه، وهو الذي ما أنصَفَ ولا انتصَفْ، وإنما شَطَّ واعتسَفْ، فنقول: أيها السادرُ في غَيِّهْ، أَللَّافِظُ المصابُ بِعِيِّهْ، أين وَعْدُكَ ووعيدُكْ، وأنواؤُكَ وبروقُكْ، عندما قلتَ مهدِّدَا، وأنشدتَّ متوعِّدَا: "حتى لا استعجل في الرد ....هل تقصداني ؟".
نعم – لَعَمْرُ خالقِك - نقصدك: فأين وعيدُكَ وموعدُكْ، ثمَّ إنَّ هذه الكلماتِ المبتورهْ، أَلَّتِي كتبتْ بيد مستورهْ، تقدِّمُ إِصْبَعًا وتؤخِّر أخرى، تخشى أنْ تكونَ الأولى أو الأُخْرَى، فاختلَطَ - يا مسكينُ - الأمرُ علَيْكْ، فصرتَ ملبوسًا عليكْ؛ فلا تعرفُ الظاهرَ مِنْ كلامِنَا ولا النَّصّ، حتى اشتَبَهَ الأمرُ بك: أنقصدك أم نقصدُ غيرَك، فاستعْجَلْتَ وما وَنيتْ، وكتبْتَ وتَلَيْتْ، فوصَلْتَ همزةَ نفسِكَ وهي مقطوعهْ، وحذفْتَ رأسَ العينِ وهي ممنوعهْ، فقلتَ: "لا استعجل"، وصوابها: "لا أَسْتَعِجْلُ"، فأخطأْتَ الصوابْ، ولم تُجِبِ الجوابْ، واستعجلْتَ استعجالَ المستَحْفِزْ، وأخطأْتَ خطأَ المستَوْفِزْ، فوصَلْتَ المقطوع، وهو همزةُ نفسِك – نعني: همزةَ المتكلِّمْ، أَلَّذِي ما أولاه أن يُكْلَمَ ولا يتكلَّمْ - فاقرأِ – هُدِيتَ! - الإملاءَ والصَّرْفْ، دون أن تتعالَمَ أو تأنَفْ، فإنْ قلتَ: أرشدونا يرحمكُمُ اللهْ، وتأوَّهْتَ وأذعَنْتَ بلا اشتباهْ، فاقرَأِ – إنْ شئتَ -: "المطالعَ النَّصْرِيَّهْ، للمطابعِ المِصْريَّهْ"، لإمامِ المَشْيُوخَاءْ، وكبيرِ النبلاءْ، نصرٍ الهورينيِّ محقِّقِ "القاموسِ المحيطْ، ألجامعِ لما ذهَبَ مِنْ كلامِ العَرَبِ شَمَاطِيطْ"، وهو كتابٌ عظيمُ النفعْ، ولا ينكرُ نفعَهُ إلا أهلُ الدَّفْعْ، فإنْ حرتَ في هذا الكتابْ، فلم تَدْرِ ما فيه من الجوابْ، أو الخطابْ، وحارتْ عيناكْ، واشتبه عليك ذَاكْ، فاقرأ "كتابَ الإملاءْ"، لشيخِ الإقراءْ، حسين بن والي، لا زالَ رضوانُ اللهِ عليه متوالِي، وإلا، فاسمعْ ما نمليه عليك إِمْلَا، عليكَ - تنتفع - بالكتبِ الصغارْ، ودَعْ عنك الاغترارْ، فدونكَ: "الإملاءَ" لعبدالسلام بن هارون، زال عنه الدُّونْ، وأعظمتْهُ العيونْ، ورُحِمَ في قبرِهِ بعد ما أصابتْهُ المَنُونْ، فإنْ أعجَزَكْ، أو أرجزَكْ، فالزَمْ بيتَكْ، أو اقرأ: "الإملاء والترقيمْ"، لعبدالعليم بن إبراهيمْ، وهذا قُلٌّ من كُثْرْ، ودَعَ عنك المراءَ والإِصْرْ، فإنما أردنا إرشادَْك، إلى ما يصلحُكَ ويحقِّقُ مرادَكْ، عساك تَرْعَوِي وتَهْتَدِي، وهذا غايةُ منانا النَّدِي؛ "لَأَنْ يهديَ اللهُ بكَ رجلًا واحدًا، خيرٌ لك من حُمُرِ النَّعَمْ، ألم تذكرْ ذلك عن خَيْرِ الوَرَى أَلَمْ؟!
هذا؛ وقد ذكرْتَ في كُلَيْمَاتِكَ المعدودهْ، وعُبَيِّرَاتِكَ المرذولةِ المردودهْ، نقاطًا أربعْ، فَلْتَرَ ولتسمَعْ، وهي كما زَبَرْتْ، وكتبْتَ وحَبَّرْتْ: "في الرد ....هل"، ولم يأتِ عدُّ هذه النقاطِ الأربعْ، عن أحدٍ من علماءِ الرسمِ أو يُسْمَعْ، إنما هي نقاطٌ ثلاثْ، ولا يخالفُ في ذلك إلا مَنْ أصيبَ في عقلِهِ والتاثْ، فارجِعْ إلى كتبِ الترقيمْ، وقلْ: يا رحيمُ يا رحيمْ، هذا فضلًا عن تركِكَ مسافهْ - مصابًا بالآفَهْ - بين قولك: "هل تقصداني ؟" وعلامةِ الاستفهامْ، والصوابُ تركُهَا بلا ملامْ؛ فإنْ قلتَ: كيفَ ذا؟ قلنا: هكذا: "هل تقصداني؟"، عسى أن يصحَّ منك البَصَرْ، أو يستقيمَ منك النَّظَرْ!!
والمقصود: أن الرجلَ لا إملاءَ عنده ولا ترقيمْ، نعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمْ، كلا ولا نحوَ ولا صَرْفْ، عياذًا بك اللهمَّ من عطفِ السحرةِ والصَّرْفْ، أَللَّهُمَّ اعطِفْنَا إليكْ، وقرِّبنا منكْ؛ فالخيرُ منكَ وإليكْ، واصْرِفْنَا عن معصيتِكْ، وأَبْعِدْنَا عن مجانبتِكْ؛ فالشرُّ ليس إلَيْكْ؛ فإنْ تحيَّرَتْ منك العيونْ، وأخَذَتْ منك الظنونْ، ولَحِقْتَ بالدونْ، فدونَكَ الأخطاءَ الأربَعْ، في العلومِ المذكورةِ أجمعْ:
أما في النحو: فإنَّ خطأَكَ الخاطئْْْ، وعبثَكَ اللاطئْ، أنَّك سألْتْ، وأقدَمْتَ وما أحجَمْتْ، فقلتَ: "هل تقصداني ؟"، ولم تعانِ ما نعاني، فأيُّ شيطانٍ أوحى لك بالسؤالْ، وأوقعَكَ في هذا المقالْ، فأصابَكَ الوبالُ والنكالْ، فأَبَنْتَ عن جهلِكَ في الأذهانْ، أو سَبْقِ قلمِكَ في البنانْ، فلا عقلَ ولا نَقْلْ، فننصحُكَ بأكلِ الفولِ والبَقْلْ، ففيه تذكرةٌ للحافظْ، وذكرى للمحافظْ.
وأما علم الصَّرْف: فقد صُرِفْتَ عنه بلا حَرْفْ، فعَيِيتَ وما أَبَنْتْ، وحَصِرْتَ فيما قلنْ؛ يا رجلُ!! كيف جعلتَ المضارعَ ماضيا، والمقطوعَ موصولا، والمتكلِّمَ غائبَا، ونفسَكَ عائبَا، وهذا فراقُ ما بين "اسْتَعْجَلَ" الذي كَتَبْتْ، و "أَسْتَعْجِلُ" الذي أردتّْ، فانظُرْ أيها المتأمِّلْ، حزِّر فزِّرْ، هل بان لك هذا الكلامُ الأَزْوَر.
فالرجل – يا قومنا، عافاكمُ الله - بَدَلَ أن يُخْبِرَ عن نفسِه، أخبَرَ عن غَيْره، فأخطَأ،، وبدَلَ أنْ يقطَعَ وَصَل، فما أصاب،، وبدَلَ أن يكونَ إخبارُهُ عن الحالِ أو الاستقبال، أُرْتِجَ عَلَيْهْ، واختَلَطَ الأمرُ لدَيْهْ، وعَمِيَتِ الأنباءُ عَنْهْ، وذهَبَ العقلُ مِنْهْ، فجعَلَ نقاطَ الحذفِ الثلاثْ، أربعًا وأصابه الالتياثْ.
وأما علم الإملاء: فلا علمَ له به بلا مراءْْْ؛ إذْ لم يدرسْ بابَ الهمزَهْ، ولا علمَ له به في الجُمْلَهْ، كلا والذي يظهر – والعلم عند الله – أنه لا علمَ له بغيره مِنَ الأبوابْ، وبابُ الهمزةِ هو أوَّل ما تقعُ عليه عينُ الطلابْ، ويسمى بابَ الألفِ اليابسهْ، لا زالتْ حججُ المبتدعةِ مُفْلِسَهْ.
وأما علمُ الترقيم: فليكبِّرْ على نفسِهِ فيه أربعْ؛ إذ جعل نقاطَ الحذفِ الثلاثِ أربعْ، وهذا ما لم يُرَ في كتابٍ أولم يُسْمَعْ.
تلك علومٌ أربعة؛ لم تعرفْ منها الحدَّ الأدنى، ثم تتعرَّضُ لإمامِ الدنيا!! فمالَكَ والعلماءَ المجتهدينْ، والفقهاءَ الأساطينْ، والأكابرَ المجدِّدينْ، مَنْ خاف منهم الشيطانْ، وأحبَّهم الرحمنْ، ولا نُزكِّي على اللهِ أحدا!! ألا تستحي أن تكونَ على شفا جرف هارْ؟! تَسْلُبُ حملةَ الدينْ، ألنافينَ عنه تحريفَ الغالينْ، وانتحالَ المبطلينْ، وتأويلَ الجاهلينْ، ياقومُ، أين الثَّرَى من الثُّرَيَّا؟! ومَنْ لنا ببيضِ الأَنُوقْ، أو يبلِّغنا العَيُّوقْ – نجمٌ بعيدٌ في السماء – باللهِ، أخبرونا وأعلمونا: ألسنا على أشرافِ الساعهْ، أنْ يَقَعَ الفَسْلُ في أولئك الجماعهْ، يا قومُ يا قَوْمْ، إِسْمَعُوا وَعُوا ودَعُوا عنكم الكسلَ والنومْ؛ [فقد قال الشاعرُ من الطويلْ، وأنشَدَ في حسرةٍ وعَويلْ]:
لقد هَزُلَتْ حتى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا كُلَاهَا وحتَّى سامَهَا كلُّ مُفْلِسِ!!
فلله مَنْ لهؤلاء الأعلامِ يدافعُ عن حِيَاضهمْ، ومَنْ لأولئك الأساطينِ يَذُبُّ عن أعراضِهِمْ، كما دافعوا عن الدينْ، وحَمَوْا بيضةَ عقائدِ المسلمينْ، ورَفَعوا عنا الظلمهْ، وكُشِفَتْ بهم الغُمَّهْ، فاللهَ اللهَ في الدفاعِ عنهم، وأخذِ العلمِ منهم، ورَشْقِ عدوِّهم بالشهبِ والنيرانْ، ورميهم بالمنجنيقِ والنكرانْ.
هذا ما جرَىَ به القلمُ في قولِ المتعسفْ، الذي لم ينصفْ، وادَّعى حبَّه شيخَ الإسلامْ، ونخشى أنْ يكون تذرَّعَ بِتَقِيَّةِ شيعةِ الإمامْ، وذلك قوله:
"حتى لا استعجل في الرد ....
هل تقصداني ؟"
كذا في سطرَيْنْ، أما كان الأَوْلَى به أنْ يجعلهما سطرًا واحدًا دون كذبٍ أو مَيْنْ؟! فباللهِ أيها القراءُ ألا ترونه استعجَلَ فيما خَطَّ وقَطَّ لفظا ومعنى، بناءً ومَبْنَى، فعلى نفسها جنَتْ براقش، والبادي أظلَمْ، واللهُ أعلى وأعلَمْ.
هذا ما وفَّق اللهُ به في جملتِهِ القصيرَهْ، من نقدٍ ونَقْضْ، وبسطٍ وعَرْضْ، وأما عبارتُهُ الطويلهْ، فليس لنا فيها حِيلَهْ، إلا أنْ نقصدَ المسجدَ الأعظَمْ، ونكبِّرَ هناكَ التكبيراتِ الأربعْ، على مَنْ ذمَّ السجع المبينْ، ثم احتالَ فسجَعَ سجعَ الكاهنينْ، فأَتَى بما يُولِّدُ الحبلَى، ويسكتُ الثَّكْلَى، فجَرَى قلمُهُ بسطورٍ خمس، أوَّلها ثلاثةُ أرباعِ السطرِ تقريبَا، وآخرُهَا نصفُهُ أو انقُصْ منه مُرِيبَا، وفيها ما فيها، واللهُ أعلم بخَوَافِيهَا، وسوفُ يأتيكُمْ نبؤها – إنْ شاء الله - غَدَا، فاتَّخِذُوا من المجلسِ العلميِّ موعدَا، ومن الألوكةِ مَوْرِدَا، ومن المبتدعةِ مَرْشَقَا ومَلْحَدَا.
وعذرا لقرائنا الكرام، فلنْ نستطيعَ - كِلَيْنَا - أنْ نأويَ إلى المنامْ، دون أن نذكُرَ ذلك تحلَّةَ القَسَمْ، فدونَكَ أيها القارئُ الكريم ولا تَلُمْ، وهو قولُ "المنصف": "أشبهته بسجع كسجع الكهان"، فنقول: أتشبِّه سجعَ بني عدنانْ، وحُرَّ الكلامِ والبيانْ، بسجعٍ كسجعِ الكُهَّانْ، أما ترعوي، وتخافُ من العزيزِ القوي؟! وما قولك هذا إلا ظلمٌ وظُلَامهْ، سيكونُ عيك – إن شاء الله نَدَمًا وندامَهْ، أكلَّ سجعٍ رأيتَهْ، وكلامٍ ارتأيتَهْ، ظننتَهُ سجعَ كَهَنَهْ، وخلتَهُ عبَثَ متكلِّمَهْ، مسقِطًا عليه قولَ النبيِّ العدنانْ: "أسجعًا كسجعِ الكُهَّانْ؟!"، واضعًا الشيءَ في غير موضعِهْ، ناقلًا له في غيرِ مصرَعِهْ، وتلك واللهِ عينُ الجَهَالَةِ والضلالهْ، وعلى هذا فلتبكِ البواكي، ولْتَسْقِ السواقي، ولْتَسْفِ السوافي، ولْتُنْزِلِ السماءُ ماءَهَا، ولْتُخْرِجِ الأرضُ ما بها، زمجرتِ السماء، وتزلْزَلَتِ الأَرَضُون، واهتزَّتِ الجبال، وماجتِ الهضاب، واضطرَبَتِ الطيورُ في السماء، وزُعِرَتِ الأسماكُ في البِحَار، وارتجَفَتِ الحيواناتُ في الروابي وتحت الأشجار، حَسِبْتَ أيُّها الغرير أنَّ كلَّ بيضاءَ شَحْمَهْ، وكلَّ سوداءَ تَمْرَهْ؛ وأحسَنَ المتنبِّي، في قولِهِ المُنْبِي، فقال [مِنَ البسيط]:
أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ صَادِقَةً أَنْ تَحْسِبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ!
أكلَّما رأيتَ ساجعًا يسجعْ، قلتَ: اللهَ اللهَ! كاهنٌ يتهوَّعْ، فعَدِّ عن ذا يا ذا، وخض فيما لا يقال فيه: لماذا، ولا تتكلَّمْ إلا فيما تُحْسِن، ولا تَخُضْ إلا فيما تُتْقِن، ولكنْ لا غروَ ممَّن لا يحسنُ نحوًا ولا صِرْفا، ولا يجيدُ في كلامِهِ إحسانًا ولا عَدْلا، بل جامَعَ الاعتسافْ، والشقاقَ والخلافْ، ألم تقرأْ دواوينَ الإسلامْ، وكتبَ العلماءِ الأعلامْ، قد مُلِئَتْ بسجعٍ كسجعِ الحَمَامْ، وتوافُقٍ في الكلامِ كتوافقِ اليمامْ، أم تُراهُمْ كهنةً أو كهانًا سَجَعوا سَجْعهم، وفاهوا فَوْهَهم، أَبِنْ ما تقولْ، إنْ بقيتْ فيك بقيةٌ من عقولْ، أَتُراكَ ترميهم عن قوسٍ واحدهْ، وتتَّهِمُهم بفطرتِكَ الجامدهْ، فما فَرْقُ ما بين سجعِنا وسجعهم، إلا أنَّك لم تفهمهما فلا تَظُنَّ ولا تَهِمْ.
أما سجعُ الكهان: فما لا طائلَ تحته، ولا فائدةَ عنده، أو عُورِضَ به الشرع، أو لبِّس به الحَقّ، أو حِيدَ به عن الصِّدْق، أو تبيَّن كذبه، أو ظَهَرَ عَوَاره، أو كان مطفَأَ الأنوار، أو سُدِلَتْ عليه الأستار، فإنْ أردتَّ مثالَا، وطلبتَ دليلا، وقلتَ كماذا؟ قلنا بالبُقِّ المليانْ: أشبهُ شيءٍ بسجعِ الكهانْ، ما زبرتْهُ أُصَيْبعُ المنصفِ الغَلْبانْ، كان اللهُ لَهْ، ولا بلَّغه أَمَلَهْ، في تلبيسِهِ على السنهْ، واتقائِهِ بالجُنَّهْ – نعني: تَقِيته في زعمِهِ حبَّ شيخ الإسلام! – فقد اجتمَعَ لَهْ، ما ذكرنا في الكلامِ قبلَهْ؛ كما سيبينُ ذلك للنجيبْ، وإن الموعِدَ الصبحُ أليس الصبحُ بقريبْ؟!
وإن نكنْ ناسينْ، فلن ننسى أو نتناسى، ما يفضحُ المنصفَ فيما تعاشَى؛ وهو أن نذكُرَ في حلقةٍ مخصوصَهْ، كلامَ جِلَّةْ القوم بلا مغموصهْ، في الفرق بين سجعِ الكهانْ، والسجعِ الذي حسَّنه واختارَهُ علماءُ البيانْ، وصارَ عليه جلة العلماءْ، وخاصَّةُ البلغاءْ، وأئمةُ الفصحاءْ، دون إنكارٍ اللهمَّ إلا من الجهلاءْ.
غير أننا لا نريدُ أن نحيدَ عن موضوعنا الأصليّْ، وهو عقيدةُ الإمامِ الحنبليّْ، بالبيان الجليّْ، والقولِ المرضيّْ، والفهمِ السويّْ، دون إرتاجٍ أو عِيّْ، وذلك عندما نجدُ الأرضَ خِصْبة، والفرصةَ متواتية، بعدَ أن نلقِّنَ المنصفَ وأمثالَهُ درسَا، ونكرِّر له البيانَ خَمْسَا؛ عسى أن يتوبَ أو يحوبْ، أو يرجعَ إلى علامِ الغيوبْ، فلا تسمَعُ إلا هَمْسَا، ولا تَرَى من المبتدعةِ أحدًا أو تسمعُ لهم رِكْزَا، وإلى الله المآبْ، وإليه المرجعُ والمتابْ، وهو الواحدُ القهارْ، وربُّ الليلِ والنهارْ، وإنَّا والذي برَأَ النَّسَمة، وفلَقَ الحَبَّة، وأظهَرَ السنة، ودحَرَ البدعة -: لن نتركهم حتى يُحْشَرُوا في مِثْلِ أقماعِ السِّمْسِم، أو يفتَحَ اللهُ بيننا وبينهم بالحَقِّ كما فتَحَ على أبي بكرٍ الصديقْ، وابنِ حنبلٍ الإمامِ الحقيقْ، وشيوخِ الإسلامِ ذوي النُّورِ والبريقْ.
وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ الأكملْ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ الجُمَّلْ، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ الأَجَلّْ. والله الموعد.
كَتَبَاهُ محرَّرَا، وزَجَّا به مُكَرَّرَا:
الفقيرانِ إلى الله: أبو محمد خالد بن عبدالمنعم الرفاعي، وأبو العَبَّاس حسني بن أحمد الجُهَنِيّ.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
سلمت أنامل الشيخين، فقد والله فضحت أهل الزور والمَيْن
فإن تمنعوا منا السِّلاحَ فعندنا ... سلاحٌ لنا لا يُشترى بالدراهِم
جنادلُ أملاءُ الأكُفّ كأنّها ... رؤُوس رجال حُلِّقَت بالمواسِم
البيان والتبيين (ص399)
-
تقـــويم وتنبيـــه: (1)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أما بعد:
فقول الأخوين الكريمين في مقالهما ـ في سياق الكلام على الذات العلية ـ: ((المتصفِ بصفةِ النزول العليَّة، إلى سماء الدنيا الدنية)):
يَرِدُ على قولهما: أن هذه العبارةَ مما لا يجوز إطلاقه على الله تعالى؛ إذ إن صفة النزول الثابتةَ بالدليل، لا ينبغي لمسلم أن يصفها بالنزول إلى دناءة بحال من الأحوال، فإن الدنيا وإن وصفت بالدناءة، بل هذا ظاهرٌ منَ اسمها، إلا أن ذكرها في سياق الارتباط بصفة من الصفات العُليا يمنع وصفها بالدناءة؛ لما يُوهِمه هذا الإطلاق من النقص المحال؛ شاهدُ ذلك أن الله تعالى رب كل شيء وخالقه، ومع ذلك فلا يجوز أن يوصف بأنه رب الكلب ولا رب الخنزير هكذا بالإفراد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ((الحكم إذا كان عامًّا، وفي تخصيص بعضه باللفظ خروج عن القول الجميل، فإنه يمنع من التخصيص؛ فإن الله خالق كل شيء ومريد لكل حادث، ومع هذا يُمنَع الإنسان أن يخص ما يُستقذَر من المخلوقات وما يستقبحه الشرع من الحوادث؛ بأن يقول على الانفراد: يا خالق الكلاب، ويا مريد الزنا،،، ونحو ذلك، بخلاف ما لو قال: يا خالق كل شيء، ويا مَن كل شيء يجري بمشيئته)) انظر: مجموع الفتاوى: 6/504
وعليه فأقل أحوال هذه العبارة: الغفلة عن الأدب الرفيع الواجب الالتزام في هذا المقام المهيب.
ولعل سبب الوقوع في هذا المأخذ حرص الأخوين الكريمين على المشاكلة اللفظية، واعتمادهما السجعَ، ومراعاتهما الفواصلَ، حتى جَارَ احتفالهما باللفظ على المعنى؛ فأضعفه أحيانا.
جزى الله الأخوين الكريمين خيرا، وسدد رَمْيَهما، ونفع بهما.
-
الدين النصيحة
أولا أشكر للأخوين الكريمين حسن مقصدهما وهدفهما النبيل وهو الانتصار لشيخ الإسلام.
لكنهما ضلا الطريق في الوصول إلى هذا الهدف.. ألا وهو استخدامهما سجع الكهان الذي أوقعهما في الكثير من المحاذيرالشرعية ..
أولها بلا شك الطريقة نفسها .. فقد قال عنها شيخ الاسلام نفسه في مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 93):
(فَهَذَا مِنْ جِنْسِ سَجْعِ الْكُهَّانِ الَّذِي لَا يُقِيمُ حَقًّا وَلَا يُبْطِلُ بَاطِلًا).
وقال صاحب كتاب البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها - (ج 1 / ص 841)
(وقد جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ عن سَجْعِ الكُهَّان، إبعاداً عن التشبُّهِ بهم).
وقال في شرح النووي على مسلم - (ج 10 / ص 143) وعمدة القاري - (ج 11 / ص 288):
(وإنما نهى عن سجع الكهان ونحوه لما فيه من التكلف).
القاموس الفقهي - (ج 1 / ص 326): (سجع الكهان: الكلام المزوق المتكلف.)
وفي مقدمة ابن خلدون - (ج 1 / ص 43):
( وأصحاب هذا السجع هم المخصصون باسم الكهان لأنهم أرفع سائر وقد قال صلى الله عليه وسلم في مثله: " هذا من سجع الكهان " . فجعل السجع مختصاً بهم بمقتضى الإضافة).
فهذه (عادة السجع المتكلف) عادة مذمومة جمعت مذمتين؛ إحداهما ترادف الكلمات بحيث أصبحت المقالة حشوًا يغني عنه كلمة أو كلمات، والأخرى كون السجع مذمومًا .
ومما يدل على ذم السجع ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (... وفيه وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم) فقال حمل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله كيف يغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهان...) [متفق عليه].
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أن السجع مكروه لسببين:
الأول: إذا عورض به حكم الشرع كما في الحديث.
الثاني: إذا تكلفه المخاطب في مخاطبته، وأما إذا لم يتكلفه فإنه لا يكره، وعلى هذا يحمل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث من الأحاديث التي ورد فيها السجع.
وثبت عن عائشة أنها قالت لكاتب: (إياك والسجع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون) [رواه أحمد بإسناد صحيح].
وثبت في البخاري عن ابن عباس وفيه: (وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك) قلت: وهذا كله محمول على التكلف في السجع.
فضلا عن ذلك إقحامكما اللغة ما ليس فيها من كلام العوام الذي أجلكما عنه ، فما معنى كلمة (المفتشر) مثلا؟ ومن أين أتيت بها؟
وإن قصر البعض النهي على السجع المتكلف فالمقالة كما نرى لا أظن وجود تكلف أكثر من ذلك..
أشكر لكما مرة ثانية حسن مقصدكما.. لكن في طريقة السلف الصالح ما يغني عن تلك الطريقة المذمومة التى لا تعدو أن تكون مجرد استعراض أنتما في غنى عنه.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
شيخنا الفاضل سلمت يداك وبارك الله فيماكتبت وزادك الله علما وعملا وجمعنا الله وإياك وشيخ الإسلام في الفردوس الأعلى مع نبينا محمد صلى لله عليه وسلم وهدى الله الضالين وردهم إلى الإسلام ردا جميلا
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
شيخنا الكريم نرجو تعليل على مسألة سجع الكهان بارك لله في علمكم
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
جزاكم الله خيرا
وجعلكم حصنا للإسلام وأهله وعلمائه
-
رد: الدين النصيحة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجم الشام
لكن في طريقة السلف الصالح ما يغني عن تلك الطريقة المذمومة التى لا تعدو أن تكون مجرد استعراض أنتما في غنى عنه.
صدقتَ أيها النجم الثاقب !
-
رد: الدين النصيحة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة النوراني
صدقتَ أيها النجم الثاقب !
أَوْرَدتَها وأنت على عَجَل!
ما هكذا تُوردُ الإبل!
-
رد: الدين النصيحة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله الحمراني
أَوْرَدتَها وأنت على عَجَل!
ما هكذا تُوردُ الإبل!
تأنَّ ولا تَعَجْلْ بلومِكَ صاحباً ... لعل له عذراً وأنت تلومُ !
لكنْ : مثلك يلوم يا أبا محمد فلا يجد مِنْ لائمه إلا الثناء الجميل .
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
ذكرني شيخاي الفاضلان - رحم الله أياما غرًّا دنوت فيها منهما، وأنست بعلمهما! - فيما رقماه من طريف اللفظ وشريف المعنى = بهذ الدرة التليدة :
عبد الحي الكتاني ما هو؟ وما شأنه؟
الشيخ محمد بشير الإبراهيمي
في لغة العرب لطائف عميقةُ الأثر ، وإن كانت قريبةً فيالنظر ؛ منها التسمية بالمصدر والوصفُ به ؛ يذهبون بذلك إلى فجٍّ من المبالغة سحيق، تقف فيه الأذهان حسْرَى ، ويُغالَط به الحسُّ فيتخيل ذَوَبَان الموصوفِ وبقاءَالصفة قائمةً بذاتها ؛ كأنَّ الموصوف لكثرة ما ألَحّتْ عليه الصفة وغلبَتْ أصبحَ هوهي أو هو إياها ؛ وعند الخنساء الخبرُ اليقين حين تقول :
*فإنما هي إقبال وإدبار*
وعلى هذا يقال في جواب ما هو عبدالحي؟ هو مكيدة مدبرة ، وفتنة مُحَضّرة؛ ولو قال قائل في وصفه :
شَعْوذَةٌ تخْطِرفي حِجْلينِ* وفتنة تَمشي على رجلََيْنِ
لأراحالبيان والتحليل ، كما يقول شوقي ؛ ولعفَّى على أصحاب التراجم ، من أعاريبَ وأعاجم، ولأتى بالإعجاز في باب الإيجاز ؛ إذ أتى بترجمة تُحْمَلُ ببرقيَّة ، إلى الأقطارالغربية والشرقية ، فَيَعُمُّ العلم ، وتنشر الإفادة ، وتذيع الشهرة ... ولو أنّالرجل وصف نفسَه وأنْصَفَ الحقيقة في وصفها لما زاد على هذا البيت ؛ ولو شاء "تخريجالدلالات السّمعية"(1) على ذلك لَما أعجزه ولا أعوَزَهُ ؛ ولكن أين من عبد الحيّذلك الإنصاف الذي لم يَخْلُ منه إلا شيخُ الجماعة الذي حادّ الله وقال: (لآمُرَنَّهُم فلَيُغَيِّرُنَّ خلْقَ الله) ، وإذا أنصفنا الرجل قلنا : إنه مجموعةمن العناصر منها العلم ومنها الظلم ، ومنها الحق ومنها الباطل ؛ وأكثرها الشّرّوالفساد في الأرض- أطلق عليها لكثرتها واجتماعها في ظَرْفٍ - هذا الاسم المركب الذيلا يلتقي مع كثير منها في اشتقاق ولا دلالة وضعية ؛ كما تطلق أسماء الأجناسالمرتجلة ، وكما يُطلقُ علماء الكيمياء على مركباتهم أسماءَ لا يلمحون فيها أصلاًمن أصولها ، ومن الأسماء ما يوضع على الفأل والتخيُّل ، فَيَطِيشُ الفال ، وتكذبالمَخيلَة ؛ ومنها ما يوضع على التّوسّع والتّحيّل ، فيضيق المجال ، وتضيع الحيلة ؛وإن اسم صاحبنا لم يصدق فيه إلا جزؤه الأول ؛ فهو عبد لعدّة أشياء جاءت بها الآثاروجرَتْ على ألسنة الناس ، ولكنّ أملكها به الاستعمار ؛ أما جزؤه الثاني فليس هو منأسماء الله الحسنى ، ولا يخطر هذا ببال مؤمن يعرف الرجل ، ويعرف صفات عباد الرحمن ،المذكورة في خواتيم سورة الفرقان ؛ وإنما هو بمعنى القبيلة ، كما يقال كاهن الحيوعرّاف الحي وعيْر الحي ، وقبح الله الاشتراك اللفظي ، فلو عَلِم العرب أنه يأتيبمثل هذا الالتباس لطهروا منه لغتهم ، وتَحَامَوْهُ فيما تَحامَوْا منالمُسْتَهْجنات ؛ ولو أدرك نفاةُ الاشتراك في الاستعمالات الشرعية زمن عبد الحي ،أو أدرك هو زمنهم وعرفوه كما عرفناه لكان من أقوى أدلتهم على نفيه ، ولارتفع الخلاففي المسألة وسجَّل التّاريخ منقبة واحدة لعبد الحي ؛ وهي أن اسمه كان سببا في رفعخلاف ...
وإذا كانت أعمال الشخص أو آثار الشيء هي التي توضع في ميزان الاعتباروهي التي تناط بها الأحكام فهذا من ذاك ولا عتب علينا ولا ملام.
وكأن صاحبنا شعرببعض هذا - ومِثْلُهُ من يَشْعر - فموَّه اسمه ببضع كُنى ، ولكنه لم يجرِ فيها علىطريقة العرب في تكنية أنفسهم، بل كَنَى نفسه بأبي الإقبال ، وأبي الإسعاد ،وما أشبهذلك مما هو غالب في كُنَى العبيد ، تفاؤلاً وتروُّحا ؛ وقد رأينا بعض من كتب لعبدالحي ، أو كتب عليه ، يَكنيه بأبي السعادات ، وهو لا يعني سعادات ابن الشجري ، ولاسعادات ابن الجزري ، وإنما يعني سعادات ثلاثا لكل واحدة منهن أثرٌ في تكوينه أوشهرته: جريدة (السعادة) لأنها تُطريه ، وقرية بو(سعادة) لأنها تُؤويه، و نسخةً أوجزءاً من البخاري بخط ابن (سعادة) لأن الخزانة الجليلة تحتويه ؛ والرجل مفتون بهذاالنوع من الكنى لنفسه ولغيره، يُغْرب فيها ويُبدع حتى كنى الشيخ النبهاني بأبيالحجاز.
هذا وإنّ لصاحبنا أولاداً صالحين يُشَرِّفُهُ أن يكتني بأحدهم ، فلماذالم يفعل ؟ ...
* * *
من سنن العرب أنهم يَجعلون الاسم سمةً للطفولة ،والكنيةَ عنوانا على الرجولة ، لذلك كانوا لا يكتَنون إلا بنتاج الأصلاب وثمراتالأرحام من بنين وبنات ، لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم ، ولايَرْضَوْنَ بهذه الكُنى والألقاب الرخوة إلاَّ لعبيدهم؛ وما راجت هذه الكُنىَوالألقاب المهلهلة بين المسلمين إلا يوم تراخت العُرى الشادة لمجتمعهم ، فراج فيهمالتخنُّثُ في الشمائل، والتأنّث في الطباع ، والارتخاء في العزائم ، والنفاق فيالدين ، ويوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد بها الرجال ، وأخذوابالسفاسف التي يتَلَهَّى بها الأطفال ؛ وفاتتهم العظَمَةُ الحقيقية فالتمسوها فيالأسماء والكنى والألقاب؛ ولقد كان العرب صخورا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخروجَندلَة ؛ وكانوا غُصَصًا وسموماً يوم كان فيهم مرَّة وحنظلة ؛ وكانوا أشواكاًوأحساكاً يوم كان فيهم قتادة وعوسجة .فانظر ما هم اليوم ؟ وانظر أيّ أثر تتركهالأسماء في المُسَمَّيات؟ واعتبر ذلك في كلمة (سيدي) وأنها ما راجت بيننا وشاعتفينا إلا يوم أضعنا السيادة ، وأفلتتْ من أيدينا القيادة . ولماذا لم تشع فيالمسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة ؛ ولو قالها قائل لعُمر لَهاجَتْشِرَّتُه ،ولَبَادَرَتْ بالجوابِ درّته.
كُنِيَ المعري وهو صغير بأبي العلاء ،ولو تزوج كالناس وولد له لسَمَّى أكبر أولاده العلاء ؛ وهو اسم عربي فخم تعرف منهكتب السير أمثالَ العلاء بن الحضرمي ؛ ولكن المعري لمَّا عقل و أَدْرَكَ سخافةالقصد من كنيته قال هازئا: (كُنيتُ وأنا وليد بالعلاء فكأنَّ علاءً مات ، وبقيتالعلامات) ؛ وأين إسعاد عبد الحي من علاء المعري؟
* * *
عرف الناس وعرفنا عرفان اليقين وعلمنا حتى ما نُسائلعالما ، أن هذا الرجلَ ما زال منذ كان الاستعمار في المغرب - لا كانا - آلة صماء فييده ، يديره كما شاء ، يحركه للفتنة فيتحرك ، ويدعوه إلى تفريق الصفوف فيستجيب ،ويندبه إلى التضريب والتخريب فيجده أطوع من بنانه ، ويريد منه أن يكون حُمَّىتُنْهِكُ ، فيكون طاعونا يُهلك ؛ وأن يكون له لسانا ، فيكون لسانا وأذنا وعينا ويداورجلا ومقراضا للقطع ، وفأسا للقلع ، ومعولا للصدع ، وما يشاء الاستعمار إخماد حركة، إلا كانت على يديه البركة ، وما يشاء التشغيبَ على العاملين للصلاح ، والمطالبينبالإصلاح ، إلا رماهم منه بالداهية النَّكراء والصّيْلم الصّلعاء؛ وما يُعْجزُهُالاضطلاع بعبْء ، أو الاطلاع على خَبْء ، إلا وجد فيه البغية و الضالة ؛ وما يشاءالتشكيك في رَأي جميع ، أو التشتيت لشمل مجموع ، إلا وجد فيه المشكك المُحكَّك ،والخادم الهادم ؛ وقد تهيأت فيه أدوات الفتنة كلها حتى كأنه أُعِدَّ لذلك إعداداخاصّا. وكأنه (مصنوع بالتّوصية) ، وكأنما هو رزق مهيَّأ مهنأ للاستعمار ؛ ومازالالاستعمار مرزوقا بهذا النوع ؛ فالرجل شريف أولا ، وعريق في الشهرة ثانيا ، وطرقيٌّثالثا ، وعالمٌ رابعاً ؛ وكل واحدة من هذه فتنة ٌلصاحبها بنفسه وللناس به، فكيفبهنَّ إذا اجتمعن ؟ وكيف بهنَّ إذا كان اجتماعهنَّ في غير موَفَّق ؟ والرجل بارعيستخدم كل واحدة من هذه في ميدانها الخاص ، ويستخدمها جميعا في الميدان العام ؛يستخدم العلم في الشهرة ، والطرقية في الفتنة ، فإذا حزَبَ الأمر اتخَذَ من أحدهماطليعة ، ومن الآخر جيشاً ، ومن الشهرة أو الشرف رِدْاء ؛ ولكنَّ أغلبَ النَّزَعاتعليه ، النَّزعة الطرقيَّةُ لأنها أكثرُ فائدة، وأجدى عائدةً ؛ وأقرب سبيل ، في بابالتضليل ، ناهيك بدعوى لا يحتاج صاحبها إلى إقامة دليل.
كان بلاءُ هذا الرجلمحصوراً في محيط ، ومقصورا على قطر ، وكان إخواننا في المغرب يعالجون منه الداءالعضال : وكنّا نعدُّ أنفسنا آثمين في السُّكوت عنه ، وفي القعود عن نصرة إخواننافي دفع هذا البلاء الأزرق ؛ فلمّا تَنَبَّهَت عقولهم لكيده ، وتفَتَّحَتْ عيونهملمكره ، وتَهاوتْ عليه كواكب الرَّجْمِ من كل جانب ، فَبَطَلَ سِحْرُهُ ، وقَصُرَتْرُقَاهُ عن الاستِنْزال ، وضلَّ سَعْيُهُ ، وقَلَّ رَعْيُهُ - انقلب استعماراًمحضاً قائماً بذاته ، وهاج حقده على الأحرار والسلفيين فترصَّدَ أذاهم في الأنفسوالأموال والمصالح ، وأصبح كالعقرب ، لا تلدغ إلا من يتحرَّك ...
ولكن السوأةالتي لا تُوارى ، والزلة التي تضيق عنها المغفرة ، والعظيمة التي يستحيي الشيطان أنيوسوس بها ، والشنعاء التي لا يقدم عليها إلا من بلغ رتبة الاجتهاد المطلق في علمالشر – هي اجتراؤه في فورة الاستعمار الأخيرة على أعلى رمز تتمثل فيه أماني الوطن ،وأمنع كنف يلوذ به السلفيون الأبرار ، والوطنيون الأحرار.
إن الخطايا قد تحيطبصاحبها فيقتل نفسه مثلا ، ولكن ما صدّقنا أن الحال ينتهي به إلى قتل أمَّة إلاّهذه المرّة ؛ وإن الزلل ليرسخ إلى أن يصير خُلُقاً وعادة ، ولكن ما عهدنا أنه يفضيبصاحبه إلى هذه الدركة التي لا تُبْلَغُ إلا بخذلان من الله ، وما كنّا نتصوّرُأنَّ شرَّ شرّير يتَّضعُ قدره إلى هذا الحد ، أو يتسع صدره لحمل هذا الوسام ؛وسبحان من يزيد في الخلق ما يشاء.
وكأنَّ الرَّجُلَ أخذ فيما أخذ عن الاستعمارطريقة التوسع ، وكأنَّه أصغَرَ المغربَ - على سَعَته - أن يكون مجالا لألاعيبهومكايده، فجاوز في هذه المرة الحدود ، وتخطّى الأخدود ، واندفع إلى الجزائر و تونسليبث فيهما سمومه ، ويتخذ منهما ملعبا جديدا لرواياته التي منها مؤتمر الزوايابالجزائر ، وليقوم للحكومة بما عجزت عنه من استئلاف النافر ، واستِنْزال العاقّ ،وليوحِّد بين الأقطار الثلاثة ولكن بالتفريق ، وليُنقِذَها من البحر ولكنبالتغريق.
كان عبدُ الحيّ فيما مضى يزور هذا الوطن داعيا لنفسه أو مدعوّاً منأصدقائه ، وهم طائفة مخصوصة ، فَكُنَّا نولِّيهِ ما تولَّى . ولا نأبه به ؛ وكانتتبلغنا عنه هنَات كاختصاصه بالجهال وهو عالم ، وانتصاره للطرقية وهو محدّث ؛ إلىهنات كلها تمس شرف العلم وكرامة العالم ، فكنا نُحَمّلُهُ ما تحمَّلَ ولا نبالي به؛ وكان يزور لماما ، ويقيم أياما ، ولكنه - في هذه المرة - جاء ليتمّم خُطَّة، ودخلالباب ولم يقل حِطَّة ؛ وصاغ في الجزائر حلقات من تلك السّلسلة التي بدأ صنعَها فيالمغرب ؛ ودلَّتْنا على ذلك شواهد الأفعال والأقوال والملابسات والظروف ؛ ثم زارتونس ليؤلّف فيها (تكميل التقييد) (2) ، وكأنه يتحدى بهذه الرّحلة الطويلة رحلةَأبي الحسن المريني (3). وشتان بين الرحلتين . تلك كانت لتوسيع الممالك ؛ وهذه كانتلتوزيع المهالك ؛ ويا ويحَ الجزائر المسكينة ، كأن لم تكفها الفتن المتماحلة حتىتُزاد عليها فتنة اسمها (مؤتمر الزوايا) ، ولم تَكْفِها النَّكَبَاتُ المتوالية حتىتضاف إليها نكبة اسمها "عبد الحي".
إن في رحلة عبد الحي هذه لآيات ؛ منها أنالحكومة أحستْ بإعراض من رجال الزّوايا ، وانصراف عما تريده منهم بطرقها القديمة ،فأرادت أن تؤيِّدَ قُوَّةَ القهر بقوّة السحر؛ فكان عبد الحي الساحر العليم ؛ وآيةذلك أنه زار كلَّ واحد من مشايخ الطرق في داره ، وأقام عنده الليالي والأيام ،ونعتقد أنه تعب في إقناع الجماعة ولمِّ شملهم ؛ وقد سمعنا من عقلائهم عباراتِالتَّشائم بِمَقْدَمه في هذه الظروف ، والتَّبَرُّم بتكاليفه في هذه السنواتالعِجاف ؛ وإن ضيافة هذا الرَّجل وحدها لأزمة مالية مستقلَّة ؛ ولو كان للجماعة شيءمن الشّجاعة لَوَلّوه الظَّهْرَ ، وصارحوه بالنهر ؛ ولكنَّ الشّجاعة حظوظ ،والصّراحة أرزاق.
* * *
ويُقال في جواب ما شأنه ؟ إنه الشأن كله ؛ ونُقْسمُبالله الذي خلق الحيَّ وعبد الحي ، أنه لولاه لَما خطر مؤتمر الزَّوايا على بالواحد منهم ، حاش حواريَّ عبد الحي بتلمسان ، وهو رجل ليس فيه من صفات الحواريين إلاالصَّيد ، وليس هو من الزوايا في قبيل ولا دبير ، ونحن أعرف بالجماعة من عبد الحي ،وقد انصرفوا في السنوات الأخيرة إلى أعمالهم الخاصة وساروا في هوى الأمَّة ،وشاركوا في مشاريعها العامة بقدر الاستطاعة ؛ ولو سَمِعوا نصائحنا لَتَوَلَّواقيادتها من جديد ولكن بالعلم وإلى العلم ؛ وعلى ماهم عليه فإن القسوة لم تبلغ بهمإلى معاكسة شعور الأمة ، حتّى يُعرِسوا في مأتَمِها ، لولا هذا المخلوق.
ثم نسألعبد الحي : لماذا لم يفعل في المغرب ما فعله في الجزائر فيجمع الزَّوايا علىالدَّعوة إلى التعليم ؟ إنه لم يفعل لأنه لا يرى زاويةً قائمة إلا زاويته ، وكل ماعداها فمنفرجة أو حادَّة كما يقول علماء الهندسة ؛ ونسأل رجال الزّوايا : لماذا لميجتمعوا لمؤتمرهم قبل مجيء عبد الحي؟ و هل هم في حاجة إلى التّذكير بلزوم العلموالتعليم حتى يأتيهم عبد الحي بشيء جديد في الموضوع ؟
يا قوم ، إن الأمر لمدبَّر؛ إن الأمر لمدبر علمه مَن علمه منكم وجهِله مَن جهله ؛ و ما نحن بمتزيدين ولامتخرصين.
و لو أن عبد الحي كان غير من كان ، ونزل باسم العلم ضيفا على الأمةالجزائرية غيرَ متحيز إلى فئة ، وغير مسيّر بيد ، وغير متأبط لشر - للقي منها كلإكبار وتبجيل ، ولو أضافته على الأسوديْن التمر والماء ؛ وإن ذلك لأعظم إعلاءًلقدره ، وإغلاءً لقيمته.
* * *
ولقد كان من مقتضى كون الرجل مُحدِّثاً أن يكونَسَلَفِيَّ العقيدة وقَّافا عند حدود الكتاب والسنَّة ، يرى ما سواهما من وسواسالشيطان ؛ وأن يكون مستقلا في الاستدلال لِما يؤخذ وما يترك من مسائل الدين ؛ و قدتعالتْ هِمَمُ المحدِّثين عن تقليد الأئمة المجتهدين ، فكيف بالمبتدعة الدجَّالين ؛وعُرِفوا بالوقوف عند الآثار والعمل بها ، لا يَعْدونها إلى قول غير المعصوم إلا فيالاجتهادات المحضة التي لا نصّ فيها ؛ ولكن المعروف عن هذا المحدّث أنه قضى عمره فينصر الطرقية وضلالات الطرقيين و مُحْدَثاتهم بالقول والفعل والسّكوت ؛ وأنه خصملدود للسّلَفيين ، و حربٌ على السلفية ؛ وهل يرجى ممن نشأ في أحضان الطرقية ، وفتحعينيه على ما فيها من مال وجاه وشهوات ميسّرة ومخايل من الملك - أن يكون سلَفيًّاولو سلسل الدنيا كلها بمسلسلاته ؟
إن السلفية نشأة وارتياض ودراسة ؛ فالنشأة أنينشأ في بيئة أو بيت كل ما فيها يجري على السُّنة عملا لا قولا ؛ والدّراسة أن يدرسمن القرآن والحديث الأصول الاعتقادية ، ومن السيرة النبوية الجوانب الأخلاقيةوالنفسية ؛ ثم يروض نفسه بعد ذلك على الهَدْي المعتصر من تلك السيرة وممن جرى علىصراطها من السَّلف ؛ وعبدُ الحي مُحَدِّثٌ بمعنى آخر ، فهو (رواية) بكل ما لهذهالكلمة من معنى . تتصل أسانيده بالجن والحن و رَتَن الهندي (4) ، وبكل من هب ودب ،وفيه من صفات المحدثين أنه جاب الآفاق ، ولقي الرجال ، واستوعب ما عندهم منالإجازات بالروايات ، ثمّ غلبت عليه نزعة التجديد فأتى من صفات المحدَثين (بالتخفيف) بكل عجيبة ، فهو مُحَدِّثٌ مُحْدِثٌ في آن واحد ؛ وهمُّه وهمُّ أمثالهمن مجانين الرواية حفظ الأسانيد ، وتحصيل الإجازات ، ومُكاتبة علماء الهند والسندللاستجازة ، وأن يرحلَ أحدهم فَيَلْقَى رجلا من أهل الرواية في مثل فَواق الحالب ،فيقول له : أجَزْتُك بكل مروياتي ومؤلفاتي إلى آخر(الكليشي) (5) ؛ فإذا عجز عنالرحلة كتبَ مُسْتَجيزا فيأتيه عِلم الحديث بل علوم الدنيا كلها في بطاقة ...أهذاهو العلم ؟ لا والله ، وإنما هو شيء اسمه جنون الرواية .
وقد أصاب كاتبَ هذهالسطور مسٌّ من هذا الجنون في أيام الحداثة ، ولم أتبيَّن منشأه في نفسي إلا بعد أنعافاني الله منه وتاب عليّ ؛ ومنشؤه هو الإدلال بقوة الحافظة ، وكان من آثار ذلكالمرض أنني فُتنت بحفظ أنساب العرب ، فكان لا يُرضيني عن نفسي إلا أن أحفظ أنسابمضر وربيعة بجماهرها ومجامعها ، وأن أنسُب جماهيرَ حِمير وأخواتها ، وأن أعرف كل ماأثر عن دغفل في أنساب قريش ، وما اختلف فيه الواقدي و محمد بن السائب الكلبي ؛ ثمّفُتِنْتُ بحفظ الأسانيد ، و كدتُّ ألتقي عبد الحي في مستشفى هذا الصنف من المجانينبالرواية ، لولا أن الله سَلَّمَ ، ولولا أن الفطرة ألهمتني: أن العلم ما فُهِمَ وهُضَمَ ، لا ما رُوِيَ وطُوِي.
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
زُرْتُ يوما الشيخ أحمد البرزنجي - رحمه الله - في داره بالمدينة المنورة وهو ضرير ، وقد نُمي إليه شيء من حفظي و لزومي لدور الكتب، فقال لي بعد خوض في الحديث : أجزتُك بكل مروياتي من مقروء ومسموع بشرطه...إلخ. فألقى في روعي ما جرى على لساني وقلت له : إنك لم تعطني علما بهذه الجُمَلِ ، وأحْرأن لا يكون لي ولا لك أجر ، لأنك لم تتعب في التلقين وأنا لم أتعب في التلقِّي ؛فتبسم ضاحكا من قولي ولم ينكر ، وكان ذلك بدأ شفائي من هذا المرض ، وإن بقيت فيالنفس منه عقابيل ، تَهيج كلَّما طاف بي طائف العُجب والتعاظم الفارغ إلى أنتناسيته متعمدا ؛ ثم كان الفضل لمصائب الزمان من نسيان البقية الباقية منه ؛ وإذاأسفت على شيء من ذلك الآن فعلى تناسيّ لأيام العرب ، لأنها تاريخ ، وعلى نسيانيأشعار العرب ، لأنها أدب .
وحضرت بعد ذلك طائفة من دروس هذا الشيخ في صحيحالبخاري على قلَّتها وتقطعها ؛ وأشهَد أني كنت أسمع منه علما وتحقيقا ؛ فقلت لهيوما : الآن أعطيتني أشياء وأحْرِ بنا أن نوجَرَ معا، أنت وأنا ؛ فتبسَّم مبتهجاوقال لي : يا بني هذه الدراية ، وتلك الرواية . فقلت له : إنَّ بين الدراية والعلمنسباً قريباًََ في الدلالة ، تُرادفه أو تقف دونه ؛ فما نسبة الرواية إلى العلم ؟وقطع الحديث صوت المؤذن ، وقال لي بعد الصلاة : حدثني بحديثك عن نسبة الرواية إلىالعلم ، فقلت له ما معناه : إن ثمرة الرواية كانت في تصحيح الأصول وضبط المتونوتصحيح الأسماء ، فلما ضُبطت الأصول وأُمن التصحيف في الأسماء خفّ وزن الرّوايةوسقطت قيمتها ، وقلت له : إن قيمة الحفظ - بعد ذلك الضبط - نزلت إلى قريب من قيمةالرواية ، وقد كانت صنعة الحافظ شاقة يوم كان الاختلاف في المتون فكيف بها بعد أنتشعب الخلاف في ألفاظ البخاري في السند الواحد بين أبي ذر الهروي ، والأصيلي ،وكريمة ، والمستملي ، والكشميني ، وتلك الطائفة ، وهل قال حدثني أو حدثنا أو كتابأو باب ؛ إن هذا التطويل ما فيه طائل . ولا أراه علما بل هو عائق عن العلم ؛ وقلتله : إن عمل الحافظ اليونيني على جلالة قدره في الجمع بين هذه الروايات ضرب في حديدبارد ، لا أستثني منه إلا عملَ ابن مالك ؛ وإن ترجيح ابن مالك لإعراب لفظة لأدلّعلى الصحة في اللفظ النبوي من تصحيح الرواية ، وقد يكون الراوي أعجميا لا يقيمللإعراب وزنا ؛ فلماذا لا نعتمد إلى تقوية الملكة العربية في نفوسنا ، وتقويمالمنطق العربي في ألسنتنا ، ثم نجعل من ذلك موازين لتصحيح الرواية ، على أن التوسعفي الرواية أفضى بنا إلى الزهد في الدراية ، وقلت له : إنك لو وقفت على حلقالمحدّثين بهذا الحرم ، محمد بن جعفر الكتاني ومحمد الخضر الشنقيطي وغيرهما لسمعترواية وسردا ، لا دراية ودرسا ، وإن أحدهم ليقرأ العشرين والثلاثين ورقة من الكتابفي الدولة الواحدة فأين العلم ؟ وقلت له : إن من قبلنا تنبهوا إلى أن دولة الروايةدالت بضبط الأصول وشهرتها فاقتصروا على الأوائل ، يعنون الأحاديث الأولى من الأمهاتوصاروا يكتفون بسماعها أو قراءتها في الإجازات ؛ وما اكتفاء القدماء بالمناولةوالوجادة إلا من هذا الباب .
قلت له هذا وأكثرَ من هذا وكانت معارفُ وجهه تدلعلى الموافقة ولكنه لم ينطق بشيء ؛ وأنا أعلم أن سبب سكوته هو مخالفة ما سمع لماألفَ - رحمه الله.
ولقيت يوما الشيخ يوسف النبهاني - رحمه الله - بباب من أبوابالحرم فسلّمت عليه فقال لي : سَمعت آنفا درسَك في الشمائل، وأعجبني إنحازك باللومعلى مؤلفي السِّير في اعتنائهم بالشمائل النبوية البدنية ، وتقصيرهم في الفضائلالروحية ، وقد أجزتك بكل مؤلفاتي ومروياتي وكل مالي من مقروء ومسموع من كل ما تضمنهثبتي ...إلخ. فقلت له : أنا شاب هاجرت لأستزيد علما وأستفيد من أمثالكم ما يكملنيمنه ، وما أرى عملكم هذا إلا تزهيدا لنا في العلم ؛ وماذا يفيدني أن أروي مؤلفاتكوأنا لم أستفد منك مسألة من العلم ؟ ولماذا لم تنصب نفسَك لإفادة الطلاب ؟ فسَكتَ ،ولم يكن له - رحمه الله - درس في الحرم ، وإنما سمعت من خادم له جَبَرْتي أنه يتلقىعنه في حجرته درسا في فقه الشافعية.
وكان بعد ذلك يُؤثر محلي على ما بيننا منتفاوت كبير في السن ، وتباين عظيم في الفكرة . رحم الله جميع من ذكرنا وألحقنا بهملا فاتنين ولا مفتونين .
أما أولئك السلف الأبرار فعنايتهم بالرواية والرجالراجعة كلها إلى الجرح والتعديل الذين هما أساس الاطمئنان إلى الرواية ، وقد تعبوافي ذلك واسترحنا ؛ وما قولكم - دام فضلكم - لو فرضنا أن محدث القرن الرابع عشرومسندَه عبد الحي عُرضَ بعُجَره وبُجَره على أحمد بن حنبل ، أو على يحي بن معين ،أو عليّ بن المديني ، أو على من بعدهم من نقَّاد الرجال الذين كانوا يجرحون بلحظة ،ويسقطون العدالة بغمزة في العقيدة ، أو نَبْزَة في سيرة ، أو بغير ذلك مما يُعَدُّفي جنب عبد الحيّ حسنات وقُرُبات -فماذا نراهم يقولون فيه ؟وبماذا يحكمون عليه ؟خصوصا إذا عاملوه بقاعدة (الجرح لا يُقبَل إلا مفسَّرا).
* * *
وبعدُ (فقد أطال ثنائي طول لابسه) (6) فليعذرنا عبد الحي؛ ووالله ما بيننا وبينه تِرَةٌ ولا حسيفة ؛ ووالله ما في أنفسنا عليه حقد ولاضغينة ؛ ووالله لوددنا لو كان غيرَ من كان ، فكان لقومه لا عليهم ، وإذاً لأفاد هذاالشمال بالكنوز النبوية التي يحفظ متونها، ونفع هذا الجيل الباحث الناهض المتطلعبخزانته العامرة ، وكان رُوّاد داره تلامذةً يتخرجون ، لا سُيَّاحاً يتفرَّجون ؛وعلماء يتباحثون ، لا عوامَّ يتعابثون ، ولكنه خرج عن طوره في نصر الضلال فخرجنا عنعادتنا من الصبر والأناة في نصر الحق ؛ وجاء يُؤَلِّبُ طائفة من الأمة على مصالحالأمة ، فهاج الأمة كلها ، وهاج معها هذا القلم الذي يمج السمام المُنقَع ، فنفثهذه الجُمل ، وفي كل جملة حَملة ، وفي كل فقرة نقرة ؛ فإن عاد بالتوبة ، عدنابالصفح ؛ وإن زاد في الحَوْبَة ، عدنا على هذا المتن بالشرح ؛ ولعل هذا الأسبوع هوأبرك الأسابيع على الشيخ ، فقد أملينا فيه مجالس في مناقبه جاءت في كُتَيّب ،سميناه - بعد الوضع- "نشر الطيّ ، من أعمال عبد الحي" فإن تاب َوأَدْناهُ ، ووفيناهبما وعدناه ، وإلا عممناه بالرواية ، وأذنّا لعبد الحي في روايته عنا للتبرك واتصالالسند ؛ وهو أعلم الناس بجواز رواية الأكابر عن الأصاغر.
ـــــــ
المصدر: آثار الإمام محمد بشير الإبراهيمي. وقد نشر في جريدةالبصائر سنة 1948.
1- كتاب في أصول الوظائف الشرعية للخزاعي ، اختلس الكتانينسخة خطية منه من مكتبة عمومية بتونس ، ولما ألحوا عليه في إرجاعها وهددوه بتدخلالحكومة ، سلخ الكتاب ونسخه في كتاب نسبه إلى نفسه وسماه التراتيب الإدارية.
2- اسم كتاب في الفقه لابن غازي جاء اسمه مطابقا لسعة أعمال عبد الحي ، ونحن نريدالمعنى الوفي للكلمتين ، فقد جاء الرجل ليكمل تقييد الجزائر وتونس بما ينقصهما منقيود مَكْره .
3- أنبه ملك في الدولة المرينية ، بلغت فتوحاته إلى حدود ليبيا ،وانتظم المغارب الثلاثة ، وفي غزاته لتونس بنفسه كان المؤرخ ابن خلدون قد ختم بهاحياته العلمية وكان بدء اتصاله بالملوك والدول.
4- شيخ دجال ظهر على رأس المائةالسادسة للهجرة وادعى أنه صحابي وأنه يروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مباشرة، وأنه حضر زفاف فاطمة الزهراء ، وقد روى عنه جماعة من المحدثين المصغين له ، وأنكرأمره ودعواه جمهور أعلام المحدثين كالحافظ الذهبي ، والحافظ ابن حجر ، وأثبت الذهبيأنه دجال كذاب .
5- كلمة فرنسية معناها الشريط .
6- شطر من بيت للمتنبي تمامه : إن الثناء على التنبال تنبال .
-
رد: أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ (سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية)
فيا ليت شيخيَّ يكمَّلان ما بدءا، ويتممان ما أسَّسا!