-
ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
الحديث الأول: يسأل صاحبه عن صحة حديث( من أكل لحم جزورٍ فليتوضأ)
هذا الحديث لا أصل له ، وله حكاية : أن رجلا أحدث في مجلس النبي ﷺ واستحيا
أن يقوم فيتوضأ ، فأراد النبي ﷺ ألا يحرجه فأمر الجماعة كلهم أن يقوموا فيتوضئوا فقال النبي ﷺ ( من أكل لحم جزور فليتوضأ ) وكان معظم الجلوس كانوا قد أكلوا لحم الجزور وهو الجمل يعني فقاموا وتوضئوا وتوضأ هذا الذي أحدث في وسطهم ، ولم يشعر بشيء من الحرج .
طبعاً هذه الحكاية كلها لا أصل لها: الذي أذكره أن أبا عُبيد القاسم بن سلاَّم ، روى هذا الحديث في كتاب له اسمه ( كتاب الطهور) بسند منقطع ، أي رواه عن مجاهد أن النبي ﷺ وساق الحديث بنحوه ، لكن رواة كتاب الطهور لأبي عُبيد فيها أن النبي ﷺ أمر الرجل الذي أحدث أن يقوم فيتوضأ ، فكأنما استحيا فقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ( أفلا نتوضأ يا رسول الله ، فقال: قوموا توضئوا كُلُكُم ) وطبعا مجاهد تابعي صغير لم يدرك رسول الله ﷺ ، وحتى الإسناد إلى مجاهد فيه راو ضعيف، أي أنه يُضعف بهذا الراوي ويُضعف بكونه مرسلاً أيضاً ، ومع ضعف هذه الحكاية إلا أن الحكم صحيح ، وهو أن من أكل لحم جزور يتوضأ ، وذلك للحديث الذي رواه مسلم من حديث جابر بن سمُرة رضي الله عنه ، (أن رجلاً قال: يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم ، قال: أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: لا، قال أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم ، قال : أنصلي في معاطن الإبل؟ قال: لا)
والإمام النووي رحمه الله في كتاب المجموع الشرح المهذب قال: وهذا المذهب هو الأقوى دليلاً ، وهو قول أحمد أن من أكل لحم جزور يلزمه أن يتوضأ لحديث جابر بن سَمُرَة وليس لهذا الحديث الذي لا أصل له .
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسأل عن حديث ( أن رجلاً قال للنبي ﷺ: عندي امرأةٌ وهي من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس ، قال: طلقها ، قال: لا أصبر عنها ، قال: استمتع بها )
يقول هل هذا حديث صحيح؟
أقول هذا الحديث ضعفه أربعة من علماء الحديث الكبار ، منهم الإمام أحمد بن حنبل والإمام النسائي ، والإمام أبو حاتم الرازي ، والإمام أبو أحمد بن عدي , ولكن له سند لم يتعرضوا له ، وهذا الإسناد رواه الإمام النسائي في سننه أيضاً ، وأظنه خطئه وقال: الأصل هو مرسل.
الخلاصة:أن علماء الحديث المتقدمين ضعفوا هذا الحديث ، وبعض علمائنا المتأخرين كابن كثير وابن القيم رحمة الله عليهما جودوا بعض أسانيد هذا الحديث ، وتأولوا معناه فتأولوا قوله ( لا ترد يد لامس) أي لا ترد يد سائل ، وتُعُقِبَ هذا القول ، بأنه لو كان الأمر كذلك ، لقال (لا ترد يد ملتمس) ، ملتمس: أي سائل ، وذهب ابن كثير وابن القيم رحمة الله إلى أن المرأة لم تكن خائنة ولم تكن كما يُفهم من تبويب النسائي ، لأنه روى هذا الحديث في سننه وقال: (باب تزويج الزانية )، فقالوا: أن المرأة لم تكن زانيةً لكن كانت ضعيفة النفس ، يعني فيه بعض الناس يسمون ضعفهم هذا حياءً، وأنا لا أسميه حياءً، لأن النبي ﷺ قال:" الحياء كله خير " وفي اللفظ الآخر "الحياء لا يأتي إلا بخير" ، فهذه المرأة كأنها ، كانت سجيتها ضعيفة وأن أحداً من الناس لو لمسها أو نحو ذلك يمنعها هذا الخجل وهذا الضعف أن تقول له لا، فجاء هذا الرجل وقال: (يا رسول الله إن إمرأتي لا ترد يد لامس) أي بهذا المعنى ، لا أنها كانت زانية وإلا فالنبي ﷺ لا يقر الرجل على أن يصل الرجال إلى امرأته ثم يتركهم ! فهذا ديوس ولكن هذا هو المعنى الذي أظهره ابن القيم وابن كثير",فقال طلقها "، لماذا ؟ لأن مثل هذه المرأة يُخشى ألا تصون عرضه ، فقال:" إني لا أصبر عنها أو إني أخشى أن تتبعها نفسي"كما ورد في بعض روايات الحديث، فقال له :" استمتع بها."
يقول ابن كثير رحمه الله : إن عفتها أمر قائمٌ ومتحقق ، وإن وقوع هذا الأمر منها أمرٌ محتمل ، ومعروف أن الاحتمال لا يزيل الأمر الثابت ، يعني لو هناك أمر فيه شك وهناك أمر ثابت ، فالأمر الثابت وهو اليقيني هو الذي يمضي أما الأمر الآخر فهو الذي لا يُبني عليه ، ولكن على أي حال ، هذا الحديث كما قلت لكم عن علماء الحديث الكبار أنه لا يثبت .
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
سائلٌ يسأل :عن حديث معاذ بن جبل_ رضي الله عنه_ الذي فيه ( أوصاني رسول الله ﷺ بعشر كلمات ، قال: لا تشرك بالله وإن قُتلت وحُرِّقت ، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك ، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً فإن من ترك صلاة مكتوبةً متعمداً فقد برأت منه ذمة الله ولا تشربن خمراً فإنه رأس كل فاحشة .. إلى آخر هذا الحديث ) لأن الحديث فيه طول.
درجة الحديث :وهذا الحديث لا يصح فقد رواه الإمام أحمد في مسنده ولكن لا يصح إسناد من أسانيد هذا الحديث، فأحمد على ما أذكر رواه بإسنادين وربما يكون أكثر ، أنا عهدي بعيد رواه بإسناد عن أبي وائل شقيق ابن سَلمة روى بعض هذا الكلام ، وروى الإسناد الآخر عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفيل كلاهما عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
سبب الانقطاع:والإسناد هنا منقطع لأن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفيل ، لم يدرك معاذً، وكذلك أبو وائل شقيق ابن سَلمة لم يدرك معاذً ، لأن معاذ بن جبل توفي في زمان عمر في طاعون عمواس العام الثامن عشر من الهجرة ، إنما شقيق ابن سَلمة أبو وائل ، من أقدم من لقي عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن مسعود توفي بعد سنة ثلاثين ، أظنه سنة اثنين وثلاثين تقريبا أو في غضون هذه الفترة,إذن وفاة معاذ متقدمة فلم يلحقه واحد من هؤلاء وأعتقد أيضاً في معجم الطبراني الكبير أنه يرويه عن مكحول عن معاذ وطبعا مكحول متأخر جداً، يمكن أبو وائل شقيق أبو سَلمة متقدم عن مكحول الشامي أبي عبد الله ,فلا يصح إسناد هذا الحديث.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
ما درجة حديث: حديث( ماء زمزم لما شرب له )هذا الحديث كنت اعتقده فترة من الفترات أنه حديث حسن ، وقد حسَّنه جماعة من المتأخرين ولكن أنكره أبو أحمد ابن عدي وعنده حق في إنكاره ، لأن هذا الحديث مداره على راوٍ اسمه عبد الله بن المؤمَل وهذا الراوي تفرد بروايته عن أبي الزبير عن جابر أن النبي ﷺ قال ( ماء زمزم لما شرب له ) قاعدة عند علماء الحديث: ( أن الضعيف أو سيء الحفظ إذا انفرد بحديث فحديثه منكر ، مردود) ، لا سيما إذا كان شيخه من المشاهير وله تلاميذ كُثر ، يعني لما يكون أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس هذا من المشاهير ، وله أصحاب كثيرون ، عندما يأتي واحد ضعيف يتفرد عن مثل هذا الشيخ المشهور بمتن تدعوا الحاجة إلى حفظه ، لأن الحديث ( ماء زمزم لما شرب له ) هذا معناه كبير وأنا أعلم أن هناك جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين استعملوا هذا الحديث ,في باب الترغيب والترهيب كانوا يتساهلون حتى ربما كان الحديث ضعيفاً وهم يعلمون أنه ضعيف وقد يستعملون معناه . مثلاً: في هذا الحديث ( ماء زمزم لما شرب له) هذا عبد الله بن المبارك:الذي يرويه عن عبد الله بن المؤمَل ، لما روى هذا الحديث شرب من ماء زمزم وقال:" اللهم إني أشرب ماء زمزم لعطش يوم القيامة" ، والحافظ بن حجر العسقلاني "شرب من ماء زمزم ليصل إلى رتبة الحافظ الذهبي في الرجال" يقول الشيخ حفظه الله: أن استعمالهم للحديث الضعيف لا يدل على صحته ، لأن هناك بعض الناس وقع في هذا الباب، تصور أن استعمال العلماء لحديث ما ، أن هذا يقويه ، أو أن هذا دليل على صحته ، لا ، لا سيما في باب الترغيب والترهيب.
مثلاً:الإمام أحمد في مرضه قال لعبد الله ابنه : إإيتني بكتاب ليثٍ عن مجاهد ، ليث ابن أبي سليم كان له عن مجاهد في الصحيفه ، فقال: ( اقرأ علي ، فقرأ عبد الله ، بدأ يقرأ الصحيفة حتى وصل إلى قول ليث عن مجاهد أنه كان يكره الأنين ،_ يكره أنين المريض_ ويقول هو شكوى )، هذا قول مجاهد ، يعني ليس حديثا مرفوعاً إلى النبي ﷺ ومع ذلك لما سمع الإمام أحمد هذا الكلام عن مجاهد ، فما أنَ إلى أن مات ، مع أن ليث ابن أبي سُليم ضعيف الحديث، وأحمد بن حنبل ضعفه وهو يعلم أنه ضعيف ومع ذلك امتثل أحمد قول مجاهد في هذا المعنى ,فليس معنى استعمال العالم للحديث أنه فيه دلالة على صحته ، فماء زمزم لما شرب له ، من أفراد عبد الله بن المؤمَل ، ولذلك جزم أحمد بن عدي رحمه الله في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال بضعف هذا الحديث لتفرد عبد الله بن المؤمَل به .
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسأل سائل :الأحاديث التي وردت في فضل الروضة الشريفة ، التي بجانب قبر النبي عليه الصلاة والسلام .
ج:ثبت عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة وابن عمر وأم سَلمة وجابر وابن عباس وجماعة من الصحابة أنه ﷺ قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) لكن هناك بعض الناس يفهم خطأ، يتصور أن الصلاة في الروضة لها فضلٌ زائد على الصلاة في المسجد ، وهذا خطأ ، لم يرد شيء من الأحاديث أعلمه أن النبي ﷺ ذكر فضلاً للصلاة في الروضة ، ولذلك ، الناس الذين يذهبون ويتزاحمون تزاحما شديداً في الروضة ويكاد يؤذي بعضهم بعضاً بل يؤذي بعضهم بعضاً في سبيل أن يجد مكاناً في الروضة ليصلي، أقول أنه لا فضل للصلاة في هذا المكان على بقية المسجد ، إنما كل الذي ورد أن النبي ﷺ قال: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من ريا ض الجنة ) ليس معنى أنه روضة من رياض الجنة أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة خارجها ، يعني هذا لا علاقة له ببعضه.
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسأل سائل عنحديث( ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شيء فدعوه ما استطعتم ) هل هذا حديث صحيح أم لا ، وما مناسبته وما معناه ؟
أقول اللفظ الذي أورد السائل باطل ، وأقصد بالبطلان أو النكارة ,آخره ، إنما الصحيح منه ( ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) فقط إلى ذلك ، إنما ( فاجتنبوه ما استطعتم ) فذكر الاستطاعة في النهي باطلة ، أولا من جهة الرواية ، وثانياً من جهة الدراية .
أما من جهة الرواية: فهذا الحديث يرويه أبو هريرة _رضي الله عنه_ ويرويه عنه جماعات كثيرة ، لكن هذا اللفظ رواه محمد ابن زياد عن أبي هريرة ، ورواه عن محمد ابن زياد شعبة بن الحجاج والربيع بن مسلم والحسين بن واقد ، هؤلاء الثلاثة رووا هذا الحديث بمناسبته وهو :عندما قال النبي ﷺ:( يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت . فأعاد الرجل الكلام ، فقال: أكل عام ؟ فسكت ، فأعاد الكلام قال: أكل عام ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك الذين كانوا من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )
إذن هؤلاء الرواة رووا الحديث عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بهذا ، ورواه أيضا حماد بن سَلمة مثلهم ، عن محمد بن زياد بهذا اللفظ إلى كلمة ( فاجتنبوه ) لا يوجد ما استطعتم هذه ، حماد بن سلمة رواه كذلك ورواه عن حماد بهذا السياق دون ذكر الاستطاعة في النهي ، رواه وكيع بن الجراح ، رواه يونس ابن محمد المؤدِب ، رواه عبد الرحمن بن مهدي ، أما علي بن عثمان اللاحقي فخالف هؤلاء الثلاثة ، فرواه عن حماد بن سلمة فذكر( الاستطاعة في النهي ).
إذن علي بن عثمان اللاحقي هو الذي زاد هذه اللفظة :ووهم على حماد بن سلمة فيها ، فليس هناك في أي طرق من طرق الحديث التي وقفت عليها وكنت جمعت طرق الحديث قديما منذ أكثر من عشر سنوات ، وأنا لازلت أذكر أن علي بن عثمان اللاحقي هو الذي تفرد بذكر الاستطاعة في النهي ( وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم )قلت لكم : ذكر الاستطاعة في النهي منكرة أو باطلة ، هذا من جهة الرواية ،علي بن عثمان اللاحقي ، نعم وثقه أبو حاتم الرازي ، ولكن قال ابن خِراش أنه مختلف فيه ، فمثله ترد زيادته إذا خالف الأئمة الكرام لا سيما كانوا كأمثال الوكيع بن الجراح وأمثال يونس بن محمد المؤدِب وأمثال عبد الرحمن بن مهدي وهؤلاء الثلاثة من شيوخ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
من جهة المعنى :، هذه الزيادة باطلة أيضا ، لأنه لا يكون العبد ممتثلاً للنهي إلا إذا انتهى بالكلية وعلى الفور ,يعني اليوم مثلا: في صلاة الفريضة النبي ﷺ يقول ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلي جنب ) هذه تشمل الفريضة وتشمل النافلة ,إذن الاستطاعة ، في ترقي( إذا أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم ) أمرنا النبي ﷺ في صلاة الفريضة أن نصلي قياماً ، والقيام ركن ، فإذا كان العبد مطيقا للقيام وصلى قاعداً بطلت صلاته ,لو عجز العبد فعلاً عجزاً حقيقاً أن يصلي قائماً فقال عليه الصلاة والسلام ( فإن لم تستطع فقاعداً) ، ولو لا يستطيع قاعداً قال( فعلى جنب ) إذن هنا تحقق فيه قول النبي ﷺ: ( إذا أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم ) سواء كان كما قلت فرضاً أو كان نفلاً .
مثال: رجل يشرب الخمر والخمر حرام ، فقلت له الخمر حرام ، فقال لي: هذه الزجاجة سوف أشرب منها فقط شربتين وهذا الذي أستطيعه ! فهل يُقبل؟ طبعا لا لا يكون ممتثلاً حتى يترك الخمر كلها لو شرب رشفة واحدة منها كان عاصياً ,فكذلك نقول النهي لا يكون العبد ممتثلا أبدا للنهي إلا إذا انتهى بالكلية ، ولذلك ذكر النبي ﷺ الاستطاعة في الأمر دون النهي .( إذن نخلص من هذا البحث إلى أن ذكر الاستطاعة في النهي منكرة أو باطلة ).
ويقول نفس السائل أنه يريد أن يجلي معناه لأنني سمعت بعض الناس يقول: إذا استطعت ألا أصلي فلا جناح علي!!
لا طبعاً المسألة ليست كذلك ، يعني إذا كان بعض الناس يتذرع بهذا الحديث إلى أن يترك المأمور به لأي عارض لا يُعد عذراً شرعياً ، فهذا الحديث ليس حجة له بطبيعة الحال مثال: فرد يعمل في أي جهة عمل كورشة أو ما إلى ذلك ، وأذن عليه المؤذن ، هل يقول عذراً أنا مشغول وأريد أن أنهي هذا العمل ولا يهم الصلاة وأنا لا أستطيع ؟!
طبعاً بداهة لا أحد مطلقاً يفهم الحديث هذا الفهم ، إنما القصد أن يبادر المرء إلى فعل ما أُمر به فإن عجز فله الرخصة ، وهذا هو الكلام السائر المتداول بين أهل العلم في كتبهم ، ولكن ما يقوله هذا أنه يريد أن يتفلت من الأوامر والنواهي ، فهذا طبعاً خارج تماماً عن فهم أي أحد من أهل العلم .
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسال سائل :عن فضل قراءة سورة ( ألهاكم التكاثر) وباقي سور القرآن ؟
ج:طبعاً أنا نبهت في مرة سابقة عن هذا المعنى ، وقلت : أن معظم الأحاديث التي وردت في فضائل سور القرآن الكريم لا تصح ، إما ضعيفة وإما موضوعة وإما منكرة والذي صح من أحاديث وفضائل سور القرآن الكريم هو النذر اليسير والذي وضع هذه الأحاديث رجل يقال له : ( نوح ابن أبي مريم ،) وكان يلقب بنوح الجامع لأنه جمع كثيراً من أطراف العلم ، حتى قال ابن حِبان فيه : (جمع كل شيء إلا الصدق )، وكان هذا الرجل يقضي عامة ليله في تأليف أحاديث من رأسه في فضائل سور القرآن الكريم ، يقرأ السورة ثم يختار معنيً مناسباً ويضع حديثاً لفضل هذه السورة ، سواء للسورة بكاملها أو لبعض آياتها ، فلما علم الناس أنه فعل ذلك ، سألوه عن هذا قال: (رأيت الناس انشغلوا بمغازي ابن إسحاق وبفقه أبي حنيفة عن كتاب الله ، فوضعت هذه حسبةً لله، )يعني يكذب على النبي ﷺ ثم يرجوا أن يُؤجر على هذا الكذب!فالأحاديث الواردة في فضل ( ألهاكم التكاثر) وسورة الواقعة وما شابه هذه السور، كلها أحاديث لا تصح ، إنما الذي صح كما قلت نذر يسير، فالذي صح مثلاً مما أذكره ليس على سبيل الاستيعاب:
(الفاتحة ، والبقرة ، وآل عمران ، وسورة الملك وآية الكرسي ، وسورة الإخلاص والمعوذتان وسورة الزلزلة فيها أنها ربع القرآن )، تقريبا هذه هي الأحاديث التي صحت وربما كما قلت أن هناك أحاديث أخرى خاصة بفضائل بعض الآيات أو فضائل بعض السور ولكن لا أذكر هذا على سبيل الاستيعاب.
لكن على أي حال: النذر الموجود من الأحاديث الصحيحة قليل جداً لا يساوي هذا الذي ورد في كتب التفاسير التي لا يعرف أصحابها شيئاً عن الصحيح والضعيف ، ونبهت على بعضها وأعيد التنبيه عليها مرة أخرى ، ليحذرها من يكون عنده شيء من هذه التفاسير: تفاسير يُحذر منها:(تفسير أبي السعود ، تفسير النسفي، تفسير الزمخشري، تفسير الفخر الرازي ، تفسير الثعلبي ، تفسير الخازن) وإن كان الخازن أمثلهم طريقة ولكن يوجد قدر لا بأس به من الأحاديث الساقطة ، أما الكتب التي كانت تعتني بالأحاديث ، فطبعاً على رأسها تفسير ابن كثير لأنه يعتني بنقد الروايات وطبعاً أستاذ الكل في هذا الباب هو( أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمة الله عليه) صاحب التفسير الكبير الذي يغترف منه كل مفسر جاء بعده ، وكذلك تفسير( عبد بن حميد وتفسير ابن المنذر ، تفسير ابن أبي حاتم تفسير ابن مردرويه ،) كل هذه التفاسير المسندة التي يروى أصحابها الأحاديث التي يستخدمونها في تفسير الآيات بالأسانيد ، وطبعا( تفسير البغوي ,) معالم التنزيل يوجد فيه قدر لا بأس به من الأسانيد .لكن من أنظفها وأفضلها( تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله )، ولذلك انتشر هذا الكتاب انتشارا واسعاً كبيراً، وهذا لا يعني أن كل الأحاديث التي وردت في تفسير ابن كثير صحيحة ، لا، ابن كثير أيضاً يشتمل على أحاديث ضعيفة ، لكن الكتب التي سميتها في الأول أصحابها لا يعرفون شيئاً عن الصحيح ولا عن الضعيف
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
سائل آخر: حديث ( فر من المجزوم فرارك من الأسد ) وكيف نجمع بينه وبين حديث ( لا عدوى ولا طيرة ) ؟
ج:كلاهما حديث صحيح ، أحدهما يثبت العدوى وهو ( فر من المجزوم )والآخر( لا عدوى ولا طيرة ) ؟ ينفي العدوى .
خلاصة أقوال العلماء في الجمع بين هذين الحديثين: أنه لا عدوى تنتقل بذاتها ، أي أنه ليس من الضروري أن يكون إنسان عنده مرض معدي ، أنه لازم أي واحد يأتي بجواره يحمل نفس المرض ، ولذلك لما قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام : ( تكون عندي الإبل كالظباء فيجيء الجمل الأجرب في وسطها فيعديها ) لما قال النبي ﷺ: ( لا عدوى ) ، فالرجل الأعرابي الجالس مع النبي عليه الصلاة والسلام فهم أن ( لا عدوى ) أن هذا فيه نفي للعدوى ، فيستدل بالواقع على خلاف الكلام ، فيقول له : أنا عندي الجمال تكون صحيحة سليمة ، يأتي الجمل الأجرب فيعديها ، فكيف لا عدوى ؟ فقال له عليه الصلاة والسلام : ( فمن أعدى الأول؟ ) أول جمل أصابه الجرب من الذي أعداه ؟ يريد أن يقول أنه لا عدوى تنتقل بذاتها إنما ينقلها الله سبحانه وتعالى ، وهذا كما قلت ليس معناه أن كل مرض معدي لابد أن يعدي من بجانبه .
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسأل سائلٌ: عن حديث( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ).
ج: هذا الحديث حسنه النووي وبعض العلماء المتأخرين ، لكنه في الحقيقة حديث ضعيف أعلَّه علماء الحديث الكبار ، هذا الحديث الذي وصله هو قُرة ابن عبد الرحمن يرويه عن الزهري عن أبي سَلمة عن أبي هريرة ، أن النبي ﷺ قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)لكن قُرة ابن عبد الرحمن لم يكن بذاك القوي في الزهري ، كان كما أوردوا كما أظن : قاله الأوزاعي: قُرة ابن عبد الرحمن أعلم بالزهري ، فرد ابن حِبان هذه المقالة في كتاب الثقات ، قال: أعلم بالزهري أي ، هو أعلم بأحواله وأخباره لا أنه مُقدَّم في حديث الزهري ، لا، كل مارواه قرة ابن عبد الرحمن عن الزهري لا يتجاوز ستين حديثاً، خالفه أصحاب الزهري في طائفة منها ، إنما أصحاب الزهري الكبار ، وبالعودة لكلامنا في علم المصطلح قديما قلنا: أن الطبقة الأولى من أصحاب الزهري :مالك ومعمر وابن عيينة ومحمد ابن الوليد ، هؤلاء الأربعة ، هم الطبقة الأولى من أصحاب الزهري ,قرة ابن عبد الرحمن في الطبقة الخامسة ، ما الذي فعله قرة ؟رواه عن الزهري عن أبي سَلمة عن أبي هريرة خالفه : مالك ، مَعمر،عُبيد الله بن عمر ، زياد ابن سعد وآخرون ، فلست مستحضراً كل الذين رووه عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي ﷺ.مرسل ، جاء علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب .إذن قرة خالفهم ، رواه عن الزهري عن أبي سَلمة عن أبي هريرة ، وأصحاب الزهري الكبار يروونه عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي ﷺ قال:( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) إذن الصواب في الحديث: الإرسال، وإن من صحح هذا الحديث أو حكم بحسنه ، إنه واهم ولم يُعمِل قواعد علم الحديث في هذا الحديث .
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
يسأل سائل عن : حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي ﷺ قال ( إنكم في زمانٍ من ترك منكم فيه عُشر ما أُمر به هلك ، ويأتي زمان من عمل منهم بعُشر ما أُمر به نجا ) هذا الحديث حديث منكر ، أنكره الإمام النسائي ، والإمام الترمذي رحمة الله عليه يرويه في سننه من حديث نُعيم بن حماد قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن زناد ابن أبي الأعرج عن أبي هريرة ، واستغربه الترمذي ، قال: هو غريب من حديث نُعيم .
لما روجع نُعيم بن حماد – وهو أحد العلماء الكبار من أصحاب السنة الذابين عنها ولكنه كان سيء الحفظ - لما روى هذا الحديث أنكروه عليه ، فقال: إنني سمعته من ابن عيينة ، كنا نمشي معه ، يبدو في سوق من الأسواق ، فرأى شيئاً أنكره فقال هذا الكلام، فالعلماء كالذهبي رحمه الله ، قال : ( هو صادق في نقل هذا الكلام عن سفيان ابن عيينة ولكنه وهم في جعله من كلام النبي ﷺ )، فكأن سفيان ابن عيينه وهو يسير وجد شيئا منكراً، فوقف وأنكره وقال هذا الكلام ( إنكم في زمانٍ من ترك منكم فيه عُشر ما أُمر به هلك ، ويأتي زمان من عمل منهم بعُشر ما أُمر به نجا ) فكأن سفيان ابن عيينة قال هذا الكلام من عنده ، فاختلط على نُعيم بن حماد فظنه حديثاً فرفعه إلى النبي ﷺ ، والأقرب عندي في هذا أن يكون سفيان ابن عيينة ذكر الإسناد على اعتبار أنه سيروي حديثاً ، فقال: عن أبي الزناد حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال، وفجأة وجد هذا الشيء المنكر فقال هذا الكلام ، فظنه نُعيم ابن حماد كلام النبي ﷺ ، وإنما ساق سفيان ابن عيينة السند الأول ليذكر به حديثاً ما ، وهذا يقع أحياناً لسيء الحفظ الذي لا ينتبه كما وقع على ثابت ابن موسى الزاهد عندما دخل على شرِيك ابن عبد الله ألنخعي في المسجد ، وشرِيك يحدث فقال: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان طلحة ابن نافع عن جابر_ رضي الله عنه_ أن النبي ﷺ قال، ثم التفت شرِيك إلى باب المسجد فإذا ثابت ابن موسى الزاهد يقف على الباب ، وواضح من هذا اللقب ( ثابت ابن موسى الزاهد ) واضح أنه كان زاهداً عابداً ، فأراد شرِيك أن يداعبه فقال له ( من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار )طبعا ثابت ابن موسى الزاهد واقف على باب المسجد وسمع الإسناد من شريك ، وشريك كان يُملي الطلبة يقول لهم ماذا ؟حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال – و لم يقل الحديث – فالتفت فوجد ثابت ابن موسى على الباب فقال له هاتين الكلمتين,فكان ثابت ابن موسى سمع هذا الإسناد ، فخرج من المسجد يقول: حدثنا شريك ، قال حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبي ﷺ قال: ( من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار )!.طبعا هذا الكلام ليس كلام النبي ﷺ ، لكن لأن ثابت ابن موسى كان غافلاً عن ضبط الحديث فتوهم أن هذا هو كلام الرسول ﷺ .
و أشار العراقي إلى هذا النوع من الأحاديث الموضوعة التي جاءت عن طريق غفلة الراوي ، وليس كذب وألف ، فيمكن الراوي المغفل يدخل عليه كلام ليس من كلام النبي ﷺ فيعده العلماء موضوعاً.
ومما قال العراقي :
والواضعون بعضهم قد صنعا
من عندِ نفسهِ وبعضٌ وضعا
كلامّ بعضَ الحُكَما في المسندِ
ومنه نوعٌ وضعُهُ لم يُقصَدِ
مثلُ حديثُ ثابتٌ من كَثُرَت
صلاتهُ الحديثَ وهلةٌ سَرَت
يريد أن يقول : ومنه نوع وضعه لم يقصد مثل حديث ثابت الذي أقص لكم قصته الآن
ما قصد ثابت ابن موسى الزاهد أن يكذب على النبي ﷺ ولا أن يؤلف كلاماً وينسبه للنبي ﷺ ، ولكن لغفلته تصور أن هذا هو الحديث كلاماً وينسه للنبي ﷺ ولكن لغفلته تصور أن هذا هو الحديث فكانت وهلة منه وغفلة منه سرت ففشت في الناس وجاء سُرِّاق الأسانيد فركَّبوا عدة أسانيد لهذا الحديث حتى ظن بعض المتأخرين كالقُضاعي في مسند الشهاب، أنه حديث حسن لتعدد طرقه فضعف في مسند الشهاب والواقع أنه حديث باطل ,فهذا هو الذي حدث لنعيم ابن حماد ، قال ابن عيينة كلاماً ، بعدما ساق إسناداً يريد أن يحدث به حديثاً للنبي ﷺ ، لكنه توقف عن التحديث به لما رأى هذا المنكر ، فأنكره وقال هذا الكلام ، فظن نُعيم ابن حماد أن الكلام الذي قاله ابن عيينة هو الكلام الذي أراد أن يروي به ،هذا الإسناد النظيف وهو : أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .
فالحقيقة هذا الحديث حديث منكر وكما قلت لكم أن الترمذي نفسه استغربه والترمذي إذا أطلق الغرابة على سند من الأسانيد فإنه يعني الضعف ،.
لأن الترمذي له مصطلحات يقول على الحديث : حسنٌ صحيح ، حسنٌ صحيح غريب، صحيح صحيح غريب ، حسن ، حسنٌ غريب ، غريب ,إذن عنده سبع مصطلحات ، فالغرابة عنده قد تجامع الحسن أو الصحة فيقول : صحيح غريب حسنٌ غريب ، حسنٌ صحيح غريب ، لكنه إذا أفرد الغرابة بالذكر فهذا يعني أنه ضعيف . إذا قال هذا حديث غريب ، يعني هذا حديث ضعيف
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
وسائلٌ يسأل: عن حديث معاذ بن جبل في القضاء ، لما أرسله النبي ﷺ إلى اليمن وقال له :( يا معاذ بم تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله عز وجل ، قال: فإن لم تجد ؟ ، قال: أقضي بسنة النبي ﷺ ، قال: فإن لم تجد؟ ، قال : أقضي برأيي ولا آلو –أي لا أقصر – فضرب النبي ﷺ بيده على صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يحبه الله ورسوله )
هذا الحديث منكر ، لا يصح ، ويرويه أبو داود والإمام أحمد والطيالسي والعُقيلي وغيرهم من حديث الحارث ابن عمر عن أصحاب لمعاذ ابن جبل رضي الله عنه عن معاذ أن النبي ﷺ قال: وساق الخبر,الحارث ابن عمر هذا مجهول ، وأصحاب معاذ كذلك ، لا نعرف من هم .
وهذا الحديث ضعفه كثير من علماء الحديث ، منهم الإمام البخاري والإمام الترمذي والعقيلي والدار قطني وابن حزم وابن طاهر وابن الجوزي والذهبي والسبكي والحافظ ابن حجر العسقلاني وآخرون ، فأنا ذكرت عشرة من العلماء الذين ضعفوا هذا الحديث.
ثم هو بالنظر إلى ترتيب الكتاب مع السنة أيضا فيه نكارة لأنه يقول له : بم تقضي ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله ﷺ.طبعاً أنت إذا علمت أن السنة مبينة لكتاب الله عز وجل لا يصح أن تأخذ القرآن وحده دون النظر في السنة ، لو أن رجلا لا يعرف شيئاً عن السنة مطلقاً ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ والدم﴾ فإذن هذا يعني أنه سوف يحرم كل ميتة، وسيحرم كل الدماء ونحن نعلم أنه ورد في سنة النبي ﷺ: قال( أُحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطِحال ) فأحل لنا : صيغة رفع ، أحل لنا أي من جهة التحليل؟ هي الرسول عليه ﷺ ، فلما يقول الصحابي : ( أُحل لنا ) هذا معناه له حكم الرفع ، ميتتان ودمان ، السمك والجراد والكبد والطِحال ، فلو أن إنساناً لا يعرف شيئاً عن السنة لتورط في تحريم ميتة البحر مثل السمك مثلاً ، أو في تحريم الدم مثل الكبد أو الطِحال وهما حلالان بسنة رسول الله ﷺ ، وأنتم تعلمون أن الله عز وجل عندما ذكر آية المحرمات ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُم ُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ "في آخرها ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ والسنة جاءت فحرمت أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، فلا يحل لرجل أن يتزوج امرأة ويتزوج عمتها في نفس الوقت ويتزوج المرأة ويتزوج خالتها في نفس الوقت ، مع أن صريح كتاب الله عز وجل يقول ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ من دون ما ذكره الله سبحانه وتعالى من دون المحرمات وليس فيه ذكر الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها ، وهلم جر ، أي خذ من هذا الضرب كثيراً,.
فعندما يقول أحكم بكتاب الله فإن لم أجد فبالسنة ، نقول : لا أنك إذا أردت أن تحكم بكتاب الله عز وجل لابد أن تستصحب السنة المبينة لكتاب الله تبارك وتعالى حتى لا يتورط الإنسان في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله على نحو ما ضربت مثلا الآن.
مصدر الفتوي: الشريط الثاني والأربعون فك الوثاق وكذلك كل مامرَّ من الفتاوي السابقة
__________________
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
كان لي جارٌ من العصاة، فكلمته يوماً عن حاله، فحاورني محاورة طويلة هالني بعض ما جاء فيها، وهو أنه مما سهلَّ عليه العصيان أنه قرأ حديثاً جاء به أن النبي r يستغفر للعصاة من أمته بعد موته، واستغفار النبي r مستجاب، فهل هناك حديث بهذا المعنى؟ وما صحته؟ وهل النبي r يعلم ما تعمل أمته
من بعده ؟
والجواب : أنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وهذا من الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولو سلمنا صحة الحديث الذي قرأه هذا المشار إليه، لم يكن معناه كما فهمه، ولكن الأمر كما قيل :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفته من الفهمِ السقيمِ
الحديث الذي اتكأ عليه هذا العاصي، فهو حديث منكرٌ. أخرجه البزار (1925-البحر) قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعاً: "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام". قال: وقال رسول الله r : "حياتي خير لكم، تُحدِثون ونُحدِثُ لكم، ووفاتي خيرٌ لكم تُعرَضُ عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير، حمدت الله عليه، وما رأيت من شر، استغفرت الله لكم".
قال البزار : "هذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
فهذا القدر من الحديث : "حياتي خير لكم ... إلخ" منكر ليس بثابت وبيان ذلك : أن جماعة من ثقات أصحاب سفيان الثوري رووا هذا الحديث عنه، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود بأوله حسبُ، ولم يذكر واحد منهم آخره.
فأخرجه النسائي (3/43) ، وأحمد (1/452) ، والخطيب في "المدرج" (ص 770) عن معاذ العنبري، والنسائي، وأبو يعلي (5213) ، وابن أبي شيبة (2/517)، وابن حبان (914) ، والخطيب (ص 769) عن وكيع بن الجراح، والنسائي (3/4) ، والطبراني في "الكبير" (ج 10/ رقم 10529) عن عبد الرزاق ، وهذا في "المصنف" (2/215) ، والدارمي (2/225) قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، وأحمد (1/387) قال : حدثنا عبد الله بن نمير، والنسائي في "اليوم والليلة" (66) عن ابن المبارك ، وهو في "كتاب الزهد" (1028) ، وأحمد (1/441) قال : حدثنا وكيع ، وعبد الرحمن بن مهدي، والهيثم بن كليب في "المسند" (825) ، والخطيب (ص 867) عن زيد بن الحُباب ، والبزار (1923)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي" (21) ، والخطيب (ص 767) ، عن يحيى القطان، والهيثم بن كليب (826)، والطبراني (10530) ، عن فضيل بن عياض والبيهقي في "الشعب" (1582) ، وفي "الدعوات الكبير" (159)، والخطيب (ص 769) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/197) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبو نعيم في "الحلية" (4/201) عن محمد بن كثير، والحاكم (2/421) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/205) ، عن أبي إسحاق الفزاري، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (159) ، والخطيب (ص 768) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/197)، عن عبد الله بن موسى ، كلهم عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعاً بالفقرة الأولى من الحديث، دون قوله : "حياتي خير لكم ... إلخ".
فقد رأيت ـ أراك لله الخير ـ أن يحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع بن الجراح، وابن المبارك ، وعبد الرزاق بن همام ، ومعاذ ابن معاذ العنبري ، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن نمير، وزيد بن حباب، وعبد الله بن موسى، وأبا نعيم الفضل، وفضيل بن عياض، ومحمد بن كثير، وأبا إسحاق الفزاري وعدتهم أربعة عشر نفراً قد رووه عن الثوري ، فلم يذكروا قوله: "حياتي خير لكم". وخالفهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فذكره.
وقد علمنا من قول البزار أنه تفرد به عن الثوري، ولا يشك حديثيُّ ـ وهو المبتدئ ـ أن رواية عبد المجيد منكرة ، فلو لم يكن فيه مغمزٌ ، ربما احتمل منه، لكن تكلم فيه غير واحد من العلماء، منهم : الحميدي.
وقال أبو حاتم : "ليس بالقوي يُكتب حديثه".
وقال الدار قطني : "لا يُحتج به، يُعتبر به".
وضعَّفه أبو زُرعة، وابن سعيد، وابن أبي عمر، وغلا فيه ابن حبان، فتركه.
ووثقه آخرون، ولم يرو له مسلم إلا حديثاً واحداً في "كتاب الحج" (1229/179) مقروناً بـ "هشام بن سليمان المخزومي" ، ولو سلمنا أن مسلماً روى له محتجاً به، فلا بأس بصنيعه، لأنه روى هذا الحديث عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج.
وكان عبد المجيد من أثبت الناس في ابن جريج، كما قال ابن معين ، والدار قطني، وابن عدي وغيرهم. وحديثه هذا ليس عن ابن جريج ، مع مخالفته لنجوم أصحاب الثوري، فحريٌّ أن لا يقبل منه ما زاده عليهم ،
لا سيما وقد رواه الأعمش ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن ابن مسعود مرفوعاً بالحديث الأول وحده.
أخرجه الحاكم (2/421) عن عثمان بن أبي شيبة ، والطبراني في "الكبير"
(ج 10 / رقم 10528) قال : حدثنا هاشم بن مرثدٍ الطبراني ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/205) عن أبي سيار محمد بن عبد الله البغدادي ، قالوا : ثنا أبو صالح محبوب بن موسى الفراء ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأعمش بهذا.
ومحبوب بن موسى وثقه أبو داود ، والعجلي.
وقال ابن حبان : "متقن فاضل".
وكذلك رواه حسين الخُلقاني ، عن عبد الله بن السائب بهذا الإسناد
بالحديث الأول.
أخرجه البزار (1924) ، والخطيب في "تاريخه" (9/104) من طريق سعيد بن الحسن بن علي قالا : ثنا يوسف بن موسى القطان ، ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن حسين الخُلقاني بسنده سواء.
والخُلقاني ما عرفته([1]) ، فليحرر ، وبعد هذا التحرير تعلم خطأ مَن صحح إسناد هذا الحديث كالسيوطي في "الخصائص" (2/491) أو مَن جوَّده كالولي العراقي في "طرح التثريب" (3/297) ، وأخف من قولهما
ـ وإن كان موهماً ـ قول الهيثمي في "المجمع" (6/24) : "رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح". وكذلك قول شيخه العراقي في "تخريج الإحياء" (4/128): "رجاله رجال الصحيح" ، إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين ، والنسائي فقد ضعفه بعضهم".
وله شواهد لا يفرح بها ، ذكرها شيخنا الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (975).
ومما يدل على نكارة هذا الحديث :، ما أخرجه البخاري في "أحاديث الأنبياء" (6/386-387 ، 478) ، وفي "التفسير" (8/286 ، 437-438) ، وفي "الرقاق" (11/377) ، ومسلم (2860/58) ، والنسائي (4/117) ، والترمذي (2423) ، وأحمد (1/223 ، 229 ، 235، 253) ، والدارمي (2/233-234) ، والطيالسي (2638) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (11/157) و (13/247) و (14/117) ، وابن حبان (7347) وغيرهم من طريق المغيرة بن النعمان ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس فذكر حديثاً ، وفيه : "ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
فهذا الحديث دليل على أن النبي r لا يعلم أعمال أمته بعده.
ويدل على ذلك أيضاً : قول عيسى عليه السلام لرب العزة : } وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد{ [المائدة : 117].
فهذا يدل على أن الأنبياء صلوات الله عليهم إذا ماتوا لا يعلمون من أمر أمتهم شيئاً ، هذا والله أعلم.
المصدر:فتاوى أبي إسحاق الحويني المسمى (إقامة الدلائل على عموم المسائل) الجزء الأول الفتوى رقم (1)
([1]) قال الدار قطني في "العلل" (3/206) : "ما نسبه أحد".
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
-هل يجوز مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ؟
والجواب : أنه لم يصح في ذلك حديث مرفوع إلى النبي r ، وقد ورد هذا المعنى في أحاديث عن جماعة من الصحابة ، منهم عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، ويزيد بن سعيد الكندي رضي الله عنهم ،
1-أما حديث عمر t:
فأخرجه عبدُ بن حميد في "المنتخب" (39) ، والترمذي (3386) قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى وإبراهيم بن يعقوب وغير واحد والحاكم (1/536) ، والذهبي في "السير" (11/67) عن نصر بن علي ومحمد بن موسى الحرشي ، والطبراني في "الأوسط" (7053) عن محمد بن بكار العيشي، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" (ج5 / ق 97 / 1) عن أبي قلابة الرقاشي قالوا : ثنا حماد بن عيسى ، عن حنظلة بن أبي سفيان ، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب قال :" كان النبي r إذا رفع يديه في الدعاء ، لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه."
قال الترمذي : "هذا حديث غريب([1]) لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن عيسى، وقد تفرد به ، وهو قليل الحديث ، وقد حدث عنه الناس ، وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي هو ثقة، وثقه يحيى ابن سعيد القطان".
وقال الطبراني : "لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به:
حماد بن عيسى".
* قلت : ضعَّفه أحمد ، وأبو حاتم ، والدار قطني وغيرهم.
وقال ابن حبان والحاكم : "يروى أحاديث موضوعة على ابن جريج وغيره".
وقال الذهبي في "السير" بعد تخريجه الحديث :
"أخرجه الحاكم في "مستدركه" فلم يصب، وحماد ضعيف".
وقال العراقي في "المغني" (1/305) : "سكت عليه الحاكم ، وهو ضعيف".
وسبقه إلى تضعيفه النووي في "الأذكار" (ص 344).
2-أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
أخرجه ابن ماجه (1181-3866) ، ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (141)، والبغوي (5/204) ، وابن حبان في "المجروحين" (1/268) والحاكم (1/536) ، والحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (2/616) وابن الجوزي في "الواهيات" (2/840) من طريق صالح بن حسان ، عن محمد ابن كعب القُرظي، عن ابن عباس مرفوعاً : "إذا دعوت الله فادع بباطن كفيك ، ولا تدع بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك".
* قلت : وهذا سندٌ واهٍ .
وآفته صالح بن حسان.
قال البخاري : "منكر الحديث".
ولخص الحافظ حاله في "التقريب" فقال : "متروك".
وقال أبو حاتم : "حديث منكر".
نقله عنه ولده في "العلل" (2572/2/351).
وتابعه رجل مجهول عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن عباس مرفوعاً وزاد في أوله شيئاً.
أخرجه أبو داود (1485) ، والبيهقي (2/212) وفي "الدعوات الكبير" (ق39/1) من طريق عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق ، عمن حدَّثه ، عن محمد بن كعب به.
قال أبو داود : "رُوي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب ، كلها واهية ، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً". أهـ
* قلت : وله علتان :
الأولى : ضعف عبد الملك هذا.
الثانية : جهالة الراوي عن محمد بن كعب.
وتابعه عيسى بن ميمون ، عن محمد بن كعب به.
أخرجه ابن نصر (141) وقال : "عيسى بن ميمون ليس هو ممن يحتج بحديثه".
وقال النووي في "الأذكار" (ص 344) : (في إسناده ضعف".
3-أما حديث يزيد بن سعيد الكندي t :
فأخرجه أبو داود (1492) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (6614) عن جعفر الغرياني والحسن بن سفيان وعلي بن طيفور قالوا : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا أبن لهيعة ، عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن السائب بن يزيد ، عن أبيه أن النبي r كان إذا دعا فرفع يديه ، مسح وجهه بيديه.
قال الحافظ في "آمالي الأذكار" : "فيه ابن لهيعة ، وشيخه مجهول" ، وخولف قتيبة في سياقه وفي إسناده.
خالفه سعيد بن أبي مريم قال: نا ابن لهيعة ، عن حبان بن واسع ، عن حفص بن هاشم، أن خلاد بن السائب حدثه ، عن أبيه أن رسول الله r كان إذا دعا جهل راحته إلى وجهه.
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2590) ثنا محمد بن عوف ،
نا ابن مريم بهذا.
فخالفه في إسناده فأسقط ذكر "والد السائب" ، وفي متنه : لم يذكر
مسح الوجه.
وتابعه عمرو بن خالد الحراني ، ثنا ابن لهيعة قال : سمعت حفص بن هاشم يذكر أن خلاد بن السائب حدثه ، هن أبيه مثله.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 7 / رقم 6625) قال : حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، ثنا عمرة بن خالد.
ورواه يحيى بن إسحاق السيلحيني قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حبان بن واسع بن حبان ، عن خلاد بن السائب أن النبي r كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه. أخرجه أحمد (4/56).
فخالف السيلحيني من تقدم في إسناده فأرسله.
ويحيى بن إسحاق من قدماء أصحاب ابن لهيعة وروايته عندي أولى، والاضطراب عندي من ابن لهيعة ، ولعله غلط في إسناده فقال : "حفص
بن هاشم" وليس له ذكر في شيء من كتب التواريخ ، ولا ذكر أحد أن
لابن عتبة ابناً يسمى حفصاً كما ذكر الحافظ في "التهذيب" في ترجمة "حفص بن هاشم".
فالصحيح : ضعف هذا الحديث ، لشدة ضعف مفرداته ، فقول الحافظ في "بلوغ المرام" (ص 284) : "إنه حديثٌ حسنٌ" غيرُ حسنٍ ، هذا والله أعلم.
وقد اختلف أهل العلم في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.
قال محمد بن نصر : "ورأيت إسحاق يستحين العمل بهذه الأحاديث ، وأما أحمد بن حنبل، فحدثني أبو داود قال : سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر ؟ فقال : لم أسمع فيه شيئاً ، ورأيت أحمد لا يفعله...
وسئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك وقال : ما علمت ... وسئل عبد الله ـ يعني ابن المبارك ـ عن الرجل يبسط يديه فيدعو ثم يمسح بهما وجهه ؟ فقال : كره ذلك سفيان ـ يعني الثوري".
* قلت : وأنكر ذلك البيهقي في "رسالته إلى أبي محمد الجويني"
(2/286 ـ مجموعة الرسائل المنيرية).
وقال العز بن عبد السلام : "لا يفعله إلا الجهال".
نعم .. أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (609) قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال : حدثنا محمد بن فُليح ، قال : أخبرني أبي ، عن أبي نعيم ـ وهو وهب ـ قال : "رأيت ابن عمر وابن الزبير يدعوان ، يديران بالراحتين على الوجه".
وهذا الأثر حسَّنه الحافظ ابن حجر ، وضعفه شيخنا الألباني ، وهو محتمل للتحسين، فلا أرى أن يبده الذي يمسح وجهه بعد الدعاء ، وإن كان الأفضل تركه، والله أعلم.
المصدر:فتاوى أبي إسحاق الحويني المسمى (إقامة الدلائل على عموم المسائل) الجزء الأول الفتوى رقم (2)
([1]) قال النووي في "الأذكار" (ص 344) : "أما قول الحافظ عبد الحق ـ يعني الأشبيلي ـ رحمه الله تعالى : إن الترمذي قال : إنه حديث صحيح ، فليس في النُسخ المعتمدة من "الترمذي" أنه صحيح، بل قال : حديث غريب". أهـ
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
سلمك الله ياأم الظن , وسلمت يمينك , وجزاك الله خيراً , وأدعو أخواتنا الفضليات للتأسي بأختنا أم الظن في نشاطها حفظها الله , وحفظ جميع الأخوة والأخوات من كل سوء. آمين
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد حمادة سالم
سلمك الله ياأم الظن , وسلمت يمينك , وجزاك الله خيراً , وأدعو أخواتنا الفضليات للتأسي بأختنا أم الظن في نشاطها حفظها الله , وحفظ جميع الأخوة والأخوات من كل سوء. آمين
ولك بمثل مادعوت اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
مع احترامنا للشيخ شفاه الله كل الاحاديث ليس نتاج اجتهاد شخصى منه انما هو ناقل لائمة هذا الشأن وبركة العلم ان ينسب لأهله حتى لايفتن صغار طلاب العلم فى من يحبونهم من المشايخ
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا عنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
3-مات أبي عصر أحد الأيام ، فأردت أن أُعجِل بدفنه تبعاً للسنة، فاعترض عليَّ بعض أرحامي ، وقالوا : إن الدفن ليلاً مكروه ، فهل هذا صحيح ؟
والجواب : أن الدفن ليلاً جائزٌ ، كما ذهب إليه عامة أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بأحاديث :
منها : حديث أبي هريرة t: أن إنساناً كان يَقُمُّ المسجد أسود فمات ـ أو ماتت ـ ففقدها النبي r فقال : "ما فعل الإنسان الذي كان يقم المسجد ؟" قال: فقيل له : مات. قال : "فهلا آذنتموني به ؟ ، فقالوا : إنه كان ليلاً. قال: "فدلوني على قبرها" قال : فأتى القبر فصلى عليها.
قال ثابت عند ذاك ، أو في حديث آخر : "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليهم".
أخرجه أحمد (2/353) والبيهقي (4/47) عن محمد بن إسحاق الصنعاني، قال : ثنا عفان بن مسلم ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا ثابت البناني ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري في )الصلاة( (1/552 ، 554) قال : حدثنا سليمان بن حرب وأحمد بن واقد ـ فرقهما ـ وفي "الجنائز" (3/204) قال : ثنا محمد بن الفضل ، ومسلم في "الجنائز" (956/71) قال : حدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري قالوا : ثنا حماد بن زيد بهذا ، ولم يذكروا محل الشاهد.
وكذلك أخرجه أبو داود (3203) ، وابن ماجة (1527) ، وابن خزيمة (1299) ، وأحمد (2/353) ، والبيهقي (4/47) من طرق عن حماد
بن زيد.
ومنها : حديث أنس:t أن أسود كان ينظف المسجد فمات، فدفن ليلاً، وأتى النبي r فأُخبِرَ ، فقال : "انطلقوا إلى قبره" فانطلقوا إلى قبره ، فقال : "إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة ، وإن الله ينورها بصلاتي عليها" فأتى القبر فصلى عليه، وقال رجل من الأنصار : إن أخي مات ولم تصلِّ عليه. قال : "فأين قبره ؟" فأخبره، فانطلق رسول الله r مع الأنصاري.
أخرجه أحمد (3/150) ، والبزار (ج 2 / ق 76 / 1) ، والدار قطني (2/77) عن أبي داود الطيالسي ، ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ثابت ،
عن أنس. وإسناده جيد ، وأبو عامر اسمه : صالح بن رستم ، وهو صدوق. وتابعه حماد بن زيد ، فرواه عن ثابت ، عن أنس نحوه دون ذكر
الدفن بالليل.
أخرجه البيهقي (4/46) وقال : "وقد رواه ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة، وهو محفوظ من الوجهين جميعاً".
ومنها : حديث جابر :tقال : رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها ، فإذا رسول الله r في القبر، وإذا هو يقول : "ناولوني صاحبكم" فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر.
أخرجه أبو داود (3164) قال : حدثنا محمد بن حاتم بن ربيع ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/513) حدثنا فهد قالا : ثنا أبو نعيم ، ثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، أخبرني جابر ابن عبد الله.
ورواه أبو أحمد الزبيري ، ثنا محمد بن مسلم بهذا دون قوله : "فإذا هو الرجل..." . أخرجه الطحاوي أيضاً. وسنده لا بأس به في الشواهد.
ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها : قالت :" ما علمنا بدفن رسول الله r حتى سمعنا صوت المساحي من آخر ليلة الأربعاء".
أخرجه أحمد (6/62) ، وابن أبي شيبة (3/347) ، والطحاوي (1/514) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (24/397) ، وقد وقع اضطراب في إسناده.
ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها: أيضاً ، قالت : دخلت على أبي بكر t فقال:" في كم كفنتم النبي r ؟ قالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها : في أي يوم توفي رسول الله r ؟ قالت : يوم الاثنين. قال : فأي يوم هذا ؟ قالت : يوم الاثنين. قال : أرجو فيما بيني وبين الليل ، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران ، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما. قلت: إن هذا خَلَقٌ. قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة، فلم يُتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح."
أخرجه البخاري في "الجنائز" (3/252) ، وأبو يعلي (4451) والبيهقي (4/31) عن وهيب بن خالد.
وأحمد (6/123) ، وأبو يعلي (4495) ، وأبو الفضل الزهري في "حديثه"
(1/ ق 44/1) ، والطحاوي (1/515) عن حماد بن سلمة.
وأحمد (6/40 ، 45 ، 118) عن ابن عيينة وأبي معاوية وعبد الرحمن بن مهدي ـ فرقها ـ ، والبيهقي (3/399) عن أنس ابن عياض ، كلهم عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة.
وفي رواية حماد بن سلمة : "فمات أبو بكر t ليلة الثلاثاء ، فدفن ليلاً".
ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قال :" دفن علي بن أبي طالب فاطمة رضي الله عنها ليلاً."أخرجه الطحاوي (1/514) عن معمر بن راشد وعقيل بن خالد ، عن الزهري، عن عروة ، عن عائشة. وإسناده صحيح.
قال الطحاوي : (فهذا عليٌّ t لم يرَ بالدفن في الليل بأساً ، ولم ينكر ذلك أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما ، ولا أحد من أصحاب رسول الله r ).
* قلت أي الشيخ أبي إسحاق حفظه الله:فهذه الأحاديث والآثار قاضية بجواز الدفن ليلاً مطلقاً ولكن توقف بعض أهل العلم في هذا الإطلاق وقيدوه بالضرورة ، واحتجوا بما رواه
ابن الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث ، أن النبي rخطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبِض فكُفِن في كفن غير طائل ، وقُبِرَ ليلاً ،
فزجر النبي r أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يُضطر إنسان إلى ذلك. وقال النبي r : "إذا كفن أحدُكم أخاه فليُحسِّن كفنه".
أخرجه مسلم (943/49)، وأبو عوانة في المستخرج، ـ كما في
"إتحاف المهرة" (3/468) ـ والنسائي (4/33 ، 82) وابن الجارود في "المنتقى" (546) ، وابن حسان (3103) ، والبيهقي (3/403) ، عن حجاج بن محمد المصيصي ، وأبو داود (3148) ، وأحمد (3/295) ، وأبو عوانة في "المستخرج" ـ كما في الإتحاف (3/468) ـ والحاكم في "المستدرك" (1/368-369) ، والبيهقي (3/403) عن عبد الرزاق ، وهو في "المصنف" (6549) قالا : ثنا ابن جريج قال : أخبرنا أبو الزبير بهذا.
قال القاضي عياض في الإكمال (3/399) : واختلف في تأويل نهيه ـ r ـ فقيل : للعلة التي ذكرت من قوله : "حتى يصلى عليه" ، يعني : لئلا يفوته صلاته عليه هو ـ r ـ وصلاة الكثير من المسلمين وجماعتهم ، لتناله بركة صلاته ـ r ـ ودعاء المسلمين وصالحيهم ، بخلاف دفن الليل الذي إنما يحضره الخصوص والآحاد ، وقيل : بل للعلة الأخرى المذكورة في الحديث ، لقوله : "فكفن في كفن غير طائل" ، وأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لتُستَر إساءة الكفن، فنهى النبي r عن ذلك لهذه العلة، ويدل عليه قوله آخر الحديث: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" قال القاضي : العلتان بينتان في الحديث، والظاهر أن النبي r فصدهما جميعاً وعلل بهما ، وقد قيل هذا ، وتحسين الكفن مأمور به، وليس المراد به السرف فيه ،
ولكن نظافته ونقاؤه ، وكثافته ، وستره، وتوسطه ، وكونه من جنس لباسه في حياته غالباً ، وهو الذي يقضى به عندنا على الورثة إذا تشاجروا
في ذلك". انتهى.
* وقلت : وسبقه إلى مثل هذا الطحاوي في (شرح المعاني)
(1/513-514) فذكر العلتين جميعاً.
ونظر في هذه المسألة شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع (أحكام الجنائز) (ص 177-179) فقال :
"والحديث ـ يعني الذي رواه مسلم آنفاً ـ ظاهر الدلالة على ما ذكرنا ، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في "الإنصاف" (2/547) قال : "لا يفعله إلا لضرورة ، وفي أخرى عنه : يكره".
* قلت : والأول أقرب لظاهر قوله : (زجر) فإنه أبلغ في النهي من لفظ "نهى" الذي يمكن حمله على الكراهة ، على أن الأصل فيه التحريم ، ولا صارف له إلى الكراهة ، لكن يشكل ما ذكرنا قوله في الحديث : "حتى يصلى عليه"، فإنه يدل بظاهره أيضاً على جواز الدفن ليلاً بعد الصلاة ، لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي ، لكن يرد عليه قوله : "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" فإن اسم الإشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلاً لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ، ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلوا عليه ، ومما يزيده بعداً أن هذا المعنى يجعل قيد (الليل) عديم الفائدة ، إذ الدفن قبل الصلاة ، كما لا يجوز ليلاً ، فكذلك لا يجوز نهاراً، فإن جاز ليلاً لضرورة جاز نهاراً من أجلها ولا فرق ، فما فائدة التقييد بـ (الليل) حينئذٍ ؟ لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أولاً من عدم جواز الدفن ليلاً ، وبيان ذلك : أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت ، فنهى عن الدفن ليلاً حتى يصلى عليه نهاراً ؛ لأن الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه ، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه ، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت.
قال النووي في (شرح مسلم) : وأما النهي عن القبر ليلاً حتى يصلى عليه، فقيل: سببه أن الدفن نهاراً يحضره كثير من الناس ويصلون عليه
ولا يحضره في الليل إلا أفراد ، وقيل : لأنهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن ، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره ، قال القاضي : العلتان صحيحتان ، قال: والظاهر أن النبي r قصدهما معاً ، قال : وقد قيل غير هذا".
* قلت : فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن ، ينتج من ذلك أنه لو صلى عليها نهاراً ، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه ، لانتفاء العلة وتحقيق الغاية وهي كثرة المصلين.
وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلاً للغاية المذكورة ؟
استحسن ذلك الصنعاني في (سبل السلام) (2/199) ، ولست أرى ذلك لأن العلة المذكورة مقيدة بالليل فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين ، فإن القلة في الليل أمر طبيعي ، بخلاف النهار ، فالكثرة فيه هي الطبيعي ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تُؤخِّر بالميت زادت الكثرة ولذلك نرى بعض المُترفين الذين يحبون الظهور رياءً وسمعةً، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين ، فلو قيل بجواز ذلك لأدى إلى مناهضة الشارع في أمره بالإسراع بالجنازة بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.
بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الإشكال الذي أوردته في قوله : "حتى يصلى عليه" إذ إنه ظهر أن المراد حتى يُصلىَ عليه نهاراً لكثرة الجماعة ، كي تُبين أن اسم الإشارة في قوله : "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" يعود إلى الدفن ليلاً ولو مع قلة المصلين ، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقاً، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.
ثم قال النووي في (شرح مسلم) : وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة ، وهذا الحديث مما يستدل له به وقال جماهير العلماء من السلف والخلف : لا يكره ، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق t وجماعة من السلف دفنوا ليلاً من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء ، والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفن ليلاً وسأل النبي r فقالوا : توفِّي ليلاً فدفناه في الليل، فقال : "ألا آذنتموني" قالوا : كانت ظلمة ، ولم ينكر عليهم ، وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين ، أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع
كما سبق.
قلتُ ـ الألباني ـ : والجواب الأول ـ وهو أن النهي كان لترك الصلاة ـ لا يصح ؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلاً أو نهاراً كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للأمرين الذين سبقا في كلام القاضي ، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلاً إلا عن ضرورة ، واستدل على ذلك بهذا الحديث ، ثم أجاب عن الأحاديث الواردة في الدفن ليلاً ، وما في معناها من الآثار بقوله في (المحلى)
(5/114-115) : "وكل من دُفِنَ ليلاً منه r ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم فإنما كان ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف الحر على من حضر ـ وهو بالمدينة شديد ـ أو خوفِ تغيُّرٍ أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلاً ، ولا يحل لأحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك". ثم روى كراهة الدفن ليلاً عن سعيد بن المُسيِّب وأقول ـ الألباني ـ : ومن الجائز أن بعض من دفن ليلاً كانوا قد صلوا عليه نهاراً ، وحينئذٍ
فلا تعارض على ما سبق بيانه ، وذلك هو الواقع في حقه r ، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الأربعاء كما ذكر ابن هشام في "سيرته" (4/314) عن ابن إسحاق، والله أعلم". انتهى
* قلتُ : وقد وردت أحاديث صريحة في النهي عن الدفن بالليل مطلقاً ولكنها لا تصح ، منها حديث جابر مرفوعاً : "لا تَرمِسوا موتاكم ، لا تدفنوا بليل".
أخرجه العقيلي (3/474-475) من طريق القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جده ، عن جابر مرفوعاً.
والقاسم واهٍ, وأخرجه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (318) من طريق محمد ابن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن أبيه ، عن جابر ، وزاد : "قالوا : وما الرمس ؟ قال : دفن الليل ، فإنه يُترك ولا يُنظر في أمره".
ويُنظرُ : مَنْ محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل ؟
والصحيح : ما قدمته من جواز الدفن بالليل,وهو مذهب جماهير العلماء ولم أقف على من كرهه من السلف الأول إلا عن الحسن البصري ، وقد روى الطحاوي في (شرح المعاني) (1/513) عنه ما يدل على أن ذلك لعلة لا مطلقاً. فرُويَّ عن أشعث ، عن الحسن أن قوماً كانوا يسيئون أكفان موتاهم ، فيدفنونهم ليلاً ، فنهى رسول الله r عن دفن الليل وهو مرسل كما ترى ، والله أعلم.
نفس المصدر السابق الفتوي رقم (3)
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبومعاذالمصرى
مع احترامنا للشيخ شفاه الله كل الاحاديث ليس نتاج اجتهاد شخصى منه انما هو ناقل لائمة هذا الشأن وبركة العلم ان ينسب لأهله حتى لايفتن صغار طلاب العلم فى من يحبونهم من المشايخ
أخى ......
أشر على الموضع أكتب لك المصدر
بارك الله فيكم ...
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
4-وقفت أثناء هذا الشهر على كتاب سماه صاحبه : "تبصير الأمة بحقيقة السنة" للدكتور إسماعيل منصور ، أنكر فيه كثيراً من الأحاديث التي تلقاها العلماء بالقبول ، واتهم بعض الصحابة كأبي هريرة t بأنه كان ينقل ما لا يفهم ، وطعن على الإمام البخاري بقلة الفقه ، وأورد أحاديث كثيرة صحيحة، فأنكرها وأبدى لها عللاً قد تدخل على بعض من لم يتعمق في دراسة العلوم الشرعية كحديث : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" وكحديث موسى وملك الموت ، وكحديث أن سليمان عليه السلام قال: "لأطوفن على مئة امرأة ، كلهن يلدن فارساً يقاتل في سبيل الله" فإن كان وصلك هذا الكتاب فما الرأي فيه ؟ وما الجواب عما قد يرد من شبهات حول هذه الأحاديث التي ذكرتها ؟
والجواب : أن هذا الكتاب أرسله إليَّ بعض إخواننا في العام الذي صدر فيه (1416هـ)، وقد توقعت ما فيه من قبل أن أقرأه ، لأنني خبير بصاحبه منذ أثار ضجة بمقالات له كان ينشرها في "جريدة النور" بعنوان : "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب" ، فأتى بما يأنف أن يتورط فيه طالب علم صغير ، مع إعجاب بالرأي ، وتسفيه أهل العلم الكبار ، وإنما أغراه بذلك هوان أهل العلم على أنفسهم وعلى الناس ، فكل من أراد أن يكتب شيئاً ، ولو خالف مذهب جميع أهل العلم كتبه وأذاعه في الناس ، وهو آمن تماماً أنه لن يؤاخذ ، حتى اتسع الخرق على الراقع، وصار الذي يتجرأ ويرد على هؤلاء غرضاً لسهامهم ، وكثيراً ما يفترون عليه ، ويلصقون به الحكايات الكاذبة التي تجعل عرضه مضغة في الأفواه ، وربما انتهى به الحال إلى السجن ، والدين لابد له من حراس يقفون على حدوده يذودون عنه ، ويدفعون عنه اعتداء المعتدين ، حتى لا يطمع فيه أمثال هؤلاء الجهال ،
والأمور كما قال النابغة :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتّقي مربض المستأسد الحامي
أما الكتاب الذي يستفهم عنه السائل فقد أرسل إليَّ بعض إخواني الجزء الأول منه، فرأيت صاحبه ينفي فيه السنة ـ إلا من حيث الجملة ـ وذكر في مطلع كتابه أن علماء المسلمين جميعاً ، لا يستثنى منهم واحداً ، قد غشّوا المسلمين، ولم يقوموا بواجب النصح ، فلم يتوقف واحد منهم لمعرفة حقيقة السنة النبوية ، وأنهم قدسوا الصحابة والتابعين ، مع أنهم غير معصومين من الخطأ ، وانفصل على أن السنة لم تُحفظ ، ولا تثبُت إلا من حيث الجملة.
ثم يقول : إن ما ارتكبه علماء المسلمين جميعاً ـ لا يستثني منهم واحداً ـ جعل الحمل عليه ثقيلاً ، فابتعثه الله عز وجل إلينا في القرن الخامس عشر، ليصحح لنا ما أخطأ فيه جميع العلماء ، وقد ارتدى الرجل مُسُوح أهل العلم، وطالع بعض كتب في "الأصول"، فكأن الكلمة أعجبته ، فصار يكررها كثيراً في كتبه ليرهب بها العوام ، ممن قل حظهم من التفقه في دين الله عز وجل ، وكبر معه الأمر حتى صدق أنه "أصولي" ، فاضطره ذلك إلى مساورة جبال الحفظ والفهم ، وظن أنه "رجل" ! فهو رجل وهم رجال، فذكرني صنيعه بما حدث للشاعر "ثابت بن جابر" المعروف بـ "تأبط شراً" ، فقد ذكر أبو الفرج في "كتاب الأغاني" (18/211) أن "تأبط شراً" لقي ذات مرة رجلاً من "ثقيف" يقال له : "أبو وهب" ، وكان رجلاً أهوج ، وعليه حُلةٌ جيِّدةٌ ، فقال أبو وهب لتأبط شراً : بم تَغلِبُ الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم وضئيل ؟ قال : باسمي إنما أقول ساعة ألقى الرجل : أنا تأبط شراً ، فينخلع قلبه ، حتى أنال منه ما أردت! فقال له الثقفي : أبهذا فقط ؟! قال: قطٌ. قال : فهل لك أن تبيعني اسمك ؟ قال: نعم. فبم تبتاعه ؟ قال : بهذه الحلة وبكنيتي ! قال : له : أفعلُ. ففعلا. وقال تأبط شراً : لك اسمي ولي اسمك ، وأخذ حلته وأعطاه طِمْرَيه ثم انصرف ، فقال تأبط شراً يخاطب زوجة الثقفي :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها
تأبط شراً واكتنيت أبا وهبِ
فهبه تسمى اسمي وسماني اسمه
فأين له صبري على مُعظم الخطبِ
وأين له بأس كبأسي وسَوْرَتي
وأين له في كل فادحةٍ قلبي
فظن البيطري أنه بمجرد تزييه بزيِّ العلماء ، وتكلمه ببعض عباراتهم ، أنه منهم، فأربى بذلك على الثقفي !
ولأنه يعلم أن كثيراً من الناس يقف مبهوراً أمام كثرة المناصب والشهادات، دأب على كتابة "نياشيه" في كتبه ، فيذكر تخرجه في كلية "الطب البيطري" ، ثم ترقيه من رتبة "المعيد" إلى "الدكتوراه" ، إلى تعيينه "بقرار وزاري"
ـ ويضعها بين قوسين كأنه "قرار سماوي" ـ عضواً باللجنة الفلانية ،
ثم دراسته في كلية الآداب، ثم حصوله على دكتواره في "الفلسفة"
ـ هكذا كتبها عمداً ـ ثم حصوله على إجازة في القراءات ... إلخ، فلقد ظن الرجل أنه بهذه "الشهادات" قادر على محو علماء الأمة بجرة قلم ، وقد علم القاصي والداني أن هذه الشهادات لا تُعطي صاحبها علماً ، فضلاً عن الأدب ، إنما تفتح له الباب حسب ، وأما الرجل فإنه يقبع تحت خط الفقر في العلم والأدب معاً ، وقد ذكرتني "نياشيه" صاحب القط فهل تعرفه؟
فقد حكوا أن رجلاً كان يحمل قطاً ، فقابله رجل فقال له : ما هذا القط ؟ وقابله ثانٍ فقال له : ما هذا الهر ؟ وقابله ثالثٌ فقال له : ما هذا السِّنَّوْرُ ؟ وقابله رابعٌ فقال : ما هذا السبع ؟ وقابله خامس فقال : ما هذا السبع ؟ وقابله خامسٌ فقال : ما هذا الخيطل ؟ وقابله سادس : ما هذا الهِزَبْرُ ؟ فقال الرجل : كل هذه الأسماء؟! لابد أن ثمنه كبير فذهب إلى السوق يُمنِّي نفسه بالغنى ، فوقف يعرضه للبيع فكان ثمنه درهماً واحداً ، فرماه على الأرض وقال : قاتلك الله ، ما أكثر أسماءك وأقل غناءَك!!
تصدر للتدريس كلُ مُهوَّسٍ
بليدٍ تسمَّى بالفقيه المُدرِّسِ
فحُقَّ لأهلٍ العلمِ أن يتمثَّلوا
ببيتٍ قديمٍ شاع في كل مجلسِ
لقد هَزُلت حتى بدا من هُزَالها
كُلاها وحتى سامها كلُّ مُفلِسِ
أكثر "البيطري" من ذكر "المنهجية" و "الحياد العلمي" ، وكرر كثيراً قوله "أيها القارئ المحايد" فهل تدري أيها القارئ ما معنى "الحياد" ؟ إنه ترك الانتماء إلى السلف ، فهُمْ عنده ناسٌ "مجرد ناس" لا فضل لهم ؛
لأنهم يزعمون أن الانتماء داعيةُ "الانحياز" ، وأنك إذا أحببتهم ، وانتميت إليهم ، فلن ترى عيوبهم ، ولا أخطاءهم ، ومن أثر ذلك أنك ستحاول إيجاد مخارج لكلامهم المنافي "للعقل السوي" !! وهذا "الحياد العلمي" هو الذي جعل "طه حسين" ينظر إلى القرآن المجيد على أنه كتابٌ أدبيٌّ ، وينبغي أن نعرضه للنقد بهذا الاعتبار ، لأنك لو اعتبرته من هند الله ، فلابد أن تُذعِن له ، وإذا مرَّ بك ما لم تستسغه ، فلا مناص من أن تتهم نفسك ، لأنه لا يتهم ربه إلا كافر !!
فلقد تطاول "البيطري" على أبي هريرة الصحابي الجليل ، حافظ الصحابة ، وأحد المجتهدين في الفقه ، فعامله على أساس أنه "رجلٌ" مجرد رجل.
فقد قال في كتابه (ص 398) : "فقد كان أبو هريرة t يكثر من رواية الحديث عن رسول الله r ويسرده سرداً ككلام الناس ، ويُكثر من رواياته العديدة في المجلس الواحد ، فضلاً عن كونه (رحمه الله) كان غير ضابط لنقل الرواية ، مما جعل السيدة عائشة رضي الله عنها تُنكِر ذلك عليه .. وكذلك أوهامه وظنونه التي وضعت المفاسد العظيمة في الدين (بحُسنِ نيةٍ منه رحمه الله) مما يجعلنا نفكر ألف مرة قبل أن نسلم لأية رواية
في الحديث ، مهما كانت صحيحة لأي راوٍ من الرواة على وجه العموم ، ولروايات أبي هريرة t ـ مهما كانت موثقة ـ على وجه الخصوص".
ثم أورد كلمة لعائشة رضي الله عنها ، علَّقتْ بها على حديث حدث به أبو هريرة t ، قالت فيها : "أساء أبو هريرة سمعاً فأساء إجابةً". فعلق البيطري قائلاً : "وقد كان هذا يكفي أن يكف أبو هريرة t عن رواية الحديث كليةً بعد ذلك ، أو ألا يؤخذ عنه الحديث بالمرة ، لعدم ضبطه رحمه الله للرواية ، لا أن يكون أكثر الرواة حديثاً على الإطلاق ، فإن هذا من أعجب العجب".
وصرح بمثل هذا الكلام الهابط كثيراً في كتابه.
فإذا كان "البيطري" يتكلم هكذا عن الصحابة ، فكيف عن آحاد العلماء ؟
وأنا لن أدعك تفكر أو "تتخيل" طريقته في الكلام عن العلماء ، فقد ذكر حديثاً رواه الإمام البخاري رحمه الله في "صحيحه" ثم علق عليه قائلاً
(ص 504) : "ولابد أن نتنبه هنا إلى أن البخاري رحمه الله ، كان فيما يبدو طيباً ـ البيطري يعني مغفلاً ـ وأميناً فيما ينقل ، ولكنه رحمه الله ـ لم تكن له دراية كبيرة بدراسة الحديث !! إذ لو كانت له رحمه الله دراسة للحديث، وللمتن خصوصاً ، لما أثبت هذه الرواية في "صحيحه" ، ولكن يبدو أن الرجل (الفاضل) كان على الفطرة و (التلقائية) لدرجة أن تبلغ به السذاجة أن يروي مثل هذا الحديث المنافي لأبسط المبادئ و (الممكنات) العقلية في جميع العصور ، وتلك هي المأساة الكبرى في أمتنا ، وهي أخذ أحكام الدين تبعاً لشهرة الرجال، وصحة السند ، ولتذهب المبادئ العقلية إلى الجحيم ، مهما كانت هي مناط التكليف وأساس الإسلام" ..
ثم قال (ص 505) : "كما أننا لا ننسى هنا ـ أيضاً ـ أن نُعيد ما سبق أن قررناه من قبل ، من أن الصحابي الفاضل أبا هريرة t لم يكن من أهل العلم أو المعرفة، ولا من أهل الدراية برواية الحديث أو إثبات الأحكام ، وإن كان أميناً فيما يعهد إليه به ، وقد كان هذا كفيلاً بأن يمنعه t من رواية هذه الكثرة من روايات الحديث ، لأنه رحمه الله استخف بالأمر ، ومضى به على غير وجهه الصحيح ، ولم يلتزم منهاج النبي r ، بحسنِ نيةٍ ولا شك !! فقام علينا ـ لذلك وغيره ـ عبء الدراسة المستفيضة لهذه الآلاف المؤلفة من رواياته في الحديث } وإنَّ اللهَ لمعَ المحسنين { . أ هـ
* قلتُ أي الشيخ أبي إسحاق حفظه الله : انتهى كلام "البيطري" وذكره للآية الكريمة ، في آخر كلامه ، وذكرني بقصةٍ عجيبة ، فقد حكوا أن امرأة قُتِلَ زوجها ، فذهبت إلى قاتلٍ محترف ، يستعين به الناس في قتل من يريدون مقابلَ أجرٍ يدفعونه ، فجاءت المرأةُ إليه، وسألته أن يقتل فلاناً ـ قاتل زوجها ـ فقال لها : كم تدفعين ؟ فبكت المرأة ، وأخبرته أنها فقيرة وتنفق على أيتام ، فرق قلب القاتل وقال: سأقتله لوجهِ الله } وإنَّ اللهَ لمعَ المحسنين { !! فانظر إلى هذا الورع الكاذب ، واحمدِ الله الذي عافاك. ربما ساء ظنك ـ أيها القارئ ـ لأنني لم أقدم نموذجاً من فهم الرجل للنصوص حتى الآن ، يُنادى عليه بالجهل الذي وصفته به في مطلع كلامي.
فأقول : حنانيك بل هداديك ، فكل سطر في كتابه يحتاج إلى رد ، لكنني سأكتفي بما أثاره حول الأحاديث الثلاثة التي ذكرها السائل في كلامه لتعلم قدر صاحب هذا الكتاب من الفهم.
أما الحديث الأول :
فذكر "البيطري" في كتابه (ص :503-504) أن البخاري روى عن أبي هريرة t ، عن النبي r ، قال : "قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على مئة امرأة ـ أو تسعٍ وتسعين امرأة ـ كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله".
فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل : إن شاء الله. فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة ، جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله عز وجل فرساناً أجمعين ...".
فعلق "البيطري" قائلاً : "ونحن نترك للقارئ أن يقدر بمقتضى العقل السوي، الذي لا يختلف على حكمه إنسان واحد في الكون !! مدى صحة هذه المقولة الواردة في هذا الحديث الصحيح "للأسف" ! وهي : "لأطوفن الليلة على مئة امرأة ـ أو تسع وتسعين ـ كلهن يأتي بفارس" حيث تصور لنا ما يأتي :
1-أن ليلة واحدة يمكن أن تتسع لمجامعة مئة امرأة ـ أو تسع وتسعين ـ وهذا هامٌ ، فلينتبه إليه !!
2-أن نبيناً من أنبياء الله تعالى ، يمكن أن يعلن هذا القول على الناس ، بهذا الأسلوب غير المهذب ، وهم أكمل الناس خُلُقاً ، وأوفرهم أدباً حتى يراجعه صاحبه في ذلك ، كما دلت عليه ألفاظ الحديث.
3-أن نبياً من أنبياء الله تعالى ، يعرف أن النساء يلدن الذكور والإناث ، ثم يشترط على الله تعالى أن يكون كل ما تضع هذه النساء ذكوراً ، بأسلوب يحكم على الله سبحانه وتعالى بما يقول".
ثم ذكر البيطري" الكلام السابق ـ والذي نقلته ـ في شأن الإمام البخاري
رحمه الله.
والحقُ يُقال :
إن الرجل تعامل مع هذا النص "بغباءٍ شديد" ، فهذا "العنين" يقيس قدرات نبيٍّ من أنبياء الله بقدراته ، ويلفت الأنظار إلى هذا الاعتراض الذي أورده، برغم ضحالته وتفاهته ، فأي نكارةٍ أن يكون في مقدور نبي أن يجامع مئة امرأة في ليلة واحدة ، إذا كان مؤيداً من قبل الله تعالى، ومُعاناً على ذلك ، ولا زال العجز عن إتيان النساء معرَّةً عند بني آدم، والقدرة على ذلك من تمام الرجولة وكمال الفحولة ، وللأنبياء عليهم السلام تمام الكمالات ، فلا ينكر على من أمكنه الله تعالى من رقاب الجن والطير أن يكون له هذا الشيء اليسير الذي هو موجودٌ الآن عند بعض بني آدم. هذا أولاً
ثانياً : أنه زعم أن كلمة "لأطوفن" ، غير مهذبة ، ونقول : كيف ؟ وهي من ألطف الكنايات في الدلالة على هذا الفعل ، وهي مثل قوله تعالى : } فلما تغشَّاها حملت حملاً خفيفاً {[الأعراف : 189] ، لكن الرجل مصابٌ في ذوقه وفهمه ، حتى يرى أن مثل هذه الكناية اللطيفة غير مهذبة ، ثم أين في الحديث أن سليمان عليه السلام جمع الناس وأخبرهم أنه سيأتي نساءه الآن ؟! ليس في الحديث إلا أنه قال ذلك ، فإما قاله بصوتٍ عالٍ كأنه يحدث نفسه، فسمعه صاحبه، أو أنه فاتح صاحبه في ذلك، وعلى الوجهين فليس فيه ما يشين قائله. فلو قال قائل : إنني ما تزوجت إلا ليرزقني الله برجال يتفقهون في دين الله عز وجل، وينشرون السنة بين الخلق أفيعيبه ذلك ؟ وهل ترى أيها القارئ ـ صاحب العقل السوي حقاً ـ أن هذا الكلام اشتراطاً على الله عز وجل من قريب أو من بعيد ؟ لقد قال سليمان عليه السلام هذه المقالة على سبيل الرجاء والتمني، ولو سلمنا أنه اشترط ذلك على الله، فإن الأنبياء عليهم السلام لا يفعلون إلا شيئاً مأذوناً لهم فيه، وقد ثبت عن النبي r ثبوت الجبل الأشم أنه قال : "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" ، فالأنبياء أولى بذلك.
ثالثاً : أن صاحب سليمان كان ملكاً، كما ثبت ذلك في "الصحيح" ، وهذا يكذب دعوى "البيطري" أن سليمان عليه السلام قال ذلك لأحد ، والله أعلم.
ومجال القول مَهيَعٌ مُتَسِعٌ.
أما الحديث الثاني :
فإنه أعجب وأطم من سابقة، ولم أر قلة توفيق وسداد صاحبت أحداً مثلما صاحبت هذا البيطري.
فقال المسكين تحت عنوان : "أحاديث تخالف مقتضيات العقل السوي" (ص 497 وما بعدها) : "من مرويات الحديث ما رواه البخاري ومسلم رضي الله عنهما عن أبي هريرة t ، قال رسول الله r : "جاء ملك لموت إلى موسى بن عمران فقال له : أجب ربك. قال : فلطم موسى عين الملك ففقأها. قال: فرجع الملك إلى الله ، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني. فرد الله عليه عينه وقال: ارجع فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا ؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر".
قال: قال رسول الله r : "فلو كنت ثمَّ ، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".
علق البيطري على الحديث قائلاً : ونحن نلفت نظر القارئ ـ لا أكثر ـ إلى النقاط التالية :
1-أن رسول الله r ـ بمقتضى هذه الرواية ـ يحدث أصحابه الأفاضل رضي الله عنهم بهذه القصة ليعلمهم ما فيها من الأحكام الشرعية !! فيا ترى ما هذه الأحكام؟
2-أن موسى عليه السلام يأتيه ملك الموت ويبين له أنه جاء من عند الله تعالى ، ومع ذلك يعتدي عليه ! وهو يذكر لنا ، لنعلم مدى استهانة نبيٍّ رسولٍ (من أولي العزم) بأمر إلهي يأتيه مع ملك قد تنزل من قبل الله تعالى بهذا الأمر!!
3-أن الملك ضعيف البنية ، لدرجة أن لطمة من يد موسى عليه السلام
تفقأ عينه!
4-أن موعد الموت قابل للتأجيل تبعاً لظروف كل حالة، وليس كما قال الله سبحانه وتعالى : } فإذا جاء أجلُهُم لا يستأخرونَ ساعةً ولا يستقدمون {[النحل : 61].
5-أن الملك الموكل بالأمر الإلهي يرجع إلى الله تعالى دون تنفيذ الأمر المكلف به، تبعاً لقدرات الإنسان المرسل إليه، فالاعتداء كلما كان قوياً على الملائكة ، كلما حقق أعظم النتائج، حتى في تأجيل الموت نفسه !
6-أن موسى عليه السلام استطاع أن يرد الإرادة الإلهية برد ملك الموت (وضربه وتأديبه) ، فليست القاعدة عند الملائكة هي كما قال تعالى :
} وما نتنزلُ إلا بأمرِ ربكَ { [مريم : 64] ، وإنما هي مسألة غير منضبطة، والمهم أن تظهر قوة موسى عليه السلام ـ في الرواية ـ ولا يهم بعد ذلك الإساءة إلى القدرة الإلهية، والتدبير الإلهي ! وبالتالي يصبح قوله تعالى : } حتى إذا جاء أحدَكُمُ الموت توفته رُسُلُنا وهم لا يُفَرِّطون{ [الأنعام : 61] بلا معنى ! وتصبح الملائكة مفرطين في الأمر الإلهي ! لأن قدرتهم أقل من قدرة الإنسان !!
7-أن موسى عليه السلام لم يستوعب الموقف ، إذ فهم أن رده لملك الموت سينهي المسألة تماماً ، بحيث لن يقدر ملك آخر أن ينزل إليه مرة ثانية ! وتصور أنه بذلك يهرب من الموت !!
8-أن موسى عليه السلام يكره لقاء الله تعالى إلى هذا الحد الذي يضرب فيه ملك الموت فيفقأ عينه لمجرد أنه قال له : (أجب ربك) !!
9-أن موسى عليه السلام رجل طائش ، لا يعرف كيف يضبط نفسه ،
فهو عندما لا يريد الموت لا يلجأ إلى الدعاء والتضرع مثلاً (بفرض حدوث ذلك منه) ، بل يستعمل يده مباشرة ، حتى في مواجهة الملائكة ، مما يجعلنا نتوقع منه عليه السلام أكثر من ذلك ـ بمقتضى هذه الرواية ـ يوم القيامة عند الحساب ، بحيث يمكن أن نشهد عرضاً عظيماً ، وصراعاً رائعاً، ربما يصرع فيه موسى عليه السلام ملكين أو أكثر فيطرحهم أرضاً بلكماته القوية ، والخلائق تشهد ذلك في موقف الحساب !
10-أن ملك الموت رجع مخاطباً الله تعالى بأسلوب التنبيه بقوله :
(إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت) !! كأنه يريد أن ينبه الله (تعالى عن ذلك علواً كبيراً) إلى أن الإرسال في هذه المرة لم يكن على نحوٍ حكيم! إذ أن العبد المرسل إليه كان لا يريد الموت ، فكيف حدث هذا من الله سبحانه ؟
هكذا أيها القارئ ، ولك ـ الآن ـ أن تقرر ما تشاء !!
لكننا نتساءل : تُرى من الذي دس علينا كل هذه الروايات الإجرامية ، حتى يهدم فينا العقيدة الصحيحة ، فتشقى أمتنا ـ بذلك ـ إلى يوم الدين ؟ ترى من فعل هذا؟ حسبنا الله ونعم الوكيل !
* قلتُ : فهذا كلامه كله ، نقلته مع طوله وإملاله ، لتعلم أيها القارئ هل قائله ممن أنعم الله عليهم بالعقل السوي ، أم أنه مخبول ؟!
ويحضرني الآن ما ذكره أهل الأدب أن خالد بن صفوان ـ الخطيب البليغ ـ كان في الحمام يوماً ، فرآه رجل وابنه ، فأراد الرجل أن يُري خالداً ما عنده من الفصاحة والبيان ، فخاطب ابنه قائلاً : يا بُني ابدأ بيداك ورجلاك! ثم التفت إلى خالد كالمتباهي وقال : يا أبا صفوان هذا كلامٌ قد ذهب أهله ! فقال له خالد : هذا كلامٌ لم يخلُقُ الله له أهلاً قط !!
و"البيطري" تابع لبعض المارقين في ترديد هذه الاعتراضات ، لكنه أضاف إليها من سوء أدبه وركاكة أسلوبه.
وقد أجاب أهل العلم من هذا الحديث بجوابين :
الأول : ما ذكره الإمام العلم ابن حِبان البستي في "صحيحه" (6223) فقد قال: "ذِكْرُ خبرٍ شَنَّع به على منتحلي سنن المصطفى r من حُرِمَ التوفيق لإدراك معناه"، ثم روى الحديث وعقب قائلاً : "إن الله جل وعلا بعث رسول الله r معلماً لخلقه ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده ، فبلَّغ r رسالته ، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة ، علقها عنه أصحابه أو بعضهم ، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق
لإصابة الحق".
وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار وأمره أن يقول له : أجب ربك ، أمرَ اختبار وابتلاء ، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله إبراهيم ـ صلى الله على نبينا وعليه ـ بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه ، فلما عزم على ذبح ابنه ، وتله للجبين ، فداه بالذبح العظيم.
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها ، كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة ، وكمجيء جبريل إلى رسول الله r وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام والإحسان ... فلم يعرفه المصطفى r حتى ولى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى عليه السلام على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها ، وكان موسى غيوراً ، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه ، فرفع يده فلطمه ، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها ، لا الصورة التي خلقه الله عليها ، ولما كان المصرح عن نبينا r في خبر ابن عباس ، حيث قال : "أمني جبريل عن البيت مرتين" ، فذكر الخبر ، وقال في آخره : "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك" .. كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم.
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه ، أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جُنَاحٍ على فاعله ، ولا حرج على مرتكبه ؛ للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا ـ كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى، بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه ، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له ، ولا حرج عليه في فعله.
فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه ، أمره ثانياً
بأمر آخر ، أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا من قبل ، إذ قال الله له : قل له : إن شئت فضع يدك على متن ثور ، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة ، فلما علم موسى كليم الله ـ صلى الله على نبينا وعليه ـ أنه ملك الموت ، وأنه جاءه بالرسالة من عند الله ، طابت نفسه بالموت ، ولم يستمهل ، وقال : فالآن.
فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت ، لاستعمل ما استعمل
في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ، ضد قول من زعم من أصحاب حديث حمالة الحطب ورعاة الليل ، يجمعون ما لا ينتفعون به ، ويرون ما لا يؤجرون عليه ، ويقولون بما يبطله الإسلام ، جهلاً منه لمعاني الأخبار ، وترك التفقه في الآثار ، معتمداً منه على رأيه المنكوس ،
وقياسه المعكوس".
* قلتُ : ونقل الحافظ في "الفتح" (6/442) عن ابن خزيمة نحوه وهذا البيان من الحافظ الجليل ابن حبان رحمه الله يأتي على اعتراض "البيطري" من القواعد ، وقد تَعرِضُ شبهة لآحاد الأذكياء فاتت على المعترض ، وهي في قوله : "أجب ربك" ، فقد يقول قائل : إن هذه الكلمة كانت كفيلة بأن يعرف موسى عليه السلام أنه مرسل من عند الله.
فقد أجاب ابن حبان (14/117) قائلاً : "هذه اللفظة (أجب ربك) قد توهم من لم يتبحر في العلم ، أن التأويل الذي قلناه للخبر مدخول ، وذلك في قول ملك الموت لموسى : (أجب ربك) بيان أنه عرفه ، وليس كذلك ، لأن موسى عليه السلام لما شال يده ولطمه ، قال له : (أجب ربك) ، توهم موسى أنه يتعوذ بهذه اللفظة ، دون أن يكون رسول الله إليه ، فكان قوله : (أجب ربك) الكشف عن قصد البداية في نفس الابتلاء والاختبار الذي أريد منه". انتهى
ثم قوله لموسى عليه السلام : (أجب ربك) معناه : سلم لي نفسك لأنتزع روحك، فهذا هو القتل، ودفع الصائل مشروع حتى لو أدى إلى قتله كما قرره العلماء ، وقد قال النبي r : "من قتل دون أهله وماله فهو شهيد".
الجواب الثاني : أنه قد ثبت عن النبي r أنه قال : "إنه لم يُقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر". قالت عائشة : فلما نزل به ورأسه على فخذي غُشي عليه ، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ، ثم قال: "اللهم الرفيق الأعلى". فقلتُ : إذن لا يختارنا ... الحديث.
أخرجه البخاري (8/136 ، 150 ، 255 ، 11/149 ، 357) ومسلم (2444/86) ، وأحمد (6/296) ، وأحمد (6/296) ، وابن ماجة (1620) ، وحماد بن إسحاق في "تركة النبي r" (ص 52) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (24/268-269) ، من طريقين عن عروة عن عائشة.
وفي رواية لسعيد بن إبراهيم ، عن عروة : "ما من نبي يمرض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة ...".
* قلتُ : فهذا الحديث صريح في أن كل نبي كان يخيره الله عز وجل بين الحياة والموت، وقد خُير نبينا r .
فروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري t قال: خطب رسول الله r الناس وقال : "إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله". قال : "فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله r عن عبدٍ خُيِّرَ ، فكان رسول الله r هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا.
فلما جاء ملك الموت موسى عليه السلام في صورةٍ لا يعرفها ، يقول له : "أجب ربك" ثم هو لم يُخَيَّرُ ، وكانت آية لهم ، فعل ما فعل.
فأي نكارة ـ يا عباد الله ـ في هذا الحديث الرائع ، بعد هذا البيان المختصر لمعناه ؟! ولكن الأمر كما قيل :
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ
يجد مُرًّا به الماءَ الزُّلالا
أما الحديث الثالث :
قال "البيطري" (ص 463-465) : "ما رواه البخاري رحمه الله بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" الحديث. وهو حديث مروي كذلك في صحيح مسلم (رحمه الله) بلفظ : "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" وليس فيه إقامة الصلاة
وإيتاء الزكاة. وهذا الحديث ـ في رأينا ـ مكذوب على رسول الله r (دون أدنى شك) ، وأن كان مروياً في صحيحي البخاري ومسلم (رضي الله عنهما) كما تبين؛ إذ القاعدة أن لا تلازم بين صحة السند وصحة الحديث ، لكون صحة المتن شرطاً أساسياً لصحة الحديث (وقد سبق بيان ذلك) ، ونحن سنبين ـ بمشيئة الله تعالى ـ من خلال دراسة المتن كيف أنه حديث مكذوب على رسول الله r .
وقبل أن نقدم الأدلة الدامغة على كذب هذا الحديث (وافترائه على رسول الله r ) ، نحب أن نلفت نظر المعترضين على ضرورة دراسة متون الأحاديث (مهما كانت واردة في الصحاح) إلى خطورة مثل هذا الحديث (خطورة عظيمة) على الإسلام حيث إنه كفيلٌ ـ لو صدقه المسلمون وعملوا به ـ بهدم الدين الإسلامي كليةً (من ألفه إلى يائه) ، وصرف الأمة الإسلامية بالتالي عن طريق الرحمن إلى طريق الشيطان (والعياذ بالله سبحانه). وسبب ذلك ـ باختصار شديد ـ هو : أن الحديث سيعطي دلالة واضحة على أن الإسلام قد فُرِضَ على الناس بالقهر (لا بالرغبة) وبالسيف
(لا بالاختيار) وهذا هو الضد تماماً الذي يخالف الإسلام ! فضلاً عن تسببه في أخذ الأمة الإسلامية إلى طريق منحرف (بعيد تماماً عن الدين الحق) يَفرِض عليها محاربة شعوب الأرض جميعاً (غير المسلمين) حتى يسلموا ويدخلوا ـ بالقهر والبطش والقتال ـ في سماحة الإسلام !! وهذا كفيل بهدم كيان الأمة تماماً لكونه يكلفهم ما لا طاقة لهم به (مما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى لهم وبالتالي فلن ينصرهم فيه) ويجعل منهم ـ بالتالي ـ جماعة سفاحين يقاتلون كل من يخالفهم في الشريعة (والعقيدة) ! وهذا مما يُبغضه الله سبحانه وتعالى أشد البغض، ويُنَكِّل بفاعله أشد التنكيل (فلا تقوم لهم قائمة إلى يوم الدين) لأن ذلك اعتداء على منهاج الله سبحانه وتعالى باسم السنة النبوية ـ وتلك هي أهم مكامن الخطورة في هذا الحديث.
وإليك ـ أيها القارئ المحايد ـ الأدلة الشرعية (القاطعة) على كون هذا الحديث كذباً، وافتراءً على دين الله تعالى (دون أدنى عُذرٍ للمتن من تبرير أو تأويل) ، والله المستعان، وهذه الأدلة". انتهى
* قُلتُ : ثُمَّ شقق الكلام وأطاله في طائل حتى استغرق هذا الحشو أكثر من عشرين صفحة مؤداها أن هذا الحديث يعارض عدة آيات في كتاب الله تعالى منه قوله تعالى : }لا إكْرَاهَ في الدِّيْنِ{ ، ومنها : } ولَو شَاءَ رَبُّكَ لآَمنَّ مَنْ في الأرضِ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يكونوا مُؤْمِنين {، ومنها : } قُلْ يا أَيُّهَا الكَافِرونَ لا أعْبُدُ ما تْعْبُدُونَ{ ، ومنها : } إنْ عَلَيْكَ إلاَّ البَلاغُ{ .
وفي آياتٍ أخرى حشدها وجعل يفسرها ليدلك على أن هذا الحديث (الخرافي) ـ كما يسميه ـ يعارض القرآن.
والجواب عن هذا الخَطَل ـ متحاشياً الحشوَ ـ أن يقال :
إن الناسَ ثلاثةٌ : مسلمٌ وكافرٌ ومنافقٌ.
فليس المسلمُ هو المقصود بالحديث بداهةً، ولمنافقُ ليس داخلاً فيه أيضاً لأنه أظهر الإسلام فلا سبيل لنا عليه، ولما أراد خالد بن الوليد t أن يقتل جدَّ الخوارج الذي قال للنبي r : اعدل يا محمد. قال له النبي r : "لا ، لَعلَّهُ أن يكون يُصلِّي" قال خالد : وكم من مُصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله r : "إني لم أومر أن أُنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشقَّ بطونهم". أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب t. فلم يبق من أقسام الناس إلا الكافر.
فكلمة : "الناس" في الحديث من العامِّ الذي يراد به الخصوص ، وقد ورد هذا صريحاً فيما رواه أبو داود (2642) ، والنسائي (7/75) ، والدارقطني (1/232) ، والبيهقي (3/92) عن يحيى ابن أيوب ، قال : حدثني حميدٌ أنه سمع أنساً مرفوعاً : "أُمرتُ أن أقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ... الحديث".
وجماهير أهل العلم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير أصحابهم أن الكافر لا يُقتل لمجرد كفره ، ولذلك لا يُقتل الصبيان ، ولا النساء ، ولا الرهبان أصحاب الصوامع ، ولا الزَّمني إلا إذا أعانوا بالقول أو بالفعل ، إنما يُقتل من انتصب لحرب المسلمين ، ومَنَعَ تبليغ الإسلام إلى مَنْ ورائهم وما علمنا قطُّ أن النبي r أَكْرَهَ أحداً على الإسلام ، أو قتله لمجرد أنه كافر ، بل من سالمه أو هادنه أو دخل معه في حلفٍ كان يكف عنه.
وذهب الشافعي وبعض أصحاب أحمد إلى قتل كل كافر وجعل العلة الكفر، والقول الأول هو الصواب الذي ينصره الكتاب والسنة.
ويدل على ذلك ما رواه سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله r إذا أمَّرَ أميراً على جيش أو سرية أوصاهُ في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً. ثم قال: "اغزوا باسم الله ، قاتلوا من كفر بالله ، في سبيل الله اغزوا وتغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيَّتُهُن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيءٌ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فسلهم الجزية ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ، فإنكم أن تُخفروا ذممكم وذمم أصحابكم ، أهون من أن تُخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تُنزِلَهم على حكم الله ،
فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا".
أخرجه مسلم (1731/2-3) وغيره.
ومجال القول واسع جداً لاسيما في رده على الحافظ ابن حجر ، وقد استوفيت الرد عليه، وأبنت عن جهله وزغله في كتابي "الجهد الوفير في الرد على البيطري نافخ الكير" وقد كتبت منه مجلدةً ، واللهُ أسألُ أن يُعينني على إتمامه على الوجه الذي يُرضيه عني.
وأُذكِّرُ "البيطري" أنه لن يكون أحسن حالاً من محمودٍ أبي رية والسيد صالح أبي بكر، ومن قبلهم غُلاةِ الروافضِ ، فقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ، وبقيت السنة النبوية شامخة، يُقرِّبها الأساطين دانية القطاف إلى
جماهير المسلمين.
وقد أطلق بعض الأذكياء على مثل "البيطري" وأشياعه لقب "المجددينات" فقال له سامعه: ما هذا الجمع الغريب ؟ ما هو بجمع مذكر سالم ، ولا هو جمع مؤنث سالم ! فقال له : هذا "جمع مُخَنَّثٍ" سالم ، فأقسم له سامعه أن اللغة العربية في أشد الحاجة إلى هذا الجمع ، خصوصاً في هذه الأيام.
فهي والله فوضى ولا عُمَرَ لها ! وقد أعطاني الكتاب بعض أفاضل إخواني وطلب مني أن أرد والتمس مني ذلك ، وطلب إبطال ما هنالك ، فلما انفصلتُ بتُّ ليلتي متفكراً ، فقرع خاطري ما قاله أبو سفيان يوم أُحُد : أفيكم محمدٌ ؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عُمر ؟ فقال النبي r "لا تجيبوه". تعاوناً به ، وتحقيراً لشأنه. فلما قال : اُعلُ هبل. فقال لهم رسول الله r :
"ألا تجيبوه ؟" قالوا : وما نقول ؟ قال : "قولوا: الله أعلى وأجل". فقال
أبو سفيان : لنا العُزّىَ ولا عُزى لكم. فقال لهم r: "قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم" فعلمتُ أن النبي r أمرهم أن يجيبوه إعلاء لجناب التوحيد ، وإظهاراً لعزِّة من عبده المسلمون فحينئذٍ جرَّدتُ أسنة العزائم والردِّ ، واستعنتُ على ردِّ أباطيله بالواحد الفرد ، وليت مصنف هذا الهذيان ، تَنكَّبَ عن ميدان الفرسان ، ليسلم من أسنةِ ألسنتهم عِرضُه، وينطوي من بساط المشاجرة طوله وعرضه، ولم يسمع ما يضيق به صدره، ولم يَنهَتِكْ بين أفاصل الأمة ستره ، وإن قد أبي إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزُ الغلاصم، وقطعُ الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم. فوالذي نفسي بيده ما بارز أهل الحقِّ قطُّ قِرنٌ ، إلا كسروا قرنه ، فقرع مِنْ نَدَمٍ سِنَّه، ولا ناجزهم خصم إلا بشروه بسوء منقلبه، وسدوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحدٌ ـ ولو كان مثل خُطباءِِ إياد ـ إلا فصحوه وفضحوه ، ولا كافحهم مقاتل ـ ولو كان من بقية قوم عاد ـ إلا كبوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكُماةِ الذين وردوا المنايا تبرعاً ، وشربوا كؤوسها تطوعاً ، وسعوا إلى الموت الزُّؤام سعياً ، وحسبوا طعم الحمام أرياً، والكُفَاةِ الذين استحقروا الأقران فلم يهُلهُم أمرٌ مَخُوفٌ ، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف ، وتجالدوا لدى المُجادلَةِ بقواطع السيوفِ.
والله غالبٌ على أمرِهِ ولكنَّ أكثر الناسِ لا يعلمون.
نفس المصدر السابق الفتوي رقم 4
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
-سمعت منكم في أثناء شرح "صفة الصلاة النبي r" للشيخ الألباني أنكم تنصرون النزول من الركوع إلى السجود على اليدين، ولكنني قرأت بحثاً لابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" ينصر النزول على الركبتين ، وبحثه قوي جداً ويصعب رد أدلته ، فما جوابكم عن ذلك ؟
الجواب : أن بحث ابن القيم رحمه الله تعالى هذا قرأته قديماً وكنت على اقتناع كامل به، حتى وقعت لي واقعة اضطررت بسببها أن أبحث الموضوع، فإذا هو ضعيف برغم قوته الظاهرة فصنفت في الرد عليه جزءاً سميته : "نهي الصحبة عن النزول بالركبة" ، فأنا أذكر خلاصته هاهنا ذاكراً كلام ابن القيم أولاً ، ثم أعقب بردي عليه رحمه الله تعالى.
قال الإمام المحقق في "زاد المعاد" (1/222-231) في وصف صلاة
النبي r: "وكان r يضع ركبتيه قبل يديه ، ثم يديه بعدهما ، ثم جبهته وأنفه ، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل بن حجر :" رأيت رسول الله r إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". ولم يروِ في فعله ما يخالف ذلك. وأما حديث أبي هريرة يرفعه : "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه". فالحديث ـ والله أعلم ـ قد وقع فيه وهمٌ من بعض الرواة ، فإن أوله يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه ، فقد برك كما يبرك البعير ، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً، ولما علم أصحاب هذا القول ذلك .، قال : ركبتا البعير في يديه لا في رجليه ، فإذا هو برك وضع ركبتيه أولاً ، فهذا هو المنهي عنه ، وهو فاسدٌ لوجوه :
أحدهما : أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولاً ، وتبقى رجلاه قائمتين ، فإنه ينهض برجليه أولاً ، وتبقى يداه على الأرض ، وهذا هو الذي
نهى عنه r ، وفعل خلافه ، وكان أول ما يقع منه r على الأرض الأقربُ منها فالأقرب ، وأول ما يرتفع عن الأرض الأعلى فالأعلى.
وكان يضع ركبتيه أولاً ، ثم يديه ، ثم جبهته ، وإذا رفع ، رفع رأسه أولاً ،
ثم يديه ، ثم ركبتيه. وهذا عكس فعل البعير ، وهو r نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات ، فنهى عن بروكٍ كبروك البعير ، والتفاتٍ كالتفات الثعلب ، وافتراشٍ كافتراش السبع ، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب ، ونقرٍ كنقر الغراب ، ورفع الأيدي وقت السلام كأذنابِ الخيل الشُّمُسِ فهَديُ المصلي مخالف لهديِ الحيوانات.
الثاني : أن قولهم : رُكبتا البعير في يديه كلامٌ لا يُعقل ، ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين ، وإذا أطلق على اللتين في يديه اسم فعلى سبيل التعذيب.
الثالث : أنه لو كان كما قالوه ، لقال : فليبرك كما يبرك البعير ، فإن أول ما يمس الأرض من البعير يداه ، وسر المسألة أنه من تأمل بروك البعير وعلم أن النبي r نهى عن بروكٍ كبروكِ البعير ، علم أن حديث وائل بن حجر هو الصواب ، والله أعلم.
وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله ، ولعله : "وليضع ركبتيه قبل يديه" كما انقلب على بعضهم حديثُ ابن عمر: "إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" فقال : "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال". وكما انقلب على بعضهم حديث : "لا يزالُ يُلقى في النار فتقول : هل من مزيد ..." إلى أن قال : "وأما الجنة فُينشئُ الله لها خلقاً يسكنهم إياها". فقال : حتى رأيت أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك ، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فُضيل ، عن عبد الله بن سعيد ، عن جده ، عن أبي هريرة، عن النبي r قال : "إذا سجد أحدُكُم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ، ولا يَبرُك كبروك الفَحلِ".
ورواه الأثرم في "سننه" وأيضاً عن أبي بكرٍ كذلك ، وقد رُويَ عن
أبي هريرة عن النبي r ما يُصدِّق ذلك ، ويوافق حديث وائل بن حُجر، قال ابن أبي داود: حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا ابن فُضيل ـ هو محمد ـ عن عبد الله بن سعيد ، عن جده ، عن أبي هريرة t أن النبي r كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه.
وقد روى ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأُمِرنا بالركبتين قبل اليدين. وعلى هذا فإن كان حديث أبي هريرة محفوظاً ، فإنه منسوخ ، وهذه طريقة صاحب "المُغني" وغيره ، ولكن للحديث علتان :
إحداهما : أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل ، وليس ممن يُحتَّجُ به. قال النسائي : متروك. وقال ابن حبان : منكر الحديث جداً لا يُحتج به. وقال ابن معين: ليس بشيء.
الثانية : أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصة التطبيق، وقول سعد : كنا نصنع هذا فأُمِرنا أن نضع أيدينا على الركب ، وأما قول صاحب "المُغني" عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأُمِرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين ، فهذا ـ والله أعلم ـ وَهَمٌ في الاسم ، وإنما هو:"عن سعدٍ"، وهو أيضاً وَهَمٌ في المتن كما تَقَدَّم، وإنما هو في قصة التطبيق، والله أعلم.
وأما حديث أبي هريرة المتقدم ، فقد علله البخاري ، والترمذي ، والدار قطني.
قال البخاري : محمد بن عبد الله بن حسن لا يُتابَع عليه.
وقال : لا أدري أسمِعَ من أبي الزناد ، أم لا ؟
وقال الترمذي : "غريبٌ لا نعرفه من حديث أبي الزِّناد إلا من هذا الوجه".
وقال الدار قطني : "تفرد به عبد العزيز الدراوردي، عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي ، عن أبي الزناد" وقد ذكر النسائي عن قتيبة :
حدثنا عبد الله بن نافع ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي ،
عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن النبي r قال : "يَعمِدُ أحدُكم في صلاته ، فيبرُكُ كما يبرُكُ الجمل" ولم يزد. قال أبو بكر بن أبي داود : وهذه سنَّة تفرَّد بها أهل المدينة ، ولهم فيها إسنادان ، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد الله ، عن نافه ، عن ابن عمر عن النبي r قلت : أراد الحديث الذي رواه أصبغ بن الفرج ، الدراوردي، عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ويقول : كان النبي r
يفعل ذلك.
رواه الحاكم في "المُستدرك" من طريق محرز بن سلمة ، عن الدراوردي ، وقال : على شرط مسلم وقد رواه الحاكم من حديث حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول، عن أنس قال : "رأيتُ رسول الله r انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه. "
قال الحاكم : "على شرطهما ، ولا أعلم له علة".
قلتُ ـ يعني ابن القيم ـ : قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : "سألت أبي عن هذا الحديث فقال : هذا الحديث منكر". انتهى
وإنما أنكره ـ والله أعلم ـ لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار ، عن حفص بن غياث ، والعلاء هذا مجهولٌ لا ذكر له في الكتب الستة ، فهذه الأحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى.
وأما الآثار المحفوظة عن الصحابة : فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب t أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه ، ذكره عنه عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وغيرهما ، وهو المروي عن ابن مسعود t ، ذكره الطحاوي ، عن فهد ، عن عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أصحاب عبد الله : علقمة والأسود قالا : حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه ، ثم ساق من طريق الحجاج بن أرطأة قال : قال إبراهيم النخعي : حُفِظَ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقع على الأرض قبل يديه، وذكر عن ابن مرزوق ، عن وهب ، عن شعبة ، عن مغيرة قال : سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد ؟ قال : أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون !
قال ابن المنذر : وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب ، فمن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه : عمر بن الخطاب t ، وبه قال النخعي ، ومسلم ابن يسار ، والثوري، والشافعي، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو حنيفة وأصحابه ،
وأهل الكوفة.
وقالت طائفة : يضع يديه قبل ركبتيه ، قال مالك : وقال الأوزاعي : أدركنا الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم. قال ابن أبي داود : وهو قول أصحاب الحديث. قلت : وقد رُوِىَ حديث أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي ، وهو إذا سجد أحدكم ، فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه على ركبتيه".
قال البيهقي : فإذا كان محفوظاً ، كان دليلاً على أن يضع يديه قبل ركبتيه عند الإهواء إلى السجود.
وحديث وائل بن حجر أولى لوجوه :
أحدها : إنه أثبت من حديث أبي هريرة ، قال الخطابي ، وغيره.
الثاني : أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم ، فمنهم من يقول فيه : وليضع يديه قبل ركبتيه ، ومنه من يقول بالعكس ، ومنهم من يقول وليضع يديه على ركبتيه ، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأساً.
الثالث : ما تقدم من تعليل البخاري والدار قطني وغيرهما.
الرابع : أنه على تقدير ثبوته ، قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ ، قال ابن المنذر : وقد زعم بعض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ ، وقد تقدم ذلك.
الخامس : أنه الموافق لنهي النبي r عن بروكٍ كبروكِ الجمل في الصلاة ، بخلاف حديث أبي هريرة.
السادس : أنه الموافق للمنقول عن الصحبة ، كعمر بن الخطاب ، وابنه ،
وعبد الله بن مسعود ، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم ما يوافق حديث أبي هريرة،
إلا عن ابن عمر رضي الله عنهما ، على اختلاف عنه.
السابع : أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم ، وليس لحديث أبي هريرة شاهد ، فلو تقاوما لقُدِّم حديث وائل بن حجر من أجل شواهده ، فكيف وحديث وائل أقوى كما تقدم ؟!
الثامن : أن أكثر الناس عليه ، والقول الآخر إنما يُحفظ عن الأوزاعي ومالك ، وأما قول ابن أبي داود : إنه قول أهل الحديث ، فإنما أراد به بعضهم ، وإلا فأحمد والشافعي وإسحق على خلافه.
التاسع : أنه حديثٌ فيه قصةٌ محكيةٌ سيقت لحكاية فعله r فهو أولى أن يكون محفوظاً ؛ لأن الحديث إذا كان فيه قصةٌ محكيةٌ ، دل على أنه حفظ.
العاشر : أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره ، فهي أفعال معروفة صحيحة ، وهذا واحد منها ، فله حكمها ، ومعارِضُهُ ليس مقاوماً له فيتعين ترجيحه ، والله أعلم". انتهى كلامه
* قلتُ أي الشيخ حفظه الله : فليس هذا البحث ـ أيها الإمام ـ من لآلئ مبتكراتك ، ولا من نفيس مخبآتك، وأن لم يخلُ ـ كعادتك ـ من حسن عرض الأدلة وترتيبها ، فلذلك اغتر به خلقٌ ، ظناً منهم أنه كسائرأبحاثك في استيفاء الحُجج ، وتحرير المقام. ولا عجب أن يكون لك في قلوب من جاء بعدك من التبجيل والإكبار ما أنته له بأهلً ، لِما عُرِفت به من كثرة الإنصاف في كلامك ، واستيفاء الأدلة ، مع الإتيان بوجوهٍ من الاحتجاج لم تُسبَق إليها ، حتى عدك حافظ الديار المصرية ابن حجر العسقلاني الحسنة العظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والتي يرقى بها ابن تيمية إلى ذرى المجد ، على فرض أن ليس له حسنة غيرك. فقال كما في "الرد الوافر" لابن ناصر الدين الدمشقي ، قال الحافظ : "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ
شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف ، لكان غايةٌ في الدلالة على عظم منزلته". انتهى
وقد رأيتك ـ رضي الله عنك ـ لخصتَ مقاصد بحثِكَ في عشرة وجوه ختمت بها كلامك، فأنا أتتبعها واحدة تلو الأخرى ، بشرط الإنصاف ، وترك الاعتساف إن شاء الله تعالى.
الوجه الأول :
أنك نقلت عن الخطابي وغيره ، أن حديث وائل بن حجر t والذي يقضي بتقديم الركبتين على اليدين ، أثبت من حديث أبي هريرة t والذي يقضي بتقديم اليدين على الركبتين.
والجواب :
أن هذا القول لا يُسلَّمُ لقائله إلا بعد تفصيل الكلام على أحاديث الفريقين ، وردها إلى قواعد أهل العلم بالحديث.
فأما حديث وائل بن حجر t :
فأخرجه أبو داود (838) ، والنسائي (2/206-207) والترمذي في "سننه" (268) ، وفي "العلل الكبير" (1/220) ، وابن ماجة (882) ، والدارمي (1/245) ، وابن خزيمة (626) ، وابن حبان (487) ، والبزار في "مسنده" (ج2/ ق244/1) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والحاكم (1/266) ، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (1259) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/165) والدارقطني (1/345)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (ج4/ق98/20) ومن طريقه ابن جماعة في "مشيخته" (2/574)، والبيهقي (2/98 ، والخطيب في "موضح الأوهام" (2/433) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/133) ، والحازمي
في "الاعتبار" (ص 160-161) من طريق عن يزيد بن هارون ،
ثنا شريك النخعي ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر، قال : كان رسول الله r إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
قال الترمذي :
"هذا حديث حسن غريب ، لا نعرف أحداً رواه مثل هذا عن شريك ، قال : زاد الحسن بن علي في حديثه : قال يزيد بن هارون : ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
وقال : "العلل الكبير" : "وروى همام بن يحيى ، عن شقيق ، عن عاصم بن كليب شيئاً من هذا مرسلاً ، لم يذكر وائل بن حجر ، وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم".
وقال أبو القاسم البغوي : "لا أعلم حدَّث به عن شريك غير يزيد".
وقال النسائي ـ كما في "أطراف المزىّ" (9/90) ـ :
"لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون".
وكذلك قال البغوي.
وقال البزار : "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا يزيد بن هارون ، عن شريك".
وقال الدارقطني : "تفرد به : يزيد بن هارون ، عن شريك ، ولم يُحدِّث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به".
وقال البيهقي : "إسناده ضعيف".
وقال أيضاً : "هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي ، وإنما تابعه همام
من هذا الوجه مرسلاً ، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحُفاظ المتقدمين
رحمهم الله تعالى".
وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/68-69) : "حديث غريب".
* قلتُ : وهذا القول منهم هو الذي تطمئن إليه نفس الناقد ، لاستقامته على القواعد ، وقد اتفقت كلمتهم على أن شريك بن عبد الله القاضي تفرد بهذا الحديث، وشريك سيء الحفظ ، وسيء الحفظ إذا انفرد بشيء فلا يُحتج به ، وهذا القدر متفق عليه عند العلماء.
فإن قيل : فما أنت قائل فيما ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/444) حيث قال في "ترجمة شريك" : "وكان في آخر أمره يُخطئ فيما يروي ، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين منه ، الذين سمعوا منه بواسط ، ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون ، وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين منه بالكوفة، فيه أوهام كثيرة". انتهى
فهذا القول من ابن حبان رحمه الله يدل على أن سماع يزيد بن هارون
من شريك ـ وهذا الحديث منه ، كان قبل أن يتغير حفظ شريك ، فهذا يدل على ثبوت الحديث.
فالجواب :
أن الدار قطني لم يراعِ مثل هذا القيد هنا ، وكلامه شاهد على ذلك. سلمنا به، لكن روى الخطيب في "الكفاية" (ص 361) عن يزيد بن هارون ، قال : قدمت الكوفة، فما رأيت بها أحداً إلا يُدلِّس ، إلا مسعر بن كدام ، وشريكاً" ، فهذا يدل على أن يزيد بن هارون أخذ منه في الكوفة أيضاً ، فالصواب : هو التوقف في رواية يزيد، عن شريك ، حتى يتميز ما حدَّث به في الكوفة، مما حدَّث به في غيرها.
أضف إلى ذلك ما ذكره الترمذي عن شيخه الحسن بن علي ، عن يزيد ابن هارون ، قال: "لم يروِ شريك ، عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
فهذا القول يدل على أن رواية شريك ، عن عاصم كانت قليلة ، فلو كان مكثراً عنه لقيل: يُحتمل منه لمعرفته بحديثه ، لكنه لم يروِ عنه إلا قليلاً ، مع سوء حفظه ، لذلك لم يحسن تحسين الترمذي لحديثه.
وأشد منه قول الحاكم : "صحيح على شرط مسلم". وليس كذلك ، لأن مسلماً ما خرج لشريك إلا في المتابعات ، ومع ذلك فلم يُكثر عنه ، ولم يُخرِّجُ له إلا سبعة أحاديث ، وهاكها :
* الحديث الأول :
أخرجه مسلم في "كتاب الصلاة"(457/166) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك وابن عيينة ، عن زياد بن عَلاقة ، عن قطب بن مالك ، سمع النبي r يقرأ في الفجر : } والنخلَ باسقاتٍ لها طلعٌ نضيد {.
وقد رواه مسلم من حديث أبي عوانة وشعبة وابن عيينة كلهم ، عن زياد
ابن علاقة.
* الحديث الثاني :
أخرجه في "كتاب الحج" (1358/451) قال : حدثنا علي بن حكيم الأودي ، أخبرنا شريك ، عن عمار الدّهني ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله، أن النبي r دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
وقد رواه مسلم قال حدثنا يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد كلاهما عن معاوية بن عمار الدهني ، عن الزبير بهذا.
* الحديث الثالث :
أخرجه في "كتاب الرضاع" (1463/48) قال : حدثنا مجاهد ابن موسى ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شريك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن سودة لما كبرت جعلت يومها من رسول الله r لعائشة .. الحديث. وقد رواه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وعقبة ابن خالد ، وزهير بن معاوية كلهم ، عن هشام بن عروة.
* الحديث الرابع :
أخرجه في "كتاب البيوع" (1550/121) قال : حدثني علي بن حجر ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن شريك ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي r ، ولم يذكر لفظه وقد أخرجه الترمذي (1385) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1687) قالا : حدثنا محمود بن غيلان ، والطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 10879) والبيهقي (6/134) عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قالا : ثنا الفضل بن موسى مثل إسناد مسلم بلفظ "أن الرسول r لم يحرم المزارعة ، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض". وقد رواه مسلم عن حماد بن زيد ، والثوري ، وابن عيينة ، وأيوب السختياني ، وابن جريج كلهم عن عمرو بن دينار.
* الحديث الخامس :
أخرجه في "كتاب السلام" (2231/126) قال : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا شريك بن عبد الله ، وهيثم بن بشير ، عن يعلي بن عطاء ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ، قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي r "إنا قد بايعناك فارجع".
* الحديث السادس :
أخرجه في "كتاب الشعر" (2256/2) قال : حدثني أبو جعفر ، محمد بن الصباح، وعلي بن حجر السعدي جميعاً ، عن شريك ، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة t ، عن النبي r ، قال : "أشعرُ كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطلٌ".
وأخرجه مسلم ، عن سفيان الثوري ، وزائدة بن قدامة ، وشعبة بن الحجاج ، وإسرائيل بن يونس كلهم ، عن عبد الملك بن عمير بهذا.
* الحديث السابع :
أخرجه في "كتاب البر" (2548/3) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شريك ، عن عمارة ، وابن شبرمة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة t ، قال : جاء رجل إلى النبي r ، فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ... الحديث". وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.
وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ،
عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.
وأخرجه عن محمد بن طلحة ، ووهيب بن خالد ، عن ابن شبرمة ، عن أبي زرعة بهذا الإسناد.
قُلتٌ : فهذا كل ما لشريك النخعي عند مسلم ، وقد رأيت أن مسلماً روى له إما متابعة ، وإما مقروناً بغيره ، وهذا يعني أن العمدة في الرواية على غيره ، وأن الأمر ليس على ما قاله الحاكم. وقد خولف شريك النخعي في إسناده.
خالفه شقيق ، وأبو الليث ، وقال : حدثني عاصم بن كلسي ، عن أبيه ، عن النبي r فذكره مُرسَلاً.
أخرجه أبو داود (839) ، والطبراني في "الأوسط" (ج2/ق62/2) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والبيهقي (2/99) من طرق ، عن همام بن يحيى، ثنا شقيق بهذا. قال الطبراني :
"لم يُروَ هذا الحديث عن شقيق بن أبي عبد الله إلا همام".
وقد رواه عن همام هكذا :
"حفص بن عمر ، أبو عمر الحوضي ، وحجاج بن منهال ، وعفان بن مسلم ، وحبان بن هلال .
ورواه ابن أبي داود ، عن أبي عمر الحوضي ، ثنا همام ، ثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه مرسلاً.
أخرجه الطحاوي وقال : "هكذا قال ابن أبي داود من حفظه :
"سفيان الثوري" ، وقد غلط والصواب : شقيق ، وهو أبو الليث".
وهذا الوجه ضعيف، وشقيق هذا مجهول ، كما قال الحافظ. قال الطحاوي : "لا يعرف". وكذلك قال الذهبي.
ولذلك نقل البيهقي عن عفان بن مسلم ، قال : "هذا الحديث غريب" والأشبه من هذا الاختلاف رواية شريك.
وقد اُختُلِفَ على همام ، فخالف جميع من تقدم ذكرهم : عباس بن الفضل الأزرق، قال: نا همام ، نا شقيق أبو الليث ، عن عاصم بن شنتم ، عن أبيه، أن النبي r كان إذا سجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه، وإذا نهض ، نهض على كفيه".
أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (ج5/ق72/1) من طريق أحمد بن منيع، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (1258) قالا : نا هارون بن عبد الله، نا عباس بن الفضل بهذا قال البغوي : "لم أسمع لشنتم ذكراً إلا في هذا الحديث".
وقال ابن السكن : "لم يثبت وهو غير مشهور في الصحابة ، ولم أسمع به إلا في هذه الرواية".
وهذه مخالفة واهية ، وعباس هذا ضعفه ابن المديني جداً.
وقال البخاري وأبو حاتم : "ذهب حديثه".
وتركه أبو زرعة ، بل قال ابن معين : "كذابٌ ، خبيث".
وثمَّة اختلاف آخر على همام :
فأخرج أبو داود (839) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/166-167) ، والبيهقي (2/99) من طريق حجاج بن منهال ، ثنا همام ، ثنا محمد
بن جحادة ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه ، عن النبي r فذكره".
وإسناده ضعيف لانقطاعه ، وعب الجبار ، لم يسمع من أبيه كما قال ابن معين، والبخاري ، وأبو حاتم ، وابن حبان في آخرين .
وأقره الحافظ في "التلخيص" (1/254) ونَقَلَ عن ابن معين أنه قال : "مات أبوه وهو حملٌ". ووهَّاه المزِّيُ في "التهذيب" فقال : "وهذا القول ضعيفٌ جداً ، فإنه قد صح عنه أنه قال : "كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ، ولو مات أبوه وهو حملٌ ، لم يقل هذا القول".
فتعقبه الحافظ في "التهذيب" (6/105) بقوله : "نص أبو بكر البزار على أن القائل: "كنت غلاماً ... إلخ ، هو علقمة بن وائل ، لا أخوه عبد الجبار". أهـ
ووجهٌ آخر من الاختلاف في سنده :
أخرجه البيهقي (2/99) من طريق أبي كريب ، ثنا محمد بن حجر ثنا سعيد بن عبد الجبار ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أمه ، عن وائل بن حجر ، قال: صليت خلف النبي r ، ثم سجد ، وكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتيه. ومحمد بن حجر هذا قال عنه البخاري : "فيه بعض النظر". وقال الذهبي في "الميزان" (3/511) : "له مناكير".
وأمُّ عبد الجبار لا تُعرف.
وبالجملة : فليس لهذا الحديث وجهٌ يُثبت ، وأمثل إسنادٍ له ما رواه شريك النخعي، وقد تقدم ذكر ضعفِهِ.
أما حديث أبي هريرة t ، والذي يقضي بتقديم اليدين قبل الركبتين فهو حديث مرفوع ، ولفظه : قال رسول الله r : "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه".
أخرجه أبو داود (840) ، والنسائي (2/207) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/139) ، وأحمد (2/381) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/254) وفي "المشكل" (1/56-57) ، والدارقطني (1/344-345) ، وأبو سهل بن القطان في "حديثه" (ج4/ق26/1) ، وتمام الرازي في "الفوائد" (720) ، والبيهقي (2/99/100)، وابن حزم في "المُحلَّى" (4/128-129) ،
والبغوي في "شرح السنة" (3/134-135)، والحازمي في "الاعتبار"
(ص 158-159) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ،
ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ،
عن أبي هريرة مرفوعاً.
وقد رواه عن الدراوردي هكذا : "سعيد بن منصور ـ وأبو ثابت : محمد بن عبد الله ، ومروان بن محمد".
وخالفهم أصبغ بن الفرج ، ومُحرز بن سلمة العدني فروياه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ، وقال : كان النبي r يفعل ذلك.
أخرجه البخاري (6/78-79 ، عمدة) معلقاً ، ووصله أبو داود كما في "أطراف المزي" (6/156) ، وابن خزيمة (1/318-319) والطحاوي في "الشرح" (1/254) ، والدراقطني (2/344) ، والحاكم (1/226) ، وأبو الشيخ في "الناسخ والمنسوخ" كما في "التغليق" والبيهقي (2/100) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 160).
قال الحاكم :
"صحيح على شرط مسلم" ! .
وليس كما قال ، فإن مسلماً لم يخرج شيئاً للدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، وقد تكلم العلماء في هذه الترجمة ، وأشار أبو داود إلى ذلك كما نقله المزي في "الأطراف" ، ويبدو أن رواية أبي داود لهذا الحديث وقعت في نسخة "ابن داسة" أو "ابن العبد" والله أعلم.
وغلط البيهقي هذه الرواية ، فقال : "كذا قال عبد العزيز ، ولا أراه
إلا وهماً". أي أنه وهم في رفعه ، وهو الذي يترجح لي الآن ، وكنت أميل قبل ذلك إلى صحة رفعه.
أما في التركماني فتعقب البيهقي فقال في "الجوهر النقي" :
"حديث ابن عمر المذكور أولاً : أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" ، وما علله به البيهقي من حديث المذكور، فيه نظر، لأن كلاً منهما معناه منفصل عن الآخر". انتهى
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
وانفصال أحد الحديثين عن الآخر من جهة المتن ، إنما ينفع إذا سلم الإسناد ، ولم يقف ابن التركماني عند الإسناد لا قليلاً ولا كثيراً سوى أن ابن خزيمة رواه في "صحيحه" ، وهذا ليس بكافٍ في "التصحيح" كما لا يخفى لاسيما مع ثبوت العلة ، فالراجح في هدا الحديث الوقفُ ، وكأنه لهذا اقتصر البخاري رحمه الله على ذكر الموقوف ، والله أعلم.
فالراجح الصحيح أن الحديث من "مسند أبي هريرة" ولذلك اقتصر عبد الحق الأشبيلي على إيراده في "الأحكام الصغرى" (1/243) وفي ذلك تصحيحٌ له عنده ، كما هو معروف ، لكن البخاري أعله بقوله : لا يتابع عليه ـ يعني محمد بن عبد الله بن حسن ـ ، ولا أدري : أسَمِعَ من أبي الزناد أم لا ؟
والجواب عن هذا التعليل : أن البخاري رحمه الله لم ينف السماع ، إنما نفى علنه به ، فحينئذٍ نقول : إن أبا الزناد كان عالم المدينة في وقته ، وشهرة ذلك لا تحتاج إلى إثبات، ومحمد بن عبد الله مدني هو الآخر وقد وثقه النسائي ، وابن حبان ، ولا يُعلم عنه تدليس قط ، وكان له من العمر قرابة الأربعين عاماً يوم مات أبو الزناد سنة (130هـ) ، وبمثل هذه القرائن يقطع المرء بثبوت اللقاء ، وقد فعل ذلك بعض أئمة الحديث
كابن حبان.
فقد نقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 203-205) عن شعبة، ويحيى القطان ، وابن معين ، وأبي حاتم الرازي قولهم : "لم يسمع مجاهد من عائشة". فرد عليهم ابن حبان في "صحيحه" (3021) قائلاً : "ماتت عائشة سنة سبع وخمسين ، وولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر ،
فدلك هذا على أن من زعم أن مجاهداً لم يسمع من عائشة كان واهماً في
قوله ذلك".
وكذلك نفى نافٍ سماع مجاهد من أبي هريرة t ، فرد عليه ابن حبان في "صحيحه" (4603) قائلاً : "سمع مجاهد من أبي هريرة أحاديث معلومة بين سماعه فيها عمر بن ذر ، وقد وهم من زعم أنه لم يسمع من أبي هريرة شيئاً؛ لأن أبا هريرة مات سنة ثمانية وخمسين في إمارة معاوية ، وكان مولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب ، ومات مجاهد سنة ثلاثة ومائة، فدل هذا على أن مجاهداً سمع أبا هريرة". انتهى
وأنت ترى يرحمك الله أنه ليس في يد ابن حبان دليل إلا إثبات المعاصرة البينة. على الرغم من أنه قال : "إن عمر بن ذر روى عن مجاهد أحاديث قال فيها : حدثنا أبو هريرة أو سمعت ونحوها ، إلا أنه لم يتكئ على هذا رغم قوته ، لأنه يمكن أن يقول : أخطأ أحد رواة الإسناد في ذكر التصريح بالسماع، ولجأ إلى حجة هي أقوى بكثير من مجرد التصريح بالسماع ،
ولا تكاد ترد إلا بحجة فالجة، ألا وهي المعاصرة البينة ، هذا مع أن مجاهداً مكيٌ ، وعائشة رضي الله عنها عاشت ودفنت في المدينة ، فإذا اعتبرت هذا ، ورجعت إلى مسألتنا رأيت أن أبا الزناد ، ومحمد بن عبد الله كليهما مدني ، وقد عاشا مع بعض طويلاً مع البراءة من التدليس ، فأي قرينة أقوى من هذه؟ وقد تمسَّك بعضُ من عائد في هذا البحث بقول البخاري ، فقلت له : أفما التقيا في المسجد النبوي قط على مدار ثلاثين عاماً ، مع شهرة أبي الزناد في هذا المسجد المبارك ؟ أفما التقيا في صلاة الجمعة على الأقل ؟! فسكت لوضوح الإلزام.
فالصواب في هذا البحث: أن لقاء محمد بن عبد الله أبا الزناد ممكن جداً بل هو الراجح على ما قدمنا. وقد ذكر الدار قطني أن الدراودري تفرد به عن محمد بن عبد الله. والجواب : أن الدراوردي ، واسمه : عبد العزيز بن محمد ، فلم يتفرد إلا بالتفصيل ، وإلا فقد تابعه عبد الله ابن نافع الصائغ ، فرواه عن محمد بن عبد الله بن حسن ، هن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "يعمد أحدكم في صلاته ، فيبرك كما يبرك الجمل".
أخرجه أبو داود (841) ، والنسائي (2/207) ، والترمذي (269) ، والبيهقي (2/100) ، والمزي في "التهذيب" (25/471) عن قتيبة بن سعيد ، ثنا عبد الله بن نافع بهذا.
واستغربه الترمذي.
وإسناده جيدٌ ، وعبد الله بن نافع ، صدوق من حفظه بعض المقال ، وكتابه صحيح ، وروايته وإن كانت مجملة ، إلا أن تفصيلها يعود إلى رواية الدراوردي قطعاً كما سيأتي بيانه في الوجه الخامس إن شاء الله تعالى.
يبقى القول بتفرد محمد بن عبد الله ، عن أبي الزناد بهذا الحديث.
فاعلم أيها المسترشد ـ أن رواية الراوي لا تخرج عن ثلاثة أنواع :
إما أن يتابع ، وإما أن يخالف ، وإما أن يتفرد .
وكلامنا عن النوع الثالث ، وهو التفرد .
فالذي عليه أهل العلم أن المتفرد إذا كان ثقة جيد الحفظ وتفرد برواية أن مثله يُقبل حديثه ، وقد سبق أن محمد بن عبد الله ثقة ، ولم يطعن عليه أحد بغفلة، أو سوء حفظ فيحتمل لمثله ، فحديثه يدور بين الصحة والحسن، وعلى أي تقدير فهو أقوى من حديث شريك النخعي ، وهذا ظاهر في المقارنة بين الرجلين فشريك كثير الحديث كثير الغلط ، ومحمد بن عبد الله قليل الحديث ثقة ويُحتمل لمثله. فكيف يقال بعد هذا : حديث وائل بن حجر أقوى من حديث أبي هريرة ؟!
وسوف نتكلم عن شواهد الحديثين في الوجه السابع إن شاء الله.
الوجه الثاني :
قولك : "إن حديث أبي هريرة مضطرب المتن ...".
فالجواب : أن الاضطراب هو أن يُروى الحديث على أوجه مختلفة متقاربة، ثم إن الاختلاف قد يكون من راوٍ واحدٍ ، بأن رواه مرة على وجه ، ومرة أخرى على وجه آخر مخالف له ، أو يكون أزيد من واحد بأن رواه كل جماعة على وجه مخالف للآخر ، والاضطراب موجب لضعف الحديث ؛ لأنه يُشعرُ بعدم ضبط رواته. ويقع الاضطراب في الإسناد والمتن كليهما ، ثم إن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات على الأخرى بحفظ راويها ، أو كثرة صحبته ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحُكمُ للراجحة ولا يكون الحديثُ مضطرباً. هذه هي القاعدة التي وضعها علماؤنا للحديث الذي يُتنازع في أنه مضطرب.
فإذا عُلِمَ ذلك ، فإن الحديث الذي استدل به ابن القيم على وقوع الاضطراب في حديث أبي هريرة ، حديثٌ ضعيفٌ جداً.
أخرجه ابن شيبة (1/263) ، وأبو يعلي (ج11/ رقم 6540) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والبيهقي (2/100) من طريق محمد بن فُضيل ، عن عبد الله بن سعيد، عن جده ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".
وسنده ساقط ، وعبد الله بن سعيد ، قال أحمد : "مُنكر الحديث ، متروك الحديث". وقال البخاري : "تركوه" ، وتركه عمرو بن علي ، والنسائي ، والدارقطني أيضاً. وقال ابن معين والنسائي : "ليس بثقة" وقال الحاكم أبو أحمد : "ذاهب الحديث".
وقال ابن عدي : "عامة ما يرويه الضعف عليه بين".
بل قال يحيى بن سعيد القطان : "جالسته ، فعرفت فيه الكذب".
وقال ابن حبان : "كان ممن يقلب الأخبار ، ويهم في الآثار حتى يسبق إلى قلب من يسمعها أنه كان المتعمد لها".
وضعفه أيضاً أبو داود ، والجوزجاني، ويعقوب بن سفيان ، والبزار ، وابن الجوزي ، وغيرهم.
وبالجملة .. فلم يُعدِّله أحد قط ، وطعنوا فيه طعناً شديداً ، فكيف يستدل بمثل هذه الرواية على إسقاط حديث أبي هريرة الذي رواه الأعرج ؟!
ومن عجب ، أن يستدل ابن القيم بهذا الحديث الساقط الإسناد على أن حديث الأعرج ، عن أبي هريرة مقلوب ، وقد رد دعوى القلب هذه
مُلاَّ علي القاري ، فقال في "مرقاة المفاتيح" (1/552) : "وقول ابن القيم : إن حديث أبي هريرة انقلب متنه على راوية راوٍ ، مع كونها صحيحة". انتهى
الوجه الثالث :
قولك : "ما تقدم من تعليل البخاري ، والدار قطني".
فالجواب : أن الدار قطني أعلى حديث شريك وضعفه ، فقد قال : "تفرد به شريك ، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به".
فلم تذكر هذا ، وقد ذكرنا قبل ذلك من ضعف حديث شريك فلو تقاوما
لقُدِّم حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر على نحو ما سبق ذكره ، والحمد لله.
الوجه الرابع :
قولك : "على تقدير ثبوت حديث أبي هريرة ، فقد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ ...".
فالجواب : أن الذي ادعى النسخ هو ابن خزيمة ، واحتج على ذلك بحديث منكر ضعيف جداً ، أخرجه في "صحيحه" (1/319) ، والبيهقي (1/100)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 162) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن مصهب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : "كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فاُمِرنا بالركبتين قبل اليدين".
وإسناده ضعيف جداً.
وإبراهيم بن إسماعيل ، قال ابن نمير ، وابن حبان :
"في روايته عن أبيه بعض المناكير".
وقال العقيلي : "لم يكن يقيم الحديث".
وأبوه إسماعيل : "تركه الدارقطني ، والأزدي".
وجدُّه : يحيى بن سلمة ، تركه النسائي.
وقال أبو خاتم وغيره : "مُنكر الحديث".
وقال ابن معين : "لا يكتب حديثه".
وقد ألمح ابن المنذر إلى رد كلام ابن خزيمة ، فقال في "الأوسط" (3/167): وقد زعم بعض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ وقال هذا القائل: "حدثنا إبراهيم بن إسماعيل ..." وساق إسناد ابن خزيمة السابق.
وقال الحافظ في "الفتح" (2/291) :
"وقد ادعى ابن خزيمة النسخ ، ولو صح حديث النسخ لكان قاطعاً للنزاع ، لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه
وهما ضعيفان".
وقال الحازمي :
"أما حديث سعد ، ففي إسناده مقال ، ولو كان محفوظاً ، لدل على النسخ ، غير أن المحفوظ : حديث التطبيق ، والله أعلم".
وقال النووي في "المجموع" (3/422) :
"لا حجة فيه ؛ لأنه ضعيف".
* قُلتُ : فنخلص من كلام هؤلاء العلماء إلى أن هذا الحديث وَهَمٌ غير محفوظ، وإنما المحفوظ هو ما رواه مصعب بن سعد ، قال : "صليت إلى جنب أبي ، فطبَّقتُ بين كفيَّ ، ثم وضعتهما بين فخذيَّ ، فنهاني أبي وقال : كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب".
أخرجه البخاري (2/273) ، ومسلم (535/29) ، وأبو عوانة (2/182) وأبو داود (767) ، والنسائي (2/185) ، والترمذي (259) ، وابن ماجة (873) ، والدارمي (2/298) ، وأحمد (1/182) ، والطيالسي (207) ، وعبد الرزاق (2/152) ، وابن أبي شيبة (1/244) كلاهما في "المصنف"، والحميدي (79) ، والهيثم بن كليب (ق14/1) كلاهما في "المسند" والدورقي في "مسند سهد" (ق9/2) ، والبزار (97 ـ مسند سهد) ،
وابن خزيمة (1/302) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/230) ، والبيهقي (2/83 ، 84) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 234) من طريقين، عن مصعب بن سعد، عن أبيه وقد اعترف ابن القيم بكل هذا الذي تقدم ، ثم هو بعدُ يذكرُ دعوى النسخ !! وقد تبين ذلك أنها كسرابٍ بقيعة !
الوجه الخامس :
قولك : "أنه المتواتر لنهي النبي r عن بروك البعير ..."
فالجواب : أن ابن القيم وصف بروك البعير بقوله : إن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولاً ... إلخ" ونتساءل : كيف يقال : يضع يديه ، ويداه موضوعتان على الأرض دائماً ، إذ هو يمشي على أربع ، فلو كانت يداه مرفوعتين عن الأرض مثل الإنسان ، لساغ مثل هذا القول ، وهذا بديهيٌ جداً ، اضُطرِرت إلى تسطيره اضطراراً رفعاً للمغالطة ، وحينئذٍ ،
فالصواب أن يقال : إن أول ما يصل إلى الأرض من البعير إذا أراد أن يبرك .. ركبتاه، ولا نقول كما قال ابن القيم : إن أول ما يمس الأرض من البعير يداه ! فإنه لا مدخل لليد ولا للرجل هنا ؛ ولأن هذا القول مُلزمٌ مُفحِمٌ، حاد عنه ابن القيم رحمه الله فقال متخلصاً منه : "وقولهم: ركبة البعير في يده كلامٌ لا يعقل ، ولا يعرفه أهل اللغة".
فأنت ـ أيها الإمام ـ سلَّمت أن البعير يبرك على ركبتيه ، ولكنها ليست في يده ، وأنكرت أن يعرف أهل اللغة ذلك ، ولثقتك الكاملة في الإنكار ، تبعك كل من تكلم في هذه المسألة.
والواقع أنك ـ رضي الله عنك ـ سهَّلت علينا الجواب بهذا الإنكار ، إذ صار الحكم بيننا وبينك هم أهل اللغة ، فهذا يعني : أن الرجوع إلى كلامهم رافعٌ للاختلاف من أُسِّه.
فسننقل كلامهم ، ثم نتبعه بما حضرنا من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ركبة البعير في يده ، وأن البروك لا يكون إلا على الركبة ، وإنه لا يستساغ لا في اللغة، ولا في العرف أن يقال : فلان برك على يده !!
قال ابن سِيْدَةَ في "المحكم والمحيط الأعظم" (7/16) :
"وكل ذي أربع : ركبتاه في يديه ، وعرقوباه في رجليه".
وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" (10/216) :
"وركبة البعير في يده ، وركبتا البعير : المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك ، أما المفصلان الناتئان من خلفٍ فهما العرقوبان".
وقال ابن منظور في "لسان العرب" (14/236) :
"وركبة البعير في يده".
وقال ابن حزم في "المُحلَّى" (4/129) :
"وركبة البعير هي في ذراعيه".
وكلام أئمة اللغة من أصحاب "المعاجم" كثير ، وفيما ذكرناه كفاية ، لمن وفقه الله ونبذ التعصب لرأيه ظهرياً، فمناط الأمر هو الركبة، وليس لليد ـ يعني يد البعير ـ دخلٌ في البحث أصلاً ، والله أعلم.
أما الدليل من السنة على أن ركبة البعير في يده ، فهو :
ما أخرجه البخاري في "مناقب الأنصار" (7/239) ، وأحمد (4/176) ، وابن صاعد في مجلسين من الأمالي" (ق 238/1) ، والحاكم (3/6) ، والبيهقي في "الدلائل" (2/485-486) في قصة سراقة بن مالك لما تبع النبي r وأبا بكر في هجرتهم إلى المدينة ، وفي هذا الحديث قال سراقة : "وساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين ..." ، يعني : لما دعا عليه رسول الله r .
أما الأدلة على أن البروك لا يكون إلا على الركبة فكثيرة ، منها :
ما أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان" (125/199) وغيره من حديث
أبي هريرة t قال : لما نَزَلَت على رسول الله r : } للهِ ما في السمواتِ وما في الأرضِ وإن تُبدُوا ما في أنفُسِكُم أو تُخفوه يُحاسبكُم بهِ الله ... {
[البقرة: 284] .
قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله r ، فأتوا رسول الله r ثم بركوا على الركب فقالوا ... الحديث".
ومنها :
ما أخرجه البخاري (1/187-188) وفي أكثر من موضع ، وفي "الأدب المفرد" (1184) ، ومسلم (2359 / 136) ، وأحمد (3/162) ، وعبد الرزاق (20796) ، وأبو يعلي (ج6 / رقم 3601) ، والخلعي في "الخلعيات" (ج11 / ق 95 / 1-2) ، وابن حبان (106) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/298-299) من حديث أنس t قال : خرج رسول الله r حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فلما سلم قام على المنبر ، فذكر الساعة ، وذكر أن بين يدي الساعة أموراً عظاماً ... وذكر الحديث ، وفيه: ثم أكثر رسول الله r أن يقول : "سَلُونِي" فبرك عمر t على ركبتيه وقال: رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ r رسولاً ... الحديث".
وبوب عليه البخاري بقوله : "باب من برك على ركبتيه".
ومنها :
ما أخرجه أبو داود (4809) ، وأحمد (4/180) ، وابن أبي شيبة (12/505-506) ، والطبراني في "الكبير" (ج 6 / رقم 5616-5618)، والحاكم (4/183) مختصراً من طرق عن هشام بن سعد ، حدثني قيس
بن بشر التغلبي قال : أخبرني أبي أنه كان جليساً لأبي الدرداء بدمشق ، وكان رجل من أصحاب النبي r يقال له : ابن الحنظلية ، وكان رجلاً متوحداً ، قلما يجالس الناس .. وفيه : أنه حدَّث أبا الدرداء بحديث سُرَّ له أبو الدرداء ، وجعل يقول أنت سمعت هذا من رسول الله r ؟ وجعل يقول : نعم ، حتى إني لأقول وهو يرفع إليه رأسه: ليبركن على ركبتيه ...الحديث.
وصححه الحاكم ، وفيه نظرٌ لجهالة بشر التغلبي ، وابنه قيسٌ أحسن
حالاً منه.
ومنها :
ما أخرجه أحمد (2/522) ، والبزار (ج2/ق 238/1-2) من طريق عبد الله بن حسان قال : حدثتني القَلوصُ بنت عُليبة ، وكانت تحت شهاب بن مدلج الكعبي بالبصرة ، فساقت حديثاً ، وفيه : فبرك (وفي رواية المسند : فجثا شهاب) على ركبتيه.
وسنده ضعيف.
وختاماً : أذكر ما قاله الطحاوي في "المشكل" حول هذا البحث ، فقال رحمه الله (1/66) بعد ذكر حديث أبي هريرة المتقدم : "فقال قائلٌ : هذا كلام مستحيل ؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير ، والبعير إنما ينزل على يديه ، ثم أتبع ذلك بأن قال : "ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه" ، فكان في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله ، قد أمره به في آخره. فتأملنا ما قال من ذلك ، فوجدناه مجالاً ، ووجدنا ما رُويِّ عن رسول الله r في هذا الحديث مستقيماً لا إحالة فيه ، وذلك أن البعير ركبتاه في يديه ، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان ، وبنو آدم بخلاف ذلك ؛ لأن ركبهم في أرجلهم لا في أيديهم ، فنهى رسول الله r في هذا الحديث المصلي أن يخر على ركبتيه اللتين في رجليه ، كما يخر البعير على ركبتيه اللتين في يديه ، ولكن يخر لسجوده على خلاف ذلك ، فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه ، فبان بحمد الله ونعمته أن الذي في هذا الحديث عن رسول الله r ، كلامٌ صحيح لا تضاد فيه ، ولا استحالة فيه ، والله نسأله التوفيق". انتهى
* قلتُ : فقد تبين بحمد الله تعالى بما لا يدع مجالاً للتوقف أو الشك أن ركبة البعير في يده ، وأن البروك على الركبة ، ونحن ومخالفونا في هذه المسألة متفقون على أن النبي r نهى عن بروك البعير ، ثم اختلفنا كيف يبرك البعير، فلو تقاومت الأحاديث الواردة في هذا الباب وتساقطت لضعفها، ولم يبق بأيدينا نحن ولا مخالفينا أدلة مرفوعة لكان هذا الوجه كافياً في إثبات قولنا ، وتوهين قول مخالفينا ، ولله الحمد والمنة.
الوجه السادس :
قولك : "إنه الموافق للمنقول عن الصحابة كعمر بن الخطاب ، وابنه ،
وابن مسعود ..."
فالجواب : أنه لم يصح عن ابن عمر أصلاً كما يأتي أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه ، والصواب عكس ذلك كما يأتي :
أما أثر عمر بن الخطاب t :
فأخرجه ابن أبي شيبة (1/263) ، وعبد الرزاق (2/176) من طرق عن الأعمش ، عن إبراهيم ، أن عمر بن الخطاب كان يضع ركبتيه قبل يديه.
وإسناده منقطع بين إبراهيم النخعي ، وعمر t وقد رواه عن الأعمش هكذا : "وكيع ، ومعمر ، والثوري".
وخالفهم يعلي بن عُبيد ، فرواه الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر أنه كان يقع على ركبتيه.
أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/165).
وتابعه حفص بن غياث ، قال : ثنا الأعمش ، ثنا إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه".
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/256) من طريق عمر بن حفص بن غياث ، ثنا أبي بهذا الإسناد.
وإسناده صحيح.
ثم هذا الأثر مع صحته ، فهو حجة لنا ، وذلك أنه صريح الدلالة في أن عمر t كان يخر كما يخر البعير ، فيضع ركبتيه قبل يديه ، ونحن مأمورون بمخالفة البعير ، فنضع اليدين قبل الركبتين ، وهذا واضح جداً لا إشكال فيه والحمد لله.
فإن قُلتَ : كيف يبرك عمر t كما يبرك البعير وقد نهى النبي r عن ذلك؟
* قلتُ : لم يصله النهي ، إذ لو علمه ما خالفه أبداً t.
أما أثر ابن مسعود t :
فأخرجه الطحاوي (1/256) من طريق حماد بن سلمة ، عن الحجاج بن أرطأة ، قال : قال إبراهيم النخعي : حفظ ابن مسعود t أنه كانت ركبتاه تقعان على ا{ض قبل يديه.
وهذا إسنادٌ ضعيف ومنقطع ، وابن أرطأة ضعيف ، ومدلس أيضاً ، وقد استخدم ما يدل على التدليس.
أما أثر ابن عمر فيأتي الكلام عنه ، وأنه لا يصح.
فأين الآثار عن الصحابة التي تدل على أن الخرور للسجود يكون على الركبتين قبل اليدين ؟ لم يصح إلا أثر عمر t وهو حجة لنا ولم يبق بأيدي مخالفينا من آثار الصحابة شيء !!
أما أثر ابن عمر رضي الله عنهما ، والذي يشهد لحديث أبي هريرة t ،
فإنه صحيح.
أخرجه البخاري (6/78-79 عمدة القاري) معلقاً ، ووصله أبو داود ـ كما في "أطرف المزي" (6/156) ـ وابن خزيمة في "شرح المعاني" (1/254) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/165) ، والدارقطني (1/344)، والحاكم (1/226) ، وأبو الشيخ في "الناسخ والمنسوخ" ـ كما في "التعليق" (2/327) ، والبيهقي (2/100) ، والحازمي في "الاعتبار"
(ص 160) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله
بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ، وقال : كان النبي r يفعل ذلك.
ولا يصح رفع هذا كما تقدم تحقيقه في الوجه الأول ، والصواب أنه موقوف على ابن عمر كما جزم بذلك البخاري في "تعليقه".
وحسَّن إسناده صاحبُ "عون المعبود" (3/71).
وقد خولف عبد الله بن عمر في متنه.
خالفه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فرواه عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه ، ويرفع يديه إذا رفع ركبتيه أخرجه ابن أبي شيبة (1/263) قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن أبي ليلى بهذا.
وهذه رواية مُنكَرة ، وابن أبي ليلى كان رديء الحفظ ، وقد خالف من هو أوثق منه ، والله أعلم.
وأخرج ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (3799) قال : حدثنا عليُّ
بن الجهد ، قال : أخبرني عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
بن الخطاب ، عن أبي بكر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن جده ابن عمر أنه كان إذا توجه إلى القبلة يُسوي الحصى برجله قبل أن يُكبر ، ثم يُكبر بعد ، فإذا أراد أن يسجد أخرج يده من الثوب وأفضى بهما إلى الأرض ، ثم يضع وجهه بينهما. وإسناده صحيح ورواته ثقات عن آخرهم، من رجال "التهذيب".
الوجه السابع :
قولك : "إن لحديث وائل شواهد ، وليس لحديث أبي هريرة شاهد ..."
فالجواب : أن لحديث وائل شواهد ، نعم لكنها ساقطة لا يُفرحُ بها ، ولا يُقوي بعضها بعضاً ، فلننظر فيها :
أولاً : حديث أنس t :
أخرجه الحاكم (1/226) ، والدارقطني (1/345) ، والبيهقي (2/99) ، وابن حزم في "المحلى" (4/129) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 159) ، والضياء في "المختارة" (2310) من طريق العلاء بن إسماعيل العطار ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول ، عن أنس t قال : "رأيت النبي r انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه".
قال الدارقطني ، والبيهقي ، وغيرهما : "تفرد به العلاء بن إسماعيل ،
عن حفص بهذا الإسناد".
وقال الحافظ في "التلخيص" (1/254) : قال البيهقي في "المعرفة" :
"تفرد به العلاء وهو مجهول". وأقره ابن القيم رحمه الله.
أما الحاكم فقال : "صحيح على شرط الشيخين" !! كذا قال ! وقد تقدم
ما يرده. ولذلك قال أبو حاتم الرازي : "حديثٌ مُنكر".
نقله عنه ولده في "العلل" (1/188).
ومما يدل على نكارته ما أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/256) من طريق عمر بن حفص بن غياث ، قال : ثنا أبي ، ثنا الأعمش ،
حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله : علقمة والأسود ، قاللا : حفظنا
عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه ، كما يخر البعير … وقد تقدم ذكره.
قال الحافظ في "اللسان" (4/183) : "وخالفه ـ يعني العلاء ـ عمر بن حفص بن غياث ، وهو من أثبت الناس في أبيه ، فرواه عن أبيه عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة وغيره ، عن عمر مرفوعاً عليه ، وهذا هو المحفوظ". انتهى
سلمنا ثبوته ، فليس فيه حجة لأمرين ذكرهما ابن حزم :
* الأول : أنه ليس في حديث أنس أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه وإنما فيه: الركبتان واليدان فقط ، وقد يمكن أن يكون السبق في حركتهما ،
لا في وضعهما.
* الثاني : أنه لو كان فيه وضع الركبتين قبل اليدين ، لكان ذلك موافقاً لمعهود الأصل في إباحة ذلك ، ولكان خبر أبي هريرة وارداً بشرعٍ زائدٍ ، رافع للإباحة السالفة بلا شك ، ناهيه عنها بيقين ، ولا يحل ترك اليقين ، لظن كاذب.
ثانياً : حديث سعد بن أبي وقاص t :
وقد تقدم الكلام عنه في الوجه الرابع والحمد لله ، وهو ضعيف جداً.
* قلتُ : فهذه هي شواهد وائل بن حجر t ، والتي تَكثَّر بها ابن القيم رحمه الله، فأحال على غير ملئٍ ، وحديثُ شريك مع ما تقدم من القول بضعفه ، إلا أنه أحسنها ، فهذه الشواهد ساقطة عن حد الاعتبار بها ، ولا ينازع في هذا أحد من أهل العلم بالحديث ، والحمد لله تعالى.
وحديث أبي هريرة له شاهد ثابت من فعل ابن عمر رضي الله عنهما ، سلمنا أن ليس له شاهد ، فهو يتأيد بما ذكرته في الوجه الخامس ، وهذا الوجه لوحده ، كافٍ في المسألة والحمد لله.
الوجه الثامن :
قولك : "وأكثر الناس عليه ..."
فالجواب : أنك ـ رضي الله عنك ـ أوردت هذه الحجة تبعاً ، لا استقلالاً ؛ لأنك من أكثر الناس تعظيماً للدليل ، وأنت صاحب القول الرائق : "لا يضر الحديث الصحيح همل أكثر الأمة بخلافه".
وكتابك "إعلام الموقعين" فردٌ في بابه في هذا المعنى ، وكذلك سائر كتبك رضي الله عنك.
وأذكر بهذه المناسبة فصلاً نافعاً ، ذكره الشيخ جمال القاسمي رحمه الله في "قواعد التحديث" (في الثمرة الثالثة من ثمرات الحديث الصحيح) ،
فقال رحمه الله (ص 91-92) في "حصول المأمول من علم الأصول"
ما نصه : "اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأمة بخلافه ؛
لأن قول الأكثر ليس بحجة ، وكذا عمل أهل المدينة بخلافه ، خلافاً لمالك وأتباعه ؛ لأنهم بعض الأمة ، ولجواز أنهم لم يبلغهم الخبر ، ولا يضره عمل الراوي له بخلافه ، خلافاً لجمهور الحنفية وبعض المالكية ، لأنَّا متعبدون بما يبلغ إلينا من الخبر ، ولم نتعبد بما فهمه الراوي ، ولم يأتِ مَن قدَّم عمل الراوي على روايته بحجة تصلح للاستدلال بها ، ولا يضره كونه مما تعمُّ به البلوى ، خلافاً للحنفية وأبي عبد الله البصري لعمل الصحابة بأخبار الآحاد في ذلك.
ولا يضره كونه في الحدود والكفارات خلافاً للكرخي من الحنفية ، ولا وجه لهذا الخلاف ، فهو خيرٌ عدلٌ في حكمٍ شرعيٍ ، ولم يثبت في الحدود والكفارات دليل يخصها من عموم الأحكام الشرعية ولا يضره أيضاً كونه زيادة على النص القرآني ، أو السنة القطعية خلافاً للحنفية، فقالوا إذا ورد بالزيادة كان نسخاً لا يقبل. والحق القبول ؛ لأنها زيادة منافية للمزيد ، فكانت مقبولة. ودعوى أنها ناسخة ممنوعة. وهكذا إذا ورد الخبر مُخصِصاً للعام من كتاب أو سنة ، فإنه مقبول ويُبنى العام على الخاص ، خلافاً لبعض الحنفية ، وهكذا إذا ورد مقيداً لمطلق الكتاب أو السنة المتواترة ، ولا يضره أيضاً كون راويه انفرد بزيادة فيه على ما رواه غيره ، إذا كان عدلاً فقد يحفظ الفرد ما لا يحفظه الجماعة وبه قال الجمهور ، وهذا في صورة عدم المنافاة وإلا فروايةُ الجماعة أرجحُ ، ومثلُ انفراد العدلِ بالزيادةِ انفرادُهُ برفعِ الحديثِ إلى رسول الله r الذي وقفهُ الجماعةُ ، وكذا انفرادُهُ بإسناد الحديث الذي أرسلوه ، وكذا انفراده بوصلٍ الحديث الذي قطعوه ، فإن ذلك مقبولٌ منه ؛ لأنه زيادةٌ على ما ردوه ، وتصحيح لما أعلوه ،
ولا يضره أيضاً كونه خارجاً مخرج ضرب الأمثال".
ثم قال رحمه الله في "الثمرةِ الخامسة" (ص 94-96) لزومُ قبولِ الصحيح وإن لم يعمل به أحدٌ ـ قال الإمام الشافعيُّ t في رسالته الشهيرة : "ليس لأحدٍ دون رسول الله r أن يقول بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ،
فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثُهُ لا على مثال سبق". وقال أيضاً :
"إن عمر بن الخطاب t قضى في الإبهام بخمس عشرة ، فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أن رسول الله r قال : "في كل إصبع مما هنالك عشرٌ من الإبل" صاروا إليه قال : ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم
ـ والله أعلم ـ حتى ثبت لهم أنه كتاب رسول الله r . وفي هذا الحديث دلالتان : إحداها : قبول الخبر .
والأخرى : أن يُقبَلَ الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، وإن لم يمض عملٌ من أحد من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا. ودلالةً على أنه لو مضى أيضاً عملٌ من أحد من الأئمة ثم وُجِدَ عن النبي r خبرٌ يخالف عَمَلَهُ لتَرَكَ عمله لخبر رسول الله r. ودلالة على أن حديث رسول الله r يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده".
قال الشافعي : "ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا من المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ، ولا غيركم ، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله r ، وترك كل عملٍ خالفه ، ولو بلغ عمر هذا صار إليه إن شاء الله ، كما صار إلى غيره مما بلغه عن رسول الله r ، بتقواه لله وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله r ، وعلمه بأن ليس لأحدٍ مع رسول الله r أمرٌ ، وإن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله r ".
وقال عَلمُ الدين الفُلاني في كتابه "إيقاظ الهمم" : قال شيخ مشايخنا محمد حياة السندي : قال ابن الشحنة في "نهاية النهاية" وإن كان ـ أي ترك الحديث ـ لضعفه في طريقه ، فينظر إن كان له طريقٌ غير الطريق الذي ضعفه به ، فينبغي أن تُعتَبر فإن صح عُمِلَ الحديث ، ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مُقلِّده عن كونه حنفياً بالعمل به ، فقد صح أنه قال : "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ، كذا قال بعض من صنف في هذا المقصود وقال في البحر : "وإن لم يَستفتِ ولكن بلغه الخبر ، وهو قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "أفطر الحاجم والمحجوم" وقوله r : "الغيبة تفطر الصائم"([1]). ولم يعرف النسخ ولا تأويله ، فلا كفارة عليه عندهما لأن ظاهر الحديث واجب العمل ، خلافاً لأبي يوسف لأنه قال : "ليس للعامي العمل بالحديث لعدم عمله بالناسخ والمنسوخ".
ونقل ابن أبي العز في حاشية الهداية ذلك أيضاً عن أبي يوسف ، وعلل بأن على العامي الاقتداء بالفقهاء ، لهدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث قال: "في تعليله نظر ، فإن المسألة إذا كانت مسألة النزاع بين العلماء وقد بلغ العامي الحديث الذي احتج به أحد الفريقين ، كيف يقال في هذا الحديث إنه غيرُ معذورٍ ؟ فإذا قيل : "هو منسوخ" ، فقد تقدم أن المنسوخ ما يعارضه ، ومن سمع الحديث فعمل به وهو منسوخ ، فهو معذور إلى أن يبلغه الناسخ ، ولا يقال لمن سمع الحديث الصحيح : لا تعمل به حتى تعرضه على رأي فلان أو فلان ، وإنما يقال له : انظر هل هو منسوخ
أم لا ؟ أما إذا كان الحديث قد اختُلِفَ في نسخه كما في هذه المسألة ، فالعامل به في غاية العذر ، فإن تطرق الاحتمال إلى خطأ المفتي أولى من تطرق الاحتمال إلى نسخ ما سمعه من الحديث" إلى أن قال : "فإذا كان العامي يُسوغُ له الأخذ بقول المفتي ، بل يجب عليه مع احتمال خطأ المفتي، كيف لا يسوغ الأخذ بالحديث ؟ فلو كانت سنة رسول الله r
لا يجوز العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان ، لكان قولهم شرطاً في العمل بها ، وهذا من أبطل الباطل ، ولذا أقام الله الحجة برسول الله r ، دون آحاد الأمة ، ولا يُفرضُ احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به بعد فهمه إلا وأضعافُ أضعافهِ حاصلٌ لمن أفتى بتقليد من لا يَعلمُ خطأه من صوابه، ويجوز عليه التناقض والاختلاف ، ويقول القول ويرجع عنه ، ويحكى عنه عدة أقوال ، وهذا كله فيمن له نوع أهلية، وأما إذا لم يكن له أهلية ففرضه ما قال الله تعالى : } فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتمْ لا تعلمون{ وإذا جاز اعتماد المستفتىَ على ما يكتب له من كلامه أو كلام شيخه
وإن علا ، فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام
رسول الله r أولى بالجواز ، وإذا قُدِّر أنه لم يفهم الحديث فكما إذا لم يفهم فتوى المفتي فيسأل من يعرفه معناه فكذلك الحديث". انتهى بحروفه
* قلتُ : وفي مقابل هذا القول : "إن أكثر الناس عليه" فقد حكى المروزي في "مسائله" بسندٍ صحيحٍ عن الأوزاعي ، قال : "أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم".
ذكره شيخنا الألباني رحمه الله في "صفة الصلاة" (ص 83) والأوزاعي إمام أهل الشام. قال فيه مالك : "لا زال أهل الشام بخيرٍ ما بقي فيهم الأوزاعي" وكان سفيان الثوري يُجله ويُعظمه ، وأخذ بلجام بغلته يسُلُّه من الزحام وهو يقول : "أوسعوا لبغلة الشيخ" ، وعندما يقول مثله : "أدركت الناس" فهو لا يقصد أفناءهم قطعاً ، إنما يقصد أهل العلم ، فإذا اعتبرت ذلك ، وعلمت أن أهل الشام وأهل المدينة كانوا على تقديم اليدين قبل الركبتين في الخرور إلى السجود ، وهم من الكثرة بمكانٍ ، لم يكن ابن القيم أسعد بهذا القول منا ، والحمد لله.
ولذلك قال ابن أبي داود : "وهو قول أصحاب الحديث" ولا ينخرم قوله
بما استدركه عليه ابن القيم ؛ لأن مقصوده أغلبهم ممن كانوا يسكنون الشام والحجاز.
الوجه التاسع :
قولك : "إنه ـ يعني حديث وائل ـ حديثٌ فيه قصةٌ محكية ..."
فالجواب :
إن هذا القول ينفع إذا ثبت الحديث ، وقد تقدم بيان ضعفه ، ثم أين هي القصة؟ إنما هو حكايةُ فعلٍ لا أكثر.
الوجه العاشر :
قولك : "إن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره"
فالجواب : أن هذا الوجه هو أعجب الوجوه كلها ، والسبب في ذلك
أن الأفعال الصحيحة المحكية في حديث غيره من الصحابة في صفة صلاة النبي r ، لم تتعرض لهذا الحكم البتة ، فمن الغريب جداً أن يستدل
ابن القيم رحمه الله على ثبوت النزول بالركبتين قبل اليدين بأنه ثبت رفع اليدين في تكبيرة الإحرام مثلاً!!
هذا وقد أطلتُ القول في هذا الحديث ورددت على سائر المصنفين في هذا الباب في "نهي الصحبة عن النزول بالركبة" بعد الإضافات الكثيرة إليه ، ولعلي أدفعه إلى المطبعة قريباً إن شاء الله.
([1]) هذا حديثٌ مُنكر.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
س: ما القول في حديث " لا تصوموا يوم السبت " ، وحديث " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاث " .
ج: أما حديث " لا اعتكاف ..." فأنا أعتقد أنه مُعلّ بالوقف ، وحديث آخر من " لا تصوموا يوم السبت " آخر ما أنتهي إليه بحثي في كتاب الثمر الداني في الذب عن الألباني أنه حديث ضعيف علي وجه الإنصاف ، والحديث هذا معل بالاضطراب.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
س: حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي- صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- سأل ربه أن يحي له أبويه فأحياهما فآمنا به ثم ماتا "، هل هذا حديث صحيح ؟
ج: هذا حديث موضوع وكل الأحاديث التي وردت ف هذا المعني تدور ما بين الوضع والنكارة والبطلان والذي حمل لواء تصحيحها هو الحافظ جلال الدين السيوطي وقد صنف ثماني مصنفات في هذا الباب يريد أن يثبت صحة هذه الأسانيد وعلماء الحديث يبطلون هذه الأحاديث ويقولون في الصحيح ما يضادها كحديث أبي هريرة ف صحيح مسلم لما قال:" سَأَلْتُ رَبِّيَ أَنْ أَزُوْرَ قَبْرَ أُمِّيَّ فَأَذِنَ لِيَ وَسَأَلْتُهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَمَنَعَنِيْهَا "
من الشريط الثامن من الباعث الحثيث.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
6-سمعت من أحد خطباء المساجد يوم الجمعة حديثاً اقشعر بدني لما سمعته، وهو حديث : "الربا بضعٌ وسبعون باباً ، أدناها الذي ينكح أمه في حجر الكعبة". فلما انتهت الخطبة راجعتُهُ ، فذكر لي أن الشيخ الألباني صححه. فهل صحيح أن الشيخ صححه ؟ وما قولكم في إسناده ومعناه ؟
والجواب : أن شيخنا رحمه الله قواه في "الصحيحة" (1871) لكن قوله : "في حجر الكعبة" لم يصححه الشيخ ولا ذكر له في طرق الحديث الذي وقفت عليها ، وهذا الحديث في نقدي باطلٌ ، ومعناه منكر جداً ،
وإليك البيان :
فقد ورد هذا الكلام في أحاديث جماعة من الصحابة ، منهم : أبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس ، وعائشة ، والأسود بن وهب ، وابن مسعود ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن سلام ، وعلي بن أبي طالب وعبد الله حنظلة رضي الله عنهم.
أولاً : حديث أبي هريرة t ، وله عنه طرق :
1 ) أبو سلمة ، عنه :
أخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (647) ، والبغوي في "تفسيره" (1/344) عن أبي حامد بن المشرقي ، قالا : ثنا أحمد بن يوسف السُّلمي ـ زاد ابن الجارود : وأبو داود : سليمان بن معبد ـ قالا : ثنا النضر بن محمد ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : ثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة t مرفوعاً: "الربا سبعون باباً أهونها عند الله كالذي ينكح أمه". والنضر بن محمد وثقه العجلي ، وقال : "روى عن عكرمة بن عمار ألف حديث".
وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/535) وقال : "ربما تفرد". ولم يتفرد به ، فتابعه عفيف بن سالم ، فرواه عن عكرمة بن عمار بسنده سواء.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/1913) ، والدينوري في "المجالسة" (1590) قالا : ثنا الحسين بن عبد المجيب الجزري. والبيهقي في "الشعب" (4/394/5520) من طريق محمد بن غالب تمتام ، قالا : ثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، ثنا عفيف لبن سالم ، عن عكرمة عن عمار بهذا الإسناد وعنده : "... أدناه عند الله عز وجل : الرجل يقع على أمه". وعفيف بن سالم وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، وزاد : "لا بأس به" وابن حبان (8/523) وزاد : "كان من العُبَّاد". وقال تلميذه محمد بن عبد الله بن عمار : "كان أحفظ من المعافى بن عمران".
وقال الدارقطني : "ربما أخطأ".
وقد تبين أنه لم يُخطئ في هذا الحديث لمتابعة النضر بن محمد المتقدمة وتابعه أيضاً : عبد الله بن زياد ، قال : أخبرنا عكرمة بن عمار بهذا.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/1/95) قال : قال محمد ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/257) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1224) قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب ، والبيهقي في "الشعب" (4/394-395/5521) عن محمد بن مسلم بن وارة قالوا : ثنا سعد بن عبد الحميد ، ثنا عبد الله بن زياد اليمامي بهذا.
قال البخاري : "عبد الله بن زياد ، مُنكر الحديث".
وآفة هذا الإسناد من عكرمة بن عمار ، فقد نص العلماء على أن في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراباً كثيراً.
قال أحمد : "أحاديث عكرمة ، عن يحيى بن أبي كثير ضعافٌ
ليست بصحاح".
فقال له ابنه عبد الله : من عكرمة أو من يحيى ؟ قال : "لا ، الأمر من عكرمة".
وقال البخاري : "عكرمة مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير ، ولم يكن عنده كتاب وقد روى عنه سفيان الثوري". وكذلك نص على اضطراب روايته عن يحيى بن أبي كثير : يحيى القطان ، وعليُّ بن المديني ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان في آخرين.
وقد عاب بعض النقاد على مسلم أنه أخرج هذه الترجمة.
والجواب عن مسلم من وجهين :
الأول : أن مسلماً رحمه الله يخرج من روايته من تكلم فيه ما لم ينكروه عليه، أو ما وافقه الثقات عليه ، مما يدل على أنه حفظَ.
الثاني : أنه لم يُخرج من هذه الترجمة إلا بضعة أحاديث ، وفي المتابعات ليس منها حديثٌ في الأصول إلا حديثاً واحداً ، وهو : ما أخرجه في "صلاة المسافرين" (200/770) قال : حدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن حاتم ، وعبد بن حميد ، وأبو معن الرقاشي ، قالوا : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : سألتُ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله r يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته :
"اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
وأخرجه أبو داود (767) ، وابن خزيمة (1153) ، وعنه ابن حبان (2600) قالا : ثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، والنسائي في "المجتبى" (3/212/213) ، وفي "الكبرى" (1/417/1322) قال : أخبرنا العباس بن عبد العظيم ، والترمذي (3420) قال : حدثنا يحيى بن موسى وغير واحد ، قالوا : ثنا عمر بن يونس ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
وأخرجه أبو داود (768) قال : حدثنا محمد بن رافع ، وأحمد (6/156) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (374) ، عن عباس بن محمد الدوري ، قال ثلاثتهم : ثنا قُرادٌ بن نوح قال : أخبرنا عكرمة بن عمار بهذا.
وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 48) قال : حدثنا عبد الله بن الرومي ، وأبو عوانة (2245) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (4/70-71) قال : حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا النضر ابن محمد ، ثنا عكرمة بن عمار.
وأخرجه أبو عوانة (2245) قال : حدثنا الصنعاني، وأبو أمية ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (550) ، وعنه أبو نعيم في "المستخرج" (1760) قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، قال ثلاثتهم : ثنا عاصم بن علي ، ثنا عكرمة بن عمار.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (3/84/1272) قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
* قُلتُ أي الشيخ أبي إسحاق حفظه الله: فهذا هو الحديث الذي أخرجه مسلم في "الأصول" ، وقد ذكرنا في هذا الوجه الأول من الجواب الحامل لمسلم على ذلك أما بقية الأحاديث ففي المتابعات، ومنها :
1-الحديث الأول :
أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان" (135/215) قال : حدثني عبد الله بن الرومي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة ، وهو ابن عمار ، حدثنا يحيى، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله r : "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا : هذا الله ، فمن خلق الله ؟". قال : فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناسٌ من الأعراب فقالوا : يا أبا هريرة هذا الله، فمن خلق الله ؟ قال : فأخذ حصىً بكفه فرماهم ، ثم قال : قوموا ، قوموا ، صدق خليلي.
وأخرجه أبو عوانة (1/81) ، وأبو نعيم (349) كلاهما في "المستخرج" ، وابن مندة في "الإيمان" (363) ، عن أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا النضر بن محمد ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
وله وجه آخر عن أبي سلمة : عن أبي داود (4722) ، والنسائي في "اليوم والليلة" (661) ، وابن أبي عاصم في "السُنُّة" (653) ، وأخرجه أحمد (2/388)، والدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 9) من طريق عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة نحوه ، وقد رواه مسلم عن محمد بن سيرين ، ويزيد بن الأصم كلاهما عن أبي هريرة مرفوعاً.
ورواه بنحوه من حديث عروة بن الزبير ، عن أبي هريرة.
2-الحديث الثاني :
ما أخرجه مسلم في "الطهارة" (240/25) قال : حدثني محمد بن خاتم وأبو معن الرقاشي قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أو حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، حدثني سالم مولى المهري قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص، فمررنا على باب حجرة عائشة ، فذكر عنها ، عن النبي r : "ويلٌ للأعقاب من النار".
3-الحديث الثالث :
ما أخرجه مسلم في "الصيام" (1159/182) قال : حدثنا عبد الله بن محمد الرومي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار) حدثنا يحيى قال: انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد ، حتى نأتي أبا سلمة ، فأرسلنا إليه رسولاً، فخرج علينا وإذا عند باب داره مسجدٌ ، قال : فكنا في المسجد حتى خرج إلينا، فقال : إن تشاءوا أن تدخلوا ، وإن تشاءوا أن تقعدوا هاهنا. قال : فقلنا: لا بل نقعد هاهنا. فحدثنا ، قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال : كنتُ أصومُ الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة. قال : فإما ذُُكرْتُ للنبي r وإما أرسلَ إليَّ فأتيته. فقال لي : "ألم أُخبرَ أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة ؟" فقلت : بلى يا نبي الله ! ولم أُرد بذلك إلا الخير. قال : فإنَّ بحسبك أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام" قلت : يا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً". قال : "فصم صوم داود نبي الله عليه السلام فإنه كان أعبد الناس".
قال : قلت : يا نبي الله وما صوم داود ؟ قال : "كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" قال: "واقرأ القرآن في كل شهر" قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فاقرأه في كل عشر" قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فاقرأه في كل سبع ، ولا تزد على ذلك ، فإن لزوجك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً ، ولجسدك عليك حقاً".
* قلتُ : لم يتفرد عكرمة بن عمار بهذا الإسناد ، فقد تابعه علي بن المبارك ، والأوزاعي ، وهشام الدستوائي ، وحسين المعلم ، وأبو إسماعيل القناد ، وعمر بن عبد الواحد. وقد ذكرت تخريج رواياتهم في "تسلية الكظيم" (رقم 58).
4-الحديث الرابع :
ما أخرجه مسلم في "صلاة المسافرين" (832/294) قال : حدثني أحمد بن جعفر المعقري ، حدثنا شداد بن عبد الله ، أبو عمار ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة (قال عكرمة : ولقِيَ شداد أبا أمامة ووائلة ، وصحب أنساً إلى الشام، وأثنى عليه فضلاً وخيراً).
عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شيء ، وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً ، فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه ، فإذا رسول الله r مستخفياً ، جرءاء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت له : ما أنت ؟ قال : "أنا نبي" فقلت : وما نبيٌ ؟ قال : "أرسلني الله" فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوَحَّد الله لا يُشرَك به شيءٌ" قلت له : فمن معك على هذا ؟ قال : "حُرٌ وعبدٌ" (قال : ومعه يومئذٍ أبو بكر وبلالٌ ممن آمن به) فقلت : إني متبعك. قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني" قال : فذهبت إلى أهلي ، وقدم رسول الله r المدينة ، وكنتُ في أهلي ، فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة ، حتى قدم على نفر من أهل يثرب من أهل المدينة ، فقلت : ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا: الناس إليه سراع ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك ، فقدمت المدينة ، فدخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتعرفني ؟ قال : "نعم ، أنت الذي لقيتني بمكة؟" قال : فقلت : بلى . ثم قلت : يا نبي الله ، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة. قال : "صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار". قال: فقلت : يا نبي الله فالوضوء ، حدثني عنه. قال : "ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطابا وجهه وفيه وخياشيمه ، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلا المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجله من أنامله مع الماء ، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله r ، فقال له أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة ، أنظر ما تقول ، في مقام واحد يُعطىَ هذا الرجل ؟ فقال : عمرو : يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله ، لو لم أسمعه من رسول الله r إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً (حتى عد سبع مرات) ما حدثت به أبداً ، ولكني سمعته أكثر من ذلك.
* قلتُ : فهذا كل ما لعكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، في "صحيح مسلم" وهو عددٌ قليلٌ جداً كما رأيت ، وهو إما متابعة أو مقروناً مع آخر.
فحاصل البحث .. أن إسناد أبي هريرة هذا مُعلٌ برواية عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، ومن علامة اضطراب عكرمة في إسناده أن أحمد بن إسحاق الحضرمي ، رواه عن عكرمة بن عمار ، عن يحيى ابن أبي كثير ، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال : "الرِّبا سبعون باباً ، أصغرُها كالذي ينكح أمَّهُ".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/258) قال : "حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي به. وأحمد هذا وثقه النسائي ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، وابن سعد ، ويعقوب بن شيبة ، وابن حبان ، وقال النسائي مرَّةً : "لا بأس به". وقد خولف عكرمة في إسناده ، ويأتي ذكره في حديث : "البراء بن عازب إن شاء الله تعالى".
وقد صحح المنذري في "الترغيب" (3/50) أنه من قول عبد الله ابن سلام t.
2 ) سعيد المقبري ، عنه :
أخرجه ابن ماجة في "النجارات" (2274) قال : حدثنا عبد الله بن سعيد ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبي معشر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكِحَ الرجلُ أمَّهُ".
قال البوصيري في "الزوائد" (2/197) : "هذا إسناد ضعيف وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن ، متفق على ضعفه".
* قلت : فإذا اتفق العلماء على تضعيفه ، فحقُّ الإسناد أن يكون ضعيفاً جداً، ولكن أبا معشر لم يتفرد به ، فتابعه عبد الله بن سعيد المقبري ـ وهو متروك ـ فرواه عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "الربا سبعون حوباً ، أيسره كنكاح الرجل أمه ، وأربى الربا عِرضُ الرجل المسلم".
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/561) ، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (173) ، وفي "ذم الغيبة" (34) قال : حدثنا سويد ابن سعيد ، قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبد الله بن سعيد بهذا.
وأخرجه البزار في "مسنده" (ج2/ق178/2) قال : حدثنا الحارث بن الخضر العطار ، نا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد.
قال البزار : "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحداً تابعه على روايته ، عن المقبري ، ولا تجده ، عند أبي هريرة من غير هذا الوجه".
كذا قال : وقد تعقبته في "تنبيه الهاجد" رقم (1984) :
3 ) أبو المغيرة ، عنه :
يرويه فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن أبي المغيرة ، عن أبي هريرة قوله : "الربا سبعون باباً ، أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه". ذكره ابن أبي حاتم قي "العلل" (1132) ونقل عن أبيه ، قوله : "هذا خطأ ، إنما هو ليث ، عن أبي المغيرة ، واسمه : زيادٌ ، عن أبي هريرة".
* قلتُ : وأبو المغيرة هذا ترجمه البخاري في "الكبير" (2/1/367) وسماه: "زياد بن أبي المغيرة" ، وترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح" (1/2/543) وسماه : "زياد بن المغيرة أبو المغيرة" روى عن أبي هريرة ، روى عنه ليث بن أبي سليم.
قال الشيخ العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على "الجرح والتعديل" : "والظاهر أن ليثاً كان يضطرب في هذا الاسم ، تارة يقول زياد بن المغيرة ، وتارة زياد بن الحارث". انتهى
* قُلتُ : وليث بن أبي سليم ضعيف الحديث ، وأبو المغيرة مجهولٌ على ما يظهر من ترجمته ، والله أعلم.
وقال الذهبي في "تلخيص الموضوعات" (ص 225) عن حديث أبي هريرة : "هذا باطلٌ".
ثانياً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وله عنه طرق :
1 ) عمرو بن دينار ، عنه :
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 11216) ، ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (2/229) قال : حدثنا ابن حنبل ـ يعني عبد الله ـ ثنا محمد بن أبان الواسطي ، ثنا أبو شهاب ، عن أبي محمد الجزري ، وهو حمزة النصيبي، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله r :
"من أعان بباطلٍ ليدحض بباطله حقاً ، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ، ومن مشى إلى سلطان الله ليُذِلَّهُ أذله الله مع ما يدِّخرُ له من الخزي يوم القيامة ، سلطان الله كتاب الله وسنة نبيه ، ومن تولى من أمراء المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك ،
وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله ، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ، ومن ترك حوائج الناس ، لم ينظر الله في حاجته حتى يقضي حوائجهم ويؤدي إليهم بحقهم ، ومن أكل درهمَ ربا فهو كثلاثٌ وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمُهُ من سُحتٍ فالنار أولى به".
قال الهيثمي في "المجمع" (5/212) : "فيه أبو محمد الجزري حمزة النصيبي، ولم أعرفه ، وبقية رجاله الصحيح". أهـ
كذا قال ! وقال حمزة هذا هو ابن أبي حمزة ، من رجال "التهذيب" (7/323-324) لكنه لا يساوي فلساً كما قال ابن معين. وقال أحمد : "مطروح الحديث" ، وقال البخاري وأبو حاتم : "مُنكر الحديث".
زاد أبو حاتم : "ضعيف الحديث" ، وتركه النسائي ، والدار قطني. وقال ابن عدي مع توسطه : "عامة ما يرويه مناكيرٌ موضوعةٌ ، والبلاء منه ليس ممن يَروي عنه ، ولا ممن يروي هو عنهم". وقال نحوه ابن حبان .
2 ) عكرمة ، عنه :
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2944) ، وفي "الصغير" (1/82) ، وفي "مسند الشاميين" (63) قال : حدثنا إبراهيم بن متُّوية ، وابن حبان في "المجروحين" (1/328) قال : حدثنا أحمد بن عمير ابن جوصاء ،
وأبو نعيم في "الحلية" (5/248) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2086) ، عن إبراهيم بن محمد بن الحسن ـ هو ابن متوية ـ قالا : ثنا سعيد
بن رحمة، ثنا محمد بن حِميَر ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : "من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً ، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ، ومن أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به". وهو عند الأصبهاني بأوله.
وقال أبو نعيم : "غريبٌ من حديث إبراهيم ، تفرد به محمد بن حمير". وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ، وسعيد بن رحمة ، قال : ابن حبان في "المجروحين": "يُروىَ عن محمد بن حمير ما لم يُتابَع عليه ، روى عنه أهل الشام ، لا يجوز الاحتجاج به لمخالفته الإثبات في الروايات".
وقد خالفه الوليد بن عتبة الدمشقي ـ أحد مشايخ أبي داود الثقات ـ فرواه عن محمد بن حمير ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن حنش ، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً : "من أكل درهماً من ربا مثل
ستة وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به".
أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (1/243) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1226) قال : أنبأنا الحسين بن عبد الله القطان ، بالرقََّة ثنا الوليد بن عتبة بهذا.
وهذا الوجه أولى مما رواه سعيد بن رحمة ، لاسيما وقد توبع محمد بن حمير عليه. فرواه هشام بن عمار ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ،
عن حنش بهذا الإسناد مثل حديث عمرو بن دينار ، عن ابن عباس والذي تقدم آنفاً.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (56/190) من طريق الحاكم قال : أنبأنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن شهريار
ـ وهو نيسابوري ـ حدثنا هشام بن عمار بهذا الإسناد.
وتابعه أيضاً : يحيى بن عثمان ، ثنا إسماعيل بن عياش بهذا مختصراً أخرجه البيهقي في "الشعب" (5518) وابن عساكر (17/225) والهروي في "ذم الكلام" (131).
وإسماعيل بن عياش متماسك إذا روى عن أهل الشام ، وليست الرواية من ذالك، ولكن تابعه سليمان التيمي وهو ثقة ثبت ، فرواه عن حنش بهذا الإسناد مختصراً، ليس فيه محل الشاهد.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 11539) ، والحاكم (4/100)
قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، قالا : ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عارم أبو النعمان ، ثنا معتمر ابن سليمان التيمي ، قال : سمعتُ أبي بهذا.
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ، ولم يُخرِّجاه" !!
فتعقبه الذهبي بقوله : "حنشٌ الرحبيُّ ضعيفٌ".
* قُلتُ : لو قال : "جدّاً" لطابق ذلك المذكور في ترجمته ، فقد طعن فيه الأئمة طعناً شديداً.
فتركه أحمد ، والنسائي ، والساجي ، والدارقطني ، وقال النسائي مرة :
"ليس بثقة".
وقال البخاري : "أحاديثه مُنكرةٌ جداً ، ولا يُكتب حديثه".
وقال أبو حاتم : "ضعيف ، منكر الحديث" قيل له : كان يكذب ؟
قال : "أسأل الله السلامة" !!
وضعفه ابن معين ، وأبو زرعة الرازي ، وابن عدي ، والعقيلي ، وابن المديني والجوزجاني ، وابن حبان في آخرين.
وزعم أبو محصن أنه شيخُ صدقٍ !!
وهذه الشهادة لا تنفعه ، مع طعن الأئمة فيه.
وقد توبع حنشٌ.
تابعه خصيف بن عبد الرحمن ، فرواه عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : فذكره بطوله مثل حديث عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، وقد مرَّ آنفاً.
أخرجه الخطيب في "تاريخه" (6/76) من طريق إبراهيم بن عبد الله
بن أيوب ، حدثنا محمد بن بكار بن الريان ، حدثنا إبراهيم بن زياد القرشي، عن خُصيف بهذا الإسناد.
وإبراهيم بن زياد لا يُعرَفُ كما قال ابن معين ، والذهبي.
وقال الخطيب : "في حديثه نُكرةٌ".
ومن كان مجهولاً ، ومع ذلك يروي المناكير ، فهو تالفٌ.
وخُصيف بن عبد الرحمن في حفظه مقال.
والحديث منكر ، كما قال الذهبي في "الميزان" (1/546).
3 ) طاووس ، عنه :
يرويه محمد بن رافع النيسابوري ، عن إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن النعمان ـ يعني ابن الزبير ـ عن طاووس ، عن ابن عباس مرفوعاً : "الربا نيفٌ وسبعون باباً ، أهون بابٍ من الربا مثل من أتي أمه في الإسلام، ودرهم أشد من خمسٍ وثلاثين زنية ، وأشد الربا ـ أو أربى الربا ـ انتهاك عرض المسلم ، أو انتهاك حرمته".
ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1170) وسأل عنه أبا زرعة ، فقال :
"هذا حديثٌ منكرٌ".
قُلتُ : وإبراهيم بن عمر الصنعاني مجهول الحال.
وله طريق آخر يأتي في "حديث البراء بن عازب" إن شاء الله تعالى.
ثالثاً : حديث أنس t :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (175) ، وابن عدي في "الكامل" (4/1548)، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1227) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم ، قالا : ثنا محمد بن علي الحسن
بن شقيق، قال : سمعت أبي يقول : أخبرني أبو مجاهد ، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، قال : خطبنا رسول الله r فذكر الربا وعظم شأنه ،
قال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيا الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".
وهذا حديثٌ منكرٌ ، وأبو مجاهد .. هو عبد الله بن كيسان المروزي ضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال النسائي : "ليس بالقوي".
وأورد له ابن عدي عن ثابت ، عن أنس ، ثم قال : "غير محفوظة". ووثقه ابن حبان والحاكم ، فتَفرُّدُ مثله عن ثابت بأحاديث مما يعد منكراً في هذا الحديث ، والله أعلم.
وله وجهٌ آخر منكر ، يأتي في "حديث البراء بن عازب" إن شاء الله تعالى.
رابعاً : حديث عائشة رضي الله عنها :
وله عنها طريقان :
1-مجاهد بن جبر ، عنها :
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (5/74) ، ومن طريقه ابن الجوزي (1231) قال: حدثنا أبو إسحاق بن جمزة ، قال : حدثنا أبو علي ، محمد بن أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون قال : حدثنا
عبد الغفار بن الحكم ، قال: حدثنا سوارٌ بن مصعب ، عن ليث ، وخلف بن حوشب ، عن مجاهد ، عن عائشة مرفوعاً : "إن الربا يضعٌ وسبعون باباً ، أصغرها كالواقع على أمه ، والدرهم الواحد من الربا أعظم عند الله من سبعة وثلاثين زنية".
قال أبو نعيم : "غريب من حديث خلف ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه".
* قُلتُ : وسنده ضعيفٌ جداً.
وعبد الله بن محمد بن عيشون ، ذكره ابن ماكولا في "الإكمال" (6/311) ، وقال: "روى عن أبي قتادة الحراني ، حدَّث عنه أبو عروبة الحراني ومكحول البيروتي ـ وهو محمد بن عبد الله ـ وابن صاعدٍ".
ونقل المحقق في الحاشية أن له تآليفَ مشهورة في الفقه والحديث ، وغلب عليه الفقه.
وعبد الغفار بن الحكم ، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/420) وهو من رجال "التهذيب" .
وسوار بن مصعب تركه النسائي وغيره ، وقال البخاري : مُنكرُ الحديث". وقال أبو داود : "ليس بثقة". وقال ابن معين : "ليس بشيء". وليث هو ابن أبي سليم ، ضعيف ، لكنه متابعٌ من خَلَف بن حوشب ، وهو صدوقٌ متماسكٌ ، وسماع مجاهد من عائشة مختلف فيه ، فنفاه شعبة ، ويحيى القطان ، وابن معين ، وأثبته ابن حبان.
2-ابن أبي مليكة ، عنها :
أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/114) معلقاً ، ووصله العقيلي في "الضعفاء" (3/296) قال : "حدثنا إبراهيم بن عبد الله وأبو الحاكم في "الكنى" (1/423-424) من طريق أحمد ابن يحيى الصوفي قالا : حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا عمران بن أنس ، أبو أنس ، عن ابن أبي مُليكة ، عن عائشة مرفوعاً : "لدرهم ربا أعظم حرجاً عند الله من سبعة وثلاثين زنية". وعند الدولابي : "تسعة وثلاثين". وزاد الدولابي : "إن أربى الربا استحلال عرض الرجل المسلم" ، ثم قرأ قوله تعالى : } والذينَ يُؤْذُونَ المؤمنينَ والمؤمناتِ بغيرِ
ما اكتسبوا...{ إلى قوله تعالى : } مُبيِناً { [الأحزاب : 58].
وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ـ كما في "تفسير ابن كثير" (6/470) ـ قال: حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا أو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن عمر بن أنس بآخره.
ورواه أيضاً : زيد بن الحباب ، عن عمران بن أنس بسنده سواء.
ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1159) وعنده : "... من سبع وثلاثين" وسأل أباه عنه ، فقال : "هذا خطأ ، رواه الثوري ، وغيره عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة عن كعب ، قوله".انتهى
* قُلتُ : وعمران بن أنس ، قال البخاري : "منكر الحديث". وقال العقيلي : "عمران بن أنس ، أبو أنس ، عن ابن مليكة لا يتابع على حديثه ، وهذا يروى من غير هذا الوجه مرسلاً ، والإسناد قيه من طرق لينة".
وقال أبو أحمد الحاكم : "حديثه ليس بالمعروف".
أما رواية الثوري التي ذكرها أبو حاتم :
فأخرجها أحمد (5/225) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخه" (29/289)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1223) قال : حدثنا وكيع ، والدارقطني (3/16) ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، والبيهقي في "الشعب" (5516) عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، وابن عساكر (29/289) عن أبي أحمد الزبيري كلهم عن سفيان الثوري
عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة ، عن كعب ، قال : "لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية ، أحبُ إلىَّ من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا". وإسناده صحيح
ووقع في "مسند أحمد" : "حنظلة" وهو خطأ قديم نبه عليه ابن عساكر.
ورواه ابن جريج ، قال : حدثني ابن أبي مليكة ، أنه سمع عبد الله بن حنظلة بن الراهب يحدث في الحجر عن كعب الأحبار ، قال : "درهم ربا يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعظم عليه في الإثم يوم القيامة من
ست وثلاثين زنية".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/258) قال : حدثنا محمد بن موسى البلخي ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال حدثنا ابن جريج بهذا وقال : "حديث ابن جريج أولى".
وقد صوَّب الدارقطني ـ وسبقه أبو حاتم الرازي ـ هذا الوجه أيضاً.
خامساً : حديث الأسود بن وهب ، خال النبي r :
أخرجه ابن مندة في "الصحابة" (1/183) قال أخبرنا عسان بن أبي غسان القُلزمي بها ، قال : حدثنا موسى بن عمر قال : حدثنا محمد بن العباس
بن خلف، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : حدثنا صدقة بن
عبد الله ، عن أبي معبد حفص بن غيلان عن زيد بن أسلم ، قال : حدثني وهب بن الأسود ، عن أبيه الأسود بن وهب ، خال النبي r ، قال :
إن النبي r قال له : "ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به ؟" قال :
قلتُ بلى، علمني مما علمك الله. قال : "إن الربا أبواب ، الباب منه عدل سبعين حوباً ، أدناها فجرةٌ كاضطجاع الرجل مع أمه ، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حقه".
قال الحافظ في "الإصابة" (1/78) :
"ورواه ابن قانع في "معجمه" من طريق أبي بكر بن الأعين ، عن عمرو
ابن أبي سلمة ، فقال : عن وهب بن الأسود خال الرسول r ، ولم يقل :
"عن أبيه" ، وأدخل بين "صدقة" و "زيد" : "الحكم الأيلي ، والحكم وصدقة ضعيفان". انتهى
* قلتُ : الذي رأيته في "معجم ابن قانع" (1/20) قال : حدثنا
الحسين بن عبد الحميد الموصلي ، نا محمد بن عمار الموصلي ، نا القاسم
ـ يعني : الجرمي ـ عن صدقة ، عن أبي مُعَيدٍ ، أن وهب بن الأسود ، حدثه عن أبيه الأسود بن وهب ، عن رسول الله r فذكره وعنده : "وإن أربى الربا اعتباط المرء في عِرضِ أخيه المسلم بغير حق".
وأخرجه أبو نعيم في "المعرفة" (1/273) من طريق أبي حميد الحمصي ، ثنا يونس بن أبي يعقوب العسقلاني ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن أبي مُعيد ، عن زيد بن أسلم ، عن وهب بن الأسود عن أبيه الأسود بن وهب ، عن النبي r فذكر آخره.
ورواه القاسم ، عن عائشة أن الأسود بن وهب خال النبي r استأذن عليه، فقال: "يا خال ادخل" فدخل ، فبسط له رداءه ...
الحديث أخرجه ابن شاهين ، وقال الحافظ في "الإصابة" : "في إسناده عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، وهو ضعيف".
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (3/179) ، وأبو نُعيم في "المعرفة" (5/2718) كلاهما في ترجمة : "وهب بن الأسود ابن خال النبي r
من طريق أبي بكر الأعين محمد بن أبي عَتَّاب ، ثنا أبو حفص التنيسي عمرو بن أبي سلمة، عن الهيثم بن حميد ، عن أبي مُعيد ، عن زيد
بن أسلم ، عن وهب بن الأسود ابن خال النبي r .
وهذا اضطرابٌ ظاهرٌ يسقط به الحديث ، والله أعلم.
سادساً : حديث ابن مسعود t :
أخرجه الحاكم (2/37) ، وعنه البيهقي في "الشعب" (5519) قال : حدثنا أبو بكر بن إسحاق ـ زاد في "المستدرك" : وأبو بكر بن بالويه ـ قالا :
ثنا محمد بن غالب ، ثنا عمرة بن علي ، ثنا ابن أبي عدي ، ثنا شعبة ، عن زبيد ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن عبد الله مرفوعاً : "الربا ثلاثة وسبعون باباً ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا ، عِرضُ الرجل المسلم".
قال الحاكم :
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه".
كذا قال ! وقال تلميذه البيهقي ، وهو أقعد منه : "هذا إسنادٌ صحيحٌ ،
والمتن منكر بهذا الإسناد ، ولا أعلمه إلا وهما ، وكأنه دخل لبعض رواته إسنادٌ في إسنادٍ".
* قلتُ : وكان الوهم من محمد بن غالب ، وهو الملقب بـ "تمتام" ، قال الدارقطني : "ثقة مأمون ، إلا أنه يُخطئُ".
وقد خالفه ابن ماجة ، فرواه في "سننه" (2275) ، والبزار في "مسنده" (1935) قال : ثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا ابن أبي عدي بهذا الإسناد بلفظ: "الربا ثلاثة وسبعون باباً". زاد البزَّار : "والشرك مثل ذلك". ولم يذكرا بقية المتن المنكر. قال البزَّار : "وهذا الحديث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد ، إلا عمرو
بن علي".
وعمرو بن علي ثقة متقن مجود ، ولكن رواه سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال : "الربا بضعٌ وسبعون باباً ، والشرك نحو ذلك".
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (80/315/15347) ، والطبراني في "الكبير" (ج9/رقم 6908) عن أبي نعيم الفضل بن دكين قالا : ثنا الثوري بهذا، وليس عند الطبراني آخره. وهذا صحيح موقوف.
وأخرجه عبد الرزاق (15346) عن الثوري أيضاً ، عن الأعمش ، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود ، قال : "الربا بضعة وسبعون باباً ، أهونهم كمن أتى أمه في الإسلام". وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، وعمارة هو ابن عمير ، وهو صحيح مرفوعاً كما مر من حديث شعبة دون هذه الزيادة المنكرة ، والله أعلم.
وله إسنادٌ آخر موقوف يأتي ذكره في "عبد الله بن سلام" إن شاء الله تعالى.
وأخرجه الخلاَّل في "السنة" (1325) قال : حدثنا أبو عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ قال : ثنا حجاج ـ هو محمد الأعور ـ قال : ثنا شريك، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : "الربا بضعٌ وستون باباً ، والشرك نحوٌ من ذلك".
وشريك النخعي سيء الحفظ ، وأبو وائل ـ هو شقيق بن سلمة ـ وجعلها المحقق "وائل" وقال : في الأصل : عن أبي وائلٍ ، وهو خطأ ، والصواب : وائل ، وهو ابن ربيعة". انتهى وليس ما فعله بجيد ، وليس معنى أن الأثر قبله عن وائل بن ربيعة ، أن يكون الذي بعده عن وائل بن ربيعة ، وعاصم بن أبي النجود يروي عن وائل أيضاً ، والله أعلم.
سابعاً : حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما :
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7151) قال : : حدثنا محمد بن عبد الرحيم الديباجي ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا معاوية بن هشام ، نا عمرُ بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن البراء بن عازب مرفوعاً : "الربا اثنان وسبعون باباً ، أدنا مثل إتيان الرجل أمه ، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه". وأخرجه ابن أبي شيبة ـ كما في "المطالب العالية" (11/879) قال : حدثنا معاوية بن هشام بهذا الإسناد.
قال الطبراني : "لم يروِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير ، إلا عمر بن راشد ، ولا رواه عن عمر بن راشد إلا معاوية بن هشام ، ولا يروي عن البراء إلا بهذا الإسناد".
ومعاوية بن هشام وثقه أبو داود ، والعجلي ، وابن حبان ، وقال :
"ربما أخطأ".
وقال أحمد : "كثير الخطأ".
وقال ابن معين : "صالحٌ ، وليس بذاك".
وقد خالفه عبد الرزاق ، فرواه في "مصنفه" (8/314/15345)
عن عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن رجلٍ من الأنصار ، قال:
قال رسول الله r: "الربا أحدٌ وسبعون ـ أو قال : ثلاثةٌ وسبعون حوباً ـ أدناه مثل إتيان الرجل أمه، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم".
ورواه محمد بن يوسف الفريابي ، عن عمر بن راشد ، عن يحيى
بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن البراء بن عازب مرفوعاً : "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه ، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".
أخرجه ابن أبي حاتم في "المراسيل" (916) قال : حدثنا أبي ، ثنا محمد بن خلف العسقلاني ، نا الفريابي بهذا.
وسأل ابن أبي حاتم أباه ، كما في "المراسيل" و "العلل" (1136) عن هذا الحديث، فقال : "هو مرسلٌ ، لم يدرك يحيى بن إسحاق .. البراء ، ولا أدرك والدهُ البراء". انتهى
* قلتُ : وكنت ذكرت في "غوث المكدود" (2/219) أنني لم أجد ترجمة ليحيى بن إسحاق ، وهو ناتج عن تقصير في البحث ، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/2/125) ونقل عن يحيى بن معين توثيقه.
وهذا الاختلاف من عمر بن راشد.
فقد قال أحمد : "لا يساوي حديثه شيئاً".
وقال مرَّةُ : "حديثه ضعيف ليس بمستقيم ، حدث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير" وضعفه ابن معين. وقال النسائي : "ليس بثقة" وتكلم البخاري، وأبو داود، والحاكم في روايته عن يحيى بن أبي كثير ، وليَّنهُ
أبو زرعة ، ومشَّاه العجلي ، وهذا أحد وجوه الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في إسناده. وقد تقدم أن عكرمة رواه عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.
ووجهٌ آخر من الاختلاف : فرواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس مرفوعاً : "الربا سبعون باباً ، أهونه باباً منه الذي يأتي أمه في الإسلام وهو يعرفها ، وإن أربى الربا خرق المرء عرض أخيه ،
وخرق عرض أخيه أن يقول فيه ما يكره من مساويه ، والبهتان أن يقول ما ليس فيه".
أخرجه الدارقطني في "الإفراد" ـ كما في "أطراف الغرائب" (1288) ومن طريقه ابن الجوزي " الموضوعات" (1228) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي ، قال : حدثنا أبو فروه ، عن يزيد بن محمد
قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا طلحة بن زيد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى
بن أبي كثير بهذا.
قال الدارقطني :
"غريب من حديث يحيى ، عن أنس ، وغريب من حديث الأوزاعي ،
عن يحيى، تفرد به : طلحة بن زيد ، عن الأوزاعي ، تفرد به عنه : محمد بن يزيد بن سنان".
أما طلحة بن زيد ، فتالفٌ يروي عن الأوزاعي المناكير ، وأبو فروة : يزيد بن محمد بن سنان ، ترجمه ابن حبان (9/276) وكذلك ذكره السمعاني في "الأنساب" (6/195) وأبوه : محمد بن يزيد بن سنان ليَّنَه النسائي ، وضعفه أبو داود والدارقطني ، وقال البخاري : "يروي عن أبيه المناكير".
وقال أبو حاتم : "هو أشد غفلة من أبيه".
ووثقه الحاكم ، ومسلمة بن قاسم.
وقد خالفه عكرمة بن عمار ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس قوله.
ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/372/1105) ونقل عن أبيه قال:
"هذا أشبه" ، يعني من حديث عكرمة ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة، ومن حديث محمد بن يزيد بن سنان ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أنس.
ثامناً : حديث عبد الله بن سلام t :
أخرجه الطبراني في "الكبير" (411 ـ جزء منه) قال : حدثنا المقدام ابن داود قال: حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي عيسى الخراساني : سليمان بن كيسان ، عن عطاء الخراساني ، عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : "الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام".
وقال : "إن أبواب الربا اثنان وسبعون حوباً ، أدناها كالذي يأتي أمه في الإسلام".
* قلتُ : وابن لهيعة ضعيفٌ ، وسليمان بن كيسان ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/1/137-138) ولم يذكر فيه شيئاً وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/392).
وخالفه معمر بن راشد ، فرواه عن عطاء الخرساني ، أن عبد الله بن سلام قال : "الربا اثنان وسبعون حوباً ، أصغرها حوباً كمن أتى أمه في الإسلام ، ودرهمٌ من الربا كبضعٍ وثلاثين زنية".
أخرجه البيهقي في "الشعب" (5514) ، عن أحمد بن منصور الرمادي ، قال : ثنا عبد الرزاق ، وهذا في "مصنفه" (15344) قال : أخبرنا معمرٌ بهذا.
وعند البيهقي : "أشد من بضعٍ وثلاثين زنية". وزاد : قال : ويأذن له في القيام، البر والفاجر يوم القيامة ، إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".
هكذا رواه معمر موقوفاً.
* قلتُ : وهذا أشبه من المرفوع ، وإن كان الموقوف لا يصح أيضاً ، فقد سُئل ابن معين : عطاء الخُراساني لقيَ أحداً من أصحاب رسول الله r؟ قال : "لا أعلم". وقال أحمد : "لم يسمع من ابن عباس ، ولا من ابن عمر شيئاً". وقال أبو زرعة : "لم يسمع من أنس".
فإذا كان الأمر كذلك ، فلا يصح له سماعٌ من عبد الله بن سلام ، فإن عبد الله بن سلام مات بالمدينة سنة (43هـ) ، ومات ابن عباس سنة (68هـ)، وابن عمر سنة (73) ، وأنس سنة (93) ، فإذا كان لم يسمع من هؤلاء مع تأخر وفاتهم ، فعدم سماعه من عبد الله بن سلام أولى ، والله أعلم.
تاسعاً : حديث علي بن أبي طالب t :
أخرجه ابن شيبة في "المصنف" (6/561) قال : حدثنا ابن فُضيل ، عن ليث ، عن الحكم ، عن عليِّ ، قال : "لدرهمُ ربا أشد عند الله من ستٍ وثلاثين زنية". موقوفٌ.
وسنده ضعيفٌ جداً ، وليث هو ابن أبي سُليم ضعيف ، والحَكمُ بن عُتبة لم يُدرك علي بن أبي طالب ، والله أعلم.
عاشراً : حديث عبد الله بن حنظلة t :
أخرجه أحمد (5/255) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (29/288)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/246) ، والدارقطني (3/16) والبزار (3381 ـ البحر) ، عن يحيى بن يزداد ، قالا : ثنا حسين بن محمد ، قال : أخبرنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة t ، قال : قال رسول الله r : "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلمُ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية". قال البزار : "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن النبي r إلا عن عبد الله بن حنظلة عنه ، وقد رواه بعضهم ، عن ابن أبي مليكة ، عن رجل ، عن عبد الله
بن حنظلة". كذا قال ! وفيما مضى يردُّ عليه. وهذا الوجه أحدُ وجوه الاختلاف على ابن أبي مليكة في إسناده كما مرَّ في حديث عائشة رضي الله عنها ، والصحيح أنه عن كعب الأحبار كما مرَّ تحريره ، والله أعلم.
ثم اعلم ـ أيها المسترشد ـ أن هذا الحديث باطلٌ ، ولم يُصب من قَوَّاه ، مثل السخاوي رحمه الله ، فإنه ذكر طرقه في "الفتاوى الحديثة" (1/133) وقال : "الحديث لا يكون من شرط الصحيح ، بل يكون حسناً ؛ لأن له شواهد أخرى لا بأس بها".
كذا قال ! وقد مرَّ بك طرق الحديث وشواهده ، ولا يُقوِّي بعضُها بعضاً لشدة ضعفها.
وما أحسن ما قاله ابن الجوزي عقب ذكره الحديث في "الموضوعات" : "واعلم أن مما يَرُدُّ صحة هذه الأحاديث ، أن المعاصي إنما يُعلَمُ مقاديرها بتأثيرها ، والزنا يُفسِدُ الأنسابَ ، ويَصرِفُ الميراثَ إلى غير مستحقيه ، ويؤثر من القبائح ما لا تؤثر لقمة ربا ، لا تتعدى ارتكابَ نهيٍ ، فلا وجهَ لصحة هذا". انتهى
* قُلتُ : فهذا ما انتهى إليه بحثي حول درجة هذا الحديث ، وقد أثبتُ بالبرهان بطلانه ، وأنه لا يصح إلا موقوفاً ، وليس له حكم المرفوع ، كما لا يخفى على أرباب هذه الصناعة ، وأما شيخنا رحمه الله تعالى فهو العَلَمُ المُفرَدُ في هذا الفن، ولكن كلُّ أحدٍ يُؤخذُ من قوله ويترك إلا النبي r ، وما استفدنا هذه الفائدة إلا من شيخنا الألباني رحمه الله تعالى ، فقد هز العقول، وأنار البصائر ، وأنقذنا الله تعالى به من رانِ التقليد بغير دليل ، فرحمةُ الله تعالى تتْرىَ عليه ، وعلى سائر أهل العلم.
نفس المصدر السابق رقم 6
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
7-ما درجة حديث أبي هريرة t عن النبي r :
"زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً".
والجواب : أن هذا حديثٌ ضعيفٌ.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5641) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/192) قالا : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، قال : نا صالح بن زياد السوسي ، قال : نا منصور بن إسماعيل الحراني ، عن ابن جريج ، وطلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي r : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" .
وأخرجه ابن حبان في "الثقات" (9/172) قال : حدثني ابن ناجية ، وابن المُقرِئ في "المعجم" (924) قال : حدثنا صالح بن الأصبغ قالا : ثنا صالح بن زياد السوسي أبو شعيب بهذا الإسناد.
غير أنه وقع عند ابن المقرئ :"طاووس" بدل "عطاء وأخشى أن يكون قد تصحَّفَ على الناسخ.
قال الطبراني : "لم يروِ هذا الحديث عن ابن جريج ، إلا منصور بن إسماعيل". وقال العقيلي : "منصور بن إسماعيل ، عن ابن جريج ، لا يتابع عليه". كذا قالا ! ولم يتفرد به منصور بن إسماعيل ، فتابعه عبد الله بن سالم ، فرواه عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
أخرجه أبو الفضل الزهري في "حديثه" (ج4/ق80/1) قال : أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا عمر بن حفص الوصابي ، نا بقية الوليد ،
عن عبد الله بن سالم ، عن ابن جريج بهذا.
وتابعه سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد بهذا.
أخرجه الدارقطني في "فوائد أبي الطاهر الذهلي" (ج23/رقم 114).
وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (2545) من طريق بقية ، ونقل عن أبيه
أنه قال: "هذا حديثٌ منكرٌ ، إنما يرويه طلحة بن عمرو ، عن عطاء ،
عن النبي r ".
قال العقيلي : "ليس بمحفوظٍ من حديث ابن جريج ، وإنما يعرف بطلحة بن عمرو، وتابعه قوم نحوه في الضعف".
وقال في ترجمة "طلحة بن عمرو" (2/225) : "ولا يصح لمنصور عن
ابن جريج".
أما الوجه الأول : ففيه منصور بن إسماعيل ، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : "يُغرِب" ، وضعفه العقيلي كما رأيت.
والوجه الثاني : فيه عمر لن حفص الوصابي من شيوخ أبي داود ، قال : ابن المواق : "لا يُعرفُ حاله" ، وبقية بن الوليد مدلِّس ، ولم يُصرِّح بتحديث ، لا عن شيخه ، ولا في كل طبقات السند ، وعبد الله بن سالم هو أبو يوسف الحمصي ، وثقه ابن حبان (7/36) ، وقال الدارقطني : "من الأثبات". وقال النسائي : "ليس به بأسٌ". وقال عبد الله بن يوسف التنيسي: "ما رأيتُ أحداً أنبل في مروءته وعقله منه". وكذلك قال يحيى بن حسان التنسي ، وابن جريج مدلِّسٌ وقد عنعنه.
فالإسناد ضعيفٌ جداً.
وأما حديث طلحة بن عمرو :
فأخرجه الطيالسي (2535) والحارث بن أبي أسامة (920 ـ زوائده) وأبو نعيم في "الحلية" (3/322) ، وابن الأعرابي في "المعجم" (1526) ، والخطابي في "العزلة" (ص 115) ، والبيهقي في "الشعب" (8371) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (630) عن أبي عاصم النبيل ، والحربي في "الغريب" (2/609) عن وكيع ، والبزار (1922) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/322) ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/224-225) والقضاعي في
"مسند الشهاب" (629) ، وابن الجوزي في "الواهيات" (1235) ،
عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، والطبراني في "الأوسط" (5641) ،
وأبو الشيخ قي "الأمثال" (16) عن عثمان ابن عبد الرحمن، وابن عدي في "الكامل" (4/108) عن جرير بن حازم ، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" (104) عن معتمر بن سليمان ، والقضاعي (631)، عن عمرو بن محمد العنقزي ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/185)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (15) ، عن النعمان بن عبد السلام ، وابن الجوزي في "الواهيات" (1238) ، عن أبي الحسن الحربي في "الفوائد المنتقاة" (110) عن علي بن مسهر ، كلهم عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
قال البزار : "لا يُعلَمُ في : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" ، حديث صحيح".
وقال العقيلي (2/139) :
"ليس في هذا الباب شيءٌ يَثبُتُ".
وقال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 122) :
"لا يصح من جهة النقل".
وقال البيهقي : "طلحة بن عمرو غير قوي ، وقد روى هذا الحديث بأسانيد هذا أمثلها" !!
* قُلتُ : وإسناده ضعيف جداً ، وطلحة بن عمرو متروك.
وتابعه ابن جريج فيما مضى ، ولا يصح الطريق إليه.
وتابعه أيضاً محمد بن عبد الملك الأنصاري ، فرواه عن عطاء بن
أبي رباح بهذا.
أخرجه ابن عدي (6/159) قال : حدثنا زيد بن عبد الله بن زيد ، ثنا أحمد
بن محمد بن سيَّار ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عبد الملك بهذا.
وابن عبد الملك ضعيفٌ جداً ، كما قال ابن عدي ، وكل أحاديثه مما
لا يتابعه الثقات عليه. ورواه الأوزاعي ، عن عطاء مثله .
ولا يصح عن الأوزاعي . ومحمد بن خليد الذي يرويه عن عيسى بن يونس قال العقيلي (2/225) : "يَضعُ الحديث" وكذلك قال ابن عدي.
قال ابن حبان في "المجروحين" (2/302 ، 303) : "محمد بن خليد يقلب الأخبار، ويُسنِدُ الموقوف ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وهذا الحديث هو حديث عيسى بن يونس ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، فجعل مكان طلحة : الأوزاعي".
ورواه يحيى بن أبي سليمان ، قال : حدثنا عطاء بن أبي رباح بهذا.
أخرجه الخطيب في "تاريخه" (14/108) ، وفي "الموضح" (2/10)
عن عبد الله بن رجاء ، وابن أبي حاتم في "العلل" (2431) ، وابن عدي (7/2686) ، والدارقطني في "فوائد أبي الطاهر الذهلي" (ج23/رقم 113)، والبيهقي في "الشعب" (8372) عن أبي سعيد مولى بني هاشم كليهما عن يحيى بن أبي يحيى بن أبي سليمان بهذا.
وقال أبو حاتم : "من الناس من يروي هذا الحديث ، عن يحيى
بن أبي سليمان، عن رجل حدثه عن عطاء ، وهذا الرجل الذي حدثه هو
طلحة ابن عمرو". وهذا الاضطراب من يحيى هذا ، فقد ترجمه البخاري في "الكبير" (4/2/280)، وابن أبي حاتم (4/2/154-155) ، ونَقلَ عن أبيه قال : "ليس بالقوي ، مضطرب الحديث ، يكتب حديثه".
ونقل ابن عدي عن البخاري قال : "منكر الحديث".
وأورد له ابن حبان في ترجمته (7/610) حديثاً منكراً ، وهو ما رواه سعيد بن أبي مريم ، ثنا نافع بن يزيد ، عن يحيى بن أبي سليمان ،
عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "من حضر معصية فكرهها ، فكأنما غاب عنها ، ومن غاب عنها فأحبها ، فكأنه حضرها".
وأخرجه ابن عدي (7/2686) ، والبيهقي (7/266) من هذا الوجه.
وقال البيهقي : "تفرد يحيى بن أبي سليمان وليس بالقوي".
وقال الذهبي في ترجمة "طلحة بن عمرو" (2/341) : وتابعه يحيى بن أبي سليمان المكي ، وهو دونه".
كذا قال : "المكي" بينما قال المزيُّ : "المدني".
وكذلك قال البخاري ، وابن حبان.
أما الحاكم فقال : "من ثقات المصريين" ! والقدْرُ الذي ذكره من ترجم له الحديث يدل على ضعفه ، والله أعلم.
ورواه أيضاً : يزيد بن عبد الله القرشي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
أخرجه ابن عدي (2/448) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم ، ثنا مالك بن الخليل ، حدثنا أبو علي الدارسي ، ثنا يزيد بن عبد الملك بهذا ، ورواه في إسناده : "ابن عمر".
وسنده واهٍ ، وأبو علي الدارسي هو بشر بن عبيد.
قال ابن عدي : "منكر الحديث عن الأئمة". وختم ترجمته بقوله : "وبشر بن عبيد الدارسي هذا، بيِّنُ الضعف أيضاً ، ولم أجد للمتقدمين في كلاماً ، ومع ضعفه أقل جُرماً من بشر بن إبراهيم الأنصاري ؛ لأن بشر بن إبراهيم إذا روى عن ثقات الأئمة أحاديث ، وضعها عليهم ، ، وبشر بن عبيد إذا روى إنما يروي عن ضعيف مثله ، أو مجهول ، أو محتمل ، أو يروي عمن يرويه أمثالهم". انتهى
ورواه عثمان بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عطاء بهذا.
أخرجه بن عدي في "الكامل" (5/161) قال : حدثنا علي ابن إسماعيل بن أبي النجم ، وأبو الشيخ في "الأمثال" (16) قال : حدثنا عمرو بن الحسن الحلبي قالا : ثنا عامر بن سيار ، ثنا أبو عمرو القرشي ـ عثمان بن عبد الرحمن ـ قال : حدثني عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً".
وعامر بن سيار ترجمه ابن حبان (8/502) وقال : "ربما أغرب". وعثمان بن عبد الرحمن ، هو أبو عمرة البصري ، قال ابن عدي : "منكر الحديث". وختم ترجمته بقوله : "عامة ما يرويه مناكير ، إما إسناداً ، وإما متناً". وناقضه الذهبي ، فقال في "الميزان" (3/47) : "وهم ابن عدي إنما هذا الوقاصي، لا الجُمحي".
وصدق الذهبي ، لاسيما ، وعامر بن سيار يقول : ثنا أبو عمرو القرشي وهذا ينطبق على الوقاصي ، فكنيته : أبو عمرو ، ونسبه ينتهي إلى
سعد بن أبي وقاص القرشي t ، والوقاصي أحد الهلكى.
وسماه ابن حبان في "المجروحين" (2/282) : "محمد بن عثمان
أبا عمرو القرشي".
وذكر الحديث في ترجمته ، وغلطه الدارقطني فقال في "تعقباته على
ابن حبان" (ص 245) : "قولُهُ : محمد بن عثمان خطأ ، إنما هو عثمان بن عبد الله أبو عمرو الزهري الشامي ، روى عنه عامر بن سيار وغيره".
كذا قال : "ابن عبد الله" والصواب أنه : "ابن عبد الرحمن" كما قال ابن عدي وغيره.
وله طرق عن أبي هريرة t :
1-الحسن البصري ، عنه :
أخرجه ابن عدي (3/291) عن أحمد بن محمد بن عمر بن يونس والعقيلي (2/198) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، وأبو نعيم في
"أخبار أصبهان" (2/217) ، عن محمد بن زكريا قالوا ثنا سليمان بن كرَّان، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
وسليمان بن كران ـ براءٍ مهملة آخره نون ـ ووقع عند العقيلي
وأبي نعيم "كرَّاز" آخره زاي ، وهو وجهٌ في اسمه ـ وذكر الحافظ الذهبي في "الميزان" (2/221) أنه وقع في نسخه عتيقة لضعفاء العقيلي بالنون.
وصوب أبو الحسن بن القطان ، وابن ماكولا (7/172) أنه "كراز"
براءٍ مثقلةٍ وزاي.
قال العقيلي : "الغالب على حديثه الوهم".
وأورد له ابن عدي حديثين ـ هذا أحدهما ـ ثم قال : "وهذا عن مبارك بهذا الإسناد ، يرويه عنه سليمان بن كران ... وهذا الحديث يُحتمل عن مبارك بن فضالة ، لأن مباركاً لا بأس به".
والحسن لم يسمع من أبي هريرة t :
2 ، 3-الأعرج وأبو يونس ، عنه :
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/146) قال : حدثنا عصمة ابن بجماك([1]) بخاريُّ، حدثنا عيسى بن صالح المؤذن بمصر ، ثنا روح ابن صلاح ، ثنا ابن لهيعة ، عن الأعرج ، وأبي يونس ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
ثم رواه ابن عدي من طريق عيسى بن صالح مرة أخرى قال : ثنا روح بن صلاح ، ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً مثله.
قال ابن عدي : "وهذا الحديثان بإسناديهما ليسا بمحفوظين ، ولعل البلاء فيه من عيسى هذا ، فإنه ليس بمعروف".
* قُلتُ : "توبع عيسى بن صالح على حديث ابن عمر.
فأخرجه الطبراني في "الأوسط" (87) قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن خالد ، قال : نا روح بن صلاح بهذا الإسناد بلفظ :
"زوروا غبّاَ ... " . وقال : "لم يروِ هذا الحديث عن نافع ، إلا يزيد بن أبي حبيب ، ولا عن يزيد ابن لهيعة ، تفرد به : روح بن صلاح".
وروح بن صلاح قال ابن عدي : "يقال له : ابن سيابة ، ضعيف".
وكذلك ضعفه الدارقطني ، ووثقه الحاكم ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وابن لهيعة سيء الحفظ ، فالإسناد ضعيفٌ جداً.
4-أبو سلمة ، عنه :
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/115) من طريق عبد الرحمن بن محمد بن الجارود ، ثنا هلال بن العلاء ، ثنا معمر بن مخلد السروجي ، ثنا عبدةُ ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
وعبد الرحمن بن محمد ترجمه أبو نعيم في موضع الحديث ، ولم يذكر فيه شيئاً. ومعمر ـ ويقال : مُعَمَّرٍ بتشديد الميم ـ ابن خلدون السروجي من رجال "التهذيب" ووثقه النسائي ، وترجمه ابن أبي حاتم (4/1/259) ، ولم يذكر فيه شيئاً. وذكر أبو علي القشيري في "تاريخ الرقة" (ص 169) : أنه مات بملطية سنة إحدى وثلاثين ومئتين ، وبقية رجاله معروفون ،
وهو عندي غريب جداً، ولعل آفته ابن الجارود هذا ، فلست أعرف من حاله شيئاً.
ورواه ابن عُلاثة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً مثله :
أخرجه العسكري ـ كما في "المقاصد" (ص 233).
وهذا حديثٌ منكر عن الأوزاعي.
وابن عُلاثة ، هو : محمد بن عبد الله بن عُلاثة ، قال الحاكم : "ذاهب الحديث، يروي عن الأوزاعي وغيره أحاديث موضوعة".
وكذلك قال ابن حبان :
وقال البخاري : "في حديثه نظر".
أما ابن معين فوثقه ، وابن سعد ، ومشاه ابن عدي ، ولكنه لا يفيده في هذا الموضع ؛ لأن روايته هنا عن الأوزاعي.
5-إسماعيل بن وردان ، عنه :
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/1077) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات" (2/254) قال : حدثنا محمد بن الحسين ابن علي الطبري ، قال: حدثنا يوسف بن أحمد بن إبراهيم الصنعاني ، نا عبد الله بن مطاع ، ثنا عبد الملك الدماري ، عن زهير الخراساني ، عن إسماعيل بن وردان ،
عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله r من بيت عائشة فتبعته ، ثم خرج من بيت أم سلمة فتبعته ، فالتفت إليَّ ثم قال : "يا أبا هريرة زُرْ غِبّاً
تزدد حُبّاً".
وعبد الملك هو ابن محمد الدماري أبو هشام ويقال : أبو العباس وقال الذهبي: وقيل : ابن عبد الرحمن ، أبو الزرقا الصنعاني ، ويقال : هما شيخان رويا عن الأوزاعي ، وروى عنهما عمرو بن عليّ".
وكذلك قال المزي في "التهذيب" (18/335-336).
وقال أبو زرعة الرازي : "منكر الحديث".
وقال أبو حاتم : "ليس بقوي".
كذا في "الجرح والتعديل" (2/2/356) ونقل عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال : ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الدماري وكان ثقة". ونقل المزي في "التهذيب" أن الفلاس قال في موضع آخر : "كان صدوقاً". وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/386) وفرق البخاري وأبو حاتم بين أبي العباس
وأبي هشام. وزهير الشامي هو ابن محمد التميمي ، وهو صدوق في نفسه، ولكن أهل الشام رووا عنه مناكير ، كما قال أحمد ، وابن معين ، والبخاري، وهذه منها.
وإسماعيل بن وردان لم أجد له ترجمة ، فليحرَّر ، فلعله نُسِبَ إلى جده
والله أعلم.
6-محمد بن سيرين ، عنه :
أخرجه الخلعي في "الفوائد" كما في "المقاصد الحسنة" (ص 233) ،
من طريق عون بن سنان الحكم ، عن أبيه ، عن يحيى بن عتيق ،
عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
* قُلتُ : وقوله : "عون بن سنان بن الحكم" لعله خطأ من الناسخ ، صوابه: عون بن الحكم بن سنان ، وهو مترجم عند ابن حبان (8/516) ، وأبوه ضعيفٌ، ولعله واهٍ . فقد قال البخاري : "عنده وهمٌ كبيرٌ ، وليس له كبير إسناد". وضعفه ابن معين ، وابن سعد ، وأبو داود ، والنسائي ، وغيرهم. وقال أبو حاتم : عنده وهمٌ كبيرٌ ، وليس بالقوي ، ومحله الصدق، ويُكتبُ حديثه".
واعلم أن لهذا الحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة ، منهم :
علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرة ، وأبو ذر ، وحبيب بن سلمة، ومعاوية بن حيدة ، وجابر بن عبد الله ، وعائشة ، وأنس ، وابن عباس ، وأبو الدرداء رضي الله عنهم ، ولا يصح حديثٌ واحدٌ من هذه الأحاديث ، وقد تقدم عن ثلاثة من الحفاظ أنهم قالوا :
لا يثبت في هذا المعنى شيء. وقال حفاظ آخرون نفس مقالتهم ، وقد جمع طرقه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "جزء وتتبعها الحافظ ابن حجر في جزءٍ له سماه : "الإنارة بطرق غب الزيارة". كما قال السخاوي في "المقاصد" (ص 233) وقال : "وبمجموعها يتقوى الحديث. وكذا قال! مع أن ظاهر كلام الحافظ في "الفتح" (10/498-499) يخالف ذلك إذ قال : "وكان البخاري رَمَزَ بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور : "زُرْ غِبّاً
تزدد حُبّاً". وقد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال ، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره ، وجاء من حديث علي ، وأبي ذر ،
وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي بزرة ، وهبد الله بن عمر ، وأنس ، وجابر ، وحبيب بن مسلمة ، ومعاوية بن حيدة ، وقد جمعتها في جزء مفرد ، وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في "تاريخ نيسابور" والخطيب في "تاريخ بغداد" والحافظ بن محمد أبو محمد بن السقاء في "فوائده"
من طريق أبي عقيل يحيى ابن حبيب بن إسماعيل بن عبد الله بن حبيب
بن أبي ثابت ، عن جعفر بن عون ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ،
عن عائشة.
وأبو عقيل كوفي مشهور بكنيته ، قال ابن أبي حاتم : سمع منه أبي وهو صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : "ربما أخطأ وأغرب" قلت ـ يعني الحافظ ـ : واختلف عليه في رفعه ووقفه ، وقد رفعه أيضاً يعقوب بن شيبة ، عن جعفر بن عون ، ورويناه في "فوائد أبي محمد بن السقاء" أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن جده يعقوب. واختلف فيه على جعفر بن عون ، فرواه عبد بن حميد في "تفسيره" ، عنه عن أبي جناب الكلبي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير موقوفاً في قصة له مع عائشة.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" من طريق عبد الملك بن أبي سليمان ،
عن عطاء قال : "دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت : يا عبيد
بن عمير ما يمنعك أن تزورنا ؟ قال : قول الأول : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً". فقال عبيد بن عمير: فقالت : دعونا من بطالتكم هذه. فقال : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله r ، فذكرت الحديث في صلاته". انتهى
* قلتُ : فإذا كان أقوى طرقه باعتراف الحافظ قد وقع فيه من الاختلاف المؤثر ما قد رأيت ، فما بالك بما غاب عنك ، وقد مر بك حديث
أبي هريرة.
أما حديث عبد الملك بن أبي سليمان ، والذي ذكره الحافظ :
فأخرجه ابن حبان (523 ـ موارد) قال : أخبرنا عمران بن موسى
وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (200-201) قال : حدثنا الفريابي
ـ هو جعفر ـ قالا : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن زكريا إبراهيم بن سويد النخعي ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة ، فقالت لعبيد بن عمير : قد آن لك أن تزورنا ، فقال : أقول يا أمَّه ! كما قال الأول: "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" قال : فقالت : دعونا من بطالتكم هذه. قال ابن عمير : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله r ؟ قال فسكت ثم قالت : لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" قلتُ : والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك. قالت : فقام وتطهر ، ثم قام يُصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجرّهُ. قالت : وكان جالساً ، فلم يزل يبكي r حتى بلَّ لحيته. قالت : ثم بكى حتى بلَّ الأرض ، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي ! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : "أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها : }إنَّ في خلقِ السمواتِ ...{ [آل عمران : 190] الآية كلها.
وليس عند أبي الشيخ محلُّ الشاهد منه ، وسنده جيد.
ووقع في "مطبوعة ابن حبان" (620 ـ الإحسان) : "رطانتكم" بدل "بطانتكم"، والذين نقلوا عن ابن حبان قالوا : الثاني.
وأخرج عبد بن حميد ـ كما في "تفسير ابن كثير" (2/164) ، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 190-191) ، عن جعفر بن عون وابن أبي الدنيا في "التفكر والاعتبار" ـ كما في "ابن كثير" ـ ، وفي "الإخوان" (105) ، وابن مردويه في "تفسيره" عن حشرج بن نباتة الواسطي ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/225) ، والأصبهاني في "الترغيب" (1924) ، عن حكيم
بن خذام ، كلهم عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية ، عن عطاء بن أبي رباح قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير ومعنا عبد الله بن عمر على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما منعك من إتياننا ، فإنا نحب زيارتك وغشيانك ؟ قال : لما قال الأول : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً"، فضرب عبد الله
بن عمر على فخذه وقال : دعونا من أباطيلكم. حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله r وذكر الحديث.
وأبو جناب الكلبي ضعيف مدلس ، وقد صرح بالتحديث عند أبي الشيخ ، ثم هو مُتَابَعٌ كما رأيت ، لكنه جعل قوله : "دعونا من أباطيلكم" من قول
ابن عمر رضي الله عنهما. فهذا هو الصحيح في هذا الحديث ، ورجحه العقيلي فقال : "هذا أولى" والله أعلم.
( تنبيه ) : تعقب البدر العيني في "العمدة" (22/145) كلام الحافظ المتقدم حيث قال : كان البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً". فقال العيني : قال بعضهم ـ وهو يعني الحافظ وساق كلامه ـ ثم قال : هذا تخمين في حق البخاري لأنه حديث مشهور ، رُويَ عن جماعة من الصحابة ... وساق أسماءهم ، ثم قال : ورواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" ، والخطيب في "تاريخ بغداد" بطريق قوي ... إلخ". انتهى
* قلتُ : وهذا اختصارٌ مُخِلٌّ لكلام الحافظ : "أقوى طرقه ما رواه الحاكم ... إلخ ، وكلام الحافظ أدق بلا ريب ، فقوله : "أقوى طرقه" لا تساوي "بطريق قوي" كما لا يخفى. فقوله : "أقوى طرقه" لا يستلزم منه أنه قويٌ ، بل يحتمل أن يكون أخفه ضعفاً ، كقول الناقد وأصح شيء في الباب كذا ، وهذا لا يقتضي منه أن يكون صحيحاً ومع ذلك فقد وقع في هذا التخمين في مواضع من "شرحه" ذكرتُ نماذج منها في "صفو الكدر ، في المحكمة بين العيني وابن حجر" وهو على وشك التمام، يسر الله ذلك بفضله ومَنِّهِ ، وقد ظهر لي بجلاء ما بين الرجلين من التفاوت في صناعة الحديث ، والنظر في علله والحكم على رجاله، وهذا الذي ذكرته كأنه محل إجماع بين كل العلماء الذين جاءوا بعدهما. فمن عجب أن يقول شيخ الجهمية ، وإمام متعصبة الحنفية في العصر الحديث .. محمد زاهد الكوثري ، وهو يقارن بين شرحي الحافظ والعيني يقول: "وليس الشهاب في كل حين بثاقب ، بينما البدر ملتمع الأنوار من كل جانب" وهذه حذلقة لفظية لا طائل تحتها، إذ أن الشهاب لا يكون إلا ثاقباً ، وهذا الكلام مني لا ينفي أن يكون لكتاب "البدر" بعض ما يميزه على كتاب "الشهاب" ، وقد ذكرت بعضه في المصدر
نفس المصدر السابق
([1]) هو : عصمةُ بن أبي عصمة أبو عمرو البخاري ، مترجم في "تاريخ دمشق" (42/285) ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
8-دخلت مع بعض أضيافي مسجد البلدة بعد انقضاء صلاة العشاء، فأقيمت الصلاة فاعتزلنا بعض الأضياف وقال :
إن الجماعة الثانية في المسجد لا تجوز، وصلى منفرداً عنا ،
فهل ما فعله صحيح ؟
والجواب : إن كان قصد بعدم الجواز أن الصلاة باطلة ، فهذا قولٌ ظاهر الخطأ لم يقل به أحدٌ من أهل العلم فيما أعلم ، ويدل على ذلك قول
النبي r: "تفضل الصلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده خمساً وعشرين". ورواه عن النبي r جمع من الصحابة كابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ، وفي حديث ابن عمر : "سبعاً وعشرين" ولو قال النبي r : "لا تجزئ" لدل على البطلان ، وإن قصد الكراهة فهذا أحد قولي العلماء وبه قال ابن عون ، والثوري ، والأوزاعي، والليث بن سعد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأبو حنيفة ، ومالك ، وابن المبارك ، والشافعي ، وعبد الرزاق بن همام صاحب "المصنف" ، وأحمد في إحدى الروايات لكنه خصه بالحرمين.
والمذهب الآخر ، وهو : جواز الجماعة الثانية وأنه لا كراهة فيها ، وهذا قول أحمد وهو الصحيح عند الحنابلة ، وإسحاق ، وأبي يوسف ومحمد ،
وداود بن علي ، وأبي ثور ، وهو قول جمهرة من علماء الحديث كالدارمي، وأبي داود، والترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان وابن المنذر ، والحاكم ، وابن حزم وغيرهم.
فقال الدارمي ومن يأتي ذكره بعد ما رووا حديث أبي سعيد الخدري t
عن النبي r وقد أبصر رجلاً يصلي وحده : "ألا رجل يتصدق على هذا
فيصلي معه".
قال الدارمي : باب صلاة الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة.
وقال أبو داود : باب الجمع في المسجد مرتين.
وقال الترمذي : باب الجماعة في مسجد قد صلى فيه.
وقال ابن خزيمة : باب الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي جُمع فيه مرة ، ضد قول من زعم أنهم يصلون فرادى ، إذا صُلِّي في المسجد
جماعة مرة.
وقال ابن حبان : ذكر الإباحة لمن صلى في مسجد الجماعة أن يصلي فيه مرة أخرى جماعة.
وقال ابن المنذر : ذكر الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي
جُمِع فيه.
قُلتُ : وهذا هو الصواب كما يأتي إن شاء الله تعالى .
وقد احتج القائلون بالمنع بأدلة منها :
1-ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4601) قال : حدثنا عبدان بن أحمد، وأيضاً (6820) قال : حدثنا محمد بن هارون ، وابن عدي في "الكامل" (6/2398) قال : حدثنا محمد بن الفيض الغساني قال ثلاثتهم : ثنا هشام بن خالد الدمشقي ، قال : نا الوليد بن مسلم قال : أخبرني أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه أن رسول الله r أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة ، فوجد الناس قد صلوا ، فمال إلى منزله فجمع بأهله فصلى بهم.
قال الطبراني : "لم يَروِ هذا الحديث عن خالد الحذاء إلا معاوية بن يحيى ، ولا رواه عن معاوية إلا الوليد بن مسلم ، تفرد به هشام بن خالد ، ولا يُروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد".
وقال ابن عدي : "وهذا عن خالد الحذاء لا يرويه غير معاوية".
قالوا : ووجه الدلالة من الحديث أن النبي r لما فاتته الجماعة الأولى رجع إلى بيته وصلى بأهله جماعة ، ولو جاز أن يصلي في المسجد مرة أخرى بعد جماعة الإمام ، لما عدل عن المسجد لفضله ، وفي العادة سيجد من يُصلي معه ممن كان يصحبه ، أو من الماكثين في المسجد.
2-ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً : "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ، ولو علم أحدهم أن يجد عظماً سميناً لشهدها" يعني صلاة العشاء.
قالوا : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة لما حرق بيوتهم ، ولجاز لهذا المتخلف أن يتذرع بذلك ويقول : سأصلي في الجماعة الثانية ، فثبت بذلك أن وجوب الإتيان إلى الجماعة الأولى يستلزم كراهة الثانية في المسجد الواحد ، ثم أن تكرار الجماعة في المسجد الواحد يؤدي إلى تقليل الجماعة الأولى وهذا غير مستحب.
3-ما أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج9/رقم 9380) عن عبد الرزاق ، وهذا في "المصنف" (ج2/رقم 3883) عن مَعْمَرٍ ، عن حماد ،
عن إبراهيم، أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا ، فرجع بهما إلى البيت فجعل أحدهما عن يمينه
والآخر عن شماله ثم صلى بهما.
قالوا : وهذا إسناد جيد.
ووجه الدلالة منه على المطلوب واضح.
قالوا : وكذلك ورد ذكر كراهة الجماعة الثانية في المسجد الذي صُلِّي فيه مرةً عن جماعة من التابعين منهم : الأسود بن يزيد ، وسالم بن عبد الله ابن عمر، والحسن البصري ، والقاسم بن أبي بكر ، وأبو قلابة الجرمي
في آخرين.
* قُلتُ : هذا هو أظهر أدلة المانعين ، وثمَّ معنى آخر أظهره الإمام الشافعي رحمه الله ، ولم يطنب أحدٌ في ذكر المنع مثله رحمه الله تعالى.
فقال في "الأم" (2/292) : "وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته ، أو في مسجد صغير ، أو كبير قليل الجماعة أو كثيرها ، أجزأت عنه ، والمسجد الأعظم ، وحيث كثرة الجماعة أحب إليَّ ، وإن كان لرجلٍ مسجدٌ يُجمعُ فيه ، ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره ، كان أحب إليَّ ؛ وإن لم يأته وصلى في مسجد منفرداً، فحسنٌ، وإذا كان للمسجد إمامٌ راتبٌ ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة صلوا فُرادى ، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة ، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه ، وإنما كرهت ذلك لهم ؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا ، بل قد عابه بعضهم.
قال : وأحسب كراهة من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة ، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا ، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة ، وفيهما المكروه. وإنما كره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجدٌ بُني على ظهر الطريق ، أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه المارة ، ويستظلون ، فلا أكره ذلك فيه ؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة ، وأن يرغب رجالٌ عن إمامة رجل ، فيتخذون إماماً غيره.
وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ، ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم ، لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم". انتهى
* قُلتُ : والجواب عن أدلتهم من حيث ترتيبها أن يقال :
أما الدليل الأول وهو : أن النبي r لما فاتته الصلاة صلى في بيته فلا يصح ، ففي إسناده معاوية بن يحيى الأطرابلسي أبو مطيع ، وقد وثقه غير واحد ، وضعفه ابن معين في رواية ، وأبو القاسم البغوي ، والدار قطني ، وأورد له ابن عدي هذا الحديث مما استُنكِرَ عليه ، ولا جرم ، فإن مثل
خالد بن مهران الحذاء في كثرة أصحابه الثقات ، لا يحتمل لمثل معاوية
بن يحيى أن يتفرد عنه بخير ، فإن هذا من علامة الحديث المنكر ، ثم الوليد بن مسلم لم يصرح في كل طبقات السند ، وكان من المشهورين بتدليس التسوية.
أما الدليل الثاني : فما أصحه من دليل ، ولكن لا يتم الاستدلال به على المطلوب ؛ لأنه لم يتذرع أحد أصلابه بأنه سيصلي في الجماعة الثانية ، بل لعل هذا الفهم لم يخطر لأحد منهم على بال ، ومن البين أن الذين قصدهم النبي r بهذا التحريق هم جماعة من المنافقين ، كما أخرجه البخاري (2/141) وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً : "ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً ، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شُعلاً من نار ، فأحرق على من لم يخرج إلى الصلاة يعدُ".
وذكر الحافظ في "الفتح" (2/141) أنه وقع للكشميهني بدل "بعدُ" : "يقدِرُ" أي : لا يخرجُ وهو يقدر على المجيء إلى المسجد. انتهى
أما لماذا همَّ النبي r على تحريق بيوتهم ولم يفعل ؟
فالجواب : أن في هذه البيوت من لا تجب عليهم صلاة الجماعة مثل
النساء والصغار.
أما الدليل الثالث : وهو أثر ابن مسعود t فليس إسناده جيداً كما قلتم ،
فإن فيه جماد بن أبي سليمان وهو كما قال أبو حاتم : "مستقيم في الفقه ،
فإذا جاء الآثار شوش".
وكلام العلماء فيه يدل على أنه ليس بعمدةٍ في الحفظ.
وقد اختلف عليه ، وخولف فيه.
أما الاختلاف عليه ، فقد رواه حماد بن زيد ، عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ، عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود ، فقام بينهما ولم يقل : إن ابن مسعود أتى المسجد فوجد الناس قد صلوا فرجع إلى البيت فصلى.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج9 / رقم 9383) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج ، ثنا حماد ، عن حماد بهذا.
وهذا إسنادٌ منقطع بين إبراهيم النخعي ، وابن مسعود ، وهو محمولٌ على أن إبراهيم تلقاه عن علقمة أو الأسود ، أو عنهما جميعاً.
وقد أخرجه الطبراني أيضاً (9382) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ،
ثنا حجاج بن منهال ، ثنا حماد ، عن داود ، عن الشعبي ، عن علقمة ،
أن ابن مسعود صلى به وبالأسود فقام بينهما.
أما أنه خولف فيه .. فقد خالفه الأعمش ، فرواه عن إبراهيم ، عن الأسود وعلقمة ، قالا : أتينا عبد الله بن مسعود في داره ، فقال : أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا : لا. قال : فقوموا فصلوا ، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال : وذهبنا لنقوم خلفه ، فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. قال فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا ، قال : فضرب أيدينا وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه. قال : فلما صلى قال : إنه سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ، ويخنقونها إلى شرق الموتى ، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك ، فصلوا الصلاة لميقاتها ، واجعلوا صلاتكم معهم سُبحة ، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً ، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم ، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه ، وليجناً ، وليطبق بين كفيه ، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله r فأراهم.
أخرجه ابن أبي شيبة (2303 ، 7673) ، ومسلم (534/26) ، وأبو داود (868) ، وأبو نعيم في "المستخرج" (1176) ، والبيعقي (2/83)
عن أبي معاوية ، ومسلم (534/27) وأبو نعيم (1178) عن جرير
بن عبد الحميد، ومسلم أيضاً.
وأبو عوانة (1803) عن علي بن مسهر ، ومسلم (534/27) عن مقضل بن فضالة ، والنسائي (2/50 ، 183-184) وأحمد (1/447) عن شعبة، والنسائي (2/49-50) وابن خزيمة (1636) ، وابن حبان (1874) ، والهيثم بن كليب في "المسند" (368) ، وأبو نعيم في "المستخرج" (1176) عن عيسى بن يونس ، وعبد الرزاق في "المصنف" (ج2/رقم 3884) ، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (ج9 / رقم 9381) عن سفيان الثوري ، وابن أبي شيبة (2554) ، وأبو نعيم (1176) عن محمد بن فضيل ، وأبو عوانة (1804) والطحاوي في "شرح المعاني" (1/229) عن حفص بن غياث ، وأبو عوانة (1805) عن زهير بن معاوية ، كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد.
وكذلك رواه منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم بهذا.
أخرجه مسلم (5340/28) قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، والبزار في "المسند" (1479 ـ البحر) ، وابن صاعد في "مسند ابن مسعود" (ق 32/2) ، وأبو نعيم (1178) عن محمد بن عثمان بن كرامة
وأبو عوانة (1806) قال : حدثنا أبو أمية ـ هو الطرسوسي ـ والطحاوي (1/229) قال : قنا علي بن شيبة ، والهيثم بن كليب (367) عن سليمان
بن معبد ، وقالوا : ثنا عبد الله بن موسى ، ثنا إسرائيل ، عن منصور بهذا.
قال البزار : "لا نعلم رواه عن منصور بهذا الإسناد إلا إسرائيل".
* قلت : فقد رأيت أنه لم يقع في روايتهما ذكرٌ لإتيان ابن مسعود المسجد فوجد الناس قد صلوا فانصرف وصلى في بيته ، وهو الشاهد الذي اتكأ عليه من منع تكرار الجماعة في المسجد ، فتكون رواية حماد بن أبي سليمان منكرة ، والله أعلم.
وقد ورد عن ابن مسعود ما يخالف ذلك.
فأخرج ابن أبي شيبة (7182) قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، أن ابن أبي مسعود دخل المسجد ، وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود.
وإسناده منقطع ، وسلمة بن كهيل لم يلق أحداً من أصحاب النبي r إلا جُندُبَاً وأبا جُحيفة ، كما قال عليِ بن المديني وابن معين ، ووُلِدَ سلمة بن كهيل سنة (47) ، وابن مسعود مات في خلافة عثمان.
وأما ما ذكروه عن الحسن البصري قال : كان أصحاب محمد r إذا دخلوا المسجد وقد صُلِّى فيه ، صلوا فُرادى.
أخرجه ابن شيبة (7188) قال : حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن كثر ، عن الحسن فذكره.
وهذا إسنادٌ ضعيف بل منكر .. وأبو هلال الراسبي محمد بن سليم
تَعرِفُ وتُنكِرُ.وقد رواه بإسناد صحيح عن الحسن من قوله.
أخرجه عبد الرزاق (3426) عن الثوري ، وابن أبي شيبة
(7189 ، 7186) عن هيثم بن بشير ، وإسماعيل بن عُليَّة ، ثلاثتهم عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : يصلون فرادى ، وعن عبد الرزاق : وحداناً ، قال عبد الرزاق : وبه يأخذ الثوري ، وبه نأخذ أيضاً.
فالصحيح: أنه من قول الحسن ، وليس فيه ذكر أصحاب النبي r .
فلم يبق إلا ما ذكروه عن بعض التابعين ، فيعارضون بمثل عددهم وزيادة من التابعين مثل عُدي بن ثابت ، وعطاء بن أبي رباح ، ومكحول ، وسلم بن عطية ، وقتادة ، بل نُقِل عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن تُصلى الجماعة بعد الجماعة في مسجد الكلاء بالبصرة.
أخرجه ابن أبي شيبة (7176) قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن الحسن، وهذا سند جيد.
بل أظهر الحسن علة لترك إقامة الجماعة الثانية :
فأخرج ابن أبي شيبة (7177) قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا منصور ، عن الحسن قال : إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان.
وهذا إسنادٌ صحيح. ووجه هذا الكلام عندي أن الذين كانوا يرغبون عن إمام المسجد هم أهل البدع والأهواء ، فخشيَّ أهل السنة إن فعلوا ذلك أن يُظنَّ أنهم من أهل البدع فيوقعون بهم العقوبة.
فهذا يدل على أن أصل المسألة عند الحسن هو الجواز.
ثم وثقت على كلام لابن عبد البر رحمه الله بهذا المعنى ، فقال في "الاستذكار" (4/64-65) : "هذه المسألة ـ يعني الجماعة الثانية ـ لا أصل لها إلا إنكار أهل الزيغ والبدع ، وألا يُتركوا وإظهار نحلتهم ، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة ؛ لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ، ثم يأتون بعده ، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم ، فرأى أهل العلم
أن يُمنعوا من ذلك ، وجعلوا الباب باباً واحداً ، فمنعوا منه الكل ، والأصل
ما وصفتُ لك". انتهى
يعني : من الجواز ، وهذا يدلك على أن المنع كان سداً للذريعة.
ونقل ابن حزم في "المحلى" (4/237) قول مالك : "لا تُصلَّى فيه جماعة أخرى، أن لا يكون له إمامٌ راتبٌ ، واحتج له مقلدوه بأنه قال هذا قطعاً لأن يفعل ذلك أهل الأهواء" ثم ردَّ على ذلك قائلاً : "ومن كان من أهل الأهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا ، فإنهم يصلونها في منازلهم ولا يعتدُّون بها في المساجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع إمام من غيرهم ، فهذا الاحتياط لا وجه له ، بل ما حصلوا إلا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة في جماعة ، خوفاً من أمر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم".انتهى
وقد أبدى البيهقي رحمه الله علة أخرى لكراهة الحسن فقال في "سننه الكبير" (3/70) :
"كراهية الحسن البصري محمولة على موضع يكون الجماعة فيه بعد أن صُلِّيَ: تفرُّقُ الكلمة".
وقد بوَّب البيهقي على هذا الأثر وغيره بقوله : "باب الجماعة في مسجد قد صُلَّى فيه ، إذا لم يكن فيها تفرق الكلمة" وكذلك قال في "المعرفة" (4/113).
* قُلتُ : وفي هذا بيان للعلة التي ذكرها الشافعي في كلامه وبنى عليها فتواه بكراهية الجماعة الثانية ، وهي خشية أن تتفرق الكلمة ، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وهذا المعنى مفقود في زماننا هذا ، وإن كان ملحوظاً في زمان السابقين ، فنحن الآن في زمن تَركَ فيه كثيرٌ من الناس الصلاة ، فقلَّ من الناس ـ بسبب الجهل والتفلت ـ من يلاحظ هذا المعنى الذي رآه الشافعي.
ولستُ أُنكِرُ أن تؤدي الإباحة إلى بعض ما كرهه الشافعي ، وقد وقع التنبيه على هذا في كلام الشيخ المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر ، فقال في حاشيته على "سنن الترمذي" (1/431-432) :
"والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب صحيحٌ جليلٌ ، يُنبئ عن نظر ثاقب ، وفهم دقيق ، وعقل درَّاك لروح الإسلام ومقاصده ، وأول مقصد للإسلام ، ثم أجلُّه وأخطرُهُ : توحيد كلمة المسلمين ، وجمع قلوبهم على غاية واحدة .. وهي إعلاء كلمة الله وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية ، والمعنى الروحي في هذا اجتماعهم على الصلاة ، وتسوية صفوفهم فيها أولاً ، كما قال رسول الله r : "لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" ، وهذا شيء لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين ، والغوص على درره ، والسمو إلى مداركه ، كالشافعي وأضرابه ، وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار جماعتهم في الصلاة
واضطراب صفوفهم ، ولمسوا ذلك بأيديهم ، إلا من بطلت حاسته وطُمِسَ على بصره ، وإنك لتدخل كثيراً من مساجد المسلمين فترى قوماً يعتزلون الصلاة مع الجماعة ـ طلباً للسنة كما زعموا ـ ثم يقيمون جماعات أخرى لأنفسهم ، ويظنون أنهم يقيمون الصلاة بأفضل مما يقيمها غيرهم ، ولئن صدقوا لقد حملوا من الوزر ما أضاع صلاتهم ، فلا ينفعهم ما ظنوه من الإنكار على غيرهم قي ترك بعض السنن أو المندوبات ، وترى قوماً آخرين يعتزلون مساجد المسلمين ، ثم يتخذون لأنفسهم مساجد أخرى ، ضراراً وتفريقاً للكلمة ، وشقاً لعصا المسلمين ، نسأل الله العصمة والتوفيق ، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا ، إنه سميع الدعاء.
وهذا المعنى الذي ذهب إليه الشافعي لا يعارض حديث الباب ، فإن الرجل الذي فاتته الجماعة لعذرٍ ، ثم تصدق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصلاة معه ـ وقد سبقه بالصلاة فيها ـ هذا الرجل يشعر في داخلة نفسه كأنه متحدٌ مع الجماعة قلباً وروحاً ، وكأنه لم تفته الصلاة. وأما الناس الذين يُجمِّعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين فإنما يشعرون أنهم فريق آخر، خرجوا وحدهم ، وصلوا وحدهم.
وقد كان من تساهل المسلمين في هذا ، وظنهم أن إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقاً أن فشت بدعةٌ منكرةٌ في الجوامع العامة ، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين عليه السلام وغيرهما بمصر ، ومثل غيرهما في بلاد أخرى ، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين
أو أكثر ، ففي الجامع الأزهر ـ مثلاً ـ إمام للقبلة القديمة ، وآخر للقبلة الجديدة ، ونحو ذلك في مسجد الحسين عليه السلام ، وقد رأينا فيه
أن الشافعية لهم إمامٌ يصلي بهم الفجر في الغلس ، والحنفيون لهم آخرٌ يصلي الفجر بإسفار ، ورأينا كثيراً من الحنفيين من علماء وطلاب
وغيرهم ينتظرون إمامهم ليصلي بهم الفجر ، ولا يُصلون مع
إمام الشافعيين والصلاة قائمة ، والجماعة حاضرة ، ورأينا فيهما
وفي غيرهما جماعات ُقام متعددة في وقتٍ واحدٍ ، وكلهم آثمون ،
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، بل قد بلغنا أن هذا المنكر كان في الحرم المكي، وأنه كان يُصلي فيه أئمة أربعة ، يزعمون للمذاهب الأربعة ، ولكنا لم نر ذلك ، إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة ، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة، وجمع الناس في الحرم على إمام واحدٍ راتبٍ ، ونرجو أن يوفق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في شتى البلدان ، بفضل الله وعونه ، إنه سميعٌ مُجيبُ الدعاء". انتهى
* قُلتُ : فلو وقع في مجتمع من الناس ، ما خشي منه الشافعي ، فلا شك في كراهية الجماعة الثانية ، ولكن أين زماننا من زمن أسلافنا ، وحيث كان الإسلام هو الحاكم ، ورأبته تظلل الممالك والدول ، ويمشي الفرد بأمان الإسلام، أما في زماننا فقد أطلت البدعُ علينا من كل صوب وتهجموا على مصادرنا الأصلية ، وأظهروا عُوارَها ـ زعموا ـ حتى بلغ السيل الرُّبى ، والله المستعان. لكن ـ كما قُلتُ لك ـ قلَّ من يلحظ المعنى الذي خشيَّ الشافعي مغبته.
أما العلة الثانية التي وقعت في كلام الشافعي رحمه الله ، وأسس عليها حكمه بكراهة الجماعة الثانية ، فهي قوله : "وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا". انتهى
ولا شك أن التعليل بهذا قويٌ ومؤثرٌ ، لكننا وجدنا من السلف قبلنا من فعل هذا، وقد نص الترمذي على ذلك فقال : "وهو قولُ غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي r وغيرهم من التابعين". انتهى
بل قد حدث هذا في زمان النبي r ، فقد روى سليمان الناجي ، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال : جاء رجل وقد صلى النبي r فقال : "أيكم يتَّجر على هذا؟" فقام رجل فصلى معه.
أخرجه الترمذي (220) ، وابن خزيمة (1932) ، وابن أبي شيبة (2/320)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (4/238) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (4/68) عن عبدة بن سليمان ، وأحمد (3/45) قال : حدثنا محمد بن جعفر ، وأحمد أيضاً (3/5) ، وأبو يعلي (1057) ، وابن حبان (2399) عن ابن أبي عدي ، وعبد بن حميد في "المنتخب" (936) ، والبيهقي (3/69) عن محمد بن يشر العبدي ، كلهم عن سعيد بن
أبي عروبة ، عن سليمان الناجي بهذا الإسناد.
قال ابن حزم : "لو ظفروا بمثل هذا ، لطاروا به كل مطار".
يعني : لصحته وظهور دلالته.
وتوبع سعيد بن أبي عروبة.
تابعه وهيب بن خالد ، فرواه عن سليمان الناجي بسنده سواء.
أخرجه أبو داود (574) ، ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار" (4/67) ، والحاكم (1/209) ، والبيهقي (3/68-69) عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، وأحمد (3/64) ، والدارمي (1/258) ، والبيهقي في "المعرفة" (5629) عن عفان بن مسلم والدارمي (1/258) ،
وابن الجارود في "المنتقى" (330) ، والبيهقي في "سننه" (3/68) ،
وفي "المعرفة" (5628) عن سليمان بن حرب ، والطبراني في "الصغير" (606، 665) عن عبد الله بن معاوية الجُمَحي ، كلهم عن وهيب بن خالد، عن سليمان الناجي بهذا.
قال الحاكم :
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، وسليمان الأسود هذا هو سليمان بن سحيم ، وقد احتج به مسلم وبأبي المتوكل ، وهذا الحديث أصلٌ في إقامة الجماعة في المساجد مرتين".
* قلتُ : كذا قال ! وسليمان الناجي ليس هو ابن سحيم ، ويقال : سليمان الأسود أبو محمد البصري كما ذكر البخاري في "علل الترمذي الكبير"
(ص 210) ، وثقه ابن معين ، وابن المديني ، وأحمد بن صالح
في آخرين، ولم يحتج به مسلم ، إنما احتج بمسلم بن سحيم ، ولم يخرج له إلا حديثاً واحداً (479/ 207 ، 208) في مرض النبي r ، أما قول الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/252) بأن سليمان الناجي
غير معروف فمردود بما سبق.
ورواه عن بن عاصم ، قال : أخبرنا سليمان الناجي بهذا بلفظ :
صلى رسول الله r بأصحابه الظهر ، قال : فدخل رجلٌ من أصحابه ، فقال النبي r : "ما حبسك يا فلان عن الصلاة ؟" قال : فذكر شيئاً اعتل به. قال: فقام يُصلي ، فقال رسول الله r : "ألا يتصدق رجلٌ على هذا فيصلي معه ؟ قال : فقام رجلٌ من القوم فصلى معه.
أخرجه أحمد (3/85) . وعليُّ بن عاصم تكلم فيه أحمد وغيره من النقاد ، وأجمعُ كلامٍ فيه ما قاله يعقوب بن شيبة ـ فيما رواه عن الخطيب في "تاريخه" (11/446-447) قال : "سمعت عليُّ بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه ، منهم من أنكر عليه كثرة الخطأِ والغلط ، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك ، وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه ، ولجاجته فيه وثباته على الخطأ ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدَّث به ، من سوء ضبطه وتوانيه عن تصحيح ما كتب الورَّاقون له ، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذه القصص ، وقد كان رحمة الله علينا وعليه من
أهل الدين والصلاح والخير البارع ، شديد التوقي ، وللحديث آفاتٌ تُفسِده".انتهى
* قلتُ : وقد ورد أن الذي صلى مع هذا المتأخر : أبو بكر الصديق t .
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (28) ، ومن طريقه البيهقي (3/69-70) قال: حدثنا محمد بن العلاء ، نا هشيم ـ يعني ابن بشير ـ
نا خطيب بن زيد ، عن الحسن قال : فقام أبو بكر فصلى معه ، وقد كان صلى مع رسول الله r .
وهذا مرسلٌ جيد الإسناد.
وثمة شواهد أخرى لحديث أبي سعيد t :
1-حديث أبي أُمامة t :
أخرجه أحمد (5/254) قال : حدثنا عليُّ بن إسحاق ، وأيضاً (5/269) قال : حدثنا هشام بن سعيد ، وأبو يعلي في "مسنده" كما في
"إتحاف الخيرة" (1746) عن محمد بن بكار ، والطبراني في "الكبير"
(ج8 / رقم 7857) عن سريج بن النعمان ، أربعتهم : ثنا ابن المبارك ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله ابن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة أن النبي r رأى رجلاً يصلي فقال: "ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه ؟" ، فقام رجل فصلى معه ، فقال
رسول الله r : "هذان جماعة".
وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً ، وعلي بن يزيد الألهاني متروك ، وعبيد الله
بن زحر ليس بعُمدة.
وقال الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/252) : "هذا إسنادٌ
لا تقوم الحجة بمثله". وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/62-63) في ترجمة "عبيد الله
بن زحر" : "منكر الحديث جداً ، يروي الموضوعات عن الأثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبرٍ : عبيد الله
بن زخر، وعلي بن يزيد ، والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم...".
* قُلتُ : بالغ ابن حبان ، ولم أر أحداً من العلماء اتهم عبيد الله بن زحر بالوضع، والقاسم صاحب أبي أمامة t ، فحاشاه أن يضع الحديث ، وآفة هذا الإسناد هو علي بن يزيد الألهاني فإنه ساقط.
وقد تابعه من هو مثله في السقوط ألا وهو جعفر بن الزبير ، فرواه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مثله.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 8 / رقم 7974) قال : حدثنا أحمد بن عمرو العمي النحاس البصري ، ثنا عبيد الله بن سعد ، ثنا عمي وأبي ، وعمر ابن إسحاق ، ثنا الحسن بن دينار ، عن جعفر بن الزبير بهذا.
والحسن بن دينار كذبه أحمد وابن معين ، وتركه وكيع كما قال ابن حبان وكذلك تركه ابن مهدي وابن المبارك ويحيى بن القطان ، وضعفه الدارقطني في "العلل" (1/276).
وخالفهما يحيى بن الحارث الذماري ، فرواه عن القاسم بن عبد الرحمن قال : دخل رجلٌ المسجد ولم يدرك الصلاة ، فقال رسول الله r : "ألا رجلٌ يتصدق على هذا فتتم له صلاته ؟ "فقام رجلٌ فصلى معه ، فقال النبي r : "وهذه من صلاة الجماعة".
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (26) قال : حدثنا أبو توبة ، نا الهيثم ـ يعني: ابن حميد ـ عن يحيى بن الحارث بهذا مرسلاً.
وهذا مرسلٌ جيد الإسناد.
ويحيى بن الحارث الذماري ثقة.
وخالفه مسلمة بن عليُّ الخُشني ، فرواه عن يحيى بن الحارث ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة مرفوعاً : "الاثنان فما فوقهما جماعة".
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6620 ـ طبع الطحان) ، وفي "مسند الشاميين" (877) ، وابن عدي في "الكامل" (6/2316) من طريقين عن مسلمة بن علي.
ومسلمة متروك الحديث ، والمرسل أصح.
2-حديث أنس t :
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/1645) من طريق محمد بن عبد الله ـ هو الأنصاري ـ عن عباد بن منصور ، قال : رأيت أنس بن مالك
دخل مسجداً بعد العصر وقد صلى القوم ، ومعه نفرٌ من أصحابه فأمَّهم ، فلما انفتل قيل له : أليس يُكرهُ هذا ؟ فقال : دخل رجلٌ المسجد وقد صلى رسول الله r الفجر ، فقام قائمٌ ينظر ، فقال : ما لك ؟ قال : أريد أن أصلي، فقال النبي r : "ألا رجل يصلي مع هذا ؟" ، فدخل رجلٌ فأمرهم النبي r أن يصلوا جميعاً.
وعباد بن منصور ضعفه أكثر أهل العلم .
وله طريقٌ آخر :
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7286) قال : حدثنا محمد بن العباس الأخرم ، والدار قطني (1/276) قال : حدثنا يحيى بن محمد ابن صاعد قالا: ثنا عمر بن الحسن الأسدي ، ثنا أبي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلاً جاء وقد صلى النبي r ، فقام يُصلي وحده ، فقال النبي r : "من يتَّجرُ على هذا فيصلي معه ؟".
قال الطبراني : "لم يروه عن حماد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسدي".
* قُلتُ : ومحمد بن الحسن توقف فيه الهيثمي في "المجمع" (2/46) فقال: "إن كان ابن زُبَالة فهو ضعيف". انتهى
وليس هو ، بل محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي كما وقع عند الدارقطني، وقد تكلم جمع من النقاد فيه ، فقال ابن معين في رواية :
"ليس بشيء" وضعفَّه الفسوي في "المعرفة" (3/56) ، وقال العقيلي :
"لا يتابع على حديثه"، وكذلك ضعفه ابن حبان ، وأبو أحمد الحاكم في "الكنى" والساجي، ووثقه آخرون من النقاد ، فمثله لا يُحتمل له التفرد عن مثل حماد بن سلمة في كثرة أصحابه ، فتجويد الزيلعي في "نصب الراية" (2/58) لإسناده غير جيد ، والله أعلم.
وقد اختلف فيه على ثابت البُناني .
فرواه عنه حماد بن سلمة فجعله من "مسند أنس".
ورواه الحسن بن أبي جعفر ، عن ثابت ، عن أبي عثمان النهدي ،
عن سلمان الفارسي t مثله.
أخرجه البزار (2538 ـ البحر) ، وعنه الطبراني في "الكبير"
(ج6 / رقم 6140) من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك ، ثنا الحسن
بن أبي جعفر بهذا.
وأبو جابر والحسن ضعيفان. والصحيح في هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/220) قال : حدثنا هشيم وعبد الرزاق (3427 ، 3428) عن معمر والثوري ثلاثتهم عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان قال : دخل رجلٌ المسجد وقد صلى النبي r ، فقال : "ألا رجل يتصدق على هذا فيقوم فيصلي معه؟".
وهذا مرسل صحيح الإسناد.
3-حديث عُصمة بن مالك t :
أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج17 / رقم 479) قال : حدثنا أحمد بن رشد بن المصري ، والدارقطني (1/277) عن إسحاق بن داود بن عيسى المروزي قالا : ثنا خالد بن عبد السلام الصدفي ، نا الفضل بن المختار ، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك قال : كان رسول الله r قد صلى الظهر وقعد في المسجد ، إذ دخل رجل يصلي ، فقال رسول الله r : "ألا رجل يقوم فيتصدق على هذا فيصلي معه؟".
والفضل بن المختار منكر الحديث.
4-وأخرج أحمد (5/269) قال : حدثنا هشام بن سعيد ، ثنا ابن المبارك ، عن ثور بن يزيد ، عن الوليد بن أبي مالك ، قال : دخل رجل المسجد ، فصلى، فقال رسول الله r : "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ؟" قال: فقام رجل فصلى معه ، فقال : رسول الله r : "هذان جماعة".
وهذا مرسل صحيح الإسناد.
والحاصل أنه لم يصح في هذا الباب مرفوعاً إلا حديث أبي سعيد الخُدري t وقد تقدم ذكر عدة مراسيل صحيحة الإسناد ، مختلفة المخارج ، يقوي بعضها بعضاً.
وممن صلى الجماعة الثانية من السلف : أنس بن مالك t .
أخرجه البخاري (1/131) معلقاً ، ووصله أبو يعلي (4355) قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، ثنا حماد ، عن الجعد أبي عثمان قال : مرَّ بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة ، فقال : أصليتم ؟ قال : قلنا : نعم ، وذاك صلاة الصبح ، فأمر رجلاً فأذن وأقام ، ثم صلى بأصحابه.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/321) والبيهقي (3/70) عن يونس ابن عبيد ، وابن أبي شيبة (2/322) قال : ثنا إسماعيل بن عُليَّة ، وعبد الرزاق (3416، 3417) عن معمر وجعفر بن سليمان ، والبيهقي (3/70) عن أبي عبد الصمد العمي ، كلهم عن أبي عثمان بهذا.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار" (4/68) من طريق سليمان
ابن حرب، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس فذكره وقال : "إنه دخل مسجد البصرة".
وإسناده صحيح جليل.
وأخرجه أبو الشيخ في "الطبقات" (1/402-403) من طريق مبارك بن فضالة قال : كنت في مسجد الساج إذ جاء أنس بن مالك والحسن وثابت وقد صلوا العصر ، فقيل لهم : إنهم قد صلوا ، فأذن ثابت ، وتقدم أنس بن مالك فصلى بهم.
وفي إسناده نظر.
وقال ابن حزم في "المحلى" (4/238) : "وهذا مما لا يُعرّفُ فيه لأنس مُخالِفٌ من الصحابة رضي الله عنهم".
* قُلتُ : وأعله بعضهم بالاضطراب لاختلاف اسم المسجد ، وهو محمولٌ على تعدد القصة لتعدد الرواة عن أنس ، وقد صح مثل هذا من جماعة من التابعين مثل عطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، وعدي بن ثابت ، والحسن البصري ، ومكحول .. وآخرين ، وأسانيدها عند عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة وغيرهما.
* قُلتُ : ويضاف إلى ما تقدم ما فهمه البخاري رحمه الله تعالى إذ ذكر أثر أنس المتقدم تحت باب : "فضل صلاة الجماعة" ، وأن الجماعة الثابتة ينطبق عليها اسم "صلاة الجماعة" فكل الأحاديث التي حضت على فضل صلاة الجماعة تشملها ، وهذا خيرٌ من أن يصلي المرء وحده ،
والله تعالى أعلم.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
جزاك الله خيرا وأحسن الله إليك
وجعله الله في ميزان حسناتك
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
-كنت في مجلس مع بعض الأفاضل ، فجرى بيننا الحديث في مسائل علمية ، فكان منها : أن خبر الواحد لا يصلح في باب الاعتقاد ، وأن ذلك هو قول جماهير العلماء ؛ لأنه خبر مظنونٌ والعقيدة لابد فيها من الخبر القطعي ، وهذا لا يكون إلا قرآناً
أو حديثاً متواتراً ، ثم قرأ علينا كلاماً من كتاب لأحد العلماء المتأخرين ذائع الصيت ، واسمح لي أن أذكره لك بنصه ؛ لأننا لما قرأناه لم ندرِ جواباً ، واعفني من ذكر اسم العالم أو ذكر كتابه. قال هذا العالم :
"أما الزعم بأنه ـ يعني خبر الواحد ـ يفيد اليقين كالأخبار المتواترة ، فهي مجازفة مرفوضة. وقد قال لي أحد المتمسكين بأن خبر الواحد يفيد اليقين : إن المدرس وهو رجلٌ واحدٌ يؤتمن على التعليم وإن السفير وهو رجلٌ واحدٌ يؤتمن على أخبار دولته، وإن الصحافي في الحديث الذي ينقله يؤتمن على ما يذكره ... إلخ.
قلتُ : إن العنعنات التي تنقل بها المرويات ليست مثل ما ذكرت من وقائع! وإذا فرضنا جدلاً أنها مثلها من كل وجه ، فإن اليقين لا يُستفاد من هذه الوقائع. فإن المدرس قد يُخطئ فيصحح نفسه أو يصحح له غيره ! والسفير تراقبه دولته ، وقد تراجعه فيما بلغ ، وكذلك الأحاديث الصحافية ، إن ما يحفها من قرائن النشر والإقرار أو الرد يجعل الثقة بها أقرب ، ونحن مع تجري عدالة الشاهد لا نكتفي بشاهد واحد ، وربما طلبنا أربعة شهداء حتى نطمئن إلى صدق الخبر ، والشاهدان أو الأربعة ينشئون ظناً راجحاً ، ولا ينشئون يقيناً ثابتاً ، بيد أن حماية المجتمع لا تتم إلا بهذا الأسلوب ، أسلوب قبول الظن الراجح ، وهو ما قامت عليه الشرائع والقوانين في دنيا الناس ... إن العقائد أساسها اليقين الخالص ... ولا عقيدة لدينا تقوم على خبر واحد ...". أهـ
فهذا الكلام الذي قرأه علينا صاحبنا ، فما هو الجواب عنه ؟
* قُلتُ : أما هذا الكلام الذي نقلته ، فإني أعرف صاحبه واسم كتابه ، وقد طُبع هذا الكتاب قرابة عشرين مرة ، والله المستعان.
واعلم أيها السائل أن رد خبر الواحد في باب الاعتقاد بدعةٌ مُحدَثة في الإسلام، لا تُعرف عن واحد من أئمة الهدي من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وجملة كلامه يتلخص في ثلاثة مقاصد :
الأول : أن خبر الواحد ليس بحجة في العقيدة.
الثاني : أنه لا يفيد إلا الظن الراجح.
الثالث : أنه كشهادة الشاهد ، فيطلب فيه العدد.
والجواب من وجوه :
الأول : أما خبر الواحد فهو ما لم يتواتر ، سواء كان من رواية شخص واحد أو أكثر ... وقد تكلم العلماء السالفون كالشافعي رحمه الله وغيره بما فيه كفاية على حجة خبر الواحد وإفادته للعلم ، ولم يفرقوا بين العقائد والأحكام ، وكان من أدلتهم على أن الخبر الواحد حجة ما يلي :
1-ما أخرجه البخاري (1/95 ، 502 ـ 8/171، 174 و13/232 فتح) ، ومسلم (5/9 ، 10 نووي) ، وأبو عوانة (2/81 ، 82) ،
والنسائي (1/242-243 و 2/60-61) ، والترمذي (340 ، 2962)
وابن ماجة (1010) ، وأحمد (4/283 ، 288-289 ، 304) وغيرهم من حديث البراء بن عازب t وعلى آله وسلم كان أول ما قدم المدينة صلَّى قِبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً ، وكان يعجبه
أن تكون قبلته قِبل البيت ، وأنه أول صلاة صلَّى .. صلاة العصر ،
وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله r قِبَلَ مكة ، فداروا كما هم قِبل البيت ...".
وقد رواه كذلك ابن عمر رضي الله عنهما.
أخرجه البخاري (13/232 فتح) ، ومسلم (5/10) ، وأبو عوانة (1/394) ، والنسائي (1/244-2/61) ، والترمذي (2/170 ـ شاكر) ،
والشافعي في "الأم" (1/94) ، وفي "المسند" (ص 23) ، وفي "الرسالة"
(ص 123-124 ، 406) ، وابن خزيمة (1/225) وغيرهم عن مالك ، وهو في "موطئه" (1/195/6) عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر.
* قُلتُ : والشاهد أن المسلمين كانوا على أمر مقطوع به ، وهو القبلة
لما أخبرهم الواحد وهم يصلون بمسجد قُباء أن القبلة قد حُوِّلت إلى الكعبة
قبلوا خبره، وتركوا اليقين المقطوع به لديهم لأجل خبره ، ولم يُنكِر عليهم
رسول الله r ، بل شُكِروا على ذلك.
فلولا حصول العلم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به ، لخبرٍ لا يفيد العلم.
2-أن الله تبارك وتعالى قال : } يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا{ وفي القراءة الأخرى } فَتَثَبَّتُوا { وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد ، وأنه لا يحتاج إلى التثبيت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله r كذا ، وفعل كذا ، وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وهذا معلومٌ في كلامهم بالضرورة ، وفي "صحيح البخاري" قال رسول الله r في عدة مواضع كثيرة من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله ، وإنما سمعه من صحابي غيره وهذه شهادة
من القائل ، وجزمٌ على رسول الله r مما نسبه إليه من قول أو فعل ،
فلو كان خبرُ الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله r وعلى آله وسلم بغير علم.
3-قوله تعالى : } فَاسئَلوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون { فأمر من
لا يعلم أن يسأل أهل الذكر ، وهو أولوا الكتاب والعلم ، ولو كانت أخبارهم لا تفيد العلم ، لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً ، وهو سبحانه وتعالى لم يقل : سلوا عدد التواتر ، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً ، فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً.
4-قوله تعالى : } وما كان المؤمنون لينقروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {.
والطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، فأخبر أن الطائفة تُنذِر قومهم إذا رجعوا إليهم ، والإنذار : هو الإعلام مما يفيد العلم ، وقوله تعالى : }لعلهم يحذرون{ نظير قوله تعالى في آياته المتلوة : } لعلهم يتفكرون {،}لعلهم يعقلون{ ، } لعلهم يهتدون { وهو سبحانه وتعالى إنما يذكر ذلك فيما يحصل به العلم ، لا فيما لا يفيد العلم.
5-قوله تعالى : } يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته{ ، وقال تعالى : } ما على الرسول إلا البلاغ المبين{ ،
وقال الرسول r: "بلغوا عني ولو آية" وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة : "أنتم مسؤلون عني فماذا أنتم قائلون ؟" قالوا : نشهد أنك بلغت ، وأديت ، ونصحت. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ ، ويحصل به العلم. فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد ، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم،
وقد كان النبي r يرسل الواحد من أصحابه يُبلغ عنه ، فتقوم الحجة
على من بلغه ، وكذلك قامت الحجة علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ، ولو لم يفد العلم لم تقم بذلك حجة ولا على من بلغه ، واحداً كان أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر ، وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال : إن أخبار رسول الله r لا تفيد العلم أحد أمرين : إما أن يقول : الرسول لم يبلغ إلا القرآن وما رواه عنه التواتر ، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ ، وإما أن يقول : إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً، وإذا بطل هذا الأمران ، بطل القول بأن أخباره r التي رواها الثقات العدول الحفاظ ، وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً ، وهذا ظاهرٌ لا خفاء فيه.
6-أن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه كانوا يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ، فقبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاً له:} إنَ الملأَ يأتمرونَ بكَ ليَقْتُلُوكَ { فجزم بخبره ، وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت مدين لما قالت له : } إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا {، وقبل خبر أبيها في قوله هذه ابنتي ، وتزوجها بخبره. وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك ، وقال : } ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة { . وقبل النبي r خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له ، وغزاهم بخبرهم ، واستباح دماءهم وأموالهم ، وسبى ذراريهم. ورسل الله صلوات الله وسلامه عليهم لم يرتبوا على تلك الأخبار أحكامها وهم يجوزون أن تكون كذباً وغلطاً ، وكذلك الأمة لم تثبت الشرائع العامة الكلية بأخبار الآحاد ، وهم يجوزون أن تكون كذباً على رسول الله في نفس الأمر ، ولم يخبروا عن الرب تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به ، بل يجوز أن يكون كذباً وخطأً في نفس الأمر ، وهذا مما يقطع ببطلانه كل عالم مستبصر.
7-أخرج البخاري (10/36-37 و 13/232 فتح) ، ومسلم (1980/9) عن مالك ، وهو في "موطئه" (2/846-847/13) من طريق إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبا طلحة الأنصاري ، وأبي كعب شراباً من فضيخٍ وتمرٍ ، قال : فجاءهم آتٍ فقال : إن الخمر قد حُرِمت ، فقال : أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراسٍ لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
وله طرق أخرى عن أنس t .
ووجه الاستدلال .. أن أبا طلحة أقدم على قبول التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالاً ، وكان يمكنه أن يرجئ ذلك حتى يأتي رسول الله r ويسأله شفاهاً ، ثم إنك أكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه وهو مالٌ ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله r ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله r ، بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه.
8-إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي r العلم ، يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم ، وأقوالهم أنهم قالوا ، ولو قيل لهم : إنها لم تصح عنهم ، لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ! ومعلومٌ أن تلك المذاهب لم يَرْوِها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم ، لم يروها عنهم عدد التواتر ، وهذا معلوم يقيناً. فكيف حصل لهم العلم الضروري ، والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا، وذهبوا إلى كذا ، ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله r ، ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت ، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم ؟!
إن هذا لهو العجب العجاب ، وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً ، يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا : إن أخبار رسول الله r وفتاواه وأقضيته تفيد العلم، وإما أن يقولوا : إنهم لا علم لهم بصحة شيء نُقِلَ عن أئمتهم ، وأن النقول عندهم لا تفيد علماً ، وإما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عند أئمتهم دون المنقول عن النبي r ، وهذا من أبين الباطل.
9-أخرج البخاري (3/322 ، 357) ، ومسلم (1078) وأبو داود (1584)، والنسائي (5/2-3) ، والترمذي (625) ، وابن ماجة (1783)، وأحمد (1/233) ، والبيهقي (4/101) عن ابن عباس أن رسول الله r بعث معاذاً إلى اليمن فقال له : "إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".
والشاهد أن رسول الله r أرسل رجلاً واحداً يبلغ شرائع الإسلام ، وقد قامت الحجة على أهل الكتاب بهذا الرجل فلو كان مثل هذا البلاغ لا يفيد علماً ، لم تقم الحجة على أي إنسان يبلغه عن الله تبارك وتعالى ، أو عن رسوله r فيرده ، وهذا واضحٌ لا خفاء فيه.
10-قوله تعالى : }يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم{ووجه الاستدلال أن هذا أمرٌ لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول r إلى يوم القيامة ، ودعوته نوعان :
1-مواجهة.
2-ونوعٌ بواسطة المُبلِّغُ ، وهو مأمورٌ بإجابة الدعوتين في الحالتين ، وقد عُلم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً ، أو يحييه بما لا يفيد علماً ، أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل ، عاقبه وحال بينه وبين قلبه ـ معاذ الله أن يتفوه بهذا عاقل !
11-قوله تعالى : } فليحذر الذين يُخالِفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ { ، وهذا يهم كل مخالف بلغه أمره r إلى يوم القيامة ، ولو كان ما بلغه لم يُفِدهُ علماً ، لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد للفتنة وللعذاب الأليم ، فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمُخالفِ أمره عذرٌ.
12-قوله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول { (4/59).
ووجه الاستدلال : أنه تعالى أمَرَ أن يُردَّ ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، فلولا أن المردود إليه يفيد العلم ، ويفصل النزاع لم يكن في الرد إليه فائدة ، إذ كيف يَرِدُّ حكم المتنازع فيه إلى ما لا يفيد علماً البتة ، ولا يُدرى أحقٌ هو أم باطل ؟! وهذا برهانٌ قاطعٌ
بحمد الله تعالى .
13-قوله تعالى : } وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أن الله يريد أن يُصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{ (5/49-50).
ووجه الاستدلال : أن كل ما حكم به رسول الله r فهو مما أنزل الله ، وهو ذكرٌ من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ، ولم يقم دليلٌ على غلطه وسهو ناقله ، لسقط ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول : إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلابد أن يقوم دليلٌ على ذلك ، ولابد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية ، بخلاف من زعم أن كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذِبٌ على رسول الله r ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده :
}إن نظُنُّ إلا ظناً وما نحن بِمُسْتَيقِنين { .
14-ما أخرجه أبو داود (3660) ، والترمذي (2656) ، والنسائي في
"كتاب العلم ـ من الكبرى" ـ كما في "أطراف المزي" (3/206) ـ والدارمي (1/65-66) ، وأحمد في "المسند" (5/183) ، وفي "الزهد" (ص 33) وكثير غيرهم من حديث زيد بن ثابت مرفوعاً : "نضَّرَ الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ...".
قال الترمذي : "حديث حسن" .
* قلتُ : بل هو صحيح ، وله طرق عن زيد بن ثابت وشواهد عن ابن مسعود، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري في آخرين ،
خرجت أحاديثهم في تخريج "الأربعون الصغرى" للبيهقي (ص 11-18). احتج بهذا الشافعي رحمه الله في تثبيت خبر الواحد ، فقال في "الرسالة" (ص 402-403) : "فلما ندب رسول الله r إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمراً يؤديها ـ ولو امرؤ واحد ـ دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا بما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلالٌ ، وحرامٌ يُجتنب ، وحدٌّ يقام ، ومالٌ يؤخذ ويُعطى، ونصيحة في
دين ودنيا". أهـ
15-ما أخرجه أبو داود (4605) ، والترمذي (2663) ، وابن ماجة (13) ، وأحمد (6/8) ، والشافعي في "الرسالة" (ص 295) ، والطبراني في "الكبير" (1/316-317) ، وابن حبان (98) ، والحاكم (1/108 ، 109) ، والحميدي (551) والآجري قي "الشريعة" (50) والبيهقي في
"المعرفة" (1/18) ، والبغوي في "شرح السنة" (1/201-202) عن أبي رافع مرفوعاً : "لا ألْفَيَنَّ أحد منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول : لا ندري ما هذا ؟ بيننا وبينكم القرآن ، ألا وإني أؤتيتُ الكتاب ومثله معه".
قال الترمذي : "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" وصححه الحاكم على شرط الشيخين. ووجه الاستدلال من هذا الحديث : أن هذا نهيٌ عام لكل من بلغه حديث صحيح عن رسول الله r أن يخالفه ، أو يقول : لا أقبل إلا القرآن ، بل هو أمرٌ لازمٌ وفرضٌ حتمٌ بقبول أخباره وسننه ، وإعلامٌ منه r أنها من الله أوحاها إليه ، فلو لم تُفد علماً لقال من بلغته : إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول ما لا علم بصحته ، والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله r أمته ونهاهم عنه ، ولما علم أن في هذه الأمة من يقوله حذرهم منه.
16-قال ابن حزم في "الإحكام" (1/114) : "لا خلاف بين كل ذي علمٍ من أخبار الدنيا مؤمنهم وكافرهم ، أن النبي r كان بالمدينة ، وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش ، وتعذر القوت عليهم لجُهدِ العيش بالحجاز،
وأنه عليه السلام كان يُفتي بالفتيا ، ويحكم بالحكم بحضرة من حضره
من أصحابه فقط ، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره عليه السلام بنقل من حضره ، وهم واحد أو اثنان ، وفي الجملة عدد لا يمتنع من مثلهم التواطؤ عند خصومنا ، فإن جميع الشرائع إلا الأقل راجعة إلى هذه الصفة من النقل ، وقد صح الإجماع من الصدر الأول كلهم ، ومن بعدهم على قبول خبر الواحد ، وهذا برهان ضروري ، وبالضرورة نعلم أن النبي r لم يكن إذا أفتى بالفتيا ، أو حكم بالحكم يجمع لذلك جميع أهل المدينة ، ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا لا يقدر على دفعه ذو حسٌ سليم، وبالله تعالى التوفيق". أهـ
17-ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث مالك قال : أتينا النبي r ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة ، وكان رسول الله r رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ـ أو قد اشتقنا ـ سألنا عمن تركنا بعدنا؟ فأخبرناه. قال : "ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي".
ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن النبي r أمرهم أن يعلموا أهلهم ما قد علموه منه عليه الصلاة والسلام ، فلو لم يكن خبرهم مما يقوم به الحجة ، لم يكن لهذا الأمر معنى.
18-قوله تعالى : } ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بهٍ علمٌ { أي لا تتبعه ولا تعمل به ، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ، ويثبتون لله تعالى الصفات ، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم ، وهل يقول هذا إلا مجنون ؟!
19-أن خبر الواحد لو لم يفد علماً لم يُثبِت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويُجعل ذلك دِيناً يُدان به في الأرض إلى آخر الدهر ، فهذا الصديق t زاد في الفروض التي في القرآن فرضَ الجَدَّةِ ، وجعله شريعة مستقرة إلى يوم القيامة يخبر به محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته
بخبر الواحد.
وأثبت عمر بن الخطاب بخبر ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك سرعاً عاماً مستمراً إلى يوم القيامة ، وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده ، وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفي عنها زوجها بخبر فُريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يُذكَر ، بل هو إجماعٌ معلومٌ منهم ، ولا يقال على هذا ، إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه ، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به ، وهذا قدحٌ في الدين والأمة.
20-أخرج الشيخان وغيرهما عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس
إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. فقال ابن عباس : كذب عدو الله ! أخبرني أُبيُّ بن كعب قال : خطبنا رسول الله r ... الحديث بتمامه. قال الشافعي في "الرسالة" (ص 442-443) معلقاً : "فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أُبي بن كعب عن رسول الله r حتى يُكذِّب امرأً من المسلمين ، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله r بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحبُ الخضر". أهـ
فهذه عشرون دليلاً ذكرها ابن القيم وغيره على أن خبر الواحد يفيد العلم ، والمقام يحتمل البسط ، وفيما ذكرته كفاية لمن أراد الحق ، وقد يقول الأستاذ الكاتب : أنت تُلزمني بما لا يلزم ، فأنا أقول بأن خبر الواحد يُعمل به في الأحكام الشرعية ، ولكن دعواي أنه لا يؤخذ به في العقيدة وليس فيما ذكرته ما يلزمني.
فأقول : بل فيه ما يلزمك ، فانظر مثلاً في الدليل التاسع ، وهو ذهاب معاذ بن جبل t إلى اليمن ، فإنه ذهب يُعلِّمُ الناس العقيدة ، وهذا واضح من قوله r : "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" ، فلو أعرض عنه رجلٌ من أهل الكتاب وأبى أن ينصاع له ومات ، فإنه كافرٌ لا خلاف في ذلك لوصول البلاغ إليه ، فإن المسلمين لا يختلفون في أن مسلماً ثقةً عالماً لو دخل أرض الكفر فدعا قوماً إلى الإسلام ، وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لازماً لهم قبوله ، ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة ، وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولاً إلى ملك من ملوك الكفر ، أو إلى أمة من أمم الكفر يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين
ولا فرق ، وما قال مسلمٌ قطٌ إنه كان حكم أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه عليه الصلاة والسلام إلى كل ناحية معلماً ومفتياً ومقرئاً : نعم أنت رسول الله r ، وعقدُ الإيمان عندنا حقٌ ، ولكن ما أفتيتنا به وعلمتناه من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي r ، وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه الصلاة والسلام فلا نقبله منك ، ولا نأخذه عنك ؛ لأن الكذب جائزٌ عليك ، ومتَوَهَمٌ منك حتى يأتينا لكل ذلك كوافٌّ وتواتر. بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين ، كما قال ابن حزم في "الإحكام" (1/112).
ثم إن الشافعي رحمه الله ـ كما في الدليل العشرين ـ احتج بخبر الواحد في مسألة علمية غيبية ، وليست حكماً شرعياً.
واعلم أنه لا يُعلمُ في السلف قطٌ أحدٌ قال : إن خبر الواحد لا يُحتجُ به العقيدة ، إنما قال ذلك بعض المتأخرين من أصحاب الكلام الذين لا عناية لهم بالسنة النبوية، وتبعهم في ذلك بعض الأصوليين. ونحن نطالب الأستاذ أن يأتي بنقلٍ صحيحٍ عن أحد الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو أحد الأئمة المتبوعين فرَّقَ هذا التفريق ، ولن يجد إليه سبيلاً.
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
وقد قال ابن حزم في "الإحكام" (1/118) : "وقد ثبت عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود رضي الله عنهم أجمعين وجوب القول بخبر الواحد ...".
وقد ختم الشافعي رحمه الله بحثه النفيس في تثبيت خبر الواحد وأنه حُجَّةٌ بقوله في "الرسالة" (ص 453) : "وفي تثبيت خبر الواحد أحاديثُ يكفي بعضُ هذا منها. ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل ، وكذلك حُكي لنا عمن لنا عنه من أهل البلدان". أهـ وقال أيضاً (ص 357) : "ولو جاز لأحد الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحدٌ إلا وقد ثبَّته ـ جاز لي ، ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفته من أن ذلك موجودٌ على كُلِّهم". أهـ
وخلاصة القول: أنه لا يُعلم أحدٌ يُقتدىَ به من السلف فرق هذا التفريق الباطل ، بل كانوا يأخذون بخبر الواحد في المسائل العلمية والعملية ، بغير تفريقٍ بينهما.
وقال ابن القيم رحمه الله في "مختصر الصواعق" (2/412) : "وهذا التفريق باطلٌ بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات، كما تحتج به في الطلبيات العمليات ، ولاسيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله تعالى بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، فشرعُهُ ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ، ولم يزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحدٍ منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله تعالى وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرقين بين البابين ؟!
نعم ، سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة ، ويُحيلون على آراء المتكلمين وقواعد المتكلفين ، فهُمُ الذين يُعرف عنهم التفريق بين الأمرين فإنهم قسموا الدين إلى مسائل علمية وعملية وسموها : أصولاً وفروعاً وقالوا : الحق في مسائل الأصول واحدٌ ومن خالفه فهو كافرٌ أو فاسقٌ وأما مسائل الفروع فليس لله تعالى فيها حكمٌ معينٌ ، ولا يُتصور فيها الخطأ ، وكل مجتهد مصيب لحكم الله تعالى الذي هو حكمه ، وهذا التقسيم لو رجه إلى مجرد الاصطلاح لم يتميز ... قال : وادعوا الإجماع على هذا التفريق ، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين. وهذا عادةُ أهل الكلام ، يحكون الإجماع على ما لم يقله أحدٌ من أئمة المسلمين ، بل أئمة المسلمين على خلافه ... ثم قال : فنطالبهم بفرقٍ صحيحٍ بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الذين وما لا يجوز ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلاً إلا بدعاوٍ باطلة ... ثم قال : (ص 420) : فقال بعضهم : الأصوليات هي المسائل العلميات ، والفروعيات هي المسائل العملية ، والمطلوب منها أمران : العلم والعمل ، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه ، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبعضه للباطل الذي يخالفها ، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصلٌ لعمل الجوارح ، وعمل الجوارح تبعٌ. فكل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب ، وتصديقه وحبه ، ذلك عمل ، بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثيرٌ من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي r غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق ـ وهو عمل القلب ـ من حب ما جاء به ، والرضا وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تمهل هذا الموضع فإنه مهمٌ جداً ، به تعرف حقيقة الإيمان ، فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية ، فإن الشارع لم يكتفِ من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل". أهـ
* قُلتُ : وهذا كلامٌ يوزنُ مثله بالذهب ، فكيف به ! وهو شجىً في حلوق المخالفين ، والحمد لله ربٌ على حسن توفيقه.
وإن الناظر إلى جيل الصحابة ، وكان عنده دراية بأحوالهم يعلم علماً ضرورياً أن هذا التفريق لم يكن عندهم البتة ، ولعله لم يخطر ببال واحدٍ منهم ، فإن هؤلاء الصحابة "كانوا يجزمون بما يُحدِّث به أحدهم عن رسول الله r ولم يقل أحدٌ منهم لمن حدثه : خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر ... وكان حديث رسول الله r أجلَّ في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقولوا مثل ذلك . وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله r في الصفات تلقاه بالقول ، وأعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين كما اعتقد رؤية الرب ، وتكليمه ، ونداء الرب يوم القيامة بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وضحكه وفرحه وإمساكه سماواته على إصبع من أصابع يده ، وإثبات القدم له ، من سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله r ، أو عن صاحب اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ، ولم يَرْتَبْ فيها، حتى إنهم ربما تثبتوا في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر ، كما استظهر عُمر t برواية أبي سعيد الخدري على خبر أبي موسى ، وكما استظهر أبو بكر t برواية محمد بن مسلمة على رواية المغيرة بن شعبة في توريث الجدَّةِ ، ولم يطلب أحدٌ منهم الاستظهار في رواية أحاديث الصفات البتة ، بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها ، والجزم بمقتضاها ، وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله r ، ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ، ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مئة موضع .. فهذا الذي اعتمده نُفاة العلم عن أخبار رسول الله r خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة ، وإجماع التابعين ، وإجماع أئمة الإسلام ، ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة ، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء ، وإلا فلا يعرف لهم سلفٌ من الأئمة بذلك ، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم" ،
وانظر "مختصر الصواعق" (2/361-362) وما ذكرته كفايةٌ في الإجابة
عن الأمر الأول.
أما الوجه الثاني :
قوله : "إن خبر الواحد لا يفيد اليقين ، بل الظن الراجح وهذا واضحٌ من قوله: "أما الزعم بأن خبر الواحد يفيد اليقين كالأخبار المتواترة ، فهي مجازفة مرفوضة".
أقول : "قد نص كثير من أهل العلم على أن خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم والعمل معاً ، أي : يفيد القطع "وممن نصَّ على ذلك : مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن عليّ وأصحابه كأبي محمد بن حزم ، ونص عليه الحسين بن عليّ الكرابيسي ، والحارث بن أسد المحاسبي.
قال ابن خوايز منداد في كتابه "أصول الفقه" وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يروه إلا الواحد والاثنان : "ويقع بهذا الضرب أيضاً العلم الضروري ، نص على ذلك مالك، وقال أحمد في حديث الرؤية : نعلم أنها حقٌّ ونقطع على العلم بها ، وكذلك روى المروزي ، قال : قلت لأبي هبد الله : ههنا اثنان يقولان إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً ! فعابه ، وقال : لا أدري
ما هذا ؟". وقال القاضي أبو يعلي : "وظاهرُ هذا أنه يسوي بين العلم والعمل ... ثم قال : "خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ، ولم تختلف الرواية فيه ، وتلقته الأمة بالقبول ، وأصحابنا يطلقون القول فيه ،
وأنه يوجب العلم ، وإن لم تتلقه الأمة بالقبول. قال : والمذهب على ما حكيت لا غير. فقد صرح بأن هذا هو المذهب ، وقال ابن أبي يونس في أول "الإرشاد" : وخبر الواحد يوجب العلم والعمل جميعاً.
وقال أبو إسحاق الشيرازي في كتبه في الأصول كـ "التبصرة" و "شرح اللمع" وغيرهما ، وهذا لفظه في الشرح : "وخبرُ الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل سواءٌ عمل به الكل أو البعض ، ولم يُحكَ فيه نزاعاً بين أصحاب الشافعي ، وحكى هذا القول القاضي عبد الوهاب من المالكية عن جماعة من الفقهاء ، وصرحت الحنفية في كتبهم أن الخبر المستفيض يوجب العلم ، ومثلوه بقول النبي r : "لا وصية لوارث" قالوا : مع إنه إنما رُوي من طريق الآحاد. قالوا : ونحوه حديث ابن مسعود في المتابعين إذا اختلفا ، أن القول قول البائع ، ونحوه حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس . وقد اتفق السلف والخلف على استعمال حكم هذه الأخبار حين سمعوها ، فدل ذلك من أمرها على صحة مخرجها وسلامتها ، وإن كان قد خالف فيها قومٌ فإنها عندنا شذوذٌ
ولا يُعتدُّ بهم في الإجماع ، قال : وإنما قلنا ما كان هذا سبيله من الأخبار فإنه يوجب العلم بصحة مخبره ، من قبل أنا إذا وجدنا السلف قد اتفقوا على قبول خبر هذا وصفه من غير تثبت فيه ولا معارضة بالأصول ، أو بخبرٍ مثله مع علمنا بمذاهبهم في قبول الأخبار والنظر فيها وعرضها على الأصول ، دلنا ذلك من أمورهم على أنهم لم يصيروا إلى حكمه إلا من حيث ثبت عندهم صحته واستقامته فأوجب لنا العلم بصحته ، وهذا لفظ أبي بكر الرازي في كتابه "أصول الفقه" ...". أهـ
وممن نص على ذلك أيضاً : الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في "مقدمته" وأن الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول تفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان ، واختاره الحافظ ابن كثير في "مختصره".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد r من الأولين والآخرين. أما السلفُ فلم يكن بينهم في ذلك نزاعٌ، وأما الخلفُ : فهذا مذهبُ الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة ، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مثل السرخسي ، وأبي بكرٍ الرازي من الحنفية ، والشيخ أبي حامد ،
وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية ، وابن خوايز منداد وغيره من المالكية ، ومثل القاضي أبي يعلي ، وابن موسى ، وأبي الخطاب وغيرهم من الحنابلة ، ومثل أبي إسحاق الاسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظَّام من المتكلمين ، وذكره ابن الصلاح واختاره وصححه ، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم ، وإنما قاله بموجب الحجج الصحيحة، وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علمٌ ودينٌ ، وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة أن هذا الذي قاله ابن الصلاح انفرد به عن الجمهور ...
قال ابن تيمية : "وجميع أهل الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، والحجة على قول الجمهور أن تلقِّي الأمة للخبر تصديقاً وعملاً إجماعٌ منهم ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، كما لو اجتمعت على موجب عمومٍ أم مطلقٍ ، أو اسم حقيقة ، أو على موجب قياس ، فإنها لا تجتمع على خطأ ، وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمَن عليه الخطأ ، فإن العصمة تثبت بالنسبة الإجماعية ، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحدٍ واحدٍ من المخبرين بمفرده ، ولا يجوز على المجموع ، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ... (ثم قال) والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنوناً بشروطها ، فإذا قويت صارت علوماً ، وإذا ضعفت صارت أوهاماً وخيالاتٍ فاسدة".
(قال) : واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب كما ذكره الشيخ أبو عمرو ، ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره ، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصلٌ للعلم ، مفيدٌ لليقين ، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين ، فإن الاعتبار في الإجماع على أمرٍ من الأمور الدينية بأهلِ العلم به دون المتكلمين والنحاة والأطباء ، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله ، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم ، الضابطون لأقواله وأفعاله ، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين بأقوال متبوعيهم ، فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص ، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم ، فضلاً أن يتواتر عندهم ، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم r وضبطهم أقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به البتة".
وقد احتج ابن حزم رحمه الله بحجج قوبة جداً على إثبات أن خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم القطعي ، فراجع كتابه "الإحكام"
(1/119-131)، وكان من جملة ما قاله : "فإنهم مجمعون معنا على أن رسول الله r معصوم من الله تعالى في البلاغ في الشريعة ، وعلى تكفير
من قال : ليس معصوماً في تبليغه الشريعة إلينا. فنقول لهم : أخبرونا عن الفضيلة بالعصمة التي جعلها الله تعالى لرسوله r في تبليغه الشريعة التي بها، أهي له عليه السلام في إخباره الصحابة بذلك فقط ، أم هي باقية لما أتى به عليه الصلاة والسلام في بلوغه إلينا وإلى يوم القيامة فإن قالوا : بل هي له عليه السلام مع من شاهده خاصةً لا في بلوغ الدين إلى من بعدهم. قلنا لهم: إذا جوزتم بطلان العصمة في تبليغ الدين بعد موته عليه الصلاة والسلام، وجوزتم وجود الداخلة والفساد والبطلان والزيادة والنقصان والتحريف في الدين ، فمن أين وقع لكم الفرق بين ما جوزتم من ذلك بعده عليه السلام ، وبين ما منعتم من ذلك في حياته منه عليه الصلاة والسلام ؟
فإن قالوا : لأنه كان يكون عليه السلام غير مبلغ ما أمر به ولا معصوم ،
والله تعالى يقول :} بلغ ما أُنزِلَ إليكَ من ربِكَ وإنْ لمْ تفعل فما بَلغتَ رسالتهُ واللهُ يعصِمُكَ من الناس{.
قيل لهم : نعم ، هذا التبليغ المعترض عليه هو فيه عليه السلام معصوم بإجماعكم معنا من الكذب والوهم هو إلينا كما هو إلى الصحابة ولا فرق ، والدين لازمٌ لنا كما هو لازمٌ لهم سواءً بسواء ، فالعصمة واجبة في التبليغ للديانة ، باقية مضمونة ولابد إلى يوم القيامة ، والحجة قائمة بالدين علينا وإلى يوم القيامة ، كما كانت قائمة على الصحابة رضي الله عنهم سواءً بسواء ، ومن أنكر هذا فقد قطع بأن الحجة علينا في الدين غير قائمة ، والحجة لا تقوم بما لا يُدرى أحقٌ هو أم باطلٌ كذبٌ ؟!
ثم نقول لهم : وكذلك قال الله تعالى : } إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {، وقال تعالى : } اليومَ أكملتُ لكم دينكم { ، وقال تعالى : } ومن يبتغ غير الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ منه { ، وقال تعالى : } قد تبين الرشد من الغي{ ، فإن ادعوا إجماعاً ، قلنا لهم : من الكرَّامية من يقول : إنه عليه السلام غير معصوم في تبليغ الشريعة، فإن قالوا : ليس هؤلاء ممن يُعدُّ في الإجماع.
قلنا : صدقتم ، ولا يُعدُ في الإجماع من قال : إن الدين غير محفوظ ، وإن كثيراً من الشرائع التي أنزل الله تعالى قد بطلت واختلطت بالباطل الموضوع والموهوم اختلاطاً لا يتميز معه الرشد من الغي ، ولا الحق من الباطل.
فإن قالوا : بل الفضيلة بعصمة ما أتى النبي r به من الدين باقية إلى يوم القيامة، صاروا إلى الحق الذي هو قولنا ، ولله تعالى الحمد.
فإن قالوا : فإن صفة كل مخبر وطبيعته أن خبره يجوز فيه الصدق والكذب والخطأ ، وقولكم بأن خبر الواحد العدل في الشريعة موجب للعلم ، إحالة لطبيعة الخبر وطبيعة المخبرين ، وخرق لصفات كل ذلك وللعادة فيه.
قلنا لهم : لا يُنكرُ من الله تعالى إحالة ما شاء من الطبائع إذا صح البرهان بأنه فعلُ الله تعالى. والعجب من إنكاركم هذا مع قولكم به بعينه في إيجابكم عصمة النبي r من الكذب والوهم في تبليغ الشريعة ، وهذا الذي أنكرتم بعينه ، بل لم تقنعوا بالتناقض إذ أصبتم في ذلك وأخطأتم في منعكم من ذلك في خبر الواحد العدل حتى أتيتم بالباطل المحض ، إذ جوزتم على جميع الأمة موافقة الخطأ في إجماعها في رأيها ، وذلك طبيعة في الكل وصفة لهم ، ومنعتم من جواز الخطأ والوهم على ما ادعيتموه من إجماع الأمة من المسلمين خاصة في اجتهاد القياس !! وحاشا لله أن تجمع الأمة على الباطل ، فخرقتم بذلك العادة وأحلتم الطبائع بلا برهان ...". أهـ
قُلتُ : ومن ضوابط هذا الأمر أن تلقي الأمة للخبر بالقبول إجماعٌ منهم
كما تقدم ، وهو أقوى في إفادة العلم من القرائن المُحتفَّة ، ومن مجرد
كثرة الطرق.
وقال الشيخ أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر رحمه الله في "شرح ألفية السيوطي" (ص 5) : "إن إفادة خبر الواحد لليقين هو الصواب ، فقال : "والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي ، سواءٌ أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما ، وهذا العلم اليقيني علمٌ نظريٌ برهانيٌ لا يحصل إلا للمتبحر في الحديث ، العارف بأحوال الرواة والعلل ، وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البُلقيني ممن سبق ذكرهم، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراده ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين لذلك ، وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهراً لكل من تبحر في علم من العلوم وتيقنت نفسه بنظرياته ، واطمأن قلبه إليها ، ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحهم
بين العلم والظن ، فإنما يريدون بذلك معنىً غير الذي نريد ، ومنه زعمُ الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إنكاراً لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ، ثم ازدياد هذا اليقين ، قال تعالى : } قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي{ ، وإنما الهُدى هُدى الله ...". أهـ
الوجه الثالث :
أن الأستاذ الكاتب لم يٌفرق بين الشاهد والراوي ، هذا وقد سوى بعضُ الناس بين الراوي والشاهد اعتماداً على حديث مرفوع يقول : "لا تكتبوا العلم إلا عمن تجوز شهادته".
* قلتُ : وهو حديثٌ ضعيفٌ جداً ، أخرجه ابن عدي في "الكامل" والخطيب في "الكفاية" وغيرهما من طريق صالح بن حسان ، عن محمد بن كعب ، عن ابن عباس مرفوعاً.
قال الخطيب : "إن صالح بن حسان تفرد بروايته ، وهو ممن أجمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج به لسوء حفظه وقلة ضبطه ، وكان يروي هذا الحديث عن محمد بن كعب تارة متصلاً ، وأخرى مرسلاً ، ويرفعه تارة ، ويوقفه أخرى". أهـ
فالحديث مُعَلٌّ بالضعف والاضطراب ، وصالحٌ هذا غير صالحٍ !
فقد تركه النسائي ، وقال البخاري : "منكر الحديث" وهذه العبارة في اصطلاح البخاري يعني : "لا تحل الرواية عنه" وضعفه أحمد وابن معين في آخرين ، ولا يزال أهل العلم يفرقون بين الراوي والشاهد ، فإنه تصح من الواحد ، والمرأة ، والعبد ، ولأن الرواية والشهادة تدخلان في باب الخبر ، فقد التبس تمييز أحدهما عن الآخر على الإمام شهاب الدين القرافي ، فقال في "الفروق" (1/4) : "الفرق الأول بين الشهادة والرواية ، ابتدأتُ بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين لأني أقمتُ أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به ، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما".
ثم وجد ضالته في "شرح البرهان" للمازري رحمه الله ، حيث قال : "الشهادة والرواية خبران ، غير أن المخبر عنه إن كان أمراً عاماً لا يختص بمعين فهو الرواية ، كقوله r : "إنما الأعمالُ بالنيات" ، والشُّفعة فيما لا يُقْسَمُ ، لا يختص بشخص معين ، بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم : "لهذا عند هذا دينارٌ" ، إلزامٌ لمعين لا يتعداه إلى غيره ، فهذا هو الشهادة المحضة ، والأول : هو الرواية المحضة ، ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك". أهـ
ثم ساق كلاماً طويلاً يجدر أن يراجع ، مع تعليل أبي القاسم بن الشاط رحمه الله ، ففيه نفائسُ.
والمسألة تحتمل البسط ، وفيما ذكرته كفاية لمن قنع وترك المراء ، وقد ظهر مما مر من البيان أن ما اعترض به الأستاذ الكاتب على عدم الاعتداد بخبر الواحد ليس فيه سلفٌ من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا الأئمة المتبوعين ، إنما هو لبعض المتأخرين من أهل الاعتزال ، وغيرهم ممن لا يُعوَّلُ عليهم كما مر قريباً ، فيذهب ما قعقع به الأستاذ الكاتب حول خبر الواحد كضرطة عيرٍ بفلاةٍ !!
************
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله
شكر الله لكم , وبارك في هذه الجهود, وجزاكِ خيرَ الجزاء أختنا أم محمد الظن.
وألبس الشيخ أبي إسحاق لباس الصحةِ والعافية, اللهم اجمعْ لهُ بين الأجرِ والعافية. آمين
-
رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله