ألا تجدون تشابها بين حال المطعم وحال (الدعوة ) ككل؟
مطعم كبير يقدم فيه أشهى الطعام
يعمل فيه فريقان ..صانع طعام ومقدم طعام!!
ولكن الصانع غالبا قد استتر عن الآكلين منشغل بتحضير أشهى الأصناف (العلم)
حتى إذا أتم المراد خرج فخالطهم وتبسم لهم ووصف لهم ما قد صنع لهم (الدعوة للعوام والبسطاء)
ومقدم الطعام بين الموائد يدور مبتسما بشوشا يتبادل الضحكات ويلقي النكات (طالب تفرغ تماما من بداية طلبه لدعوة العلماء واكتفى بأن يبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتين والحديث والحديثين )
فلما رأى تبسم الآكلين ، ظن أنه قد نال عليين! (غرور التصدر قبل التأهل)
فقال مستنكرا على صانع الطعام
أتظن أنك قادر على تقديم الطعام ؟؟!! أتظن أن الناس يحبونك كما يحبونني ؟ ويحترموك كما يحترمونني ؟ أنا أفضل منك حالا وأعز نفرا!! وعملي أرفع شأنا من عملك ...
(ظن المسكين أن دعوة العوام مقدمة على الطلب وأن المتصدر خير من العالم الرباني ونسى أن قلة العلم توقع في البدع ونسى أن العالم لم يترك الدعوة )
ونسي المسكين حسن التفكر والتدبر"
حيث الطاهي يقضي الوقت في صنع الطعام
والعالم الرباني يقضي الوقت في طلب العلم وتدقيقه وتمحيصه وصيد فوائده وتقييد شوارده ...الخ
فيأتي الطالب فيأخذ الآية والآيتين ، والحديث والحديثين فمنهم من يحب الطلب ويمشي في طريقه حتى يصير طاه ممتاز
أو يكتفي بالآية والآيتين والحديث والحديثين ويقرر :" بلغوا عني ولو آية"
ولا بأس بهذا فليس كل إنسان عالم بل ليس مطلوبا من كل إنسان أن يير عالما محققا.
النادل يقضي وقته بين العملاء ، كما يقضي الداعي البسيط الذي لم ينل من العلم إلا قسطا يسيرا وقته ببين المدعويين
لكن هل يحق لهذا الطويلب أن يتطاول على العالم ؟ هل يصح أن ينكر عليه (قلة ) اتصاله (نسبيا )بالعوام ليتعلموا أمر دينهم منه؟
لاشك أن طالب العلم لو قضى وقته منشغلا بالدعوة دون مراعاة التحصيل والعلم الشرعي ، فلابد أن حظه من العلم لن يصل لمستوى العالم الرباني
فليس معنى أنه صارت له شعبية ما أو كثر عدد الجالسين أمامه ، أو كثر محبيه الذين يتخللهم بالموعظة الحسنة ليس معنى ذلك أنه صار أفضل من الشيخ العالم الرباني الذي ربى الطلاب ولم يقصر في الدعوة لكن ولى وقته الأكبر للعلم وتحقيقه
بل سيظل العالم الرباني هو الأفضل بلا منازع وهو الأرسخ قدما بلا مراء
ولا ينبغي أبدا أن يشك الإنسان في استفراغ العلماء الربانيون طاقتهم في الدعوة
إطلاقا!
بل العلماء الربانيون هم أكثر الناس دعوة لكن بحكمة ومقدار وينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ويخالطون العوام ويقدمون لهم ما يمكنهم تقديمه فهل يلاموا لأن وقتهم الأكبر كان في التحقيق والتحصيل ومناولة العلم لطلابه ؟
هل ينبغي للعلماء وطلاب العلم أن يصيروا كلهم متصدرين لدعوة البسطاء بحيث يأخذ هذا كل الوقت ؟ من للتحصيل عندئذ؟
هذا الكلام إنما يصدر ممن لم يعرف للعلماء حقهم ولم يفهم كيف حفظ الله السنة بهم ، يكفي أن العلماء هم من علم كل من علم العوام ،يكفي أن الصادر عن غير موردهم ظمآن ..
والدعوة من غير علم = الوقوع في البدع !! وهذه ليست دعوة للخير وإن سموها بغير اسمها لأن البدع مردودة على صاحبها.
فإن سألك سائل يوما هل فلان وفلان خير أم هؤلاء الذين لم ينالوا من الجماهير حظا؟ فقل لهم : الطباخ به يفتح صاحب المال ألف مطعم ...وألف نادل لا ينفع ولايفتح مطعم واحد !
وإن قال لك قائل هل تحقيق مسائل الطهارة والنجاسة أفضل أم التصدر لدعوة العوام لكي يقيموا الصلاة أحسن؟ فقل لهم لو لم نحقق مسائل الطهارة والنجاسة لما صحت صلاة العوام أصلا! فعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.
أتمنى أن نرى احتراما للعلماء مثلما نسمع عنه ونقرأه في الكتب
بارك الله فيكم جميعا وقد انتفعنا جدا من مشاركاتكم ولعلكم قد انتفعتم كذلك وقريبا لغز جديد ومثال قريب حفظكم الله جميعا