-
« سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
« سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ السّريِّع
ـ وَفَّقَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ خير المرسلين، المبعوث للناس أجمعين، أوضح لهم منار الهدى، وحذَّرهم طريق الغواية والردى، فأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وصلى الله على آله وصحبه الطيبين المطيبين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أشرف علوم الدين وأنفعها: علمَ الفقه في كتاب الله وسنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- على نهج السلف الصالح؛ ذلك أن الخيرية متحققة في المتفقه في الدين، بإخبار الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((مَن يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين))[1].
وقد تتابعت جهود العلماء في العناية بعلم الفقه، وكثرت فيه الكتب والشروحات والحواشي والرسائل، بعد أن تمايزت المذاهب الرئيسة في الفقه الإسلامي إلى المذاهب الأربعة المعروفة.
وكان من جملة تلك الشروحات: ما كتبه العلامة منصور بن يونس البهوتي في كتابه (الروض المربع) الذي شرح فيه متن (زاد المستقنع) للعلامة موسى بن أحمد الحجاوي، وهو مختصر لكتابِ (المقنع) للإمام موفق الدين ابن قدامة -رحمهم الله -؛ الموضوعِ في الفقه على مذهب إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن محمد بن حنبل -رحمه الله -.
و(الروض المربع) من أهم كتب الحنابلة في هذا العصر، ومن العُمَد المقدَّمة في توضيح مذهبهم، واهتمام العلماء به وثناؤهم عليه ظاهر، وليس هذا مقام بيان أهمية هذا الكتاب.
وإلى جانب الأركان الأساسية في شرح الكتاب؛ من توضيح المعاني، وبيان المشكل، وتفصيل المجمل، فقد أكثر الشارح فيه من الاستدلال للمذهب بالأدلة الشرعية؛ نصوصًا وإجماعاتٍ وقياسات، فزيَّن الكتاب بجمعه بين النص والاستنباط، وبين الدليل والاستدلال.
ومن جملة تلك النصوص: ما كان منها مرويًّا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابته الكرام - رضي الله عنهم -، وهذا الصنف كثير متوافر في (الروض المربع)، وهو متفاوت في الصحة والضعف ما تتفاوت معه استقامة الاستدلال به وعدم ذلك.
ولا يخفى ما كان لأئمة أهل الحديث وحُفَّاظه من مشاركة فاعلة في تخريج ما يذكره فقهاء المذاهب المختلفة في كتبهم من أحاديث وآثار، ودراسة أسانيدها، وبيان صحيحها من سقيمها، فمن ذلك -تمثيلاً لا حصرًا-: (البدر المنير) لابن الملقن، واختصاره (التمييز) المشهور بـ(التلخيص الحبير) لابن حجر في المذهب الشافعي، ومنه: (نصب الراية) للزيلعي، واختصاره (الدراية) لابن حجر في المذهب الحنفي، وغيرها.
لكن مذهب الحنابلة لم يخدم بمثل ذلك -حسبما وقفت عليه[2] - إلا في وقت متأخر جدًّا، لما خرَّج الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح الألباني -رحمه الله- أحاديث كتاب (منار السبيل) في كتابه (إرواء الغليل).
و(الإرواء) إلى جانب كونه سدَّ ثغرة بقيت مفتوحة مدةً طويلة، فإن فيه من الجهد الحديثي في التخريج والنقد ما كان الشيخ الألباني -رحمه الله- ينفرد به في زمانه، ويبزّ به أقرانه.
ثم ظهرت استدراكات وتكميلات ونقد على (الإرواء)، ودارت حوله حركة علمية حديثية مفيدة.
ولكون (الروض) يحوي أحاديث ليست في (المنار)، ولكون الاعتماد على (الروض) أكبر منه على (المنار)[3]، ولما سبق حول (الإرواء)، وباستشارة بعض المشايخ وطلبة العلم؛ تبلورت فكرة تتبّع الأدلة في كتاب (الروض المربع)، واستخراج الأحاديث والآثار منه، وتخريجها تخريجًا موسَّعًا - حسب الطاقة -، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها صحةً وضعفًا.
وقد سبقت عدة دراسات في هذا الموضوع[4]، إلا أن الجهد تركَّز في أغلبها على العزو المختصر، دون التوسُّع في التخريج، والدراسة الإسنادية المتعمقة. وما خلا منها من ذلك فلم أرَ له أثرًا، والنفع به -ما دام كذلك- قاصر.
فلذا ولغيره؛ صح العزم على البدء بذلك المشروع، على قلة البضاعة وقصور الزاد؛ مع طول الطريق وعظم الأمر، لكنَّ المأمول من الله التيسير والعون والتوفيق والتسديد، وأسأله -تعالى- أن يكتب بهذا النفعَ والفائدةَ لكاتبه وقارئه، إنه كريم جواد.
ملامح من المنهج المتبع في هذه السلسلة:
• في جمع الأحاديث المخرَّجة:
1- التتبّع الدقيق -حسب الطاقة- لكافة ما استدل به المصنف من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة - رضي الله عنهما -، خاصة ما كان استدلال صاحب (الروض) به خفيًّا؛ بإشارةٍ أو نسبةِ قولٍ أو نحو ذلك.
2- مراجعة شروح وحواشي (الروض) لتحديد الدليل المقصود في كلام صاحب الكتاب، وللنظر في الأدلة الزائدة مما قد يصلح شواهد لدليل (الروض)، ولغير ذلك من المقاصد.
ومن تلك الشروح والحواشي:
*أ- حاشية الشيخ عبدالرحمن بن قاسم -رحمه الله-.
*ب- حاشية الشيخ عبدالله الغصن[5].
*ج- تعليقات الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- في (الشرح الممتع) على موضع دليل (الروض) من (الزاد).
• في تخريج الأحاديث:
1- محاولة استيعاب مخرِّجي الحديث مع العزو إلى مواضع تخريجهم، ويستثنى من ذلك: إذا نص صاحب (الروض) على إخراجه في الصحيحين أو أحدهما، ولم يكن فيه -مما كان في أحدهما- اختلاف أو علة أو كلام لأحد الأئمة، فيُكتفى بالعزو إلى الصحيحين، وإلى موضعه من كتاب (المسند الجامع).
2- يُستفاد من مطولات الحنابلة في تخريج الأحاديث من كتب أئمة الحنابلة وغيرهم المسندين، المفقود منها والموجود؛ ككتب الأثرم وأبي حفص وسعيد ونحوها.
3- ينظر في البحوث المتقدمة والمتأخرة والمعاصرة في الأحاديث المبحوثة، ويستفاد منها في:
أ*- زيادة العزو إلى المراجع،
ب*- وزيادة الأوجه والتعليلات ونحوها،
ج*- وزيادة النقولات، وغير ذلك مما قد يفوت. ويُستشهَد بترجيح صاحب البحث أو كلامه إن كان ممن يستشهد بكلامه وترجيحاته.
4- عند كون مباحث الحديث طويلة جدًّا لطوله وكثرة ألفاظه -مثلاً-؛ دُرست اللفظة المستدَلّ بها بخصوصها، ويُحال في باقي الحديث على ما كُتب فيه، وإلا اختُصر الكلام فيه بقدر لا يخل بالمقصود.
• في صياغة التخريج ودراسة الأسانيد:
1- ينقل في أول المبحث عبارة (الروض) ودليله، ويكون النقل بسياق الكلمة وسباقها ولحاقها مما يُفهم معه الاستدلال، ويُختصر منه -بالحذف- ما لا حاجة إلى نقله، ويُنقل حكم صاحب (الروض)، ونقلُه أحكامَ غيره، وتخريجه. ويعزى ذلك إلى (الروض) المطبوع معه حاشية ابن قاسم؛ لشهرة الطبعة، وتداولها، والاعتماد عليها.
2- يُصَدَّر التخريج -بعد نقل الحديث- بحكمٍ مختصر -على عادة المعاصرين-؛ ليستفيد العجل وغير المتخصص، ويكون هذا حال احتمل الأمر فعل ذلك.
3- إذا رُوي الحديث عن أكثر من صحابي؛ ذُكر الصحابي، وبُدئ بصحابي دليل (الروض) -إن كان نصَّ عليه-، ثم خُرِّج الحديث من طريقه، ثم ذُكر لفظه، ثم دُرس إسناده مباشرة، ثم ينتقل إلى الصحابي الآخر، ويخرَّج حديثه ويُدرس على النحو السابق.
ويكون ترتيب الصحابة -بعد صحابي دليل (الروض) - حسب ترتيب وفيات مخرِّجي رواياتهم.
4- ترتَّب المصادر في تخريج الحديث الواحد حسب تقدُّم وفاة أصحابها.
5- تكون العمدة في الترجيح على دراسة الأسانيد واختلافات الرواة، والنظر فيها وتحريرها= بالدرجة الأولى، ويُعرَّج في أثناء ذلك على ترجيحات الأئمة. وربما لم يُنظر إلى بعض الأقوال والردود والمناقشات؛ لبُعدها أو عدم الحاجة إليها أو اكتفاءً بالإحالة إليها أول المبحث أو غير ذلك.
6- ربما اختلفت طريقة ترتيب دراسة الأسانيد وعرضها بحسب ما يراه الباحث مناسبًا لحالة الحديث المدروس وطُرُقِهِ والاختلاف فيه.
7- إذا كان الراوي من رجال التهذيب، واحتيج إلى الكلام في درجته وحاله، فما لم يُعزَ من ذلك مأخوذٌ أو ملخصٌ من تهذيب الكمال أو تهذيبه أو تقريبه، وما سوى ذلك معزوٌّ إلى مصدره.
تنبيه: ربما لم يُشَر في هذا العرض إلى بعض المسائل في منهج العمل، ويتضح أمرها -بإذن الله- من خلال النظر في التخريج والدراسة.
راجيًا من عنَّت له ملاحظة، أو رأى خطأً، أو وقف على فوات= أن يبادر بالنصيحة، ويسدَّ الخلل؛ من خلال خدمة التعليقات في هذا الموقع المبارك، والله يشكر له، ويجزيه خيرًا وأجرًا.
وستكون البداية بتخريج أول الأحاديث في المقالة القادمة من هذه السلسلة - بإذن الله -.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] أخرجه البخاري (71، 3116، 7312) ومسلم (1037).
[2] وقفت على تخريج مختصر كتبه الحافظ ضياء الدين المقدسي لأحاديث كتاب (الكافي) من تأليف خالِهِ الإمام موفق الدين ابن قدامة، قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: (هو من جهة التخريج يعتمد على الرمز إذا كان الحديث في شيء من الكتب الستة، وإلا صرح باسم المخرِّج، ولا يذكر أسانيدها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-)، انظر: فهرس مخطوطات الظاهرية (ص450 -452).
[3] فالتعليقات على (الروض) وشروحه وشروح أصله كثيرة، بل هو مقرر في الكليات الشرعية في المملكة العربية السعودية، ويُتَّخذ فيها منهجًا أساسيًّا لدراسة الفقه الحنبلي.
[4] أشار إلى بعضها الشيخ عبدالعزيز ابن قاسم في كتابه (الدليل إلى المتون العلمية).
[5] وهي في تخريج أحاديث الروض، طُبعت في دار الوطن إلى جانب حاشية فقهية للمشايخ: خالد المشيقح، وعبدالله الطيار، وإبراهيم الغصن.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
1-(1/30) (وابتدأ بها تأسيًا بالكتاب العزيز وعملاً بحديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم؛ فهو أبتر»، أي: ناقص البركة، وفي رواية: «بالحمد لله»).
مرسل ضعيف.
جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومداره على الزهري:
أ- فرواه الأوزاعي، وجاء عنه على أوجه في الإسناد والمتن:
الوجه الأول: عنه، عن قرة بن عبدالرحمن، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة:
أخرجه ابن أبي شيبة (26683) -وعنه ومن طريق أخرى ابن ماجه (1894)-، والبزار (7898)، وأبو عوانة -كما في إتحاف المهرة (16/72)-، وابن الأعرابي في معجمه (362) -ومن طريقه السمعاني في أدب الإملاء (ص52)-، والبيهقي في الشعب (4372)، وفي الدعوات الكبير (1) -ومن طريقه القزويني في التدوين في أخبار قزوين (1/476)-، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/70) وفي الفقيه والمتفقه (932)، والقزويني في التدوين (2/319، 3/463)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (4/218)، كلهم من طريق عبيد الله بن موسى، وأحمد (2/359) -ومن طريقه السبكي في مقدمة طبقات الشافعية الكبرى (1/15، 16)- من طريق ابن المبارك، وأبو داود (4840) -ومن طريقه أبو أحمد العسكري في الأمثال؛ كما في الأقاويل المفصلة لبيان حديث الابتداء بالبسملة لمحمد بن جعفر الكتاني (ص36)-، والنسائي في السنن الكبرى (10255)، والعسكري في الأمثال -كما في الأقاويل المفصلة (ص43)-، والدارقطني (1/229)، والمخلص -ومن طريقه السبكي في الطبقات (1/6)-، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/421)، كلهم من طريق الوليد بن مسلم.
وأبو عوانة -كما في إتحاف المهرة (16/72)-، وابن حبان (1)، والخليلي في الإرشاد -كما في منتخبه (1/448)-، وابن عساكر (6/421)، من طريق عبدالحميد بن أبي العشرين، والخرائطي في فضيلة الشكر (17)، وابن الأعرابي في الزهد وصفة الزاهدين (1) -ومن طريقه البيهقي (3/208، 209)-، والطبراني -ومن طريقه السخاوي في الأجوبة المرضية (1/197)- من طريق أبي المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج، وابن حبان (2) من طريق شعيب بن إسحاق، والدارقطني (1/229) من طريق موسى بن أعين، سبعتهم -عبيد الله بن موسى وابن المبارك والوليد بن مسلم وابن أبي العشرين وأبو المغيرة وشعيب بن إسحاق وموسى بن أعين- عن الأوزاعي، به.
وجاءت ألفاظهم بين: «بحمد الله»، و«بالحمد لله»، و«بالحمد»، وقال ابن المبارك وموسى بن أعين: «بذكر الله». وقال أكثرهم: «أقطع»، وقيل: «أجذم»، وشك ابن المبارك بين: «أبتر» و«أقطع».
الوجه الثاني عن الأوزاعي: عنه، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه الخليلي في الإرشاد -كما في منتخبه (3/966)، ومن طريقه السبكي في الطبقات (1/11، 12)- من طريق عيسى بن موسى غنجار، عن خارجة بن مصعب، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/69) -ومن طريقه الرهاوي في الأربعين؛ أخرجه من طريقه السبكي في الطبقات (1/12)، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (ص51)[1] - من طريق أحمد بن محمد بن عمران، عن محمد بن صالح البصري، عن عبيد بن عبدالواحد بن شريك، عن يعقوب بن كعب، عن مبشر بن إسماعيل، وعلقه الدارقطني في العلل (8/29) عن محمد بن كثير، ثلاثتهم -خارجة ومبشر وابن كثير- عن الأوزاعي به.
ولفظ خارجة: «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله؛ فهو أقطع»، ولفظ مبشر: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم؛ أقطع»، ولم يذكر الدارقطني لفظ ابن كثير.
الوجه الثالث عن الأوزاعي: عنه، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:
أسنده السبكي في طبقات الشافعية (1/14، 15) من طريق عبدالله بن الحسين بن جابر، عن محمد بن كثير المصيصي، عن الأوزاعي، به.
ب- وجاء من وجه آخر عن الزهري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً:
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده -كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/23، 24) والأجوبة المرضية للسخاوي (1/199)- من طريق شعيب بن أبي حمزة، والنسائي في الكبرى (10256) من طريق سعيد بن عبدالعزيز، وفيها (10257) من طريق عقيل، وفيها (10258) من طريق الحسن بن عمر أبي المليح، وعلقه أبو داود (عقب 4840) عن يونس بن يزيد، وعلقه الدارقطني في العلل (8/29) عن وكيع، عن الأوزاعي، عن قرة، ستتهم -شعيب وسعيد وعقيل وأبو المليح ويونس وقرة- عن الزهري، به.
ج- وجهٌ ثالث عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة (متابعة لرواية قرة عن الأوزاعي):
أخرجه الخليلي في الإرشاد -كما في منتخبه (1/449)؛ ومن طريقه السبكي في الطبقات (1/15)- من طريق إسماعيل بن أبي زياد، عن يونس، عن الزهري، به.
د- وجهٌ رابع عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أخرجه الطبراني في الكبير (19/72) -ومن طريقه السبكي في الطبقات (1/14)- من طريق عبدالله بن يزيد، عن صدقة بن عبدالله، عن محمد بن الوليد الزبيدي، والدارقطني في الأفراد -كما في أطرافه (1/121)- وعلقه في العلل (8/30)، من طريق صدقة، عن محمد بن سعيد -يقال له: الوصيف-،
كلاهما عن الزهري، به.
ووقع اسم ابن كعب عند الطبراني: عبدالله، وعند الدارقطني: عبدالرحمن.
هـ- ورواه معمر، عن رجل من الأنصار، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً:
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (10455، 20208) عنه، به.
دراسة الأسانيد:
روى هذا الحديث الزهري، واختُلف عنه:
- فرواه الأوزاعي عنه، واختُلف عن الأوزاعي:
• فرواه عنه محمد بن كثير، واختلف عنه:
• فرواه عبدالله بن الحسين بن جابر عنه عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
• وعلقه الدارقطني عن ابن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، به.
• ورواه خارجة بن مصعب ومبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، به -كالوجه الثاني عن محمد بن كثير-.
• ورواه عبيد الله بن موسى وابن المبارك والوليد بن مسلم وعبدالحميد بن أبي العشرين وأبو المغيرة وشعيب بن إسحاق وموسى بن أعين عن الأوزاعي، عن قرة بن عبدالرحمن، عن الزهري، به.
• ورواه وكيع عن الأوزاعي، عن الزهري، عن قرة مرسلاً.
- ورواه يونس بن يزيد عن الزهري، واختلف عنه:
• فرواه إسماعيل بن أبي زياد عنه، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
• وعلقه أبو داود عن يونس عن الزهري مرسلاً.
- ورواه شعيب بن أبي حمزة وسعيد بن عبدالعزيز وعقيل وأبو المليح الحسن بن عمر والأوزاعي -من رواية وكيع عنه؛ كما سبق- عن الزهري مرسلاً،
- ورواه صدقة بن عبدالله عن محمد بن الوليد الزبيدي ومحمد بن سعيد الوصيف عن الزهري، عن عبدالله بن كعب، عن أبيه، مرفوعًا.
- وقد رواه معمر، عن رجل من الأنصار مرسلاً.
وفيما يلي التفصيل في هذا الخلاف.
1- تحرير رواية محمد بن كثير عن الأوزاعي:
رواه عبدالله بن الحسين بن جابر عنه عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقد اجتهد السبكي في إثبات أن يحيى هذا هو قرة نفسه الذي في الطرق الأخرى[2]، وردَّه السخاوي من وجهين[3]، ولعلهما لم يفطنا إلى أن هذه الرواية ضعيفة جدًّا عن محمد بن كثير، فراويها عنه (عبدالله بن الحسين بن جابر المصيصي) قال فيه ابن حبان: (يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)[4].
والرواية الأخرى عن ابن كثير لا تعرف رواتها؛ لأن الدارقطني لم يسندها.
2- تحرير الخلاف عن الأوزاعي:
اتفق عنه سبعة من الثقات، بعضهم من الأئمة، وبعضهم له اختصاص بالأوزاعي، وبعضهم كان الأوزاعي يقربه ويثني عليه = على روايته عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، وخالفهم أربعة:
أ- خارجة بن مصعب، وهو متروك، كُذِّب.
ب- ومبشر بن إسماعيل، وهو ثقة، تُكُلِّم فيه، إلا أن إسناد روايته لم يصح، ففيها أحمد بن محمد بن عمران، ضعيف، ورُمي الوضع[5]، ورجح الكتاني أن شيخه محمد بن صالح هو ابن شعيب اليماني أبو بكر البصري [6]، فإن صح؛ فإنه مجهول، وله تفرد بخبر غير محفوظ[7]، فهذه الرواية منكرة.
ج- ومحمد بن كثير -فيما علقه الدارقطني عنه-، ولم يعرف إسناد هذه الرواية، وقد روي عن ابن كثير على وجه آخر -كما سبق-، وفي ابن كثيرً أصلاً ضعف، خاصة في الأوزاعي، هؤلاء الثلاثة رووه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، لم يذكروا في الإسناد قرة.
قال الخليلي -عقيب إسناده رواية خارجة-: (هذا لم يسمعه الأوزاعي عن الزهري، وإنما سمعه من قرة بن عبدالرحمن بن حيوئيل، هكذا رواه عن الأوزاعي ابن المبارك وأبو المغيرة وابن أبي العشرين وعبيد الله بن موسى، ولم يروه عن خارجة إلا غنجار، وخارجة فيه لين)[8].
وقال السخاوي: (فهؤلاء سبعة أنفس رواه عن الأوزاعي بإثبات قرة، وكلهم ثقات من رجال الشيخين في صحيحيهما -إلا عبدالحميد[9]، فلم يخرجا له...- فروايتهم أرجح من رواية من أسقطه، ويمكن الجمع بينهما بأن الأوزاعي رواه عن الزهري من صحيفته مناولة، وسمعه من قرة عنه سماعًا)[10]، إلا أن هذا الجمع لا ينهض مع هذا الضعف الشديد في الروايات التي خالفت روايات الثقات من أصحاب الأوزاعي، والأمر كما قال الخليلي -رحمه الله-.
د- وخالف الجمعَ أيضًا عن الأوزاعي: وكيعٌ -فيما علقه الدارقطني عنه-، رواه عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري مرسلاً، ولم أجد هذه الرواية موصولة، وفيها نظر.
3- تحرير رواية يونس بن يزيد عن الزهري:
رواها إسماعيل بن أبي زياد عنه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، هكذا موصولاً، وإسماعيل متروك الحديث، وكان يروي عن يونس ما لا يتابع عليه[11].
قال الخليلي -عقب إسناده هذه الرواية-: (وحديث الأوزاعي عن قرة مشهور، رواه الكبار عن الاوزاعي: الوليد بن مسلم وأبو المغيرة وعبيد الله بن موسى وابن المبارك عن الأوزاعي، والمعوَّل عليه، ولا يعتمد على رواية إسماعيل عن يونس)[12].
وقد زاد إسماعيل في متن الرواية زيادات منكرة، فلفظُهُ: «كل أمر لم يبدأ فيه بحمد الله والصلاة عليَّ؛ فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة»، قال الحافظ عبدالقادر الرهاوي: (غريب، تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد، وهو ضعيف جدًّا، لا يعتد بروايته ولا بزيادته)[13].
وقد علق أبو داود في سننه رواية يونس، فذكر أنها عن الزهري مرسلاً، وهذا أقوى عن يونس من تلك الرواية المنكرة، وهو أولى بيونس؛ إذ وافق كبار أصحاب الزهري.
4- النظر في رواية سعيد بن عبدالعزيز عن الزهري:
أخرج النسائي في الكبرى رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا، ثم قال: أخبرني محمود بن خالد، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، عن الزهري، رفعه، مثله.
وقد فهم ابن الملقن[14] ثم الكتاني[15] من هذه السياقة أن سعيد بن عبدالعزيز يرويه عن الزهري موصولاً كرواية قرة. وفي هذا نظر من وجوه:
الأول: أن أبا داود قد علَّق في سننه رواية عبدالعزيز؛ فذكرها مرسلة[16].
الثاني: أنه قد حكم إمامان بتفرد قرة بوصله، قال الدارقطني: (تفرد به قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأرسله غيره عن الزهري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[17]، وقال الخليلي: (هذا حديث لم يروه عن الزهري إلا قرة، وهذا ليس عند عقيل ولا غيره من المكثرين من أصحاب الزهري)[18]، ويبعد أن يتفق الإمامان على ذلك مع وجود هذه المتابعة الظاهرة -لو كانت كذلك-.
الثالث: أن الأظهر في قوله: (رفعه) بعد ذكر الزهري= أنه يقصد: أن الزهريَّ رفعه، ورفعُ الزهريِّ الحديثَ إرسالٌ له منه، وقوله -بعده-: (مثله)، أي: مثل متنه.
وقد فهم الإمام المزي أن هذا الوجه مرسل، فذكره في المراسيل من تحفة الأشراف[19].
فالراجح: أن سعيد بن عبدالعزيز يروي الحديث عن الزهري مرسلاً.
5- النظر في رواية الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه:
رواها صدقة بن عبدالله، وهو السمين، فجاء عنه عن محمد بن الوليد الزبيدي، وعنه عن محمد بن سعيد الوصيف، فإن لم يكن أحدهما مصحَّفًا؛ فهما روايتان عن صدقة.
وسُمي ابن كعب في رواية محمد بن الوليد: عبدالله، وسُمي في رواية محمد بن سعيد: عبدالرحمن.
وصدقة هذا منكر الحديث[20]، وروايته لا يعتد بها، خاصة مع هذا التضارب فيها. وبه يظهر خطأ الاستشهاد بهذه الرواية لحديث قرة عن الأوزاعي[21].
6- الراجح عن الزهري:
ظهر مما سبق أنه اختُلف عن الزهري:
- فرواه قرة عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
- ورواه عقيل، وشعيب بن أبي حمزة، وسعيد بن عبدالعزيز، وأبو المليح الحسن بن عمر، كلهم عن الزهري مرسلاً.
وعقيل وشعيب من كبار أصحاب الزهري، ويفاضل بينهم في أوثق الناس وأثبتهم فيه، وسعيد ثقة حافظ إمام، وأبو المليح ثقة، إلا في روايته عن الزهري كلام، لكنه متابَعٌ هنا؛ فتحقق ضبطه.
وأما قرة؛ فقال فيه ابن معين: (ضعيف الحديث)، وقال أحمد بن حنبل: (منكر الحديث جدًّا)، وقال العجلي: (يكتب حديثه)، وقال أبو زرعة: (الأحاديث التي يرويها مناكير)، وقال أبو داود: (في حديثه نكارة)، وقال أبو حاتم والنسائي: (ليس بقوي)، وقال ابن عدي: (لم أرَ له حديثًا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به)، وذكره ابن حبان في ثقاته.
والتمسك بكلمة ابن عدي وبذكر ابن حبان قرةَ في الثقات ليس بذي شأن، فإن كلمة الأئمة الكبار تكاد تجتمع على ضعفه، وحكم غير واحد بنكارة حديثه، وقد أنكر الإمام أحمد حديثه جدًّا، وهذا غاية في التضعيف، ولا يمكن أن تنتفي النكارة عن أحاديثه أو يوثق؛ وفي رواياته ما يدعو الأئمة إلى تضعيفهم البالغ له.
وقد تمسك بعضهم بكلمةٍ للأوزاعي في قرة، قال: (ما أحدٌ أعلم بالزهري من ابن حيوئيل)[22]، وعن هذه الكلمة جوابان:
الأول: أجاب به ابن حبان، قال: (هذا الذي قاله يزيد بن السمط ليس بشيء يحكم به على الإطلاق، وكيف يكون قرة بن عبدالرحمن أعلم الناس بالزهري، وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثًا؟![23] بل أتقن الناس في الزهري: مالك ومعمر والزبيدي ويونس وعقيل وابن عيينة، هؤلاء الستة أهل الحفظ والإتقان والضبط والمذاكرة، وبهم يعتبر حديث الزهري إذا خالف بعض أصحاب الزهري بعضًا في شيء يرويه)[24].
الثاني: أجاب به ابن حجر، قال: (وأورد ابن عدي كلام الأوزاعي من رواية رجاء بن سهل، عن أبي مسهر، ولفظه: «ثنا يزيد بن السمط، قال: ثنا قرة، قال: لم يكن للزهري كتابٌ إلا كتاب فيه نسب قومه، وكان الأوزاعي يقول: ما أحد أعلم بالزهري من ابن حيوئيل»، فيظهر من هذه القصة أن مراد الأوزاعي: أنه أعلم بحال الزهري من غيره، لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث، وهذا هو اللائق، والله أعلم)[25].
ولا يخفى على الناظر أن التمسك بهذه الكلمة المحتملة مع تتابع الأئمة على تضعيف قرة = مما لا وجه له.
بل حتى لو سُلِّم بأن قرة ثقة حافظ - وأنى ذلك -، فقد خالف أربعة ثقات، فيهم اثنان هما أثبت الناس في الزهري، اتفقوا؛ فرووه عن الزهري مرسلاً، وهذا مما يقضي على رواية قرة، ويرجح الرواية المرسلة، ورواية قرة خطأ لا يُعتمد عليه، ولا يُعتد به.
وأما الحكم بأن الوصل زيادة ثقة مقبولة، فمفتقر إلى مقدمتين: ثبوت ذلك في مناهج أئمة النقد من المحدثين، وثبوت ثقة قرة.
والحكم بالإرسال هو ما رجحه الإمامان: النسائي والدارقطني:
قال النسائي: (والمرسل أولى بالصواب)[26]، وقال الدارقطني: (والصحيح عن الزهري المرسل)[27]، وتعقيب أبي داود بذكر روايات كبار أصحاب الزهري الذي أرسلوا الحديث عنه بعد الرواية الموصولة= إشارة منه إلى إعلاله بالإرسال.
ومن ثم، فالحديث لا يصح عن الزهري إلا مرسلاً، وقد تقرر عند العلماء أن مراسيل الزهري ضعيفة، وجاء تضعيفها عن الشافعي ويحيى بن سعيد القطان وابن معين[28].
وقد ورد الحديث من وجه آخر عن معمر عن رجل من الأنصار مرسلاً، ومعمر من أتباع التابعين، وأحاديث شيوخه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مراسيل، ثم إن شيخه مبهم - كما هو ظاهر -.
والله أعلم.
ـــــــــــــــ ـــــــ
[1] سقط فيه (أحمد بن محمد بن عمران).
[2]مقدمة طبقات الشافعية (1/16، 17).
[3] الأجوبة المرضية (1/191، 192).
[4] المجروحين (2/46).
[5] انظر: تاريخ بغداد (5/77)، لسان الميزان (1/288).
[6] الأقاويل المفصلة (ص125).
[7] انظر: لسان الميزان (5/201).
[8] المنتخب من الإرشاد (3/966، 967).
[9] هو ابن أبي العشرين.
[10] الأجوبة المرضية (1/197، 198).
[11] انظر: منتخب الإرشاد (1/390، 391)، لسان الميزان (1/406).
[12] منتخب الإرشاد (1/449).
[13] نقله المناوي في فيض القدير (5/14).
[14] في البدر المنير (7/529).
[15] في الأقاويل المفصلة (ص38، 50).
[16] سنن أبي داود (عقب 4840).
[17] السنن (1/229).
[18] منتخب الإرشاد (1/448).
[19] (13/368).
[20] وذكر يعقوب بن سفيان أن عبدالله بن يزيد يروي عنه مناكير، ومن ذلك رواية الطبراني لحديثنا هذا.
[21] استشهد بها: السبكي -في مقدمة الطبقات (1/16)-، وابن الملقن -في البدر المنير (7/529)-، والكتاني -في الأقوال المفصلة (ص56)-.
[22] أسندها أبو زرعة الدمشقي -في تاريخه (383)- وابن عدي -في الكامل (6/53)- من طريق رجاء بن سهل، كلاهما عن أبي مسهر، عن يزيد بن السمط، عن الأوزاعي، وأسندها ابن حبان -في الثقات (7/343)- من طريق إسحاق بن ضيف، عن أبي مسهر، عن يزيد بن السمط، فجعلها من كلامه، ولم يذكر الأوزاعي.
[23] بل قال ابن عدي -في الكامل (6/54)-: (وقد رُوي عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري بضعة عشر حديثًا).
[24] الثقات (7/343).
[25] تهذيب التهذيب (8/334).
[26] تحفة الأشراف (13/368).
[27] العلل (8/29).
[28] انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب (8/29).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
2- (1/37) (والصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- مستحبة... ورُوي: «من صلى عليَّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب»)؛ ضعيف جدًّا.
جاء من طريق أبي هريرة، وابن عباس، وأبي بكر، وعائشة، ومن كلام جعفر بن محمد:
1- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في الأوسط (1835) وابن الجوزي في الموضوعات (452) من طريق إسحاق بن وهب العلاف، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص36) من طريق محمد بن عبدالله بن حميد، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/80، 81) من طريق يعقوب بن عبدالله الكرماني، ونصر بن داود بن طوق، أربعتهم عن بشر بن عبيد الدارسي، عن حازم بن بكر، والنميري في الإعلام بفضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق هانئ بن يحيى، كلاهما - حازم وهانئ - عن يزيد بن عياض، وأبو الشيخ في الثواب - كما نقل ابن القيم في جلاء الأفهام (ص485، 486)[1] - عن أسيد بن عاصم، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص36) من طريق محمد بن عبدالله بن حميد، كلاهما - أسيد وابن حميد - عن بشر بن عبيد الدارسي، عن محمد بن عبدالرحمن القرشي، عن عبدالرحمن بن عبدالله، كلاهما - يزيد بن عياض وعبدالرحمن بن عبدالله - عن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وأخرجه الخطيب - فيما نقله السيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (1/186) - من طريق مهدي بن هلال، عن محمد بن يزيد بن خنيس، عن عبدالرحمن بن محمد الثقفي، عن عبدالرحمن بن عمر، وأخرجه قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1697) والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (4/107) من طريق إبراهيم بن إسماعيل الزاهد، عن عبدالسلام بن محمد المصري، عن سعيد بن عفير، عن محمد بن إبراهيم بن أمية القرشي، عن عبدالرحمن بن عبدالله الأعرج، ثلاثتهم - الأعرج، وعبدالرحمن بن عمر، وعبدالرحمن بن عبدالله - عن أبي هريرة، بنحوه، إلا أن لفظ عبدالرحمن بن عمر: «من كتب في كتابه [صلاة عليَّ][2] لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام كتابه».
دراسة الأسانيد:
تبين أن الحديث جاء عن أبي هريرة من طرق:
الأولى: طريق الأعرج عنه، وعنه اثنان:
1- يزيد بن عياض:
وجاءت روايته من طريق بشر بن عبيد الدارسي، عن حازم بن بكر، عنه، قال الطبراني: (لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسحاق)[3]، يعني: إسحاق بن وهب العلاف الراوي عن بشر بن عبيد، وفي كلام الطبراني نظر؛ فإنه روي عن أبي هريرة بغير هذا الإسناد، ولم يتفرد إسحاق بن وهب به عن بشر، فقد رواه معه ثلاثة -كما سبق-.
وبشر بن عبيد الدارسي منكر الحديث، وبعضهم كذَّبه[4] - وإن كان ابن حبان ذكره في الثقات[5]، وقال عنه: (صدوق)[6] -، وقد عُدَّ هذا الحديث من منكراته[7]، وقد رواه بشرٌ بإسناد آخر - كما سيأتي -، وهذا يدل على شدة نكارة روايته، فإنه ممن لا يحتمل منه تعدد الأسانيد.
وشيخه حازم بن بكر لم أجد له ترجمة، وقد كني في بعض الروايات بأبي علي، ونُسب قرشيًّا.
وقد تابعه حازمًا عن يزيد بن عياض: هانئ بن بكر، لكن الراوي عنه: عبدالله بن محمد بن سنان، متروك متهم بالوضع[8].
وشيخهما يزيد بن عياض نفسه متروك الحديث منكره، كذَّبه بعض الأئمة، وبه أعله ابن الجوزي، وأورد الحديث في كتاب الموضوعات[9].
2- عبدالرحمن بن عبدالله:
وقد رواها بشر بن عبيد، عن محمد بن عبدالرحمن القرشي، عنه. وسبق الكلام في بشر بن عبيد، وأن من دلائل شدة النكارة: أنه قرن هذين الإسنادين، وهو من الضعف مما لا يحتمل منه معه تعدد الأسانيد.
الثانية: طريق عبدالرحمن بن عمر:
ولم أعرفه، وفي إسناد روايته: مهدي بن هلال، مكذَّب متهم بالوضع[10].
الثالثة: طريق عبدالرحمن بن عبدالله الأعرج:
كذا جاء في مصدرَيْ تخريج هذه الرواية، وربما كان قد سقط (عن)، فيكون الصواب: (عبدالرحمن بن عبدالله، عن الأعرج)، وتعود الرواية إلى الوجه الثاني عن الأعرج.
وهذه الطريق - على أن فيها عددًا من المجاهيل - فيها عبدالسلام بن محمد المصري، الراوي عن سعيد بن عفير، قال فيه الدارقطني: (ضعيف جدًّا)، وقال مرة: (منكر الحديث)، وقال الخطيب: (صاحب مناكير)[11].
وبهذا يتضح أن روايات الحديث عن أبي هريرة شديدة النكارة.
2- تخريج حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنه -:
أخرجه قوام السنة في الترغيب والترهيب (1699) - ومن طريقه السبكي في طبقات الشافعية (1/180) - من طريق سليمان بن الربيع، عن كادح بن رحمة، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس، بنحوه.
دراسة الأسانيد:
كادح بن رحمة منكر الحديث، متهم بالكذب[12]، ونهشل بن سعيد متروك مكذَّب، وبهما أعله ابن القيم[13].
وقد أنكر ابن حبان نسخة سليمان بن الربيع عن كادح بن رحمة، قال: (أكثرها موضوعة ومقلوبة)[14].
قال الحافظ ابن كثير: (وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة)[15].
3- تخريج حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن عدي في الكامل (3/249) - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (451) - عن محمد بن الحسن المحاربي، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (564) من طريق موسى بن الحسن بن موسى، وفي شرف أصحاب الحديث (ص35) من طريق محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، ثلاثتهم عن عباد بن يعقوب، عن أبي داود النخعي، وأخرجه الحاكم في تاريخه - كما نقل السيوطي في اللآلئ المصنوعة (1/185) من طريق أيوب بن الحسن، عن نصر بن باب، كلاهما - أبو داود ونصر - عن أيوب بن موسى، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن أبيه، عن جده أبي بكر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كتب عني علمًا، وكتب معه صلاةً عليَّ، لم يزل في أجرٍ ما قرئ ذلك الكتاب».
إلا أن محمد بن الحسن المحاربي لم يذكر: (عن أبيه) في روايته عن عباد بن يعقوب، وقال محمد بن القاسم بن زكريا عن عباد: (عن أبيه، أحسبه قال: عن جده أبي بكر الصديق...).
ولم يذكر نصر بن باب في لفظه كتابة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
دراسة الأسانيد:
أبو داود النخعي -مع الاختلاف في روايته- كذاب معروف بالكذب[16]، وقد تابعه نصر بن باب، ونصر متروك الحديث، مرمي بالكذب[17]، ولا فائدة من متابعة أحد هذين للآخر، وربما كان أحدهما سرقه من الثاني.
4- تخريج حديث عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-:
أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/75) من طريق الحسين بن معاذ بن حرب، عن أبي مروان العثماني، عن أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من كتاب يكتب فيه: (صلى الله على محمد) إلا صلى الله وملائكته على من كتب ذلك ما دام اسمي في ذلك الكتاب».
دراسة الإسناد:
فيه الحسين بن معاذ بن حرب الحجبي، وقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً[18]، لكنه أخرج له حديثًا رواه عنه ثقتان بإسنادين، قال الذهبي: (ذكره الخطيب، وما ذكره بجرح ولا تعديل، بل ساق له هذا الخبر المنكر... فالحسين قد اضطرب في إسناده، فإن اللذين روياه عنه ثقتان، ومع اضطرابه فأتى بهذا الباطل)[19]، ولذا قال الذهبي -أيضًا-: (وهو ضعيف؛ فإنه أتى بحديث باطل عن ثقة)[20].
وهذا الإسناد شديد الفردية مع تأخر الطبقة، وفيه هذا الراوي المنظور فيه، ومجيء الحديث بسلسلة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مع ما ذكر من دلائل ضعفٍ= قرينة ظاهرة على ضعفه، بل نكارته.
5- تخريج مقطوع جعفر بن محمد بن علي بن الحسين:
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/385) من طريق وريزة بن محمد الغساني، عن محمد بن جبير عن جعفر، قال: (من صلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتاب؛ صلت عليه الملائكة مادام اسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكتاب).
دراسة الإسناد:
فيه وريزة بن محمد، ترجمه ابن عساكر ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً[21]، لكنه وصفه بـ(الإخباري)، وشيخه محمد بن جبير لم أعرفه، وقد نقل ابن القيم الإسناد، فجاء فيه: (محمد بن حمير)[22]، ولعله الشامي الذي يروي عن أبيه عن محمد بن علي بن الحسين -والد جعفر-، وهو مجهول[23].
وهذا الإسناد أصلح من أسانيد الطرق الأخرى - كما هو ظاهر -، ولذا فقد قال المنذري وابن القيم: (وقد روي موقوفًا من كلام جعفر بن محمد، وهو أشبه)[24].
وقال ابن كثير: (وقد رُوي من حديث أبي هريرة، ولا يصح أيضًا، قال الحافظ أبو عبدالله الذهبي شيخُنا: أحسبه موضوعًا. وقد رُوي نحوه عن أبي بكر، وابن عباس، ولا يصح من ذلك شيء، والله أعلم)[25].
3-(1/38) ("على أفضل المصطفين محمد" بلا شك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»).
صحيح.
أخرجه من دون قوله: «ولا فخر»: مسلم في صحيحه (2278) من طريق الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن عبدالله بن فروخ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع».
وانظر: المسند الجامع (14780).
وقد ورد بلفظ: «أنا سيد الناس»، دون قوله: «ولا فخر»، أخرجه البخاري (4712) ومسلم (194) من طريق عمارة بن القعقاع وأبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، كلاهما عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة»... وساق حديث الشفاعة الطويل.
وانظر: المسند الجامع (15267).
وأما بلفظ المصنف: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، فقد ورد في أحاديث كثيرة[26]، منها الأحاديث التالية:
1- حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد (3/2) وابن ماجه (4308) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1454، 1455) وابن عساكر في معجمه (985) الذهبي في السير (8/293) من طرق عن هشيم، والترمذي (3148، 3615) عن ابن أبي عمر العدني، عن سفيان بن عيينة، كلاهما - هشيم وسفيان - عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر».
2- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص353) وأحمد (1/281، 295) وعبد بن حميد في مسنده (695- المنتخب) وابن أبي خيثمة في تاريخه (2966-السفر الثاني) وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (184) وأبو يعلى (2328) وابن شاهين في أحاديثه عن شيوخه (15) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (843) والبيهقي في الشعب (1408) ودلائل النبوة (5/481) من طرق عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي إلا وله دعوة، كلهم قد تنجزها في الدنيا، وإني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، ألا وإني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد تحته آدم ومن دونه ولا فخر...»، ثم ساق حديث الشفاعة الطويل.
دراسة إسنادي الحديثين:
اختُلف في الحديثين على علي بن زيد بن جدعان:
- فرواه هشيم وابن عيينة عنه، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، به مختصرًا،
- ورواه حماد بن سلمة عنه، عن أبي نضرة، عن ابن عباس، به مطولاً.
وعلي بن زيد نفسه ضعيف، وأخشى أن هذا اضطراب منه، وإن كان حماد بن سلمة أروى الناس عنه، لكن اجتماع هشيم وابن عيينة عنه معتبر، ولابن عيينة حفظ وتقدُّم في علي بن زيد.
3- حديث عبدالله بن سلام -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (793) والأوائل (78) وأبو يعلى (7493) -ومن طريقه ابن حبان (6478) والضياء في المختارة (4/36)- واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1456) من طريق عمرو بن عثمان الكلابي، عن موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبدالله بن سلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد، تحتي آدم فمن دونه».
وأخرجه ابن المبارك في الزهد (398-برواية نعيم بن حماد) عن معمر، عمن سمع محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبدالله بن سلام، قال: (إن أفضل أيام الدنيا عند الله يوم الجمعة، وإن أكرم خليقة الله على الله أبو القاسم)، قلت له: إلا أن يكون ملكًا مقربًا؟ قال: فنظر إليَّ، قال: (أتدري كيف خلق الملائكة؟ إنما خلق الملائكة كخلق السماء والأرض وكخلق الجبال وكخلق السحاب، وإن أكرم خليقة الله على الله: أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان يوم القيامة جمع الله الأنبياء نبيًّا نبيًّا، وأمةً أمةً، حتى يكون آخرهم مركزًا محمد وأمته...)، فذكر حديثًا طويلاً من كلام عبدالله بن سلام، ولم يأتِ فيه نص الرواية المرفوعة الأولى.
وأخرجه أسد بن موسى في الزهد (44) والبخاري في التاريخ الكبير (2/76) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (935- بغية الباحث) والحاكم (4/568) وأبو نعيم في صفة الجنة (131) والبيهقي في الشعب (148، 360) ودلائل النبوة (5/485) من طرق عن مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبدالله بن سلام، بنحو رواية ابن المبارك في الزهد.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذا الحديث عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب:
- فرواه معمر بن راشد عنه، واختلف عنه:
· فرواه عمرو بن عثمان الكلابي، عن موسى بن أعين، عنه، به مرفوعًا، بلفظ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»,
· ورواه عبدالله بن المبارك، عن معمر، عمن سمع محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، موقوفًا باللفظ المسوق آنفًا،
- ورواه مهدي بن ميمون عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، كالرواية الأخيرة عن معمر.
وعمرو بن عثمان الكلابي -راوي الوجه الأول عن معمر- ضعيف، وقال فيه النسائي والأزدي: (متروك الحديث).
والرواية الثانية عن معمر أصح، خاصة أنها تعتضد بالرواية الثانية عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، وأما ذكر «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» والألفاظ الأخرى فمن تخليط عمرو بن عثمان الكلابي، ولعله دخل عليه حديث في حديث.
4- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد (1/296) عن حسن - هو ابن موسى الأشيب -، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (265) من طريق عمرو بن عاصم، كلاهما - حسن وعمرو - عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه لم يكن نبي إلا له دعوة يتنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من ينشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وآدم فمن دونه تحت لوائي، فيطول يوم القيامة على الناس، حتى يقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فيشفع لنا إلى ربه -عز وجل- فليقض بيننا...»، وساق حديث الشفاعة الطويل.
وأخرجه أحمد (3/247) وابن منده في الإيمان (866) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يطول يوم القيامة على الناس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فيشفع لنا إلى ربنا - عز وجل - فليقض بيننا...»، وساق حديث الشفاعة، ولم يذكر لفظ: «إنه لم يكن نبي إلا له دعوة...» المذكور في الرواية الأولى، وقد رواه قتادة عن أنس بنحو ذلك - دون تلك الألفاظ -، وروايته مخرجه في البخاري (4476، 6565، 7410، 7440، 7516) ومسلم (193) وغيرهما كثير.
دراسة الأسانيد:
الرواية بدون ذكر لفظ: «إنه لم يكن نبي إلا له دعوة...»، وبدون الألفاظ التي فيها: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»= أقوى؛ ذلك أن عفان من المقدَّمين في حماد بن سلمة، إلا أن ثابتًا توبع على الوجه الذي ذكرت فيه تلك الألفاظ:
فقد جاء عن أنس -ر ضي الله عنه - بلفظ: «أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر»، أخرجه أحمد (3/144) - ومن طريقه الضياء في المختارة (3/32) -، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (268) عن علي بن سعيد النسوي، وابن منده في الإيمان (877) والبيهقي في الشعب (1409) والدلائل (5/479) من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ثلاثتهم - أحمد وعلي بن سعيد ومحمد بن إسحاق - عن يونس بن محمد، والدارمي (52) والخرائطي في مكارم الأخلاق (589) من طريق عبدالله بن صالح، والنسائي في الكبرى (7643) وابن خزيمة في التوحيد (454) من طريق شعيب بن الليث، وعبدالله بن عبدالحكم، أربعتهم - يونس وعبدالله بن صالح وشعيب وعبدالله بن عبدالحكم - عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر...» - لفظ أحمد -، فذكر حديثًا طويلاً في الشفاعة.
إلا أن لفظ ابن خزيمة: «أنا سيد النبيين يوم القيامة ولا فخر».
دراسة الإسناد:
هذا الإسناد جيد.
5- حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (2970- السفر الثاني) عن منصور بن أبي مزاحم، عن روح بن مسافر، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (931- بغية الباحث) - ومن طريقه الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (3/407، 408) - عن عبدالعزيز بن أبان، عن أبي الأحوص سلام بن سليم، كلاهما - روح وأبو الأحوص - عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبدالله بن غالب، عن حذيفة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»، ولم يذكر قوله: «ولا فخر» في رواية الحارث.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (1058) والحاكم (4/573) وأبو نعيم في الحلية (4/349) وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/313) من طريق موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيد الناس يوم القيامة، يدعوني ربي فأقول: لبيك وسعديك والخير بيدك والشر ليس إليك...».
وأخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده - كما في إتحاف الخيرة المهرة (6359/1) -، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (932- بغية الباحث) عن زكريا بن عدي، كلاهما - مسدد وزكريا - عن أبي الأحوص سلام بن سليم، وابن أبي شيبة (31676) عن يحيى بن آدم، وأحمد (5/388) عن وكيع، وأبي أحمد الزبيري، ثلاثتهم عن إسرائيل، وأحمد (5/388) من طريق شريك، ثلاثتهم - أبو الأحوص وإسرائيل وشريك - عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن غالب، عن حذيفة قال: (سيد ولد آدم يوم القيامة: محمد - صلى الله عليه وسلم -)، ولفظ أبي الأحوص: (سيد الناس...).
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذا الحديث عن أبي إسحاق:
- فرواه أبو الأحوص، واختُلف عنه:
· فرواه عبدالعزيز بن أبان عنه، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن غالب، عن حذيفة، مرفوعًا،
· ورواه مسدد وزكريا بن عدي عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن غالب، عن حذيفة، موقوفًا،
- ورواه روح بن مسافر، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن غالب، عن حذيفة، مرفوعًا،
- ورواه شريك وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن غالب، عن حذيفة، موقوفًا،
- ورواه ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، مرفوعًا.
والراجح عن أبي الأحوص: رواية الوقف، فإنه رواه مسدد وزكريا بن عدي، وهما حافظان ثبتان، وخالفها عبدالعزيز بن أبان، وهو متروك.
وأما رواية روح بن مسافر المرفوعة، فروح متروك[27].
وأما رواية ليث بن أبي سليم، فقال فيها أبو نعيم الأصبهاني - بعد أن أخرجها -: «غريب من حديث أبي إسحاق عن صلة، تفرد به موسى عن ليث»، وليث ضعيف، وقد خالف أصحاب أبي إسحاق فيه، فهذا الوجه منكر.
ورواية أصحاب أبي إسحاق: إسرائيل وشريك وأبو الأحوص على الوقف، وهي الصواب.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] لم يصرح ابن القيم بأنه من كتاب الثواب، وصرح به ابن حجر في أجوبته على أسئلة بعض تلاميذه (ص71).
[2] سقط ما بين المعقوفين من اللآلئ، واستدركته من ألفاظ أخرى مقاربة.
[3] المعجم الأوسط (2/232).
[4] انظر: لسان الميزان (2/26).
[5] (8/141).
[6] المجروحين (1/272).
[7] انظر: ميزان الاعتدال (1/320).
[8] انظر: لسان الميزان (3/336).
[9] (1/371).
[10] انظر: لسان الميزان (6/106).
[11] انظر: ذيل ميزان الاعتدال للعراقي (ص334، 335)، لسان الميزان (4/17).
[12] انظر: لسان الميزان (4/480).
[13] جلاء الأفهام (ص114).
[14] المجروحين (2/230).
[15] تفسير القرآن العظيم (6/477).
[16] انظر: لسان الميزان (3/97).
[17] انظر: تعجيل المنفعة (2/305).
[18] تاريخ بغداد (8/141).
[19] ميزان الاعتدال (1/548)، ووقع في لسان الميزان (2/314): (ومع اضطرابه فأتى بمثل هذا).
[20] تاريخ الإسلام (وفيات 261-280، ص338).
[21] تاريخ دمشق (63/29-31).
[22] جلاء الأفهام (ص114)، ونقله عنه السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص355).
[23] انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/667)، الإكمال لابن ماكولا (2/516)، لسان الميزان (5/150).
[24] الترغيب والترهيب (1/62)، جلاء الأفهام (ص114).
[25] تفسيره (6/477).
[26] ورد -غير ما سيأتي دراسته- في بعض طرق حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي بكر الصديق، وجابر بن عبدالله، وعائشة بنت أبي بكر، وواثلة بن الأسقع، وعبادة بن الصامت، وعبدالله بن عمر، وبعضها بلفظ: «أنا سيد الناس...»، وأغلبها مناكير وأخطاء من بعض الرواة.
[27] انظر: لسان الميزان (2/467).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
4- (1/43) ("أما بعد"... ويسحتب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات، اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم- ، فإنه كان يأتي بها في خطبه وشبهها، حتى رواه الحافظ عبدالقاهر[1] الرهاوي في الأربعين التي له عن أربعين صحابيًّا، ذكره ابن قندس في حواشي المحرر).
هذا مستفيض عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، كما أشار المؤلف.
ومن ذلك في الخطب:
ما بوب عليه البخاري بقوله: (باب من قال في الخطبة بعد الثناء: "أما بعد")، ثم أسند حديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما- في الكسوف (922)، وفيه: (فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، وحمد الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد»)، وأخرجه مسلم (905). وقد أسند البخاري في ذلك الباب من أحاديث عدة من الصحابة في وقائع مختلفة ما يدل على ذلك.
وأما في المكاتبات:
فقد أخرج البخاري (7، 2941، 4553، 6260) ومسلم (1773) حديث أبي سفيان الطويل، وفيه نص كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، قال: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد...».
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
5- (1/44) ("أما بعد"... وقيل: إنها فصل الخطاب المشار إليه في الآية). صحيح عن زياد بن أبي سفيان.
جاء من كلام أبي موسى الأشعري، وزياد بن أبي سفيان، والشعبي:
1- أثر أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -:
أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (191)، وابن أبي حاتم في تفسيره (18339) عن عمر بن شبة، ومحمد بن خلف وكيع في أخبار القضاة (2/23) عن حمدون بن أحمد بن مسلم وعبدالله بن شبيب، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/101) من طريق الزبير بن بكار، والطبراني في الأوائل (40) - ومن طريقه الديلمي في الفردوس كما في زهر الفردوس لابن حجر (1/ق6)- عن جعفر بن سليمان النوفلي، ستتهم عن إبراهيم بن المنذر، عن عبدالعزيز بن أبي ثابت، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن بلال بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى قال: (أول من قال: "أما بعد": داود - عليه السلام- ، وهو فصل الخطاب).
إلا أن جعفر بن سليمان النوفلي رفع الحديث.
دراسة الإسناد:
الراجح وقف الحديث كما رواه الجماعة. وعبدالعزيز بن أبي ثابت هو ابن عمران بن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالرحمن عوف، متروك الحديث صاحب أنساب، فالأثر منكر جدًّا.
2- أثر زياد بن أبي سفيان:
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير من سننه - ومن طريقه التاج السبكي في طبقات الشافعية (1/206)، ونسبه إليه ابن حجر في الفتح (2/404)- عن سفيان، وابن سعد في الطبقات (7/100) عن رجل، وابن أبي شيبة (22968) عن وكيع، و(25849) عن محمد بن بشر، وهشام بن عمار في حديثه (63) عن سعيد بن يحيى، خمستهم - سفيان وشيخ ابن سعد ووكيع ومحمد بن بشر وسعيد بن يحيى- عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن زياد - قال سعيد بن يحيى: ابن أبي سفيان- ، قال: (فصل الخطاب الذي أوتي داود - عليه السلام-: أما بعد)، هذا لفظ سفيان، ونحوه لمحمد بن بشر وسعيد بن يحيى، وبأخصر منه لوكيع وشيخ ابن سعد.
دراسة الإسناد:
الإسناد إلى الشعبي صحيح، وقد صرَّح زكريا بسماعه من الشعبي في رواية محمد بن بشر، ومحمد بن بشر ثقة ثبت.
وزياد بن أبي سفيان مشهور، وهو ابن سمية، وابن عبيد، أبو المغيرة، له ترجمة مطولة في تاريخ دمشق (19/162- 209)، وذُكر أنه كان كاتب أبي موسى الأشعري. وقد جرحه ابن حبان، فقال - في المجروحين (1/305)-: «وكان زياد ظاهر أحواله معصية الله، وقد أجمع أهل العلم على ترك الاحتجاج بمن كان ظاهر أحواله غير طاعة الله، والأخبار المستفيضة في أسبابه تغني عن الانتزاع منها للقدح فيه».
وقد جاء عن الشعبي قوله، وهو الآتي:
3- أثر الشعبي:
أخرجه الطبري في تفسيره (21/173) عن أبي كريب، عن جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن الشعبي، في قوله: (وفصل الخطاب)، قال: (قول الرجل: أما بعد).
دراسة الإسناد:
فيه جابر بن نوح، وهو ضعيف، وقصَّر في الرواية؛ فلم يذكر زياد بن أبي سفيان، والصواب عن الشعبي ذكره، ولعله لعدم قوة هذه الروايات رجح المؤلف بعدُ أن المراد بفصل الخطاب: أنه الفصل بين الحق والباطل.
6- (1/45) ("مختصر" أي: موجز، وهو ما قل لفظه وكثر معناه. قال علي - رضي الله عنه-: «خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيُمَلّ»).لم أجده مسندًا عن علي - رضي الله عنه-.
7- (1/51) (... لسبق القضاء بأنه «لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم»).
أخرجه البخاري (7068) من طريق الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: («اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم»، سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم- ). وانظر: المسند الجامع (1596).
8- (1/65) (... لأنه - عليه الصلاة والسلام- توضأ بماء آجن). صحيح بلفظ المضمضة وغَسْل الدم.
لم أجد وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم- بالماء الآجن، ووجدت: مضمضته منه وغسله الدم عن وجهه، وقد جاء من حديث الزبير بن العوام، ومن مرسل الزهري وعروة بن الزبير:
1- حديث الزبير بن العوام - رضي الله عنه -:
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده - كما في المطالب العالية (4260) وإتحاف الخيرة المهرة (4563/3)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (177) وابن حبان (6979)- عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه[2] قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مصعدين في أحد...، قال: ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه- فأتى المهراس، وأتاه بماء في درقته، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يشرب منه، فوجد له ريحًا، فعافه، فغسل به الدم الذي في وجهه، وهو يقول: «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ».
وأخرجه البيهقي (1/269) من طريق أحمد بن عبدالجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني من لا أتهم، عن عبيدالله بن كعب بن مالك، قال:... فذكر نحوه، وزاد: وصب على رأسه.
دراسة الإسناد:
اختُلف فيه على ابن إسحاق:
- فرواه جرير بن حازم عنه عن يحيى بن عباد، عن جده عبدالله بن الزبير، عن الزبير به،
- ورواه يونس بن بكير عنه عمن لا يتهم عن عبيدالله بن كعب بن مالك، والرواية الثانية من مغازي ابن إسحاق؛ فإن أحمد بن عبدالجبار أحد رواة المغازي عن يونس بن بكير.
وجرير من الثقات الكبار، ولعله أخذ الرواية عن ابن إسحاق من غير كتاب المغازي له.
قال البيهقي: (هكذا رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن وهب بن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن عبدالله بن الزبير عن أبيه، وهو إسناد موصول)[3].
فإسناد هذه الرواية صحيح، وابن إسحاق له اختصاص بالمغازي والسير، وتُصَحَّح رواياته فيها، وقد صرح هنا بالتحديث. وقد احتج بهذا الحديث الحافظ إسحاق بن راهويه[4]. ويأتي ما يشهد له من مراسيل.
2- مرسل الزهري:
أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه - ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (3/215)- عن الزهري، قال: وسعى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- إلى المهراس، وقال لفاطمة: (أمسكي هذا السيف غير ذميمة)، فأتى بماء في مجنة، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يشرب منه، فوجد له ريحًا، فقال: «هذا ماء آجن»، فمضمض منه، وغسلت فاطمة عن أبيها.
دراسة الإسناد:
صحيح عن الزهري، والزهري تابعي لم يشهد الحادثة، فحديثه مرسل.
3- مرسل عروة بن الزبير:
أخرجه البيهقي في السنن (1/269) ودلائل النبوة (3/282، 283) من طريق محمد بن عمرو بن خالد، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: وسعى علي بن أبي طالب إلى المهراس، فأتى بماء في مجنة، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يشرب منه، فوجد له ريحًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «هذا ماء آجن»، فتمضمض منه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدم. اللفظ لعروة.
دراسة الإسناد:
لم أجد ترجمة لمحمد بن عمرو بن خالد، وعبدالله بن لهيعة ضعيف، وعروة بن الزبير تابعي أيضًا، فحديثه هذا مرسل.
وهذه الأحاديث ليس فيها الوضوء بالماء الآجن، وإنما الغسل والمضمضة، وهذا دليل على طهارة هذا الماء. ويكفي في الوضوء ما حكاه المصنف من إجماع، قال: (وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين)، ونص ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز، وانفرد ابن سيرين فقال: لا يجوز)[5].
ـــــــــــــــ ـــــ
[1] قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم -رحمه الله- في حاشيته: (و"عبدالقاهر" بالهاء، وفي بعض النسخ بالدال بدل الهاء، وهو الصواب، كما في كشف الظنون وغيره).
[2] جاء الإسناد في المطالب العالية وإتحاف الخيرة المهرة: يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير، عن الزبير بن العوام، ولعل ما اتفق عليه ابن المنذر وابن حبان أصح، وكذلك نقله البيهقي في سننه (1/269).
[3] السنن (1/269).
[4] الأوسط، لابن المنذر (1/260).
[5] الإجماع (ص32، 33)، وانظر: الأوسط، له (1/259).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
9- (1/67، 68) ("أو سخن بالشمس أو بطاهر" مباح ولم يشتد حره "لم يكره"؛ لأن الصحابة دخلوا الحمام، ورخصوا فيه، ذكره في المبدع، ومن كره الحمام؛ فعِلَّةُ الكراهة: خوف مشاهدة العورة، أو قصد التنعم بدخوله، لا كون الماء مسخنًا).صحيح بِشِقَّيْه.
جاء عن جمع من الصحابة من فعلهم وترخيصهم بأقوالهم -كما قسَّمه المؤلف-، ومن آثارهم في ذلك[1]:
1- أثر أبي الدرداء -رضي الله عنه-:أخرجه مسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (510)- وابن أبي شيبة (1167)، والبغوي في الجعديات (2491) عن علي بن الجعد، وابن المنذر في الأوسط (654) من طريق سعيد بن منصور، أربعتهم عن هشيم، قال: أخبرنا داود بن عمرو، عن عطية بن قيس، والبيهقي (7/309) من طريق ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن حدير بن كريب، عن جبير بن نفير، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (840) من طريق الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، ثلاثتهم -عطية وجبير ومكحول- عن أبي الدرداء، أنه كان يدخل الحمام، زاد الأولان: ويقول: (نِعْم البيت الحمام؛ يذهب الصنّة -يعني: الوسخ-، ويذكِّر النار)، زاد جبير: ويقول: (بئس البيت الحمام؛ لأنه يكشف عن أهله الحياء). ولفظ مكحول: (لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشام؛ دخلوا الحمامات، واطلوا بالنورة).
دراسة الأسانيد:
صحت رواية عطية بن قيس عنه، لكن روايته عن أبي الدرداء مرسلة، قاله الذهبي[2]، ونسبه العلائي إلى التهذيب[3]، فتعقبه ابن العراقي بعدم وجود ذلك فيه[4]. وقد أدخل عطية بينه وبين أبي الدرداء واسطة[5]، وهذه قرينة على الانقطاع بينهما.
لكنها تصح برواية جبير بن نفير، وإسنادها جيد إلى جبير، وجبير قد أدرك أبا الدرداء وسمع منه.
وأما رواية مكحول، ففيها شيخ الخرائطي: أبو الحارث محمد بن مصعب الدمشقي، ترجمه ابن عساكر، ولم يذكر له راويًا إلا الخرائطي، وقال: (لم أجد للدمشقيين عنه رواية، وأظنه مات في الغربة)[6]، وليس في ترجمته أزيد من ذلك، ثم إن مكحولاً يرسل عن الصحابة، ولم يسمع إلا من آحاد منهم، وليس فيهم أبو الدرداء.
وهذه الروايات يعضد بعضها بعضًا. وحكاية مكحول فعلَ الصحابة لما قدموا الشام لعله مما استفاض واشتهر عند أهل الشام، فحكاه هكذا مرسلاً، والله أعلم.
2- أثر أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أ- من فعله:
أخرجه ابن أبي شيبة (1168) عن إسماعيل بن علية، عن سعيد -هو ابن أبي عروبة-، عن أبي معشر -هو زياد بن كليب-، عن إبراهيم -هو النخعي-، عن أبي هريرة، أنه دخل الحمام.
وأخرج البيهقي في الدعوات (431) من طريق ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن حفص، قال: كان أبو هريرة إذا دخل الحمام قال: (لا إله إلا الله).
دراسة الإسنادين:
الإسناد الأول صحيح إلى إبراهيم النخعي، إلا أنه لم يسمع فيما يظهر من أبي هريرة، فقد نفى الأئمة سماعه من عائشة، وذكروا أنه رآها وهو صغير[7]، ووفاة أبي هريرة مقاربة لوفاة عائشة، فيبعد جدًّا أن يكون سمع منه. وقد كان أبو هريرة صلى على عائشة لما توفيت في المدينة، ثم توفي بعدها بأشهر، وأما إبراهيم فكوفي، وهذا يُبعِد أيضًا أن يكون رأى أبا هريرة.
لكن قد قال ابن معين: (مرسلات إبراهيم صحيحة إلا حديث تاجر البحرين وحديث الضحك في الصلاة)[8]، وقال أحمد: (مرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها)[9]، وقال ابن عبدالبر: (مراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح)[10]، وهذا يقتضي التساهل فيما أرسله إبراهيم من المرفوعات، فكيف بالموقوفات، والله أعلم.
وأما الإسناد الآخر؛ فلم أعرف حفصًا فيه، وقد قال البيهقي عقبه: (هذا منقطع وموقوف).
ب- من قوله:
أخرجه مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (173) وإتحاف الخيرة المهرة (504)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (651)- من طريق سفيان، وابن أبي شيبة (1170) عن جرير، كلاهما عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: (نِعْم البيت الحمام؛ يذهب الدرن، ويذكِّر النار)، لفظ ابن أبي شيبة.
دراسة الإسناد:
وهذا إسناد صحيح، قال ابن حجر: (صحيح موقوف)[11].
3- أثر ابن عباس -رضي الله عنه-:
أ- من فعله:
أخرجه الشافعي في الأم (3/529) عن الثقة؛ إما سفيان -وهو ابن عيينة- وإما غيره، والشافعي -ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن والآثار (2980)- عن ابن أبي يحيى، وابن أبي شيبة (1169، 14791) عن إسماعيل بن علية، ثلاثتهم عن أيوب، ويزيد بن الهيثم بن طهمان في جزء كلام ابن معين في الرجال (404)، وابن المنذر في الأوسط (657) عن محمد بن إسماعيل، كلاهما عن عفان، عن أبي عوانة، عن هلال بن خباب، كلاهما -أيوب وهلال- عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم، وقال: (إن الله لا يصنع بأوساخكم شيئًا)، هذا لفظ أيوب، وقال هلال بن خباب: عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه لم يدخل الحمام إلا وحده، ولم يكن يدخله إلا وعليه ثوب صفيق، ويقول: (إني لأستحي من الله أن يراني وأنا متجرد في الحمام).
دراسة الإسنادين:
كلا إسنادي الروايتين عن ابن عباس صحيح.
ب- من قوله:
أخرجه الدارقطني (2/232) -ومن طريقه البيهقي (5/63)- من طريق أبي معاوية الضرير، عن ابن جريج، والبيهقي (5/62) من طريق يوسف بن عبدالله بن ماهان، عن أبي حذيفة، عن سفيان -هو الثوري-، كلاهما -ابن جريج والثوري- عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: (المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظفره طرحه)، زاد سفيان: ويقول: (أميطوا عنكم الأذى؛ فإن الله -عز وجل- لا يصنع بأذاكم شيئًا).
دراسة الأسانيد:
أبو معاوية إذا روى عن غير الأعمش خلَّط، ولم أعرف بعض رواة طريق سفيان، وربما كان الصواب: الرواية السابقة من فعل ابن عباس، وأما الرواية من قوله ففيها ضعف.
4- أثر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -:
أ- جاء عنه أنه كتب: ألاَّ يدخل رجل الحمام إلا بمئزر:
أخرجه ابن أبي شيبة (1175) من طريق منصور -لعله ابن زاذان -، وعبدالرزاق (1120) عن معمر، كلاهما عن قتادة، أن عمر كتب: لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر، لفظ منصور، وقال معمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: ألاّ تدخلن الحمام إلا بمئزر، ولا يغتسل اثنان من حوض.
وعبدالرزاق (1121) عن ابن جريج أنه بلغه مثله -يعني: رواية معمر عن قتادة السالفة-، وزاد: ولا يذكر فيه اسم الله حتى يخرج منه.
وابن أبي شيبة (1179) من طريق أسامة بن زيد، عن مكحول، قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد: ألاّ يدخل رجل الحمام إلا بمئزر، ولا امرأة إلا من سقم.
والبغوي في الجعديات (2374) عن علي بن الجعد، عن شريك، عن عبدالله بن عيسى بن أبي ليلى، عن عمارة بن راشد، عن جبير بن نفير، قال: قرئ علينا كتاب عمر بالشام: لا يدخل الحمام إلا بمئزر ولا تدخله امرأة إلا من سقم...
دراسة الأسانيد:
قتادة وابن جريج ومكحول لم يدركوا عمر، وروايتهم عنه مرسلة.
وأما الرواية الموصولة عن جبير بن نفير؛ ففيها شريك، مشهور الضعف، وعمارة بن راشد؛ في الرواة عمارة بن راشد بن كنانة، يروي عن أبي هريرة، وفرق البخاري بينه وبين الذي يروي عن جبير بن نفير[12]، وجعلهما ابن أبي حاتم[13] وابن عساكر[14] واحدًا، وقد قال فيه أبو حاتم: (مجهول)، وهو من أهل الشام معروف عندهم، ذكره أبو زرعة الدمشقي في الإخوة من أهل الشام، وقال ابن يونس: (قدم مصر، حدث عنه عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، وقد حدث عنه أهل الشام)[15].
وهذه المراسيل والرواية الضعيفة يعضد بعضها بعضًا، وينضم إليها بعض ما يلي.
ب- وجاء عن عمر أنه نهى عن دخول الحمام إلا بمئزر:
1 ً- طريق قبيصة بن ذؤيب عنه:
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (652) من طريق إبراهيم بن إسماعيل، عن الزهري، والبيهقي في شعب الإيمان (7387) من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وأبي مرحوم بن ميمون، عن عيسى بن سيلان، كلاهما -الزهري وعيسى- عن قبيصة بن ذؤيب، قال: نهى عمر أن ندخل الحمام إلا وعلينا الأزر، لفظ الزهري، وقال عيسى: عن قبيصة: سمعت عمر يقول: (لا يحل لرجل يدخل الحمام إلا بمئزر...).
دراسة الأسانيد:
إبراهيم بن إسماعيل الراوي عن الزهري هو ابن مجمع الأنصاري، وهو ضعيف، ويشتد ضعفه عن الزهري، فروايته منكرة.
وأما الرواية الأخرى؛ فابن لهيعة ضعيف، وعيسى بن سيلان غير مشهور[16]، وتعتضد هذه الرواية بالروايات الأخرى عن عمر.
2ً- طريق أبي أمامة عن عمر:
أخرجه ابن أبي الدنيا في العيال (410) من طريق مطرح بن يزيد، وابن المنذر في الأوسط (655) والخرائطي في مساوئ الأخلاق (844) من طريق يحيى بن أيوب، كلاهما عن عبيدالله بن زحر، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم أبي عبدالرحمن، عن أبي أمامة، قال: قال عمر: (لا يحل لمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمئزر، ولا لمؤمنة إلا من سقم)، وفيه حديث مرفوع من رواية عمر عن عائشة.
دراسة الإسناد:
رواية عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة نسخة كبيرة، قال ابن معين: (علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة هي ضعاف كلها)، وقال أبو حاتم: (ليست بالقوية، هي ضعاف). بل قال ابن حبان في عبيدالله بن زحر: (إذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبرٍ: عبيدُالله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم أبو عبدالرحمن= لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم، فلا يحل الاحتجاج بهذه الصحيفة...)[17].
فهذا الإسناد منكر جدًّا.
نبيه: أخرج مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (175) وإتحاف الخيرة المهرة (506)- عن عبدالرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن عبدالرحمن بن أبي رواد، قال: سألت محمد بن سيرين عن دخول الحمام، فقال: كان عمر بن الخطاب يكرهه.
ولم أعرف عبدالرحمن هذا، وابن سيرين لم يدرك عمر. ولعل عمر -إن صح هذا عنه- يكرهه لما ذكر المصنف من العري فيه، ولذا نهى عن دخوله إلا بمئزر، والله أعلم.
وأما قول المصنف: (ومن كره الحمام؛ فعِلَّةُ الكراهة: خوف مشاهدة العورة، أو قصد التنعم بدخوله)، فقد ورد ذلك عن ابن عمر:
فأما علة خوف مشاهدة العورة؛ فأخرجه عبدالرزاق (1125) - ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (656)- عن معمر، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر دخل الحمام مرة وعليه إزار، فلما دخل إذا هو بهم عراة، فحول وجهه نحو الجدار، ثم قال: (ائتني بثوبي يا نافع)، قال: فأتيته به، فالتف به، وغطى على وجهه، وناولني يده، فقُدتُه حتى خرج منه، ولم يدخله بعد ذلك.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4/154) من طريق حماد بن سلمة، والبخاري في التاريخ الكبير (3/246) من طريق جرير بن عبدالحميد، كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن دينار أبي كثير، أنه رأى ابن عمر دخل الحمام، فرأى عراة، فقال: (أخرجوني)، فأخرجوه، وإن يديه لعلى عينيه، لفظ البخاري.
وأخرجه يزيد بن الهيثم بن طهمان في جزء كلام ابن معين في الرجال (403) من طريق أبي داود الطيالسي، عن محمد بن مروان القرشي، عن أبي المثنى، عن ابن عمر أنه دخل الحمام وعليه إزار، فأبصر عراة، فغمض عينيه، وقال: (أخرجوني)، فما عاد إلى الحمام بعد.
وأخرج عبدالرزاق (1126)عن سفيان بن عيينة، عن شيخ من أهل الكوفة، قال: قيل لابن عمر: ما لك لا تدخل الحمام؟ فكره ذلك، فقيل له: إنك تستتر، فقال: (إني أكره أن أرى عورة غيري).
دراسة الأسانيد:
الإسناد الأول صحيح عن ابن عمر، والثاني فيه كثير أبو دينار، قال فيه أبو حاتم: (مجهول)[18]، ذكره ابن حبان في الثقات[19]، وروايته تعتضد بالرواية الأولى، ولم أعرف محمد بن مروان القرشي في الإسناد الثالث، والرابع فيه الرجل المبهم.
ومجموع هذه الأسانيد يحدث لوجود هذه العلة عند ابن عمر أصلاً.
وأما علة قصد التنعم؛ فأخرجه مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (507) وإتحاف الخيرة المهرة (507)-، وابن أبي شيبة (1165)، كلاهما عن هشيم، أخبرنا منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام، ويقول: (هو مما أحدثوا من النعيم)، لفظ مسدد، وقال ابن أبي شيبة:... عن ابن عمر قال: (لا تدخل الحمام؛ فإنه مما أحدثوا من النعيم).
دراسة الإسناد:
هذا إسناد صحيح إن صح سماع ابن سيرين من ابن عمر، فقد أثبته الإمام أحمد، ونفاه ابن معين إلا في حديث واحد.
فائدة: قال ابن كثير: (وقد حكى غير واحد الإجماع على جوازه بشرطه)[20]، يعني: دخول الحمام.
ـــــــــــــــ ــــ
[1] اختلفت الرواية عن ابن عمر في ذلك، وورد الترخيص عن جرير بن عبدالله البجلي والحسين بن علي.
[2] تاريخ الإسلام (وفيات ، ص172).
[3] جامع التحصيل (527).
[4] تحفة التحصيل (ص231).
[5] في حديث أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/466)، وابن أبي داود في المصاحف (515) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (68/101)، وكذلك من طريق أخرى (7/337)-. وأدخل عطية واسطة بينه وبين أبي الدرداء في حديث آخر؛ أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص330).
[6] تاريخ دمشق (55/409).
[7] انظر: تهذيب التهذيب (1/155).
[8] تاريخه برواية الدوري (958).
[9] المعرفة والتاريخ (3/239).
[10] التمهيد (1/30).
[11] المطالب العالية (2/460).
[12] التاريخ الكبير (6/499، 500).
[13] الجرح والتعديل (6/365).
[14] تاريخ دمشق (43/311).
[15] السابق (43/313، 314).
[16] انظر تحرير ابن حجر لحال ثلاثة ممن سمي آباؤهم: سيلان في تهذيب التهذيب (2/35، 36).
[17] المجروحين (2/62، 63).
[18] الجرح والتعديل (3/431).
[19] (4/219).
[20] الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام، له (ص33).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
10- (1/69-72) ("وإن بلغ" الماء "قلتين"... "فخالطته نجاسة" قليلة أو كثيرة... "فلم تغيره"؛ فطهور، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء»، وفي رواية: «لم يحمل الخبث»، رواه أحمد وغيره. قال الحاكم: على شرط الشيخين، وصححه الطحاوي[1].صحيح.
جاء الحديث عن ابن عمر - وعنه اشتهر الحديث -، وأبي هريرة:
1- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
وقد جاء عنه من طرق:
الأولى: طريق ابنه عبدالله، أو عبيدالله -على خلاف في ذلك- عنه:
أخرجه ابن أبي شيبة (1526، 36094) -ومن طريقه سمويه في فوائده (22) وابن حبان (1249) والدارقطني (1/14) والحاكم (1/132)-، وإسحاق بن راهويه في مسنده -ومن طريقه الدارقطني (1/14) والحاكم (1/132)-، وعبد بن حميد في مسنده (817-منتخبه)، والدارمي (732) والطحاوي في شرح المعاني (1/15) وبيان المشكل (2644) من طريق يحيى بن حسان، وأبو داود (63) -ومن طريقه ابن الأعرابي في معجمه (1409) والدارقطني (1/14)- عن محمد بن العلاء أبي كريب، والنسائي في الصغرى (46، 175) والكبرى (50) -ومن طريقه الطحاوي في بيان المشكل (2645) والدارقطني (1/14) والجورقاني في الأباطيل (321)- عن هناد بن السري والحسين بن حريث، وابن الجارود (45) عن عبدالله بن محمد بن شاكر ومحمد بن سليمان القيراطي، والطبري في تهذيب الآثار (1106-مسند ابن عباس) وابن خزيمة (92) عن موسى بن عبدالرحمن، وابن خزيمة (92) عن محمد بن عبدالله بن المبارك وحوثرة بن محمد، وابن الأعرابي في معجمه (1408) والحاكم (1/132) -وعنه ومن طرق أخرى البيهقي في السنن (1/260) والخلافيات (936)- من طريق الحسن بن علي بن عفان، والدارقطني (1/13، 14) من طريق يعقوب الدورقي وأبي عبيدة بن أبي السفر ومحمد بن عبادة وحاجب بن سليمان وهارون الحمال وأحمد بن جعفر الوكيعي، والدارقطني (1/18) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/260) والخلافيات (943)- والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في السنن (1/261) ومعرفة السنن (1861) والخلافيات (942)- من طريقين عن شعيب بن أيوب، والحاكم (1/132) -وعنه البيهقي (1/261)- من طريق عثمان بن أبي شيبة، والبيهقي في السنن (1/261) ومعرفة السنن (1854) والخلافيات (935) من طريق أحمد بن عبدالحميد الحارثي، وعلقه الدارقطني في العلل (12/434) عن أحمد بن سنان ومحمد بن حسان الأزرق ومحمد بن عثمان بن كرامة،
كلهم -خمسة وعشرون راويًا- عن أبي أسامة حماد بن أسامة،
وأخرجه الدارقطني (1/18) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (946)- من طريق عباد بن صهيب،
وعلقه ابن الجارود (عقب 45) وابن منده -كما في الإمام لابن دقيق العيد (1/204)- والبيهقي في معرفة السنن (2/87) عن عيسى بن يونس[2]،
ثلاثتهم -أبو أسامة وعباد بن صهيب وعيسى- عن الوليد بن كثير،
وأخرجه ابن أبي شيبة (1525) -وعنه سمويه في فوائده (23)- عن أبي معاوية محمد بن خازم، وابن أبي شيبة (1525) عن عبدالرحيم بن سليمان، وأحمد (2/12، 38) والترمذي (67) والدارقطني (1/19) من طريق عبدة بن سليمان، وأحمد (2/26) والدارمي (731) وابن ماجه (517) والطبري في تهذيب الآثار (1115-مسند ابن عباس) والطحاوي في شرح المعاني (1/15) وبيان المشكل (2646) والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في الخلافيات (945)- والبيهقي في معرفة السنن (1870) من طريق يزيد بن هارون، وسمويه في فوائده (21) وأبو داود (64) والطحاوي (1/16) والبيهقي في السنن (1/261) والخلافيات (947) من طريق حماد بن سلمة، والأثرم في سننه (43) وأبو داود (64) والطبري في تهذيب الآثار (1111-مسند ابن عباس) من طريق يزيد بن زريع، وابن ماجه (عقب 517) والطبري في تهذيب الآثار (1109-مسند ابن عباس) من طريق عبدالله بن المبارك، وأبو يعلى (5590) عن أبي خيثمة زهير بن حرب، والطبري في تهذيب الآثار (1110-مسند ابن عباس) من طريق سلمة بن الفضل، وفيه (1110) والطوسي في مستخرجه على الترمذي (56) والدارقطني (1/19) والبيهقي في السنن (1/261) ومعرفة السنن (1869) والبغوي في شرح السنة (282) من طريق جرير بن عبدالحميد، والطحاوي (1/15) من طريق عباد بن عباد، والدارقطني (1/19، 21) من طريق المحاربي وسعيد بن زيد وسفيان الثوري وزائدة بن قدامة، والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في السنن (1/261) والخلافيات (944)- من طريق أحمد بن خالد الوهبي، وعلقه الدارقطني في السنن (1/20) والعلل (12/435) عن إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عياش، وفي السنن (1/20) عن عبدالله بن نمير، وفي العلل (12/435) عن إسماعيل بن علية ومحمد بن سلمة الحراني،
كلهم -واحد وعشرون راويًا- عن محمد بن إسحاق،
كلاهما -الوليد بن كثير ومحمد بن إسحاق- عن محمد بن جعفر بن الزبير،
وأخرجه الشافعي (2) -ومن طريقه الدارقطني (1/16) والحاكم (1/133) والبيهقي في معرفة السنن (1850) والخلافيات (940)- عن الثقة عنده،
وأبو داود (63) -ومن طريقه ابن الأعرابي في معجمه (1409) والدارقطني (1/14)- عن عثمان بن أبي شيبة، وأبو داود (63) -وعنه ابن الأعرابي (1409)- عن الحسن بن علي[3]، وابن الجارود (44) وابن أبي حاتم في العلل (1/44) عن حجاج بن حمزة، وابن الجارود (44) والدارقطني (1/16) والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في الخلافيات (938)- من طريق محمد بن عثمان بن كرامة، وابن الجارود (44) عن محمد بن سعيد القطان، والطبري في تهذيب الآثار (1108-مسند ابن عباس) عن سفيان بن وكيع، وابن حبان (1253) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، والدارقطني (1/15) والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في الخلافيات (938)- والبيهقي في السنن (1/260) من طريق عبدالله بن الزبير الحميدي، والدارقطني (1/17) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/261) ومعرفة السنن (1855)- من طريق أحمد بن عبدالحميد الحارثي، والدارقطني (1/18) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/260) والخلافيات (943)- والحاكم (1/133) -وعنه البيهقي في السنن (1/261) ومعرفة السنن (1861) والخلافيات (942)- من طريقين عن شعيب بن أيوب، والدارقطني (1/15-18) من طريق أحمد بن زكريا ومحمد بن حسان الأزرق ويعيش بن الجهم وأبي مسعود أحمد بن الفرات وعلي بن شعيب والحسين بن علي بن الأسود وعلي بن محمد بن أبي الخصيب ومحمد بن الفضيل البلخي، وعلقه الدارقطني في العلل (12/434) عن علي بن مسلم،
كلهم -تسعة عشر راويًا- عن أبي أسامة حماد بن أسامة،
كلاهما -الرجل شيخ الشافعي وأبو أسامة- عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر،
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص264) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (948)-، وأبو عبيد في الطهور (166) وفي غريب الحديث (2/51، 52) عن زيد بن الحباب، وأحمد (2/23) وابن ماجه (518) والطبري في تهذيب الآثار (1112-مسند ابن عباس) من طريق وكيع بن الجراح، وأحمد (2/107)، وابن الجارود (46) عن محمد بن يحيى، وابن المنذر في الأوسط (189) عن محمد بن إسماعيل الصائغ، والدارقطني (1/23) من طريق الحسن بن محمد الزعفراني؛ أربعتهم عن عفان بن مسلم، وعبد بن حميد في مسنده (818-منتخبه)، وأبو الحسن القطان في زياداته على سنن ابن ماجه (عقب 518) عن أبي حاتم الرازي؛ كلاهما عن أبي الوليد الطيالسي، وأبو داود (65) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/262) ومعرفة السنن (1882) والخلافيات (949)- والطحاوي (1/16) والقطان في زياداته على ابن ماجه (عقب 518) والدارقطني (1/23) من طريق موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي، والطبري في تهذيب الآثار (1113-مسند ابن عباس) عن مجاهد بن موسى، والدارقطني (1/22) من طريق الحسن بن محمد بن الصباح وأبي مسعود أحمد بن الفرات؛ ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، والطحاوي (1/16) عن الربيع بن سليمان عن يحيى بن حسان[4]، والقطان في زياداته على ابن ماجه (عقب 518) والدارقطني (1/23) من طريق عبيدالله بن محمد بن عائشة القرشي، والدارقطني (1/22) والحاكم (1/134) -وعنه البيهقي في السنن (1/262) ومعرفة السنن (1876)- من طريق إبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد، والدارقطني (1/22، 23) من طريق كامل بن طلحة ويعقوب بن إسحاق وبشر بن السري والعلاء بن عبدالجبار، وذكر البيهقي في معرفة السنن (2/88) أن الشافعي رواه عن الثقة،
كلهم -ستة عشر راويًا- عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر بن الزبير،
ثلاثتهم -محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر وعاصم بن المنذر- عن ابن عبدالله بن عمر بن الخطاب[5]، به.
الطريق الثانية عن ابن عمر: طريق ابنه سالم عنه:
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1114-مسند ابن عباس) عن ابن وكيع، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة، عن رجل،
وابن حبان في الثقات (8/476، 477) والدارقطني (1/21) من طريق عبدالوهاب بن عطاء، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري،
كلاهما -الرجل والزهري- عن سالم، به.
الطريق الثالثة عن ابن عمر: طريق مولاه نافع عنه:
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/359) من طريق المغيرة بن سقلاب، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء».
الطريق الرابعة عن ابن عمر: طريق مجاهد عنه:
أخرجه الدارقطني (1/23) من طريق عبدالله بن الحسين بن جابر، عن محمد بن كثير المصيصي، والدارقطني (1/24) من طريق معاوية بن عمرو، كلاهما عن زائدة،
وابن المنذر في الأوسط (178) من طريق عبدالسلام بن حرب،
كلاهما عن ليث، عن مجاهد، به،
إلا أن رواية معاوية بن عمرو عن زائدة، ورواية عبدالسلام بن حرب= موقوفتان.
الطريق الخامسة عن ابن عمر: من طريق رجلٍ عنه موقوفًا:
أخرجه ابن أبي شيبة (1529) والطبري في تهذيب الآثار (1104-مسند ابن عباس) عن يعقوب بن إبراهيم، كلاهما عن إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل، به.
دراسة الأسانيد:
أ- دراسة الخلاف على أبي أسامة حماد بن أسامة:
بان في التخريج أنه قد روى الحديث أبو أسامة، واختُلف عنه على أوجه:
الوجه الأول: رواه جماعة كثر عنه، عن الوليد بن كثير، محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه،
الوجه الثاني عن أبي أسامة: رواه جماعة آخرون عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه،
الوجه الثالث: رواه غير واحد عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه.
وفيما يلي تحرير ذلك:
- صح الحديث عن إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، ويحيى بن حسان[6]، وأبي كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، والحسين بن حريث، وعبدالله بن محمد بن شاكر، ومحمد بن سليمان القيراطي، وموسى بن عبدالرحمن، ومحمد بن عبدالله بن المبارك المخرمي، وحوثرة بن محمد[7]، والحسن بن علي بن عفان، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبي عبيدة بن أبي السفر، ومحمد بن عبادة، وحاجب بن سليمان، وهارون بن عبدالله الحمال، وأحمد بن جعفر الوكيعي، كلهم عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، به،
وهؤلاء الجماعة بين الثقة والصدوق والمتكلم فيه يسيرًا، وفيهم أناس من الثقات الحفاظ المتقنين، كابن راهويه، وعبد بن حميد، وأبي كريب، ويعقوب الدورقي.
وقد علقه الدارقطني في علله عن أحمد بن سنان، ولم أجده مسندًا عنه، وإن صحت روايته؛ فهو ثقة حافظ.
وعلقه الدارقطني كذلك عن محمد بن حسان الأزرق، ومحمد بن عثمان بن كرامة، ولم أجده مسندًا عنهما من هذا الوجه، وإنما أسند الدارقطني في سننه روايتهما الوجه الثاني عن أبي أسامة، ولعله المعتمد عنهما.
- وصح الحديث عن الحسن بن علي الخلال، وحجاج بن حمزة، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وسفيان بن وكيع، والحميدي، وأحمد بن زكريا بن سفيان، ومحمد بن حسان الأزرق، ويعيش بن الجهم، وأبي مسعود أحمد بن الفرات، وعلي بن شعيب، كلهم عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه به،
وغالب هؤلاء ثقات، وأحفظهم الحسن بن علي، والحميدي، وأبو مسعود.
وسفيان بن وكيع ضعيف، ولأحمد بن زكريا بن سفيان ترجمة في تاريخ واسط[8]، ولم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً، وفي يعيش بن الجهم كلام[9].
ورواه الدارقطني من طريق محمد بن الفضيل البلخي، عن أبي أسامة به، وهذا قد وثقه ابن حبان، وقال: (كان شيخًا متعبدًا متقنًا)[10]، ولم أجد في الراوي عنه (علي بن أحمد الفارسي) جرحًا ولا تعديلاً[11].
وذكر الدارقطني أنه رآه في كتابٍ عن أبي جعفر الترمذي، عن الحسين بن علي بن الأسود، عن أبي أسامة كذلك، فإن صح هذا؛ فالحسين ضعيف،
وذكر الدارقطني كذلك أنه ذكره جعفر بن المغلس، عن علي بن محمد بن أبي الخصيب، عن أبي أسامة مثله، فإن صح؛ فابن أبي الخصيب صدوق له أخطاء،
وعلقه الدارقطني عن علي بن مسلم، عن أبي أسامة، فإن صح؛ فهو صدوق، ووثقه الدارقطني.
وقد رواه الشافعي، قال: أنبأنا الثقة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر... به.
قال الحاكم: (... رواه الشافعي في المبسوط عن الثقة، وهو أبو أسامة بلا شك فيه)[12]، وقال البيهقي: (هذا الثقة هو أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، فإن الحديث مشهور به)[13].
وقد قال البيهقي: (وقد رأيت في بعض الكتب ما دل على أن الشافعي أخذه عن بعض أصحابه عن أبي أسامة)[14]،
وذكر ابن منده أن أبا ثور رواه عن الشافعي، عن عبدالله بن الحارث المخزومي، عن الوليد بن كثير، به،
وأن موسى بن أبي الجارود رواه عن الشافعي، عن أبي أسامة وغيره، عن الوليد بن كثير[15].
قال ابن دقيق العيد: (فدل روايته على أن الشافعي سمع هذا الحديث من عبدالله بن الحارث -وهو من الحجازيين-، ومن أبي أسامة -وهو كوفي-، جميعًا عن الوليد بن كثير)[16]، ويدل على كون شيخ الشافعي المبهم هو أبا أسامة: أنه قال في اسم ابن ابن عمر: عبدالله، وهذا هو قول أبي أسامة في اسم الرجل.
- وروى الحديث:
* أبو بكر بن أبي شيبة في موضعين من مصنفه[17] عن أبي أسامة، ووقع في المطبوع من الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان روايته في موضع عن الحسن بن سفيان، وعند الدارقطني من طريق موسى بن إسحاق الواسطي، وعند الحاكم من طريق إسماعيل بن قتيبة، كلهم عن ابن أبي شيبة، به، على الوجه الأول،
ورواه ابن حبان في موضع آخر عن الحسن بن سفيان نفسه، عن ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، على الوجه الثاني،
وقد نقل ابن حجر الإسنادين من صحيح ابن حبان، فجعلهما كليهما على الوجه الثاني[18]،
والحسن بن سفيان هو النسوي الحافظ الإمام الثبت، وقد سمع تصانيف ابن أبي شيبة منه[19]،
فلعل الروايتين صحيحتان عن ابن أبي شيبة، وعلى هذا مشى العلائي في جزئه في هذا الحديث[20].
* وروى الحديث أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، على الوجه الثاني،
ورواه الحاكم عن عبدالله بن موسى[21]، عن إسماعيل بن قتيبة[22]، عن عثمان، عن أبي أسامة، على الوجه الأول، وهذا الإسناد إلى عثمان صحيح،
وقد قرن أبو داود رواية عثمان برواية أبي كريب والحسن بن علي، وميّز رواية أبي كريب عن روايتهما،
وقرن إسماعيل بن قتيبة رواية عثمان برواية أخيه أبي بكر،
ولإسماعيل اختصاص بأبي بكر بن أبي شيبة -كما في ترجمته-، وقرأ عليه المصنفات كلها.
فمحتملٌ أنه حمل رواية عثمان على رواية أخيه، ولم يميز بينهما؛ فجعلهما عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير، وميز أبو داود رواية عثمان، فبيّن أنها عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر.
وقد اعتمد الدارقطني رواية أبي داود عن عثمان، وأسندها من طريقه في السنن، وعلقها عن عثمان في العلل في سياق الاختلاف على أبي أسامة.
* كما روى الحديث الدارقطني عن أحمد بن محمد بن سعدان الصيدلاني، عن شعيب بن أيوب، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه،
ثم رواه بعقبه عن ابن سعدان نفسه، عن شعيب بن أيوب نفسه، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله، عن أبيه،
ورواه الحاكم عن أبي علي محمد بن علي الإسفراييني، عن علي بن عبدالله بن مبشر، عن شعيب بن أيوب، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر -قرنهما-، عن عبدالله، عن أبيه،
والرواية عن شعيب بن أيوب على هذا الوجه ثابتة.
* وروى الحديث الدارقطني عن أحمد بن محمد بن سعيد (وهو ابن عقدة الحافظ)، عن أحمد بن عبدالحميد الحارثي، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله، أبيه،
ورواه البيهقي عن الحاكم وأبي سعيد بن عمرو، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن أحمد بن عبدالحميد نفسه، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله، عن أبيه،
وهاتان الروايتان صحيحتان عن أحمد بن عبدالحميد الحارثي.
* ما يؤيد كل وجه، ومن رجحه:
مؤيدات الوجه الأول (رواية محمد بن جعفر بن الزبير):
1- اجتماع عشرين راويًا على روايته عن أبي أسامة،
2- رواية أكثر من خمسة من الأثبات الحفاظ المتقنين لهذا الوجه، فيهم ابن راهويه وعبد بن حميد وغيرهما،
3- متابعة عيسى بن يونس[23] وعباد بن صهيب لأبي أسامة عليه عن الوليد بن كثير،
4- متابعة محمد بن إسحاق للوليد بن كثير عليه عن محمد بن جعفر بن الزبير،
وقد رجح هذا الوجه: أبو حاتم الرازي، قال: (والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه)[24]،
وابن منده، قال: (واختلف على أبي أسامة، فروي عنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر، وقال مرة: عن محمد بن جعفر بن الزبير، وهو الصواب؛ لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل...، فذكره)[25].
وقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان هذا الوجه في صحيحيهما، ولعل ذلك إشارة منهما إلى ترجيحه على الوجه الآخر.
ما يؤيد الوجه الثاني (رواية محمد بن عباد بن جعفر):
1- اجتماع نحو عشرة من الرواة عليه، ويعكر عليه: أنه تُكُلم في غير واحد منهم،
2- كون غير واحد من الحفاظ يروونه عن أبي أسامة، فيهم الحميدي والشافعي،
3- متابعة عبدالله بن الحارث المخزومي لأبي أسامة عليه عن الوليد بن كثير، والمخزومي ثقة.
وقد رجح هذا الوجه: أبو داود السجستاني، قال -عقب إخراجه الرواية عن أبي كريب وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي الخلال-: (وهذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر، وهو الصواب).
ما يؤيد الوجه الثالث (رواية محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر جميعًا):
1- رواية أربعة من الرواة هذين الوجهين جميعًا عن أبي أسامة، وهم أبو بكر بن أبي شيبة وأخوه عثمان -وهما حافظان معروفان-، وشعيب بن أيوب -وهو ثقة، وله أخطاء-، وأحمد بن عبدالحميد الحارثي -وهو ثقة[26]-،
2- رواية حافظين -هما ابنا أبي شيبة- له عن أبي أسامة،
3- أن أبا أسامة ثقة ثبت حافظ، فلا يبعد أن يضبط الوجهين معًا، ويرويهما عن الوليد عن الرجلين، وأن الوليد بن كثير ثقة أيضًا، فيحتمل منه الرواية عن الشيخين،
4- أن أبا أسامة توبع على الوجهين جميعًا، فرواه عباد بن صهيب وعيسى بن يونس عن الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير، ورواه عبدالله بن الحارث المخزومي عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر،
وقد رجح هذا الوجه: الدارقطني، قال: (فلما اختُلف على أبي أسامة في إسناده، أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب، فنظرنا فى ذلك، فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر، فصحَّ القولان جميعًا عن أبي أسامة، وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعًا عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه، فكان أبو أسامة مرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر)[27]، وقال -لما ذكر رواية شعيب بن أيوب-: (فصح القولان عن أبي أسامة بهذه الرواية)[28]،
والحاكم، قال: (هذا خلاف لا يوهن هذا الحديث... وإنما قرنه -يعني: محمد بن عباد بن جعفر- أبو أسامة إلى محمد بن جعفر، ثم حدث به مرة عن هذا ومرة عن ذاك)، ثم أسند رواية شعيب بن أيوب، ثم قال: (قد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب الصريفيني ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه)[29]،
والبيهقي، قال -بعد أن ذكر رواية عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عبدالحميد الحارثي-: (وفي كل ذلك دلالة على صحة الروايتين جميعًا)[30]، وقال: (والحديث محفوظ عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا)[31].
وعبدالحق الإشبيلي، قال: (هذا صحيح، لأنه قد صح أن الوليد بن كثير روى هذا الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر، كلاهما عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، ذكر ذلك أبو الحسن الدارقطني)[32].
وقد كان ابن الجارود أخرج -في منتقاه- الوجهين جميعًا عن أبي أسامة، ولعل ذلك إشارة منه إلى صحتهما معًا، فإنه ينتقي الأحاديث في كتابه.
والحق أن أولى وجهين بالترجيح: الأول والأخير، وأن تصحيح الوجه الثاني دون غيره فيه بعض النظر.
وقد كان من منهج الأئمة احتمال رواية الوجهين من الراوي إذا كان حافظًا ثبتًا، خاصة إذا صحت رواية تجمع الوجهين عنه[33].
وبه يتبين أن الصواب في رواية أبي أسامة: أنه يرويه عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، به.
وأكثر الرواة عن أبي أسامة يروونه عنه بلفظ: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ورواه بعضهم عنه بلفظ: (لم ينجسه شيء)، وفي رواية الطبري عن موسى بن عبدالرحمن: قال موسى: (لم ينجسه شيء)، قال الطبري: حدثني به موسى مرة أخرى بإسناده، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ولعل هذا يشير إلى أن الرواة يروون الحديث بالمعنى، فالأكثر يرويه بلفظ: (لم يحمل الخبث)، وهو الأصوب روايةً، ورواه جماعة بلفظ: (لم ينجسه شيء)، وهي رواية بالمعنى.
* النظر في المدار:
والحديث دار على أبي أسامة عن الوليد بن كثير، وسبق بيان ثقتهما، والوليد يرويه عن:
1- محمد بن جعفر بن الزبير:
وهو ثقة، قال ابن سعد: (كان عالمًا، وله أحاديث)، وقال النسائي: (ثقة)، وقال أبو زرعة: (صدوق)، وقال أبو حاتم: (ثقة)[34]. وهذا يبين النظر في قول ابن عبدالبر: (شيخ ليس بحجة فيما انفرد به)، ونقل نحوه عن إسماعيل بن إسحاق القاضي[35]، وتوثيق من وثقه أقوى.
2- ومحمد بن جعفر بن عباد:
وهو ثقة أيضًا، قال ابن سعد: (ثقة قليل الحديث)، وقال ابن معين: (ثقة مشهور)، وقال أبو زرعة: (ثقة)، وقال أبو حاتم: (لا بأس بحديثه)، وقال مرة أخرى: (ثقة)[36].
يتلوه -إن شاء الله-: دراسة رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير.
ـــــــــــــــ ــ
[1] لم أقف على تصحيح الطحاوي بعد بحثٍ في مظانّه في شرح معاني الآثار، وبيان مشكل الآثار.
[2] روى الحديث عن عيسى: ابن راهويه، وجاء أن روايته عنه مرسلة، قال البيهقي -في معرفة السنن (2/87)-: (واستدل - أي: ابن راهويه - بما رواه عن عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -...، فذكره، إلا أن عيسى بن يونس أرسله)، وهكذا علق الدارقطني -في العلل (12/435)- رواية عيسى مرسلة، لكن قال البيهقي -عقب كلامه السابق-: (ورأيته في كتاب إسماعيل بن سعيد الكسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس موصولاً)، وإسماعيل من الحفاظ -كما في ترجمته في ثقات ابن حبان (8/97، 98) وتاريخ جرجان (ص100-102)- وقال ابن دقيق العيد: (وذكر ابن منده رواية عيسى بن يونس موصولة)، ويتأيد كونها موصولةً بتعليق ابن الجارود لها كذلك.
[3] هذا هو الخلال الحلواني شيخ أبي داود، وقد جعل محقق الخلافيات (1/150) الحسن هذا: ابن علي بن عفان، الذي سبقت روايته في الوجه الأول، حيث أخرجها ابن الأعرابي والحاكم والبيهقي من طريقه، فصار ابن عفان يرويه عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا. وهذا وهم، والحسن بن علي بن عفان متأخر، توفي قبل أبي داود بخمس سنوات، ولم يذكر المزي في ترجمته رواية أبي داود عنه، وإنما ذكر في الرواة عنه: ابن ماجه وحده من أصحاب السنن، وقد نبه المزي ثم ابن حجر على مثل هذا الوهم. انظر: تهذيب الكمال (6/258)، تهذيب التهذيب (2/261).
[4] نص الطحاوي على أنه "لم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأوقفه على ابن عمر".
[5] سماه أبو أسامة في روايته عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر: عبدالله بن عبدالله بن عمر، وخالفه عباد بن صهيب وعيسى بن يونس في روايتيهما عن الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير؛ فسمياه: عبيدالله بن عبدالله، وكذلك سماه محمد بن إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر بن الزبير، وسماه عاصم بن المنذر: عبيدالله بن عبدالله أيضًا.
[6] رواه عنه الدارمي وبحر بن نصر (شيخ الطحاوي)، وقد جاء في المطبوع من سنن الدارمي تسميه ابن ابن عمر: عبيدالله، وهو خطأ، جاء على الصواب في إتحاف المهرة (8/540). وجاء في المطبوع من شرح معاني الآثار للطحاوي، وفي نقل ابن حجر عنه في إتحاف المهرة (8/570)= تسميته: عبيدالله، وهو خطأ -فيما يظهر-، وجاء على الصواب في رواية الطحاوي بالإسناد نفسه في بيان مشكل الآثار.
[7] جاء عند ابن خزيمة في رواية المخرومي وحوثرة في اسم ابن ابن عمر: عبيدالله بن عبدالله.
[8] (ص223).
[9] انظر: لسان الميزان (6/313).
[10] الثقات (9/123).
[11] انظر: رجال الدارقطني، للوادعي (ص298).
[12] المستدرك (1/133).
[13] معرفة السنن (2/84).
[14] معرفة السنن (1/85)، وهكذا وقع فيه، ولعل الصواب -والله أعلم-: عن بعض أصحابه وعن أبي أسامة، ويؤيده ما يأتي.
[15] نقله ابن دقيق العيد -في الإمام (1/201)-.
[16] الإمام (1/201).
[17] وهو من رواية بقي بن مخلد عنه.
[18] إتحاف المهرة (8/541).
[19] انظر: سير أعلام النبلاء (14/157 وما بعدها).
[20] (ص33).
[21] وهو عبدالله بن محمد بن موسى، انظر: رجال الحاكم، للوادعي (1/60)، وقد تكرر في الكتاب نفسه باسم: عبدالله بن موسى الصيدلاني، وتُرجم بترجمة مغايرة، وذلك وهم.
[22] ترجمته في سير أعلام النبلاء (13/344).
[23] رواية عيسى بن يونس جاءت في بعض الروايات عن ابن راهويه عنه مرسلة، وقيل: عنه عن عيسى موصولة -وسبق وصف ذلك-، ولو كان أرسلها، فهو تقصير منه، والأولى رواية أبي أسامة الموصولة.
[24] العلل (1/44).
[25] نقله ابن دقيق العيد -في الإمام (1/202)-.
[26] وثقه الدارقطني -كما في سؤالات الحاكم (ص85)-، وذكره ابن حبان في الثقات (8/51)، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (12/508، 509).
[27] السنن (1/17).
[28] العلل (12/435).
[29] المستدرك (1/133).
[30] السنن (1/261).
[31] الخلافيات (3/156)، معرفة السنن (2/86).
[32] الأحكام الوسطى (1/154، 155).
[33] انظر: قواعد العلل وقرائن الترجيح، للزرقي (ص91، 92، 105، 106).
[34] العلل (1/44).
[35] التمهيد (24/18، 19).
[36] العلل (1/44).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
قال الطحاوي في مشكل الآثار ج6 ص 133 :
2212 - وحدثنا الحسين بن نصر قال : سمعت يزيد بن هارون قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الحياض التي بالبادية تصيب منها السباع فقال : « إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسا » قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث مثل ما في الحديث الذي بدأنا بروايتنا إياه في هذا الباب ، فقال قائل : كيف تقبلون هذا الحديث في أسآر السباع والدواب وأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما يخالف ما قد رويتموه في هذا الباب فيها...... اهــ
هذا اللفظ تصحيح منه للحديث و الله أعلم
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة بيان الخلاف في رواية أبي أسامة حماد بن أسامة لحديث القلتين، وانتهى الأمر إلى ترجيح روايته عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر معًا، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه -رضي الله عنه-، به.
وأواصل في هذه الحلقة تحرير أسانيد هذا الحديث، بدءًا برواية محمد بن إسحاق المتابعة لرواية الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير:
ب- دراسة رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير:
وقد رواه عنه نحو عشرين راويًا، وجاء ضمنهم:
• سفيان الثوري، ولم تصح روايته، إذ راويها عنه: الواقدي، وهو متروك الحديث، مشهور بذلك.
• وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عياش وعبدالله بن نمير وإسماعيل بن علية ومحمد بن سلمة، وروايات هؤلاء علقها الدارقطني، ولم يبرز أسانيدها.
وخالف الجماعة عن ابن إسحاق اثنان:
1- عبدالوهاب بن عطاء، رواه عن ابن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه، قال ابن حبان: (وهذا خطأ فاحش، إنما هو محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه)[1]، ثم أسند عن عثمان بن خرزاذ الحافظ قوله: (لم يحدث عبد الوهاب هكذا إلا بالرقة)، وقال الدارقطني: (وقيل عن عبد الوهاب بن عطاء عن ابن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه، قاله علي بن سلمة اللبقي عن عبد الوهاب، وهو وهم أيضًا)[2].
وجاءت متابعة لهذه الرواية، حيث رواه سفيان بن وكيع، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة، عن رجل، عن سالم، به، وسفيان بن وكيع ضعيف، وخالفه أبو عبيد القاسم بن سلام؛ فرواه عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه. وهذه الرواية هي الصواب، ورواية سفيان بن وكيع منكرة.
وقد رواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه، وعنه على هذا الوجه: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، وعبيدالله بن محمد بن عائشة[3].
كما رواه جماعة كثيرون - فيهم أبو سلمة وابن عائشة- عن حماد، عن عاصم بن المنذر، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، وهو الوجه الآتي - إن شاء الله -.
وهذان الوجهان محفوظان عن حماد، بدلالة رواية هذين الراويين لهما عنه، وحماد ثقة حافظ.
2- المغيرة بن سقلاب، خالف الجماعة؛ فرواه عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، والمغيرة متكلم فيه[4]، وروايته هذه خطأ، وقد سلك فيها الجادة فوهم، قال ابن عدي: (والمغيرة ترك طريق هذا الحديث، وقال: عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، وكان هذا أسهل عليه، ومحمد بن إسحاق يرويه عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر)[5]، يعني ابنُ عدي: أنه في رواية ابن إسحاق من رواية عبيدالله عن أبيه لا من رواية نافع عنه، وقال الدارقطني: (وروي عن مغيرة بن سقلاب عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، وهو وهم، والصواب: عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه)[6]. وقد زاد المغيرة في تخليطه، فزاد لفظة: «من قلال هجر» في الحديث، قال ابن عدي: (وقوله في متن هذا: «من قلال هجر» غيرُ محفوظ، ولم يُذكر إلا في هذا الحديث من رواية مغيرة هذا عن محمد بن إسحاق)[7]، وضعف ورود هذه اللفظة الدارقطني[8].
وابن إسحاق صدوق مدلس، وهو في غير أحاديث الأحكام أقوى منه فيها. وجاء تصريحه بالسماع من محمد بن جعفر في رواية حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع، ورواية سعيد بن زيد، كلاهما عن ابن إسحاق، وحميد بن مسعدة ثقة، ولم يذكر السماع الراويان الآخران عن يزيد بن زريع (أبو كامل الجحدري ومحمد بن المنهال)، وهما ثقتان حافظان، وسعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد الحافظ، وفيه ضعف.
وقد كرر الدارقطني تعليق الحديث عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق في سننه وعلله، وفعل ذلك البيهقي، ورواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق إنما هي كتاب، وهو معروف بتمييز ما سمعه ابن إسحاق مما لم يسمعه، قال الإمام أحمد: (كان ابن إسحاق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبين: إذا كان سماعًا؛ قال: حدثني، وإذا لم يكن؛ قال: قال)[9]، ولابن إسحاق روايات في هذا الكتاب مصرح فيها بالتحديث عن محمد بن جعفر خاصة[10]، وابن إسحاق متابع على هذا الوجه، حيث تابعه الوليد بن كثير -كما سبق-، ولعل في ذلك ما يزيح الشك في سماع ابن إسحاق هذا الحديث من محمد بن جعفر، والله أعلم.
ولم يقع خلاف على محمد بن إسحاق في تعيين ابن ابن عمر بعبيدالله[11].
ج- دراسة رواية عاصم بن المنذر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر:
وصحت الرواية عن أربعة عشر راويًا، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، به مرفوعًا.
ورواه الشافعي عن الثقة من أصحابه، عن حماد، به، قال البيهقي: (وكذلك رواه وكيع بن الجراح عن حماد، ويشبه أن يكون الشافعي عنه أخذه، أو عن بعض أصحابه عنه)[12].
وقد رواه يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة، فقصر به، فلم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواية الرافعين أولى.
وقد ذكر فيها عاصم -في رواية غير واحد من الثقات عن حماد عنه- قصة، قال: كنا في بستان لنا أو لعبيدالله بن عبدالله بن عمر، فحضرت الصلاة، فقام عبيدالله إلى مقرى[13] البستان وفيه جلد بعير ميت، فأخذ يتوضأ منه، فقلنا: أتتوضأ منه وفيه هذا الجلد؟ فقال: حدثني أبي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:... فذكره.
تحرير إسناد الرواية:
وقع في هذه الرواية اختلاف في الإسناد، حيث رواه حماد بن سلمة كما وصف.
ورواه حماد بن زيد:
• فقال أبو داود -عقب رواية حماد بن سلمة-: (حماد بن زيد وقفه عن عاصم).
• وقال الدارقطني -بعد ذكره لرواية حماد بن سلمة في السنن-: (وخالفه حماد بن زيد؛ فرواه عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، موقوفًا غير مرفوع)، ونحوه لابن عبدالبر[14]، وحكاها -في العلل- هكذا: (عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيدالله، مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-).
• وقال ابن عبدالهادي: (ورواه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، موقوفًا).
ولم أقف على رواية حماد بن زيد مسندةً، ولا وجدت من وقف عليها، أو نقل إسنادها عمن أسندها[15]، والأقوى مما جاء في وصفها: أنها موقوفة على ابن عمر[16]، وأن شيخ عاصم فيها: أبو بكر بن عبيدالله بن عبدالله، ليس أبوه عبيدالله بن عبدالله.
• ورواه إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل، عن ابن عمر موقوفًا، وسبقت هذه الرواية في التخريج، وهذه الرواية مقاربة لرواية حماد، إلا أن إسماعيل أبهم شيخ عاصم، ولعله قصر به؛ للاختلاف فيه، ولكون المشهور: أن شيخ عاصم: عبيدالله بن عبدالله بن عمر، لا ابنه أبو بكر.
وهاتان الروايتان فيهما نظر، من أوجه:
الأول: أنهما -فيما يظهر- تقصير من راوييهما، وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم فجوَّده وأسنده.
الثاني: أن حماد بن سلمة ذكر فيه القصة التي ذكرها عاصم، وذِكرُ القصة قرينةٌ ظاهرة من قرائن ترجيح الروايات عند الأئمة.
الثالث: أن رواية حماد بن سلمة لا تحتمل أن يكون شيخ عاصم بن المنذر غيرُ عبيدالله بن عبدالله بن عمر، فإن عاصمًا يذكر أنه كان في بستان مع عبيدالله نفسه، وغاية ما جاء عن حماد غيرُ التصريح بكونه عبيدالله بن عبدالله: روايةُ أبي داود الطيالسي التي قال فيها: مع ابنٍ لابن عمر، وقد قصر فيها أبو داود، وبينت ابنَ ابن عمر الرواياتُ الأخرى.
ولهذا فقد رجح رواية حماد بن سلمة: ابنُ معين، قال: (هذا حديث جيد الإسناد)، قيل له: فإن ابن علية لم يرفعه، فقال: (وإن لم يحفظه ابن علية، فالحديث جيد الإسناد، وهو أحسن من حديث الوليد بن كثير)[17]. وهذا الترجيح مما يعض عليه بالنواجذ من مثل هذا الإمام الجهبذ.
تحرير متن الرواية:وقع في متن هذه الرواية اختلاف، حيث جاء في بعض الروايات: (قلتين أو ثلاثًا)، وهذا تحرير ذلك:
• روى الحديث أبو داود الطيالسي، ويعقوب بن إسحاق، وبشر بن السري، والعلاء بن عبدالجبار، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه مرفوعًا: (إذا بلغ الماء قلتين...)، ولم يذكروا الشك.
• ورواه زيد بن الحباب، ووكيع بن الجراح، وأبو الوليد الطيالسي، وإبراهيم بن الحجاج، وهدبة بن خالد، وكامل بن طلحة، عن حماد بن سلمة، به، بذكر الشك: (أو ثلاثًا)، وكذا رواه شيخ الشافعي، وسبق احتمال أنه وكيع نفسه.
• ورواه عفان بن مسلم، واختُلف عنه.
• فرواه أحمد بن حنبل عنه، عن حماد، به، وذكر الشك.
• ورواه محمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، والحسن بن محمد الزعفراني، ثلاثتهم عن عفان، عن حماد، به، ولم يذكروا الشك.
وقد اعتمد الدارقطني والحاكم والبيهقي الوجه الثاني عن عفان، وله وجه؛ من حيث إن محمد بن يحيى أحد رواته هو الذهلي، إمامٌ في الحديث بشهادة الإمام أحمد نفسه، وشهد له بذلك غيره من الحفاظ، ومتابعاه ثقتان، والزعفراني أوثقهما.
ورواه أبو سلمة التبوذكي، واختُلف عنه أيضًا:
• فرواه أبو الحسن القطان عن أبي حاتم الرازي عن أبي سلمة، وقرنه بأبي الوليد الطيالسي ومحمد بن عبيدالله بن عائشة، وقال: (نحوه)، محيلاً إلى لفظ وكيع الذي أخرجه ابن ماجه، وفيه الشك.
• ورواه أبو داود ويزيد بن سنان وإبراهيم الحربي عن أبي سلمة، ولم يذكر الشك.
ورواية الجماعة أولى، خاصة في احتمال حمل بعض الروايات على بعض في صنيع القطان، حيث إنه قدَّم في قَرنِهِ الثلاثةَ: أبا الوليد، وأبو الوليد ذكر الشك بلا خلاف عليه.
ورواه يزيد بن هارون، واختُلف عنه:
• فرواه مجاهد بن موسى، والحسن بن محمد الزعفراني، عن يزيد، عن حماد، به، وذكرا الشك.
• ورواه أبو مسعود أحمد بن الفرات عن يزيد، عن حماد، به، ولم يذكر الشك.
والاثنان ثقتان، وأبو مسعود ثقة حافظ، والزعفراني روى رواية عفان؛ فلم يذكر الشك، وروى رواية يزيد؛ فذكره، فكأنه ضبطهما، وتابعه عليه مجاهد، ولعل روايتهما أصوب.
ورواه عبيدالله بن محمد بن عائشة، واختُلف عنه:
• فرواه أبو الحسن القطان عن أبي حاتم عنه -فيما سبق وصفه مما أخرجه مقرونًا-، وأحال إلى لفظ فيه الشك.
• ورواه إبراهيم الحربي عن عبيدالله، فلم يذكر الشك.
ورواية إبراهيم الحربي مبيّنة لرواية العائشي التي قرنها أبو الحسن القطان بغيرها، وأنه لم يذكر فيها الشك.
فيضاف أبو سلمة التبوذكي وعبيدالله ابن عائشة إلى من روى الحديث عن حماد ولم يذكر الشك في عدد القلال، ويزيد بن هارون إلى من رواه بالشك، وأما عفان؛ فالرواية عنه مقاربة.
وقد أشار إلى ترجيح الرواية دون شك: الحاكم[18]، ورجحه البيهقي، قال: (ورواية الجماعة الذين لم يشكوا أولى)[19]، وقال: (والذي لم يشكوا أحفظ وأكثر، فهو أولى)[20].
والحق أن الروايتين متقاربتان، وأن رواية عفان -وهو من المقدَّمين في حماد- جاءت على وجهين صحيحين بالشك وبدونه، والظاهر أن ذلك من حماد بن سلمة نفسه، فإنه تغير حفظه لما كبر، وتغير الحفظ مدعاة للوهم والشك، ولعل هذا من ذلك.
وهذا الشك في هذه الرواية مطروحٌ بمتابعة محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر لعاصم بن المنذر على روايته عن ابن ابن عمر، حيث إنهما روياه بدون شك، مما يبين أن ذكر الثلاث قلال مُتوهَّم في هذه الرواية.
النظر في المدار:
وهو حماد بن سلمة، وهو ثقة حافظ مشهور، وشيخه عاصم بن المنذر بن الزبير ثقة أيضًا، قال فيه أبو زرعة: (ثقة)، وقال أبو حاتم: (صالح الحديث)، وقال البزار: (ليس به بأس)، وذكر أنه لم يحدث إلا بهذا الحديث، وقد سبق أن ابن معين جوَّد هذا الإسناد، وقد قال فيه ابن عبدالبر: (ليس بحجة)، ونقل عن إسماعيل بن إسحاق قوله فيه وفي محمد بن جعفر بن الزبير: (هذان شيخان لا يحتملان التفرد بمثل هذا الحكم الجليل، ولا يكونان حجة فيه)[21]، وفي كلامهما -رحمهما الله- نظر، فهؤلاء الأئمة يوثقونه ويجودون حديثه، وقولهم أولى.
تعيينُ ولدِ ابنِ عمر الراوي للحديث عن أبيه:
• لم يختلف على عاصم بن المنذر أنه عيّنه لما روى عنه بعبيدالله بن عبدالله بن عمر، وقصر أبو داود الطيالسي؛ فأبهمه.
• ورواه محمد بن جعفر بن الزبير عن ابن ابن عمر، واختُلف عنه.
• فرواه عنه الوليد بن كثير، واختُلف عنه.
• فرواه أبو أسامة عنه، وجعله: عبدالله بن عبدالله بن عمر، إلا في رواية محمد بن عبدالله المخرمي وحوثرة بن محمد، فقد جعلاه عنه: عبيدالله.
• ورواه عيسى بن يونس وعباد بن صهيب عنه، فجعلاه: عبيدالله بن عبدالله بن عمر،
• ولم يُختلف على محمد بن إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر في تعيينه بعبيدالله بن عبدالله بن عمر،
• ورواه أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن ابن عمر، وجعله: عبدالله،
وقد ساق ابن عبدالبر طرفًا من هذه الطرق، ثم قال: (ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث إلى أن القلتين غير معروفتين، ومحالٌ أن يتعبدالله عباده بما لا يعرفونه)[22]، وفي مقابل ذلك، رجح الحاكم أن الحديث صحيح من طريق عبيدالله بن عبدالله، وأخيه عبدالله جميعًا، قال -بعد أن ذكر طرفًا من الخلاف-: (وهو مما لا يوهنه، فإن الحديث قد حدث عبيدالله وعبدالله جميعًا)[23].
ولعل في جميع ذلك نظرًا، حيث إن الحديث راجح عن أحدهما، مرجوح عن الآخر، وفيما يلي بيان ذلك:
فأما رواية محمد بن جعفر بن الزبير؛ فقد قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، فقلت: إنه يقول: عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورواه الوليد بن كثير، فقال: عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء». فقال أبو زرعة: (ابن إسحاق ليس يمكن أن يُقضى له)[24].
فرجح أبو زرعة رواية الوليد، وذلك -فيما يظهر من عبارته- أن ابن إسحاق ليس بالثبت في أحاديث الأحكام، وإنما قوَّته وثبته في المغازي والسير.
وقد يَرِدُ على هذا ثلاثة أمور:
الأول: أنه لم يُتفق عن الوليد بن كثير في ذكر عبدالله بن عبدالله بن عمر، فأبو أسامة مخالف في ذلك.
الثاني: أن الخلاف في تسمية الرواة له مدخل في السير والتراجم، وقد يهتم المختص في المغازي والسير باسم الراوي في الإسناد، فيضبطه ويتقنه.
الثالث: أن النظر في طرق هذا الحديث كلها يوضح أن تعيين ابن ابن عمر بعبدالله لم يأتِ إلا من طريق أبي أسامة، وسائر الروايات تذكر عبيدالله.
ولذا؛ فقد نقل البيهقي كلامًا لإسحاق بن راهويه، قال: (وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -رحمه الله- يقول: «غلط أبو أسامة في عبدالله بن عبدالله، إنما هو عبيدالله». واستدل بما رواه عن عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر...)[25]، ثم أسند البيهقي رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقال: (وفي رواية محمد بن إسحاق تَوَكُّدُ[26] ما قال إسحاق، وكذلك رواية عاصم بن المنذر...)، ثم أسند رواية عاصم، إلى أن قال: (وكل ذلك يؤكد قول إسحاق الحنظلي، والله أعلم)[27].
وقول ابن راهويه والبيهقي أولى بالصواب، لأمور:
الأول: أن بعض الرواة رواه عن أبي أسامة بتعيينه بعبيدالله، رواه عنه كذلك محمد بن عبدالله المخرمي -وهو ثقة حافظ-، وحوثرة بن محمد -وهو ثقة-، وروايتهما -وإن كانت خلاف رواية الكثيرين-؛ فهي محدثةٌ نظرًا في ضبط أبي أسامة لهذا الاسم، فإنه قد يكون الاختلاف في التسمية من أبي أسامة نفسه.
الثاني: أن عيسى بن يونس وعباد بن صهيب خالفا أبا أسامة، فعيناه بعبيدالله، والاعتداد برواية عيسى، وأما عباد بن صهيب فمتروك.
الثالث: أن محمد بن إسحاق تابع الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير بتعيين ابن ابن عمر بعبيدالله.
الرابع: أن عاصم بن المنذر تابع محمد بن جعفر بن الزبير بتعيين ابن ابن عمر بعبيدالله، ولو صح أن الوليد بن كثير يرويه بتعيينه بعبدالله، فقد خالفه محمد بن إسحاق؛ فعينه بعبيدالله، وسبق أن ابن إسحاق متقن للمغازي والسير، وأن لتعيين الرجال وتسميتهم في الأسانيد مدخل في ذلك، فالأرجح رواية ابن إسحاق.
لذا قال ابن حجر: (وعند التحقيق، الصواب أنه... عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر المصغر، ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم)[28]،
وأما رواية محمد بن عباد بن جعفر؛ فقد جاءت من رواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير عنه، وعينه بعبدالله.
وقد قال ابن حجر: (وعند التحقيق، الصواب: أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبدالله بن عبدالله بن عمر المكبر...، ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم)[29].
وقول ابن حجر -رحمه الله- مستقيم بالنظر إلى ظاهر إسناد رواية محمد بن عباد، إلا أنه يحتمل أن أبا أسامة لم يضبط الاسم في هذا الحديث جيدًا، فأخطأ فيه في رواية محمد بن جعفر ورواية محمد بن عباد -كما سبق بيانه-.
ولو صح أن محمد بن عباد يرويه كذلك، فقد خالفه محمد بن جعفر بن الزبير وعاصم بن المنذر، فجعلا الحديث من رواية عبيدالله بن عبدالله بن عمر.
والحديث من رواية عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه، أشهر وأصح وأولى بالصواب. والله أعلم.
النظر في المدار:
قد ثبت أنه روى الحديث محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وعاصم بن المنذر، ثلاثتهم عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعبيدالله ثقة، وثقه ابن سعد والعجلي وأبو زرعة والنسائي.
ولو صحت الرواية عن عبدالله بن عبدالله، فعبدالله ثقة، والأمر -كما قال ابن حجر- انتقالٌ من ثقة إلى ثقة[30].
وحاصل ذلك: أن حديث القلتين صحيح من هذه الطريق، وتكاثر الروايات والأوجه وتعددها واختلافها لا يعني ضعف الحديث واضطرابه، فليس كل اختلاف اضطرابًا.
وقد صحح الحديث من هذه الطريق: ابن معين، والطبري، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وعبدالحق الإشبيلي، وغيرهم.
د- دراسة رواية مجاهد عن ابن عمر:اختُلف فيه على زائدة:
• فرواه عبدالله بن الحسين بن جابر عن محمد بن كثير عن زائدة عن ليث عن مجاهد به مرفوعًا.
• ورواه معاوية بن عمرو عن زائدة عن ليث عن مجاهد به موقوفًا.
وعبدالله بن الحسين ضعيف[31]، وأعل روايته الدارقطني، قال: (رفعه هذا الشيخ عن محمد بن كثير عن زائدة، ورواه معاوية بن عمرو عن زائدة موقوفًا، وهو الصواب)[32]، وقال: (والموقوف أصح)[33]، ومعاوية بن عمرو مقدَّم في زائدة، ويؤيده أن عبدالسلام بن حرب تابع زائدة على الوقف.
وليث الراوي عن مجاهد هو ليث بن أبي سليم، ضعيف مشهور الضعف.
فهذا موقوف ضعيف.
2- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه الدارقطني (1/21) من طريق محمد بن وهب السلمي، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف ويشرب منه الكلاب والدواب، فقال: «ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء».
دراسة الإسناد:
محمد بن وهب صدوق، وقد رواه جماعة كثيرون عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، وهو الحديث السابق.
فإن كان حفظه محمد بن وهب، فإن رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين -خاصة المدنيين والحجازيين- فيها تخليط، وحديثه عنهم منكر ليس بشيء عند بعض الأئمة، ومحمد بن إسحاق مدني، فالظاهر أن الخلل وقع من هذه الجهة، وإلا فالأمر كما قال الدارقطني -عقب تخريج هذه الرواية-: (كذا رواه محمد بن وهب عن إسماعيل بن عياش بهذا الإسناد، والمحفوظ: عن ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه).
ولم أجد من خرَّج الوجه المحفوظ -عند الدارقطني- عن ابن عياش.
3- تخريج مرسل عبيدالله بن عبدالله بن عمر:
أخرجه أخرجه عبدالرزاق (266) - ومن طريقه الدارقطني (1/23) والبيهقي في معرفة السنن (1885)- عن إبراهيم بن محمد، وذكر البيهقي في معرفة السنن (2/90) أن الشافعي رواه عن رجل، كلاهما عن أبي بكر بن عمر بن عبدالرحمن، عن أبي بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء».
دراسة الإسناد:
إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلمي، متروك مشهور، وكثيرًا ما يبهمه الشافعي بالثقة والرجل، وقد وقع ذلك هنا، قال البيهقي: (رواه الشافعي في القديم عن رجل, عن أبي بكر بن عمر, إلا أنه شك في إسناده، والرجل هو إبراهيم بن محمد).
وروايته هذه منكرة، وقد ورد عن أبي بكر بن عبيدالله أصح منها، وهو ما سبق في رواية عاصم بن المنذر بن الزبير عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر.
4- تخريج مرسل ابن جريج:
أخرجه عبدالرزاق (258) -ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (190) والخطابي في معالم السنن (1/35)- عن ابن جريج، قال: حُدِّثتأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا ولا بأسًا»، قال ابن جريج: زعموا أنها قلال هجر. وفي لفظ رواية الخطابي: «إذا كان الماء قلتين بقلال هجر...».
دراسة الإسناد:
صحيح عن ابن جريج، وهو مرسل، قال ابن المنذر: (وحديث ابن جريج مرسل لا يثبت... فالحديث في نفسه مرسل لا تقوم به حجة)[34].
5- تخريج مرسل يحيى بن يعمر:أخرجه الدارقطني (1/24) -ومن طريقه وطريق أخرى البيهقي في السنن (1/263) ومعرفة السنن (1896) والخلافيات (953)- من طريق أبي حميد المصيصي، عن حجاج - هو ابن محمد المصيصي-، والبيهقي في السنن (1/264) ومعرفة السنن (1897) من طريق أبي قرة موسى بن طارق، كلاهما عن ابن جريج، أخبرني محمد -زاد حجاج: بن يحيى-، أن يحيى بن عقيل أخبره أن يحيى بن يعمر أخبره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا ولا بأسًا»، قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ -وفي رواية أبي قرة: أي قلال؟-، قال: قلال هجر.
وأخرجه الشافعي في الأم (2/10، 11) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/263) ومعرفة السنن (1888)- قال: أخبرنا مسلم -يعني: ابن خالد-، عن ابن جريج، بإسناد لا يحضرني حفظه, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا»، وقال في الحديث: «بقلال هجر».
دراسة الإسناد:الإسناد الأول صحيح عن ابن جريج، والثاني فيه أبو العباس أحمد بن محمد بن الأزهر السجستاني، تكلم فيه[35]، لكن روايته تعتضد بالأولى.
وأما شيخ ابن جريج؛ فقال الحافظ أبو أحمد الحاكم -أحد رواة إسناد البيهقي من طريق أبي قرة[36]-: (محمد هذا الذي حدث عنه ابن جريج هو محمد بن يحيى، يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل)، ولم أجد في الكلام عليه أزيد من هذا، قال ابن حجر: (وكيف ما كان فهو مجهول)[37].
ففي الإسناد نظر لجهالة حال محمد بن يحيى هذا، ثم إنه مرسل؛ لأن يحيى بن يعمر تابعي.
وأما رواية الشافعي من طريق ابن جريج بإسناد لم يحضره، فقد رجح الرافعي وابن الأثير أن ذلك الإسناد هو إسناد مرسل يحيى بن يعمر نفسه[38].
6- تخريج مرسل خالد بن كثير الهمداني:أخرجه أبو عبيد في الطهور (167) عن عباد بن عوام، والطبري في تهذيب الآثار (1053-مسند ابن عباس) من طريق هشام بن حسان، كلاهما عن واصل، عن خالد بن كثيرقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسًا».
دراسة الإسناد:
الإسنادان صحيحان إلى واصل، والحديث مرسل أو معضل، قال البخاري: (خالد بن كثير الهمداني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل)[39]، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن خالد بن كثير يروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (ليست له صحبة)، قلت: إن أحمد بن سنان أدخله في مسنده، فقال أبي: (خالد بن كثير يروي عن الضحاك وعن أبي إسحاق الهمداني)[40].
تنبيه:
قال المؤلف (1/73): (وإنما خُصَّت القلتان بقلال هجر؛ لوروده في بعض ألفاظ الحديث...):
وهذا جاء في رواية المغيرة بن سقلاب، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، به مرفوعًا، وسبق الكلام عليها وبيان نكارتها، وجاء في مرسل يحيى بن يعمر، وسبق أن فيه رجلاً مجهولاً، وأنه مرسل، وجاء كذلك في مرسل ابن جريج، وقد عقب روايته المرفوعة بقوله: (زعموا أنها قلال هجر)، لكن جاء في رواية الخطابي من طريق عبدالرزاق عنه إدخالُها في الحديث، وهو خطأ. وحتى لو صح إدخالها فالحديث مرسل، قال ابن المنذر: (فالحديث في نفسه مرسل لا تقوم به حجة، وقد فصل ابن جريج بين الحديثين، وبيَّن من قال برأيه، حيث قال: "زعموا"، وقوله: "زعموا" حكاية عمن لم يسمه، ولو سماه بعد أن يكون من أهل عصره لم يكن حجة، ولو كان الذي أخبره ثقة...)[41].
وقد ذهب إلى ضعف روايات تقديره بقلال هجر جميعًا: الدارقطني، قال -بعد أن ذكر بعض روايات الحديث-: (والتوقيت غير ثابت)[42]، يعني: التقدير.
ـــــــــــــــ ــــــ
[1] الثقات (8/477).
[2] العلل (12/373).
[3] رواه عنه: أبو القاسم بن الصقر، وهو علي بن الصقر السكري، قال فيه الدارقطني -كما في تاريخ بغداد (11/440)-: (ليس بالقوي)، لكن شيخه ابن عائشة متابع هنا عن حماد بن سلمة.
[4] انظر: لسان الميزان (6/78).
[5] الكامل (6/359).
[6] العلل (12/372، 373).
[7] الكامل (6/359).
[8] العلل (12/372، 373).
[9] انظر: العلل ومعرفة الرجال لأحمد برواية المروذي (ص38، 39).
[10] انظر: مسند أحمد (3/496، 6/10، 274-277) وغيرها.
[11] ووقع في مطبوعة المستدرك في رواية أحمد بن خالد الوهبي عن ابن إسحاق: عبدالله، وصوابه: عبيدالله -كما في إتحاف المهرة (8/572)-.
[12] معرفة السنن (2/88).
[13] المقرى: الحوض الذي يجتمع فيه الماء.
[14] التمهيد (1/329).
[15] وقد سِيْقَ لابن معين رواية حماد بن سلمة، ثم اعتُرض عليها برواية إسماعيل بن علية الآتية، ولم تُذكر رواية حماد، والظن أنها لو كانت معروفة عندهم لذكروها، خاصة أن ابن معين يقوي حماد بن زيد على ابن علية.
[16] الذي في الإسناد: عن أبي بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن أبيه. ولعل المقصود بأبيه: جده الصحابي ابن عمر، وبهذا صرح ابن عبدالبر في سياقه الإسناد، ويدل له: أن الدارقطني عقب هذا الإسناد بقوله: (موقوفًا غير مرفوع)، والموقوف هو قول الصحابي -كما لا يخفى-.
[17] تاريخ الدوري عن ابن معين (4152)، وقد سيقت رواية حماد بن سلمة فيه، فذُكر أن شيخ عاصم بن المنذر: أبو بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، ولم أجد هذا في طريقٍ عن حماد، بل كلها متفقة عنه على أن شيخ عاصم: عبيدالله بن عبدالله بن عمر، سوى رواية أبي داود الطيالسي المشار إليها.
[18] المستدرك (1/134).
[19] السنن (1/262).
[20] الخلافيات (3/179).
[21] التمهيد (24/18، 19).
[22] التمهيد (1/329)، وانظره (24/18).
[23] المستدرك (1/134)، ووقع فيه سقط وتحريف، تصويبه من الخلافيات (3/165)، وانظر: معرفة السنن (2/86).
[24] العلل (1/44).
[25] معرفة السنن (2/86، 87).
[26] في المطبوع: (تَوَكَّدَ)، كذا ضبطه المحقق، والكلمة محتملة.
[27] معرفة السنن (2/88-90).
[28] التلخيص الحبير (1/17).
[29] التلخيص الحبير (1/17).
[30] التلخيص (1/17).
[31] سبق الكلام فيه في تخريج الحديث (1).
[32] السنن (1/23).
[33] العلل (12/372).
[34] الأوسط (1/271).
[35] لسان الميزان (1/253، 254).
[36] عينه ابن القيم في تهذيب السنن (1/76) بابن عدي، وفي هذا نظر؛ فشيخ البيهقي (أبو حازم العبدوي) مشهور بالرواية عن أبي أحمد الحاكم، وعينه به في غير موضع من كتب البيهقي، وأصاب ابن حجر في تعيينه -في التلخيص الحبير (1/19)-.
[37] التلخيص الحبير (1/19).
[38] نقله عنهما ابن الملقن -في البدر المنير (1/414)-.
[39] التاريخ الكبير (3/169).
[40] المراسيل (ص54).
[41] الأوسط (1/271، 272).
[42] العلل (12/373).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ورفع الله قدرك على هذا العمل المبارك..
قلت رحمك الله:
اقتباس:
وتكاثر الروايات والأوجه وتعددها واختلافها لا يعني ضعف الحديث واضطرابه، فليس كل اختلاف اضطرابًا.
وأقول:
والله يا شيخ (سليمان) هذا ما عنيته بحديث نزول الله سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان، فمجرد النقل القح بلا تأصيل علمي للروايات والطرق منقصة عظيمة للمشتغل بعلم تخريج الحديث، بشرط أن لا يكون قد اطلع على مجموع الروايات في ذلك، فالله أعلم.
هذا ما أحببت التنويه عليه، وواصل بارك الله فيك فعملك قيم.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
11-(1/72) (... وحديث: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»).
وهو حديث بئر بضاعة المشهور، وقد جاء عن غير واحد من الصحابة:
1- تخريج حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-:
قال الترمذي: (وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي سعيد)[1]:
الوجه الأول: عن ابنٍ لابنِ رافع بن خديج -مختلفٍ في اسمه-، عن أبي سعيد:
أخرجه أبو داود الطيالسي (ص292)[2] -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (968)-، وسمويه في فوائده (17) والطبري في تهذيب الآثار (1055-مسند ابن عباس) من طريق أبي سلمة التبوذكي موسى بن إسماعيل[3]، والطحاوي (1/11) من طريق الحجاج بن منهال[4]، ثلاثتهم -أبو داود وأبو سلمة والحجاج- عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، وأخرجه الشافعي (797) عن الثقة عنده[5]، وأبو عبيد في الطهور (146) عن أبي معاوية[6]، والطبري في تهذيب الآثار (1049-مسند ابن عباس) من طريق يزيد بن هارون[7]، وفيه (1051-مسند ابن عباس) من طريق عبدالله بن المبارك[8]، والبيهقي في السنن (1/258) ومعرفة السنن (1815) من طريق محمد بن عبدالله بن عبدالحكم[9]، وفي السنن (1/258) من طريق بحر بن نصر[10]، كلاهما عن ابن وهب، وعلقه الدارقطني في العلل (11/288) عن وكيع[11]، ستتهم -الثقة عند الشافعي وأبو معاوية ويزيد وابن المبارك وابن وهب ووكيع- عن ابن أبي ذئب، وأبو عبيد في الطهور (146) عن أبي معاوية[12]، وعلقه الدارقطني في العلل (11/287) عن جرير بن عبدالحميد[13]، كلاهما عن محمد بن إسحاق، كلاهما -ابن أبي ذئب وابن إسحاق- عن رجل، وأخرجه أبو عبيد في الطهور (145) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (11/335، 336)- والطحاوي (1/11) والدارقطني (1/31) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (971)- من طريق أحمد بن خالد الوهبي[14]، وأحمد (3/86) والطبري في تهذيب الآثار (1061-مسند ابن عباس) والدارقطني (1/31) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (972، 973)- من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه[15]، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/156، 157) وأبو داود (67) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/257) ومعرفة السنن (1817)- والطبري في تهذيب الآثار (1050-مسند ابن عباس) والدارقطني (1/30) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (970)- من طريق محمد بن سلمة الحراني[16]، والطبري في تهذيب الآثار (1048-مسند ابن عباس) من طريق سلمة بن الفضل[17]، وعلقه البخاري في التاريخ (5/389) والبيهقي في السنن (1/257) عن يحيى بن واضح[18] ويونس بن بكير[19]، وعلقه الدارقطني في العلل (11/287) عن شعيب بن إسحاق[20]، كلهم -سبعة رواة- عن محمد بن إسحاق، والشافعي -كما نقل البيهقي في معرفة السنن (2/78)- عن رجل[21]، كلاهما -ابن إسحاق والرجل- عن سليط بن أيوب، وأخرجه ابن أبي شيبة (1505، 36092) - وعنه سمويه في فوائده (19)-[22]، وأحمد (3/31) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (19/83)-[23]، والبخاري في التاريخ الكبير (5/389) من طريق عبدالله بن محمد[24]، وأبو داود (66) -وعنه ابن الأعرابي في معجمه (1411)- عن أبي كريب محمد بن العلاء[25]، وأبو داود (66) والترمذي (66) عن الحسن بن علي الخلال[26]، وأبو داود (66) عن محمد بن سليمان الأنباري[27]، والترمذي (66) عن هناد[28]، والنسائي (1/174) وابن المنذر في الأوسط (188) من طريق هارون بن عبدالله[29]، وابن الجارود (47) والطبري في تهذيب الآثار (1054-مسند ابن عباس) عن موسى بن عبدالرحمن[30]، وابن الجارود (47) والدارقطني (1/29) من طريق محمد بن عثمان[31]، وابن الأعرابي في معجمه (1410) والبيهقي في السنن (1/4، 257) من طريق الحسن بن علي بن عفان[32]، وفي الخلافيات (966) من طريق أحمد بن عبدالجبار الحارثي[33]، وابن حبان في الثقات (7/548، 549) من طريق علي بن الجعد[34]، والدارقطني (1/29) من طريق يوسف بن موسى ومحمد بن أحمد بن أبي عون ويعقوب بن إبراهيم الدورقي[35]، والبغوي في شرح السنة (2/60) وتفسيره (6/88) من طريق صدقة بن الفضل[36]، كلهم -سبعة عشر رجلاً- عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب القرظي، وأخرجه أحمد (3/86) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن الوليد بن كثير[37]، وسمويه في فوائده (18) عن محمد بن يحيى، والطبري في تهذيب الآثار (1062-مسند ابن عباس) عن محمد بن سعد العوفي، والدارقطني (1/31، 32) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (974)- من طريق عبيدالله بن سعد، ومحمد بن شوكر[38]، أربعتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق[39]، كلاهما -الوليد وابن إسحاق- عن عبدالله بن أبي سلمة، خمستهم -ابن إسحاق والرجل المبهم وسليط ومحمد بن كعب وعبدالله بن أبي سلمة- عن ابنِ ابنِ رافع، عن أبي سعيد الخدري، به.
الوجه الثاني عن أبي سعيد الخدري: عن أبي نضرة العبدي، عنه:
أخرجه أبو داود الطيالسي (ص286) -ومن طريقه البيهقي (1/258)- والبيهقي في الخلافيات (978) من طريق قيس بن الربيع، وأبو عبيد في الطهور (147) عن الهيثم بن جميل، والطبري في تهذيب الآثار (1056-مسند ابن عباس) والبيهقي (1/258) من طريق محمد بن الصباح الدولابي، والطبري (1056) والطحاوي (1/12) والبيهقي في الخلافيات (979) من طريق محمد بن سعيد الأصبهاني، ثلاثتهم عن شريك، كلاهما -قيس وشريك- عن طريف أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، به.
وجاءت رواية محمد بن سعيد الأصبهاني عن شريك بالشك في كون الصحابي جابرًا أو أبا سعيد.
الوجه الثالث عن أبي سعيد الخدري: عن رجل، عنه:
أخرجه عبدالرزاق (255) عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن الرجل، به.
الوجه الرابع عن أبي سعيد الخدري:عن ابن أبي سعيد، عن أبيه أبي سعيد:
أخرجه أحمد (3/15، 16) -ومن طريقه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/82) والمزي في تهذيب الكمال (8/186، 187)- عن عبدالصمد بن عبدالوارث، وسمويه في فوائده (16) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (11/336)- والبيهقي (1/257) من طريق عبدالله بن مسلمة، والنسائي (1/174) من طريق عبدالملك بن عمرو أبي عامر العقدي، وأبو يعلى (1304) من طريق يونس بن محمد، والطبري في تهذيب الآثار (1052-مسند ابن عباس) من طريق داود بن بلال السعدي، والطحاوي (1/12) من طريق عيسى بن إبراهيم البركي، والبيهقي في الخلافيات (975) من طريق بشر بن السري، والعلاء بن عبدالجبار، ثمانيتهم عن عبدالعزيز بن مسلم، عن مطرف بن طريف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب، عن ابن أبي سعيد، به.
إلا أنه سقط سليط في المطبوع من مسند أحمد، وفي نسخة الحافظ الخطيب منه، فصار يرويه خالد عن ابن أبي سعيد مباشرة، قال الخطيب: (كذا في كتابي: عن خالد بن أبي نوف عن ابن أبي سعيد، وروى هذا الحديث يونس بن محمد المؤدب عن عبدالعزيز، فقال: عن خالد بن أبي نوف عن سليط عن أبي سعيد)، وكأن الخطيب يستغرب هذه الرواية.
وقد وقعت على الصواب بذكر سليط في رواية المزي من طريق أحمد[40]، وفي أطراف المسند لابن حجر[41]، وفي إتحاف المهرة[42] -وهو منقول عن الأطراف-.
كما سقط سليط في رواية الطحاوي من طريق البركي.
الوجه الخامس عن أبي سعيد الخدري: عن سليط بن أيوب، عنه:
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/169) -ومن طريقه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/83)- والطبري في تهذيب الآثار (1052-مسند ابن عباس) وابن أبي حاتم في المراسيل (ص195) من طريق أسباط بن محمد، والطبري في تهذيب الآثار (1052-مسند ابن عباس) من طريق محمد بن فضيل، كلاهما -أسباط وابن فضيل- عن مطرف بن طريف، عن خالد السجستاني[43]، عن محمد بن إسحاق، عن سليط، به.
الوجه السادس عن أبي سعيد الخدري: عن عطاء بن يسار، عنه:
أخرجه ابن ماجه (519) عن أبي مصعب المدني، والطبري في تهذيب الآثار (1058-مسند ابن عباس) والبيهقي (1/258) من طريق ابن أبي أويس، كلاهما عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء، به.
الوجه السابع عن أبي سعيد الخدري: عن أبي مسكين، عنه:
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1057-مسند ابن عباس) من طريق قرة بن سليمان، عن سليمان بن أبي داود، عن أبي مسكين، به.
الوجه الثامن عن أبي سعيد الخدري: عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عنه:
علقه الدارقطني في العلل -كما في تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (1/31)[44]- عن أبي أحمد الزبيري، عن ابن أبي ذئب، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن عبيدالله، به.
دراسة الأسانيد:
أ- دراسة أسانيد رواية ابن ابن رافع بن خديج عن أبي سعيد:
وقع في هذه الرواية خلاف إسنادي، وخلاف في اسم الراوي عن أبي سعيد، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أ- الخلاف الإسنادي:
وسأقدم الخلاف على الرواة الأدنين، لتحرير الراجح عنهم، واعتماده في الخلاف على الرواة الأعلين:
الخلاف على مطرف بن طريف:
اختُلف عنه:
- فرواه عبدالعزيز بن مسلم -في أكثر الروايات عنه- عن مطرف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه[45].
- ورواه أسباط بن محمد ومحمد بن فضيل -من رواية الحسن بن سهل الجعفري عنه- عن مطرف، عن خالد السجستاني، عن محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن أبي سعيد الخدري.
ورواية أسباط أقوى، خاصة أنه تابعه محمد بن فضيل، والحسن بن سهل الراوي عن ابن فضيل روى عنه أبو زرعة[46]، وذكره ابن حبان في الثقات[47]، وقد روى هذا الحديث عن أسباط أيضًا، فلعل روايته حسنة مقبولة.
وحتى لو كان الخلاف بين عبدالعزيز بن مسلم وأسباط؛ فلعبدالعزيز بن مسلم أوهام، وقد اختُلف عليه في هذا الحديث، وهذا يشير إلى عدم ضبطه إياه.
وأما أسباط؛ فله اختصاص بمطرف، قال البرقي: (الكوفيون يضعفونه، وهو عندنا ثبت فيما يروي عن مطرف)، ووثقه غير واحد، ولعل تضعيف من ضعفه متوجه إلى روايته عن سفيان.
فرواية أسباط وابن فضيل هي الراجحة.
الخلاف على يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه:
- روى الحديث أحمد بن حنبل ومحمد بن سعد العوفي ومحمد بن شوكر عن يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه محمد بن يحيى ومحمد بن سعد العوفي ومحمد بن شوكر وعبيدالله بن سعد بن إبراهيم بن سعد عن يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن أبي سلمة، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه أحمد عن يعقوب، عن أبيه، عن الوليد بن كثير، عن عبدالله بن أبي سلمة، عن عبيدالله، عن أبي سعي.
فأما الوجهان الأولان، فقد اشترك بعض رواتهما فيهما -كما يظهر-، وبيَّن محمد بن سعد العوفي أن ابن إسحاق هو الذي قرن بين شيخيه فيهما، وليس الأمر اختلافًا على يعقوب عن أبيه عنه، فقال -بعد أن روى عن يعقوب الوجه الأول-: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني عبدالله بن أبي سلمة.
فهذان الوجهان صحيحان.
وأما الوجه الأخير، وهو رواية أحمد؛ ففي النفس منه شيء، للأمور التالية:
1- أن أكثر الرواة عن يعقوب لا يروون طريق عبدالله بن أبي سلمة إلا من رواية يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق، لا عن الوليد بن كثير.
2- أنه بيَّن بعضُ الرواة أن ابن إسحاق هو الذي يقرن بين سليط بن أيوب وعبدالله بن أبي سلمة، فيرويه عنهما عن عبيدالله عن أبي سعيد، فالذي جاء بعبدالله بن أبي سلمة إنما هو ابن إسحاق نفسه، لا الرواة عنه.
3- أن هذا الحديث جاء في المسند في سياقة عدة أحاديث ليعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق، ومنها الوجه الأول (رواية ابن إسحاق عن سليط)، فربما كان هذا الحديث من هذه السلسلة، لكن حصل خطأ في إبدال محمد بن إسحاق بالوليد بن كثير.
4- أن الرواية المشهورة عن الوليد بن كثير هي التي يرويها أبو أسامة عنه، عن محمد بن كعب، عن عبيدالله، عن أبي سعيد، ولم يُشر أحدٌ -فيما وقفت عليه- إلى خلافٍ على الوليد بن كثير.
5- أن الرواة عن يعقوب اتفقوا على تسمية الرواي عن أبي سعيد من طريق عبدالله بن أبي سلمة: عبدالله بن عبدالله بن رافع، وانفردت رواية أحمد هذه بتسميته: عبيدالله بن عبدالرحمن، وهذا يحدث فيها نظرًا، وهذه التسمية صحيحة عن يعقوب في رواية محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب -كما سيأتي-.
6- أن الدارقطني[48] والبيهقي[49] لم يذكرا رواية عبدالله بن أبي سلمة إلا من طريق محمد بن إسحاق عنه.
7- أنه لم يذكر عبدالله بن أبي سلمة في شيوخ الوليد بن كثير -فيما وقفت عليه من تراجمه-[50]، ولو كانت روايته عنه صحيحة في المسند لاشتهرت عنه.
ففي الرواية عن الوليد بن كثير من هذا الوجه نظر، والله أعلم.
الخلاف على محمد بن إسحاق:
جاء الحديث عنه من وجوه:
- فرواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه أبو معاوية وجرير بن عبدالحميد عن ابن إسحاق، عن رجل، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.- ورواه خالد السجستاني عنه عن سليط بن أيوب، عن أبي سعيد.
- ورواه سبعة رواة (هم أحمد بن خالد الوهبي، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن سلمة الحراني، وسلمة بن الفضل، ويحيى بن واضح، ويونس بن بكير، وشعيب بن إسحاق) عن ابن إسحاق، عن سليط، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن عبدالله بن أبي سلمة، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- وجاءت رواية عن ابن أبي ذئب عن ابن إسحاق، تأتي في الخلاف على ابن أبي ذئب.
فأما رواية حماد بن سلمة؛ ففيها إسقاط سليط، وهو الواسطة بين ابن إسحاق وعبيدالله الراوي عن أبي سعيد، قال البيهقي: (فحرَّفه حماد، وإنما رواه محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب)[51]، وربما كان المُسقِط ابن إسحاق، فإنه معروف بالتدليس.
وأما رواية أبي معاوية وجرير بن عبدالحميد؛ ففيها إبهام الواسطة، قال الدارقطني بعد أن ذكر رواية جرير: (وقد قارب؛ لأن ابن إسحاق رواه عن سليط بن أيوب عن عبيدالله)[52]، فهذا تقصير من ابن إسحاق أو من الروايين عنه في التصريح باسم الواسطة، وهو مذكور في الروايات الأخرى.
ورواية الجماعة هي المبينة لما سبق، من أن الواسطة بين ابن إسحاق وعبيدالله: سليط بن أيوب.
وأما رواية خالد السجستاني؛ فخالد هو ابن أبي نوف، وفيه جهالة، وعند البخاري أنه ابن كثير الهمداني، وخالفه أبو حاتم وابن حبان، وأيًّا يكن؛ فروايته هذه مرجوحة برواية الجماعة الذين ذكروا الواسطة بين سليط وأبي سعيد.
وأما رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي سلمة؛ فقد سبق بيان أن ابن إسحاق هو الذي قرن ابن أبي سلمة بسليط بن أيوب، وإبراهيم بن سعد من أعرف الناس بحديث ابن إسحاق، وكان له كتاب عنه يبيِّن سماعه من عدمه[53]، فهذه الرواية صحيحة عن ابن إسحاق أيضًا.
الخلاف على ابن أبي ذئب:
اختُلف عنه:
- فرواه الثقة عند الشافعي عن ابن أبي ذئب، عن رجل، عمن حدثه أو عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه أبو معاوية الضرير ويزيد بن هارون وعبدالله بن المبارك وعبدالله بن وهب ووكيع عن ابن أبي ذئب، عن رجل، عن عبيدالله، عن أبي سعيد.
- ورواه معمر، عن ابن أبي ذئب، عن رجل، عن أبي سعيد مباشرة.
- ورواه أبو أحمد الزبيري، عن ابن أبي ذئب، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن أبي سعيد.
- ورواه عبدالله بن ميمون القداح، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
- ورواه عدي بن الفضل، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن إسحاق، عن عياض وعقبة، عن أبي هريرة.
وراويا الوجهين الأخيرين عن ابن أبي ذئب متروكان[54]، لا يعتد بروايتيهما ولا ينظر إليهما.
وأما رواية أبي أحمد الزبيري؛ فمعلقة لا يدرى إسنادها، وإن صحت عنه، فهي مرجوحة برواية الجماعة الثقات الكبار الذين اتفقوا على روايته عن ابن أبي ذئب على الوجه الأول.
وقد قصر معمر؛ فلم يذكر عبيدالله الراوي عن أبي سعيد، ولعله للاختلاف في اسمه.
وشكُّ شيخ الشافعي غير مؤثر في مقابلة رواية الجماعة، وهي أولى بالصواب عن ابن أبي ذئب.
ب- الخلاف في اسم الراوي عن أبي سعيد الخدري:
وسأقتصر في سرده على ما جاء في الروايات الراجحة -إذا كانت مما وقع فيه الخلاف الإسنادي السابق-، لأن الخطأ في الروايات المرجوحة واقع في الأسانيد، فأولى به أن يقع في أسماء الرجال فيها:
الخلاف في رواية ابن أبي ذئب عن الرجل:
اختُلف على ابن وهب عن ابن أبي ذئب في اسم الراوي عن أبي سعيد:
- فسماه محمد بن عبدالله بن عبدالحكم عنه: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
- وسماه بحر بن نصر عنه: عبدالله بن عبدالرحمن العدوي.
واتفق شيخ الشافعي الثقة عنده[55]، وأبو معاوية محمد بن خازم[56]، ويزيد بن هارون، وعبدالله بن المبارك= على تسميته: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
وقال وكيع: عبيدالله بن عبدالله، ورواية وكيع علقها الدارقطني، ولا يُدرى إسنادها.
والرواية الموافقة للجماعة عن ابن وهب أقوى، وهي الصحيحة عن ابن أبي ذئب.
الخلاف في رواية محمد بن إسحاق عن سليط:
اختُلف على محمد بن سلمة الحراني:
- فقال هارون بن معروف وأحمد بن أبي شعيب الحراني -في رواية أبي زرعة الرازي عنه- ومحمد بن معاوية بن مالج: عبدالرحمن بن رافع.
- وقال أحمد بن أبي شعيب -في رواية أبي داود عنه- وعبدالعزيز بن يحيى الحراني: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي.
والأرجح عن ابن سلمة الأول، واستغرب البيهقي الوجه الثاني، قال -بعد أن أسنده من طريق أبي داود-: (كذا روياه عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، وقيل عن محمد بن سلمة في هذا الإسناد، عن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري)[57].
- وقد اتفق إبراهيم بن سعد وأحمد بن خالد الوهبي وسلمة بن الفضل وشعيب بن إسحاق عن ابن إسحاق[58] على تسميته: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
- وقال يحيى بن واضح: عبيدالله بن عبدالله بن رافع.
- وقال يونس بن بكير: عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
والأقوى عن ابن إسحاق: ما اتفق عليه الجماعة، وفيهم إبراهيم بن سعد المقدم فيه، وأما روايتا يحيى بن واضح ويونس بن بكير؛ فمعلقتان.
وقد قال ابن حجر: (وقد نص البخاري على أن قول من قال: عبدالرحمن بن رافع= وهمٌ)[59]، وعقَّب الدارقطني رواية محمد بن سلمة في سننه بقوله: (خالفه إبراهيم بن سعد؛ رواه عن ابن إسحاق عن سليط فقال: عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع)، فكأنه يعلها، وصرح بذلك في علله، فقال: (واختلف عن ابن إسحاق، فقال محمد بن سلمة الحراني: عن محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب عن عبدالرحمن بن رافع عن أبي سعيد، ووهم، وقال إبراهيم بن سعد وأحمد بن خالد الوهبي وشعيب بن إسحاق: عن ابن إسحاق عن سليط بن أيوب عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع عن أبي سعيد، وهو أشبه بالصواب)[60].
وقد وافق ابنَ إسحاق عن سليط على تسميته: عبيدالله بن عبدالرحمن: الرجلُ شيخُ الشافعي.
الخلاف في رواية أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن كعب:
اختلف الرواة عن أبي أسامة بين تسمية الرجل: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج، وتسميته: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج[61]، وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي أسامة على الوجهين، وبيَّن الإمام أحمد أنه كان يرويهما معًا، فقال: حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيدالله بن عبدالله -وقال أبو أسامة مرةً: عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج-.
فمنشأ الخلاف في اسمه: تردد أبي أسامة فيه، وروايته إياه على الوجهين.
رواية محمد بن إسحاق عن عبدالله بن أبي سلمة:سماه: عبدالله بن عبدالله بن رافع.
ويتلوه -بعون الله- دراسة الأسانيد إلى مدار هذا الوجه عن أبي سعيد، وهو ابن ابن رافع بن خديج، ثم بيان المرجَّح في اسمه، وحاله من الثقة والضعف، ثم دراسة الوجوه الأخرى عن أبي سعيد، والروايات الأخرى عن غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
[1] السنن (1/95).
[2] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبيدالله بن عبدالله.
[3] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن.
[4] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن.
[5] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي، وقد شك شيخُ الشافعي في شيخِ شيخِ ابن أبي ذئب، فقال عن ابن أبي ذئب: عن الثقة عنده، عمن حدَّثه، أو عن عبيدالله.
[6] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن، وعلقه الدارقطني -في العلل (11/288)- عن أبي معاوية، فجاء عنده: عبيدالله بن عبدالله.
[7] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
[8] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
[9] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
[10] سماه: عبدالله بن عبدالرحمن العدوي.
[11] سماه: عبيدالله بن عبدالله.
[12] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبيدالله بن عبدالرحمن.
[13] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع، وصيغته عن ابن إسحاق: بلغني عن عبيدالله.
[14] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، ووقع في سنن الدارقطني: عبدالله، وصوابه من إتحاف المهرة (5/297، 298).
[15] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري أحد بني عدي بن النجار، ووقع عند الدارقطني: عبدالله.
[16] سماه: عبدالرحمن بن رافع الأنصاري، إلا في رواية أبي داود، سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي.
[17] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
[18] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع.
[19] سماه: عبدالله عبدالرحمن بن رافع.
[20] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
[21] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبيدالله بن عبدالرحمن العدوي.
[22] سمى الراوي عن أبي سعيد في الموضع الأول: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج، وسماه في الموضع الثاني: عبيدالله بن عبدالله. ووقع في فوائد سمويه: عبدالرحمن بن عبدالرحمن، ولعله تحريف عن: عبيدالله بن عبدالرحمن؛ فإنه يرويه عن ابن أبي شيبة، وهو قد سماه في أحد الموضعين: عبيدالله بن عبدالرحمن، وهو الأقرب إلى ما في فوائد سمويه.
[23] قال أحمد عن أبي أسامة: عن عبيدالله بن عبدالله، وقال أبو أسامة مرةً: عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج.
[24] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[25] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[26] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[27] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[28] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[29] سماه في رواية النسائي عنه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج، وفي رواية ابن المنذر: عبيدالله بن عبدالله.
[30] سماه: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، وأما الطبري فأرسل الحديث، قال عن الوليد بن كثير: قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة؟
[31] سماه: عبيدالله بن عبدالله.
[32] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[33] شك بين: عبدالله وعبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج.
[34] سماه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[35] سماه يوسف: عبدالله بن عبدالله، وسمياه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
[36] سماه: عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج.
[37] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، ووقع في إتحاف المهرة (5/299): عبدالله بن عبدالرحمن، والأول من المسند وأطرافه (6/278، 279).
[38] هكذا وقعت روايتاهما في السنن، ووقع في إتحاف المهرة (5/268) أن شيخ إبراهيم بن سعد فيهما: الوليد بن كثير، كرواية أحمد، وفي ذلك نظر؛ فنسخ السنن جاءت هكذا، ولم يذكر المحققون فيها خلافًا، وكذا رواية البيهقي من طريقه (وهي من طريق ابن شوكر فحسب)، والدارقطني اعتمد -في العلل (11/285، 288)- رواية ابن أبي سلمة هذه، وذكرها من رواية ابن إسحاق عنه، لا من رواية الوليد بن كثير، وكذا؛ فقد توافق اسم الراوي فيهما عن أبي سعيد= مع رواية سمويه والطبري، فدل على أنها رواية ابن إسحاق نفسها.
[39] سمى الراوي عن أبي سعيد: عبدالله بن عبدالله بن رافع.
[40] إلا أن ذكر سليط جاء مصدرًا بـ (يعني)، قال: عن خالد بن أبي نوف، يعني: عن سليط بن أيوب، عن ابن أبي سعيد...، ثم أشار المزي إلى رواية النسائي. ومنه؛ فيحتمل أن المزي حمل رواية أحمد على رواية النسائي، فأضاف سليطًا في الإسناد مصدرًا بـ(يعني)؛ لكونه تيقن أو ترجح له أن سقوط سليط من الإسناد خطأ، وانظر: الكفاية، للخطيب (ص252).
[41] (6/269).
[42] (5/280).
[43] أسقط خالدٌ الراوي عن أبي سعيد.
[44] وقد سقط هذا من موضعه في العلل (11/288).
[45] وسبقت الإشارة -في التخريج- إلى أنه سقط سليط من بعض نسخ المسند؛ حيث أخرج أحمد رواية عبدالصمد بن عبدالوارث، وسقط سليط أيضًا في رواية عيسى بن إبراهيم البركي.
[46] الجرح والتعديل (3/17)، وهذا الحديث من رواية أبي زرعة عنه.
[47] (8/177).
[48] في العلل (11/285، 286).
[49] في السنن (1/257).
[50] ولم أقف على رواية للوليد بن كثير عن عبدالله بن أبي سلمة غير هذه الرواية.
[51] الخلافيات (3/199)، ووقع فيه: وإنما رواه عن محمد بن إسحاق...، ولعل الصواب ما أثبت.
[52] العلل (11/287).
[53] كما سبق في الحديث (10).
[54] يأتي تخريج روايتيهما والكلام عليهما.
[55] وقد عرف أن الشافعي إذا أطلق هذا، فالمقصود غالبًا: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، المتروك.
[56] في روايته التي أسندها أبو عبيد عنه، وقد علقه الدارقطني -في العلل (11/288)- عن أبي معاوية، فجاء عنده: عبيدالله بن عبدالله. والرواية المسند أولى بالتقديم.
[57] السنن (1/257).
[58] ورواية شعيب معلقة.
[59] تهذيب التهذيب (7/26).
[60] العلل (11/286، 287).
[61] إلا رواية يوسف بن موسى، فقد جاءت: عبدالله بن عبدالله، وفيها نظر، ولعله تصحف عليه، فإنه لا يروي هذا الوجه عن أبي أسامة -فيما وجدت- إلا هو، وشك الحارثي عن أبي أسامة في كون اسم الراوي عن أبي سعيد: عبدالله= مطرح بتسمية الناس له: عبيدالله دون شك.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة دراسة رواية ابن ابن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري في حديث بئر بضاعة، وبيان خلاف الرواة في أسانيد الحديث، وخلافهم في تسمية ابن ابن رافع.
وأواصل في هذه الحلقة دراسة هذا الحديث، بدءًا بدراسة الأسانيد إلى الرواة الأربعة عن مدار الحديث.
دراسة الأسانيد إلى المدار:
مدار الحديث على الراوي المختلف في اسمه، وعنه أربعة:
1- الرجل المبهم شيخ ابن أبي ذئب، وقد جاء في رواية ابن وهب وابن المبارك: عن ابن أبي ذئب، عمن لا يتهم.
وقد قال الإمام أحمد: (مالك أشد تنقية للرجال منه، ابن أبي ذئب كان لا يبالي عمن يحدث)، وقال الخليلي: (إذا روى عن الثقات؛ فشيوخه شيوخ مالك، لكنه قد يروي عن الضعفاء)، إلا أن ابن معين قال: (كل من روى عنه ابن أبي ذئب ثقة، إلا أبا جابر البياضي)، وقال أحمد بن صالح المصري: (شيوخ ابن أبي ذئب كلهم ثقات، إلا أبو جابر البياضي).
فهذه الرواية ليست بالمطروحة، ولا هي بالصحيحة، ويعتبر بها.
2- سليط بن أيوب، وهو الأنصاري، ذكره البخاري في التاريخ الكبير[1]، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل[2]، وذكرا روايته عن ابن رافع الأنصاري، ولم ينقلا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات[3].
والإسناد إلى سليط حسن، فيه ابن إسحاق، صدوق في أحاديث الأحكام إذا بيَّن سماعه، وعامة الروايات عن ابن إسحاق بالعنعنة بينه وبين سليط، ولعله لأجل ذلك قال أبو حاتم: (محمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي بينه وبين سليط رجل)، ولكن رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق جاءت بتصريح ابن إسحاق بالسماع من سليط، وقد قال أحمد بن حنبل: (كان ابن إسحاق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبيِّن، إذا كان سماعًا؛ قال: حدثني، وإذا لم يكن؛ قال: قال:...)[4].
وتابع ابن إسحاق عن سليط: رجلٌ مبهم روى عنه الشافعي.
3- محمد بن كعب القرظي، وهو ثقة حجة. والإسناد إليه صحيح.
4- عبدالله بن أبي سلمة الماجشون، وهو ثقة، والإسناد إليه حسن، فيه محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع من عبدالله.
حال المدار:
وهو الراوي عن أبي سعيد، وقد تلخص من الخلاف في اسمه ثلاثة أقوال:
أحدها: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، قاله شيخ ابن أبي ذئب وسليط بن أيوب ومحمد بن كعب -في إحدى روايات أبي أسامة عن الوليد بن كثير عنه-،
والثاني: عبيدالله بن عبدالله بن رافع، قاله محمد بن كعب -في الرواية الأخرى لأبي أسامة-،
والثالث: عبدالله بن عبدالله بن رافع، قاله عبدالله بن أبي سلمة.
والأول هو أشهرها -كما هو ظاهر-، ولعله أرجح الأقوال في اسمه[5].
وقد ذكر الخلاف في اسمه ابن القطان، ثم قال: (وكيفما كان؛ فهو من لا تعرف له حال ولا عين)[6].
فأما عين الرجل؛ فمعروفة، وقد روى عنه أربعة رجال -كما في حديثنا هذا-، وروى عنه هشام بن عروة أيضًا.
وأما حاله؛ الأقرب تقويتها، ولهذا قرائن مؤيدات:
الأولى: قد روى عبيدالله عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحيا أرضًا ميتة فله بها أجر، وما أكلت منه العافية فله به أجر»، أخرجه أبو عبيد في الأموال (702) ويحيى بن آدم في الخراج (259) من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، وابن أبي شيبة (22381) عن وكيع، وأحمد (3/313) والنسائي في الكبرى (5724) وابن حبان (5203) من طريق يحيى القطان، وأحمد (3/326) من طريق أبي عقيل عبدالله بن عقيل، وأحمد (3/381) والدارمي (2607) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، وابن زنجويه في الأموال (1050) من طريق ابن أبي الزناد، وابن حبان (5202) من طريق حماد بن سلمة، والبيهقي (6/148) من طريق أنس بن عياض، كلهم -تسعة رواة- عن هشام بن عروة، عن عبيدالله، عن جابر، به.
وقد تابعه على هذا الحديث عن جابر: وهب بن كيسان، أخرجه أحمد (3/304) والنسائي في الكبرى (5726) من طريق عباد بن عباد، وأحمد (3/338) والبيهقي (6/148) وابن عبدالبر في التمهيد (22/281) من طريق حماد بن زيد، والترمذي (1379) والنسائي في الكبرى (5725) وأبو يعلى (2195) وابن حبان (5205) والطبراني في الأوسط (4779) من طريق عبدالوهاب الثقفي عن أيوب السختياني[7]، ثلاثتهم عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، به،والحديثان عن هشام بن عروة محفوظان -وحكم بذلك الدارقطني[8] وابن حبان[9]، وأشار إليه ابن عبدالبر[10]-، وتابع عبيدَالله بن عبدالرحمن بن رافع عن جابر أيضًا: أبو الزبير، أخرجه أحمد (3/356) وابن زنجويه في الأموال (1049) -ومن طريقه البغوي في شرح السنة (6/149)- وأبو يعلى (1805) وابن حبان (5204) والبيهقي (6/148) وغيرهم من طريق أبي الزبير، به[11].
والمقصود من هذا: أن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع يتابع في حديثه، والمتابعة دليل الضبط.
ولهذا بوَّب على هذا الحديث ابنُ حبان بقوله: (ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن عبيدالله[12] بن عبدالرحمن هذا مجهول لا يعرف...).
القرينة المؤيدة الثانية: أن عبيدالله من التابعين الأوائل، روى عن جابر وأبي سعيد، ووفاتهما بين الستين والثمانين، ومثل هؤلاء لم يتشدد الأئمة في الحكم بجهالتهم، وقبلوا عنهم ما يحدثون به ما لم يأتوا بمنكر ولو كان فيهم نوع جهالة، وفيما يأتي عضد لهذا.
المؤيد الثالث: أنه مع كون متابعات عبيدالله عن أبي سعيد الخدري لا تصح -كما سيأتي-؛ إلا أنه قد صحح حديثَهُ هذا: الإمام أحمد، قال ابن الجوزي: (ذكر أبو بكر عبدالعزيز في كتاب الشافي عن أحمد أنه قال: "حديث بئر بضاعة صحيح")[13]، وقال المزي: (قال أبو الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل: "حديث بئر بضاعة صحيح، وحديث أبي هريرة: «لا يبال في الماء الراكد» أثبت وأصح إسنادًا")[14]، ونقل النووي عن ابن معين تصحيحه أيضًا[15]، وحسنه الترمذي، قال: (هذا حديث حسن)[16]، وانتقاه ابن الجارود فيما انتقاه في المنتقى من السنن المسندة له، ونقل ابن الملقن عن ابن حزم قوله: (هذا حديث صحيح، جميع رواته معروفون عدول)[17]، وذكر ابن عبدالبر حديث أبي سعيد في ثابت الأثر من أدلة القول الصحيح عنده[18]، وقال محيي السنة البغوي: (هذا حديث حسن صحيح)[19].
وهذا يدل على أن خفاء شيء من حال عبيدالله لم يؤثر في روايته، فهي مقبولة عندهم، وقد قال الذهبي ملخصًا حاله: (صحح أحمد حديثه في بئر بضاعة، وعنده حديث في إحياء الموات)[20]، فكأنه يشير إلى تقوية حاله.
المؤيد الرابع: أن ابن حبان ذكره في ثقاته[21].
وقد قال ابن منده: (فإن كان عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع هذا هو الأنصاري الذي روى عن جابر بن عبدالله؛ فقد روى عنه هشام بن عروة، وهو رجل مشهور في أهل المدينة. وعبدالله بن رافع بن خديج مشهور، وعبيدالله ابنه مجهول، فهذا حديث معلول برواية عبيدالله بن عبدالله)[22].
وما سبق في دراسة الاختلاف في اسم الراوي يثبت أنه راوي هذا الحديث عن أبي سعيد هو عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، لا عبيدالله بن عبدالله المجهول، وقد جاء منسوبًا في بعض روايات حديثه عن جابر: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج، وهكذا نُسب الراوي هنا عن أبي سعيد، وذكر البخاري روايته عن جابر بعقب روايته عن أبي سعيد، فهو واحدٌ يروي عنهما معًا.
ورجلٌ بهذه المثابة، لا يعرف له إلا حديثان، صحح بعض الأئمة أولهما وحسنه بعضهم، وتوبع على الآخر، ويروي عن صحابيين متقدمين، وهو مشهور في أهل المدينة= لا يتشدد في جهالته، وروايته مقبولة محتج بها.
ب- دراسة أسانيد رواية أبي نضرة عن أبي سعيد:
وقد رواه قيس بن الربيع عن طريف أبي سفيان، عن أبي نضرة، به، ورواه شريك عن طريف، واختُلف عنه:
فرواه الهيثم بن جميل ومحمد بن الصباح عن شريك كرواية قيس بن الربيع.
ورواه يزيد بن هارون عن شريك، عن طريف، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-، به[23].
ورواه محمد بن سعيد الأصبهاني عن شريك، فقال في روايته: عن أبي نضرة، عن جابر أو أبي سعيد، وهذا الاختلاف ناشئ من ضعف شريك وتخليطه، وهذا ظاهر في كونه مرة يرويه من مسند أبي سعيد، ومرة من مسند جابر، ومرة يشك بينهما.
ويترجح جانب جعله من مسند أبي سعيد برواية قيس بن الربيع -وإن كان فيه كلام-، ولذا قال البيهقي: (وقد قيل عن شريك بهذا الإسناد: عن جابر، وقيل عنه: عن جابر أو أبي سعيد بالشك، وأبو سعيد كأنه أصح)[24].
وأيًّا يكن، فالحديث منكر؛ لتفرد طريف به عن أبي نضرة، وطريف منكر الحديث، تركه بعض الأئمة[25].
ج- إسناد رواية الرجل المبهم عن أبي سعيد:
سبق الكلام عليه في الخلاف على ابن أبي ذئب في دراسة أسانيد رواية ابن رافع عن أبي سعيد، وهو من رواية معمر عنه.
د- إسناد رواية ابن أبي سعيد عن أبيه أبي سعيد:
سبق الكلام عليه في الخلاف على مطرف بن طريف في دراسة أسانيد الوجه الأول عن أبي سعيد، حيث رواه عنه عبدالعزيز بن مسلم من طريق ابن أبي سعيد، واختُلف عليه في الإسناد، وخولف فيها.
هـ- إسناد رواية سليط بن أيوب عن أبي سعيد:
وقد سبق أن راويها (خالدًا السجستاني) مجهول، وقد خولف في روايته هذه عن محمد بن إسحاق.
و- دراسة إسناد رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد:
رواها عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، واختُلف عنه:
فقال أبو مصعب المدني وابن أبي أويس عنه، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد.
وقال ابن وهب عنه، عن أبيه، عن عطاء، عن أبي هريرة[26].
وعبدالرحمن هذا ضعيف، وبعض الأئمة ضعفه جدًّا، ونص الحاكم وأبو نعيم على أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة، قال البيهقي عقب رواية عبدالرحمن عن أبيه عن أبي سعيد: (هكذا رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبدالرحمن، وروي عن ابن وهب عن عبدالرحمن عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة، وعبدالرحمن بن زيد ضعيف لا يحتج بأمثاله)[27].
فهذه الرواية بوجهيها شديدة النكارة.
ز- إسناد رواية أبي مسكين عن أبي سعيد:
وفيها قرة بن سليمان، ضعفه أبو حاتم[28]، وسليمان بن أبي داود الحراني، قال فيه البخاري: (منكر الحديث)[29]، وقال أبو زرعة: (لين الحديث)، وقال أبو حاتم: (منكر الحديث جدًّا)[30].
فهذه الرواية واهية جدًّا.
ز- إسناد رواية عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي سعيد:
وهي وجه عن ابن أبي ذئب، سبق بيان أنه معلق لا يدرى إسناده، وأن فيه مخالفة لجمع من الثقات عن ابن أبي ذئب.
الخلاصة في حديث أبي سعيد:
ثبت الحديث من طريق عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج عن أبي سعيد، ولم يثبت من طريق غيره.
2- تخريج حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (520) من طريق يزيد بن هارون، والطبري في تهذيب الآثار (1056-مسند ابن عباس) والطحاوي (1/12) والبيهقي في الخلافيات (979) من طريق محمد بن سعيد الأصبهاني، كلاهما عن شريك، عن طريف، عن أبي نضرة، عن جابر -رضي الله عنه-، به.
وجاءت رواية الأصبهاني عن شريك بالشك في كون الصحابي جابرًا أو أبا سعيد -كما سبق في الوجه الثاني عن أبي سعيد-.
دراسة الأسانيد:
قد سبق في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن شريكًا كان يضطرب في هذا الحديث؛ فيرويه من طريق أبي سعيد مرة، ومن طريق جابر مرة، ويشك بين الاثنين أحيانًا، وأن الأقوى حديث أبي سعيد، وأن الحديث منكر على كل حال؛ لأن طريفًا أبا سفيان راويَهُ منكر الحديث.
3- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
الوجه الأول عن أبي هريرة: عن عطاء، عنه:
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1059-مسند ابن عباس) والدارقطني (1/31) من طريق ابن وهب، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء، به.
الوجه الثاني عن أبي هريرة: عن المقبري، عنه:
علقه الدارقطني في العلل (8/156) عن عبدالله بن ميمون القداح، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، به.
الوجه الثالث عن أبي هريرة: عن عياض وعقبة، عنه:
علقه الدارقطني في العلل (8/156) عن عدي بن الفضل، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن إسحاق، عنهما، به.
دراسة الأسانيد:
أ- إسناد رواية عطاء عن أبي هريرة:
وهي من رواية عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء، وسبق في رواية عطاء عن أبي سعيد الخدري أن الرواية من هذا الوجه شديدة النكارة.
ب- دراسة إسناد رواية المقبري عن أبي هريرة:
وهي من رواية عبدالله بن ميمون القداح عن ابن أبي ذئب عن المقبري به، والقداح منكر الحديث متروك، وراويته هذه أشبه بالموضوعة.
ج- دراسة إسناد رواية عياض وعقبة عن أبي هريرة:
وهي من رواية عدي بن الفضل عن ابن أبي ذئب عن ابن إسحاق عنهما به، وعدي متروك الحديث، وهذه الرواية كسابقتها.
ولا يصح الحديث عن أبي هريرة.
4- حديث جماعة من الصحابة فيهم أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد:
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/505) عن محمد بن عمر الواقدي، عن أبيّ بن عباس بن سهل، عن أبيه، عنهم، به.
وقد جاء عن سهل وحده، وعن أبي حميد وحده:
أ- تخريج حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-:أخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه -ومن طريقه ابن عبدالبر في الاستذكار (1608)[31]-، ومحمد بن عبدالملك بن أيمن في مستخرجه على سنن أبي داود -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (1/155)[32]-،
كلاهما عن محمد بن وضاح، عن عبدالصمد بن أبي سكينة، عن عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل -رضي الله عنه-، به.
وجاء عن سهل -رضي الله عنه- أنه سقى النبي -صلى الله عليه وسلم- من بئر بضاعة:
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/505) عن محمد بن عمر الواقدي، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، وأحمد (5/337) والدارقطني (1/32) من طريق فضيل بن سليمان، وسمويه في فوائده (20) وأبو يعلى (7519) -ومن طريقه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (1/392) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/169)- عن إسحاق بن أبي إسرائيل، والأثرم في سننه (37) عن إبراهيم بن حمزة، والأثرم (37)، والروياني (1121) عن محمد بن إسحاق الصغاني، كلاهما -الأثرم والصغاني- عن علي بن بحر، والطحاوي (1/12) من طريق أصبغ بن الفرج، أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/157) عن محمد بن يحيى، والشافعي -كما ذكر البيهقي في معرفة السنن (2/79)-، كلاهما عن رجل[33]، ثلاثتهم -فضيل وحاتم والرجل- عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أمه[34]، والطبراني في الكبير (6/207) -وعنه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/169)- من طريق هشام بن عمار، والبيهقي في السنن (1/259) ومعرفة السنن (1823) من طريق محمد بن يعقوب الأصم عن الصغاني عن علي بن بحر، كلاهما -هشام وعلي- عن حاتم بن إسماعيل[35]، عن محمد بن أبي يحيى، عن أبيه[36]، ثلاثتهم -محمد والد إبراهيم وأم محمد بن أبي يحيى وأبوه- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- به.
ب- تخريج حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/505) عن الواقدي، عن عبدالمهيمن بن عباس بن سهل، عن يزيد بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي، عن أبيه المنذر، عن أبي حميد -رضي الله عنه-، به.
دراسة الأسانيد:
أ- إسناد رواية الجماعة من الصحابة فيهم أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد:وقد رواها الواقدي، عن أبيّ بن عباس بن سهل، عن أبيه، أنه سمعهم يقولون: أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، ورده في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: «اغسلوه من ماء بضاعة»، فيغسل، فكأنما حل من عقال.
والواقدي متروك الحديث، وأبيّ ضعيف، والرواية منكرة.
ب- دراسة أسانيد رواية سهل بن سعد -رضي الله عنه-:
وقد جاء بلفظ حديث أبي سعيد، وبلفظ آخر فيه أن سهلاً سقى النبي -صلى الله عليه وسلم- من بئر بضاعة:
فأما حديث سهل بلفظ حديث أبي سعيد:
فقد تفرد به -فيما وجدتُ- عبدالصمد بن أبي سكينة الحلبي، عن عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، به، وعبدالصمد لم أجد له ترجمة، وقال ابن حجر: (قال ابن عبدالبر وغير واحد: إنه مجهول، ولم نجد عنه راويًا إلا محمد بن وضاح)[37]، وقال ابن دقيق العيد: (تتبعت تراجم من اسمه عبدالصمد في تاريخ الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي، فلم أجد له في تلك التراجم ذكرًا)[38]، وقد جاء في سياق إسناد محمد بن عبدالملك بن أيمن عن محمد بن وضاح: (حدثنا أبو علي عبدالصمد بن أبي سكينة، وهو ثقة...)، ونقل ابن القطان عن ابن حزم قوله فيه: (ثقة مشهور)[39].
ولو صح توثيق الرجل، فعبدالعزيز بن أبي حازم مشهور، وحديثه عن أبيه معروف، وقد نص الإمام أحمد على أنه لم يكن يعرف بطلب العلم إلا أنه قيل: إنه سمع كتب أبيه، ومثل هذه الكتب يحرص الأئمة الثقات على روايتها عن ابن أبي حازم؛ ذلك أن أبا حازم ثقة إمام، وهو راوية سهل بن سعد -رضي الله عنه-.
إلا أنه لم يوجد لهذا الحديث بتمامه راوٍ عن ابن أبي حازم غير ابن أبي سكينة هذا، وهو -وإن كان ثقة- إلا أن تفرده بهذا الحديث محل نظر، ورجلٌ لم يعرف إلا بهذا الحديث، ولا يعرف عنه إلا راوٍ واحد، وهو في مثل هذه الطبقة المتأخرة= لا يمكن قبول تفرده عن مثل هذا الراوي بمثل هذه الطريق.
ولذا؛ فقد أعل هذه الطريق ابن عبدالبر، قال: (وهذا اللفظ غريب في حديث سهل[40]، ومحفوظ من حديث أبي سعيد الخدري، لم يأتِ به في حديث سهل غير ابن أبي حازم)[41].
وقد كان قاسم بن أصبغ قال: (هذا من أحسن شيء روي في حديث بضاعة)[42].
ولو صح الحديث، فهو شاهد لحديث عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، يقويه ويعضده.
وأما حديث سهل بلفظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب من بئر بضاعة:
فقد جاء من طريقين عنه:
الأول: رواه الواقدي، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن سهل، به، ولعل إبراهيم هو ابن محمد بن ثابت بن شرحبيل، وهو صدوق[43]، وأبوه مجهول.
والواقدي متروك -كما سبق-، وروايته هذه منكرة.
الطريق الثاني عن سهل: رواه حاتم بن إسماعيل عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، واختُلف عن حاتم:
فرواه إسحاق بن أبي إسرائيل، وأصبغ بن الفرج، وإبراهيم بن حمزة عن حاتم، عن محمد بن أبي يحيى، عن أمه،
ورواه هشام بن عمار عن حاتم عن محمد عن أبيه،
ورواه علي بن بحر، وعنه الأثرم والصغاني -من رواية الروياني عنه- كما رواه الجماعة عن حاتم بن إسماعيل.
وأسنده البيهقي عن الحاكم عن محمد بن يعقوب الأصم عن الصغاني، فجاء فيه: (عن أبيه)، ولعله تصحف على البيهقي، فالروياني يرويه عن الصغاني؛ فيذكر (عن أمه)، والأثرم يرويه عن علي بن بحر؛ فيذكر (عن أمه) كذلك. وفي صلب الرواية: (دخلنا على سهل بن سعد في نسوة)، والمشهور أن تقول هذه الكلمة النساء، لا الرجال.
وقد رواه فضيل بن سليمان وإبراهيم بن محمد، عن محمد بن أبي يحيى، عن أمه، عن سهل، كما رواه الجماعة عن حاتم بن إسماعيل.
والأرجح عن حاتم بن إسماعيل: الوجه الأول؛ لاجتماع الثقات عليه عنه، ولمتابعة فضيل بن سليمان وإبراهيم بن محمد حاتمًا عليه عن محمد بن أبي يحيى.
ومحمد بن أبي يحيى ثقة، وتُكلِّم فيه، وأما أمه؛ فمجهولة، قال ابن التركماني: (ولم نعرف حال أمه ولا اسمها بعد الكشف التام، ولا ذكر لها في شيء من الكتب الستة)[44]، وقد أخرج ابن ماجه لأم محمد بن أبي يحيى، لكن المقصود أنها مجهولة لا يعرف لها اسم ولا حال.
ج- إسناد رواية أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-:
وقد رواه الواقدي عن عبدالمهيمن بن عباس بن سهل، وفيه من لم أعرفه، والواقدي متروك، وعبدالمهيمن واهٍ منكر الحديث، وبعضهم تركه.
فهذه الرواية واهية.
خلاصة الحكم على الحديث:
صح الحديث مرفوعًا من رواية عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وله شاهد من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- من رواية أبي حازم عنه.
وروت أم محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن سهل أنه سقى النبي -صلى الله عليه وسلم- من بئر بضاعة.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] (4/191).
[2] (4/287).
[3] (6/430).
[4] العلل ومعرفة الرجال برواية المروذي (ص38، 39).
[5] وذكر البخاري في ترجمته حديثًا لهشام بن عروة يرويه عنه عن جابر، وسماه هشام: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري -على خلاف يسير في الرواية عن هشام-، فهذه متابعة لمن سماه كذلك. ويأتي مزيد في ذلك.
[6] بيان الوهم والإيهام (3/309).
[7] وقد جاء بطرق صحيحة عن عبدالوهاب عن أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد، وعبدالوهاب اختلط بآخرة.
[8] العلل (13/387).
[9] الإحسان (11/617).
[10] التمهيد (22/282).
[11] وسيأتي تخريج الحديث والحكم عليه في موضعه من «الروض المربع» -بعون الله-.
[12] وقع في الإحسان (11/614): عبدالله، وهو خطأ، وقد نقل هذا الحديثَ ابنُ حجر عن صحيح ابن حبان في رواية عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع عن جابر -في إتحاف المهرة (3/231)-.
[13] التحقيق (1/41).
[14] نقله عن أحمد: أبو الحارث -كما في الإمام (1/115) وشرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/547)-، والميموني -كما في تهذيب الكمال (19/84)-.
وقد زعم مغلطاي -في إكمال تهذيب الكمال (9/43)- أن الإمام أحمد إنما صحح حديث بئر بضاعة مطلقًا، ولم يرد طريق أبي سعيد الخدري بخصوصه، ثم قال: (والذي يشبه أنه يريد حديث سهل بن سعد لا هذا)، والجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: أن هذا احتمالٌ لا يقوم عليه برهان قاطع، ولا قرينة مؤيدة.
الثاني: أن أشهرَ طريق وأظهرَها للحديث: طريق عبيدالله عن أبي سعيد الخدري، وإذا أطلق حديث بئر بضاعة انصرف الذهن إليها، وقد أخرج منها أحمد في مسنده ثلاث روايات، بينما لم يخرج لحديث سهل طريقًا واحدة، وإذا كان الإمام أحمد يصحح طريقًا؛ فأولى به أن يخرجها في مسنده.
الثالث: أن حديث سهل بن سعد معلول -كما سيأتي-، وفي إسناده تفرد رجل مجهول في طبقة متأخرة، فيبعد أن يقصده الإمام أحمد بتصحيح حديثه ذاك مستقلاً.
الرابع: أن مؤيدات تصحيح حديث عبيدالله متوافرة، وقد ذُكر طرف منها آنفًا، وليس بمستنكر أن يصحح الإمام أحمد له حديثًا، وقد صحح له غيرُهُ وحسَّن هذا الحديث.
[15] شرح سنن أبي داود (ص201، 202).
[16] السنن (1/95)، وجاء قوله كذلك في نسخة الكروخي (ق8أ) وفي تحفة الأشراف (3/395)، وقال ابن الملقن -في البدر المنير (1/381)-: (قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وفي بعض نسخه: "صحيح").
[17] البدر المنير (1/388).
[18] الاستذكار (2/105، 106).
[19] شرح السنة (2/61).
[20] الكاشف (3566).
[21] في (5/70، 71)، باسم (عبيدالله بن عبدالله) و(عبيدالله بن عبدالرحمن).
[22] نقله ابن دقيق العيد -في الإمام (1/116، 117)-، وقد اختصره ابن حجر، فلم ينقل -في ترجمة عبيدالله بن عبدالرحمن في تهذيب التهذيب (7/26)- إلا كلام ابن منده في عبيدالله بن عبدالله، وهو قوله: (مجهول)، وكان الأولى أن يُنقل الكلام بتمامه.
[23] يأتي تخريجها.
[24] السنن (1/258).
[25] وقد اقتصر ابن حجر -في التقريب (3013)- على تضعيفه، والأقوى أنه شديد الضعف.
[26] يأتي تخريجها.
27] السنن (1/258).
[28] الجرح والتعديل (7/131).
[29] التاريخ الكبير (4/11).
[30] الجرح والتعديل (4/115).
[31] أفاد كونَه في مصنف قاسم بن أصبغ ابنُ حجر -في التلخيص (1/13)-.
[32] أفاد كونَه في مستخرج ابن أيمن: ابنُ حجر -في التلخيص (1/13)-.
[33] قال محمد بن يحيى: حُدِّثنا عن ابن أبي يحيى، وقال الشافعي: عن رجل. قال البيهقي عقبه: (وهذا الرجل هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى)، ولا يبعد أن يكون الذي أسقطه ابن يحيى هو إبراهيم نفسه.
[34] تصحف في مطبوعة مسند أبي يعلى إلى (عن أبيه)، وقد جاء في رواية أبي الشيخ وأبي نعيم من طريق أبي يعلى على الصواب.
[35] تصحف اسمه في مطبوعة معجم الطبراني إلى (جابر بن إسماعيل)، وهو على الصواب في رواية أبي نعيم عنه.
[36] هكذا جاء في مطبوعة سنن البيهقي، وجاء في نقل ابن التركماني عن البيهقي -بحاشية السنن (1/258)-، وفي مطبوعة معرفة السنن= أنه قال: (عن أمه)، ويرده أن البيهقي قال -في معرفة السنن-: (... وقد رواه غيره عن أبيه، وأبوه ثقة، أخبرناه...)، ثم أسند هذه الرواية، وقد عقب عليها في السنن بقوله: (وهذا إسناد حسن موصول).
[37] التلخيص (1/13).
[38] الإمام (1/119).
[39] بيان الوهم والإيهام (5/225)، ونقله عن كتاب (الإيصال) لابن حزم ابن دقيق العيد -في الإمام (1/118، 119)-.
[40] وقع في الاستذكار: سعد، وهو خطأ.
[41] الاستذكار (2/111).
[42] الاستذكار (2/111).
[43] انظر: التاريخ الكبير (1/320)، الجرح والتعديل (2/125)، ثقات ابن حبان (6/5).
[44] الجوهر النقي (1/258).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
12-(1/72) (... وحديث: «الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه»).
1- تخريج حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-:
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في مشيخته (160-ترقيمي)، والطبري في تهذيب الآثار (1077-مسند ابن عباس) عن محمد بن العلاء أبي كريب، كلاهما -يعقوب وأبو كريب- عن محمد بن يزيد الحزامي.
وابن ماجه (521) عن محمود بن خالد، وابن ماجه (521) والطبراني في الكبير (8/123) من طريق العباس بن الوليد، والطبري في تهذيب الآثار (1076-مسند ابن عباس) عن عيسى بن خالد أبي شرحبيل الحمصي، والبيهقي في السنن (1/259) ومعرفة السنن (1846) من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر، أربعتهم عن مروان بن محمد الطاطري.
وابن عدي في الكامل (3/156) عن ابن ناجية، والطبراني في الأوسط (744)، والدارقطني (1/28) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/41)- عن دعلج، كلاهما عن أحمد بن علي الأبار، كلاهما -ابن ناجية وأحمد بن علي- عن محمد بن يوسف الغضيضي.
ثلاثتهم -محمد بن يزيد الحزامي ومروان بن محمد والغضيضي- عن رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح.
وابن عدي في الكامل (1/260) والبيهقي (1/260) من طريق أبي أحمد الحاكم، كلاهما عن أحمد بن عمير بن جوصا، عن محمد بن إبراهيم أبي أمية الطرسوسي، عن حفص بن عمر.
والبيهقي (1/259) من طريق الشاماتي، عن عطية بن بقية بن الوليد، عن أبيه بقية، كلاهما -حفص وبقية- عن ثور بن يزيد.
كلاهما -معاوية بن صالح وثور بن يزيد- عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه»، زاد ابن ماجه في روايته والبيهقي في رواية عطية بن بقية: (أو لونه).
2- تخريج حديث ثوبان -رضي الله عنه-:
أخرجه الدارقطني (1/28) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/40)- من طريق علي بن سراج، عن أبي شرحبيل عيسى بن خالد، عن مروان بن محمد، عن رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الماء طهور، إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه».
3- تخريج حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1075-مسند ابن عباس) عن أبي شرحبيل عيسى بن خالد، عن خالد بن خلي، عن بقية، عن ثور، عن خالد، أن معاذ بن جبل قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وجدنا الماء لم يتغير طعمه ولا ريحه؛ أن نتوضأ منه ونشرب.
4- تخريج مرسل راشد بن سعد:
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (264) عن إبراهيم بن محمد.
وأبو مسهر في نسخته (6) -ومن طريقه ابن عدي في الكامل (3/156) ومغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (2/152)-، ومسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (417)-، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/16) من طريق علي بن معبد، والدارقطني (1/29) من طريق معلى بن منصور، أربعتهم عن عيسى بن يونس.
والدارقطني (1/28) من طريق أبي معاوية وأبي إسماعيل المؤدب.
أربعتهم -إبراهيم وعيسى وأبو معاوية وأبو إسماعيل- عن الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه. زاد علي بن معبد وحده عن عيسى ذكر اللون فيه، فقال: «إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه».
إلا أنه وقع في مصنف عبدالرزاق: الأحوص بن حكيم عن عامر بن سعد، وذكر عامر خطأ من النساخ أو بعض الرواة، وقد نقله الزيلعي على الصواب[1].
5- تخريج قول راشد بن سعد:
أخرجه الدارقطني (1/29) من طريق أبي أسامة، عن الأحوص بن حكيم، عن أبي عون وراشد بن سعد قالا: (الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غير ريحه أو طعمه).
دراسة الأسانيد:
أ- دراسة الخلاف على عيسى بن خالد:
جاء الحديث عن عيسى على ثلاثة أوجه:
• فرواه الطبري عنه عن مروان بن محمد، عن رشدين، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، به.
• ورواه علي بن سراج عنه عن مروان بن محمد، عن رشدين، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن ثوبان، به.
• ورواه الطبري أيضًا عنه عن خالد بن خلي، عن بقية، عن ثور، عن خالد، عن معاذ بن جبل، به.
وعيسى بن خالد هذا ترجمه بعض أصحاب كتب الكنى، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وهو من المعروفين من أهل حمص، قال أبو هاشم عبدالغافر بن سلامة: (كنا نسمع من يحيى بن عثمان في داره بحمص... وكنا نسمع من أبي شرحبيل عيسى بن خالد بن نافع -ابن أخي أبي اليمان الحكم بن نافع- في مسجد الجامع، وكان يُقرئ الناسَ القرآن، وكنت أقرأ عليه)[2] ، وهذا يفيد عدالته وكونه من أهل العلم، بل كان يسمى (المعلِّم)[3]، لكنه ربما أخطأ في الحديث[4].
ويظهر أنه لم يضبط هذا الحديث جيدًا، فرواه على هذه الأوجه الثلاثة، وتفرد بالوجهين الثاني والثالث، وهما غريبان فيهما نكارة.
لكنه متابَع على الأول، وروايته فيه مقبولة.
ب- دراسة الخلاف على راشد بن سعد:
• رواه عنه معاوية بن صالح -من رواية رشدين بن سعد عنه-، عن أبي أمامة موصولاً.
وتابعه على هذا الوجه عن راشد: ثور بن يزيد، من رواية حفص بن عمر وبقية بن الوليد عنه.
• ورواه عنه الأحوص بن حكيم -من رواية جماعة عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً،
• ورواه عنه الأحوص بن حكيم -من رواية أبي أسامة عنه- من قوله.
وقد حكم بعض الأئمة بتفرد رشدين برفعه عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد:
قال أبو حاتم: (يوصله رشدين بن سعد)[5]، وقال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن صالح إلا رشدين)[6]، وقال الدارقطني: (لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح)[7]، واتفاق هؤلاء الأئمة على الحكم بتفرد رشدين يحدث النظر في متابعة ثور بن يزيد له، وبيان ذلك: أن حفص بن عمر الذي روى الحديث عن ثور هو ابن دينار الأيلي، اتهمه الساجي بالكذب، وقال العقيلي: (يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطيل)، وقال ابن عدي: (أحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضعف أقرب)، وقال أبو أحمد الحاكم: (ذاهب الحديث)[8]. وهذا يدل على أن روايته عن ثور مطروحة شديدة النكارة، وقد حكم ابن عدي بتفرده بهذا الحديث عن ثور، قال: (وهذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر)[9]، ويشكل على هذا ورود رواية بقية بن الوليد الموصولة عن ثور، إلا أن فيها علتين قويتين:
الأولى: عطية بن بقية، قال فيه ابن أبي حاتم: (كتبت عنه، ومحله الصدق، وكانت فيه غفلة)[10]، وقال ابن حبان: (يخطئ ويغرب، يعتبر حديثه إذا روى عن أبيه غير الأشياء المدلسة)[11]، قال الذهبي: (مكثر عن والده، وما علمت له شيئًا عن غيره، وكان شيخًا محدثًا ليس بالماهر، بل طال عمره، وتفرد)[12]، فلعطية إغرابات وتفردات، وهذه الرواية من ذلك، إذ لم تجئ إلا بإسناد فرد متأخر، ومثل هذا محل ضعف ونكارة. وبقية لم يصرح في روايته هذه بالتحديث، فكان الواجب اجتنابها، حيث قد أشار ابن حبان إلى اجتناب مثلها في كلامه عن عطية، بل ظاهر كلامه أن ما لم يكن من روايته عن أبيه مدلسًا فإنه يعتبر به فقط، دون أن يصحح، ويفهم منه أن ما كان منها مدلسًا فإنه منكر لا يعتبر به ولا ينظر إليه.
الثانية: تدليس بقية، قال النسائي فيه: (إذا قال: "حدثنا"، و"أخبرنا"؛ فهو ثقة، وإذا قال: "عن فلان"؛ فلا يؤخذ عنه، لأنه لا يُدرَى عمن أخذه)، وبقية كان يروي عمن كان أصغر منه، ويأخذ الحديث عن المجاهيل والضعفاء والمتروكين عن شيوخهم الثقات، ثم يتركهم ويقول: قال فلان -الثقة-، فجاء تلامذته من بعده، فجعلوا الأسانيد: عن بقية، عن ذاك الثقة. وقد شرح هذا ابنُ حبان بما لا مزيد عليه، قال: (سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمنا من أين أُتي").
قال ابن حبان: (لم يسبر أبو عبدالله -رحمه الله- شأن بقية، وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عن أقوام ثقات، فأنكرها، ولعمري إنه موضع الإنكار، وفي دون هذا ما يسقط عدالة الانسان في الحديث. ولقد دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه، وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأمونًا، ولكنه كان مدلسًا: سمع من عبيدالله بن عمر وشعبة ومالك أحاديثَ يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيدالله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبدالحميد، وعمر بن موسى الميتمي وأشباهِهم، وأقوامٍ لا يُعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء[13]، وكان يقول: قال عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع كذا، فجعلوه: بقية عن عبيد الله، وبقية عن مالك، وأُسقِط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط. وإنما امتُحن بقيةُ بتلاميذَ له كانوا يُسقِطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فالتزق ذلك كله به)[14].
والظاهر أن هذا حصل في حديثنا هذا، وإنما أخذ بقيةُ الحديثَ من حفص بن عمر الأيلي، فأُسقِط من إسناده. وقد أشار إلى هذا الشيخُ الألباني، قال: (وإني لأخشى أن يكون بقية تلقاه عنه ثم دلسه)[15].
ورشدين بن سعد ضعيف جدًّا، بل قال النسائي: (متروك الحديث).
وقد خولف معاوية بن صالح في روايته -من رواية رشدين عنه- عن راشد بن سعد، فرواه الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد، واختُلف عنه:
• فرواه عيسى بن يونس وجماعة عنه عن راشد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً.
• ورواه أبو أسامة عن الأحوص عن راشد من كلامه.
والأحوص نفسه ضعيف عنده مناكير، وقد شدد بعض الأئمة في أمره، وربما كان الوجهان محفوظين عنه. والأحوص -على ضعفه- أقوى من رشدين بن سعد، ولذا فقد رجح بعض الأئمة روايته على روايته، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينجس الماء إلا ما غلب عليه طعمه ولونه»، فقال أبي: (يوصله رشدين بن سعد، يقول: عن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورشدين ليس بقوي، والصحيح مرسلٌ)[16]، وقال ابن عدي: (ورواه رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة موصولاً أيضًا، ورواه الأحوص بن حكيم -مع ضعفه- عن راشد بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً ولا يذكر أبا أمامة)[17] وقال: (وهذا الحديث أسنده رشدين...، ورواه الأحوص بن حكيم -مع ضعفٍ فيه- عن راشد بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم مرسلاً، حدثناه عبدالرحمن بن القاسم القرشي، ثنا أبو مسهر، عن عيسى بن يونس، عنه)[18]، فبيان ابن عدي أن الأحوص رواه مرسلاً مع ضعفه أو مع ضعفٍ فيه، ثم إسناده إياه= كأنه إشارة إلى أن الأحوص وافق الصواب مع كونه ضعيفًا، والله أعلم.
فالحديث ضعيف مطلقًا، مرفوعًا وموقوفًا ومقطوعًا، وقد أعله الأئمة:
• فقال الشافعي: (وما قلتُ من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسًا يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجه لا يُثبِتُ أهلُ الحديث مثلَه)[19].
• وقال الإمام أحمد: (ليس فيه حديث)، قال الخلال: (إنما قال أحمد: "ليس فيه حديث"؛ لأن هذا الحديث يرويه سليمان بن عمر[20] ورشدين بن سعد، وكلاهما ضعيف)[21].
• وقال الدارقطني -لما سئل عن الحديث-: (يرويه رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن راشد، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وخالفه الأحوص بن حكيم؛ فرواه عن راشد بن سعد مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو أسامة عن الأحوص، عن راشد قوله، لم يجاوز به راشدًا. ولا يثبت الحديث)[22]، وكأن الدارقطني توقف هنا في الترجيح بين الأوجه مع تضعيفها جميعًا، وإن كان رجح في السنن أنه من قول راشد بن سعد.
• وقال البيهقي: (والحديث غير قوي)[23].
• وقال النووي: (اتفقوا على ضعفه)[24].
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
[1] نصب الراية (1/94، 95)، وكذا جاء في مختصره (الدراية) لابن حجر (1/52).
[2] تاريخ بغداد (11/136).
[3] معجم ابن المقرئ (117)، الأنساب، للسمعاني (5/317).
[4] الكامل، لابن عدي (4/28)، علل الدارقطني (12/119).
[5] العلل، لابنه (1/44).
[6] المعجم الأوسط (1/226).
[7] السنن (1/28).
[8] انظر: لسان الميزان (2/324، 325).
[9] الكامل (2/389).
[10] الجرح والتعديل (6/381).
[11] الثقات (8/527).
[12] سير أعلام النبلاء (12/521).
[13] أي: روى بطريق التدليس أحاديثَ سمعها من هؤلاء الضعفاء؛ رواها عن أولئك الثقات الذين رآهم، فكان يقول...
[14] المجروحين (1/200، 201)، ونقله السمعاني في الأنساب (5/119) وغيره. وفي كلام ابن حبان هذا إلقاء لتبعة تدليس التسوية على بعض تلامذة بقية، لا عليه هو، وقد اشتهر عند المتأخرين أن بقية يدلس تدليس التسوية، واعتمادهم في ذلك على حديث أو حديثين حكم فيهما أبو حاتم الرازي -في العلل (2/133، 154)- بأن بقية دلس تدليس تسوية، إلا أنَّ ضمَّ ذلك إلى كلام ابن حبان، مع عدم وجود أمثلة صحيحة غير ما ذكر أبو حاتم -وإن وجد فنادر-= يدل على أن تدليس بقية التسوية إن ثبت فنادر، وربما لا يتعدى هذين المثالين، وعليه؛ فإن الأرجح: أن يُنفَى تدليس بقية إذا صرح بالتحديث عن شيخه، إلا أن يتبين أنه سوَّى الإسناد بجمع طرقه، أو بنصٍّ من أحد الأئمة في الحديث بعينه. وقد أطال في نفي صحة تدليس التسوية عن بقية الشيخُ الألباني -رحمه الله- في الضعيفة (12/107-111)، وانظر: مقدمة الشيخ عبدالله السعد على كتاب "منهج المتقدمين في التدليس" (ص28). ويأتي في الحديث (47) -حديث الرجل من الصحابة- ما يؤيد ذلك من كلام الإمام أحمد بن حنبل، وهو فيه ظاهر جدًّا.
[15] الضعيفة (6/154).
[16] العلل (1/44).
[17] الكامل (2/389).
[18] الكامل (3/156).
[19] سنن البيهقي (1/260)، معرفة السنن والآثار (2/82).
[20] كذا، ولعل صوابه: حفص بن عمر.
[21] المغني (1/38، 39).
[22] العلل (12/273، 274).
[23] السنن (1/260).
[24] المجموع (1/110).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
كتاب الطهارة (1)
13- (1/75) (ومفهوم كلامه أن ما لا يشق نزحه ينجس ببول الآدمي أو عذرته المائعة أو الجامدة إذا ذابت فيه، ولو بلغ قلتين، وهو قول أكثر المتقدمين والمتوسطين، قال في المبدع: ينجس على المذهب وإن لم يتغير؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه» متفق عليه).
أخرجه البخاري (239) من طريق الأعرج، ومسلم (282) من طريق ابن سيرين وهمام بن منبه، عن أبي هريرة، به، ولفظ رواية البخاري: (ثم يغتسل فيه).
وانظر: المسند الجامع (12703-12711).
14- (1/76) (وروى الخلال بإسناده أن عليًّا -رضي الله عنه- سئل عن صبي بال في بئر، فأمرهم بنزحها).
سنده منقطع، لكن صححه الخلال، ولعله قصد إسنادًا آخر.
أخرجه ابن أبي شيبة (1720) عن أبي خالد الأحمر، عن خالد بن سلمة، أن عليًّا سئل عن صبي بال في البئر، قال: (ينزح).
ونقل ابن قدامة عن الخلال قوله: (وحُدِّثنا عن علي -رضي الله عنه- بإسناد صحيح، أنه سئل عن صبي بال في بئر، فأمرهم أن ينزفوها)[1].
دراسة الإسناد:
خالد بن سلمة لعله المخزومي الفأفاء، وروايته عن علي مرسلة -فيما يظهر-، فإنه يروي عن جماعة من التابعين، ونفى ابن المديني سماعه من ابن عمر، وقد تأخر ابن عمر عن علي سنين طويلة، وطبقة شيوخ أبي خالد الأحمر يبعد إدراكها عليًّا -رضي الله عنه-.
وقد تُكُلِّم في خالد بن سلمة هذا للإرجاء والنصب، لكن لم يتكلم في ضبطه للحديث، ووثقه جمع من الأئمة.
ولعله كان للخلال فيه إسناد آخر فحكم عليه بالصحة. والله أعلم.
15- (1/77، 78) ("ولا يرفع حدثَ رجلٍ" وخنثى "طهورٌ يسير" دون القلتين "خلت به" كخلوة نكاح "امرأةٌ" مكلفة ولو كافرة "لطهارة كاملة عن حدث"؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. رواه أبو داود وغيره، وحسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان).
1- تخريج حديث الحكم بن عمرو الغفاري (الأقرع):
أخرجه أحمد (5/66) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/46) والمزي في تهذيب الكمال (7/129)-، والبخاري في التاريخ الكبير (4/184) وأبو داود (82) -ومن طريقه البيهقي (1/191) وابن حزم في المحلى (1/212)- والترمذي (64) وابن ماجه (373) والأثرم في سننه (48) -ومن طريقه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/162، 163)- ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/276) -ومن طريقه البيهقي (1/191)-، ستتهم عن محمد بن بشار بندار، ويونس بن حبيب في مسند أبي داود الطيالسي[2] (ص176) -ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1059) والبيهقي (1/191)-، والترمذي (64) عن محمود بن غيلان، والنسائي (1/179) وابن حبان (1260) من طريق عمرو بن علي، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/100) وابن منده في معرفة الصحابة -كما في الإصابة (1/104) وإتحاف الخيرة المهرة (670/4)- من طريق علي بن مسلم، والدارقطني (1/53) من طريق زيد بن أخزم، سبعتهم -أحمد وبندار ويونس بن حبيب وابن غيلان وعمرو بن علي وعلي بن مسلم وزيد بن أخزم- عن سليمان بن داود أبي داود الطيالسي، وأحمد (4/213)، والبيهقي (1/191) من طريق إبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن وهب بن جرير، وأحمد (4/213)، وابن أبي خيثمة في تاريخه (478-السفر الثاني) -ومن طريقه ابن عبدالبر في الاستذكار (1697)- والبغوي في معجم الصحابة (2/100) عن أبي خيثمة، كلاهما -أحمد وأبو خيثمة- عن عبدالصمد بن عبدالوارث، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/24) من طريق عبدالوهاب بن عطاء.
والطبراني في الكبير (3/235) - وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1060، 1900)- من طريق الربيع بن يحيى الأشناني، وابن شاهين -كما في الإصابة (1/104)-من طريق خلف بن عبدالعزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد عن أبيه عن جده عثمان بن جبلة، ستتهم -أبو داود ووهب وعبدالصمد وعبدالوهاب والربيع وعثمان بن جبلة- عن شعبة بن الحجاج، وأخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (475-السفر الثاني) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1901) من طريق يحيى بن عبدالحميد الحماني، والطحاوي في شرح المعاني (1/24) والطبراني في الكبير (3/235) من طريق الفريابي، وأبو بكر محمد بن يحيى المروزي في زياداته على الطهور لأبي عبيد (193) وابن قانع في معجم الصحابة (1/209، 210) والطبراني في الكبير (3/235) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1901) من طريق عاصم بن علي، ثلاثتهم -الحماني والفريابي وعاصم بن علي- عن قيس بن الربيع، كلاهما -شعبة وقيس- عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي حاجب سوادة بن عاصم، عن الحكم بن عمرو الغفاري -وهو الأقرع-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، لفظ محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي عن شعبة.
وقال محمود بن غيلان عن أبي داود: (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة -أو قال: بسؤرها-).
وقال زيد بن أخزم عن أبي داود: (نهى أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة -أو قال: شرابها-).
وقال وهب بن جرير عن شعبة: (نهى أن يتوضأ الرجل من سؤر المرأة)، زِيدَ في رواية الحاكم: (وكان لا يدري عاصمٌ: فضلَ وضوئها أو فضلَ شرابها؟).
وقال عبدالصمد عن شعبة: (نهى أن يتوضأ بفضلها. لا يدري: بفضل وضوئها، أو فضل سؤرها؟).
وقال عبدالوهاب بن عطاء عن شعبة: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة -أو: بسؤر المرأة، لا يدري أبو حاجب أيهما قال-).
وقال قيس بن الربيع عن عاصم الأحول: (نهى عن سؤر المرأة).
وقد قال يونس بن حبيب وحده عن أبي داود الطيالسي: عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي حاجب، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، به، لم يُسمِّ الحكم، وهي رواية سليمان التيمي عن أبي حاجب:
أخرجها مسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (670/2)، ومن طريقه الأثرم في سننه (49) والطبراني في الكبير (3/235)-، والبيهقي (1/191) من طريق عبيدالله بن عمر، كلاهما عن يزيد بن زريع، وابن أبي شيبة في مصنفه (354) ومسنده (942) عن إسماعيل بن علية، وأحمد (5/66) عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في التاريخ الكبير (4/184) والدارقطني (1/53) من طريق أبي داود الطيالسي، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7174) من طريق سعيد بن عامر، والبيهقي (1/191) من طريق بشر بن عمر، ثلاثتهم عن شعبة، والترمذي في سننه (63) وعلله الكبير (32-ترتيبه) عن محمود بن غيلان، والدولابي في الكنى (786) من طريق قبيصة[3]، والطبراني في الكبير (3/236) من طريق أبي كريب، ثلاثتهم عن سفيان الثوري، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2922) من طريق حماد بن سلمة، وأبو يعلى في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (670/3)- من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7173) من طريق يوسف بن يعقوب، ثمانيتهم عن سليمان التيمي، عن أبي حاجب، عن رجل من الصحابة -زاد بعضهم: من بني غفار-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى... أن يتطهر -وفي روايات: يتوضأ- الرجل بفضل طهور -وفي روايات: وضوء- المرأة.
وقال سعيد بن عامر عن شعبة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يتوضأ من إناء، فقيل له: إن امرأة توضأت منه، فكره ذلك.
وقال محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان الثوري: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة -أو قال: سؤرها-.
وقال أبو كريب عن وكيع عن سفيان: أن النبي -صلى الله عليه وسلم نهى- عن سؤر المرأة أن يتوضأ به، وقال قبيصة مثل ذلك.
وقال حماد بن سلمة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أو كره فضل وضوء المرأة، ونحوه ليوسف بن يعقوب، قال: نهى عن فضل وضوء المرأة.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (355) عن وكيع، والبخاري في التاريخ الكبير (4/184) -ومن طريقه البيهقي (1/191)- من طريق عبدالله بن المبارك، والدولابي في الكنى (787) من طريق خالد بن الحارث، ثلاثتهم عن عمران بن حدير، وعلقه الدارقطني (1/53) -ونقله عنه البيهقي (1/191)- عن غزوان بن حجير السدوسي، كلاهما -عمران وغزوان- عن أبي حاجب سوادة بن عاصم، قال: انتهيت إلى الحكم الغفاري وهو بالمربد، وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة. لفظ وكيع، وقال ابن المبارك: ... عن سوادة العنزي قال: اجتمع الناس على الحكم، بالمربد فنهاهم عنه. وقال خالد: ... عن سوادة بن عاصم العنزي قال: قال : اجتمع ناس على الحكم الغفاري بالمربد، فسألوه عن فضل طهور المرأة، فنهاهم. وقفوه على الحكم.
دراسة الأسانيد:
رواه أبو حاجب سوادة بن عاصم العنزي، واختُلف عنه:
• فرواه عاصم الأحول عنه، عن الحكم بن عمرو الغفاري.
• ورواه سليمان التيمي عنه، عن رجل من الصحابة من بني غفار.
• ورواه عمران بن حدير وغزوان بن حجير عنه، عن الحكم بن عمرو الغفاري موقوفًا.
كما اختُلف في متن الحديث:
• فقيل: فضل طهور المرأة (وفي روايات: فضل وضوء المرأة، وفي روايات: فضل المرأة)، قاله أحمد ومحمد بن بشار ويونس بن حبيب وعمرو بن علي عن أبي داود الطيالسي، والربيع بن يحيى الأشناني، كلاهما عن شعبة عن عاصم الأحول.
• وقيل: فضل طهور المرأة، أو: سؤرها (وفي رواية: شرابها)؛ بالشك، قاله محمود بن غيلان وزيد بن أخزم عن أبي داود الطيالسي، وعبدالوهاب بن عطاء، كلاهما عن شعبة -ونَسَبَ عبدالوهاب الشكَّ إلى أبي حاجب-، وقاله محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي.
• وقيل: سؤر المرأة، قاله وهب بن جرير عن شعبة، وقيس بن الربيع، كلاهما عن عاصم الأحول -زِيدَ عن وهب: ولم يدرِ عاصم فضل الوضوء أم الشراب-، وقاله أبو كريب عن وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي.
• وقيل: فضلها؛ لا يدري بفضل وضوئها، أو فضل سؤرها، بالشك غير المنسوب إلى راوٍ، قاله عبدالصمد عن شعبة.
وهذا الخلاف في الحديث يدل على عدم ضبطه، قال الميموني: قلت لأبي عبدالله -يعني: الإمام أحمد-: حديث الحكم بن عمرو، يسنده أحد غير عاصم؟ قال: (لا، ويضطربون فيه عن شعبة، وليس هو في كتاب غندر، وبعضهم يقول: "عن فضل سؤر المرأة"، وبعضهم يقول: "فضل وضوء المرأة"، ولا يتفقون عليه، ورواه التيمي، إلا أنه لم يسمِّه؛ قال: عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-)[4]. وقد تضمن سؤال الميموني وكلام أحمد ما يلي:
1- أنه تفرد بإسناده عاصم الأحول، أي: عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو، وإلا فقد أسنده سليمان التيمي عن أبي حاجب، لكنه عن رجل من الصحابة.
2- أن الرواة يضطربون في متنه عن شعبة، فمنهم من ذكر سؤر المرأة، ومنهم من ذكر فضل الوضوء، وهذا ظاهر من العرض السابق للاختلاف في متن الحديث، بل لم ينحصر الاختلاف فيه عن شعبة، بل تعداه إلى عاصم، وسليمان التيمي، وأبي حاجب نفسه. فالظاهر أن هذا التردد والاختلاف ليس من شعبة، والله أعلم.
وقد حاول مغلطاي التوفيق في هذا الاختلاف، فقال: (ويجاب عن الاضطراب بأن معنى ما رُوي يرجع إلى شيء واحد، وهو البقيَّة، إذ الرواية بالمعنى جائزة، فقول من روى: "فضل طهور المرأة" و"سؤر المرأة" واحد، يريد بذلك البقيّة، وقد جاء مصرَّحًا به في كتاب الطبراني الكبير: "بفضل المرأة"، وإذا كان كذلك فلا خلف)[5]، فجمع مغلطاي بأن المراد: ما يتبقى المرأة مطلقًا، من سؤر أو فضل طهور، وفي هذا الجمع تكلف، ومحله حال اختلاف مخرج الحديث، أما والحديث متفق المخرج، فإنه يُنظر الأصح عن الراوي مخرج الحديث، ورواية الطبراني التي اعتمدها مغلطاي هي رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن شعبة، وقد رواها عن الطبراني أبو نعيم في موضعين من معرفة الصحابة، فجاء في لفظه: (بفضل وضوء المرأة)، وحتى لو صح ما نقله مغلطاي؛ فغير الربيع بن يحيى ممن هو أوثق منه يرويه عن شعبة بالاختلاف والشك المفصَّل آنفًا.
3- أن الحديث ليس في كتاب غندر عن شعبة، وغندر (محمد بن جعفر) هو أوثق الرواة عن شعبة، وكتابه عنه حَكَم بين الناس، وقد كانوا يستفيدون من كتابه في حياة شعبة، فلما لم يكن الحديث في كتابه عن شعبة؛ دل على أن في رواية شعبة له شيئًا، فربما لم يضبطه شعبة، فلم يحدث به غندرًا، أو أن غندرًا رأى الاختلاف فيه فلم يدخله في الكتاب، أو غير ذلك.
وكأن الإمام أحمد يعل رواية شعبة بهذا، إلا أن رواية الناس له عن شعبة ثابتة، واختلافهم عنه ثابت، فلا بد من النظر في حال الحديث من رواية شعبة ومن رواية غيره.
4- أن سليمان التيمي رواه عن أبي حاجب، فلم يذكر اسم الحكم بن عمرو فيه، بل قال: عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا اختلاف آخر في الحديث يدل على الاضطراب الحاصل فيه.
إلا أن ورود بعض الروايات عن سليمان التيمي -ومنها رواية أحمد عن غندر عنه- وفيها: عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني غفار= يفيد أن الصحابي في كلا الروايتين غفاري، وأن عاصمًا الأحول حفظ عن أبي حاجب أنه الحكم بن عمرو، ولم يحفظه سليمان التيمي، وعاصم الأحول من الحفاظ للحديث -كما وصفه الإمام أحمد-، بل قد فُضِّل في الحفظ على سليمان التيمي نفسه، فذِكرُهُ اسمَ الراوي في مثل هذا مقبولٌ صحيح. وهذا ما اعتمده المزي، قال: (أبو حاجب، عن رجل من بني غفار؛ في النهي أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. هو الحكم بن عمرو الغفاري)[6]، ويظهر أنه فهم الدارقطني، فإنه ساق خلافًا عن سليمان التيمي في هذا الحديث، حيث رواه بعضهم عنه عن أبي حاجب عن أبي هريرة، ثم قال الدارقطني: (وذلك وهم، وإنما رواه أبو حاجب عن الحكم بن عمرو الغفاري)[7]، فذِكْرُ الدارقطني اسمَ الحكم بن عمرو الغفاري في الخلاف على سليمان التيمي يشير إلى أن مؤدى رواية سليمان التيمي: أن تكون عن الحكم بن عمرو، والله أعلم.
ولم يذكر الإمام أحمد في كلامه الرواية الموقوفة، وقد قال الدارقطني -بعد أن أخرج روايتي عاصم الأحول وسليمان التيمي المرفوعتين-: (أبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم، واختلف عنه: فرواه عمران بن حدير وغزوان بن حجير السدوسي عنه موقوفًا من قول الحكم غير مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-)[8]. وقال البيهقي -بعد أن نقل إعلال البخاري لحديث ابن سرجس الآتي بالوقف-: (حديث الحكم قد روي أيضًا غير مرفوع)[9]، وكأنه يريد: أن حديث الحكم بن عمرو جاء موقوفًا أيضًا، فليُعَلَّ بذلك. وقد كان البخاري أسند في تاريخه الرواية المرفوعة بوجهيها -رواية عاصم الأحول وسليمان التيمي-، ثم عقبهما مباشرة بهذه الرواية الموقوفة، فكأنه يشير إلى إعلالهما بها.
والرواية الموقوفة رواها عمران بن حدير وغزوان بن حجير، ولم أعرف غزوان هذا، ولا عرفت إسناد روايته.
وهذا وجه جديد عن أبي حاجب في هذا الحديث.
وأبو حاجب هذا قال فيه ابن معين والنسائي: (ثقة)، وقال أبو حاتم: (شيخ)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: (ربما أخطأ)، ومن هذه حاله من عدم الإتقان، والوقوع في الخطأ، ثم التردد في هذا الحديث بين وجهين في الإسناد، وأوجه في المتن= لا يصح إطلاق تصحيح حديثه لثقته، بل الأظهر أن يُقال: إن اضطرب في حديثه هذا إسنادًا ومتنًا، فلا يصح حديثه.
ورواية الوقف هي الأقرب من بين رواياته المختلفة، وراويها عنه (عمران بن حدير) جاءت فيه عبارات توثيق شديد من الأئمة، فوُصف بأنه أصدق الناس، وقال ابن المديني: (ثقة، من أوثق شيخٍ بالبصرة)، وقوة جانب روايته -وإن كان قابله فيها حافظان عن أبي حاجب- لأمور:
1- أن أبا حاجب قد ذكر في الرواية الموقوفة قصة، فذكر أنه انتهى إلى الحكم، وأن الناس اجتمعوا عليه، وأنه سئل عن فضل طهور المرأة، فأجابهم، وكل هذا قرينة على أنه أضبط لهذا الوجه من غيره. وذكر القصة قرينة معروفة عند الأئمة من قرائن ترجيح الروايات.
2- أنه لم يُختلَف عليه في متن الحديث، ولم يتردد فيه أو يشك.
3- إشارة البخاري والبيهقي إلى أنها أقوى من المرفوع.
قال عبدالحق ابن الخراط الإشبيلي: (قال -يعني: الترمذي-: "هذا حديث حسن"، كذا قال أبو عيسى: "حديث حسن"، ولم يقل: "صحيح"؛ لأنه روي موقوفًا، وغير أبي عيسى يصححه؛ لأن إسناده صحيح، والتوقيف عنده لا يضر. والذي يجعل التوقيفَ فيه علةً أكثرُ وأشهر)[10].
وتحسين الترمذي لهذا الحديث أجراه بعض العلماء على مصطلح المتأخرين، فقابل به كلام البخاري، قال مغلطاي: (ويجاب عن قول البخاري المذكور... في العلل بخلاف الترمذي له حين حسَّنه، ولولا ظهور ترجيح لما جاز الإقدام على خلافه)[11]. وهذا الفهم خلاف نص الترمذي، فإنه قد قال: (وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث حسن"؛ فإنما أردنا حُسْن إسناده عندنا: كلُّ حديث يُروَى؛ لا يكون في إسناده من يُتَّهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًّا، ويُروَى من غير وجه نحو ذاك؛ فهو عندنا حديث حسن)[12]، وهذا المفهوم ينطبق على هذا الحديث؛ فإنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب، وليس شاذًّا، وروي من غير وجه نحوه.
وبظهور ضعف الحديث يتضح جليًّا دقة حكم الإمام البخاري، حين سأله الترمذي عن هذا الحديث مرفوعًا، فقال: (ليس بصحيح)[13]، ويتضح ضعف من أجاب على هذا بأنه مجمل، أو بأن غيره من الأئمة خالفوه تحسينًا أو احتجاجًا، أو حمله على "أنه لم يصح صحة المجمع عليه من الأحاديث"، أو أنه لا يمنع عدمُ كونه صحيحًا أن يكون حسنًا![14]
والله أعلم.
يتلوه -إن شاء الله- تخريج بقية أحاديث الباب، وبيان صحة إسناد أحدها.
ـــــــــــــــ ــــ
[1] المغني (1/56).
[2] في كون المسند لأبي داود أو ليونس خلاف بين الباحثين، والمرجَّح أنه لأبي داود، لكني نسبت الرواية هنا ليونس لنكتة تأتي الإشارة إليها؛ حيث خالف يونس الرواة عن أبي داود.
[3] وقع في ثلاث مطبوعات من كنى الدولابي: قبيصة عن سليمان التيمي، وقبيصة لم يدرك التيمي روايةً، وهو مشهور بالرواية عن سفيان الثوري، واتفق لفظه مع لفظ رواية الطبراني من طريق وكيع، فالظاهر أن صواب الإسناد: قبيصة عن الثوري عن سليمان التيمي، والله أعلم.
[4] الإمام (1/159)، شرح مغلطاي لابن ماجه (1/289).
[5] شرح ابن ماجه (1/290).
[6] تهذيب الكمال (35/118).
[7] العلل (8/279، 345).
[8] السنن (1/53).
[9] معرفة السنن والآثار (1/497).
[10] الأحكام الوسطى (1/160، 161).
[11] شرح ابن ماجه، لمغلطاي (1/289، 290).
[12] العلل الصغير (5/758-آخر السنن).
[13] العلل الكبير، للترمذي (ص40-ترتيبه).
[14] انظر: شرح ابن ماجه، لمغلطاي (1/289، 290).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مرَّ في الحلقة السابقة دراسة حديث الحكم بن عمرو الغفاري في النهي عن الوضوء بفضل طهور المرأة، وتبيَّن أنه ضعيف مرفوعًا، والوقف فيه أصح، وأواصل هنا دراسة أحاديث الباب مبيِّنًا صحة أحدها، والله الموفق.
2- تخريج حديث عبدالله بن سرجس -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (374) عن محمد بن يحيى، والبزار -فيما نقله عنه الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي في رسالته إلى ابن حزم حول هذا الحديث، نقله عنه ابن سيد الناس في النفح الشذي (2/55)- عن محمد بن عبدالرحيم[1]، والطحاوي في شرح المعاني (1/24) عن محمد بن خزيمة، وأبو الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه (عقب 374) والدارقطني (1/116) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/47)- من طريق أبي حاتم الرازي، وأبو الحسن في زياداته (عقب 374) عن أبي عثمان المحاربي، والطبراني في الأوسط (3741) وابن حزم في المحلى (1/212) من طريق علي بن عبدالعزيز، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (53) من طريق هارون بن سفيان، سبعتهم عن معلى بن أسد، وأبو يعلى في مسنده (1564) والمفاريد (76)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/72، 73) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4201) والبيهقي (1/192) من طريق محمد بن عبدالله الحضرمي مطين، كلاهما عن إبراهيم بن الحجاج[2]، كلاهما -معلى وإبراهيم- عن عبدالعزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبدالله بن سرجس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعًا. لفظ معلى بن أسد، وقال إبراهيم بن الحجاج: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل وضوء المرأة، إلا أن أبا يعلى رواه عن إبراهيم الحجاج بنحو لفظ معلى بن أسد.
وقد جاء عن عبدالله بن سرجس موقوفًا:
أخرجه عبدالرزاق (385)، وأبو عبيد في الطهور (194) من طريق عبيدالله بن عمرو، كلاهما عن معمر، والأثرم في سننه (50) من طريق عبدالواحد -لعله ابن زياد-، والدارقطني (1/117) -ومن طريقه البيهقي (1/192)- من طريق شعبة، ثلاثتهم عن عاصم الأحول، قال: سمعت عبدالله بن سرجس قال: لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، فإذا خلت به فلا تقربه. لفظ عبدالرزاق عن معمر، وقال عبيدالله بن عمرو عنه: ... عن عبدالله بن سرجس أنه قال: أترون هذا الشيخ -يعني نفسه-؟ فإنه قد رأى نبيَّكم -صلى الله عليه وسلم-، وأكل معه. قال عاصم: فسمعته يقول: لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد، فإن خلت به فلا تقربه. ولفظ عبدالواحد: عن عاصم، قال: سمعت عبدالله بن سرجس يقول: اغتسلا جميعًا، هي هكذا، وأنت هكذا -قال عبدالواحد في إشارته: كان الإناء بينهما-، وإذا خلت به فلا تقربنَّه. ولفظ شعبة: عن عبدالله بن سرجس قال: تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها.
دراسة الأسانيد:
تفرد بالرواية المرفوعة: عبدالعزيز بن المختار، قال ابن دقيق العيد: (ذكر الأثرم أنه لم يرفعه الناس إلا ابن المختار وحده...)[3]، وقال البزار: (... ولا يُعلم أحدٌ أسنده عن عاصم عن عبدالله بن سرجس إلا عبدالعزيز بن المختار)[4]، وقال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن عاصم الأحول عن عبدالله بن سرجس إلا عبدالعزيز بن المختار...)[5]، وقد زاد الطبراني في إعلاله؛ فقال: (تفرد به معلى بن أسد)، وفي هذا نظر، إذ قد تابع إبراهيمُ بن الحجاج معلى بن أسد عن عبدالعزيز بن المختار، إلا إن كان الطبراني ينظر إلى وجه دقيق في التفرد لم يتبين لي، فالله أعلم.
وعبدالعزيز بن المختار ثقة، وثقه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: (كان يخطئ). وقد أعلَّ الأئمة روايته على مسلكين لهم في الإعلال:
المسلك الأول: إعلال روايته بإعادة الحديث إلى حديث عاصم الأحول، عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو الغفاري، وهو الحديث السابق، وقد سلك هذا جماعة من أهل العلم:
• فقال ابن ماجه -بعد أن أخرج رواية عاصم الأحول عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو، ثم رواية عبدالعزيز بن المختار عن عاصم عن عبدالله بن سرجس-: (الصحيح هو الأول، والثاني وهمٌ).
• وقال الطبراني -بعد أن أخرج رواية عبدالعزيز بن المختار-: (لم يروِ هذا الحديث عن عاصم الأحول عن عبدالله بن سرجس إلا عبدالعزيز بن المختار...، ورواه غيره عن عاصم الأحول عن سوادة بن عمرو[6] عن الحكم بن عمرو الغفاري).
• وقال الذهبي: (سنده جيد، قد أخرجه ابن ماجه، لكن المحفوظ لعاصم: حديثُهُ عن أبي حاجب)[7]،
وعلى هذا المسلك، يكون قد خالف عبدَالعزيز بن المختار في روايته عن عاصم: شعبة، وقيس بن الربيع، وقيس فيه كلام، إلا أن شعبة أحفظ من عبدالعزيز بن المختار بمراحل، وروايته أقوى من روايته وأرجح وأصح.
المسلك الثاني: إعلال رواية عبدالعزيز بن المختار بالرواية الموقوفة، وممن سلكه من الأئمة:
• البخاري، قال: (وحديث عبدالله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ)[8].
• والأثرم، قال ابن دقيق العيد: (ذكر الأثرم أنه لم يرفعه الناس إلا ابن المختار وحده، وخالفه الناس فأوقفوه)[9].
• والبزار، قال: (وحديث ابن سرجس قد رواه غير واحد عن عاصم عن عبدالله بن سرجس موقوفًا، ولا يُعلم أحدٌ أسنده عن عاصم عن عبدالله بن سرجس إلا عبدالعزيز بن المختار)[10].
• والدارقطني، قال -بعد أن أخرج رواية عبدالعزيز بن المختار-: (خالفه شعبة)، ثم أسند رواية شعبة الموقوفة، ثم قال: (وهذا موقوف صحيح، وهو أولى بالصواب)[11].
• وأشار البيهقي إلى ذلك، حيث أسند رواية إبراهيم بن الحجاج عن عبدالعزيز بن المختار، ثم قال: (وهكذا رواه معلى بن أسد عن عبدالعزيز بن المختار، وخالفه شعبة عن عاصم)، ثم أسند رواية شعبة من طريق الدارقطني، ونقل كلامه[12]، ثم نقل كلام البخاري[13].
وعلى هذا المسلك، يكون قد خالف عبدَالعزيز بن المختار في روايته عن عاصم: معمر، وعبدالواحد، وشعبة، واجتماع هؤلاء الثلاثة الحفاظ على الوقف أقوى من انفراد عبدالعزيز بالرفع، وكونه ثقة لا يفيد تصحيح روايته والحال هذه.
والظاهر أنه كان عند عاصم حديثان:حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو مرفوعًا، وحديث عبدالله بن سرجس موقوفًا، فخلط عبدالعزيز بن المختار بينهما؛ فجعل متن حديث الحكم بن عمرو لحديث عبدالله بن سرجس[14]، ثم رفعه؛ وقد وردت رواية أبي عبيد للحديث عن عاصم الأحول عن عبدالله بن سرجس أنه قال: أترون هذا الشيخ -يعني نفسه-؟ فإنه قد رأى نبيَّكم -صلى الله عليه وسلم-، وأكل معه. قال عاصم: فسمعته يقول: لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة...، فعلق عليه ابن القيم بقوله: (فهذا هو الذي رجحه البخاري، ولعل بعض الرواة ظن أن قوله: "فسمعته يقول:..." من كلام عبدالله بن سرجس؛ فوهم فيه، وإنما هو من قول عاصم بن سليمان، يحكيه عن عبدالله)[15]، وهذا تفسير محتمل لسبب خطأ عبدالعزيز بن المختار في رفع الحديث.
فالصحيح في المتن الذي رواه عبدالعزيز بن المختار: أنه من حديث الحكم بن عمرو، والصحيح في حديث عبدالله بن سرجس: وقفه، وبهذا يلتئم مسلكا الأئمة في إعلال رواية عبدالعزيز بن المختار.
لكن رواية شعبة عن عاصم عن عبدالله بن سرجس الموقوفة= جاء متنها: (تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها)، والظاهر أن في هذه السياقة نظرًا؛ فقد خالف شعبةَ: معمر وعبدالواحد بن زياد، روياه عن عاصم عن عبدالله بن سرجس بإفتائه أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، ونهيه أن يقرب الماءَ إذا خلت به المرأة، وهذه السياقة أصح وأرجح، ولعل الحسن بن يحيى بن الجعد -الراوي عن وهب بن جرير عن شعبة- رواه بالمعنى ولم يضبط لفظَهُ؛ فإنه صدوق.
3- تخريج حديث حميد بن عبدالرحمن الحميري عن رجل من الصحابة:
أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (100)، وأحمد (4/111) عن يونس وعفان و(5/369) عن سريج، وأبو داود (81) والطحاوي (1/24) والبيهقي (1/190) من طريق مسدد، والنسائي في الصغرى (1/130) والكبرى (235) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7201) من طريق قتيبة، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (51) من طريق خلف بن هشام، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7201) من طريق معلى بن مهدي، ثمانيتهم عن أبي عوانة الوضاح بن عبدالله اليشكري، وأحمد (4/110) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/47)- عن حميد بن عبدالرحمن الرؤاسي، وأبو داود (81) -ومن طريقه البيهقي (1/190)- عن أحمد بن يونس، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (52) من طريق أبي غسان، ثلاثتهم عن زهير بن معاوية، كلاهما -أبو عوانة وزهير- عن داود بن عبدالله الأودي، وعبدالرزاق (378) عن سفيان بن عيينة، عن عمر بن سعيد بن مسروق، عن رجل، كلاهما -داود والرجل- عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، قال: لقيت رجلاً صحب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أربع سنين -كما صحبه أبو هريرة-، قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، وأن يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعًا. وزاد بعض الرواة منهيات أخرى، وقال أبو نعيم عن أبي عوانة: وليأخذا جميعًا، وجاء لفظ زهير من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر الاغتراف، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغتسل الرجل من فضل امرأته، ولا تغتسل بفضله...».
وأما الرجل الذي رواه عنه عمر بن سعيد بن مسروق؛ فقال عن حميد بن عبدالرحمن اليحمري: عن رجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث سنين أنه قال: نُهِيَ[16] أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة.
دراسة الأسانيد:
ظاهر إسناده الصحة، وأعل بعلل إسنادية، وعلة متنية:
الأولى: الكلام في داود الأودي:
فنقل ابن القطان عن ابن حزم قوله: (إن كان هذا هو عم ابن إدريس؛ فهو ضعيف، وإن لم يكن إياه؛ فهو مجهول)، قال ابن القطان: (وهو ليس بعمٍّ لابن إدريس؛ فإن عم ابن إدريس هو داود بن يزيد الأودي، وأما هذا؛ فهو داود بن عبدالله الأودي)[17]، وقد جاء ذلك صريحًا في عدد من روايات الحديث، قال ابن دقيق العيد: (وداود هذا يقع غير منسوب في بعض الروايات، فيقع الوهم فيه، ولكنه مبيَّنٌ في رواية زهير وأبي عوانة عنه، فقالا: داود بن عبدالله)[18].
وقد ذكر ابن القطان أن الحافظ ابن مفوز رد على ابن حزم، ثم قال: (وقد كتب الحميدي إلى ابن حزم من العراق يخبره بصحة هذا الحديث، ويبين له أمر هذا الرجل، فلا أدري أرجع عن قوله أم لا؟)[19].
وداود بن عبدالله الأودي هذا وثقه أحمد وابن معين[20] وأبو داود والنسائي وابن خلفون، وعقب البيهقي روايته لهذا الحديث بقوله: (وهذا الحديث رواته ثقات)، وقد قال ابن المديني في إسناد حديثٍ: (إسناده مجهول، رواه رجل من أهل الكوفة، يُقال له: داود بن عبدالله الأودي، لا أعلم أحدًا روى عنه شيئًا غير زهير وأبي عوانة...)[21]، لكن الظاهر أنه يقصد في إعلاله بالدرجة الأولى: شيخَ داود، وهو عبدالرحمن المسلي، وأما داود، فقد روى عنه غيرُ زهير وأبي عوانة، وقد وثقه جماعة من الأئمة غير ابن المديني وعرفوه.
الثانية: عدم تسمية الصحابي:
ومن هذا الحديث ونحوه اشتُهر عن البيهقي أنه يرى أن ما لم يُسَمَّ صحابيُّه من الأحاديث فإنه مرسل، حيث قال: (وهذا الحديث رواته ثقات، إلا أن حميدًا لم يُسَمِّ الصحابيَّ الذي حدَّثه؛ فهو بمعنى المرسل، إلا أنه مرسل جيد)[22]، وقال في موضع آخر: (وأما حديث داود بن عبدالله الأودي...؛ فإنه منقطع)[23]، ويظهر أنه يعني بالانقطاع: ما ذكره أولاً من عدم تسمية الصحابي، وأن ذلك متضمن للإرسال الذي هو انقطاع في حقيقته، قال مغلطاي: (قوله: "منقطع" إنما يريد به الإرسال الذي أشار إليه في السنن الكبير، لا الانقطاع الصناعي)[24].
وكلام البيهقي ردَّه جمهور الأئمة ممن جاء بعده، بل ردَّه ابن التركماني بتصرفين للبيهقي نفسه[25]، وفسره السخاوي بتفسير جيد بأن البيهقي أراد مجرد التسمية، دون إجراء حكم الإرسال في نفي الاحتجاج، قال: (وبهذا القيد ونحوه يجاب عما تَوَقَّف عن الاحتجاج به من ذلك لا لكونه لم يُسَمَّ)[26]، وهذا المخرج للبيهقي جيد، لكن ربما أشكل عليه قول البيهقي في الحديث: (منقطع)؛ فإنه تصريح بأن المراد به: الإرسال الذي يحصل به الانقطاع، وينتفي به إذن الاحتجاج.
الثالثة: تفرد داود بن عبدالله الأودي به:
وحاله لا تحتمل التفرد، قال البيهقي: (وداود بن عبد الله ينفرد به، ولم يحتج به صاحبا الصحيح)[27]، وقال في موضع آخر: (... وداود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان البخاري ومسلم)[28]، وردَّه ابن دقيق العيد، قال: (وقول البيهقي: "وداود بن عبدالله لم يحتج به الشيخان" غير ضار، ولا مانع من الاحتجاج به، وقد اعترف بأن الحديث رواته ثقات، وقد نقلنا أيضًا توثيق داود عن ابن معين والنسائي، وكم من موثق في الرواية لم يخرجا له في الصحيح، ولا التزما إخراج كل موثق)[29]، وهذا جواب عن احتمال حاله للتفرد، ولا يتوجه إلى تفرده، وأما الجواب عن تفرده به، فإن التفرد هاهنا غير ضار؛ حيث إن داود بن عبدالله مُقلّ في أحاديثه[30]، وإلى هذا تشير بعض كلمات الأئمة فيه، ومن ذلك قول الإمام أحمد: (شيخ ثقة)[31]، فكلمة (شيخ) تشير إلى كونه ذا أحاديث قليلة، وقد نص على هذا الإمام أحمد في بعض من أطلق فيهم هذه الكلمة[32]، ومع قلة حديثه؛ فقد تظافرت كلمات الأئمة في توثيقه، وهذا دال على أنه حافظ ضابط لما يروي، فإن الثقة مع قلة الحديث دليل ضبط، ومع الضبط لا يضر التفرد، ثم حميد بن عبدالرحمن الحميري ليس بذاك المكثر أيضًا، وليس له أصحاب مختصون بحديثه يعل حديث من تفرد عنه من غيرهم. فالظاهر أن تفرد داود الأودي بهذا الحديث لا يعله.
وقد رواه عمر بن سعيد بن مسروق -أخو سفيان الثوري- عن رجل، عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، فإن لم يكن هذا الرجل هو داود الأودي؛ فإنه مشارك له في الرواية عن حميد، لكنه خالفه في قوله: (عن رجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث سنين)، وقول داود الأودي: (أربع سنين) أصح.
الرابعة: الكلام في زهير:
قال الذهبي: (منكر، وزهير هو ابن محمد، فيه شيء، وقيل: بل زهير هو ابن معاوية الجعفي، أحد الثقات الأثبات)[33].
وهذا غريب من الذهبي -رحمه الله-، ولعله علَّقه سريعًا دون تأمل وبحث، فإن من المعروف عند أهل التراجم أن زهيرًا الراويَ عن داود هذا هو أبو خيثمة زهير بن معاوية، قال الإمام أحمد: (روى عنه أبو عوانة وزهير أبو خيثمة)[34]، وقال أبو حاتم: (روى عنه أبو خالد الدالاني وزهير بن معاوية...)[35]، وجرى على ذلك الأئمة من بعدهم، ومنهم الخطيب[36] والمزي، وغيرهما، وقد عَيَّن زهيرًا في هذا الحديث بابن معاوية: ابنُ عبدالبر[37].
ثم نكارة التفرد تزول بالمتابعة، ورواية أبي عوانة -متابعةً لزهير- أشهر من رواية زهير نفسه.
الخامسة -وهي العلة المتنية-:
مخالفة أحاديث الجواز، أعله بذلك البيهقي، قال: (وهذا الحديث رواته ثقات، إلا أن حميدًا لم يسمِّ الصحابي الذي حدَّثه، فهو بمعنى المرسل، إلا أنه مرسل جيد؛ لولا مخالفته الأحاديثَ الثابتةَ الموصولة قبله)[38]، وقال ابن عبدالبر: (الآثار في الكراهية في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة، والآثار الصحاح هي الواردة بالإباحة، مثل حديث ابن عمر هذا[39] ومثل حديث جابر، وحديث عائشة، وغيرهم، كلهم يقول: إن الرجال كانوا يتطهرون مع النساء جميعًا من إناء واحد، وأن عائشة كانت تفعل ذلك[40]، وميمونة[41]، وغيرهما من أزواجه -صلى الله عليه وسلم-[42])[43].
ولا شك أن هذه الأحاديث أصح من حديث الباب، لكن كونها أصح لا ينفي أنه صحيح، وما دام اختلف مخرجه، وصح سنده دون ريبٍ في بعض رواته أو إشكال فيه، ووجد ما يخالفه ظاهرًا= فإنه يُتعامل معه بطرق التعامل المعروفة في مختلف الحديث، من النظر في إمكان الجمع، أو النسخ، أو الترجيح.
والجمع ممكن هنا، قال الخطابي: (فكان وجه الجمع بين الحديثين...: أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء، وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهر به، دون الفضل الذي تسئره في الإناء)[44]، وقال ابن حجر: (وهو ممكن؛ بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعًا بين الأدلة)[45]، وجمع أحمد -في رواية- بأن النهي مخصوص بما إذا خلت المرأة بالماء، وجمع آخرون بأن النهي إذا كانت المرأة جنبًا أو حائضًا، والإباحة في غير ذلك، وهو مروي عن ابن عمر.
وهذا يضعِّف ردَّ حديث الباب بطريق ترجيح الأحاديث الأخرى. والله أعلم.
وبهذا ظهر أن إسناد الحديث ليس فيه ما يطعن فيه، وقد نقل مغلطاي أن الأثرم حكى عن أحمد قوله فيه: (إسناده حسن)[46]، وفي هذا النقل نظر، فإن الإمام أحمد ضعف هذه الأحاديث، قال ابن حجر: (ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة)[47]، ولعل صواب نقل مغلطاي أنه من كلام الأثرم، ونصُّه -كما نقله ابن دقيق العيد-: (فهو أحسنها إسنادًا، إلا أنه مخالف لحديث الحكم بن عمرو، وحديث الحكم أحسن منه)[48]. وقد صرح مغلطاي أن كلام الأثرم هذا في كتابه (الناسخ والمنسوخ)[49]، وليس في الجزء المطبوع منه، ولم ينقل هو ولا ابن دقيق العيد نص كلام الأثرم؛ ليُفهم مراده من المخالفة بين هذا الحديث وحديث الحكم بن عمرو -الآتي-، وليفهم وجه كون حديث الحكم أحسن منه عنده، فإن ظاهر متنيهما التوافق، وقد عقب ابن دقيق العيد على قول الأثرم المنقول آنفًا بقوله: (فأما مخالفته له؛ فالمخالفة من الجانبين، وليس رد حديثه[50] لحديث الحكم بأولى من العكس، وقوله: "حديث الحكم أحسن منه" فيه نظر).
وقد صحح هذا الحديث: أبو عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي، حيث أرسل إلى ابن حزم ينبهه فيها إلى صحته -كما مرَّ-، وهو ظاهر صنيع الحافظ ابن عبدالهادي[51]، وغيرهما.
4- تخريج حديث عائشة -رضي الله عنها-:
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/25) من طريق عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل وضوء المرأة، قال: «لا بأس به، ما لم تخلُ به، فإذا خلت به فلا تتوضأ بفضل وضوئها».
دراسة الإسناد:
فيه عمر بن صبح، متروك متهم بالكذب، وروى عن مقاتل وغيره أحاديث موضوعة.
5- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه الدارقطني في الأفراد (5517-أطرافه) من طريق أبي كدينة، عن سليمان التيمي، عن أبي حاجب، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة.
دراسة الإسناد:
لم أجد هذه الرواية مسندةً، وقد قال الدارقطني فيها: (تفرد به أبو كدينة عن سليمان التيمي، وأسنده عن أبي هريرة)[52]، وقد خالفه في ذلك جماعة كثيرون عن سليمان التيمي، كسفيان وشعبة وابن علية ويزيد بن زريع وحماد بن سلمة وغيرهم، وقد سبق تخريج رواياتهم ودراستها في حديث الحكم بن عمرو الغفاري، وأبو كدينة وإن كان ثقة؛ إلا أنه ربما أخطأ -كما قال ابن حبان-، وهذه الرواية من أخطائه، قال الدارقطني: (وذلك وهم، وإنما رواه أبو حاجب عن الحكم بن عمرو الغفاري)[53]، وقد سبق التنبيه على ملحظٍ في ذكر الدارقطني اسمَ الحكم بن عمرو الغفاري في هذا الخلاف على سليمان التيمي.
هذا، وقد ضعف أحاديث الباب جميعًا:
• الإمام أحمد بن حنبل، قال ابن حجر: (ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة)[54].
• والحافظ أبو عبدالله محمد ابن منده، قال: (وأما ما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بفضل وضوء المرأة؛ فروي عن أبي هريرة، وأبي ذر، والحكم بن عمرو الغفاري، ورجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع سنين كما صحبه أبو هريرة، ولا يثبت عن واحد منهم من جهة السند...)[55].
• وابن عبدالبر، قال: (الآثار في الكراهية في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة...)[56].
والظاهر أن تضعيفهم لهذه الأحاديث كان حال نظرهم لحالها مقابل أحاديث الترخيص في الوضوء بفضل المرأة. لكن لعل حديثًا من أحاديث هذا الباب قد صح، وهو حديث حميد بن عبدالرحمن الحميري عن الرجل الذي صحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد سبق بيان ذلك، ويؤيده الموقوفان عن الحكم بن عمرو الغفاري وعبدالله بن سرجس -رضي الله عنهما-، بل قال الإمام أحمد: أكثر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون ذلك[57]. والله أعلم.
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
[1] وقع في المصدر: أحمد بن عبدالرحيم، والبزار مُكثر عن محمد بن عبدالرحيم صاحب السابري في مسنده، ولعله شيخه هنا.
[2] وأخرجه من طريقه: القاضي أبو بكر محمد بن بدر في كتاب النهي، أفاده ابن دقيق العيد -في الإمام (1/162)-.
[3] الإمام (1/159).
[4] النفح الشذي (2/55).
[5] المعجم الأوسط (4/111).
[6] كذا في الأوسط، وصوابه: عاصم.
[7] تنقيح التحقيق، له (1/17).
[8] علل الترمذي الكبير (ص40-ترتيبه).
[9] الإمام (1/159).
[10] النفح الشذي (2/55).
[11] السنن (1/116، 117).
[12] السنن (1/192).
[13] خلاف فهم ابن دقيق العيد في الإمام (1/161، 162)، فإنه ظنَّ أن قول البيهقي (وخالفه شعبة) إشارة إلى رواية شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو، وإنما أشار البيهقي إلى روايته عن عاصم عن عبدالله بن سرجس موقوفًا؛ فأسندها بعدها.
[14] سوى لفظة (ولكن يشرعان جميعًا)، فإنها إنما وردت في حديث حميد بن عبدالرحمن الحميري عن رجل من الصحابة، وهو الآتي.
[15] تهذيب السنن (1/103).
[16] هذا الظاهر في ضبطها.
[17] بيان الوهم والإيهام (5/226)، الإمام، لابن دقيق العيد (1/154).
[18] الإمام (1/154).
[19] بيان الوهم والإيهام (5/226).
[20] نقل المزي في تهذيب الكمال أن ابن معين قال فيه: (ليس بشيء)، وتعقبه الحافظ في تهذيب التهذيب، فقال: (يحرر هذا، فإنه عن الدوري عن ابن معين في داود بن يزيد -كما سيأتي-)، وقال الذهبي -في الميزان (2/10)-: (وروى عباس عن يحيى: "ليس بشيء"، فيحرر هذا؛ لأن هذا في ابن يزيد)، وقال ابن عبدالهادي -في تنقيح التحقيق (1/42)-: (كذا ذكر غير واحد من المصنفين رواية عباس عن يحيى في ترجمة داود هذا، والظاهر أن كلام يحيى إنما هو في داود بن يزيد الأودي عم عبد الله بن إدريس؛ فإنه المشهور بالضعف) -وانظر تهميش محققَي التنقيح-، وقال العراقي معقبًا على كلام الذهبي المنقول آنفًا عن الميزان -في ذيله (ص224)-: (قلت: قد حررته، فلم أجد أحدًا أصلاً تكلم في داود بن عبدالله، وإنما الذي نقله عباس عن ابن معين في داود بن يزيد، قال عباس الدوري في تاريخه عن ابن معين: "داود الأودي الذي روى عنه الحسن بن أبي صالح وأبو عوانة: ثقة"، ثم قال: "داود بن يزيد الأودي: ليس حديثه بشيء، وهو عم عبدالله بن إدريس"، هذا لفظه بحروفه، فينبغي أن يُسقط من الميزان ذكر داود بن عبدالله؛ فإنه لم يتكلم فيه أحد بجرح فيما نعلم).
[21] العلل (ص668)، مسند الفاروق (1/182).
[22] السنن (1/190).
[23] معرفة السنن والآثار (1/497، 498).
[24] شرحه على ابن ماجه (1/294).
[25] الجوهر النقي (1/190، 191)، وانظر: الإمام، لابن دقيق العيد (1/155)، شرح سنن ابن ماجه، لمغلطاي (1/293)، تنقيح التحقيق، لابن عبدالهادي (1/43)، فتح الباري، لابن حجر (1/300)، النكت، له (2/563، 564).
[26] فتح المغيث (1/269).
[27] معرفة السنن والآثار (1/498).
[28] السنن (1/190).
[29] الإمام (1/156)، وناقشه مغلطاي أيضًا في شرح ابن ماجه (2/294).
[30] وجدت.
[31] الجرح والتعديل (3/416)، تهذيب الكمال (8/411)، وجاءت في العلل ومعرفة الرجال (1/536-رواية عبدالله): (بخٍ ثقة)، والأول أصح.
[32] قال حرب بن إسماعيل -كما في الجرح والتعديل (8/438، 439)-: قلت لأحمد بن حنبل: مستلم بن سعيد كيف هو؟ قال: (شيخ ثقة من أهل واسط، قليل الحديث). وهذا الإطلاق لكلمة (شيخ) على قليل الحديث منهجٌ للعجلي وغيره، انظر: شفاء العليل، للمأربي (ص317).
[33] تنقيح التحقيق، له (1/16).
[34] شالعلل ومعرفة الرجال (1/536-رواية عبدالله).
[35] الجرح والتعديل (3/416).
[36] في غنية الملتمس (ص182).
[37] الاستذكار (3/130).
[38] السنن (1/190).
[39] يعني: حديث مالك -في الموطأ (48)- عن نافع أن ابن عمر كان يقول: إنْ كان الرجال والنساء في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتوضؤون جميعًا. وأخرجه البخاري (193) وغيره.
[40] أخرجه البخاري (250، 261، 263، 272، 299، 322، 1929، 5956) ومسلم (319، 321، 331) وغيرهما كثير من طرق عن عائشة.
[41] أخرجه البخاري (253)، ومسلم (322) وغيرهما.
[42] أخرج البخاري (264) عن أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد.
[43] الاستذكار (2/129).
[44] معالم السنن (1/42).
[45] فتح الباري (1/300).
[46] شرح ابن ماجه (1/292).
[47] فتح الباري (1/300).
[48] الإمام (1/157).
[49] شرح ابن ماجه (1/294).
[50] يعني: حديث داود بن عبدالله الأودي، عن حميد بن عبدالرحمن، عن الرجل من الصحابة.
[51] تنقيح التحقيق (1/41-43).
[52] أطراف الغرائب والأفراد (2/338).
[53] العلل (8/279، 345).
[54] فتح الباري (1/300).
[55] الإمام، لابن دقيق العيد (1/164).
[56] الاستذكار (2/129).
[57] هكذا نقله المصنف في الروض (1/79).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
كتاب الطهارة (3)
16-(1/82، 83) ("أو رفع بقليله حدثَ" مكلفٍ أو صغير؛ فطاهر؛ لحديث أبي هريرة: «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» رواه مسلم).
أخرجه مسلم (283) من طريق أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب»، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: (يتناولها تناولاً).
وانظر: المسند الجامع (12702).
17-(1/85، 86) ("أو غمس فيه" أي: في الماء القليل كل "يد" مسلم مكلف "قائم من نوم ليل ناقض للوضوء" قبل غسلها ثلاثًا؛ فطاهر...؛ لحديث: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» رواه مسلم).
أخرجه البخاري (162) ومسلم (278) من طريق الأعرج، ومسلم (278) من طريق جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- وعبدالله بن شقيق وأبي رزين وأبي صالح وأبي سلمة وسعيد بن المسيب وعبدالرحمن بن يعقوب -والد العلاء بن عبدالرحمن- وهمام بن منبه وثابت مولى عبدالرحمن بن زيد، كلهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال مسلم: (في روايتهم جميعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث، كلهم يقول: "حتى يغسلها"، ولم يقل واحد منهم: "ثلاثًا" إلا ما قدمنا من رواية جابر وابن المسيب وأبي سلمة وعبدالله بن شقيق وأبي صالح وأبي رزين؛ فإن في حديثهم ذكر الثلاث).
وانظر: المسند الجامع (12723-12734).
10م-(1/90) ("أو لاقاها" أي: لاقى النجاسة "وهو يسير" أي: دون القلتين، فينجس بمجرد الملاقاة، ولو جاريًا؛ لمفهوم حديث: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء»).
سبق تخريجه وبيانه في الحديث (10).
18-(1/100-103) ("كل إناء طاهر... يباح اتخاذه واستعماله... إلا آنية ذهب وفضة... فإنه يحرم اتخاذها... واستعمالها" في أكل وشرب وغيرهما "ولو على أنثى"؛ لعموم الأخبار، وعدم المخصص)، قال ابن قاسم (1/103): (لما في الصحيحين: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»، وللبخاري: «الذي يشرب في آنية الذهب» ولمسلم: «والفضة= إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
1- تخريج الحديث الأول:
أخرجه البخاري (5426، 5632، 5633) من طريق مجاهد والحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى، فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين -كأنه يقول: لم أفعل هذا- ولكني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة»، ونحوه في الموضعين الآخرين.
وانظر: المسند الجامع (3315، 3316).
2- تخريج الحديث الثاني:
أخرجه البخاري (5634) ومسلم (2065) وغيرهما من طريق مالك، ومسلم (2065) وغيره من طريق الليث بن سعد وأيوب وموسى بن عقبة وعبدالرحمن السراج، وأحمد (6/306) ومسلم (2065) والنسائي في الكبرى (6843) وأبو عوانة (6824) والبغوي في الجعديات (3028) وابن حبان (5341) وابن عبدالبر في التمهيد (16/102) من طريق يحيى بن سعيد القطان، وابن راهويه (1853) ومسلم (2065) من طريق محمد بن بشر، وابن أبي شيبة في المصنف (24135) -ومن طريقه مسلم (2065) والطبراني في الكبير (23/387) والبيهقي (4/145) وابن عبدالبر في الاستذكار (26/267، 268) وابن حزم في المحلى (2/223)-، ومسلم (2065) -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (2/223)- والبيهقي (4/145) من طريق محمد بن إسحاق الثقفي السراج، كلاهما -مسلم والسراج- عن الوليد بن شجاع، كلاهما -ابن أبي شيبة والوليد بن شجاع- عن علي بن مسهر، ثلاثتهم -يحيى القطان ومحمد بن بشر وعلي بن مسهر- عن عبيدالله بن عمر، كلهم عن نافع، عن زيد بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، قال مسلم: (كل هؤلاء عن نافع بمثل حديث مالك بن أنس بإسناده عن نافع، وزاد في حديث علي بن مسهر عن عبيدالله: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب...»، وليس في حديث أحدٍ منهم ذكر الأكل والذهب إلا في حديث ابن مسهر)، ولم يذكر السراج عن الوليد بن شجاع عن علي بن مسهر الأكل والذهب، ولا ذُكِرا في رواية البيهقي من طريق ابن أبي شيبة، قال البيهقي: (وقد رواه غيرُ مسلمٍ عن أبي بكر بن أبي شيبة والوليد بن شجاع دون ذكرهما)[1].
وانظر: المسند الجامع (17599).
وأخرجه مسلم (2065) -ومن طريقه البيهقي (4/146)- عن زيد بن يزيد أبي معن الرقاشي، وأبو عوانة (6829) عن يزيد بن سنان، والطبراني في الكبير (23/413) من طريق محمد بن المثنى، والمزي في تهذيب الكمال (19/491) من طريق سليمان بن عبدالجبار وبشر بن آدم، خمستهم -أبو معن ويزيد بن سنان ومحمد بن المثنى وسليمان بن عبدالجبار وبشر- عن أبي عاصم، عن عثمان بن مرة، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن خالته أم سلمة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم»، لفظ مسلم، قال البيهقي: (وفي هذا ذكر الذهب دون الأكل)، إلا أن سليمان بن عبدالجبار لم يذكر الذهب في روايته.
دراسة الإسناد:
زاد علي بن مسهر في بعض الروايات عنه عن عبيدالله بن عمر عن نافع= ذكرَ الأكل والذهب في الحديث، وهذه الروايات صحيحة عن علي؛ فقد رواها ابن أبي شيبة في مصنفه فأثبتها، وكفى بهذا دليلاً على ثبوتها عنه، ورواها عنه الإمام الجبل مسلم بن الحجاج والحافظ محدث الأندلس محمد بن وضاح وراوية كتب ابن أبي شيبة عبيد بن غنام، وكذا رواها مسلم عن الوليد بن شجاع، ولا يضرُّ ذلك تقصيرُ من قصر بذكر اللفظتين عن ابن أبي شيبة والوليد.
وهذه الزيادة لم تأتِ إلا في هذه الرواية، وقد أعلها مسلم في كلامه المنقول آنفًا، وأعلها كذلك البيهقي، قال: (وذكر الأكل والذهب غير محفوظ في غير رواية علي بن مسهر)[2] ، وقد خالف عليَّ بن مسهر في ذكر اللفظتين: الحافظان الثبتان: محمد بن بشر ويحيى القطان، فلم يذكراهما عن عبيدالله بن عمر، وكذا لم يذكرهما من تابع عبيدَالله عن نافع، فاللفظتان في الحديث شاذتان عن نافع.
وقد رواه عثمان بن مرة عن عبدالله بن عبدالرحمن عن أم سلمة، فذكر فيه الذهب، إلا ما كان من سليمان بن عبدالجبار؛ فإنه أسقط ذكر الذهب عن أبي عاصم عن عثمان، والصواب رواية الجماعة بإثباته.
وعثمان بن مرة قال فيه ابن معين: (صالح)، وقال أبو زرعة: (لا بأس به)، وقال أبو حاتم: (يكتب حديثه)، وذكره ابن حبان وابن شاهين وابن خلفون في الثقات. وقد زاد عثمان ذكر الذهب على زيد بن عبدالله بن عمر، وزيد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له مالك في الموطأ والشيخان في صحيحيهما. ويشبه أن تكون الزيادة ثابتة؛ لثقة عثمان عن زيد. والله أعلم.
وأما النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة؛ فجاء في غير حديث، وقد أخرجه الشيخان من حديث حذيفة بن اليمان، وسبق تخريجه أول هذا المبحث.
19-(1/104، 105) ("إلا ضبة يسيرة" عرفًا، لا كبيرة "من فضة" لا ذهب "لحاجة" وهي أن يتعلق بها غرض غير الزينة؛ فلا بأس بها؛ لما روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة).
أخرجه البخاري (3109) من طريق أبي حمزة عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح وشربت فيه.
وأخرجه البخاري (5638) من طريق أبي عوانة، عن عاصم الأحول، قال: رأيت قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع، فسَلْسَلَهُ بفضة. قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة[3]، فقال له أبو طلحة: لا تغيرنَّ شيئًا صنعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتركه.
وانظر: المسند الجامع (890-893).
20-(1/106) (... وعلم منه[4] أن المضبب بذهب حرام مطلقًا، وكذا المضبب بفضة لغير حاجة أو بضبة كبيرة عرفًا ولو لحاجة؛ لحديث ابن عمر: «من شرب في إناءِ ذهبٍ أو فضة أو إناءٍ فيه شيءٌ من ذلك؛ فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه الدارقطني).
منكر.
أخرجه أبو محمد الفاكهي في فوائده -حديثه عن ابن أبي مسرة- (100) -ومن طريقه الدارقطني (1/40) وحمزة السهمي في تاريخ جرجان (ص108، 109) وابن بشران في أماليه (42) والحاكم في معرفة علوم الحديث (326)-ومن طريقه ابن حزم في المحلى (7/421)- والبيهقي (1/28)-، والحاكم في المعرفة (326) -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (7/421)- والبيهقي في الكبرى (1/28) والصغرى (224) من طريق الحسين بن الحسن الطوسي، ونقل البيهقي (1/28) أن أبا الوليد محمد بن حسان الفقيه أخرجه عن محمد بن عبدالوهاب، ثلاثتهم -الفاكهي والطوسي ومحمد بن عبدالوهاب- عن أبي يحيى عبدالله بن أحمد ابن أبي مسرة، عن يحيى بن محمد الجاري، عن زكريا بن إبراهيم بن عبدالله بن مطيع، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك؛ فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم». إلا أن الحاكم في روايته عن الفاكهي والطوسي قال: زكريا بن إبراهيم بن عبدالله بن مطيع عن أبيه عن جده عن ابن عمر.
دراسة الإسناد:
زاد الحاكم ذكر (جده) في الإسناد، وقد رواه الدارقطني والسهمي وابن بشران ومحمد بن أحمد بن إسحاق البزار -عنه البيهقي-، كلهم عن الفاكهي، لم يذكروا (جده)، ورواه أبو علي الروذباري -عنه البيهقي- عن الحسين بن الحسن الطوسي، فلم يذكرها كذلك، وتابعهما على عدم ذكره: محمد بن عبدالوهاب، فلذا قال البيهقي: (أخبرنا أبو عبدالله الحافظ فى فوائده عن الطوسي والفاكهي معًا، فزاد فى الإسناد بعد أبيه: عن جده عن ابن عمر، وأظنه وهمًا)، وقال ابن الصلاح: (قول الحاكم في إسناده: "عن أبيه عن جده" الظنُّ به أنه وهم، فقد رواه العدد بهذا الإسناد، فقالوا فيه: عن أبيه عن ابن عمر، من غير ذكر جده، روينا نحو ذلك عن أبي بكر البيهقي الحافظ كما هو عن الحاكم، وظن بشيخه الوهم في ذلك، والله أعلم)[5].
وفي هذا الإسناد علل:
أحدها: حال يحيى بن محمد الجاري، وثقه العجلي، وقال البخاري: (يتكلمون فيه)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: (يُغرب)، وذكره في المجروحين، وقال: (كان ممن يتفرد بأشياء لا يتابع عليها على قلة روايته، كأنه كان يهم كثيرًا؛ فمن هنا وقع المناكير في روايته، يجب التنكب عما انفرد من الروايات، وإن احتج به محتجٌّ فيما وافق الثقات لم أرَ بذلك بأسًا)[6] ، وذكره العقيلي وأبو العرب وأبو بشر الدولابي وابن السكن في جملة الضعفاء[7].
ثانيها: تفرد الجاري وغرابة الإسناد، وإلى هذا أشار الدارقطني بقوله: (إسناده حسن)، وهذا مصطلح للمتقدمين يريدون به وصف الإسناد بالغرابة[8]، وقال الحاكم: (هذا حديث روي عن أم سلمة، وهو مخرَّج في الصحيح، وكذلك روي من غير وجه عن ابن عمر، واللفظة: "أو إناء فيه شيء من ذلك" لم نكتبها إلا بهذا الإسناد)[9]. وما انفرد به يحيى الجاري أوجب ابن حبان التنكب عنه.
ثالثها: زكريا بن إبراهيم بن عبدالله بن مطيع، لم أجد له ترجمة، قال ابن حزم: (زكريا بن إبراهيم لا نعرفه بعدل ولا جراحة)[10]، وقال ابن القطان: (فأما زكريا وأبوه فلا تعرف لهما حال)[11]، وقال ابن عبدالهادي: (غير معروف)[12]، وقال الذهبي: (ليس بالمشهور)[13]، وقال ابن حجر عن الحديث: (معلول بجهالة حال إبراهيم بن عبدالله بن مطيع وولده)[14].
رابعها: إبراهيم بن عبدالله بن مطيع والد زكريا، لم أجد له ترجمة كذلك، ومرَّ قول ابن القطان وابن حجر فيه.
خامسها: الوقف، قال البيهقي: (والمشهور عن ابن عمر في المضبب موقوفًا عليه)، ثم أسند ما أخرجه ابن أبي شيبة (24151) عن عبدالله بن نمير، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة، ولا ضبة فضة، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا (24152) من طريق ليث، عن مجاهد، قال: كان ابن عمر يكره أن يشرب في قدح فيه حلقة من فضة، وليث بن أبي سليم ضعيف، لكنه متابع.
ولاجتماع هذه العلل قال ابن القطان عن الحديث: (لا يصح)، وقال الذهبي: (منكر)، وتوقف فيه ابن حزم.
ـــــــــــــــ ـــــــ
[1] السنن (1/27).
[2] السنن (1/27).
[3] هذه الحلقة غير السلسلة من الفضة.
[4] يعني حديث أنس السابق.
[5] حواشيه على معرفة علوم الحديث (ص400).
[6] المجروحين (3/130)، ولم ينقل في التهذيبين.
[7] إكمال تهذيب الكمال، لمغلطاي (12/360).
[8] انظر تفصيل ذلك بأمثلته في الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، للشيخ طارق بن عوض الله (ص130-150).
[9] معرفة علوم الحديث (ص401).
[10] المحلى (7/421).
[11] بيان الوهم والإيهام (4/608).
[12] تنقيح التحقيق (1/143).
[13] ميزان الاعتدال (4/406).
[14] فتح الباري (10/101).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
كتاب الطهارة (4)
21-(1/107) ("وتباح آنية الكفار" إن لم تعلم نجاستها "ولو لم تحل ذبائحهم" كالمجوس؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ من مزادة مشركة. متفق عليه).
تتابع جمع من الأئمة الحنابلة على ذكر هذا الحديث مختصرًا هكذا، قال ابن عبدالهادي: (وهو مختصر من حديث طويل)[1]، والحديث المقصود في الصحيحين، وليس فيه ما يفيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ من المزادة، بل ظاهره أنه توضأ قبل أن يأمر الصحابييَن بابتغاء الماء ومجيئهما به من المرأة المشركة، لكن جاء في بعض طرقه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمض في الماء، وفي بعضها أنه مجَّ فيه.
والحديث أخرجه عبدالرزاق (20537) عن معمر، وابن أبي شيبة (31726) -ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج (1535)- عن مروان بن معاوية، وأحمد (4/434)، والبخاري (344) عن مسدد، والبزار (3584) عن عمرو بن علي، وابن خزيمة (113) عن بندار، وابن حبان (1301) وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (1535) من طريق عبيدالله بن عمر القواريري، خمستهم عن يحيى بن سعيد القطان، ومسلم (682) وأبو عوانة في مستخرجه (684، 1666، 4281) وأبو نعيم في مستخرجه (1535) من طريق النضر بن شميل، وابن خزيمة (113) عن بندار عن ابن أبي عدي وسهل بن يوسف وعبدالوهاب بن عبدالمجيد، والطبراني في الكبير (18/132) -وعنه أبو نعيم في المستخرج (1535)- من طريق هوذة بن خليفة، والبيهقي في السنن (1/218) ومعرفة السنن (2/30) من طريق عبدالوهاب بن عطاء، وفي السنن (1/219) ودلائل النبوة (4/279) من طريق عباد بن منصور، كلهم وآخرون عن عوف الأعرابي، وأخرجه البخاري (3571) والطبراني في الكبير (18/137) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (11/223، 224)- وأبو عوانة في المستخرج (684، 1665، 4281) وأبو نعيم في المستخرج (1534) والبيهقي (1/219) من طريق أبي الوليد الطيالسي، ومسلم (682) من طريق عبيدالله بن عبدالمجيد، والدارقطني (1/199) من طريق عبدالكريم بن الهيثم، والطبراني في الكبير (1/137) من طريق سعيد بن سليمان النشيطي، ثلاثتهم عن سلم بن زرير، والدارقطني (1/200) من طريق عباد بن راشد، ثلاثتهم -عوف وسلم وعباد- عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، بحديث طويل.
قال فيه عوف: (... فجاءا بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحدثاه الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء...)، لفظ يحيى القطان عن عوف، وقال معمر: (فجاءا بها، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل في إناء من مزادتيها شيئًا، ثم قال ما شاء الله أن يقول، ثم أعاد الماء في المزادتين، ثم أمر بعرا المزادتين ففتحت، ثم أمر الناس فملؤوا آنيتهم وأسقيتهم...)، وقال مروان بن معاوية: (فجاءا بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطحيتين، ثم أوكأ أفواههما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا)، وقال النضر بن شميل: (فجاءا بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإناء، فأفرغ فيه، فسقى واستقى)، وقال هوذة بن خليفة: (ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإناء، فجعل فيه أفواه السطيحتين أو المزادتين، ثم تضمض، فأعاده في الإناء، ثم أعاده في أفواه السطيحتين أو المزادتين)، وقال عبدالوهاب بن عطاء: (فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، فمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين أو السطيحتين، ثم أوكأ أفواههما، وأطلق العزالي...)، وقال عباد بن منصور: (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ائتوني بإناء»، فجاؤوا بإناء، فقال: «افتحوا عزلاء هذه المزادة فخذوا منها ماء يسيرًا، ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماء يسيرًا أيضًا»، ففعلوا، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا فيه وغمس يده فيه، فقال: «افتحوا لي أفواه المزادتين»، ففتحوا، فحثا في هذه قليلاً، وفي هذه قليلاً، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «اشربوا»، فشربوا حتى رووا...)، وقد ذُكرت المضمضمة في ألفاظ بعض الرواة عن عوف حملاً على ألفاظ بعضهم؛ حيث قُرنت أسانيد رواياتهم ببعضها، وقد رواه محمد بن بشار بندار عن يحيى القطان وابن أبي عدي وسهل بن يوسف وعبدالوهاب بن عبدالمجيد -قرنهم-، فذكر المضمضة في اللفظ.
وقال سلم بن زرير: (فأمر براويتها فأنيخت، فمَجَّ في العزلاوين العلياوين، ثم بعث براويتها فشربنا -ونحن أربعون رجلاً عطاش- حتى روينا...).
وقال عباد بن راشد: (فأمر بالبعير فأنيخ، ثم حل المزادة من أعلاها، ثم دعا بإناء عظيم، فملأه من الماء...).
دراسة الإسناد:
الظاهر أن لفظ المضمضة لا يثبت عن عوف الأعرابي، فقد اجتمع على عدم ذكره معمر ويحيى القطان والنضر بن شميل ومروان بن معاوية، وهؤلاء ثقات أثبات حفاظ، أوثق ممن ذكر المضمضة وأحفظ.
وثبت عن سلم بن زرير المج، إلا أن سلمًا متكلَّم فيه، وعوف الأعرابي أوثق منه، وتابعه عباد بن راشد على عدم ذكره، فالظاهر أن المج لا يثبت أيضًا عن أبي رجاء.
لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرجل الذي كان جنبًا بالوضوء من هذا الماء، قال عمران: (وكان آخر ذاك: أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء، فقال: «اذهب فأفرغه عليك»)، فالاستدلال على إباحة استعمال آنية المشركين من هذا النص قائم.
22-(1/109) ("ولا يطهر جلد ميتة بدباغ" روي عن عمر، وابنه، وعائشة، وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-).
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (850) وعلقه ابن عبدالبر في التمهيد (4/166)، عن محمد بن نصر، عن إسحاق بن راهويه، عن ابن أبي عدي، عن الأشعث، عن محمد بن سيرين، قال: كان ممن يكره الصلاة في الجلد إذا لم يكن ذكيًّا[2]: عمر، وابن عمر، وعائشة، وعمران بن حصين، وابن جابر[3].
وأخرجه ابن أبي شيبة (24898) عن يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كانوا لا يرون بالصوف والشعر والمِرْعِزَّى والوبر بأسًا، إنما كانوا يكرهون الصلاة في الجلد.
دراسة الإسنادين:
الإسنادان صحيحان إلى ابن سيرين.
أثر عن عمر:
علقه ابن المنذر في الأوسط (848) وابن عبدالبر في التمهيد (4/166) عن بندار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب: إنه بلغني أنكم بأرض تلبسون ثيابًا يقال لها الفراء، فانظروا ما من ميتة.
دراسة الإسناد:
ابن المنذر لم يسمع من بندار، وإنما يروي عنه بقوله: حدثونا عن بندار، وربما روى عنه بواسطة بعض شيوخه، ولم يبين هنا واسطته.
أثر عن عائشة:
أخرجه عبدالرزاق (199) -ومن طريقه ابن المنذر (849)- عن ابن جريج، قال: أخبرنا نافع مولى ابن عمر، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، أن محمد بن الأشعث كلَّم عائشة في أن يتخذ لها لحافًا من الفراء، فقالت: (إنه ميتة، ولست بلابسةٍ شيئًا من الميتة) قال: فنحن نصنع لك لحافًا مما يدبغ، وكرهت أن تلبس من الميتة.
وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (4/176) من طريق أبي يحيى بن أبي مسرة، عن مطرف، عن مالك، عن نافع، عن القاسم بن محمد أنه قال لعائشة: ألا نجعل لك فروًا تلبسينه؟ قالت: (إني لأكره جلود الميتة)، قال: إنا لا نجعله إلا ذكيًّا، فجعلناه، فكانت تلبسه.
دراسة الإسنادين:
الإسنادان صحيحان، وزاد مالك على ابن جريج عن نافع أن عائشة كانت تلبسه بعد أن دبغوه، وهذه الزيادة مقبولة؛ فمالك من أثبت الناس في نافع.
وظاهر الروايتين الخلاف في قائل الكلام لعائشة، ولعل الصواب في رواية مالك عن نافع عن القاسم: أنه قيل لعائشة...، وبهذا تتفق الروايتان.
هذا، وقد جاء عن عمر وابنه وعائشة -رضي الله عنهم- ما يخالف ما استدل به المصنف، انظر: تهذيب الآثار، للطبري (2/829-831)، الأوسط، لابن المنذر (2/265-267).
وفي بعض الآثار السابق تخريجها ما يخالف استدلال المصنف بها، حيث جاء فيها حصر الكراهية في الجلد غير المدبوغ، وهذا يفيد أن لا كراهة في الجلد المدبوغ، وهذا ما صرحت به رواية القاسم عن عائشة، ومن هذا؛ فالجلد يطهر بالدباغ عندهم، والله أعلم.
-(1/117، 118) ("ويستحب عند دخول الخلاء... قول: بسم الله"؛ لحديث علي: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف: أن يقول: بسم الله»، رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: ليس إسناده بالقوي).
ضعيف، وورد في التسمية عند دخول الخلاء غير رواية، ولا تصح.
1- تخريج حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
أخرجه الترمذي (606) -ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1/378)-، وابن ماجه (297) -ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/197)-، وأحمد بن عبدالجبار في مسنده -كما نقل ابن دقيق العيد في الإمام (2/476)- عن إسماعيل بن الفضل، والبيهقي في الدعوات (53) من طريق محمد بن عبدوس بن كامل، ثلاثتهم عن محمد بن حميد، والبزار (484) عن يوسف بن موسى، عن عبدالرحمن بن الحكم بن بشير[4]، والطبراني في الأوسط (6201) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (1109) من طريق محمد بن مهران، ثلاثتهم -محمد بن حميد وعبدالرحمن بن الحكم ومحمد بن مهران- عن الحكم بن بشير، عن خلاد الصفار أبي مسلم، عن الحكم بن عبدالله النصري، وعلقه الطبراني في الأوسط (6/206) عن الحجاج الأعور، عن يونس بن أبي إسحاق، كلاهما -الحكم ويونس- عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي جحيفة، عن علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء: أن يقول: بسم الله»، وقال ابن ماجه عن محمد بن حميد: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف: أن يقول: بسم الله». ولم يذكر عبدالرحمن بن الحكم ولا محمد بن مهران الكنيف ولا الخلاء عن الحكم بن بشير، بل قالا: «ستر ما بينكم وبين الجن -زاد عبدالرحمن: أن تقول-: بسم الله».
دراسة الإسناد:
قال الترمذي: (هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)[5]، وقال البزار: (وهذا الحديث لا نعلمه يُروَى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه)[6]، وقال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي إلا الحكم النصري ويونس بن أبي إسحاق، ولم يروه عن الحكم النصري إلا خلاد الصفار، تفرد به الحكم بن بشير بن سليمان. وتفرد به عن يونس بن أبي إسحاق: الحجاجُ الأعور)[7].
وقد تفرد محمد بن حميد بذكر الخلاء -أو: الكنيف- فيه عن الحكم بن بشير، وخالفه فيه: محمد بن مهران، وهو الجمال؛ ثقة حافظ، وعبدالرحمن بن الحكم بن بشير، وكان ذا فهم ومعرفة[8]، وهو ابن الحكم، والابن أخص بأبيه وأعرف بحديثه، فذكر الخلاء في الحديث فيه نظر.
ثم لو صح؛ فإنه لم يصلنا إلا من طريق الحكم بن عبدالله النصري عن أبي إسحاق، وقد علق الطبراني متابعة له لا يُدرى إسنادها، وظاهر مقالة الترمذي والبزار أن هذه المتابعة ليست بذات قيمة.
والحكم ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يجئ فيه تجريح ولا تعديل[9]، ففيه جهالة، وتفرده عن أبي إسحاق مظنة نكارة وغلط، مع حفظ أبي إسحاق وسعة روايته وكثرة أصحابه المختصين بحديثه، ولذا قال الترمذي: (وإسناده ليس بذاك القوي)[10]، وقال البيهقي: (هذا إسناد فيه نظر)[11].
2- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان -كما نقل ابن كثير في الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام (ص46)- عن إسماعيل بن عبدالله، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (469) وتمام في الفوائد (1709) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/150، 151)- من طريق بشر بن خالد، والطبراني في الأوسط (7066) من طريق سهل بن عثمان، وفي الدعاء (368) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/151)- من طريق إسماعيل بن أبي أمية، وفي الدعاء (368) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/151)-، والإسماعيلي في معجم شيوخه (165) -ومن طريقه السهمي في تاريخ جرجان (ص496، 497)- عن محمد بن محمد بن يزداذ، وابن منده في الفوائد (23) من طريق العباس بن محمد بن نصر، ثلاثتهم عن هلال بن العلاء، وابن السني في عمل اليوم والليلة (274) وأبو الشيخ في العظمة (1107) من طريق داود بن رشيد، وابن السني (274) من طريق علي بن ميمون وعبدالله بن حبيب ومحمد بن غالب، وابن عدي في الكامل (3/198) -ومن طريقه البيهقي في الدعوات (54)- من طريق الحكم بن موسى، وابن عدي (3/379) من طريق عبدالرحمن بن إبراهيم دحيم وفتح بن سلومة، وتمام في الفوائد (1710) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/150، 151)- من طريق أبي التقي هشام بن عبدالملك، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/383) من طريق أيوب بن محمد الوزان، جميعهم -أربعة عشر راويًا- عن سعيد بن مسلمة، وابن السني (21) من طريق الحسين بن علي بن يزيد الصدائي، عن أصرم بن حوشب، عن يحيى بن العلاء، وابن عدي (3/198) من طريق سعد بن الصلت، ثلاثتهم -سعيد بن مسلمة ويحيى بن العلاء وسعد بن الصلت- عن الأعمش، وابن السني (273) من طريق عبدالرحيم بن زيد العمي، كلاهما -الأعمش وعبدالرحيم-، عن زيد العمي، والطبراني في الأوسط (2504) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/154)- من طريق إبراهيم بن نجيح المكي، عن أبي سنان -وليس بضرار-، عن عمران بن وهب، وابن عدي (6/303) عن محمد بن أحمد بن سهيل، عن أبيه، عن يزيد بن هارون، عن حميد، وتمام في الفوائد (1708) من طريق محمد بن خلف الكرماني، وعلق الدارقطني في العلل (12/101) رواية محمد بن مروان السدي، كلاهما عن عاصم الأحول، أربعتهم -زيد العمي وعمران بن وهب وحميد وعاصم الأحول-، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء: أن يقول: بسم الله»، لفظ إسماعيل بن أبي أمية الثقفي، والطبراني عن هلال بن العلاء[12]،كلاهما عن سعيد بن مسلمة، وقال فتح بن سلومة عن سعيد: «إذا دخل أحدكم مخرجه»، وقال يحيى بن العلاء عن الأعمش: «إذا جلس أحدكم على الخلاء»، وقال محمد بن محمد بن يزداذ والعباس بن محمد بن نصر عن هلال بن العلاء عن سعيد بن مسلمة: «إذا نزع أحدكم ثوبه»، وكذلك قال عامة الرواة عن سعيد عن الأعمش عن زيد العمي، وكذا عبدالرحيم بن زيد عن أبيه، وعمران بن وهب، وحميد، ثلاثتهم عن أنس؛ بعضهم يقول: «إذا نزع أحدهم ثوبه»، وبعضهم: «إذا وضع أحدكم ثوبه»، وبعضهم: «إذا وضعوا ثيابهم»، وبعضهم: «إذا أراد أن يطرح ثيابه»، واجتمعوا على أن الحديث في خلع الثوب.
وقال عاصم الأحول: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم: أن يقولوا: بسم الله»، فلم يحدد له موضعًا.
دراسة الأسانيد:
أ- رواية زيد العمي عن أنس:
قال تمام الرازي: (لم يقل عن الأعمش عن زيد العمي إلا سعيد بن مسلمة)[13]، وقد أثبت الطبراني وابن عدي لسعيد متابعًا؛ هو سعد بن الصلت، قال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا سعيد بن مسلمة وسعد بن الصلت)[14]، وقال ابن عدي: (وهذا الحديث لم يكن يعرف إلا بسعيد بن مسلمة عن الأعمش، ثم وجدناه من حديث سعد بن الصلت عن الأعمش، ولا يرويه عن الأعمش غيرهما)[15]، وقد استُدرك على الطبراني وابن عدي: ما سبق تخريجه من رواية يحيى بن العلاء عن الأعمش، إلا أن هذه الرواية مكذوبة، فلا يصح إثباتها متابعة، ذلك أن أصرم بن حوشب راويها متروك الحديث منكره، بل قال فيه ابن معين: (كذاب خبيث)[16]، وهذا لا يُثبت بروايته متابعة، ولا يستدرك بها على الأئمة، ثم يحيى بن العلاء متروك الحديث اتهمه الإمام أحمد بالوضع، فلا يصح أن يقال: إن هذا تابع الاثنين عن الأعمش، إذ الظاهر -وحاله هذه- أنه سرقه ورواه، والله أعلم.
فأما سعيد بن مسلمة؛ فواهٍ منكر الحديث، قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)، وقال البخاري: (منكر الحديث، في حديثه نظر)، وقال أبو حاتم: (ليس بقوي، هو ضعيف الحديث، منكر الحديث)، وقال ابن حبان: (منكر الحديث جدًّا، فاحش الخطأ في الأخبار)، وقد مشَّاه بعض الأئمة بتضعيفه مع الاعتبار به، إلا أن الظاهر قول جمهورهم بضعفه الشديد، ثم قد اختُلف عليه هنا، فجاء الحديث عنه في دخول الخلاء، وجاء في نزع الثوب، وهذا يزيد روايته ضعفًا.
وسعد بن الصلت قال فيه ابن حبان: (ربما أغرب)[17]، وقال الذهبي: (صالح الحديث، وما علمت لأحد فيه جرحًا)[18]، وقد أدرجه ابن حجر مع سعيد بن مسلمة ويحيى بن العلاء؛ فقال: ويحيى وسعد وسعيد ضعفاء)[19].
وإذا ثبت ذلك، فالعمدة إذن على رواية سعد بن الصلت، إذ هو أقوى الثلاثة الرواة عن الأعمش، ولا تفيد رواية الاثنين معه متابعة أو تقوية، لضعفها الشديد ووهائها، بل ربما أخذا الحديث عن سعد بن الصلت فروياه سرقةً وكذبًا.
وسعد بن الصلت صاحب إغراب -كما ذكر ابن حبان-، وهو رجل في قلة حديثه وعدم شهرته لا يقبل معه بحال أن يتفرد عن الأعمش الإمام الحافظ الذي تكاثر أصحابه وحفاظ حديثه بهذا الإسناد المتأخر الذي لا متابع له من وجه يصح أن يكون متابعة، وتفرد هذا عن مثل هذا الحافظ منكر.
بل حتى لو اجتمع الثلاثة في الرواية عن الأعمش لم تقبل روايتهم، إذ الأعمش من أهل الحديث الذين يحرص الثقات والأئمة على رواية حديثه وجمعه وضبطه، فمن أين يقع هؤلاء الضعفاء والمستورون على حديث عنه؟ وللعلامة المعلمي -رحمه الله- إشارات في أن كثرة من يروي الحديث من المتروكين والكذابين تمنع من تقويته بمجموع روايات الضعفاء الذين لم يشتد ضعفهم[20].
وأما رواية عبدالرحيم بن زيد العمي عن أبيه متابعًا للأعمش، فعبدالرحيم كذاب صاحب مناكير، لا يشتغل بروايته.
ثم زيد العمي نفسه ضعيف، وقد أنكر بعض الأئمة روايته عن أنس خاصة، ونقل ابن حجر أن ابن أبي حاتم ذكر في المراسيل عن أبيه: أن رواية زيد العمي عن أنس مرسلة[21]، ولم أجده في ترجمة زيد فيه.
وهذا يظهر أن هذا الحديث منكر، لا يعتد به، ثم إنه مختلَف في طرقه في ذكر محل الشاهد منه، والأكثر على عدم ذكره.
ب- رواية عمران بن وهب عن أنس:
قال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم إلا حجاج)[22]، وإبراهيم هو ابن نجيح المكي، لم أجد له ترجمة، وشيخه: أبو سنان، ونصَّ الراوي عنه على أنه ليس ضرار بن مرة، ولم أعرفه أيضًا، ثم عمران بن وهب قال فيه أبو حاتم: (ضعيف الحديث، ما حدث عنه إسحاق بن سليمان فهي أحاديث مستوية، وحدث محمد بن خالد حمويه صاحب الفرائض عن عمران بن وهب عن أنس أحاديث معضلة تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش، ولا أحسبه سمع من أنس شيئًا)[23]، وقال أبو زرعة: (رأى أنس رؤيا، وحدث عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديثَ أبان عن أنس، وقد ترك أبانًا من الوسط، ورواها عن أنس؛ أحاديث مناكير)[24]، فأفادا ثلاثَ علل: أن عمران ضعيف، وأن في بعض أحاديثه عن أنس نكارةً وشبهًا بأحاديث أبان بن أبي عياش -وهو متروك-، وأنه لم يسمع من أنس شيئًا. وانضمام هذه العلل إلى الجهالة الواقعة في طبقتين من الإسناد يدل على شدة نكارة هذه الرواية.
ج- رواية حميد عن أنس:
قال ابن عدي -بعد أن أخرج هذه الرواية وحديثًا آخر-: (وهذان الحديثان بهذا الإسناد باطلان)[25]، وعلته: شيخ ابن عدي، وهو محمد بن أحمد بن سهيل بن علي بن مهران، روى الحديث عن أبيه، عن يزيد بن هارون، قال ابن عدي في شيخه هذا: (أصله واسطي، وأبوه لا بأس به. ثنا عنه غير شيخ، وكتبنا عنه بالبصرة، وهو ممن يضع الحديث متنًا وإسنادًا، وهو يسرق حديث الضعاف يلزقها على قوم ثقات)[26]. فهذه الرواية موضوعة.
د- رواية عاصم الأحول عن أنس:
قال الدارقطني: (يرويه محمد بن خلف الكرماني ومحمد بن مروان السدي عن عاصم الأحول، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووهما فيه، والصحيح: عن عاصم الأحول، عن أبي العالية قوله، كذلك رواه ابن عيينة وعلي بن مسهر)[27]، ولم أجد لمحمد بن خلف الكرماني ترجمة، وأما السدي فمتروك الحديث.
ورواية ابن عيينة أخرجها أبو الشيخ في العظمة (1110) عن جعفر بن أحمد بن فارس، عن أحمد بن عبدة، عن سفيان بن عيينة، به، وهذا إسناد صحيح.
الخلاصة:
يتضح بهذا أن جميع الطرق إلى أنس بن مالك منكرة، تظافر على روايتها المتروكون والضعفاء، بما لا يُقال معه بتقوية رواياتهم ببعضها، قال الدارقطني: (والحديث غير ثابت)[28].
يتلوه -بعون الله- تخريج حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر -رضي الله عنهم-، والتفصيل في دراستهما، وذكر بعض الروايات الأخرى في التسمية عند دخول الخلاء.
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] المحرر (ص40).
[2] الذَّكي: المذبوح، واستُعيرت الذكاة للجلد المدبوغ.
[3] في التمهيد: أسير بن جابر.
[4] وقع فيه: عبدالرحمن بن الحكم بن بشير، قال: سمعته يذكره عن خلاد الصفار، واستشكله المحقق، وقد نقله ابن حجر -في نتائج الأفكار (1/197)- فقال: (أخرجه البزار عن يوسف بن موسى، عن عبدالرحمن بن الحكم بن بشير، عن أبيه به).
[5] سننه (عقب 606).
[6] المسند (2/127، 128).
[7] المعجم الأوسط (6/206).
[8] الجرح والتعديل (5/227).
[9] قال مغلطاي -في شرح ابن ماجه (1/132)-: (وأما الحكم فحديثه في صحيح مسلم، ووصف مع ذلك بالثقة)، وهذا حتى لو صح فلا يفيد الرواية شيئًا مع العلل الأخرى؛ من عدم ذكر الخلاء، والتفرد. وقد قال ابن حجر -في نتائج الأفكار (1/197): (وفي كلٍّ من محمد بن حميد وشيخه وشيخ شيخه وكذاالحكم الثاني= مقال).
[10] سننه (عقب 606).
[11] الدعوات الكبير (1/37).
[12] وقد قرن الطبراني رواية إسماعيل وهلال معًا.
[13] الفوائد (2/268).
[14] المعجم الأوسط (7/128).
[15] الكامل (3/199).
[16] انظر: لسان الميزان (1/461).
[17] الثقات (6/378).
[18] سير أعلام النبلاء (9/318).
[19] نتائج الأفكار (1/153).
[20] حاشيته على الفوائد المجموعة (ص175)، وغيرها، أفاده الشيخ محمد خلف سلامة الموصلي -رعاه الله-، وقال -في كلام له نشره في بعض الملتقيات العلمية على الشبكة-: (إذا كثرت الطرق الضعيفة، والتالفة، والساقطة، لحديث من الأحاديث؛ ولم يكن بين تلك الطرق طرق صحيحة، أو طرق قوية كثيرة؛ بل كان بينها طرق فيها وضاعون وكذابون ومجاهيل، فإن ذلك يريب في صحة مسلك تقوية الحديث بمجموع طرقه غير الضعيفة جداً، ولو كثرت تلك الطرق؛ بل ذلك -في الحقيقة- لا يقف عند حدود إثارة الريب، وإنما يتعداها إلى المنع من التقوية المذكورة، والدلالة على بطلانها؛ وذلك لأن هؤلاء الوضاعين والكذابين بل والمجاهيل، الذين تفردوا بأسانيد مركبة أو أسانيد كالشمس في صحتها وشهرتها، أقول: هؤلاء جميعاً مظنة اختلاق الأحاديث وطرقها، وتزويرها وتركيبها، ومظنة سرقتها وتغييرها وإدخالها على غيرهم من الضعفاء ممن لا يتعمد الكذب، أو تلقينهم إياها، أو حملهم على تدليسها، أو نحو ذلك من أنواع سعيهم في ترويج الخبر الباطل بين الرواة وتكثير طرقه؛ وكذلك لا بد أن يجدوا من الضعفاء والمدلسين والمغفلين ونحوهم، بل وبعض الأقوياء من الرواة، من يتبرع -بلا طلب منهم- برواية ذلك الحديث؛ وحينئذ سيقع منهم ما يقع من غلط أو تخليط، أو تدليس؛ فإذا جاء القرن الذي بعد هؤلاء، فإن فيهم -بلا شك- من سيسير بسيرة سلفه، ويفعل مثل فعلته؛ وحينئذ يزداد عدد الطرق وعدد الأوهام التي تحيل بعض الطرق الساقطة إلى طرق ظاهرها القوة؛ وهكذا تتكاثر الطرق المتماسكة لبعض الأحاديث التي هي في الأصل مختلقة...).
[21] تهذيب التهذيب (3/352).
[22] المعجم الأوسط (3/68).
[23] الجرح والتعديل (6/306).
[24] سؤالات البرذعي (2/761، 762).
[25] الكامل (6/303).
[26] السابق.
[27] العلل (12/101).
[28] السابق.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
كتاب الطهارة (5)
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة دراسة روايتي علي بن أبي طالب وأنس بن مالك لحديث: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف: أن يقول: بسم الله»، وبيان ضعفهما، وأواصل في هذه الحلقة دراسة أحاديث الباب: حديث أبي سعيد، وابن عمر، وروايات أخرى عن أنس في التسمية عند دخول الخلاء.
3- تخريج حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد بن منيع في مسنده -كما في المطالب العالية (37) ونتائج الأفكار (1/154)، ومن طريقه أبو الشيخ في العظمة (1108)-، وتمام في الفوائد (1711) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (31/75) وابن حجر في النتائج (1/154)- من طريق عباس بن الحسين، وابن النقور في الفوائد الحسان (12) وابن حجر في النتائج (1/154) وابن دقيق العيد في الإمام (2/476، 477) من طريق موسى بن سهل بن كثير، ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، عن محمد بن الفضل بن عطية، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (470) من طريق سلام بن سليم الطويل، كلاهما -محمد بن الفضل بن عطية وسلام الطويل- عن زيد العمي[1]، عن جعفر العبدي، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضع الرجل ثوبه: أن يقول: بسم الله».
دراسة الإسناد:
محمد بن الفضل بن عطية كذبه الأئمة وتركوه، وسلام الطويل نحوه، وسبق الكلام في زيد العمي، فالحديث منكر جدًّا شبه الموضوع، وحديث أنس أقوى منه -على نكارته-.
4- تخريج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-[2]:
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (7/255) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/155)- من طريق السري بن مزيد، عن إسماعيل بن يحيى، عن مسعر، عن عطية، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا نزع أحدكم ثوبه أو تعرى فليقل: بسم الله؛ فإنه ستر له فيما بينه وبين الشيطان».
دراسة الإسناد:
قال أبو نعيم: (غريب من حديث مسعر، تفرد به إسماعيل). والسري بن مزيد الراوي عن إسماعيل ترجمه الخطيب، فقال: (السري بن مرثد -أو مزيد-...)، ثم أسند إسنادًا من طريقه عن شيخه أبي المظفر المروذي، فقال: (السري بن مرثد -أو مزيد، لم يكن مضبوطًا في كتاب أبي المظفر؛ فصيَّرته بالشك)[3]، ولم أجد في السري هذا كلامًا أزيد من هذا[4]، وإسماعيل بن يحيى الراوي عن مسعر هو ابن عبيدالله التيمي، كان من أركان الكذب -فيما قال الأزدي-، وروى عن مسعر وغيره الأباطيل والموضوعات، واتهم بوضع الحديث، قال ابن حجر: (مجمع على تركه)[5].
فهذا الحديث باطل موضوع.
وقد بين ابن حجر ضعف هذه الأحاديث، ثم قال: (فالحاصل أنه لم يثبت في الباب شيء)[6].
وفي التسمية عند دخول الخلاء ثلاث روايات عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، هذا تفصيل الكلام فيها:
الأولى: رواية قتادة والحسن عن أنس:
أخرجها العقيلي في الضعفاء (3/370) والطبراني في الأوسط (2803) والدعاء (356) وابن السني في عمل اليوم والليلة (20) والدارقطني في الأفراد (1036-أطرافه) من طريق قطن بن نسير الذراع، عن عدي بن أبي عمارة، والطبري في تفسيره (12/112) وابن ماجه (301) من طريق عبدالرحمن بن محمد المحاربي، والبزار (6702) وابن السني في عمل اليوم والليلة (18) من طريق علي بن سعيد، والطبراني في الأوسط (8825) وفي الدعاء (365) -ومن طريقه في الدعاء ابن حجر في النتائج (1/198)- من طريق يوسف بن عدي، كلاهما عن عبدالرحيم بن سليمان[7]، كلاهما -المحاربي وعبدالرحيم- عن إسماعيل بن مسلم، كلاهما -عدي وإسماعيل- عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخلها أحدكم فليقل: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ومن الشيطان الرجيم»، لفظ عدي عن قتادة، وأما إسماعيل بن مسلم، فقرن الحسن بقتادة، وقال في لفظه: عن أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الغائط قال: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، إلا في لفظ رواية البزار عن علي بن سعيد، فقال: عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، وأما رواية ابن ماجه من طريق المحاربي عن إسماعيل بن مسلم فجاء فيها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
دراسة الإسناد:
قال العقيلي: (تابعه -يعني: عديَّ بن أبي عمارة- إسماعيلُ بن مسلم على هذه الرواية، وإسماعيل دونه)، وقال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن قتادة عن أنس إلا عدي، تفرد به قطن)([8])، وقال: (لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن قتادة في متنه: «بسم الله» إلا عدي بن أبي عمارة)[9]، وقال الدارقطني: (غريب من حديث قتادة عنه، تفرد به عدي عنه)[10].
وهذه الرواية منكرة عن قتادة، وما جاء عن الحسن عن أنس منكرٌ أيضًا، بيَّن ذلك الدارقطني بكلام شافٍ، قال: (رواه عدي بن أبي عمارة عن قتادة عن أنس، وتابعه إسماعيل بن مسلم -من رواية المحاربي وعبدالرحمن[11] بن سليمان-، فإنهما روياه عن إسماعيل عن الحسن وقتادة عن أنس، وخالفهما علي بن مسهر وأبو معاوية الضرير وعبدالله بن نمير، فرووه عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أنس، ولم يذكروا قتادة فيه، ورواه هشام بن حسان عن الحسن مرسلاً[12]، وهو الصحيح عن الحسن.
فأما قول عدي بن أبي عمارة وإسماعيل بن مسلم المكي عن قتادة، عن أنس؛ فإن ذلك وهمٌ منهما؛ لأن قتادة لم يسند هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-[13]، وإنما أسنده عن زيد بن أرقم، واختلف عليه فيمن بينه وبين زيد...)[14]، فأصحاب قتادة الكبار (شعبة وسعيد بن أبي عروبة وآخرون) يختلفون في الواسطة بين قتادة وزيد بن أرقم، أو بينه وبين أنس، ولا يختلفون في أنه لا يرويه عن أنس مباشرة، قال ابن حجر: (ومن أغلاطه -يعني: عدي بن أبي عمارة-: أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول الخلاء، وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، وقيل: عن النضر بن أنس عن أبيه...)[15]. والروايات الصحيحة عن قتادة ليس فيهما التسمية، ولا ذكر «الرجس النجس الخبيث المخبث...»[16].
وعدي بن أبي عمارة قال فيه أحمد: (شيخ)، وقال أبو حاتم: (ليس به بأس)[17]، وقال العقيلي: (في حديثه اضطراب)[18]، وإسماعيل بن مسلم الذي تابعه ضعيف، وبعض الأئمة شدد في تضعيفه، واختُلف عليه -مع ذلك- في ذكر قتادة -كما شرح الدارقطني-، وفي ذكر دعاء الخروج من الخلاء وعدم ذكره.
وقد سلك هذان الجادة في روايتيهما عن قتادة عن أنس، وزاد في إحداهما التسمية، وفي الأخرى «الرجس النجس...»، فالنكارة في هذه الرواية متحققة سندًا ومتنًا.
وقد جاءت رواية أخرى عن الحسن أنس، أخرجها الحاكم في تاريخ نيسابور -كما نقل مغلطاي في شرح ابن ماجه (1/139، 140)- عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد، عن أبي بكر محمد بن ياسين، عن أبيه، عن عبدالسلام بن نهشل بن سعيد، عن أبيه، عن قرة، عن الحسن، عن أنس، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبث الشيطان الرجيم»، وإذا خرج قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
دراسة الإسناد:
فيه شيخ الحاكم تُكُلِّم فيه، وأنكرت عليه بعض الأحاديث، وضعفه الدارقطني[19]، ونهشل بن سعيد متروك مكذَّب، ولم أعرف ابنه عبدالسلام، ولا الرواة دونه. فهذا الإسناد منكر جدًّا.
الرواية الثانية عن أنس: رواية ابن أبي طلحة عنه:
أخرجها سعيد بن منصور في سننه -كما في تعليقة ابن عبدالهادي على علل ابن أبي حاتم (ص121)- وابن أبي شيبة (5، 29902) -ومن طريقه الطبراني في الدعاء (358)- وابن عدي في الكامل (7/55) من طريق هشيم، وابن أبي حاتم في العلل (1/64) عن أبي زرعة وأبيه، والطبراني في الدعاء (357) من طريق إبراهيم بن محمد بن بكار وعبدالله بن أحمد بن حنبل، أربعتهم عن محمد بن بكار، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/46، 47) من طريق الهيثم بن جميل، وعلق الدارقطني في العلل (12/118) رواية أبي الربيع الزهراني، أربعتهم -هشيم ومحمد بن بكار والهيثم وأبو الربيع- عن أبي معشر نجيح، عن ابن أبي طلحة، عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الكنيف قال: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، لفظ هشيم.
قال هشيم، وأبو زرعة عن محمد بن بكار، كلاهما عن أبي معشر: عن عبدالله بن أبي طلحة، وقال أبو حاتم وإبراهيم بن محمد بن بكار وعبدالله بن أحمد عن محمد بن بكار، والهيثم بن جميل، وأبو الربيع الزهراني، ثلاثتهم عن أبي معشر: عن حفص بن عمر -زاد محمد بن بكار: ابن أبي طلحة، وقال أبو حاتم: حفص بن عمر بن عبدالله بن أبي طلحة-.
دراسة الإسناد:
اختُلف على محمد بن بكار عن أبي معشر في تسمية شيخ أبي معشر -كما شُرح آنفًا-، وقد قال أبو زرعة الرازي بعقب روايته: (هكذا أملاه علينا من حفظه، وقيل لي: في كتابه: عن أبي معشر عن حفص بن عمر بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)، وهذا موافق لرواية الجماعة عن محمد بن بكار، وموافق لرواية الهيثم بن جميل وأبي الربيع الزهراني، ثلاثتهم عن أبي معشر، ولذا قال أبو زرعة: (وهو الصحيح)، ويحتمل في هذا أنه قصد: أنه الصحيح عن محمد بن بكار فقط، ويحتمل أنه أراد: الصحيح عن محمد بن بكار وأبي معشر كليهما.
وأما أبو معشر، فقد قال عنه هشيم: عن عبدالله بن أبي طلحة، وقال عنه محمد بن بكار والهيثم بن جميل وأبو الربيع الزهراني: حفص بن عمر بن أبي طلحة، قال الدارقطني: (يرويه أبو معشر نجيح، واختلف عنه: فقال هشيم: عن أبي معشر عن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس، وقال أبو الربيع الزهراني: عن أبي معشر عن حفص بن عمر عن أنس. والقول قول أبي الربيع)[20]، وقال الخطيب البغدادي: (وروى هشيم عن أبي معشر هذا الحديث، فقال: عن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس، وقول الهيثم أصح)[21].
وعلى أيٍّ؛ فأبو معشر نجيح ضعيف، وشدَّد بعض الأئمة في أمره. وهذا الاختلاف عليه في اسم شيخه، مع زيادته البسملة عن شيخه عن أنس، بينما لم ترد البسملة في الروايات الصحيحة الثابتة بلا إشكال عن أنس -ويأتي طرف منها-= هذا دليل على ضعفه في هذا الحديث ونكارة روايته فيه.
الثالثة: رواية عبدالعزيز بن صهيب عن أنس:
ويأتي الكلام عليها في الحديث الآتي (24).
24-(1/118-120) (... "أعوذ بالله من الخبث... والخبائث"...؛ لحديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه).
أخرجه البخاري (142) عن آدم، و(6322) عن محمد بن عرعرة، كلاهما عن شعبة، ومسلم (375) من طريق حماد بن زيد وهشيم وإسماعيل بن علية، أربعتهم عن عبدالعزيز بن صهيب، قال: سمعت أنسًا يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» لفظ شعبة وحماد بن زيد، قال مسلم: (وفي حديث هشيم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الكنيف...)، وقال ابن علية: «أعوذ بالله من الخبث...». وقال البخاري: وقال غندر عن شعبة: إذا أتى الخلاء، وقال موسى عن حماد -هو ابن سلمة-: إذا دخل، وقال سعيد بن زيد: حدثنا عبد العزيز: إذا أراد أن يدخل.
وانظر: المسند الجامع (269).
وقد جاءت رواية للحديث من طريق عبدالعزيز بن صهيب، وذكر فيها التسمية:
قال ابن حجر: (ووردت التسمية -يعني عند دخول الخلاء- أيضًا من وجه آخر عن أنس من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أخرجها الطبراني بسند فيه أبو معشر المدني، وفيه ضعف، والمعمري في كتاب "اليوم والليلة" بسند آخر رواته موثقون)[22]، وقال: (وقد روى المعمري هذا الحديث من طريق عبدالعزيز بن المختار، عن عبدالعزيز بن صهيب بلفظ الأمر: قال: «إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث»، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية)[23] ، فإن صح الإسناد إلى عبدالعزيز بن المختار؛ فإن هذه اللفظة شاذة، فإن له -كما سبق في الحديث (15)- أخطاء -رغم كونه ثقة في الأصل-، وهو هنا قد خالف جماعة من كبار الحفاظ يروونه عن عبدالعزيز بن صهيب، ولا يذكرون التسمية فيه.
25-(1/120، 121) (... وزاد في الإقناع والمنتهى -تبعًا للمقنع وغيره-: الرجس النجس الشيطان الرجيم؛ لحديث أبي أمامة: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم»). ضعيف جدًّا.
1- تخريج حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (299) عن محمد بن يحيى، وأبو الحسن القطان في زوائده على ابن ماجه (عقب 299) عن أبي حاتم الرازي، والطبراني في الكبير (8/249) والدعاء (366) -ومن طريقه في الدعاء ابن حجر في نتائج الأفكار (1/199، 200)- عن يحيى بن أيوب العلاف، وفي الدعاء (366) عن أحمد بن حماد بن زغبة، أربعتهم -محمد بن يحيى وأبو حاتم والعلاف وأحمد بن حماد- عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن زحر، وابن عدي في الكامل (5/179) من طريق عمرو بن واقد، كلاهما عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، لفظهم إلا أبا حاتم، قال أبو الحسن القطان: ولم يقل في حديثه: «من الرجس النجس»، إنما قال: «من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم».
دراسة الإسناد:
هذا الإسناد شديد الضعف، وقد سبق بيان كلمات الأئمة في نسخة عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة في الحديث (9)، وأما متابعة عمرو بن واقد لعبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد، فعمرو بن واقد متروك، ولا تفيد روايته شيئًا.
2- تخريج حديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في الكبير (5/204) عن محمد بن محمد التمار وعثمان بن عمر الضبي، والحاكم (1/187) من طريق إسماعيل القاضي ومحمد بن غالب، أربعتهم عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الغائط فليقل: أعوذ بالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم».
دراسة الإسناد:
عمرو بن مرزوق ثقة فاضل له أوهام، وروايته هذا الحديث بهذا اللفظ من جملة أوهامه، فقد رواه محمد بن جعفر غندر وعبدالرحمن بن مهدي وحجاج وخالد بن الحارث وابن أبي عدي وأبو داود[24]، كلهم عن شعبة به بلفظ: «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء -وفي لفظ: فإذا دخلها أحدكم، وفي آخر: فإذا دخل أحدكم- فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، بل رواه بهذا اللفظ أبو داود في سننه (6) عن عمرو بن مرزوق نفسه، فوافق رواية الجماعة، وهذا هو الصواب، وأما ذكر «الرجس النجس...» في هذا الحديث؛ فوهم من جملة أوهامه.
3- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أخرجه الطبراني في الدعاء (367، 370) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/198)- وابن السني في عمل اليوم والليلة (25) من طريق عبدالحميد بن صالح، والطبراني في الدعاء (367، 370) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/198)- من طريق خالد بن مرداس، كلاهما عن حبان بن علي، عن إسماعيل بن رافع، عن دويد بن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، وإذا خرج قال: «الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيَّ قوتَه وأذهب عني أذاه».
دراسة الإسناد:
قال ابن حجر: (هذا حديث غريب)[25]، وفي هذا الإسناد: حبان بن علي ضعيف، وإسماعيل بن رافع ضعيف جدًّا، ودويد بن نافع متأخر عن إدراك ابن عمر، قال أبو زرعة ابن العراقي: (روى عن ابن عمر في القول عند دخول الخلاء والخروج منه؛ رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وهو منقطع، وقد ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين)[26]، وقال ابن حجر: (ورأيت له رواية عن ابن عمر، فقيل: مرسلة)[27] ، وقال: (وأما دويد فثقة، لكنه لم يسمع من ابن عمر، ففي السند ضعف وانقطاع)[28].
فهذا الحديث منكر، تفرد به ضعيفان أحدهما أشد ضعفًا من الآخر، وفيه انقطاع.
3، 4- تخريج حديثي علي بن أبي طالب وبريدة بن الحصيب -رضي الله عنهما-:
أخرجه ابن عدي في الكامل (2/386) -ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/199)- من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن عبدالله بن زاررة، عن أبيه، عن حفص بن عمر بن ميمون، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر، عن علي، وعن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، وكان إذا خرج قال: «غفرانك ربنا وإليك المصير».
دراسة الإسناد:
قال ابن عدي: (وهذا الحديث قد جمع فيه صحابيين: عليًّا وبريدة، وجميعًا غريبان في هذا الباب، ما أظن رواهما غير حفص بن عمر هذا)، وإبراهيم بن إسماعيل بن زرارة تُكُلِّم فيه[29]، وحفص بن عمر بن ميمون ضعيف، وبعض الأئمة شدد في تضعيفه، واجتماع ذلك إلى الغرابة والتفرد يفيد نكارة هاتين الروايتين وضعفهما.
5- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أ- رواية الحسن وقتادة عن أنس:
سبق تخريج طرق هذه الرواية في دراسة الحديث (23) -حيث جاء في بعض طرقها ذكر التسمية عند دخول الخلاء-، وقد تبيَّن هناك أن هذه الرواية منكرة عن أنس.
ب- رواية أبان بن أبي عياش عن أنس:
أخرجها الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1443) من طريق الربيع بن بدر، عن أبان، عن أنس، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى الخلاء قال: «اللهم أذهب عني الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، فإذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
دراسة الإسناد:
فيه الربيع، وأبان، متروكان، والحكيم الترمذي فيه كلام مشهور.
ـــــــــــــــ ــــــ
[1] سقط زيد من إسناد الحكيم الترمذي، وقد علقه الدارقطني -في العلل (12/101)- عن سلام الطويل، فذكره فيه.
[2] أفاده ابن حجر في نتائج الأفكار (1/155).
[3] تاريخ بغداد (9/193).
[4] سوى أن ابن ماكولا نقل -في الإكمال (7/231)- اسمه وكنيته وشيخه ومن روى عنه، ولعله نقله من إسنادنا هذا.
[5] انظر: لسان الميزان (1/441).
[6] نتائج الأفكار (1/155).
[7] وقع عند البزار: عبدالرحمن، والظاهر أنه خطأ.
[8] الأوسط (3/162)، وحكمه بالتفرد متوجه إلى الرواية التي أخرجها وفيها البسملة، ويوضحه كلامه في الدعاء.
[9] الدعاء (2/960).
[10] أطراف الغرائب والأفراد (1/215).
[11] استظهر المحقق أن صوابه: عبدالرحيم، موافقة لترجمته وروايات الحديث من طريقه.
[12] روايته عند أبي داود في المراسيل (2)، وقد رواه محمد بن فضيل في الدعاء (37) عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن مرسلاً كرواية هشام بن حسان، ولفظ كلا الروايتين: عن الحسن قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم»، اختلفتا في تقديم وتأخير.
[13] كذا، ولعل الصواب: عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو: عن أنس. أشار لذلك محقق العلل.
[14] العلل (12/130).
[15] لسان الميزان (4/160).
[16] إلا في رواية تأتي دراستها في الحديث (25).
[17] الجرح والتعديل (7/4).
[18] الضعفاء (3/370).
[19] انظر: لسان الميزان (5/39، 51).
[20] العلل (12/118).
[21] موضح أوهام الجمع والتفريق (2/47).
[22] نتائج الأفكار (1/195، 196).
[23] فتح الباري (1/244).
[24] انظر: المسند الجامع (3790).
[25] نتائج الأفكار (1/219).
[26] تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (ص100).
[27] تهذيب التهذيب (3/185).
[28] نتائج الأفكار (1/219).
[29] انظر: لسان الميزان (1/34).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
26-(1/121، 122) ("و" يستحب أن يقول "عند الخروج منه" أي: من الخلاء ونحوه: "غفرانك"...؛ لحديث عائشة[1]: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك»، رواه الترمذي وحسنه). حسن.
أخرجه ابن أبي شيبة (7، 29904) -وعنه ابن ماجه (300)-، والنسائي في الكبرى (9824) -وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة (23)-، وابن خزيمة (90) -ومن طريقه البيهقي (1/97) وابن حجر في نتائج الأفكار (1/214)-، وابن حبان (1444)، والحاكم (1/158) -ومن طريقه البيهقي (1/97)-، كلهم من طريق يحيى بن أبي بكير، وأحمد (6/55)، وأبو داود (30) -ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1/379) والأنوار في شمائل النبي المختار (505)-، وابن الجارود (42)، وابن المنذر (325) -وعنه ابن المقرئ في الأربعين (18-ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية)-، وابن المقرئ في جزء مأمون بن هارون -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/214)[2] - والبيهقي (1/97)، كلهم من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم، والدارمي (680) -ومن طريقه ابن حجر في النتائج (1/214)-، والبخاري في التاريخ الكبير (8/386) والأدب المفرد (693) -وعنه الترمذي (7)، ومن طريق الترمذي ابن الجوزي في العلل المتناهية (540)-، وابن الأعرابي في معجمه (1684)، وأبو الحسن القطان في زوائده على ابن ماجه (عقب 300)، والطبراني في الدعاء (369) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (32/414)-، كلهم من طريق أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1440) من طريق يحيى بن آدم، وابن خزيمة (90) -ومن طريقه البيهقي (1/97)-، والحاكم (1/158) -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1/97) والصغرى (74)-، كلاهما من طريق عبيدالله بن موسى، والطوسي في مستخرجه على الترمذي (7)، والسراج في مسنده (30)، والبيهقي (1/97)، وابن دقيق العيد في الإمام (2/478)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (2/565، 566)، كلهم من طريق طلق بن غنام، والطبراني في الدعاء (369)، والبيهقي في الدعوات (56)، كلاهما من طريق أحمد بن خالد الوهبي، والطبراني في الدعاء (369) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، والحكم بن مروان الضرير، تسعتهم -ابن أبي بكير وأبو النضر وأبو غسان ويحيى بن آدم وعبيدالله بن موسى وطلق بن غنام والوهبي والفريابي والحكم بن مريم- عن إسرائيل بن يونس، عن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أبي بردة، عن عائشة قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك».
دراسة الإسناد:
إسرائيل ثقة صدوق، وشيخه يوسف بن أبي بردة قال فيه العجلي: (كوفي ثقة)([3])، وذكره ابن حبان في ثقاته[4]، وقال الحاكم: (الذي عندي أنهما –يعني: الشيخين- لم يهملاه لجرح ولا لضعف، بل لقلة حديثه؛ فإنه عزيز الحديث جدًّا)[5]، وقال: (يوسف بن أبي بردة من ثقات آل أبي موسى، ولم نجد أحدًا يطعن فيه)[6]، وصحح له هذا الحديث وغيره: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وانتقاه ابن الجارود في منتقاه، وهذا توثيق ضمني ليوسف ممن لم يوثقه صراحة منهم، وقد خلص الذهبي إلى أنه ثقة[7].
وقد جوَّد يحيى بن أبي بكير إسناد الحديث، فذكره مسلسلاً بالسماع، قال: حدثنا إسرائيل، قال: أخبرنا يوسف بن أبي بردة، قال: سمعت أبي يقول: دخلت على عائشة فسمعتها تقول:...، فذكره، فانتفى بهذا احتمال انقطاعه. وقد تابع ابنَ أبي بكير على ذكر دخول أبي بردة على عائشة: عبيدالله بن موسى، وذكره بصيغة التحديث أو السماع بين أبي بردة وعائشة: أبو النضر هاشم بن القاسم وأبو غسان النهدي وأحمد بن خالد الوهبي. وقد نبه عبدالحق الإشبيلي على مسألة السماع في هذا الحديث، فقال: (سمع إسرائيلُ يوسفَ، ويوسفُ أباه)[8].
وهذا الإسناد حسن؛ لحال يوسف.
وربما أعل هذا الحديث بعلتين:
الأولى: حال يوسف بن أبي بردة؛ فإنه قد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وما تكلما في حاله، ولم يوثقه إلا المتساهلون؛ العجلي وابن حبان والحاكم، ففيه جهالة.
وهذا له حظ من النظر، إلا أن قلة حديث يوسف بن أبي بردة جدًّا -كما ذكر الحاكم فيما سبق نقله عنه-، مع تتابع هؤلاء الأئمة على توثيقه وغيرهم على تصحيح حديثه وانتقائه= دليل على أن الرجل ضابط لما روى، وهذا ينفي جهالة حاله، أو احتمال ضعفه.
ثم هذا الحديث ليس بذاك الذي يحتاج إلى ضابط حافظ، فإنه قد جاء في كلمات يسيرة، لا يصعب أن يحفظها الراوي ولو لم يكن حافظًا.
الثانية: تفرد يوسف بن أبي بردة، فإنه مع كونه مستورًا قليل الحديث؛ قد تفرد بهذا الحديث، فلم يُروَ إلا من طريقه، وقد نصَّ الأئمة على تفرده به، قال الترمذي: (هذا حديث غريب حسن، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة -وأبو بردة بن أبي موسى اسمه: عامر بن عبدالله بن قيس الأشعري-، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة[9])[10]، وقال البزار: (لا نعلمه يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد)[11]، وقال الدارقطني: (تفرد به يوسف عن أبيه عنها -يعني: عن عائشة-، وتفرد به عنه إسرائيل)[12].
ويرد هذا: أن التفرد إنما يرد به الحديث إذا احتفت به قرائن تدل على ذلك، وأما هنا، فالقرائن تدل على صحة الحديث، وقبول التفرد، فمن ذلك:
1- أن الرجل مع ندرة حديثه موثق، وهذا دليل ضبط وحفظ يقبل معه التفرد.
2- أنه لم يتفرد عن إمام يجمع حديثه كالزهري وأبي إسحاق وقتادة ونحوهم.
3- أن شيخه الذي تفرد عنه إنما هو أبوه، وللابن مزيد اختصاص بأبيه، ويصح أن يقبل تفرده عنه، بل ربما فُضِّلت روايته عن أبيه على رواية غيره، ولو كان الآخر أوثق في الجملة.
4- أن جمعًا من الأئمة قبلوا هذا الحديث بعينه، ولم يعدوا التفرد فيه قادحًا.
وقد عدَّ الإمام أبو حاتم الرازي هذا الحديث أصحَّ أحاديث الباب، قال ابنه: سمعت أبي يقول: (أصح حديث في هذا الباب -يعني: في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء-: حديثُ عائشة -يعني: حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة-)[13]، ولا يفهم من هذا أنه يصححه، قال الألباني: (وهذا لا يفيد صحة الحديث -كما هو مقرر في المصطلح-، وإنما يفيد صحة نسبية)[14].
وفي الباب: حديث علي وبريدة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك ربنا وإليك المصير».
وقد سبق تخريجه وبيان نكارته في دراسة الحديث (25).
27-(1/122) (وسُنَّ له أيضًا أن يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"؛ لما رواه ابن ماجه عن أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني»). ضعيف.
1- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أ- رواية الحسن وقتادة عن أنس:
أخرجه ابن ماجه (301) -ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/217)- من طريق المحاربي، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
دراسة الإسناد:
سبق دراسة هذا الإسناد وبيان نكارته والاضطراب فيه في دراسة أحاديث التسمية عند دخول الخلاء -عقب الحديث (23)-، حيث جاء في بعض الروايات عن قتادة ذكر التسمية.
ب- رواية أبان بن أبي عياش عن أنس:
سبق تخريجها والكلام عليها في الحديث (25).
2- تخريج حديث أبي ذر -رضي الله عنه-:
أخرجه النسائي في الكبرى (9825) -وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة (22)- عن حسين بن منصور، عن يحيى بن أبي بكير، وعلقه الدارقطني في العلل (6/235) عن عبدالله بن أبي جعفر، كلاهما عن شعبة، عن منصور، عن أبي الفيض، عن أبي ذر -زاد ابن أبي جعفر: وسهل بن أبي حثمة-، قالا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
وأخرجه النسائي في الكبرى (9826) عن محمد بن بشار بندار، عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: سمعت رجلاً يرفع الحديث إلى أبي ذر؛ قوله -موقوفًا على أبي ذر-.
وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (1/27) والدارقطني في العلل (6/235، 236) عن شعبة، عن منصور، عن رجل يقال له: الفيض، عن ابن أبي حثمة، عن أبي ذر، أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي عافاني وأذهب عني الأذى؛ موقوفًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (10، 29907) عن وكيع وعبدة بن سليمان، والنسائي في الكبرى (9827) من طريق عبدالرحمن بن مهدي ومحمد بن بشر، والطبراني في الدعاء (372) -ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/216)- من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، خمستهم عن سفيان الثوري، عن منصور، عن أبي علي الأزدي، أن أبا ذر كان يقول إذا خرج من الخلاء: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني؛ موقوفًا.
دراسة الأسانيد:
اختُلف فيه على منصور:
فرواه عنه شعبة، واختُلف عنه:
فرواه يحيى بن أبي بكير وعبدالله بن أبي جعفر الرازي عنه، عن منصور، عن أبي الفيض، عن أبي ذر -زاد ابن أبي جعفر: وسهل بن أبي حثمة-، به مرفوعًا، وروي عنه، عن منصور، عن الفيض، عن ابن أبي حثمة، عن أبي ذر، موقوفًا، ورواه غندر عنه، عن منصور، عن رجل، عن أبي ذر، به موقوفًا، ورواه سفيان الثوري، عن منصور، عن أبي علي الأزدي، عن أبي ذر، به موقوفًا، وما اختُلف على الثوري فيه.
فأما رواية شعبة؛ فالظاهر أنه لم يضبط إسناده، إذ قال مرةً في شيخ منصور: عن أبي الفيض، ومرةً: الفيض، ومرةً: رجل، وقد رفعه شعبة مرة، ووقفه أخرى.
وزِيدَ عن شعبة في الإسناد: ابن أبي حثمة، إلا أن هذه الزيادة فيها نظر ما لم يثبت إسنادها، إذ علقها الدارقطني وابن أبي حاتم، أما ما رواه عبدالله بن أبي جعفر عن شعبة وفيه: عن أبي ذر وابن أبي حثمة؛ فابن أبي جعفر تكلم فيه، ولم يتابَع على ذكر ابن أبي حثمة هكذا، قال الدارقطني: (وليس هذا القول بمحفوظ)[15].
والرواية الأرجح والأصح من كل ذلك: روايةُ الثوري، قال أبو زرعة: (وَهِم شعبة في هذا الحديث، ورواه الثوري فقال: عن منصور، عن أبي علي عبيد بن علي، عن أبي ذر، وهذا الصحيح، وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال)، ومال إليه أبو حاتم، قال: (كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصحيح، والثوري أحفظ، وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال، ولا ندري هذا منه أم لا)[16].
والتحقيق أن الراجح عن شعبة موافق في الجملة لرواية سفيان، فإن أقوى الروايات عن شعبة: رواية غندر؛ إذ غندر حَكَمٌ في شعبة، وهو أوثق الرواة عنه، وقد أبهم شعبةُ في روايته شيخَ منصور برجل؛ لعله لعدم ضبطه لاسمه، وضبطه الثوري؛ فعيَّنه بأبي علي الأزدي.
وأبو علي هذا جاء معيَّنًا في رواية الطبراني في الدعاء بأنه الصيقل، ولم أعرف على وجه التحديد صاحب هذا التعيين، وعيَّنه وكيع والبخاري وأبو زرعة الرازي والنسائي وأبو أحمد الحاكم بأنه عبيد بن علي[17]. وأيًّا من كان منهما، فالصيقل أبو علي قال فيه ابن السكن: (مجهول)[18]، وعبيد بن علي أبو علي لم يجئ فيه توثيق سوى ذكر ابن حبان له في الثقات[19]، ولذا قال فيه ابن حجر: (مقبول).
فالراجح عن أبي ذر وقف هذا الحديث، أما الإسناد المرفوع فخطأ، والحديث عن أبي ذر على الوجهين في إسناده جهالة.
وفي الباب: حديث ابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيَّ قوتَه وأذهب عني أذاه»، وقد سبق تخريجه وبيان نكارته في الحديث (25)، حيث إن هذه قطعة من حديث ابن عمر، والقطعة الأولى فيها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم».
وقد ذكر ابن حجر لحديث الحمد بعد الخروج من الخلاء ثلاثة شواهد، اثنان منها منكران، والآخر مرسل لم يصح إسناده[20].
ولا يصح في الباب شيء.
28-(1/122، 123) ("و" يستحب له تقديم "يمنى" رجليه "خروجًا... و" لبس "نعل" وخف، فاليسرى تقدم للأذى، واليمنى لما سواه، وروى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ باليسرى»).
أخرجه مسلم (2097) والطبراني في الأوسط (73) والصغير (48) من طريق محمد بن زياد، وأخرجه البخاري (5856) من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، كلاهما عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ بالشمال، ولينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا»، لفظ مسلم من طريق محمد بن زياد، وفي لفظ البخاري: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ليكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع».
وانظر: المسند الجامع (13903، 13904).
دراسة الإسناد:
إسناد الطبراني في الصغير -الذي عزى إليه المصنف- فيه محمد بن كثير الصنعاني، فيه ضعف، وكان أولى بالمصنف أن يعزوه إلى الشيخين في صحيحيهما.
ـــــــــــــــ ـــــ
[1] في الأصل -وبعض الطبعات-: (أنس)، وهو خطأ، وجاء على الصواب في الطبعة المحققة (1/214) وطبعات أخرى.
[2] قارن إسناده بالمعجم المفهرس (ص346، 347).
[3] معرفة الثقات (2/375).
[4] (7/638).
[5] المستدرك (1/32)، ووقع فيه: بجرح ولا بضعف، والتصويب من نسخة الأزهرية (1/ق99أ).
[6] المستدرك (1/158).
[7] الكاشف (6427).
[8] الأحكام الكبرى (1/363).
[9] أورد بعض الشراح المتأخرين على الترمذي أحاديث في الباب غير هذا الحديث، لكن أبان ابن حجر مراد الترمذي بكلام جيد، قال -في نتائج الأفكار (1/216)-: (... فلعله أراد ما يثبت).
[10] السنن (1/12)، وراجع نسخة الكروخي (3أ).
[11] نتائج الأفكار (1/215).
[12] أطراف الغرائب والأفراد (2/495)، نتائج الأفكار (1/215).
[13] العلل (1/43).
[14] صحيح سنن أبي داود (1/60-الأم).
[15] العلل (6/235).
[16] علل ابن أبي حاتم (1/27).
[17] انظر: العلل ومعرفة الرجال لأحمد (2/405)، علل ابن أبي حاتم (1/27)، تهذيب التهذيب (12/192).
[18] لسان الميزان (7/83).
[19] (5/136).
[20] نتائج الأفكار (1/219-221)، وقد خفف ابن حجر العبارة في بعض رواة هذه الشواهد، وحقهم ما وصفهم به الأئمة من أوصاف أشد وأبعد في الضعف.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
كتاب الطهارة (7)
29-(1/124) ("و" يستحب له "اعتماده على رجله اليسرى" حال جلوسه لقضاء الحاجة؛ لما روى الطبراني في المعجم والبيهقي عن سراقة بن مالك: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتكئ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى). منكر.
أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع في مسنديهما -كما في المطالب العالية (47) وإتحاف الخيرة المهرة (447)- عن محمد بن عبدالله الأسدي أبي أحمد الزبيري، والطبراني في الكبير (7/136) من طريق أبي نعيم، والبيهقي (1/96) من طريق أبي عاصم، ثلاثتهم عن زمعة بن صالح، عن محمد بن عبدالرحمن[1]، عن رجل من بني مدلج، عن أبيه قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، فجعل يقول: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، فقال له بعض القوم: علمكم كيف تخرؤون؟ قال: نعم، أمرنا أن نتكئ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى. لفظ أحمد بن منيع عن الزبيري، وقال أبو نعيم في لفظه: جاء سراقة بن مالك بن جعشم من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، فقال رجل كالمستهزئ: أما علمكم كيف تخرؤون؟ قال: بلى والذي بعثه بالحق، أمرنا أن نتوكل على اليسرى، وأن ننصب اليمنى. وقال أبو عاصم: قدم علينا سراقة بن جعشم، فقال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد على اليسرى وينصب اليمنى. وأبدل ابن أبي شيبة عن أبي أحمد الزبيري اليسرى باليمنى والعكس.
دراسة الإسناد:
فيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف، ولم أعرف شيخه محمد بن عبدالرحمن، وفيه رجلان مبهمان، فالحديث منكر، وقد أشار البيهقي إلى تضعيفه، فقال في تبويبه عليه: (باب تغطية الرأس عند دخول الخلاء، والاعتماد على الرجل اليسرى إذا قعد -إن صح الخبر فيه-)[2]، وقال الحازمي: (لا نعلم في هذا الباب غير هذا الحديث، وهو حديث غريب جدًّا، لا يروى إلا بهذا الإسناد، وزمعة بن صالح المكي لينٌ ضعيف، ومحمد بن عبدالرحمن مجهولٌ لا يعرف، فالحديث منقطع)[3]، وقال ابن دقيق العيد: (وهذا في حكم المنقطع؛ لجهالة الرجل من بني مدلج، وجهالة أبيه)[4].
30-(1/124) ("و" يستحب "بُعْدُهُ" إذا كان "في فضاء" حتى لا يراه أحد؛ لفعله -عليه السلام-، رواه أبو داود من حديث جابر). ضعيف من حديث جابر، وورد من حديث المغيرة بن شعبة، وهو حسن من حديثه.
1- تخريج حديث جابر -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي شيبة (1138، 31754) -ومن طريقه ابن ماجه (335) وابن عبدالبر في التمهيد (1/223)-، وابن راهويه في مسنده -كما في المطالب العالية (3800) وإتحاف الخيرة المهرة (6466)-، وعبد بن حميد في مسنده (1053-منتخبه)، والدارمي (17)، أربعتهم عن عبيدالله بن موسى، وأبو داود (2) -ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1/374) وفي الأنوار في شمائل النبي المختار (503)- عن مسدد، عن عيسى بن يونس، والسراج في مسنده (16) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/20)-، والبيهقي في السنن (1/93)، وفي دلائل النبوة (6/18)، من طريق يونس بن بكير،
والسراج في مسنده (16) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/20)-، وابن عدي في الكامل (1/279)، والحاكم (1/140)، من طريق عبدالحميد الحماني، أربعتهم -عبيدالله بن موسى وعيسى بن يونس ويونس بن بكير والحماني- عن إسماعيل بن عبدالملك، عن أبي الزبير، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يُرَى، لفظ ابن أبي شيبة ومن معه عن عبيدالله بن موسى، وهو مختصر من حديث طويل جاء بتمامه في رواية يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبدالملك. وقال عيسى بن يونس: إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد. وقال يونس بن بكير: إذا أراد حاجة -وفي لفظ البيهقي: البراز- تباعد حتى لا يكاد يُرَى -وفي لفظ البيهقي: حتى لا يراه أحد-. وقال عبدالحميد الحماني: إذا أراد أن يقضي حاجته أبعد حتى لا يراه أحد، لفظ الحاكم، ولفظ السراج: إذا أراد حاجة تباعد حتى لا يكاد يُرَى، ولفظ ابن عدي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبعد للحاجة.
دراسة الإسناد:
قال الدارقطني: (غريب من حديثه -يعني: أبا الزبير- عن جابر، تفرد به إسماعيل عنه)[5]، وإسماعيل بن عبدالملك هذا هو ابن أبي الصفيراء الأسدي المكي، وهو ضعيف، وتفرده عن أبي الزبير محل نكارة.
2- تخريج حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد (4/248) عن محمد بن عبيد، والدارمي (660)، وابن المنذر في الأوسط (250)، والطبراني في الكبير (20/437)، من طريق يعلى بن عبيد، وأبو داود (1)، والطبراني في الكبير (20/436)، من طريق عبدالعزيز بن محمد، والترمذي (20) من طريق عبدالوهاب الثقفي، والنسائي في الصغرى (1/18)، والكبرى (16)، وابن خزيمة (50)، والطبراني في الكبير (20/436)، والحاكم (1/140)، من طريق إسماعيل بن جعفر، وابن ماجه (331)، والطبراني في الكبير (20/437)، من طريق إسماعيل بن علية، وابن الجارود (27)، والبيهقي في الكبرى (1/93)، والصغرى (62)، من طريق يزيد بن هارون، سبعتهم عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، وكان إذا ذهب أبعد في المذهب. لفظ محمد بن عبيد عن أبي سلمة، وغالب الألفاظ عن أبي سلمة بنحو هذا اللفظ.
دراسة الإسناد:
ظاهر إسناده الحسن، لحال محمد بن عمرو، وإن كان تُكُلِّم في روايته عن أبي سلمة، إلا أن الأئمة صححوا حديثه هذا، قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وقال ابن المنذر: (ثابتٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أراد حاجته أبعد في المذهب)، ثم أسند هذا الحديث.
وقد جاء الحديث بألفاظ كثيرة عن المغيرة بن شعبة، مطولة ومختصرة، وهو حديثه المشهور في المسح على الخفين، وقد أخرجه البخاري (363) ومسلم (274) من طريق مسروق عن المغيرة بن شعبة، وفيه: فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توارى عني، فقضى حاجته...
وجاء بنحو لفظ محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة، أخرجه عبد بن حميد (395) والدارمي (661) عن أبي نعيم، والطبراني في الأوسط (7716) من طريق علي بن عبدالحميد، كلاهما عن جرير بن حازم، قال: سمعت محمد بن سيرين، حدثني عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تبرز تباعد. لفظ عبدٍ والدارمي، وفي لفظ الطبراني: إذا أراد الحاجة أبعد.
وحديث المغيرة هذا يغني عن حديث جابر الذي استدل به المؤلف، وهو ضعيف.
31-(1/125) ("و" يستحب "استتارُهُ"؛ لحديث أبي هريرة قال: «من أتى الغائط فليستتر»، رواه أبو داود). ضعيف.
أخرجه أحمد (2/371) عن سريج، وأبو داود (35) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (367) وفي السنن الصغرى (65) والبغوي في شرح السنة (1/374، 12/118)- عن إبراهيم بن موسى الرازي، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/121) من طريق يحيى بن حسان، والطبراني في مسند الشاميين (481) من طريق علي بن بحر وعمرو بن خالد، والبيهقي (1/94، 104) من طريق محمد بن أبي بكر، ستتهم عن عيسى بن يونس، والدارمي (662، 2087)، والطحاوي في شرح المعاني (1/121) وبيان مشكل الآثار (138) عن إبراهيم بن مرزوق، والطحاوي في بيان المشكل (138) عن بكار، وابن حبان (1410) من طريق سليمان بن سيف، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/290) من طريق زهير بن محمد بن قمير، خمستهم عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، وابن ماجه (337) عن محمد بن بشار، و(338، 3498) عن عبدالرحمن بن عمر، كلاهما عن عبدالملك بن الصباح، والطبراني في الشاميين (481) من طريق يحيى بن سعيد القطان، والبيهقي (1/94، 104) من طريق عمرو بن الوليد -هو الأغضف-، خمستهم -عيسى وأبو عاصم وعبدالملك بن الصباح والقطان وعمرو بن الوليد- عن ثور بن يزيد، عن الحصين الحبراني، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اكتحل فليوتر؛ من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر؛ من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع؛ من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم؛ من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج». لفظ أبي داود، وقد خرجوه مختصرًا ومطولاً، واقتُطِعت منه قطع، وهذا التخريج لِمَا جاء فيه ذكر الاستتار.
وقد اقتصر سريج عن عيسى بن يونس على ذكر الحصين، دون نسبة، وقال أبو عاصم -في أكثر الروايات عنه- وعبدالملك بن الصباح: الحصين الحميري، وقد قال سريج ومحمد بن أبي بكر عن عيسى بن يونس عن ثور في اسم شيخ الحصين: أبو سعد الخير، وقال علي بن بحر وعمرو بن خالد عن عيسى: أبو سعيد الخير، وقال إبراهيم بن موسى ويحيى بن حسان: أبو سعيد، وقال أبو عاصم -في رواية الأكثر عنه-، وعبدالملك بن الصباح عن ثور بن يزيد: أبو سعد الخير، وقال يحيى القطان عن ثور: أبو سعيد الخير.
دراسة الإسناد:
فيه حصين الحبراني، وقيل: الحميري، كذا قال البخاري[6] وأبو حاتم[7] بالتفريق بين النسبتين، وقد قال أبو بكر بن أبي داود وغيره: حبران بطن من حمير.
والحصين هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو زرعة: (شيخ)[8]، وذكره ابن عبدالبر بالجهالة[9]، وقال عبدالحق الإشبيلي: (ليس بالقوي)[10]، وقال ابن حزم: (مجهول)[11]، والجهالة إليه أقرب، وقد نقل ابن الملقن أن يعقوب الفسوي قال فيه: (لا أعلم إلا خيرًا)[12]، وهذه العبارة -إن صحت عن يعقوب وصح أنها في هذا الراوي- لا تفيد التوثيق والضبط.
وقد وقع خلاف -سبق شرحه- في تسمية شيخ حصين هذا، والذي ذكره أهل التراجم[13]: أن الراوي عن أبي هريرة ويروي ثورٌ عن حصين الحبراني عنه: هو أبو سعيد الحبراني، وكأن هذا ترجيح منهم لرواية من قال: أبو سعيد، وأما من أضاف (الخير)؛ فلعله صحفه عن (الحبراني) وحذف آخره، وخلطه بأبي سعد الخير -أو: أبي سعيد الخير- الصحابي، وإلى هذا أشار أبو داود، فإنه لما أخرج رواية إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس، وفيها: عن أبي سعيد، عن أبي هريرة= قال: (... ورواه عبدالملك بن الصباح عن ثور، فقال: "أبو سعد الخير")، قال أبو داود: (أبو سعد الخير هو من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-)[14]، فكأن أبا داود يخطِّئ عبدَالملك بن الصباح في روايته، ويفصل بين أبي سعيد مهملاً -وهو التابعي الحبراني-، وبإضافة (الخير) -وهو الصحابي-، حيث خلط بينهما ابن الصباح، وقد رجح ذلك الدارقطني، حيث سئل "عن حديث روي عن أبي سعد الخير عن أبي هريرة..."، فقال: (يرويه ثور بن يزيد، واختلف عنه، فرواه عبدالملك بن الصباح والحسن بن علي بن عاصم عن ثور، عن حصين الحبراني، عن أبي سعدٍ[15]، عن أبي هريرة. ورواه عيسى بن يونس عن ثور، عن حصين، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة. والصحيح: عن أبي سعيد)[16]، وقال ابن حجر: (الصواب: التفريق بينهما، فقد نص على كون أبي سعد الخير صحابيًّا: البخاري وأبو حاتم وابن حبان والبغوي وابن قانع وجماعة، وأما أبو سعيد الحبراني فتابعيٌّ قطعًا، وإنما وهم بعض الرواة، فقال في حديثه: عن أبي سعد الخير، ولعله تصحيفٌ وحذف)[17]، يعني: تصحيف (الحبر) إلى (الخير)، وحذف لباقي الكلمة (اني).
وإذا ثبت ذلك؛ فقد قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه -يعني: أبا سعيد الحبراني-، فقال: (لا أعرفه)، فقلت: لقي أبا هريرة؟ قال: (على هذا يوضع)[18]، وقال العجلي: (أبو سعيد الحبراني شامي تابعي ثقة)[19]، وذكره ابن حبان في الثقات باسم: أبو سعد الخير[20]، وذكره ابن عبدالبر بالجهالة[21].
وعلة الضعف باقية في الحديث من جهة جهالة حال حصين الحبراني، وربما كان الاختلاف في تسمية شيخه منه؛ لضعفٍ فيه. والله أعلم.
وقد ضعف هذا الحديث البيهقي، قال: (فهذا وإن كان قد أخرجه أبو داود في كتابه؛ فليس بالقوي)[22]، وقال عنه: (ليس هذا بمشهور...، ولم يحتج بهذا الإسناد أحدٌ منهما)[23]، وعلق بناء الحكم عليه بقوله: (إن صح)[24]، وضعَّفه ابن عبدالبر أيضًا، قال: (وهو حديث ليس بالقوي؛ لأن إسناده ليس بالقائم، فيه مجهولون)[25].
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] وقع عند الطبراني: محمد بن أبي عبدالرحمن، ولعله خطأ، وهو قديم، أشار إليه ابن دقيق العيد وابن الملقن.
[2] السنن (1/96).
[3] نقله ابن الملقن في البدر المنير (2/332)، ووقع فيه: معاوية بن صالح المكي، وهو خطأ.
[4] الإمام (2/506).
[5] أطراف الغرائب والأفراد (1/325).
[6] التاريخ الكبير (3/6).
[7] الجرح والتعديل (3/199).
[8] الجرح والتعديل (3/199)، ونقله ابن الملقن -في البدر المنير (2/302)-، فجاء فيه: (شيخ معروف)، والمثبت من الجرح هو الصحيح.
[9] التمهيد (11/21)، وانظر: البدر المنير (2/301، 302).
[10] الأحكام الكبرى (1/381).
[11] المحلى (1/99).
[12] البدر المنير (2/302).
[13] ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/378) -وذكره باسم: أبو سعد الحبراني-، والمزي في تهذيب الكمال (33/353).
[14] وقع في بعض نسخ السنن في الموضعين: أبو سعيد الخير، والظاهر أن صوابه كما أثبت -وهو المثبت في طبعة عوامة-؛ فكذلك نقله ابن حجر من رواية ابن الأعرابي -كما في النكت الظراف (10/455)-، وكذلك نقل المزي -في تهذيب الكمال (33/353)- كلمة أبي داود، ولأنه على ذلك رواية عبدالملك بن الصباح -كما في الموضع الثاني عند ابن ماجه (3498) وتحفة الأشراف (10/455)-، ولأن عامة أهل العلم على اعتبار أبي سعد الخير الصحابيَّ؛ لا أبا سعيد.
[15] وقع في المطبوع: سعيد، والصواب كما أثبت؛ بمراجعة نسخة عتيقة للعلل لم يعتمد عليها المحقق -صورتها أدناه-، كما أن هذا التصويب لازمٌ من ترجيح الدارقطني.
[16] العلل (8/283-285).
[17] تهذيب التهذيب (12/120).
[18] الجرح والتعديل (9/378)، ولم أجد من شرح كلمة أبي زرعة الأخيرة هذه، ولعله أراد: أن الذي تواضعت عليه الروايات -أي: توافقت-: أنه لقي أبا هريرة، والله أعلم.
[19] معرفة الثقات (2/404).
[20] (5/568).
[21] التمهيد (11/21)، ويأتي كلامه.
[22] معرفة السنن (1/348).
[23] الخلافيات (2/87).
[24] السنن (1/104)، معرفة السنن (1/348).
[25] التمهيد (11/21)، ونقله ابن الملقن -في البدر المنير (2/301)-، فجاء فيه: (فيه مجهولان).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
32-(1/125، 126) ("وارتياده لبوله مكانًا رخوًا"...؛ لحديث: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وغيره)؛ ضعيف.
1- تخريج حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص71) -ومن طريقه الحاكم (3/465، 466)-، وأحمد (4/396) عن محمد بن جعفر غندر، و(4/399) عن بهز، و(4/414) عن وكيع، والروياني (558) من طريق عبدالرحمن بن مهدي، وابن المنذر في الأوسط (263) من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ، والبيهقي (1/93) من طريق وهب بن جرير، سبعتهم عن شعبة، وأبو داود (3) -ومن طريقه البيهقي (1/93)- من طريق حماد بن سلمة،كلاهما -شعبة وحماد- عن أبي التياح، عن رجل، أن أبا موسى الأشعري كتب إلى ابن عباس:إنك رجلٌ من أهل زمانك، وإني لم أحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- منها[1] بشيء، إلا أني كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأراد أن يبول، فمال إلى دمث حائط، فبال، وقال: «إن بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراضين، فإذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله»، لفظ الطيالسي.
إلا أنه سقط في رواية ابن المنذر ذكر الرجل شيخ أبي التياح.
وقد تفاوت الرواة في وصف هذا الرجل وسياقته للرواية، فقال أبو داود الطيالسي عن شعبةعن أبي التياح: سمعت رجلاً أسودَ كان يقدم مع ابن عباس البصرة، قال: لما قدم ابن عباس البصرةَ حدث بأحاديث عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتب إليه ابن عباس يسأله عنها، فكتب إليه الأشعري...، وقال غندر: ... حدثني رجل أسود طويل -قال: جعل أبو التياح ينعته أنه قدم مع ابن عباس البصرة-، فكتب إلى أبي موسى، فكتب إليه أبو موسى...، وقال بهز: عن شيخ لهم عن أبي موسى...، وقال وكيع: ... سمعت رجلاً -وَصَفَهُ- كان يكون مع ابن عباس، قال: كتب أبو موسى إلى ابن عباس...، وقال ابن مهدي ونحوه لوهب بن جرير: ... سمعت رجلاً أسود قدم مع ابن عباس البصرة، قال: لما قدم ابن عباس البصرة سمعهم يحدثون عن أبي موسى أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتب إليه يسأله عن ذلك، فكتب إليه...، وقال حماد بن سلمة عن أبي التياح: حدثني شيخ قال: لما قدم عبدالله بن عباس البصرة، فكان يحدث عن أبي موسى، فكتب عبدُالله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء، فكتب إليه أبو موسى...
دراسة الإسناد:
فيه هذا الرجل المبهم، وبسببه يضعف الإسناد. قال ابن المنذر في هذا الحديث وحديث آخر: (وفي الإسنادين جميعًا مقال)[2]، وقال ابن حجر: (وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب -يعني: سنن أبي داود- من ذلك أحاديث كثيرة، منها:...) فذكر هذا الحديث، ثم قال: (لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم. إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل)[3].
وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعله، وهو الآتي:
2- تخريج مرسل عبيد بن رُحَي -أو: دحي- الجهضمي:
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/383) عن مسلم بن إبراهيم، والحارث في مسنده -كما في بغية الباحث (64) والمطالب العالية (35) وإتحاف الخيرة المهرة (432)، ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4798) والخطيب في المتفق والمفترق (1714)-، وابن قانع في معجم الصحابة (2/185) والطبراني في الأوسط (3064) عن بشر بن موسى، كلاهما -الحارث وبشر- عن يحيى بن إسحاق السيلحيني، وابن عدي في الكامل (3/377) من طريق أبي عاصم، وسعيد بن يعقوب الأصبهاني في كتابه في الصحابة -كما في المطالب العالية (2/154)- من طريق ابن أبي السري، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4799) من طريق هناد بن السري، كلاهما -ابن أبي السري وهناد- عن وكيع، وعلقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (عقب 4799) عن عمرو بن عاصم، خمستهم -مسلم بن إبراهيم ويحيى بن إسحاق وأبو عاصم ووكيع وعمرو بن عاصم- عن سعيد بن زيد، وعلقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (عقب 4799) عن عمرو بن عاصم، عن حماد بن زيد، كلاهما -سعيد وحماد ابني زيد- عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله.
إلا أن الطبراني في روايته عن بشر بن موسى عن يحيى بن إسحاق، وعمرو بن عاصم في روايته عن سعيد وحماد ابني زيد= زادا: عن أبي هريرة، وسقط من إسناد ابن قانع ذكر واصل مولى أبي عيينة[4]، وجاء في رواية ابن أبي السري عن وكيع: عن واصل، عن عبيد بن صيفي، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-...
دراسة الإسناد:
قال الطبراني: (لم يروه عن واصل إلا سعيد، ويحيى هو يحيى بن عبيد بن دحي)، وذكر اسم جدِّ يحيى بن عبيد (دحي) جاء في رواية ابن قانع، وجاءت نسبته جهضميًّا في رواية مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زيد عند ابن سعد.
وقد اختُلف في ذكر أبي هريرة في الإسناد:
فذكره الطبراني عن بشر بن موسى عن يحيى بن إسحاق، ولم يذكره ابن قانع عن بشر بن موسى، ولا الحارث بن أبي أسامة عن يحيى بن إسحاق، والصحيح عدم ذكره، وحتى لو صح عن يحيى بن إسحاق، فقد خالفه مسلم بن إبراهيم وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ووكيع؛ كلهم لم يذكر أبا هريرة.
وجاء ذكر أبي هريرة في رواية معلقة لا يدرى إسنادها عن عمرو بن عاصم، عن حماد وسعيد ابني زيد، وإن صحت هذا الرواية؛ فعمرو بن عاصم صدوق فيه شيء، ولا يحتمل هذا القرن بين هذين الراويين، ولا زيادة أبي هريرة مع مخالفة الجمع عن سعيد بن زيد، وفيهم الثقات الكبار المتقدم ذكرهم.
وقد جاء عن وكيع رواية الحديث عن سعيد بن زيد، عن واصل، عن عبيد بن صيفي، عن أبيه، وهذا خطأ من ابن أبي السري، وهو كثير الغلط والوهم، وخالفه هناد بن السري الحافظ، فرواه عن وكيع على الصواب كرواية الجماعة، قال ابن حجر: (وهذا وهمٌ نشأ عن سقط، وفي إسناده إلى وكيع ضعف)[5].
والإسناد فيه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، وفيه ضعف، ويحيى بن عبيد الجهضمي لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً، وأما أبوه، فقد أُدخل في الصحابة بناءً على هذه الراوية، ونفى ذلك الإمام أبو زرعة الرازي، قال: (هذا مرسل، ليس لوالد يحيى بن عبيد صحبة)[6]، قال الهيثمي: (وهو من رواية يحيى بن عبيد بن دحي عن أبيه، ولم أرَ من ذكرهما)[7].
فاجتمع خفة ضبط وجهالة وإرسال، وهذا يضعف الحديث ويوهنه، ولهذا أشار ابن المنذر، حيث أسند حديث أبي موسى السابق، ثم قال: (وقد روينا عنه أنه كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله، وفي الإسنادين جميعًا مقال)[8].
3- تخريج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-:
أخرجه الدارقطني في الأفراد (3442-أطرافه) من طريق محمد بن حرب النشائي، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ذئب، وفي الأفراد (3456-أطرافه) من طريق ابن أبي السري، عن حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، كلاهما -ابن أبي ذئب وموسى- عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يبول ارتاد لبوله. لفظ ابن أبي ذئب، وقال موسى بن عقبة: عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتبوأ لبوله.
دراسة الإسنادين:
في الإسنادين جميعًا تفرد وغرابة حكاهما الدارقطني عقب تخريجهما، وهذا علامة على الضعف والنكارة، فمثل هذا الحديث عن نافع حقه أن يشتهر ويعرف، لا أن يجيء بإسناد غريب في طبقات متأخرة.
فأما رواية ابن أبي ذئب، فالراوي عنه: إسماعيل بن يحيى، وقد روى عن ابن أبي ذئب وغيره أحاديث موضوعة -كما ذكر الحاكم-، وسبق طرف من حاله في الحديث (23/حديث ابن عمر).
وأما رواية موسى بن عقبة، فموسى ليس بالمقدم في نافع، بل قال ابن معين: (كانوا يقولون في روايته عن نافع: فيها شيء)، والراوي عنه: حفص بن ميسرة، ثقة في حديثه ضعف وأوهام، وابن أبي السري كثير الغلط والوهم -كما سبق قريبًا في دراسة مرسل سعيد بن رحي-. وتفرد هؤلاء بهذا الحديث عن نافع منكر، لحالهم في الوهم والغلط، ولتأخر طبقتهم، ولعدم متابعتهم.
4- تخريج حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/91) وابن عدي في الكامل (5/31) من طريق عمر بن هارون البلخي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرتاد لبوله كما يرتاد أحدكم لصلاته.
دراسة الإسناد:
قال ابن عدي: (وهذا الحديث بهذا الإسناد لا أعلم رواه عن الأوزاعي غير عمر بن هارون)، وعمر بن هارون متروك، واتهمه ابن معين بالكذب، ونُصَّ على أنه يروي المناكير عن الأوزاعي، وأورد هذا الحديثَ في ترجمته ابنُ حبان في المجروحين وابنُ عدي في الكامل؛ للدلالة على نكارة حديثه.
5- تخريج مرسل طلحة بن أبي قنان:
أخرجه أبو داود في المراسيل (1) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/131)- عن موسى بن إسماعيل، والحارث في مسنده -كما في بغية الباحث (65) والمطالب العالية (36) وإتحاف الخيرة المهرة (433)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/132)- عن الحكم بن موسى، كلاهما -موسى والحكم- عن الوليد بن مسلم، وابن عساكر في تاريخ دمشق (25/131) من طريق محمد بن شعيب بن شابور، كلاهما -الوليد ومحمد بن شعيب- عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن طلحة بن أبي قنان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يبول فأتى عزازًا من الأرض؛ أخذ عودًا فنكت به حتى يثرى، ثم يبول. لفظ أبي داود، وللباقين نحوه.
دراسة الإسناد:
صرح الوليد بالتحديث في رواية أبي داود، وتوبع عليه، فانتفى تدليسه.
والحديث مرسل، قال البخاري: (طلحة بن أبي قنان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل)[9]، وقال مثله أبو حاتم[10]، وأورده أبو داود في المراسيل، وقال ابن حبان: (يروي المراسيل)[11]، وقال أبو أحمد العسكري: (حديثه مرسل)[12]، وقال الدارقطني: (حديثه مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الارتياد للبول)[13]، وقال عبدالحق الإشبيلي: (وهذا أيضًا من المراسيل)[14].
وطلحة غير معروف، قال الخطيب: (وليس يُروَى عن طلحة بن أبي قنان سوى هذا الحديث)[15]، وقال ابن القطان: (وطلحة هذا لا يُعرَف بغير هذا)[16]، وقال: (طلحة بن أبي قنان مجهول)[17]، وقال الذهبي: (ولا يُدرَى مَنْ طلحة)[18].
فالحديث ضعيف للإرسال والجهالة.
33-(1/127) ("و" يستحب "نتره... ثلاثًا"، أي: نتر ذكره ثلاثًا؛ ليستخرج بقية البول منه؛ لحديث: «إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثًا» رواه أحمد وغيره)؛ ضعيف.
أخرجه ابن أبي شيبة (1710)، وأحمد (4/347)، وأبو داود في المراسيل (4)، وابن ماجه (326)، من طريق وكيع، وابن أبي شيبة (1708)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/238) من طريق الحميدي، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6679) من طريق مسدد، ثلاثتهم عن عيسى بن يونس، وابن ماجه (326)، وابن أبي خيثمة في تاريخه (2533-السفر الثاني)، والعسكري في الصحابة -كما في شرح مغلطاي على ابن ماجه (1/190)-، وأبو الحسن القطان في زوائده على ابن ماجه (عقب 326)، من طريق أبي نعيم، والبغوي في معجم الصحابة -كما في تهذيب التهذيب (1/174)-، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1050)، من طريق المعتمر بن سليمان، وابن قانع في معجم الصحابة (3/238) من طريق أبي عاصم وسفيان بن عيينة، والعقيلي في الضعفاء (3/381)، وابن عدي في الكامل (5/254) -ومن طريقه البيهقي (1/113)- من طريق روح بن عبادة، سبعتهم -وكيع وعيسى وأبو نعيم والمعتمر وأبو عاصم وابن عيينة وروح- عن زمعة بن صالح، وأحمد (4/347)، والعقيلي (3/381)، وابن عدي (5/254) -ومن طريقه البيهقي (1/113) من طريق روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، كلاهما -زمعة وزكريا- عن عيسى بن يزداد - وقيل: يزداذ، وفي روايات: أزداد-، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثًا». لفظ أحمد وابن أبي شيبة عن وكيع، وللبقية مثله أو نحوه. إلا أن رواية ابن قانع من طريق عيسى بن يونس، ورواية العسكري من طريق أبي نعيم، ورواية المعتمر وأبي عاصم وروح -في رواية الأكثر عنه- عن زمعة، ورواية العقيلي وابن عدي من طريق روح عن زكريا بن إسحاق، كلها جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، أنه كان إذا بال نتر ذكره ثلاثًا.
دراسة الإسناد:
فيه عيسى بن يزداد، قال ابن معين: (لا يعرف)[19]، وقال أبو حاتم: (هو وأبوه مجهولان)[20]، وقال العقيلي: (عيسى بن يزداد اليماني عن أبيه، [لا يتابع عليه]، ولا يعرف إلا به)[21]، وقال ابن عدي: (وعيسى بن يزداد عن أبيه -وقيل: عيسى بن أزداد عن أبيه- لا يعرف إلا بهذا الحديث)[22]، وقال ابن القطان: (وعلَّته أن عيسى وأباه لا يعرفان، ولا يُعلَم لهما غير هذا)[23].
وأبوه قيل إنه صحابي، مرَّض القول بذلك ابن حبان[24] وابن عبدالبر[25]، وأورده عدد من المصنفين في الصحابة بناء على روايته هذه، ونفاها الأئمة، قال البخاري: (عيسى بن يزداد عن أبيه مرسل)[26]، وقال أبو حاتم: (عيسى بن يزداد... ليس لأبيه صحبة)[27]، وقال: (ومن الناس من يدخله في المسند على المجاز)[28]، ومراده: أن بعض العلماء أدخله في المسند تجوّزًا، لا حكمًا بصحة صحبته؛ ذلك أنه لا يعرف -كما حكم ابن معين وأبو حاتم، وقال ابن عبدالبر: (وأكثرهم لا يعرفونه)[29]-، والإسناد إليه فيه مجهول، وممن حكم بأن حديث يزداد مرسل: أبو داود؛ بإخراجه حديثه في المراسيل.
وهذا الحديث ضعفه الأئمة، قال البخاري: (لا يصح)[30]، وقال أبو حاتم في عيسى: (لا يصح حديثه)[31]، وضعفه غيرهما، بل قال النووي: (اتفقوا على أنه ضعيف)[32].
34-(1/133) ("و" يكره "استنجاؤه واستجماره بها" أي: بيمينه؛ لحديث أبي قتادة: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه»، متفق عليه).
أخرجه البخاري (153، 154، 5630) ومسلم (267) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبيه، به، ولفظ المصنف لمسلم، وفي الحديث النهي عن التنفس في الإناء.
وانظر: المسند الجامع (12508).
35-(1/134) ("ويحرم استقبال القبلة واستدبارها" حال قضاء الحاجة "في غير بنيان"؛ لخبر أبي أيوب مرفوعًا: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا»، متفق عليه).
أخرجه البخاري (394) ومسلم (264) من طرق عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، به، واللفظ للبخاري، وزاد مسلم بعد قوله: ولا تستدبروها: (ببول ولا غائط).
وانظر: المسند الجامع (3500، 3501).
ـــــــــــــــ ــــــ
[1] يعني: أحاديث كتب ابن عباس إلى أبي موسى يسأله عنها، وتأتي سياقات الرواة للإسناد.
[2] الأوسط (1/329).
[3] النكت (1/443).
[4] الظاهر أن هذا سقط من أصول الكتاب، وإلا فالروايات متفقة في أن سعيد بن زيد يرويه عن واصل لا عن يحيى بن عبيد.
[5] الإصابة (3/472).
[6] المراسيل، لابن أبي حاتم (ص163)، وانظره (ص135)، والعلل (1/41).
[7] مجمع الزوائد (1/482).
[8] الأوسط (1/329).
[9] التاريخ الكبير (4/347).
[10] الجرح والتعديل (4/476).
[11] الثقات (6/488)، وقد أخره ابن حبان، فذكره في أتباع التابعين.
[12] الإصابة (3/555).
[13] المؤتلف والمختلف (4/1882).
[14] الأحكام الوسطى (1/126).
[15] تاريخ دمشق (25/132)، نقله ابن عساكر بعد أن أسند من طريق الخطيب رواية الحارث بن أبي أسامة، والظاهر أنه في بعض مصنفات الخطيب، ونقله المزي في تهذيب الكمال (13/432).
[16] بيان الوهم والإيهام (3/41).
[17] بيان الوهم والإيهام (5/657).
[18] ميزان الاعتدال (2/342).
[19] الجرح والتعديل (6/291)، ونقله المزي في ترجمة عيسى فقال: (لا يعرف أبوه)، والنص في تاريخ ابن أبي خيثمة (2534-السفر الثاني)، لكن وقع في كلام ابن أبي خيثمة اضطراب في النسخة، وأما كلام ابن معين فلم يُزَد فيه على: (لا يعرف)، ونقل ابن عبدالبر -في الاستيعاب (3/683-بهامش الإصابة)- أن ابن معين قال: (لا يعرف عيسى هذا ولا أبوه)، وكذلك نقله العراقي في ذيل الميزان (ص120، 121).
[20] الجرح والتعديل (6/291)، العلل (1/42).
[21] الضعفاء (3/381)، وما بين المعقوفين من البدر المنير (2/345).
[22] الكامل (5/254).
[23] بيان الوهم والإيهام (3/307)، وقال (5/657) منتقدًا عبدالحق الإشبيلي: (ولم يبين علته، وهي الجهل بعيسى بن أزداد وأبيه).
[24] الثقات (3/449)، وقال: (إلا أني لست أحتج بخبر زمعة بن صالح)؛ وزمعة متابَعٌ عليه -كما ظهر-، لكن العلة ليست في تفرد زمعة.
[25] الاستيعاب (3/682-بهامش الإصابة).
[26] التاريخ الكبير (6/392)، ونقله ابن عدي -في الكامل (5/254)- مقرًّا له.
[27] المراسيل (ص238)، الجرح والتعديل (6/291)، العلل (1/42).
[28] الجرح والتعديل (6/291)، العلل (1/42).
[29] الاستيعاب (3/682).
[30] التاريخ الكبير (6/392).
[31] الجرح والتعديل (6/291).
[32] المجموع (2/91).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
36 - (1/138) ("ويستجمر" بحجر أو نحوه "ثم يستنجي بالماء"؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-، رواه أحمد وغيره من حديث عائشة، وصححه الترمذي).
ضعيف مرفوعًا، وإنما صح عن عائشة موقوفًا عليها.
إن قصد المؤلف أن الوارد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتبع الماء الحجارة، فقال الألباني: (لا أصل له بهذا اللفظ)[1]، والظاهر أنه وهم تتابع عليه بعض الفقهاء[2]، وقد بوَّب البيهقي بقوله: (باب الجمع بين المسح بالأحجار والغسل بالماء)، وأسند فيه حديث عائشة الذي يقصده المؤلف، فتعقبه ابن التركماني، قال: (... وليس فيه ذكر الجمع بين الأحجار والماء)[3].
فأما الذي ذكر المؤلف أنه رواه أحمد وغيره، فهو:
1- حديث عائشة -رضي الله عنها-:
أخرجه ابن أبي شيبة (1618) عن عبدالرحيم بن سليمان، وأحمد (6/236)، ويعقوب بن شيبة -كما ذكر ابن عبدالبر في التمهيد (13/160)-، وابن عبدالبر في الاستذكار (2/205) من طريق الحارث بن أبي أسامة، ثلاثتهم -أحمد ويعقوب والحارث- عن يزيد، وأحمد (6/171) عن محمد بن جعفر، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1379) عن عبدة، وأبو يعلى (4514) من طريق محمد بن بكر، والبيهقي (1/105) من طريق عبدالوهاب، ستتهم -عبدالرحيم ويزيد ومحمد بن جعفر وعبدة ومحمد بن بكر وعبدالوهاب- عن سعيد بن أبي عروبة، وأحمد (6/95، 120، 171) عن بهز، وأخرجه (6/130) والبيهقي (1/105) من طريق عفان، وأبو يعلى (4859) -وعنه ابن المقرئ في الأربعين (17-جمهرة الأجزاء الحديثية)- عن هدبة بن خالد، وابن المنذر (319) من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ، أربعتهم -بهز وعفان وهدبة والمقرئ- عن همام، وأحمد (6/113) عن يونس، و(6/114) عن سويد بن عمرو، كلاهما عن أبان، والترمذي (19)، والنسائي في الصغرى (1/42)، والكبرى (46)، وابن حبان (1443)، من طريق قتيبة بن سعيد، والترمذي (19) عن محمد بن عبدالملك ابن أبي الشوارب، والبيهقي (1/105) من طريق عفان، ثلاثتهم -قتيبة وابن أبي الشوارب وعفان- عن أبي عوانة، أربعتهم -سعيد وهمام وأبان وأبو عوانة- عن قتادة، وابن أبي شيبة (1633) عن إسماعيل بن علية، وأحمد (6/113) من طريق أبان، وابن الأعرابي في معجمه (2069)، والطبراني في الشاميين (1283) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/278)- من طريق عبدالله بن شوذب، وعلق إبراهيم الحربي في العلل -كما في شرح مغلطاي لابن ماجه (1/254)- وابن أبي حاتم في العلل (1/42) والدارقطني في العلل (14/428) رواية شعبة، وعلق الحربي والدارقطني رواية حماد بن زيد، وعلق الحربي رواية عبدالوارث وجعفر بن سليمان، سبعتهم -ابن علية وأبان وابن شوذب وشعبة وحماد بن زيد وعبدالوارث وجعفر- عن يزيد الرشك، والبخاري في التاريخ الكبير (4/300) من طريق الصلت بن مسلم، عن الحسن، والطبراني في الأوسط (4853) من طريق حوثرة بن أشرس، عن إبراهيم بن مرثد، عن إسحاق بن سويد، وفي الأوسط (8948)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/341)، من طريق عمر بن المغيرة[4]، وعلق الدارقطني في العلل (14/428) رواية زائدة وعبدالله بن رجاء، ثلاثتهم -عمر وزائدة وابن رجاء- عن هشام بن حسان، عن عائشة بنت عرار، وعلق الحربي في العلل -كما في شرح مغلطاي لابن ماجه (1/254)- رواية أصحاب أيوب، والحربي والدارقطني في العلل (14/428) رواية إبراهيم بن طهمان، والدارقطني رواية معمر وحماد بن زيد، كلهم -إبراهيم بن طهمان ومعمر وحماد بن زيد ومن أشار إليه الحربي- عن أبي قلابة الجرمي[5]، وعلق الحربي والدارقطني رواية عاصم الأحول، سبعتهم -قتادة ويزيد الرشك والحسن وإسحاق بن سويد وعائشة بنت عرار وأبو قلابة وعاصم الأحول- عن معاذة، عن عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله، وأنا أستحييهم. لفظ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وللبقية نحوه؛ قال بعضهم عن همام: أن يغسلوا أثر الخلاء والبول، وقال أبو عوانة: أن يستطيبوا بالماء، وقال ابن علية عن يزيد الرشك: أن يغسلوا عنهم أثر الحشو.
إلا أن يزيد الرشك -في رواية إسماعيل بن علية وشعبة وحماد بن زيد وعبدالوارث وجعفر بن سليمان عنه-، والحسن، وعائشة بنت عرار -في رواية زائدة عن هشام بن حسان عنها-، وأبو قلابة -في رواية معمر وحماد بن زيد عنه-، أربعتهم لم يرفعوه عن معاذة، وقد قال الحسن: عن أم الصهباء -امرأة من أهل البصرة ثقة-، قال البخاري: (وأم الصهباء هي معاذة).
وجاء من رواية ابن سيرين عن عائشة، أخرجه ابن أبي شيبة (1619)، لكنه لم يرفعه.
وجاء من رواية شداد أبي عمار عن عائشة، أخرجه أحمد (6/93) وابن راهويه (1726) والبيهقي (1/106) من طريق الأوزاعي، عن أبي عمار، به.
وجاء من رواية أبي سلمة عن عائشة، أخرجه الطبراني في الأوسط (5435) من طريق أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة[6]، به.
دراسة الأسانيد:
وقع في هذا الحديث -من رواية معاذة العدوية عن عائشة- اختلاف كثير.
• فلم يُختلَف عن قتادة في رفعه، حيث ذكر قول عائشة: (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله)،
• ورواه يزيد الرشك، واختُلف عنه:
- فرواه أبان بن يزيد العطار وعبدالله بن شوذب عنه مرفوعًا.
- ورواه إسماعيل بن علية عنه موقوفًا، وتابعه على الوقف شعبة وحماد بن زيد وعبدالوارث وجعفر بن سليمان، وهؤلاء جاءت رواياتهم معلقة، ولم أجد أسانيدها، وقد جزم إبراهيم الحربي ثم ابن أبي حاتم ثم الدارقطني برواية شعبة، فلعلها صحيحة عنه؛ لأن تواردهم على ذلك يدل على شهرتها صحيحةً عندهم، وكذا اتفق الحربي والدارقطني على رواية حماد بن زيد.
ورواية أبان العطار جاءت مقرونة بقتادة، فربما كان الرفع حملاً منه أو ممن دونه لرواية يزيد الرشك على رواية قتادة المرفوعة، ويؤيده أن الحربي قال: (وأوقفه يزيد الرشك، واتفق على ذلك أصحابه إلا ابن شوذب...)، فكأنه لم ينظر إلى رواية أبان؛ للعلة المذكورة فيها، أو لم تكن مشهورة عندهم، وإن كان الدارقطني ذكر أبان متابعًا لابن شوذب على الرفع.
وأما رواية عبدالله بن شوذب، فقد احتمل الحربي أن يكون الوهم فيها منه أو من ضمرة بن ربيعة الراوي عنه، قال: (والوهم في ذلك منه أو من ضمرة)، والأمر كما قال، وضمرة كان راويةً لعبدالله بن شوذب، وكانت له أوهام، فربما كان هو الواهم هنا، وإن صحت روايته؛ فالوهم معلَّق بابن شوذب؛ لمخالفته الجماعة عن يزيد الرشك.
وقد جزم البخاري بأن يزيد الرشك رواه عن معاذة موقوفًا[7]، فأيد ذلك أنه الراجح عنه.
• ورواه الحسن عن معاذة، وكناها بأم الصبهاء، ووصفها بالثقة، إلا أن الراوي عنه: الصلت بن مسلم، قال فيه أبو زرعة: (لا أعرفه)[8]، ولم أجد من تكلم فيه، ولا وجدت روايةً له غير هذه، ولا راويًا عنه إلا محمد بن إسحاق -وقد صرح بالتحديث عنه-، لكنه لم يأتِ بما يستنكر، وقد توبع الحسن على هذه الرواية موقوفًا، فرواية الحسن عن معاذة صالحة.
• ورواه إسحاق بن سويد عن معاذة مرفوعًا، رواه الطبراني عن شيخه عبدالوارث بن إبراهيم العسكري، عن حوثرة بن أشرس، عن إبراهيم بن مرثد، عن إسحاق، ثم قال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن إسحاق بن سويد إلا إبراهيم بن مرثد العدوي، تفرد به حوثرة بن أشرس)[9].
وشيخ الطبراني غير معروف[10]، وحوثرة بن أشرس ذكره ابن حبان في الثقات[11]، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم[12]، ولم أجد فيه للمتقدمين جرحًا ولا تعديلاً، وقال الذهبي: (المحدث الصدوق... ما أعلم به بأسًا)[13]، وإبراهيم بن مرثد لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً، إلا ذكر ابن حبان له في الثقات[14]، وذكروه في رجال الشيعة[15]. وهذا الإسناد ليس مما يُعتمد عليه -وحال رواته ما وُصف-، خاصة أن الحربي والدارقطني جزما بأن إسحاق بن سويد رواه عن معاذة فأوقفه.
• ورواه هشام بن حسان، عن عائشة بنت عرار، عن معاذة، واختُلف عن هشام:
- فرواه عمر بن المغيرة عنه مرفوعًا.
- ورواه زائدة عنه موقوفًا، وهذا علقه الدارقطني، ولم أجده مسندًا.
قال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن عائشة بنت عرار إلا هشام بن حسان، تفرد به عمر بن المغيرة)[16]، يعني: مرفوعًا، وعمر قال فيه ابن المديني: (لا أعرف عمر هذا، مجهول)[17]، وقال أبو حاتم: (شيخ)[18]، ونقل الذهبي عن البخاري قوله فيه: (منكر الحديث مجهول)[19]، وقال الذهبي: (صالح الحديث)[20]، وقال ابن حجر: (ضعيف جدًّا)[21]. فروايته هذه فيها نظر مع تفرده عن هشام بن حسان -كما حكى الطبراني-، ومع ما حكى الدارقطني من مخالفة زائدة له، ومع جزم إبراهيم الحربي بأن عائشة بنت عرار روته عن معاذة موقوفًا[22].
• ورواه أبو قلابة الجرمي عن معاذة، ولم أجد روايته مسندة، وقد اتفق البخاري والحربي والدارقطني والبيهقي على أنها موقوفة، إلا أن إبراهيم بن طهمان رفعها عن أيوب عنه، قال الحربي: (ولم يختلف أصحاب أيوب، إلا ابن طهمان فإنه رفعه)، وقال الدارقطني: (ورواه أيوب عن أبي قلابة عن معاذة، واختلف عنه في رفعه، فوقفه معمر وحماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة عن عائشة، ورفعه إبراهيم بن طهمان عن أيوب)[23]، والوقف هو الراجح إن صحت هذه الروايات؛ لاجتماع أصحاب أيوب عليه، ولاتفاق الأئمة الأربعة على أن رواية أبي قلابة موقوفة.
• ورواه عاصم الأحول عن معاذة موقوفًا، ذكره الحربي والدارقطني، ولم أجده مسندًا[24].
وخلاصة ذلك:
أن قتادة رفعه عن معاذة، ووقفه يزيد الرشك، والحسن البصري، وإسحاق بن سويد -على احتمال-، وعائشة بنت عرار، وأبو قلابة، وعاصم الأحول= عنها.
ويؤيد رواية قتادة المرفوعة:
أن الحديث جاء عن عائشة مرفوعًا من رواية شداد أبي عمار وأبي سلمة عنها، فأما رواية أبي عمار، فقال البيهقي: (هذا مرسل، أبو عمار شداد لا أراه أدرك عائشة)[25]، وشداد شامي، وقد نُصَّ على أنه لم يسمع من أبي هريرة، فأولى به ألاّ يسمع من عائشة وقد بقي أبو هريرة بعدها وصلى عليها.
وأما رواية أبي سلمة، فجاءت من حديث أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا أيوب بن عتبة)[26]، وأيوب ضعيف، ونص الإمام أحمد على ضعفه في حديث يحيى بن أبي كثير خاصة، فهذه الرواية منكرة.
ويؤيد رواية الجماعة عن معاذة موقوفًا:
أن محمد بن سيرين رواه عن عائشة موقوفًا، وقد نصَّ أبو حاتم على أن ابن سيرين لم يسمع من عائشة، إلا أنه بصري، ومعاذة بصرية، والظاهر أنه أرسله موقوفًا اعتمادًا على المشهور عند أهل البصرة من أن الحديث من رواية معاذة موقوف غير مرفوع.
وقد رجح رواية قتادة:
أبو زرعة، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه سعيد عن قتادة عن معاذة عن عائشة: مروا أزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله، وقلت لأبي زرعة: إن شعبة يروي عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة موقوفًا، وأسنده قتادة، فأيهما أصح؟ قال: (حديث قتادة مرفوعًا أصح، وقتادة أحفظ، ويزيد الرشك ليس به بأس)[27]، والدارقطني، قال: (ورفعه صحيح)[28]، وأشار إلى ذلك البيهقي، قال -بعد أن أسند رواية قتادة-: (ورواه أبو قلابة وغيره عن معاذة العدوية فلم يسنده إلى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقتادة حافظ)، وصحح رواية قتادة الترمذي وغيره.
ورجح الرواية الموقوفة:
الإمام أحمد بن حنبل، قال حرب الكرماني عنه: (لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث)، قال حرب: قيل له: فحديث عائشة؟ قال: (لا يصح؛ لأن غير قتادة لا يرفعه)[29]، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، قال: (والحديث عندي -والله أعلم- موقوف؛ لكثرة من أجمع على ذلك ممن تقدم ذكره)[30].
والظاهر أن الأقوى قول من حكم بصحة وقفه؛ لاجتماع البصريين على ذلك، وأيد روايتهم روايةُ محمد بن سيرين.
وقد نبه العلامة مغلطاي إلى علةٍ في رواية قتادة عن معاذة، قال: (وفي حديث معاذة المذكور علة أغفلاها -أعني: الإمامين أحمد والحربي[31]-، وهي انقطاع ما بين قتادة ومعاذة، ذكر ذلك يحيى بن معين -فيما حكاه عنه ابن أبي حاتم-...)[32]، والذي حكاه ابن أبي حاتم إنما هو عن يحيى بن سعيد القطان، قال: (قتادة لم يصحِّح عن معاذة)[33]، ومراده: أن قتادة لا يثبت له سماع منها[34]، وشكك الإمام أحمد في هذه الرواية أيضًا، فقال: (يقولون: إن قتادة لم يسمع من معاذة)[35]، وسئل أبو حاتم الرازي: أبو قلابة عن معاذة أحب إليك أو قتادة عن معاذة؟ فقال: (جميعًا ثقتان، وأبو قلابة لا يعرف له تدليس)[36]، وسئل أيضًا: قتادة عن معاذة أحب إليك أو أيوب عن معاذة؟ فقال: (قتادة إذا ذكر الخبر)[37]، فكأنه يشير -في الموضعين- إلى أن قتادة يدلس عن معاذة ما لم يسمعه.
وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما[38] حديثين صرح فيهما قتادة بالتحديث عن معاذة، فالظاهر أنه سمع منها، لكنه يدلس عنها، وهذا الظاهر من رأي أبي حاتم الرازي.
وأما حديثنا هذا؛ فقد عزف شعبة عن روايته عن قتادة[39]، فلم أجد له رواية للحديث عنه البتة، بل ذهب إلى يزيد الرشك، فرواه عنه عن معاذة -كما سبق-، مع أن الحديث مشهور عن قتادة، فالظاهر أنه لم يثبت فيه سماعه عنده، ولم أجد لقتادة تصريحًا بالسماع فيه إلا في رواية همام -من رواية عفان عنه-، ولم يذكره غير عفان عن همام (فقد رواه بهز بن أسد وهدبة بن خالد وعبدالله بن يزيد المقرئ عن همام؛ لم يذكروا السماع)، ولم يذكره غير همام عن قتادة (فقد رواه سعيد بن أبي عروبة -أثبت أصحاب قتادة- وأبان بن يزيد العطار عن قتادة؛ لم يذكراه)، ولهمام أوهام، وتكلم بعض الأئمة في روايته عن قتادة.
ويؤيد عدم ثبوت هذا التصريح بالسماع ما سبق من عزوف شعبة عن رواية هذا الحديث عن قتادة، مع أنه كان يوقف قتادة ويسأله أن يصرح بالسماع من شيوخه، فما صرح فيه حدث به عنه، وما أبى فيه تركه.
والله أعلم.
وفي الباب حديث وأثر:
2-تخريج حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أخرجه البزار في مسنده -كما في كشف الأستار (247)- من طريق أحمد بن محمد بن عبدالعزيز، قال: وجدت في كتاب أبي، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}، فسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: إنا نُتْبِع الحجارة الماء.
دراسة الإسناد:
قال البزار: (هذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبدالعزيز، ولا نعلم أحدًا روى عنه إلا ابنه)[40]، ومحمد بن عبدالعزيز هو ابن عمر بن عبدالرحمن بن عوف، منكر الحديث على قلَّته[41]، ولم أجد ترجمة لابنه أحمد.
وقد نص ابن كثير على أن هذا اللفظ هو سبب الوهم الواقع في حديث عائشة السابق -وقد أشرت إليه في صدر المبحث-، قال: (وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء، ولم يعرفه كثير من المحدثين المتأخرين أو كلهم، والله أعلم)[42]، وقال ابن الملقن: (فرواية البزار هذه موافقة لما أورده الإمام الرافعي وغيره من الفقهاء)[43].
وجاء بنحوه من حديث رجل من الأنصار[44]، أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/48، 49) عن معاوية بن عمرو، عن زهير بن معاوية، عن عاصم الأحول، عن رجل من الأنصار في هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال: فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل قباء عن طهورهم، وكأنهم كانوا يستحيون أن يحدثوه، فقالوا: طهورنا طهور الناس، فقال: ((إن لكم طهورًا))، فقالوا: إن لنا خبرًا: إنا نستنجي بالماء بعد الحجارة -أو: بعد الدراري-، قال: ((إن الله قد رضي طهوركم يا أهل قباء)).
وعاصم الأحول تابعي، إلا أن روايته عن الصحابة قليلة -فيما يظهر-، ولم يصرح هنا أن الرجل صحابي، ولا صرح الرجل بسماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالظاهر أن هذا الحديث بهذا الإسناد مرسل.
وفي سبب ثناء الله -تعالى- على أهل قباء في هذه الآية أحاديث أخرى ليس هذا موضع البسط فيها.
3- تخريج أثر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
أخرجه عبدالرزاق -كما ذكر الزيلعي في نصب الراية (1/219)- والدارقطني في العلل (4/55) من طريق سفيان الثوري، وابن أبي شيبة (1634) عن يحيى بن يعلى، ويعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/802) -ومن طريقه البيهقي (1/106)-، والحمامي في جزء من حديثه عن شيوخه (25-مجموع فيه مصنفات الحمامي)، كلاهما من طريق مسعر، والبيهقي (1/106) من طريق زائدة، وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب (6/2849، 2850) من طريق حفص بن عمر قاضي حلب، خمستهم -الثوري ويحيى بن يعلى ومسعر وزائدة وحفص بن عمر- عن عبدالملك بن عمر، قال: قال علي: إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرًا، وإنكم تثلطون ثلطًا، فأتبعوا الحجارة بالماء، لفظ يحيى بن يعلى ومسعر -في رواية الحمامي- وحفص بن عمر، وقال زائدة والثوري: إنهم كانوا...، وقال مسعر -في رواية الفسوي-: إنا كنا...
دراسة الإسناد:
ذكر الدارقطني في هذا الحديث خلافًا في إدخال واسطة بين عبدالملك بن عمير وعلي[45]، والأكثر على روايته بلا واسطة.
وعبدالملك بن عمير تكلم فيه بعض الأئمة، ووثقه آخرون، وذكره ابن حبان بالتدليس، قال العلائي: (رأى عليًّا -رضي الله عنه- ولم يسمع منه)[46]، وهذا ظاهر تفريق من ترجم له بين من رآه عبدُالملك ومن روى عنه.
وقد ورد تصريحه بالسماع من علي في هذا الأثر في رواية حفص بن عمر الحلبي، قال: ذهبت أنظر إلى علي -رضي الله عنه- فسمعته يقول:...، وحفص هذا منكر الحديث[47]، ولا يعتد بروايته.
فالأثر منقطع ضعيف.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
[1] إرواء الغليل (1/82).
[2] ويأتي سببه من كلام ابن كثير وابن الملقن في تخريج حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
[3] الجوهر النقي (1/106).
[4] وقع في المطبوع: عبدالله بن المغيرة، والتصويب من نقل ابن عساكر -في تاريخ دمشق (45/341)-، ونقل مغلطاي -في شرح ابن ماجه (1/254)-، ويؤيده: أن الحديث الذي قبله في معجم الطبراني الأوسط كان عن مقدام عن عبدالله بن يوسف التنيسي عن عمر بن المغيرة، وهذا هو إسناد الطبراني لهذا الحديث أيضًا.
[5] واكتفى البخاري -في تاريخه (4/301)- والبيهقي -في السنن (1/105)- بتعليقه عن أبي قلابة موقوفًا.
[6] وقع في المطبوع: عن أبي سليمان، وقد علقه الدارقطني -في العلل (14/429)- عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة، واستظهرت أنه صواب إسناد الطبراني.
[7] التاريخ الكبير (4/301).
[8] الجرح والتعديل (4/439).
[9] المعجم الأوسط (5/122).
[10] انظر: إرشاد القاصي والداني في ترجمة شيوخ الطبراني (ص402).
[11] (8/215).
[12] الجرح والتعديل (3/283).
[13] سير أعلام النبلاء (10/668).
[14] (8/57).
[15] انظر: لسان الميزان (1/110).
[16] المعجم الأوسط (9/5)، تاريخ دمشق (45/341)، شرح مغلطاي على ابن ماجه (1/254).
[17] تاريخ دمشق (45/342).
[18] الجرح والتعديل (6/136).
[19] ميزان الاعتدال (3/224)، كذا فيه، وقد قال الذهبي -في تاريخ الإسلام (وفيات 171-180، ص278)-: (لم يورده البخاري في تاريخه)، ولم يورد الذهبي عبارة البخاري تلك، ففي نسبتها إليه نظر.
[20] تاريخ الإسلام (وفيات 171-180، ص278).
[21] تهذيب التهذيب (1/193).
[22] وقد علق الدارقطني رواية لعبدالله بن رجاء المكي عن هشام بن حسان، رفع فيها الحديث وأسقط عائشة بنت عرار، وهذه الرواية -إن صحت- غريبة، وعبدالله بن رجاء تغير حفظه، فكانت له أخطاء، والرواية الموقوفة أصح.
[23] جاء النص في نسخة العلل: (فرفعه معمر وحماد بن زيد عن أيوب... ورفعه إبراهيم بن طهمان عن أيوب)، كذا بتكرار الرفع، واستظهر المحقق أن الصواب في الثانية: (ووقفه إبراهيم بن طهمان)، والظاهر أن الصواب بعكسه -كما أثبتُّ-؛ بإفادة كلام الحربي في علله.
[24] وفي نقل مغلطاي لكلام الحربي اضطراب لم أفهمه، ونصُّه: (ورواه عاصم الأحول فأوقفه، إلا أن أبا زيد قد رفعه عنه، وعاصم أحفظ من أبي زيد -إن شاء الله-)، فإن كان أبو زيد (والظاهر أنه ثابت بن يزيد الأحول) قد رواه عن عاصم مرفوعًا، فكيف تعل روايته بأن شيخه أحفظ منه؟ والنصُّ بحاجة إلى تقويم أو تأمل.
[25] السنن (1/106).
[26] المعجم الأوسط (5/323).
[27] العلل (1/42).
[28] العلل (14/429).
[29] الإمام، لابن دقيق العيد (2/537)، شرح مغلطاي على ابن ماجه (1/253)، الفروسية، لابن القيم (ص191).
[30] شرح مغلطاي على ابن ماجه (1/254).
[31] وأغفلها -أيضًا- من صحح رواية قتادة.
[32] شرحه على ابن ماجه (1/254).
[33] المراسيل (ص174)، وقد أسنده عن عبدالله بن أحمد، وهو في روايته للعلل ومعرفة الرجال عن أبيه (3/227).
[34] انظر في مصطلح التصحيح: الاتصال والانقطاع، للشيخ إبراهيم اللاحم (ص437-442).
[35] العلل ومعرفة الرجال (ص197، 198-رواية المروذي والميموني وغيرهما)، ونقله الذهبي -في السير (5/277)- من قول أحمد لا من نسبته إلى غيره.
[36] الجرح والتعديل (5/58).
[37] الجرح والتعديل (7/134).
[38] البخاري (321)، مسلم (719)، وحديث البخاري اعتمد عليه في الأصول.
[39] بل ربما عن أحاديث قتادة عن معاذة عامة.
[40] البدر المنير، لابن الملقن (2/375).
[41] انظر: لسان الميزان (5/259).
[42] تفسيره (4/217).
[43] البدر المنير (2/376).
[44] أفاده في تنبيه القاري على تقوية ما ضعفه الألباني (101).
[45] العلل (4/54، 55).
[46] جامع التحصيل (ص230).
[47] الجرح والتعديل (3/179).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
تخريج موسع وماتع وفقك الله .
وننتظر البقية بإذن الله .
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
37- 1/145) ("ولا يصح قبله" أي: قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه "وضوء ولا تيمم"؛ لحديث المقداد[1] المتفق عليه: ((يغسل ذكره ثم يتوضأ))).
لا يصح بلفظ الترتيب.
لم يجئ في الصحيحين بهذا اللفظ، وإنما أخرجه البخاري (132، 178) ومسلم (303) من طريق ابن الحنفية، والبخاري (269) من طريق أبي عبدالرحمن السلمي، ومسلم (303) من طريق ابن عباس، ثلاثتهم عن علي، في قصة إرساله المقداد ليسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي، فجاء لفظ البخاري من طريق ابن الحنفية في الموضعين: (فيه الوضوء)، وأخرجه مسلم من طريقين عنه، فلفظ الأول: (يغسل ذكره ويتوضأ)، ولفظ الثاني: (منه الوضوء)، ولفظ البخاري من طريق أبي عبدالرحمن السلمي: (توضأ واغسل ذكرك)، ولفظ مسلم من طريق ابن عباس: (توضأ وانضح فرجك).
وهذا ظاهر في أن اللفظ لم يأتِ بالترتيب بـ(ثم) بين الغسل والوضوء.
وجاء بهذا اللفظ فيما أخرجه النسائي (1/214) من طريق الليث بن سعد، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، قال: أرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- المقداد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الرجل يجد المذي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يغسل ذكره ثم ليتوضأ)).
دراسة الإسناد:
هذا من حكاية سليمان بن يسار للحادثة، ونقلِهِ قولَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتداءً من عنده، وسليمان بن يسار تابعي، فهذه الرواية مرسلة، وهي أحد الوجوه عن سليمان بن يسار وعمن دونه، فقد جاء عنه عن ابن عباس عن علي[2]، وعنه عن المقداد -من مسنده-، وغير ذلك، إلا أنه لم يجئ الترتيب في اللفظ بـ(ثم) إلا في هذه الرواية المرسلة.
تنبيه:
وقع في معجم الطبراني (20/238) من طريق عبدالرزاق، عن معمر، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن عائش بن أنس قال: قال علي بن أبي طالب للمقداد: سل لي رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-...، إلى أن قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليغسل ذكره، ثم ليتوضأ، ثم لينضح فرجه))، وهذا اللفظ خطأ؛ ذلك أن عبدالرزاق رواه في مصنفه (601) بإسناده ومتنه، فجاء فيه: ((ليغسل ذكره، وليتوضأ، ثم لينضح في فرجه)).
38- (1/150) ("مسنون كل وقت" خبر قوله: "التسوك"، أي: يسن كل وقت؛ لحديث: ((السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب))، رواه الشافعي وأحمد وغيرهما).
صحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
جاء من حديث جماعة من الصحابة:
1-تخريج حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد (1/3) عن أبي كامل، و(1/10) عن عفان، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3742-السفر الثاني)، وإبراهيم بن نصر الرازي في مسنده -كما ذكر الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (2/428، 429)-، كلاهما عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3743-السفر الثاني)، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (110)، وأبو يعلى في مسنده (110)، وأبو عمرو السمرقندي في الفوائد المنتقاة (53)، من طريق يونس بن محمد، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (668)، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (108)، وأبو يعلى (109، 4915) -وعنه ابن عدي في الكامل (2/261)، ومن طريقه ابن حجر في تغليق التعليق (3/166)-، وأبو العباس السرَّاج في مسنده -كما ذكر ابن حجر في فتح الباري (4/159)، ورواه من طريقه في تغليق التعليق (3/166)-، والسراج أيضًا في كتاب البيتوتة (5)، وابن عدي في الكامل (2/261) عن عمران بن موسى، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (509) عن أبي القاسم البغوي، ستتهم -ابن أبي عاصم والمروزي وأبو يعلى والسراج وعمران بن موسى والبغوي- عن عبدالأعلى بن حماد النرسي، وابن عدي في الكامل (2/261) من طريق عبدالله بن معاوية، والدارقطني في الأفراد (57-أطرافه) من طريق عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة، وتمام الرازي في فوائده (130) من طريق محمد بن عبيد الغساني، وأبو نعيم الأصبهاني في كتاب السواك -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/337)- من طريق عيسى بن إبراهيم البركي[3]، تسعتهم -أبو كامل وعفان والتبوذكي ويونس وعبدالأعلى وعبدالله بن معاوية وابن جبلة والغساني وعيسى بن إبراهيم- عن حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)).
إلا أن ابن أبي خيثمة قال عن التبوذكي: عن حماد، عن ابن أبي عتيق، عن جده، عن أبي بكر، وقال إبراهيم بن نصر عن التبوذكي: (عن حماد، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر، وقال مرةً: عن ابن أبي عتيق، عن جده، عن أبي بكر)،
وقال عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة عن حماد: عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، عن أبي بكر، زاد عائشة في الإسناد، وقال محمد بن عبيد الغساني عن حماد: عن ابن عون، عن أبيه، عن أبي بكر.
2- تخريج حديث عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-:
أ- رواية ابن أبي عتيق عنها:
أخرجه الشافعي في الأم (1/52)-ومن طريقه البيهقي في السنن (1/34)، ومعرفة السنن (1/258)، والبغوي في شرح السنة (1/394)-، والحميدي (162) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (18/301)-، وابن أبي عمر العدني في مسنده -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/332)-، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، وإسحاق ابن راهويه في مسنده (1116) عن عيسى بن يونس، وأحمد (6/47)، وأبو يعلى (4598) -ومن طريقه ابن حجر في التغليق (3/164)- عن محمد بن الصباح، كلاهما عن إسماعيل بن علية، وأحمد (6/62) عن عبدة بن سليمان، و(6/238) عن يزيد، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3740-السفر الثاني) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه، وابن المنذر في الأوسط (338) عن أبي حاتم الرازي، وأبو نعيم في الحلية (7/159) والسواك -كما في الإمام (1/335)- من طريق محمد بن يونس، وفي السواك -كما في الإمام (1/335)- من طريق إسماعيل بن عبدالله، والبيهقي في شعب الإيمان (1939) من طريق عبدالملك بن محمد الرقاشي، أربعتهم عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة، وأبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/334)- من طريق جبارة بن المغلس عن قيس بن الربيع، والبيهقي (1/34) من طريق ابن أبي عمر العدني عن ابن عيينة عن مسعر، والبغوي في شرح السنة (1/394، 395) من طريق أحمد بن خالد، وعلق الدارقطني في العلل (14/422) رواية ابن أبي عدي، كلهم -أحد عشر راويًا- عن محمد بن إسحاق.
وأحمد (6/124) عن عفان، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3741-السفر الثاني) عن عبيدالله بن عمر القواريري، وابن أبي خيثمة (3741-الثاني)، وأبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/334)- من طريق يحيى بن عبدالحميد الحماني، والحسن بن علي المعمر في اليوم والليلة -كما نقل ابن حجر في تغليق التعليق (3/164)- عن أبي كامل الجحدري ومحمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب وعبدالأعلى بن حماد، والنسائي في الصغرى (1/10)، والكبرى (4) -ومن طريقه ابن حجر في التغليق (3/165)- عن حميد بن مسعدة ومحمد بن عبدالأعلى، وابن حبان (1067) من طريق روح بن عبدالمؤمن، وأبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/334)، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (17/229)- من طريق علي بن المديني، وأبو نعيم فيه -كما في الإمام (1/334)-، والبيهقي (1/34) من طريق محمد بن أبي بكر، كلهم -أحد عشر راويًا- عن يزيد بن زريع، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3743-السفر الثاني) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (109)، وأبو يعلى (4916)، كلاهما عن عبدالأعلى بن حماد، كلاهما -يعقوب وعبدالأعلى- عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، والطبراني في الأوسط (276) من طريق روح بن بن صلاح، عن سعيد بن أبي أيوب، ثلاثتهم -يزيد بن زريع والدراوردي وسعيد بن أبي أيوب- عن ابن أبي عتيق (ابن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر)، كلاهما -محمد بن إسحاق وابن أبي عتيق- عن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق (وهو ابن أبي عتيق والد الراوي عنه)، أنه سمع عائشة تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)).
وقد سمَّى يزيدُ بن زريع شيخَه ابنَ أبي عتيق (ابن عبدالله بن محمد): عبدَالرحمن، وسماه سعيد بن أبي أيوب: محمدًا، ولم يسمه الدراوردي.
ب- رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عنها:
أخرجه ابن أبي شيبة (1792)، والدارمي (684) -ومن طريقه ابن حجر في التغليق (3/165)-، كلاهما عن خالد بن مخلد القطواني، وابن راهويه (936)، وابن عدي في الكامل (1/235) من طريق أبي عامر العقدي، وأحمد (6/146) عن ابن أبي فديك، وأبو يعلى (4569) من طريق حميد بن عبدالرحمن، وابن عبدالبر في التمهيد (18/301) من طريق ابن أبي أويس، خمستهم - القطواني والعقدي وابن أبي فديك وحميد وابن أبي أويس- عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (913) عن الحسن بن الصباح، وأبو نعيم في الحلية (7/94) من طريق عبدالله بن الليث، كلاهما عن مؤمل بن إسماعيل، وأبو نعيم في الحلية (7/94) من طريق يزيد بن أبي حكيم، وعلقه الدارقطني في العلل (14/421) عن مصعب بن المقدام، ثلاثتهم -مؤمل ويزيد ومصعب- عن سفيان الثوري، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (913) عن الحسن بن الصباح، وأبو نعيم في الحلية (7/94) من طريق عبدالله بن الليث، كلاهما عن مؤمل بن إسماعيل، عن شعبة، كلاهما -الثوري وشعبة- عن محمد بن إسحاق، عن رجـل -وقال ابن الليث عن مؤمل: عن أبي عتيق التيمي-، وأبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/335)- والبيهقي (1/34) من طريق سليمان بن بلال، وعلق الدارقطني في العلل (14/422) رواية داود بن الزبرقان، كلاهما عن ابن أبي عتيق -سماه سليمانُ بن بلال: عبدَالرحمن-، وقوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1570) من طريق خالد بن عبدالرحمن، عن عيسى بن ميمون، أربعتهم -داود بن الحصين والرجل (الذي قيل: إنه أبو عتيق التيمي) وابن أبي عتيق وعيسى بن ميمون- عن القاسم، عن عائشة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب))، لفظ أبي عامر العقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين، وقال ابن أبي فديك عن ابن أبي حبيبة: ((... مطيبة للفم...))، وقد زاد ابن أبي حبيبة في الحديث ألفاظًا.
إلا أن الحسن بن الصباح في روايته عن مؤمل بن إسماعيل عن الثوري وشعبة عن محمد بن إسحاق عن رجل= جعله عن القاسم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، لم يذكر عائشة.
ج- رواية عبيد بن عمير عنها:
أخرجه ابن خزيمة (135) -ومن طريقه البيهقي (1/34)-، وعلقه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/105) عن عبيدالله بن أحمد بن محمد بن ماهان، عن سهل بن موسى، كلاهما -ابن خزيمة وسهل بن موسى- عن الحسن بن قزعة، عن سفيان بن حبيب، عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)).
وقد أخرجه عبدالرزاق (19603) عن معمر، عن رجل، عن عبيد بن عمير قال في السواك: (مطيبة للفم مرضاة للرب)، من قول عبيد، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (8/100) عن نعيم بن عمر، عن عبيد بن عمير، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((عليكم بالسواك، فإنه مرضاة للرب))، لم يذكر عائشة.
د- رواية عروة عنها:
أخرجه ابن عدي في الكامل (1/299) عن عمر بن سنان، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/323) من طريق الحسن بن سفيان، كلاهما عن عبدالوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (1570) من طريق خالد بن عبدالرحمن، عن عيسى بن ميمون، كلاهما -إسماعيل بن عياش وعيسى- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)).
هـ- رواية أم عبدالله عن عائشة:
أخرجه أبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/335، 336)- من طريق خالد بن يحيى السعيدي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن أم عبدالله، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالسواك، فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب)).
و- رواية عمرة عنها:
أخرجه البيهقي في الشعب (2522) من طريق عبدالله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)).
دراسة الأسانيد:
أ- حديث أبي بكر، وحديث عائشة من رواية ابن أبي عتيق عنها:
وهما حديث واحد اختُلف فيه على ابن أبي عتيق، وهو ابن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق:
- فرواه حماد بن سلمة، واختُلف عن حماد:
• فرواه ستة رواة -فيهم ثقات كبار، كأبي كامل الجحدري وعفان ويونس بن محمد المؤدب- عنه، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق.
• ورواه أبو سلمة التبوذكي عن حماد كرواية الجماعة، إلا أنه قال: وقال -يعني: حمادًا- مرةً: عن ابن أبي عتيق، عن جده، عن أبي بكر.
• ورواه عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة عن حماد، فزاد عائشة بين ابن أبي عتيق الأب (عبدالله بن محمد) وأبي بكر، وعبدالرحمن بن جبلة هذا متروك مكذَّب[4]، ولا يشتغل بروايته.
• ورواه محمد بن عبيد الغساني عن حماد، فجعله عن ابن عون، عن أبيه، عن أبي بكر، ولم يتحرر عندي تعيين محمد بن عبيد هذا، وروايته خطأ بمخالفة الجمع الأثبات.
- ورواه يزيد بن زريع والدراوردي وسعيد بن أبي أيوب عنه، عن أبيه، عن عائشة، والترجيح عن ابن أبي عتيق في روايته هذه منبنٍ على تعيينه، إذ لعبدالله بن أبي عتيق ابنان: محمد وعبدالرحمن، فإن كان راوي هذا الحديث واحدًا منهما؛ نُظر أي الروايات عنه أصح، وإن كان يرويه الاثنان؛ نُظر أيهما أصح روايةً عن أبيه، ولعله لذلك لم يجزم أبو حاتم بالراوي موضع العلة في الحديث[5].
وقد نصَّ يزيد بن زريع على أن اسمَ شيخِهِ ابنِ أبي عتيق الابن: عبدُالرحمن، وجاء في رواية سعيد بن أبي أيوب أنه محمد، إلا أن رواية سعيد بن أبي أيوب منكرة، قال الطبراني - بعد أن أخرجها وأحاديث أخرى-: (لم يروِ هذه الأحاديث عن سعيد بن أبي أيوب إلا روح بن صلاح)[6]، وروح هذا ضعفه الدارقطني وابن عدي، وذكر ابن يونس أنه رويت عنه مناكير، ووثقه الحاكم وذكره ابن حبان في ثقاته[7]، والظاهر أنه ضعيف، وتفرده عن سعيد بن أبي أيوب -وقد روى عنه أئمة- منكر، ثم في الإسناد شيخ الطبراني: أحمد بن رشدين، ضعيف، وقد شدد بعض الأئمة في أمره[8].
ولم يأتِ عن الدراوردي -فيما وقفت عليه- تسمية ابن أبي عتيق، إلا أن المزي[9] وابن حجر[10] ذكرا أنه روى هذا الحديث عن ابن أبي عتيق، وسماه: عبدالرحمن، أما حماد بن سلمة؛ فجاء في روايةٍ عن عيسى بن إبراهيم البركي عنه تسميةُ ابنِ أبي عتيق محمدًا، وعيسى البركي ذو أوهام، وزيادته تسميةَ الراوي عن حماد بن سلمة لا تقبل مع اجتماع الأثبات الثقات على ترك ذلك، ولعله بناءً على هذه الرواية سمَّى بعضُ الأئمة -كالمزي[11] والحسيني[12]- شيخَ حماد: محمدًا.
إلا أن الذي يظهر أن ابن أبي عتيق الذي يروي عنه حماد بن سلمة: هو عبدالرحمن، وهو الذي يروي عنه يزيد بن زريع والدراوردي نفسُهُ، لقرائن:
الأولى: أنه ما دام يزيد بن زريع قد سماه وروى حديثه، فالظاهر أنه هو نفسه صاحب الحديث وراويه الذي شَهَرَهُ وحدَّث به يزيدَ وغيرَه[13]، وكون أخيه يشرَكُه في رواية الحديث يحتاج تصريحًا صحيحًا باسمه في الروايات، وليس ثَمَّ شيء من ذلك.
الثانية: أن سليمان بن بلال قد رواه عن ابن أبي عتيق أيضًا، وسماه عبدالرحمن، إلا أنه جعله عنه عن القاسم عن عائشة، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام على رواية سليمان بن بلال، لكن هذا يفيد أن عبدالرحمن هو الذي يروي الحديث ويُختَلَف عنه فيه.
الثالثة: أن الإمام الحافظ محمد بن يحيى الذهلي قال: (وأما ابن أبي عتيق؛ فهو مدني من ولد أبي بكر الصديق، يقال له: محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، ولم يروِ عنه فيما علمتُ غير سليمان بن بلال، وسمعت أيوب بن سليمان بن بلال سئل عن نسبه فذكره، وقال: ما علمت أحدًا روى عنه بالمدينة غير أبي)، قال الذهلي: (لولا أن سليمان بن بلال قام بحديثه لذهب حديثه)[14]، فهذان نصَّان من ابن سليمان بن بلال -وهو مدني ثقة-، ومن الإمام الذهلي على أن محمد بن أبي عتيق ما له راوٍ إلا سليمان بن بلال، وعليه؛ فلا يصح أن حماد بن سلمة يروي عنه، لكن ربما ورد على ذلك أن للدراوردي روايةً عنه في بعض كتب الحديث، إلا أن المنقول عن الذهلي وأيوب بن سليمان بن بلال يفيد أن حديث محمد بن أبي عتيق محصورٌ قليل، وأنه روى عنه المدنيون ولم تنتشر روايته، وهذا يُبعد أن حماد بن سلمة يروي عنه.
الرابعة: أن يزيد بن زريع بصري مثل حماد، واتفاقهما في البلد يلمح إلى أنهما يشتركان في الشيخ المدني نفسه، فربما كان سماعهما واحدًا، أو كان انتشر في البصرة عن أحدهما أنه يروي الحديث عن ابن أبي عتيق، أو أفاد أحدُهما الآخر به، فطلبه الآخرُ من الشيخ نفسِهِ، وتحمله منه.
وفي ترجيح هذا نصٌّ عزيز عن الإمام أبي زرعة الرازي، قال: (ابن أبي عتيق الذي يروي عنه حماد بن سلمة اسمه: عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد[15] بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق)[16]، ووافقه ابن حجر، حيث قال: (... وخالفهم حماد بن سلمة، فرواه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق...)[17].
وعلى ذلك: فالخلاف في الحديث على شيخ واحد، وينظر في الراجح عنه:
فإنه اجتمع يزيد بن زريع والدراوردي وسعيد بن أبي أيوب -ولم يصح عنه- على روايته عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، وتابع ابنَ أبي عتيق على هذا الوجه: محمد بن إسحاق، حيث رواه عن ابن أبي عتيق الأب، عن عائشة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عنه، وفي رواية إبراهيم بن سعد عنه، وإبراهيم بن سعد مقدَّم في ابن إسحاق، وكان له كتاب عنه يبيِّن سماعه من عدمه[18]، وهذا يزيح علة تدليس ابن إسحاق[19]، وخالف في ذلك: حمادُ بن سلمة، فرواه عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر، وروى أبو سلمة التبوذكي -وهو حافظ ثقة ثبت- عن حماد أنه رواه مرةً عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر، ومرةً عنه، عن جده، عن أبي بكر.
والوجه الأول عن ابن أبي عتيق أصح؛ لقرائن:
الأولى: كون الأكثر من الرواة عليه.
الثانية: كون أحدهم مدنيًّا كابن أبي عتيق، وهو الدراوردي، واتفاق البلدان قرينة في الترجيح؛ إذ بلديُّ الراوي أحفظ لحديثه من الغرباء.
الثالثة: أن يزيد بن زريع وحده أثبت من حماد بن سلمة، فإن لحماد -على ثقته- أوهامًا، وأما يزيد بن زريع، فقال فيه الإمام أحمد: (إليه المنتهى فى التثبت بالبصرة).
الرابعة: متابعة محمد بن إسحاق لابن أبي عتيق على هذا الوجه.
الخامسة: التردد المنقول عن حماد بن سلمة في شيخ ابن أبي عتيق؛ بين أبيه وجده، وهذه قرينة على أن حمادًا لم يضبط هذا الحديث ولم يتقنه.
وهذا الوجه هو الذي رجحه غير واحد من الأئمة:
- فقد سأل أبو يعلى الموصلي شيخَهُ عبدالأعلى بن حماد النرسي -أحد الرواة للوجهين عن حماد بن سلمة، وعن يزيد بن زريع والدراوردي- عن حديث أبي بكر، فقال: (هذا خطأ)[20].
- وعلَّق البخاري في صحيحه (3/31) حديث عائشة، قال: (وقالت عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)))، وتعليقه بصيغة الجزم يدل على أنه هو الصحيح عنده،
- وقال أبو زرعة في رواية حماد بن سلمة: (هذا خطأ، إنما هو: ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، أخطأ فيه حماد)،
- وقال أبو حاتم نحو قول أبي زرعة، إلا أنه قال: (الخطأ من حماد أو من ابن أبي عتيق)[21].
- وقال ابن عدي: (ويقال: إن هذا الحديث أخطأ فيه حماد بن سلمة حيث قال: عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، وإنما رواه غيره عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة)[22].
- وقال الدارقطني: (يرويه حماد بن سلمة عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر، وخالفه[23] جماعةٌ من أهل الحجاز وغيرهم، فرووه عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصواب)[24].
- وقال ابن حجر: (... وشذَّ حماد بن سلمة، فرواه عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، وهو خطأ)[25].
والمخطئ في الحديث حماد بن سلمة؛ إذ ترجح -فيما سبق- أن الجميع يروونه عن شيخ واحد، فالخطأ ممن شذ عنهم، وهو حماد، وأما تردد أبي حاتم؛ فقد سبق بيان وجهه، وأنه -لعله- للاحتمال في شيخ حماد، والله أعلم.
وإسناد الرواية الراجحة جيد، عبدالرحمن بن أبي عتيق قال فيه أحمد: (لا أعلم إلا خيرًا)، وقال ابن حبان: (كان ثبتًا، إلا أنه ربما وهم في الأحايين)[26]، وقد تابعه محمد بن إسحاق، وأبوه عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر صدوق، ووثقه العجلي، وقد ذكر سماعه لهذا الحديث من عائشة في غير رواية، فصَحَّ، والله أعلم.
يتبعه -بعون الله-:
دراسة بقية أسانيد حديث عائشة -رضي الله عنها-، وتخريج أحاديث الباب عن غيرها من الصحابة، ودراستها.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
[1] كذا قال، والحديث المتفق عليه من مسند علي -كما في تحفة الأشراف (7/403، 412، 442)-، وإنما المقداد هو الرجل الذي أرسله علي ليسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
[2] وهي رواية مسلم المتقدمة.
[3] نص كلام ابن دقيق العيد: (روى أبو نعيم من حديث عيسى بن إبراهيم البركي، ثنا حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»، رواه عن فاروق الخطابي، عن أحمد بن محمد العطار الأيلي، عنه. ثم رواه من حديث محمد بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن عيسى، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر -رضي الله عنه-، عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:... نحوه، رواه عن أبي بكر بن خلاد، عن أبي معشر الحسن بن سليمان الدارمي، عنه)، هكذا بقلب الاسم في الموضع الثاني، والظاهر أن صوابه: عيسى بن إبراهيم، وأنه وجه ثانٍ عن عيسى؛ نصَّ عليه ابن دقيق العيد لأن فيه تسمية ابن أبي عتيق بمحمد، ويؤيده أن عيسى بن إبراهيم البركي معروف بالرواية عن حماد بن سلمة، ويروي عنه محمد بن يحيى -وهو الذهلي الإمام [انظر: اللآلئ المصنوعة، للسيوطي (1/107)]-، ولم أجد فيمن يروي عن حماد من اسمه إبراهيم بن عيسى.
[4] انظر: لسان الميزان (3/424).
[5] العلل (1/12)، ويأتي.
[6] المعجم الأوسط (1/91).
[7] انظر: لسان الميزان (2/465).
[8] انظر: لسان الميزان (1/257)، وإرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص155، 156).
[9] تحفة الأشراف (11/465).
[10] تغليق التعليق (3/165)، فتح الباري (4/159).
[11] تهذيب الكمال (25/549).
[12] الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد من الرجال... (ص573).
[13] قال ابن حجر-في التلخيص الحبير (1/60)-: (... فإن صاحب الحديث هو عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن...).
[14] تهذيب الكمال (25/550).
[15] وقع في المراسيل: عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله، وهو خطأ؛ فنَسَبُهُ في كتب التراجم كما أثبت، ومن ذلك ترجمته في الجرح والتعديل (5/255).
[16] المراسيل (ص128).
[17] فتح الباري (4/159).
[18] كما سبق في الحديث (10).
[19] وقع خلاف في رواية ابن أبي عمر العدني عن ابن عيينة عن ابن إسحاق، فنقله ابن دقيق العيد -في الإمام- من مسند ابن أبي عمر، قال: (ورأيته في مسند ابن أبي عمر كما رواه الشافعي عن ابن عيينة)، يعني: عنه، عن ابن إسحاق مباشرة، وأخرجه البيهقي من طريقين عن علي بن عبدالحميد الغضائري، عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن مسعر، عن ابن إسحاق، فأدخل مسعرًا بين ابن عيينة وابن إسحاق، وقد ذكر هذه الرواية الدارقطني -في العلل (14/421)-، ثم قال: (وخالفه الحميدي وغيره، رووه عن ابن عيينة عن ابن إسحاق، ولم يذكروا فيه مسعرًا...)، وكلام الدارقطني هذا يشعر بإعلال ذكر مسعر، وهو الصحيح.
[20] مسند أبي يعلى (109، 4915).
[21] العلل (1/12).
[22] الكامل (2/261).
[23] في العلل: وخالفهم.
[24] العلل (1/277).
[25] تغليق التعليق (3/166).
[26] مشاهير علماء الأمصار (ص144).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة دراسة حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»، وتبيَّن أنه خطأ من حماد بن سلمة، وأن صوابه من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وفي هذه الحلقة أواصل دراسة أسانيد حديث عائشة، ثم أحاديث الباب عن غيرها من الصحابة.
ب- رواية القاسم بن محمد عن عائشة:
وقد جاءت من طرق عنه:
1- طريق داود بن الحصين عن القاسم:
وقد تفرد بها -فيما وجدت- إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود، وهو منكر الحديث، حكم عليه الداقطني بالترك، وقرن بعض الأئمة جرحهم بذكر روايته عن داود بن الحصين نفسه، فلعل المناكير في روايته عن داود كثيرة، وهذه الطريق لهذا الحديث منها.
2- طريق رجل عن القاسم:
وقد رواه أبو نعيم، عن الطبراني، عن عباد بن عبدالله العدني، عن يزيد بن أبي حكيم، عن الثوري، عن محمد بن إسحاق، عن رجل، به، وعباد بن عبدالله ترجمه الذهبي باسم: عباد بن محمد بن عبدالله[1]، ولم يذكر أكثر من روايته عن حفص بن عمر العدني، ورواية الطبراني عنه[2]، وقد روى الطبراني عنه غيرَ حديث عن يزيد عن سفيان[3]، فحال هذا الرجل مجهولة.
وتابع يزيدَ بن أبي حكيم عن الثوري: مصعبُ بن المقدام -فيما علقه الدارقطني ولم أجده موصولاً-، ومصعب فيه ضعف.
ورواه مؤمل بن إسماعيل عن الثوري وشعبة، واختُلف عنه:
• فرواه الحسن بن الصباح عنه، عنهما، عن ابن إسحاق، عن رجل من آل أبي بكر، عن القاسم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، به مرسلاً.
• ورواه عبدالله بن الليث المروزي عنه، عن الثوري وشعبة، عن ابن إسحاق، عن أبي عتيق التيمي، عن القاسم، عن عائشة، به.
• وقد علق الدارقطني رواية مؤمل، عن الثوري وشعبة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن القاسم، عن عائشة، به[4]، والظاهر أن الدارقطني وقعت له هذه الرواية عن مؤمل.
وهذا من اضطراب مؤمل بن إسماعيل وتخليطه؛ فإنه سيئ الحفظ كثير الغلط.
وأما رواية يزيد بن أبي حكيم ومصعب بن المقدام عن الثوري، ففي القلب منهما؛ لأمرين:
أولهما: أن الثوري روى عنه من الكبار الأثبات الأئمة، وجاء حديثه بالأسانيد الصحاح المشهورة، ولا يقبل أن يجيء حديثه بهذين الإسنادين الغريبين، في أحدهما جهالة، وفي الآخر ضعف.
الثاني: أن هذه الرواية تؤدي بالثوري لمخالفة عشرة رواة، أكثرهم أثبات حفاظ، كشعبة بن الحجاج وإسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة وعبدة بن سليمان ويزيد بن هارون وعيسى بن يونس ونحوهم، كلهم رووه عن ابن إسحاق عن ابن أبي عتيق عن عائشة، ولم يذكروا رجلاً، ولا جعلوه عن القاسم، ومثل هذا يبعد أن يرويه الثوري شاذًّا عن الجماعة، ولا يصح أن يُثبت ذلك بهذين الإسنادين.
3- طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عتيق عن القاسم:
وقد جاءت من طريق سليمان بن بلال عنه، وعلقها الدارقطني عن داود بن الزبرقان كذلك، وداود هذا متروك منكر الحديث، لكن الشأن في رواية سليمان بن بلال، إذ إنه ثقة مدني.
وروايته أخرجها البيهقي عن الحاكم، عن أبي العباس الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن عبدالله بن وهب، عن سليمان بن بلال، به[5]، وقد احتمل البيهقي -بناء على رواية سليمان بن بلال- أن عبدالرحمن بن أبي عتيق سمعه من أبيه -وهي رواية يزيد بن زريع والدراوردي المارّة آنفًا- وسمعه من القاسم -كما في هذه الرواية-، قال: (وقيل: عبدالرحمن، عن القاسم بن محمد، فكأنه سمعه منهما جميعًا)[6]، وجزم بذلك في موضع آخر، فقال: (وقد رواه عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عتيق مرةً عن أبيه عن عائشة، ومرةً عن القاسم بن محمد عن عائشة)[7]، ولهذا وجهٌ من حيث إن سليمان بن بلال ثقة، واتفق في البلاد مع شيخه ابن أبي عتيق، وقد قيل: إنه مولى لعبدالله بن أبي عتيق -والد شيخه-، وفي هذا مزيد اختصاص بهذه العائلة.
لكن الظاهر أن رواية ابن أبي عتيق عن أبيه عن عائشة أصح، فقد رواه عنه كذلك الدراوردي، وهو من أهل المدينة، وإن كان أدنى ضبطًا من سليمان بن بلال، إلا أنه تابعه من هو أوثق منهما جميعًا: يزيد بن زريع، وهو حافظ ثقة ثبت متقن، وله رواية عن المدنيين، ثم قد توبع عبدالرحمن بن أبي عتيق على هذا الوجه -كما سبق-؛ تابعه محمد بن إسحاق، فرواه عن ابن أبي عتيق الأب عن عائشة، وهذا يؤيد هذا الوجه ويقويه.
وقد ذكر الدارقطني رواية داود بن الزبرقان، ولم يتعرض لرواية سليمان بن بلال، وقال: (وليس هو بمحفوظ)، وقال: (وذكر القاسم فيه غير محفوظ)[8]، وهذا هو الراجح، وربما كان الخطأ ممن دون سليمان بن بلال لا منه، خاصة أن هذا الإسناد فردٌ في طبقات متأخرة، فورود الخطأ عليه قوي.
4- طريق عيسى بن ميمون عن القاسم:
وفي إسنادها من لم أعرفه، وعيسى بن ميمون منكر الحديث، وأنكروا عليه أحاديث عن القاسم خاصة، وهذا الحديث من مناكيره عنه، وقد قرن بالقاسم: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهذان إسنادان من أصح الأسانيد عن عائشة، لا يحتمل أن يقرنهما هذا الراوي.
ج- رواية عبيد بن عمير عن عائشة:
جاءت من طريق ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير، به.
ورواه معمر، عن رجل، عن عبيد بن عمير قوله.
ورواه نعيم بن عمر، عن عبيد بن عمير، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً.
وفي كل هذه الروايات -على اختلافها- ضعف.
فأما رواية ابن جريج؛ فلم أجده صرح فيها بالتحديث، وهو مشهور بالتدليس، كما أن طبقة عثمان بن أبي سليمان متأخرة عن إدراك عبيد بن عمير، وغالب شيوخ عثمان ممن توفي بعد سنة تسعين، أما عبيد بن عمير فمن كبار التابعين، وقد توفي سنة ثمان وستين، وعثمان بن أبي سليمان يدخل واسطة بينه وبين عبيد بن عمير[9]، ففي الإسناد انقطاع.
ورواية معمر فيها الرجل المبهم.
ولم أعرف نعيم بن عمر راوي الوجه الثالث، وقد ترجمه البخاري في تاريخه، فذكر روايته هذه فحسب.
د- رواية عروة عنها:
جاءت من طريق إسماعيل بن عياش وعيسى بن ميمون عن هشام بن عروة، عن أبيه، به، وسبق بيان حال عيسى بن ميمون وروايته، وأما رواية إسماعيل بن عياش؛ فرواها عنه عبدالوهاب بن الضحاك، وهو متروك مكذَّب متهم بالوضع.
هـ- رواية أم عبدالله عن عائشة:
جاءت من طريق خالد بن يحيى السعيدي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن أم عبدالله، به، ولم أتبين بالدقة خالد بن يحيى هذا، وروايته منكرة؛ لمخالفته الأثبات -ممن سبق ذكرهم- الذين رووه عن ابن إسحاق، عن ابن أبي عتيق، عن عائشة.
و- رواية عمرة عنها:
جاءت من طريق عبدالله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عمرة، به، قال الدارقطني: (ولم يتابع عليه)[10]، يعني: ابن إدريس، وقال البيهقي: (كذا قال، والصواب: عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن محمد بن أبي عتيق[11]، عن عائشة)[12].
3- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أخرجهأحمد (2/108)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/57، 58، 37/409) من طريق السراج، كلاهما عن قتيبة بن سعيد، والطبراني في الأوسط (3113) -وعنه أبو نعيم في السواك، كما في الإمام (1/336)- من طريق عبدالله بن يوسف، والطبراني في الأوسط (3113) من طريق شعيب بن يحيى، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/57) من طريق كامل بن طلحة، أربعتهم -قتيبة وعبدالله بن يوسف وشعيب وكامل- عن عبدالله بن لهيعة، عن عبيدالله بن أبي جعفر، وأبو طاهر السلفي في معجم السفر (613) من طريق عمرو بن أحمد بن بديل، عن عبدالملك بن قريب الأصمعي، عن مالك،كلاهما -عبيدالله بن أبي جعفر ومالك- عن نافع، وابن عدي في الكامل (6/277) من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/6) من طريق ميسرة بن علي، عن علي بن أبي طاهر، عن إسماعيل بن توبة، عن إسماعيل بن جعفر، عن عبدالله بن دينار، ثلاتثتهم -نافع ونعيم وعبدالله بن دينار- عن عبدالله بن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالسواك، فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب»، لفظ أحمد عن قتيبة.
دراسة الأسانيد:
أ- طريق نافع عن ابن عمر:
وقد جاء عنه من روايتين:
الأولى: رواية ابن لهيعة، عن عبيدالله بن أبي جعفر، عن نافع، به، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف مطلقًا -على الراجح-، ورواية العبادلة أقل ضعفًا من غيرها، والجميع ضعيف، وقد تفرد به عبيدالله بن أبي جعفر عن نافع[13]، وهذا التفرد بهذا الإسناد الضعيف منكر، فنافع ممن يجمع حديثه، وأصحابه المقدَّمون فيه كثر، لم يأتِ عن أحدٍ منهم روايةٌ للحديث عنه.
الثانية: رواية الأصمعي، عن مالك، عن نافع، وهذه رواها السِّلَفي بإسناد مليء بالمجاهيل، وهي منكرة جدًّا عن مالك، وصحيحُ حديثِ مالكٍ أشهرُ من أن ينفرد به هذا الإسناد.
ب- طريق نعيم المجمر عن ابن عمر:
قال ابن عدي: (وهذا لا أعرفه إلا من رواية محمد بن معاوية عن الليث)، ومحمد بن معاوية متروك منكر الحديث، وبعض الأئمة كذَّبه.
ج- طريق عبدالله بن دينار عن ابن عمر:
وهذه رجالها عن آخرهم ثقات، لكن في الإسناد نكارة؛ لشدة الفردية فيه من أوله إلى آخره، وإسناد جليل عن ابن عمر كهذا الإسناد، ينفرد به ابن عساكر (في القرن السادس)، ولا تأتي متابعة له في أي طبقة من طبقات الإسناد= هو إسناد منكر، لا بد أن يكون دخل فيه الخطأ والوهم في إحدى طبقاته، وربما دخل حديث في حديث على بعض الرواة، فركَّب إسناد ذاك على ذا، وربما كان الخلل فيه من إسماعيل بن توبة، فإنه لم يذكر بمزيد حفظ. والله أعلم.
4- تخريج حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/396)، والطبراني في الكبير (11/428) من طريق خليفة بن خياط، عن حباب بن عبدالله الدارمي[14]، عن يعقوب بن إبراهيم بن حنين، عن أبيه، عن جده -وهو عبدالله بن حنين-، والبزار -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/333) من طريق الربيع بن بدر، عن ابن جريج، وابن عدي في الكامل (3/60) -ومن طريقه البيهقي في الشعب (2521)- من طريق بقية، عن الخليل بن مرة، كلاهما عن عطاء، والطبراني في الأوسط (7496) من طريق بحر السقاء، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، ثلاثتهم -عبدالله بن حنين وعطاء والضحاك- عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالسواك، فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب»، لفظ عطاء، وزيدت فيه ألفاظ عند ابن عدي، وقال الضحاك: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ومجلاة للبصر»، وقال حنين: «السواك يطيب الفم ويرضي الرب».
دراسة الأسانيد:
أ- رواية عبدالله بن حنين عن ابن عباس:
وقد رواه حباب بن عبدالله الدارمي، عن يعقوب بن إبراهيم بن عبدالله بن حنين، عن أبيه، عن جده، وحباب بيض له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل[15]، وذكره أصحاب المؤتلف والمختلف[16]، ولم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً، ويعقوب بن إبراهيم ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، وذكرا له حديثين أحدهما هذا[17]، وذكره ابن حبان في ثقاته[18]، فهذان المجهولان هما علة الحديث وسبب ضعفه.
ب- رواية عطاء عن ابن عباس:
وجاء عن عطاء من طريقين:
الأولى: طريق الربيع بن بدر، عن ابن جريج، عن عطاء، والربيع -وهو الملقب بعليلة- واهٍ متروك الحديث،
الثانية: طريق بقية، عن الخليل بن مرة، عن عطاء، وفيها علل:
إحداها: أنه قد رواه عن بقية: محمد بن أبي السري، وهو كثير الغلط والوهم[19].
العلة الثانية: أن بقية مدلس، وما صرح بالتحديث.
الثالثة: قال البيهقي: (وهو مما تفرد به الخليل بن مرة، وليس بالقوي في الحديث)، وحق الخليل أشد من هذا، فقد قال فيه البخاري: (منكر الحديث).
وهذ يبين أن رواية عطاء عن ابن عباس جاءت من طريقين منكرين.
ج- رواية الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس:
وجاء عن الضحاك من طريق بحر بن كنيز السقاء، عن جويبر بن سعيد، عنه، وبحر بن كنيز ضعيف جدًّا، ومثله جويبر، وخص الأئمة بالنكارة ما رواه جويبر عن الضحاك مرفوعًا، وهذا الحديث من ذلك، فالحديث واهٍ جدًّا.
5- تخريج حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (289) من طريق محمد بن شعيب، والطبراني في الكبير (8/262) من طريق الوليد بن مسلم، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/280) من طريق صدقة بن خالد، ثلاثتهم عن عثمان بن أبي العاتكة، والروياني (1220) من طريق ابن وهب، والطبراني في الكبير (8/248) من طريق سعيد بن أبي مريم، كلاهما عن يحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن زحر، وأبو عروبة الحراني في جزئه -برواية الأنطاكي- (73) من طريق أبي عبدالرحيم، ثلاثتهم -عثمان وابن زحر وأبو عبدالرحيم- عن علي بن يزيد، والطبراني في الكبير (8/210) ومسند الشاميين (888) من طريق بقية، عن إسحاق بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن الحارث، كلاهما -علي بن يزيد ويحيى بن الحارث- عن القاسم، عن أبي أمامة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك، حتى لقد خشيت أن يفرض عليَّ وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي»، لفظ ابن ماجه، وللبقية نحوه، واختصره بعضهم، ولفظ الوليد بن مسلم عن ابن أبي العاتكة، وعبيدالله بن زحر، وأبي عبدالرحيم، عن علي بن يزيد: «السواك مطيبة للفم...».
دراسة الأسانيد:
جاء الحديث عن القاسم عن أبي أمامة من طريقين:
الأولى: رواية علي بن يزيد، وعنه عثمان بن أبي العاتكة، وعبيدالله بن زحر، وأبو عبدالرحيم، وهو خالد بن أبي يزيد الحراني، وقد دلَّس أبو عبدالرحيم أو من دونه عليَّ بن يزيد، فقال: عن أبي عبدالملك، عن القاسم، وأبو عبدالملك هو علي بن يزيد.
وعلي بن يزيد هذا هو الألهاني، وهو ضعيف، قال الجوزجاني: (رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التى يرويها عنه عبيدالله بن زحر وابن أبي العاتكة، ثم رأيت جعفر بن الزبير وبشر بن نمير يرويان عن القاسم أحاديثَ تشبه تلك الأحاديث...، وأظننا أُتِينا من قبل علي بن يزيد...)[20]، وهذا الحديث من هذا الضرب، فقد رواه ابن زحر وابن أبي العاتكة عن علي بن يزيد، وتابعهما خالد بن بن أبي يزيد الحراني، وهو ثقة، إلا أن النكارة من علي بن يزيد، قال ابن معين: (علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة هي ضعاف كلها)، وكذلك قال أبو حاتم الرازي ، وقد شدد بعض الأئمة في تضعيف علي بن يزيد، والظاهر أنه منكر الحديث.
الثانية: رواية يحيى بن الحارث، رواه بقية عن إسحاق بن مالك الحضرمي عنه، قال الأزدي في إسحاق بن مالك: (ضعيف)، وذكر له هذا الحديث، وقال: (لا يصح هذا)[21]، وقال ابن القطان في حديثٍ: (إسحاق بن مالك هذا لا يعرف حاله، وبقية غير مقبول الرواية، لا سيما عمن لا يعرف)[22]، وقد نص الأئمة على أن بقية إذا روى عن المجاهيل وغير المعروفين أتى بالمناكير، ثم إن بقية مدلس، ولم يصرح هنا بالتحديث. فهذه الرواية منكرة.
6- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن حبان (1070) من طريق عبدالقدوس بن محمد بن عبدالكبير، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن عبيدالله بن عمر، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالسواك، فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب -عز وجل-».
دراسة الإسناد:
في هذا الإسناد مخالفة لما رواه جمعٌ من الأثبات عن حماد بن سلمة على الوجه الذي سبق في حديث عائشة، وذلك الوجه أرجح وأقوى، وعبدالقدوس بن محمد بن عبدالكبير راوي هذا الوجه صدوق، فربما كان هو الواهم فيه.
وإن صحت هذه الراوية عن حماد، فهي دليل يُضاف إلى ما سبق ذكره من أن الرواية عن حماد على غير وجه تدل على عدم ضبطه لحديثه، وعلى أن رواية من خالفه أصح وأقوى.
وقد أعلَّ حديثَ أبي هريرة هذا ابنُ حجر من وجهين، قال: (والمحفوظ عن حماد بغير هذا الإسناد: من حديث أبي بكر كما تقدم، والمحفوظ عن عبيدالله بن عمر بهذا الإسناد: بلفظ «لولا أن أشق...»، رواه النسائي وابن حبان)[23].
7- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/336) من طريق هشام بن سليمان، عن يزيد الرقاشي، وفي السواك -كما في الإمام (1/336، 337)- من طريق داود بن الزبرقان، عن داود بن جحادة[24]، عن محمد بن المنكدر، والديلمي في الفردوس -كما نقله الشيخ الألباني في الضعيفة (9/21)- من طريق كنانة بن جبلة، عن بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن أبيه، وكذلك من طريق عمرو بن جميع، عن أبان، أربعتهم -الرقاشي وابن المنكدر وعمرو والد ضرار وأبان- عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».
دراسة الأسانيد:
أ- رواية الرقاشي عن أنس:
الرقاشي منكر الحديث خاصة عن أنس.
ب- رواية محمد بن المنكدر عن أنس:
فيها داود بن الزبرقان، متروك منكر الحديث -كما سبق في رواية عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عتيق عن القاسم عن عائشة-.
ج- رواية ضرار بن عمرو عن أبيه عن أنس:
فيها كنانة بن جبلة، اتهمه ابن معين بالكذب[25]، وضرار بن عمرو منكر الحديث[26].
د- رواية أبان عن أنس:
فيها عمرو بن جميع، متروك الحديث منكرُهُ، كذبه بعض الأئمة[27].
والله أعلم.
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
[1] وكذلك سماه المزي -في تهذيب الكمال (7/43)-، وربما كان هو عباد بن محمد بن عباد؛ إذ له روايات عن يزيد بن أبي حكيم عن الثوري أيضًا، انظر: تاريخ أصبهان (2/325)، التمهيد (9/135، 168).
[2] تاريخ الإسلام (وفيات 281-290، ص196)، أفاده الشيخ نايف بن صلاح المنصوري في مراسلة خاصة، وقد سقطت ترجمة هذا الراوي من كتابه (إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني)، فتستدرك.
[3] انظر: المعجم الأوسط (4881)، المعجم الكبير (23/264)، سنن البيهقي الكبرى (5/284)، سنن البيهقي الصغرى (3633).
[4] العلل (14/421).
[5] وقد أخرجها أبو نعيم في السواك -كما في الإمام (1/335)- من طريق سليمان بن بلال، ولم ينقل ابن دقيق العيد إسناد أبي نعيم إلى سليمان.
[6] السنن (1/34).
[7] معرفة السنن والآثار (1/259).
[8] العلل (14/422).
[9] انظر: المسند الجامع (5774).
[10] العلل (14/421).
[11] ابن أبي عتيق هنا منصرفة إلى عبدالله، وأما محمد فهو أبو عتيق -كما نبه عليه غير واحد-.
[12] شعب الإيمان (4/282).
[13] ومتابعته الآتية لا اعتبار لها.
[14] وقع في التاريخ الكبير: (حمران بن عبدالله الدارمي، قال: نا يعقوب...)، ونقل ابن أبي حاتم -في بيان خطأ البخاري (ص141)- أن في التاريخ: (محمد بن عمران عن يعقوب...)، وصوَّب أبو زرعة وأبو حاتم أنه: حباب بن عبدالله الدارمي، وعلى الصواب جاءت رواية الطبراني.
[15] (3/302).
[16] المؤتلف والمختلف، للدارقطني (1/478، 479)، الإكمال، لابن ماكولا (2/141).
[17] الموضع المخرَّج منه من التاريخ الكبير، الجرح والتعديل (9/201).
[18] (7/643).
[19] كما سبق في الحديث (32) -مرسل عبيد بن رحي-.
[20] تهذيب الكمال (21/180).
[21] لسان الميزان (1/370).
[22] بيان الوهم والإيهام (3/557).
[23] التلخيص الحبير (1/60).
[24] كذا، ورجح المحقق أن صوابه: محمد بن جحادة.
[25] لسان الميزان (4/490).
[26] انظر: المجروحين (1/380)، لسان الميزان (3/202).
[27] انظر: لسان الميزان (4/358).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
(1/150، 151) ("لغير صائم بعد الزوال" فيكره، فرضًا كان الصوم أو نفلاً...؛ لحديث: «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي»، أخرجه البيهقي عن علي -رضي الله عنه-).
جاء من حديث علي وخباب ومن قول أبي هريرة:
1- تخريج حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن معين في تاريخه برواية الدوري (2037) -ومن طريقه الدولابي في الكنى (2/41) والبيهقي (4/274)- عن علي بن ثابت، والبزار (2137) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، والطبراني في الكبير (4/78) من طريق محمد بن الخليل المخرمي، والدارقطني (2/204) -ومن طريقه البيهقي في السنن (4/274) ومعرفة السنن (6/333)- من طريق محمد بن أحمد بن السكن، ثلاثتهم عن عبدالصمد بن النعمان، كلاهما -علي بن ثابت وعبدالصمد بن النعمان- عن كيسان أبي عمر، عن يزيد بن بلال، عن علي، قال: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نورًا بين عينيه يوم القيامة)، لفظ عبدالصمد بن النعمان، وقال علي بن ثابت: (لا يستاك الصائم بالعشي، ولكن بالليل، فإن يبوس شفتي الصائم نور بين عينيه يوم القيامة). وهو في الروايات موقوف على علي، إلا في رواية البزار، فإنه مرفوع.
دراسة الإسناد:
الصحيح في الحديث وقفه؛ لأنه رواية الأكثر، وأما الرفع فخطأ.
وقد قال الدارقطني عقب الحديث: (كيسان أبو عمر ليس بالقوي، ومَنْ بينه وبين عليٍّ غير معروف)، وهو يقصد يزيد بن بلال، ويزيد هذا قد وثقه العجلي[1]، وقال فيه البخاري: (فيه نظر)، وقال ابن حبان: (منكر الحديث، يروي عن علي ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)[2]، وقال الأزدي: (منكر الحديث، لا يشتغل بحديثه)[3].
وكيسان ضعفه أحمد وابن معين والساجي والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات.
فأثر عليٍّ -رضي الله عنه- منكر.
2- تخريج حديث خباب بن الأرت -رضي الله عنه-:
أخرجه البزار (2138)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/88) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2/89)-، من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، والطبراني في الكبير (4/78) من طريق محمد بن الخليل المخرمي، والدارقطني (2/204) -ومن طريقه البيهقي في السنن (4/274) ومعرفة السنن (6/333)- من طريق محمد بن أحمد بن السكن، ثلاثتهم عن عبدالصمد بن النعمان، عن كيسان أبي عمر، عن عمرو بن عبدالرحمن، عن خباب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نورًا بين عينيه يوم القيامة). إلا أن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال عن عبدالصمد بن النعمان: عن كيسان، عن يزيد بن بلال، عن خباب.
دراسة الإسناد:
قال البزار: (ولا نعلم يروى هذا الكلام عن خباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد)، وكيسان راويه هو راوي أثر علي السابق، وقد تفرد به وبهذا الحديث، ولا يحتمل من مثله روايتهما.
فحديث خباب منكر أيضًا، بل قال الذهبي: (ما أراه إلا باطلاً)[4].
3- تخريج أثر أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه الدارقطني (2/203) -ومن طريقه البيهقي (4/274)- من طريق عمر بن قيس، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: لك السواك إلى العصر، فإذا صليت العصر فألقه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
دراسة الإسناد:
فيه عمر بن قيس سندل، متروك الحديث منكَرُهُ، وكان يروي عن عطاء خاصةً البواطيل، والحديث روي من طرق عن أبي هريرة، ليس في أحدها قوله هذا.
قال ابن عبدالهادي: (هذا إسنادٌ غير قوي)[5]، وقال ابن الملقن: (وقد روي عن أبي هريرة خلاف هذا؛ قال ابن أبي شيبة في المصنف: ثنا وكيع، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي هريرة؛ سئل عن السواك للصائم، فقال: «أدميت فمي اليوم مرتين»، وهذا سندٌ حسن، إلا أنه مرسل. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة)[6].
40-(1/155، 156) ("ويَدَّهِنُ" استحبابًا "غِبًّا": يومًا يدَّهن، ويومًا لا يدَّهن؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الترجل إلا غبًّا، رواه النسائي والترمذي وصححه).
1- تخريج حديث عبدالله بن المغفل -رضي الله عنه-:
أخرجه محمد بن عبدالله الأنصاري في حديثه (54) -ومن طريقه الطبراني في الأوسط (2436) وأبو نعيم في الحلية (6/276) ومعرفة الصحابة (4517) والبيهقي في شعب الإيمان (6048) والآداب (697) وابن عبدالبر في التمهيد (22/138) والديلمي في الفردوس (2/ق50-زهر الفردوس) والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/362، 363)-، وأحمد (4/86)، وأبو داود (4161) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (5/53)-، والحربي في غريب الحديث (2/415، 609)، كلاهما عن مسدد، والترمذي في السنن (1756) والشمائل (35) -ومن طريقه فيها البغوي في شرح السنة (12/83)-، والروياني (870)، كلاهما عن محمد بن بشار بندار، وابن حبان (5484) من طريق سهل بن صالح، وابن عبدالبر في التمهيد (24/11) والاستذكار (27/78) من طريق علي بن المديني، خمستهم -أحمد ومسدد وبندار وسهل بن صالح وابن المديني- عن يحيى بن سعيد القطان، والترمذي (1756)، والنسائي في الصغرى (8/132)[7] والكبرى (9264)، كلاهما عن علي بن خشرم، عن عيسى بن يونس، والروياني (870) عن بندار، عن ابن أبي عدي، وعلقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/1781) عن زائدة، خمستهم -الأنصاري والقطان وعيسى بن يونس وابن أبي عدي وزائدة- عن هشام بن حسان، والطبراني في الأوسط (7557) من طريق حبان بن هلال، وابن عدي في الكامل (1/257) من طريق إبراهيم بن زكريا العجلي، كلاهما عن مجاعة بن الزبير، كلاهما -هشام بن حسان ومجاعة- عن الحسن، عن عبدالله بن مغفل، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الترجل إلا غبًّا، لفظ أحمد، وقال الديلمي من طريق الأنصاري: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الترجل غبًّا فصاعدًا»، وقال مجاعة -في رواية الطبراني- عن الحسن: «لا يترجل الرجل إلا غبًّا: أربعًا أو خمسًا».
وأخرجه ابن أبي شيبة (25559) من طريق سعيد بن أبي عروبة، والنسائي في الصغرى (8/132) والكبرى (9265) من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن قتادة، وابن أبي شيبة (25557) من طريق أبي خزيمة، كلاهما -قتادة وأبو خزيمة- عن الحسنقال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الترجل إلا غبًّا؛ لفظ ابن أبي شيبة في الموضعين، مرسلاً.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4/157) عن عفان، عن جويرية بن أسماء، عن عبدالرحمن السراج، والنسائي في الصغرى (8/132) والكبرى (9266) من طريق يونس بن عبيد، كلاهما عن الحسن -زاد يونس: ومحمد- قالا: الترجل غبٌّ، لفظ يونس، وقال السراج: كان الحسن يكره الترجل كل يوم، جعلاه من قول الحسن ورأيه.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذا الحديث عن الحسن:
• فرواه هشام بن حسان عنه، عن عبدالله بن مغفل، مرفوعًا. وقد تُكُلِّم في رواية هشام بن حسان عن الحسن البصري، ونفى غير واحد من أصحاب الحسن أنهم رأوه عنده، وروي عن جرير بن حازم قال: (قاعدت الحسن سبع سنين، ما رأيت هشامًا عنده قط)، قيل له: يا أبا النضر، قد حدَّثَنا عن الحسن بأشياء ورويناها عنه، فعمّن تراه أخذها؟ قال: (أراه أخذها عن حوشب[8])، وقال ابن المديني: (كان الناس يرون أنه أخذ حديث الحسن عن حوشب)، وقال: (وحديثه عن الحسن عامتها تدور على حوشب)، وقال أبو داود: (إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء لأنه كان يرسل، وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب)، إلا أن هشامًا قد صرح بسماعه من الحسن في رواية أحمد، وبالتحديث في رواية الروياني عن بندار، وابن عبدالبر من طريق علي بن المديني، ثلاثتهم عن يحيى القطان، عن هشام، ويشكل على هذا التصريح ما صحَّ عن سفيان بن حبيب، قال: (ربما سمعت هشام بن حسان يقول: "سمعت عطاء..."، وأجيء بعد ذلك، فيقول: "حدثني الثوري وقيس عن عطاء..."؛ هو ذاك نفسه، فقلت له: اثبُتْ على أحدهما! فصاح بي).
وللأئمة كلمات في تضعيف رواية هشام عن الحسن مطلقًا؛ دون نسبة ذلك إلى أخذه عن حوشب عنه، قال ابن علية: (كنا لا نعد هشام بن حسان في الحسن شيئًا)، وقال معاذ بن معاذ: (كان شعبة يتقي حديث هشام بن حسان عن عطاء ومحمد والحسن)، وقال يحيى القطان: (هو عندي في الحسن دون محمد بن عمرو)[9]، وقد جعله علي بن المديني في الطبقة الخامسة أو السادسة من أصحاب الحسن، قال: (... وأبو حرة وهشام بن حسان في الحسن طبقة)[10]، وأبو حرة هذا هو واصل بن عبدالرحمن، وثق وضعف، وقال البخاري: (يتكلمون في روايته عن الحسن)، وذكر غير واحد أن ذلك لأنه لم يسمع من الحسن إلا حديثًا أو أحاديث معدودة.
وكل هذا يفيد ضعفًا في رواية هشام بن حسان عن الحسن، وقد خالف في ذلك ابنُ عيينة، فقال -فيما رواه عنه نعيم بن حماد-: (كان هشام أعلم الناس بحديث الحسن)، وقول أئمة النقد مقدَّم على هذا، خاصة مع الضعف الذي في نعيم بن حماد.
وقد توبع هشامٌ عليه، حيث جاءت رواية عن مجاعة بن الزبير عن الحسن، ورواها عن مجاعة اثنان:
أحدهما: إبراهيم بن زكريا، وهو ضعيف صاحب مناكير وأغاليط[11]،
والآخر: حبان بن هلال، ثقة ثبت، قال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن مجاعة إلا حبان بن هلال)، ولعله فاتته رواية إبراهيم بن زكريا السابقة، أو لم يعتبر بها؛ لضعف إبراهيم، والإسناد إلى حبان ظاهره الحسن، وإن كان انفراد الطبراني به في هذا الكتاب، وتفرُّد شيخه محمد بن عاصم الأصبهاني به -وقد ذُكر بالفقه، ولم يذكر بمزيد تثبت وحفظ[12]-= قد يحدث شكًّا في صحة هذه الرواية.
ومجاعة كان شعبة يُسأل عنه، وكان لا يجترئ عليه؛ لأنه كان من العرب، وكان يقول: (هو خير الصوم والصلاة)، قال ابن أبي حاتم -تعليقًا على هذا-: (كان يحيد عن الجواب فيه، ودلَّ حيدانه عن الجواب على توهينه)[13]، وقال فيه عبدالصمد: (كان نحو الحسن بن دينار)[14]، والحسن بن دينار متروك، وقال أحمد: (لم يكن به بأس في نفسه)[15]، وضعفه الدارقطني، وقال ابن خداش: (ليس مما يعتبر به)[16].
• وخالف الاثنين (هشامًا ومجاعةَ) عن الحسن: قتادة، رواه عن الحسن، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وقد قال أبو زرعة: (قتادة من أعلم أصحاب الحسن)، وقال أبو حاتم: (أكبر أصحاب الحسن قتادة)، وحفظ قتادة وثقته أشهر من أن ينوَّه بهما، وتابعه أبو خزيمة صالح -أو: نصر- بن مرداس العبدي، وهذا قال فيه أبو حاتم: (ليس به بأس)[17]، وذكره ابن حبان في الثقات.
• ورواه يونس بن عبيد عن الحسن قوله، ويونس قدَّمه أبو زرعة على قتادة وهشام بن حسان معًا في الحسن، قال: (يونس بن عبيد أحب إليَّ في الحسن من قتادة؛ لأن يونس من أصحاب الحسن، وقتادة ليس من أقران يونس، ويونس أحب إليَّ من هشام بن حسان)، وقدَّمه أبو حاتم على هشام بن حسان في الحسن.
وتابع يونسَ: عبدالرحمن السراج، رواه عن الحسن من رأيه، وعبدالرحمن ثقة.
وظاهرٌ أن قتادة ويونس بن عبيد يتنازعان التقديم في الحسن، وتوبعا متابعتين جيدتين، بينما هشام بن حسان متأخر عنهما في الدرجة، وتوبع متابعة ضعيفة.
ولذا فروايتهما مُعِلَّة لرواية هشام، وما رواه هشام خطأٌ منه، وهذا ما يشير إليه النسائي؛ حيث أخرج رواية هشام، ثم أعقبها برواية قتادة ويونس، وصرَّح به الذهبي، قال: (وله علة؛ فقد رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن مرسلاً، ورواه بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن وابن سيرين قولهما، وهذا أقوى)[18].
والظاهر أن لا اختلاف يوجب الترجيح بين وجهَيْ قتادة ويونس، فأما ما رواه قتادة؛ فهو ما عند الحسن من روايةٍ في الباب، وأما رواه يونس؛ فرأيه، والله أعلم.
تنبيه: لفظ الديلمي من طريق الأنصاري منكر، فقد تتابع الأئمة على روايته من طريق الأنصاري بلفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الترجل إلا غبًّا، ومثل ذلك زيادة مجاعة: أربعًا أو خمسًا، فإنها لم تأتِ إلا من طريقه، وسبق ضعفه.
2- تخريج حديث رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنه-:
أخرجه النسائي في الصغرى (8/132) والكبرى (9267) عن إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، وابن عبدالبر في التمهيد (24/11) والاستذكار (27/78، 79) من طريق سعيد بن سليمان، عن عبدالله بن المبارك، كلاهما عن كهمس بن الحسن، عن عبدالله -قال خالد بن الحارث: بن شقيق، وقال ابن المبارك: بن بريدة-، قال: كان رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم عاملاً بمصر، فأتاه رجل من أصحابه، فإذا هو شعث الرأس مشعان، قال: ما لي أراك مشعانًا وأنت أمير؟ قال: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم. لفظ خالد بن الحارث، وقال ابن المبارك: عن ابن بريدة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا عن الإرفاه. قلنا لابن بريدة: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم.
وأخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/60) -ومن طريقه الحارث في مسنده (569-بغية الباحث)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (3/292)-، والنسائي في الصغرى (8/185) والكبرى (9268) عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وعلقه البيهقي في الشعب (8/431) عن زهير بن حرب، ثلاثتهم -أبو عبيد والدورقي وزهير- عن إسماعيل بن علية، وأحمد (6/22)، وأبو داود (4162) -ومن طريقه البيهقي في الشعب (6049)- عن الحسن بن علي، كلاهما -أحمد والحسن- عن يزيد بن هارون، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2929)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7238) من طريق الحسن بن سفيان، كلاهما عن إبراهيم بن الحجاج، والبيهقي في الشعب (6050) والآداب (698) من طريق سليمان بن حرب، كلاهما عن حماد بن سلمة، ثلاثتهم -ابن علية ويزيد وحماد- عن الجريري، عن عبدالله بن بريدة، أن رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن كثير من الإرفاه، سئل ابن بريدة عن الإرفاه قال: منه الترجل. لفظ يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية، ونحوه لحماد بن سلمة، وزاد يعقوب عن ابن علية: يقال له: عبيد، يعني: الصحابي، وزاد حماد بن سلمة أن الرجل كان يمشي حافيًا ولا يدَّهن، فقيل له في ذلك: أنت أمير الناس تمشي حافيًا ولا تدَّهن؟! فذكره، وزاد تفسير الإرفاه بالترجل كل يوم -أدرجه في الرواية-، وقال: وكان يأمرنا أن نحتفي أحيانًا، إلا أن أبا عبيد أرسله عن ابن علية، فجعله عن عبدالله بن بريدة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وزاد تفسير الإرفاه عن الجريري بأنه كثرة التدهُّن، ولم يذكر زهير بن حرب عن ابن علية إلا الاحتفاء، قال: ... عن عبدالله بن بريدة أن رجلاً سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا، وقد سمعه معه رجل يقال له: عبيد، فأتاه فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا بالاحتفاء.
وقال يزيد بن هارون: ... عن عبدالله بن بريدة أن رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر، فقدم عليه وهو يمد ناقة له، فقال: إني لم آتك زائرًا، إنما أتيتك لحديثٍ بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجوت أن يكون عندك منه علم، فرآه شعثًا، فقال: ما لي أراك شعثًا وأنت أمير البلد؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، ورآه حافيًا، فقال: ما لي أراك حافيًا؟ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن نحتفي أحيانًا. لفظ أحمد عن يزيد، جعله من مسند فضالة بن عبيد.
دراسة الأسانيد:
جاء هذا الحديث عن كهمس والجريري، واختُلف عنهما:
أ- الخلاف على كهمس:
اختُلف عنه على وجهين:
• فرواه خالد بن الحارث عنه، عن عبدالله بن شقيق، عن رجل من الصحابة.
• ورواه عبدالله بن المبارك عنه، عن عبدالله بن بريدة، عن رجل من الصحابة.
وخالد وابن المبارك ثقتان ثبتان حافظان، وكهمس الذي اختلفا عليه ثقة له أوهام، والظاهر أنه وهم لما حدَّث به خالدَ بن الحارث، فذكر عبدالله بن شقيق، وأصاب لما حدث به ابنَ المبارك، بدليل متابعة الجريري له:
ب- الخلاف على الجريري:
اختُلف عنه:
فرواه عنه ابن علية، واختُلف عنه:
• فرواه يعقوب الدورقي وزهير بن حرب عنه، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن رجل من الصحابة.
• ورواه أبو عبيد عن ابن علية، عن الجريري، عن ابن بريدة، مرسلاً.
ويعقوب الدورقي ثقة حافظ، وتابعه أبو خيثمة زهير بن حرب -إن صح عنه؛ إذ لم أجد روايته موصولة-، وأبو خيثمة ثقة ثبت حافظ، والظاهر أن أبا عبيد قصَّر به؛ لحال كتابه في غريب الحديث، فإنه ليس من مقاصده المهمة ذكر الأسانيد، وإنما يهتم بذكر المتون ذات الألفاظ الغريبة، ثم يفسرها. ولذا فرواية الوصل صحيحة.
وقد سمَّى ابنُ علية عن الجريري الصحابيَّ: عبيدًا.
• وتابع ابنَ علية على رواية الوصل: حمادُ بن سلمة، ولم يسمِّ الصحابي.
• ورواه يزيد بن هارون، عن الجريري، عن ابن بريدة، فجعله عن فضالة بن عبيد.
والجريري هو سعيد بن إياس، ثقة، وقد اختلط قبل موته، قال العجلي: (روى عنه في الاختلاط: يزيدُ بن هارون وابن المبارك وابن أبي عدي، وكلُّ ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، إنما الصحيح عنه: حماد بن سلمة والثوري وشعبة وابن علية...)، وقال أبو داود: (أرواهم عن الجريري: إسماعيل بن علية)، وقد جاء عن يزيد بن هارون ما يفيد أنه سمع من الجريري وقد قيل له: إنه اختلط.
وهذا يبيِّن أن الصواب ما اجتمع عليه إسماعيل بن علية وحماد بن سلمة، وأن في رواية يزيد بن هارون وهمًا من حيث جعله الحديثَ من مسند فضالة بن عبيد، ويؤيد هذا أن كهمسًا تابع الجريريَّ على هذا الوجه -كما سبق-.
وتسمية الصحابي: عبيدًا زاده إسماعيل بن علية، وهو ثقة حافظ أرواهم عن الجريري، فتقبل زيادته لذلك. وقد خطَّأ المزي هذه التسمية، قال: (وهو وهم، والصواب: فضالة بن عبيد)[19]، واعتمد المزي في ذلك على رواية يزيد بن هارون؛ وقد سبق أن يزيد روى عن الجريري بعد الاختلاط، وأن تسمية فضالة بن عبيد إنما هي من اختلاط الجريري، والصواب في اسمه ما رواه ابن علية: عبيد.
وإسناد الحديث حسن إن كان ابن بريدة سمع الحديث من الصحابي الذي ذكره عنه، إذ لم أجده صرح بسماعه منه.
يتلوه -بعون الله- تخريج بقية أحاديث الباب.
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
[1] معرفة الثقات (2/360).
[2] المجروحين (3/105).
[3] تنقيح التحقيق (3/242).
[4] تنقيح التحقيق (1/379).
[5] تنقيح التحقيق (3/242).
[6] البدر المنير (2/37).
[7] وقع فيها اسم شيخ النسائي: علي بن حجر، وكذلك وقع في نسخة أبي القاسم ابن عساكر، والتصويب من تحفة الأشراف (7/174)، ويدل عليه رواية السنن الكبرى.
[8] هو حوشب بن مسلم الثقفي، قال أبو داود: (من كبار أصحاب الحسن)، ولعل المراد: من قدمائهم، لا أنه مُقدَّم فيه تثبتًا وحفظًا، وقال الأزدي: (ليس بذاك)، وذكره ابن حبان في الثقات.
[9] بعقب كلمة القطان هذه -في الجرح والتعديل (9/55)-: (يعني: الواقفي الأنصاري)، وهذا التفسير من ابن المديني أو ابن أبي حاتم، ومحمد بن عمرو الواقفي هذا كان يحيى بن سعيد يضعفه جدًّا.
[10] المعرفة والتاريخ، ليعقوب الفسوي (2/53).
[11] انظر: الجرح والتعديل (2/101)، ضعفاء العقيلي (1/54)، الكامل (1/256)، لسان الميزان (1/58).
[12] انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص563، 564).
[13] مقدمة الجرح والتعديل (ص154).
[14] الكامل، لابن عدي (6/425).
[15] الجرح والتعديل (8/420)، والظاهر من عبارة أحمد أن قصده: الصلاح والتقوى، لا الضبط والحفظ.
[16] انظر: لسان الميزان (5/16).
[17] الجرح والتعديل (4/414)، وكرره ابن أبي حاتم (8/471) باسم: نصر بن مرداس، ونقل فيه قول أبيه: (لا بأس به).
[18] سير أعلام النبلاء (6/363).
[19] تحفة الأشراف (7/226)، تهذيب الكمال (19/254، 255)، قال مغلطاي -في إكمال تهذيب الكمال (9/108)-: (وأما قول المزي:...؛ فهو كله كلام ابن عساكر، لا مدخل للمزي في شيء منه، أغار عليه، وترك من كلامه شيئًا بيَّن وجه الصواب فيه).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مرَّ تخريج حديثين من أحاديث النهي عن الترجل إلا غبًّا، وتبدأ هذه الحلقة بإتمام تخريج أحاديث الباب.
3- تخريج حديث رجل آخر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنه-:
سبق تخريجه ودراسته في الحديث (15)، حيث جاء في أكثر طرقه: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمتشط أحدنا كل يوم...، وقد اقتصر بعض الرواة على الامتشاط، ورواه بعضهم بالمعنى، وهذا تخريج رواياتهم:
أخرجه الترمذي في الشمائل (36) -ومن طريقه البغوي في الأنوار في شمائل النبي المختار (1082)- عن الحسن بن عرفة، عن عبدالسلام بن حرب، عن يزيد أبي خالد[1]، والنسائي في الصغرى (8/131) والكبرى (9263) عن قتيبة، عن أبي عوانة، والحاكم (1/168) من طريق أبي الموجه، عن أحمد بن يونس، عن زهير، ثلاثتهم -يزيد وأبو عوانة وزهير- عن داود بن عبدالله الأودي أبي العلاء، عن حميد بن عبدالرحمن، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، به. وقال يزيد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يترجل غبًّا. إلا أن أبا الموجه في روايته عن أحمد بن يونس قال: ... عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، أظنه عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
دراسة الأسانيد:
سبق بيان صحة هذا الحديث واتصاله، وأما الشكُّ في رواية أبي الموجه عن أحمد بن يونس عن زهير؛ فمطروح بما سبق تخريجه من رواية أبي داود عن أحمد بن يونس، ورواية حميد بن عبدالرحمن الرؤاسي وأبي غسان؛ ثلاثتهم عن زهير بن معاوية، ليس في رواياتهم ذلك الشك، وإنما فيها قول حميد: لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة.
وأما رواية يزيد أبي خالد الدالاني، فقد رواه بالمعنى فأخطأ، وقد كان صدوقًا كثير الخطأ.
4- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/137) من طريق محمد بن موسى الحريري، عن جويرية بن أسماء، وابن عدي في الكامل (2/94) من طريق داود بن معاذ، عن ثابت بن زهير، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الترجل إلا غبًّا. لفظ جويرية، وقال ثابت بن زهير: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يترجل غبًّا: يومًا، ويومٌ لا.
دراسة الإسنادين:
أما رواية جويرية، ففيها محمد بن موسى، قال فيه أبو حاتم: (شيخ)[2]، وذكره العقيلي في الضعفاء، وذكر له هذا الحديث، وقال: (لا يتابع عليه).
وروايته هذه معلولةٌ بما سبق تخريجه عن ابن سعد في طبقاته (4/157) قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا جويرية بن أسماء، قال: حدَّث عبدُالرحمن السراج عند نافع؛ قال: كان الحسن يكره الترجل كل يوم، قال: فغضب نافع، وقال: كان ابن عمر يدَّهن في اليوم مرتين. وأخرجه ابن أبي شيبة (25558) قال: حدثنا وكيع، عن جويرية بن أسماء، عن نافع، أن ابن عمر كان ربما ادَّهن في اليوم مرتين، وعفان ووكيع ثقتان حافظان، وقد روياه عن جويرية فجعلاه عن ابن عمر موقوفًا بالترجل في اليوم مرتين، وهذه الرواية هي الصواب، ومحمد بن موسى أخطأ برفعه الإسناد، وبقلبه معنى المتن.
وأما رواية ثابت بن زهير؛ فثابت ضعيف منكر الحديث، وتركه ابن المديني في المتروكين من أصحاب نافع، وجعله دون جابر الجعفي[3].
فالحديث عن ابن عمر منكر.
وقد عقب العقيلي رواية جويرية بقوله: (وقد رُوي هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا)، والظاهر أنه يقصد ما سبق من حديث الرجلين من الصحابة.
5- تخريج أثر أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي شيبة (25560) عن يونس بن محمد، عن أبي هلال الراسبي، عن شيبة بن هشام، عن مغيرة بن الحارث، عن أبي هريرة قال: الترجل غبًّا.
دراسة الإسناد:
فيه أبو هلال الراسبي، فيه لين، وشيبة بن هشام ترجمه البخاري[4] وابن أبي حاتم[5]، وذكره ابن حبان في الثقات [6]. فالإسناد على ذلك صالح.
41-(1/156) ("ويكتحل" في كل عين "وترًا": ثلاثًا، بالإثمد المطيب، كل ليلة قبل أن ينام؛ لفعله -عليه السلام-، رواه أحمد وغيره عن ابن عباس).
في الاكتحال أحاديث كثيرة، والمخرَّج هنا: ما دلَّ على ما ذكره المصنف؛ من الكحل ثلاثًا قبل أن ينام.
1- تخريج حديث ابن عباس -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص349) -ومن طريقه الترمذي في السنن (1757) والعلل الكبير (528) والشمائل (50) والبيهقي في السنن (4/261) والشعب (6008) والآداب (766) والبغوي في شرح السنة (12/116) والأنوار في شمائل النبي المختار (1091)-، وابن سعد في الطبقات (1/484)، وابن أبي شيبة (25636، 23490) -وعنه ابن ماجه (3499)-، وأحمد (1/354)، وعبد بن حميد (573)، والترمذي في السنن (1757) والشمائل (51) عن علي بن حجر، وفي السنن (1757، 2048) عن محمد بن يحيى، وأبو يعلى (2694) -وعنه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (522)- عن موسى بن محمد بن حيان، والطبري في تهذيب الآثار (18-مسند ابن عباس) عن سفيان بن وكيع، والعقيلي في الضعفاء (3/136) من طريق الحسن بن علي[7]، وابن الأعرابي في معجمه (1580) عن خلف بن محمد، وابن حبان في المجروحين (2/166) من طريق محمد بن يزيد، كلهم -أحد عشر راويًا- عن يزيد بن هارون، وأحمد (1/354) عن أسود بن عامر، والترمذي في الشمائل (51) -ومن طريقه البغوي في في شرح السنة (12/117) والأنوار (1092)-، والطبري في تهذيب الآثار (19-مسند ابن عباس)، كلاهما عن عبدالله بن الصباح، والطبري في تهذيب الآثار (19-مسند ابن عباس) عن أبي كريب، كلاهما -عبدالله بن الصباح وأبو كريب- عن عبيدالله بن موسى، والطبري في تهذيب الآثار (19-مسند ابن عباس) عن سليمان بن عبدالجبار، وابن سمعون في أماليه (312) من طريق عباس بن محمد، كلاهما -سليمان وعباس- عن الحسن بن عطية، والطبراني في الكبير (11/325)، والحاكم (4/408)، كلاهما من طريق أحمد بن يونس، أربعتهم -أسود وعبيدالله والحسن بن عطية وأحمد بن يونس- عن إسرائيل بن يونس، والبزار في مسنده (3032-كشف الأستار) من طريق عمرو بن محمد بن أبي رزين، وابن عدي في الكامل (2/31) من طريق بكر بن بكار، وأبو الشيخ في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدابه (523) من طريق أبي عبيدة الحداد، ستتهم -الطيالسي ويزيد بن هارون وإسرائيل وابن أبي رزين وبكر بن بكار وأبو عبيدة- عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر وينبت الشعر»، وزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثًا في هذه، وثلاثًا في هذه. لفظ أبي داود، وقال إسرائيل: ... أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، ثلاثًا في كل عين. وقال يزيد بن هارون -ونحوه لابن أبي رزين وبكر بن بكار وأبي عبيدة الحداد-: كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثًا في كل عين. وزاد محمد بن يحيى عن يزيد بن هارون ألفاظًا في التداوي.
دراسة الأسانيد:
قال الطبري: (وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح؛ لعلل:
إحداها: أنه خبر لا يُعرف له مخرج يصح من حديث عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه.
والثانية: أنه من رواية عكرمة عن ابن عباس، وقد بينا قولهم في عكرمة فيما مضى بما أغنى عن إعادته هاهنا.
والثالثة: أنه من رواية عباد بن منصور عن عكرمة، وفي نقل عباد عندهم معانٍ يجب التثبت فيه من أجلها)[8].
والمؤثر مما ذكر الطبري: الأولى والثالثة، فحديث عكرمة محفوظٌ معروف، رواه الثقات الكبار من أصحابه، ولا يصح أن ينفرد بهذا الحديث عنه عباد بن منصور، وفيه من الكلام ما فيه -كما سيأتي-، قال الترمذي: (حديث ابن عباس حديثٌ حسن غريب، لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور)، وعباد بن منصور توافرت كلمات الأئمة في تضعيفه، وذكروا أنه يدلس، وخصُّوا بذلك روايته عن عكرمة:
فأما تضعيف روايته عن عكرمة؛ فقال أبو حاتم: (في روايته عن عكرمة وأيوب ضعف)[9]، وأما تدليسه عنه؛ فقال البخاري: (عباد عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة، وربما دلسها فجعلها عن عكرمة)[10]، وقال أبو حاتم: (ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس)، وقال البزار: (روى عن عكرمة أحاديث ولم يسمع منه)، وقال ابن حبان: (وكل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين، فدلسها عن عكرمة).
وقد بيَّن ذلك هو بنفسه في حديثنا هذا خاصةً وحديثٍ آخر، قال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: قلت لعباد بن منصور الناجي: عمَّن سمعت «ما مررت بملأ من الملائكة...»، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل بالليل ثلاثًا؟ فقال: (حدثني ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس)[11].
وابن أبي يحيى الذي أخذ عبادٌ الحديثَ عنه هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك مشهور الترك، متهم بالكذب وبألوان من البدع، وداود بن الحصين في روايته عن عكرمة خاصة نكارة، قال ابن المديني: (ما روى عن عكرمة؛ فمنكر الحديث)، وقال أبو داود: (أحاديثه عن عكرمة مناكير...).
إلا أنه جاء التصريح من عباد بالتحديث عن عكرمة في هذا الحديث، وذلك في رواية العقيلي من طريق الحسن بن علي عن يزيد بن هارون، ورواية ابن عدي من طريق بكر بن بكار، كلاهما عن عباد، فأما رواية الحسن بن علي -وهو الحلواني-؛ فإن صحت عنه، فقد رواه أئمة كبار -كما سبق- عن يزيد بن هارون لم يذكروا هذا التصريح، وأما بكر بن بكار؛ فإنه ضعيف[12]، وهذا التصريح تنقضه حكاية عباد بن منصور السابقة، ولا يثبت.
وبهذا تتبين شدة نكارة هذا الحديث وضعفه.
هذا، وقد نقل الترمذي عن البخاري قوله: (هو حديث محفوظ، وعباد بن منصور صدوق)[13]، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعباد لم يتكلم فيه بحجة).
والراجح نكارة الحديث؛ للدلائل المذكورة آنفًا.
2- تخريج حديث عائشة -رضي الله عنها-:
أخرجه ابن عدي في الكامل (3/433، 434) -ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1723)- وابن مردويه في أماليه (13) -ومن طريقه الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/277)- من طريق سيف بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وأبو الشيخ في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدابه (521) من طريق أبي أسامة، عن محمد بن عبيدالله، عن أم كلثوم، كلاهما -عروة وأم كلثوم- عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكتحل كل ليلة. لفظ عروة، وزاد فيه ألفاظًا في الاحتجام والتداوي، وقالت أم كلثوم: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إثمد يكتحل به عند منامه في كل عين ثلاثًا.
دراسة الأسانيد:
جاء من طريقين عن عائشة:
أ- طريق هشام بن عروة عن أبيه:
ورواه عن هشام: سيف بن محمد، وهو كذاب وضاع.
ب- طريق أم كلثوم عن عائشة:
ورواه عن أم كلثوم: محمد بن عبيدالله، وهو العرزمي، متروك الحديث، وقد روي عنه من حديث أنس، ويأتي -إن شاء الله-.
فهذان الطريقان شديدَي الوهاء، ولا يثبت الحديث عن عائشة.
3- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدابه (525) -ومن طريقه البغوي في الأنوار في شمائل النبي المختار (1094)- من طريق محمد بن القاسم الأسدي، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (7) وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/252) من طريق يوسف بن أسباط، كلاهما -محمد بن القاسم ويوسف بن أسباط- عن محمد بن عبيدالله العرزمي، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (7) من طريق يوسف بن أسباط، عن الثوري، كلاهام -العرزمي والثوري- عن صفوان بن سليم، عن أنس بن مالك قال: كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثًا ثلاثًا. لفظ يوسف بن أسباط، وزاد فيه في كراهية الكي والطعام الحار، وقال محمد بن القاسم: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كحل أسود، إذا أوى إلى فراشه كحل في هذا العين ثلاثًا، وفي هذا العين ثلاثًا.
دراسة الأسانيد:
أما العرزمي، فقد سبق بيان حاله في حديث عائشة، وأما متابعة الثوري له؛ فمنكرة، إذ لم أعرف بعض رواتها عند أبي سعيد النقاش، ويوسف بن أسباط له غلط في الحديث كثير، ويشتبه عليه فيه، ولا يقبل أن يتفرد عن الثوري بهذا، خاصة أنه قرن الثوري بالعرزمي، فلعله دخل عليه حديث هذا في حديث هذا.
ومتن الحديث في كراهية الطعام الحار، وقوله: (عليكم بالبارد؛ فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة فيه)= دليل على نكارته وضعفه، وأنه من روايات المتروكين والضعفاء، لا من رواية مثل الثوري.
وفي الحديث علة أخرى، وهي ما حكاه الكتاني أنه سأل أبا حاتم الرازي: هل رأى صفوانُ بن سليم أنسَ بن مالك؟ فقال : (لا، و لا تصح روايته عن أنس).
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] وقع في الشمائل: يزيد بن أبي خالد، وكذا في تحفة الأشراف (11/142)، ولعل صوابه كما أثبت، ونبه عليه الجليمي محقق الشمائل، وصححوه في المسند الجامع (18/582).
[2] الجرح والتعديل (8/84).
[3] انظر: لسان الميزان (2/76).
[4] التاريخ الكبير (4/242).
[5] الجرح والتعديل (4/336).
[6] (6/445).
[7] سقط رجلان من إسناده في مطبوعتي قلعجي وحمدي السلفي، والإتمام من مطبوعة السرساوي (4/100).
[8] تهذيب الآثار (1/472، 473-مسند ابن عباس).
[9] الجرح والتعديل (6/86).
[10] التاريخ الكبير (6/40)، وقد جُعل نصُّ البخاري في المطبوع في فقرة مستقلة، والظاهر أنه تابع لترجمة عباد بن منصور السابقة له.
[11] ضعفاء العقيلي (3/136، 137)، المجروحين، لابن حبان (2/166).
[12] انظر: لسان الميزان (2/48).
[13] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص288)، ويحتاج مصطلح (حديث محفوظ) عند البخاري إلى تقصٍّ ودراسة، وقد قال الترمذي في موضع من علله الكبير (ص135) عن حديثٍ: قلت -يعني: للبخاري-: هو صحيح؟ قال: (أرجو أن يكون محفوظًا)، وقد قالها البخاري في حديثٍ مرسل -كما في ترتيب علل الترمذي (ص134)-، وقال في حديثٍ -فيه (ص263)-: (هو حديث حسن إن كان محفوظًا)، قال الترمذي: ولم يعرفه. فالله أعلم.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
42-(1/157، 158) ("وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر"...؛ لخبر أبي هريرة مرفوعًا: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، رواه أحمد وغيره).
البحث في أحاديث التسمية على الوضوء طويل جدًّا، وقد أطال الشيخ أبو إسحاق الحويني في تخريجها في كتاب مستقل، سماه "كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء"[1]، وقد خلص فيه إلى ثبوت أحاديث التسمية عند الوضوء بطرقه، وخالف في ذلك جمعًا من أئمة الحديث المتقدمين الذين ضعّفوا أحاديث الباب، وسيأتي ذكرهم وذكر أقوالهم.
ولذا؛ فسأكتفي في التخريج بتخريجاته وإحالاته، وسأثبت هنا نقدًا لكتابه وتعرُّضًا لما أراه وقع فيه من خلل[2].
وإلى الشيخ أشير بقولي: "المؤلف"، وقد ألخّص كلامه اختصارًا، وقد أزيد أشياء مهمةً فاتته، أو عزوًا أو تخريجًا، أشرتُ إلى ذلك أم لم أشر.
1- أعلَّ (ص13) حديث أبي بكر بليث بن أبي سليم، ولم يذكر أن شيخه حسين بن عمارة مجهول، قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: (ما أدري)[3].
ثم إن غالب رواية ليث بن أبي سليم عن صغار التابعين، وأولاء لم يلحقوا أبا بكر -رضي الله عنه-، ولم يرووا عنه، فالانقطاع وارد في رواية حسين بن عمارة عن أبي بكر.
ويدل لذلك: أن حسين بن عمارة هذا يروي عن بكر بن عبد الله المزني -كما ذكر ابن أبي حاتم-، وبكر من الوسطى من التابعين -حسب تقسيم ابن حجر-.
فاجتمع في هذا الوقفُ والضعفُ والجهالةُ والإرسال.
2- ذكر (ص 13، 14) في حديث أبي سعيد الخدري: كثيرَ بن زيد الأسلمي، وخلص إلى أنه إلى القوة أقرب منه إلى الضعف، وذكر في أقوال الأئمة: أن الطبري ضعفه.
والطبري إنما نقل ذلك عن جماعة من المحدثين -كعادته في نقل إعلال الأحاديث في تهذيب الآثار-، قال: (وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله).
وكلمات الأئمة تُليِّن كثيرًا؛ لعدم بلوغه مرتبة الثقة، وهو أقلُّ أيضًا من درجة الصدوق حسن الحديث، فإن من قوَّى حاله قرن ذلك بتليين -سوى أحمد-، فابن معين كان يقول: (ليس بشيء)، ثم قال فيه: (ليس بذاك القوي)، وقال: (صالح)، وقال: (ليس به بأس)، وقال أبو زرعة: (صدوق، فيه لين)، وقال أبو حاتم: (صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه)، وقال يعقوب بن شيبة: (ليس بذاك الساقط، وإلى الضعف ما هو)، وكأن كلمةَ يعقوب هذه تفسيرٌ لكلام الأئمة السابق، حيث إن مفاد تقويتهم أمره: أنه ليس بالساقط المتروك، لكنه ضعيف.
وابن حبان -وإن ذكره في الثقات-، فقد ذكره في المجروحين أيضًا، وقال: (كان كثير الخطأ على قلة روايته، لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد)[4].
فكثير -فيما يظهر- ضعيفٌ صالح للاعتبار، وليس صدوقًا حسنَ الحديث ولا ثقة[5].
3- ذكر المؤلف (ص14) ربيح بن عبد الرحمن، وذكر قول ابن عدي فيه: (أرجو أنه لا بأس به)، وكلمة ابن عدي هذه يستعملها كثير من الباحثين في إثبات أن من قيلت فيه صدوق، وليست هذه الكلمة مفيدة ذلك دائمًا، ونبّه إلى ذلك الشيخ المعلمي[6]، والشيخ الألباني، قال: (ثم إن قول ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" ليس نصًّا في التوثيق، ولئن سُلِّم؛ فهو أدنى درجة في مراتب التعديل، أو أول مرتبة من مراتب التجريح، مثل قوله: "ما أعلم به بأسًا"، كما في «التدريب» ص234)[7].
وأما قول أبي زرعة في ربيح: (شيخ)، فلا تدل على التضعيف المطلق، إلا أنها ليست دالة على الضبط، وهي إلى وصفِهِ بالتحمل والرواية مع عدم معرفة الحال أقرب، قال ابن القطان: (فأما قول أبي حاتم: "شيخ"، فليس بتعريف بشيء من حاله، إلا أنه مُقلّ، ليس من أهل العلم، وإنما وقعت له رواية أُخذت عنه)[8]، وقد توصل بعض أفاضل الباحثين (وهو الشيخ أبو تيمية إبراهيم الميلي) إلى هذه النتيجة، بتتبع من قيلت فيه هذه الكلمة من الرواة[9].
فأبو زرعة لم يحكم على ربيح؛ لأنه علم أن له رواية، إلا أنه لا يدري حالَهُ في الضبط، وتفسير ابن أبي حاتم موافق لهذا، فغير معروف الحال يُكتب حديثه، ويُنظر فيه: فإن وافق الثقات قُبل، وإلا أو تفرد؛ رُدّ.
ولم يعرف الإمام أحمد ربيحًا، قال: (ربيح رجل ليس بمعروف)، وأعلّ به هذا الحديث، وقال -في رواية خطاب بن بشر: (ليس الخبر بصحيح، روي عن رجل ليس بالمشهور)[10].
وأسند أبو عبيد القاسم بن سلام حديثًا، ثم أسند هذا الحديث، ثم عقب عليهما بقوله: (فأما الحديثان الأولان، فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسنادهما...، ولِمَا في الآخر من ذكرٍ لرجلٍ ليس يُروى عنه كثيرُ علم)[11]، ويظهر أنه يشير بكلامه هذا إلى ربيح، وقوله فيه كالحكم بجهالته وقلة روايته، ونَقَلَ عن بعض أئمة الحديث أنهم كانوا يطعنون في إسناد الحديث بسببه.
وقد قال المؤلف (ص15) تعليقًا على كلام الإمام أحمد: (فمن عرف حجة على من لم يعرف، وقد عرفه غيره)، وفي قوله هذا نظرٌ بالنظر إلى كلمتي ابن عدي وأبي زرعة؛ لما سبق من عدم إفادتهما شيئًا في حال الرجل في ضبطه.
إلا أن تعليقه السابق صحيحٌ بالنظر إلى كلام الإمام البخاري في ربيح، فقد قال فيه: (منكر الحديث)[12]، ولم يُجِبِ المؤلف عن قول البخاري هذا إلا بأن قال: (ويغلب على ظني -والله أعلم- أن حكم البخاري -رحمه الله- له اعتبار آخر، بخلاف حال ربيح في نفسه، فقد يكون روى شيئًا رآه البخاري منكرًا، فألصق التبعة بربيح، أو نحو ذلك)!
وهذا غريب من المؤلف -وفقه الله-، فكلمة هذا الإمام هي أصرح ما قيل في الرجل، والجواب عن جوابه جوابان:
أحدهما: بعدم التسليم بما ذكر، فإن عموم إطلاق البخاريِّ النكارةَ على حديث ربيح لا ينبغي أن يُخصَّ إلا بدليل ظاهر، وليس ثَمَّ شيءٌ من ذلك،
والآخر: على التسليم به، فدلالة الكلمة على الضعف باقية -خاصة في هذا الحديث-، من وجهين:
الأول: أن ألصَقَ روايةٍ من روايات ربيحٍ بحكم البخاري على ربيح: هي هذا الحديث، فقد عقّب الترمذيُّ هذا الحديثَ بنقل كلام البخاري، فأولى الأحاديث بتحميل ربيحٍ نكارتها: هذا الحديث.
الثاني: أن ربيحًا قليل الحديث -كما سبق في تفسير كلمة أبي زرعة، وفي نصِّ كلام أبي عبيد، وكما قال ابن عدي بعد أن أسند لربيح نحو ثمانية أحاديث في ترجمته في الكامل: (ولربيح غيرُ ما ذكرت شيءٌ يسير من الحديث، وعامةُ حديثه ما ذكرتُه)[13]-، ولو كان روى شيئًا ألصَقَ البخاري به التبعةَ في نكارته فَوَصَفَهُ بأنه (منكر الحديث)، فإن ربيحًا إذن ضعيفٌ أو ضعيفٌ جدًّا، إذ هو -على قلة حديثه- يروي ما يستحق أن يصفه البخاري بسببه بأنه (منكر الحديث)، والبخاري وصفه بنكارة الحديث، ولم يقتصر على الضعف أو اللين، ومن روى المنكرات وحديثُهُ قليل؛ فأولى به أن يكون عامة حديثه منكرًا، خاصة إذا تفرّد أو خالف.
وقد دلَّ صنيعُ ابن عدي لما أدخل عامة أحاديث ربيح في ترجمته في الكامل على أنها من مناكيره، إذ من عادة ابن عدي أن يذكر في ترجمة الراوي ما أُنكر عليه، ولحقه بروايته وصف الضعف، واستحق به أن يُدخل في الضعفاء، وقد نصَّ على ذلك ابن عدي نفسُه، وغير واحد من أئمة الاستقراء. وهذا الصنيع من ابن عدي موافقٌ لحكم البخاري في نكارة حديث ربيح.
وقد كرر ابن عدي هذا الحديث مرتين في كتابه الكامل: في ترجمة كثير بن زيد، وترجمة ربيح، وسبق منهجه في إيراد الأحاديث في كتابه، بل وأعلّه بتفرد كثير به، قال: (ولا أعلم يروي هذا الحديث عن ربيح غير كثير بن زيد)[14].
وقد تفرد بالحديث كثير وربيح -على ضعفهما-، قال البزار: (لا نعلمه يُروى عن أبي سعيد إلا بالإسناد المذكور)[15].
فهذا الحديث منكر، تفرد به ضعيفان، أحدهما منكر الحديث. وإنما اعتبره الإمام أحمد بن حنبل أحسن أحاديث الباب؛ لخفاء حال ربيح عليه، إذ لم يعرفه، وقد عرفه البخاري فأنكر حديثه، ووافقه ابن عدي.
تنبيه: ظهر ما في قول الذهبي: (وربيح صويلح ما ضُعِّف)[16] من نظر.
وقد ذكر الذهبي هناك أنه تابع كثيرًا عن ربيح أربعة، ولم أجد ذلك، والظاهر أنه أراد أنه توبع زيد بن الحباب عن كثير، ردًّا على حكم ابن عدي بتفرد زيد عنه. والله أعلم.
4- ذكر المؤلف (ص16) حديث يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، ونقل عن الشوكاني أنه ليس في إسناده ما يسقطه عن درجة الاعتبار. وفي هذا نظر؛ ففي الحديث علل، وقد شرحها ابن الملقن بكلام جيد، قال: وحاصل ما يُعلل به هذا الحديث الضعف والانقطاع:
أمّا الضعف:
فيعقوب بن سلمة لا أعرف حاله، وقال الذهبي في الميزان: "شيخ ليس بعمدة".
وأمّا أبوه سلمة؛ فلم يعرف حاله المزي ولا الذهبي، وإنما قال في الميزان: "لم يروِ عنه غير ولده"، وقد ذكره أبو حاتم ابن حبان في ثقاته، وقال: "ربما أخطأ".
وأمّا الانقطاع:
فقال الترمذي -في علله-: سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث، فقال: "محمد بن موسى المخزومي لا بأس به، مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدنيٌّ، لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة") ا.هـ كلام ابن الملقن[17].
وأعلّه بهذه العلل أيضًا: العلامة مغلطاي[18].
وقد علّق ابن حجر على كلمة ابن حبان في سلمة، فقال: (وهذه عبارةٌ عن ضعفه، فإنه قليل الحديث جدًّا، ولم يروِ عنه سوى ولده، فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى، فكيف يوصف بكونه ثقة؟!)[19].
فالحديث فيه جهالة، وضعف، وانقطاع في موضعين، فسقوطه عن درجة الاعتبار فيه ظهور.
ثم ذكر المؤلف الروايات الأخرى عن أبي هريرة:
أ- رواية محمد بن سيرين:
وقد بيَّن أن راويها إبراهيم بن محمد بن ثابت الأنصاري ضعيف، ويروي المناكير، وشيخه علي بن ثابت مجهول.
وقد تفرد علي بن ثابت هذا -فيما وجدتُ- بهذا الحديث عن محمد بن سيرين، وتفرُّد هذا المجهول ومثلِهِ عن هذا الإمام ومثلِهِ منكر.
واجتماع الضعف وتفرد المجهول نكارةٌ شديدة، ونقل المؤلف أنه أنكر هذه الروايةَ ابنُ الجوزي في الموضوعات -بل قال: (حديث ليس له أصل)-، وابنُ حجر في اللسان.
ب- رواية أبي سلمة:
وقد بيَّن المؤلف عللها:
ففيها محمود بن محمد الظفري، قال فيه الدارقطني: (لم يكن بالقوي)[20]، ونقل كلمةَ الدارقطني الذهبيُّ، فقال: (قال الدارقطني: "ليس بالقوي، فيه نظر")[21]،
وشيخه أيوب بن النجار لم يسمع -كما ذكر هو نفسه- من شيخه في هذه الرواية (يحيى بن أبي كثير) إلا حديثًا واحدًا، ليس هو هذا الحديث.
واجتماع هاتين العلتين يؤكد النكارة، حيث إن ضعف الظفري أدى به إلى التحديث بهذا الحديث الذي لا أصل له عن يحيى بن أبي كثير.
وقد أعلّه الدارقطني في الأفراد بتفرد محمود عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير[22].
ولذا؛ فقد قال الذهبي: (قلت: هذا منكر، وقال الدارقطني: "محمود بن محمد ليس بالقوي، فيه نظر"، قلت: أيوب من رجال الصحيحين، صدوق، لا يحتمل مثل هذا أصلاً، فالآفة من محمود) ا.هـ[23].
ج- رواية مجاهد عن أبي هريرة:
وذكر المؤلف -نقلاً عن ابن حجر- أن فيها مرداس بن محمد، وهو من ولد أبي موسى الأشعري، ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: (يغرب وينفرد)، وبقية رجاله ثقات.
ومرداس هذا هو أبو بلال الأشعري، عينه به الحافظ ابن حجر[24]، وهو مشهور بكنيته، ضعفه الدارقطني، وليّنه الحاكم، وذكر ابن حبان -كما سبق- أنه يغرب وينفرد.
وتوثيق ابن حجر لبقية رجال الحديث فيه نظر، فشيخ أبي بلال: محمد بن أبان غير معروف، قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي: (محمد بن أبان لا أعرفه الآن)[25]، وقد غلّب ابن القطان أنه محمد بن أبان الجعفي جدُّ مشكدانه[26]، وهو محتمل، فإن يكنه؛ فإنه ضعيف؛ ضعفه أحمد وابن معين والبخاري وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن حبان[27]،
وشيخُهُ أيوب بن عائذ وثّقه الأكثر، وذكر ابن المديني أن له نحو عشرة أحاديث، ومع ذلك قال ابن حبان فيه: (يخطئ)، ويُنظر في إمكان سماع ابن عائذ من مجاهد.
وقد انتقد ابنُ القطان إعلالَ عبد الحق الحديثَ بمحمد بن أبان، فقال: (وقد ترك في الإسناد من يعتلّ الخبر به، لم يعرض له، وهو الراوي له عن محمد بن أبان، وهو مرداس بن محمد)[28]، وكانُ ابن القطان لم يعرف مرداس هذا، قال: (... في إسناده من لا يُعرف البتة، وهو راويه عن محمد بن أبان، وهو مرداس بن محمد بن عبدالله بن أبي بردة، فاعلم ذلك)[29]، فتعقبه ابن حجر، قال: (هو مشهور بكنيته، أبو بلال... وقول ابن القطان: "لا يُعرف البتة" وهم في ذلك؛ فإنه معروف)[30].
وقد قال الذهبي: (مرداس بن محمد بن عبدالله، عن أبان الواسطي. لا أعرفه، وخبره منكر في التسمية على الوضوء)[31]، وتعيين محمد بن أبان بالواسطي لم أجده إلا هنا، ومحمد بن أبان الواسطي متأخر عن طبقة أيوب بن عائذ، فهو يروي عن طبقة تلاميذ أيوب.
وبالعموم، فهذا حديث من تفردات وإغراب أبي بلال الأشعري، وهو ضعيف، وتفردات الضعفاء منكرة، ومجاهد إمام حافظ كبير، فلا يُقبل الحديث عنه وقد جاء من هذه الطريق الضعيفة المنظور فيها، التي تفرد بها ضعيف، وفيها مَنْ يحتمل أنه ضعيف. ولذا أنكر هذا الحديث الحافظ الذهبي -كما سبق-.
فقول المؤلف (ص20) -بعد هذا الحديث-: (فمثله يصلح للاعتبار) فيه نظر، فهذه حال أبي بلال، وهذه حال السند الذي تفرد به -على ضعفه-، وهو مما يحرص عليه الثقات لو صح؛ فانقطاع الروايات عن مجاهد إلا من هذه الطريق مع ما له من أصحاب ثقات= دليل على نكارتها وضعفها.
هذه الروايات التي ذكرها المؤلف عن أبي هريرة، وتبيَّن أنها تدور بين المنكرة والمنكرة جدًّا، وتعضيدها ببعضها تساهلٌ لا يجري على طريقة أئمة الحديث النقاد.
يتلوه -إن شاء الله- مناقشة المؤلف في حديث سعيد بن زيد -رضي الله عنه-، وفي الأحاديث الأخرى.
ـــــــــــــــ ـــــ
[1] طُبع في مكتبة التوعية الإسلامية بالقاهرة، عام 1408.
[2] بعد كتابته وقفت على ما كتبه شيخنا د. أحمد بن محمد الخليل في نقد هذا الكتاب في كتابه "مستدرك التعليل على إرواء الغليل" (ص57-70)، وهو نقد قيِّم، وفيه شيء يسير بحاجة إلى تحرير، وأرجو أنه محرر في نقدي هذا.
[3] الجرح والتعديل (3/61).
[4] (2/222).
[5] كان هذا تلخيصًا لحال كثير بن زيد في أصل التعقبات على (كشف المخبوء)، ثم جرى حوله نقاش في بعض المنتديات العلمية على الشبكة الإلكترونية (ملتقى أهل الحديث)، فكتبتُ تفصيلاً لحاله وأقوال الأئمة فيه:
أقوال من قوّاه أو وثقه:
قال عنه محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي: (ثقة)، وقال أحمد بن حنبل: (ما أرى به بأسًا)، وقال ابن عدي: (ولكثير بن زيد عن غير الوليد بن رباح أحاديث لم أذكرها، ولم أرَ به بأسًا، وأرجو أنه لا بأس به)، وقال أبو زرعة -كما في الجرح (7/151)-: (صدوق، فيه لين)، وهذه الكلمة وإن كان ظاهرها اعتبار كثير صدوقًا، إلا أن أبا زرعة لم يغفل جانب الضعف فيه، فغمزه باللين. وقال الحاكم -في المستدرك (1/47)-: (فأما الشيخان؛ فإنهما لم يخرجا عن كثير بن زيد، وهو شيخٌ من أهل المدينة، من أسلم، كنيته أبو محمد، لا أعرفه بجرحٍ في الرواية، وإنما تركاه لقلة حديثه)، وقد تعقبه الشيخ الألباني بأنه وُثق وضُعف ومُشِّي -كما تراه في السلسلة الصحيحة (6/283)-، وقال الحاكم أيضًا -في المستدرك (1/217)-: (كثير بن زيد وأبو عبد الله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق). وقال ابن القطان -في بيان الوهم والإيهام (5/211)- في حديثٍ: (وينبغي أن يُقال فيه: حسن، لِمَا بكثير بن زيد من الضعف، وإن كان صدوقًا)، وإن كان قال في موضع آخر -في البيان (4/644)-: (ضعيف).
وقال ابن عبد الهادي -في تنقيح التحقيق (4/595)-: (صدوق، وقد تكلم فيه بعض الأئمة)، وقال ابن حجر -في تغليق التعليق (3/282)-: (وكثير بن زيد أسلمي، لينه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أحمد: ما أرى به بأسًا، فحديثه حسن في الجملة...)، وهذان الإمامان وإن خلصا إلى أنه صدوق، فقد بيّنا أنه مغموز مُضعَّف.
حال كثير بن زيد عند ابن معين:
روى ابن أبي مريم عن ابن معين أنه قال في كثير: (ثقة)، وروى الدورقي عنه قوله: (ليس به بأس)، والروايتان في الكامل لابن عدي (6/67)، ولعل فيهما نظرًا، أو قَصَدَ ابن معين بهما غير ظاهرهما، كأن يكون وقوعهما في مقارنة بين اثنين -وربما كان الآخرُ: كثيرَ بن عبد الله بن عمرو بن عوف، فكثيرًا ما يُقارن بينهما، وابن زيد أقوى من ابن عبد الله-، أو نحو ذلك؛ حيث إن أكثر الروايات عن ابن معين على خلافهما، وفي الرواة عنه من هو أعرف به وأجلّ من غيره، فرواية ابن أبي خيثمة عن ابن معين -في تاريخه (2/336-السفر الثالث)-، قال: وسئل يحيى بن معين عن كثير بن زيد، روى عنه عبد المجيد الحنفي -كذا-؟ قال: (ليس بذاك القوي)، وكان قال أول: (ليس بشيء)، ونحوه في رواية الحنبلي عن ابن أبي خيثمة -عند ابن حبان في المجروحين (2/222)-، قال: وكان قال: (لا شيء)، ثم ضرب عليه. فهذا كالصريح في أن ابن معين عدل عن قوله الأول إلى قوله: (ليس بذاك القوي)، وهذه الرواية مشعرة بأن الرأي المتأخر لابن معين في كثير بن زيد هو تضعيفه، ويؤيدها رواية ابن محرز، قال -كما في معرفة الرجال (1/70)-: سمعت يحيى -وقيل له: كثير بن زيد مدني؟- قال: (نعم، ضعيف)، وقد روى عبدالله بن شعيب الصابوني عن ابن معين قوله في كثير: (ليس بذاك القوي)، وقال المفضل بن غسان الغلابي ومعاوية بن صالح عن ابن معين: (صالح)، والأصل في إطلاق (صالح) عند الأئمة: إطلاقه على من يستشهد بهم -كما قرره الشيخ السليماني في شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل (ص146)-، ويبين ذلك إطلاقات كلمة (صالح) عند ابن معين، ومن أظهر ذلك: قول ابن محرز -في معرفة الرجال (1/70)-: سألت يحيى عن مندل بن علي، فقال: (ليس بذاك)، وضعّف في أمره، ثم قال: (هو صالح)، وهذا التفسير لإطلاق كلمة (صالح) ينفي ما قد يظهر من تعارض بين تضعيفِ ابن معين كثيرَ بن زيد، وقولِهِ فيه: (صالح).
أقوال من ضعَّف كثير بن زيد:
نقل ابن جرير الطبري تضعيفه عن جماعة من أئمة الحديث، قال -كما في تهذيب التهذيب (8/371)-: (وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله)، وضعفه يحيى بن معين -كما سبق-، وقال ابن المديني -كما في سؤالات ابن أبي شيبة (ص95)-: (هو صالح، وليس بالقوي)، وهذا يؤيد تفسير إطلاق (صالح) بالضعف غير الشديد، الذي يعتبر برواية من وقع عليه، وقال أبو حاتم -كما في الجرح (7/151)-: (صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه)، ويُلاحظ الاتفاق أو شبهه بين كلمتي الحافظين الإمامين ابن المديني وأبي حاتم، وقال يعقوب بن شيبة -كما في تاريخ دمشق (50/25)-: (كثير بن زيد ليس بالساقط، وإلى الضعف ما هو)، وقال النسائي -في الضعفاء (505)-: (ضعيف)، وقال ابن حبان -في المجروحين (2/222)-: (كان كثير الخطأ على قلة روايته، لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد)، وذكر ابن عبد البر -في التمهيد (21/14)- حديثًا فيه كثير، ثم قال: (إسناده ليس بالقوي)، وأغلب الظن أن سبب ذلك عنده: كثير، وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي -في الأحكام الوسطى (3/275)-: (وهو ضعيف عندهم، وإن كان قد روى عنه جلة)، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء (3/22)، وضعفه المنذري -كما في عون المعبود (14/54)-، وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء، وفي ديوان الضعفاء، وقد كان الحافظ البزار قال -كما في البدر المنير (2/78)-: (روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه)، وهذه الكلمة يقرنها البزار كثيرًا بقوله في بعض الرواة: (لين الحديث)، و(ليس بالقوي)، و(لم يكن بالحافظ)، ونحوها، وقالها في الثقة ومن لم يكن به بأس عنده، ويشبه أحيانًا أن يكون مقصوده أن الرواة كتبوا حديث الرجل، ولم يتركوه لشدة ضعف ونحوه، بل احتملوه فرووا عنه، وانظر: شفاء العليل للسليماني (ص147)، والحاصل أن هذه ليست كلمة تعديل من البزار، بل هي إلى الجرح أقرب، والله أعلم.
وهذا الاجتماع من أكثر أئمة الحديث وأكبرهم وصيارفته ونقاده على تضعيف كثير بن زيد يبيّن بجلاء أن كثيرًا ضعيف، وأنه إنما وثقه بعض الأئمة أو قوى أمره لأنه لم يكن شديد الضعف، بل هو محتمل، يعتبر به ويستشهد، إلا أنه لا يحتج به ولا يقبل عند تفرده. وقد بيَّنت كلمةُ الحافظ يعقوب بن شيبة كلماتِ الأئمة ولخّصَّتْها، حيث قال: (كثير بن زيد ليس بالساقط، وإلى الضعف ما هو). والله أعلم.
[6] انظر: حاشية الفوائد المجموعة (ص35، 459).
[7] الضعيفة (3/112).
[8] بيان الوهم والإيهام (4/627).
[9] ذكر ذلك في كلام له في (ملتقى أهل الحديث) على الشبكة الإلكترونية.
[10] شرح مغلطاي على ابن ماجه (1/338).
[11] الطهور (ص66).
[12] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص33).
[13] الكامل (3/173، 174).
[14] الكامل (3/173).
[15] البدر المنير (2/78).
[16] تنقيح التحقيق، للذهبي (1/44).
[17] البدر المنير (2/70).
[18] شرح ابن ماجه (1/342-344).
[19] التلخيص الحبير (1/72).
[20] العلل (14/295).
[21] تنقيح التحقيق (1/45).
[22] أطراف الغرائب والأفراد (2/364).
[23] تنقيح التحقيق (1/45).
[24] لسان الميزان (6/14).
[25] الأحكام الوسطى (1/163).
[26] بيان الوهم والإيهام (3/227).
[27] انظر: الجرح والتعديل (7/199)، المجروحين (2/260)، تعجيل المنفعة (ص357).
[28] بيان الوهم والإيهام (5/661).
[29] السابق (3/227).
[30] لسان الميزان (6/14).
[31] ميزان الاعتدال (4/88)، ولعل صواب قوله: (أبان الواسطي): محمد بن أبان -كما في التعليق المغني بحاشية الدارقطني (1/74)-.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة شطرٌ من مناقشة كتاب "كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء" للشيخ أبي إسحاق الحويني.
وأواصل في هذه الحلقة مناقشة الكتاب؛ بادئًا بمناقشة حديث سعيد بن زيد -رضي الله عنه-.
5- ذكر (ص20) رواة الوجه الأول عن عبدالرحمن بن حرملة في حديث سعيد بن زيد، وأشار إلى الاختلاف على بعضهم. وقد اختُلف على وهيب بن خالد -بما لم يذكره المؤلف-، فقد رواه عنه عفان والعباس بن الوليد النرسي، واختُلف عن النرسي:
فرواه عبدالله بن أحمد بن حنبل - وعنه الطبراني في الدعاء (375)-، وأبو يعلى -في معجم شيوخه (255)-، كلاهما عن العباس عن وهيب عن ابن حرملة عن أبي ثفال عن رباح بن عبدالرحمن عن جدته عن أبيها، - وخالفهما أبو القاسم البغوي - وعنه ابن شاهين في الترغيب (97)-، فرواه عن العباس به، ولم يذكر: (عن أبيها)، فجعله من مسند جدة رباح.
والرواية بذكر أبيها أصح.
6- ذكر (ص21) يزيد بن عياض، وسليمان بن بلال، والحسن بن أبي جعفر= في الرواة عن عبدالرحمن بن حرملة، وهذه عجيبة من المؤلف، ولعله لم يدقق النظر!
أما يزيد والحسن، فروايتهما عن أبي ثفال شيخ ابن حرملة، لا عن ابن حرملة نفسه، وأما سليمان بن بلال، فروايته في الموضعين اللذَيْن عزا إليهما المؤلف إنما هي عن أبي ثفال أيضًا!
وكذلك لم يُذكر فيهما والدُ جدة رباح، وهو سعيد بن زيد، فحق هذه الرواية أن يذكرها المؤلف في اللون الثاني متابعةً لابن حرملة عليه، لا الأول!
لكن قد اختُلف على سليمان بن بلال[1]:
• فرواه سعيد بن كثير بن عفير عنه عن أبي ثفال عن رباح عن جدته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يذكر أباها، أخرجه من طريق سعيد: الطحاوي (1/27)، والحاكم (4/60)، وابن شاهين في الترغيب (95)،
• ورواه سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال عن عبدالرحمن بن حرملة عن أبي ثفال عن رباح عن جدته عن أبيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال سليمان: وقد سمعته من أبي ثفال، أخرجه عن سعيد: أبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (54) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/26)-.
وسعيد بن أبي مريم أوثق من سعيد بن عفير، فهو حافظ ثبت، وروايته أرجح. وهي متابعة صحيحة لعبدالرحمن بن حرملة عن أبي ثفال.
تنبيه: ضعّف الشيخ الألباني -رحمه الله- رواية سعيد بن عفير التي أخرجها الحاكم من طريق ابنه عبيدالله، فقال: (قلت: وهذا إسناد واهٍ جدًّا، آفته عبيدالله بن سعيد، قال ابن حبان: "لا يشبه حديثه حديث الثقات"، وغمزه ابن عدي)[2]، ولكن عبيدالله هذا متابَعٌ عن أبيه، تابعه عبدالرحمن بن الجارود[3] عند الطحاوي، وعثمان بن خرزاذ -وهو ثقة حافظ- عند ابن شاهين.
وإنما علة الرواية: ما سبق بيانه من مخالفة سعيد بن أبي مريم.
ووقع خلاف على الحسن بن أبي جعفر أيضًا[4].
7- ذكر (ص22) رواية أبي معشر، ثم نقل إسنادها من كتاب الدعاء للطبراني، وفيه: (محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا أبو معشر البراء...)، ثم قال: (ولكن اختُلف في سنده، فأخرجه أحمد (6/382) قال: حدثنا يونس، ثنا أبو معشر، عن عبدالرحمن بن حرملة... فذكره بمثله مع تقديم وتأخير.
فسقط ذكر سعيد بن زيد.
قلت -المؤلف-: ويظهر أن هذا الاختلاف من أبي معشر، واسمه يوسف بن يزيد...) ا.هـ.
وقد رواه جبارة بن المغلس عن أبي معشر أيضًا كما رواه يونس شيخ الإمام أحمد؛ أخرجه أبو بكر الدقاق في حديثه (41/2) -كما أفاده محقق علل الدارقطني (4/434)-.
والرواية التي أسندها أحمد في مسنده أشار إليها الدارقطني في العلل، فقال: (وخالفهم حفصُ بن ميسرة، وأبو معشر نجيح، وإسحاق بن حازم؛ فرووه عن ابن حرملة عن أبي ثفال عن رباح عن جدته أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكروا أباها في الإسناد)[5].
وقد نقل المؤلف كلام الدارقطني هذا بواسطة ابن حجر في التلخيص، وقد اختصره ابن حجر، فلم ينقل قوله: (نجيح)، والمؤلف قد اطلع على هذا الموضع من العلل ونقل منه -كما في (ص22) قبل رواية أبي معشر مباشرة-.
وأبو معشر نجيح هو نجيح بن عبدالرحمن السندي، وأبو معشر البراء هو يوسف بن يزيد البصري، وهما اثنان من طبقة واحدة، ولم يُذكر في تهذيب الكمال يونسُ وجبارةُ بن المغلس في الرواة عن أبي معشر البراء، وذُكرا في الرواة عن أبي معشر نجيح، ولم يُذكر محمد بن أبي بكر المقدمي في الرواة عن أبي معشر نجيح، وذُكر في الرواة عن أبي معشر البراء.
فالأظهر أن رواية يونس وجبارة إنما هي عن نجيح لا عن البراء، وهذا ما عيّن به الدارقطنيُّ أبا معشر.
وبه؛ تكون الروايتان مختلفتين، وكلٌّ روى وجهًا عن عبدالرحمن بن حرملة، فوافق أبو معشر البراء الجماعة، وخالفهم أبو معشر نجيح. والله أعلم.
8- قال (ص23): "وأما رواية إسحاق بن حازم فلم أقف عليها".
وهي في علل ابن أبي حاتم (2/357)، قال: (وسألت أبي عن حديث رواه أسد بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن إسحاق بن حازم -أو: خازم، شك أسد-، قال: أخبرني عبدالرحمن بن حرملة الأسلمي، عن ثفال بن أبي ثفال، عن رباح بن عبدالرحمن بن شيبان، عن أمه بنت زيد بن نفيل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لم يحبب الله من لم يحببني، ولم يحبني من لم يحبب الأنصار، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»...)[6].
وفي هذا الإسناد أخطاء، لذا قال أبو حاتم: (هذا خطأٌ في مواضع).
فقوله: (ثفال بن أبي ثفال) صوابه: أبو ثفال، وقوله: (رباح بن عبدالرحمن بن شيبان) صوابه: رباح بن عبدالرحمن بن أبي سفيان، وقوله: (عن أمه) صوابه: عن جدته، وقوله: (بنت زيد بن نفيل) صوابه: بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ويحتمل في الأخير هذا النسبة إلى الجد الأعلى.
9- رجح المؤلف (ص23) الوجه الأول عن عبدالرحمن بن حرملة، ونقل ترجيحه عن الدارقطني، وقد سبق أبو حاتم إلى ذلك، فقال: (والصحيح: عبدالرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري، عن رباح بن عبدالرحمن بن حويطب، عن جدته، عن أبيها سعيد بن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[7].
وهذا الترجيح إنما هو لكثرة الثقات الذين رووا هذا الوجه عن عبدالرحمن بن حرملة، ولأنه توبع عليه من جمع، إلا أنه ليس فيهم ثقة إلا سليمان بن بلال.
10- ثم نظر المؤلف (ص25) في حال أبي ثفال، وذكر تجهيل أبي حاتم والبيهقي له.
وقد جهَّله الإمام أحمد بن حنبل أيضًا، فنقل ابن قدامة عن الحسن بن محمد، قال: ضعَّف أبو عبدالله الحديثَ في التسمية، وقال: (أقوى شيءٍ فيه: حديثُ كثير بن زيد عن ربيح -يعني: حديث أبي سعيد-)، ثم ذكر ربيحًا، أي: (مَنْ هو؟! ومَنْ أبو ثفال -يعني: الذي يروي حديث سعيد بن زيد-؟!)، يعني: أنهم مجهولون، وضعَّف إسناده ا.هـ[8].
وذكر المؤلف قول البخاري فيه: (في حديثه نظر)، وفسَّره بأنه يطعن في صحة حديثه لا في صدقه، ثم ذكر قول ابن حبان: (ليس بالمعتمد على ما تفرد به)، ومن المفيد سياق كلام ابن حبان كله، قال -في ترجمة جدة رباح-: (ابنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، جدة رباح بن عبدالرحمن، لا أدري ما اسمها، تروي عن أبيها، روى عنها رباح بن عبدالرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، إلا أني لست بالمعتمد على ما انفرد به أبو ثفال المري)[9]، وهذه إشارة من ابن حبان إلى حديثنا هذا، وهي تقتضي أنه لا يصحح الحديث؛ لتفرد أبي ثفال به، وقد زاد في ترجمة أبي ثفال في الثقات أن في قلبه من هذا الحديث، لأنه قد اختُلف على أبي ثفال فيه[10]، وعلة الاختلاف مُجابٌ عنها، إلا أن علة التفرد باقية، وبها أعلّه البزار قبلُ، قال: (ورباح بن عبدالرحمن وجدَّتُهُ لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث، ولا حدَّث عن رباح إلا أبو ثفال، فالخبر من جهة النقل لا يثبت؛ للعلة التي وصفنا)[11].
وذكر العقيليُّ أبا ثفال في الضعفاء، وذكر كلمة البخاري فيه، وأسند حديثه هذا.
فأبو ثفال مجهولٌ إذن، وقد تفرد بهذا الحديث، فأعلّه الأئمة لذلك.
قال الذهبي في أبي ثفال: (ما هو بقوي، ولا إسناده يمضي)[12].
ورباح مجهول أيضًا -كما قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، ونقله المؤلف-.
وقد أعلّه بجهالة أبي ثفال ورباح: ابنُ القطان، وزاد إعلاله بجهالة جدة رباح، قال: (وفي إسناد هذا الكلام ثلاثة مجاهيل الأحوال:
أوَّلهم: جدة رباح، فإنها لا تعرف بغير هذا، ولا يُعرف لها اسم ولا حال، وغاية ما تعرفنا بهذا أنها ابنةٌ لسعيد بن زيد -رضي الله عنه-.
والثاني: رباح المذكور، فإنه مجهول الحال كذلك، ولم يعرف ابن أبي حاتم من حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإسناد: من روايته عن جدته، ورواية أبي ثفال عنه.
والثالث: أبو ثفال المذكور، فإنه أيضًا مجهول الحال كذلك، وهو أشهرهم؛ لرواية جماعةٍ عنه، منهم: عبدالرحمن بن حرملة وسليمان بن بلال وصدقة مولى الزبير والدراوردي والحسن بن أبي جعفر وعبدالله بن عبد العزيز، قاله أبو حاتم، فاعلم ذلك) ا.هـ[13].
وقد سُبِقَ ابنُ القطان إلى تجهيل جدة رباح، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام -وسبق نقل طرف من كلامه-: (فأما الحديثان الأولان، فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسنادهما؛ لوجود المرأة المجهولة في الأول...)[14]، ولم يُشر المؤلف إلى كلام أبي عبيد هذا.
وقد ردَّ الحافظ ابن حجر -فيما نقله المؤلف- تجهيل جدة رباح، بأن اسمها معروف، وأنها مذكورة في الصحابة، إلا أن ذِكْرها في الصحابة هو اعتمادٌ على الوجه الثاني من هذا الحديث، وسبق أنه مرجوح عن عبدالرحمن بن حرملة، وأما قول ابن حجر -بعد ذلك-: (وإن لم يثبت لها صحبة، فمثلها لا يُسأل عن حالها)، فلا أدري ما وجهه![15] وتجهيل أبي عبيد لها -بيانًا لسبب تضعيف بعض أهل الحديث لهذا الحديث- دليلٌ على أن تجهيلها قديم عند الأئمة، فالراجح أنها تابعية مجهولة أيضًا -كما قال أبو عبيد وابن القطان-.
وقد حاول الحافظ مغلطاي نفي جهالة الحال عن رباح وجدّته، إلا أنه لم يأتِ بما يرتفع به ذلك[16].
فالحديث اجتمع فيه ثلاثة مجاهيل، وأنكره العلماء على أبي ثفال -على جهالته- بتفرده به عن رباح، فإلى الضعف الشديد ما هو، ونصَّ ابن القطان على أنه "ضعيف جدًّا"، ويؤيده ما ذكره الحافظ مغلطاي في تفسير قول البخاري: (في حديثه نظر)، قال -بعد أن نقل ذلك-: (والبخاري إذا قال ذلك يكون غير محتمل عنده)[17].
لذا، فقد قال الإمام أحمد لما سئل عن الحديث: (لا يثبت)[18]، وسبق نقل كلمة البخاري في أن في هذا الحديث -حديث أبي ثفال- نظرًا عنده، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: (ليس عندنا بذاك الصحيح)، وقال البزار -وسبق-: (هذا الخبر من جهة النقل لا يثبت)، وضعفه ابن حبان -كما سبق أيضًا-، وما هذه حاله من الأحاديث لا يعتبر به، خاصة أن أحمد والبزار والعقيلي وغيرهم ضعفوا أحاديث الباب جميعها مع وقوفهم عليه -ويأتي ذلك قريبًا-.
وأما اعتبار البخاري هذا الحديث أحسن أحاديث الباب، فله اعتباره، وهو أحسن عنده من حديث أبي سعيد الخدري، لأنه أنكر أحاديث ربيح بن عبدالرحمن راويه، وأما هنا؛ فلم يعرف اسم أبي ثفال -كما نقل عنه الترمذي[19]-، وذكر أن في حديثه عن رباح نظرًا.
11- ذكر المؤلف (ص28) حديث سهل بن سعد، فذكر رواية عبدالمهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده، وبيَّن ضعفها الشديد، ثم ذكر أن أخاه أبيًّا تابعه عن أبيهما عباس، وذكر أن أبيًّا أخف ضعفًا من أخيه عبدالمهيمن، ونقل في ذلك عن الأئمة.
إلا أن رواية أبيّ معلولة لا تصح، وعلّتها رواية عبدالمهيمن ذاتها!
فالحديث رواه الحافظ دحيم عبدالرحمن بن إبراهيم عن ابن أبي فديك عن عبدالمهيمن به، أخرجه من طريقه ابن ماجه (400) والطبراني في الكبير (5698)،
ورواية أُبيّ أخرجها الطبراني في الكبير (5699) وفي الدعاء (382) قال: حدثنا عبدالرحمن بن معاوية العتبي المصري، ثنا عبيدالله بن محمد المنكدري، ثنا ابن أبي فديك، عن أبيّ... به.
وعبدالرحمن بن معاوية شيخ الطبراني مجهول الحال[20]، وشيخه عبيدالله بن محمد المنكدري لم أعرفه، ووقع في مطبوعة الكبير: عبيدالله بن محمد بن المنكدري، ونقل الإسنادَ ابنُ عبد الهادي، فجاء فيه: عبيدالله بن محمد الكندي[21]، ونقله ابن القيم، فجاء فيه: عبيدالله بن محمد بن المنكدر[22]، وأسنده ابن حجر، فجاء فيه: عبيدالله بن المنكدري[23]، وروايته هذه عن ابن أبي فديك منكرة، إذ خالف الحافظ دحيمًا، فأبدل عبدالمهيمن بأبيّ، وإنما هو حديث عبدالمهيمن، وبهذا أعلّه ابن عبد الهادي وابن القيم وابن كثير والسخاوي:
قال ابن عبد الهادي -بعد أن نقل إسناد رواية أبيّ-: (وقد روي عن ابن أبي فديك عن عبدالمهيمن بن عباس، وهو أشبه بالصواب)[24].
وقال ابن القيم: (فإن كان عبدالمهيمن قد سرقه من أخيه؛ فلا يضر الحديث شيء، ولا ينزل عن درجة الحديث الحسن، وإن كان ابن أبي فديك أو من دونه غلط من عبدالمهيمن إلى أخيه أبيّ، وهو الأشبه -والله أعلم-؛ لأن الحديث معروف بعبدالمهيمن= فتلك علّة قوية فيه)[25].
وقال ابن كثير -بعد أن ذكر رواية عبدالمهيمن وضعفها-: (وقد رواه الطبراني من رواية أخيه أبيّ بن عباس، ولكن في ذلك نظر، وإنما يُعرف من رواية عبدالمهيمن)[26].
وقال السخاوي -بعد أن ذكر رواية عبدالمهيمن-: (وقد أخرجه الطبراني وأبو موسى المديني من رواية أخيه أبيّ بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده، وصححه المجد الشيرازي، وفي ذلك نظر، لأنه إنما يُعرف من رواية عبدالمهيمن)[27].
فالرواية المُتابِعةُ هنا معلولةٌ بالرواية المُتابَعَة، ولا يصح تقويتها بها، أو اعتبارها إسنادًا معتبرًا به لهذا الحديث.
ثم وجدتُ المؤلف نقل كلام السخاوي المذكور -في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (126)، ولم ينقله في كشف المخبوء-، ثم قال: (فيرى السخاوي -رحمه الله تعالى- أن رواية أبيّ لا تشهد لرواية عبدالمهيمن، وهذا رأيٌ سديد، فإن أبيّ بن العباس إنما وافق أخاه في الفقرتين الأوليين فقط، ولم يروِ الفقرتين الثالثة والرابعة، وفيهما النكارة، أما الفقرتان الأوليان، فلهما شواهد صحيحة...) ا.هـ.
والسخاوي إنما يُعلّ إحدى الروايتين بالثانية، فهو يرد على تصحيح رواية أبيّ، ويقول: (إنما يُعرف من رواية عبدالمهيمن)، ومعناه: أن رواية أبيّ ضعيفةٌ غير معروفة، وأن المعروف في هذا الحديث: رواية عبدالمهيمن، وليس مقصوده: أن رواية أبيّ "لا تشهد لرواية عبدالمهيمن"؛ لأنه لا يُنظر في كون الرواية المتابِعة تشهد للرواية المتابَعة أو لا تشهد= إلا بعد ثبوتهما جميعًا، فإذا ثبتت الرواية المتابِعة؛ نُظر في متنها ومدى صلاحيته لتقوية الرواية المتابَعة والشهادة لها.
ولم تثبت الرواية المتابِعة هنا، حيث لم يصح أن أُبيًّا روى الحديث عن أبيه متابعًا لأخيه، فذِكْرُ أبيٍّ في الإسناد خطأٌ من رجلٍ مجهول، خالفه حافظٌ إمام -كما سبق بيانه-، وهذا الذي يشير إليه السخاوي، ومن ثَمّ فلا يُفهم من كلامه أنه يرى قصور متن رواية أبيّ عن الشهادة لمتن رواية عبدالمهيمن؛ لعدم تحقق المقدمة المذكورة.
هذا فضلاً عن أن رواية أبيّ التي في معجم الطبراني والدعاء له= فيها الفقرات الأربع جميعًا، ولا أدري ما وجه قول المؤلف: إن أُبيًّا لم يروِ الفقرتين الثالثة والرابعة!
إلا إن كان اعتمد على اختصار ابن حجر في نتائج الأفكار، فإنه أسند رواية أبيّ من طريق الطبراني، واختصر متنه، فلم يذكر إلا الفقرتين الأوليين!
فإن صح؛ فغريبٌ من المؤلف ذلك، والرواية الأصلية بين يديه في المعجم والدعاء، وقد خرجها منهما!
12- نبّه المؤلف (ص37) إلى أن الحديث حسن على أقل أحواله بمثل هذه الشواهد، وهي حديث أبي سعيد، وبعض طرق حديث أبي هريرة، وسعيد بن زيد، وسهل بن سعد، وما عدا ذلك فضعفه لا يحتمل.
وقد بان في هذه التعليقات أن هذه الشواهد لا ترقى إلى أن تتقوى فيحسن الحديث بها:
أ- فحديث أبي سعيد الخدري فيه رجلان، أحدهما ضعيف، والآخر منكر الحديث على قلّتِهِ.
ب- وحديث أبي هريرة جاء من طرق:
• إحداها (رواية يعقوب بن سلمة عن أبيه) فيها جهالة، وضعف، وانقطاع في موضعين.
• والأخرى (رواية محمد بن سيرين) تفرد بها مجهولٌ عن محمد بن سيرين، وأنكرها من الأئمة ابن الجوزي وابن حجر.
• والثالثة (رواية أبي سلمة) فيها ضعيف أتى بما لا يحتمله شيخه، وأنكرها الحافظ الذهبي.
• والرابعة (رواية مجاهد) تفرد بها ضعيف، وفيها جهالة، ولو صحت عن مجاهد لرواها عنه كبار أصحابه، ولَمَا انفردت بها هذه الطريق الضعيفة، وأنكرها الحافظ الذهبي.
ج- وأما حديث سعيد بن زيد، ففيه ثلاثة مجاهيل، وأنكر الأئمة تفرد أحدهم (وهو أبو ثفال) بالحديث، وذكروا أن في حديثه نظرًا، فضعفوه لذلك.
د- وأما حديث سهل بن سعد، فالإسناد الذي أحسب المؤلفَ يجعله صالحًا للاستشهاد: هو إسناد أبيّ بن عباس بن سهل، وقد بان أنه منكر من أحد المجاهيل، خالفه أحد الحفاظ؛ فعاد به إلى رواية عبدالمهيمن بن عباس، وهي ضعيفة جدًّا.
فهذه طرق الحديث التي قوّاه بها المؤلف.
وقد وقف على أقوى ما فيها الأئمة فلم يقوّوها ببعضها:
فوقف أحمد بن حنبل على حديث أبي سعيد وحديث سعيد بن زيد.
ووقف البزار عليهما أيضًا.
ووقف العقيلي عليهما أيضًا.
ووقف ابن المنذر على حديث سعيد بن زيد.
ووقف البيهقي على الحديثين وغيرهما.
وهذا الذي نعرفه عن هؤلاء بيقين، حيث ذكروا هذه الأحاديث في كلامهم، ولا يبعد على مثلهم البتة الوقوف على أحاديث الباب كلها.
ومع ذلك، نجد أحمدَ يقول -في رواية أبي داود-: (ليس فيه إسناد)[28]، ويقول -في رواية ابن هانئ-: (لا يثبت حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيه)[29]، ويقول -في رواية أبي زرعة الدمشقي-: (فيه أحاديث ليست بذاك... ولم تثبت سنة)[30]، ويقول -في رواية الأثرم-: (ليس في هذا حديث يثبت... ليس في هذا حديث أحكم به)[31]، ويقول -في رواية إسحاق الكوسج-: (لا أعلم فيه حديثًا له إسناد جيد)[32]، ويقول -في رواية الكوسج أيضًا، وفي رواية أحمد بن حفص-: (لا أعلم فيه حديثًا يثبت)[33].
والبزارَ يقول: (وكل ما روي في ذلك فليس بقوي الإسناد، وإن تأيّدت هذه الأسانيد)[34].
والعقيليَّ يقول: (الأسانيد في هذا الباب فيها لين)[35].
وابنَ المنذر يقول: (ليس في هذا الباب خبرٌ ثابت يوجب إبطال وضوء من لم يذكر اسم الله عليه)[36].
والبيهقيَّ يقول: (وأما ما روي عن أبي هريرة وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا وضوء إن لم يذكر اسم الله عليه»؛ فأسانيده غير قوية)[37].
وقد قال البخاريُّ في حديث أبي ثفال عن رباح عن جدته عن أبيها سعيد بن زيد: (ليس في هذا الباب حديثٌ أحسن عندي من هذا)[38]، وهو الذي قال في أبي ثفال: (في حديثه نظر)، فالظاهر أنه يضعف جميع أحاديث الباب، وأحسنها عنده هذا الحديث، وهو ضعيف عنده أيضًا.
فلم يقوِّ أحد هؤلاء الأئمة الكبار -وهم أهل الأقدام الراسخة والقامات السامقة في نقد الحديث وتصحيحه وتضعيفه-= هذه الأحاديث ببعضها، ولا حكموا بحسنها لشواهدها، لا لعدم صحة أساس التحسين بالشواهد عندهم، بل لعدم صلاح هذه الأحاديث للاستشهاد، ومن ثم تحسينها أو تصحيحها بذلك.
وكلمة البزار كالصريحة في أن أسانيد هذا الحديث وإن كثرت وتعددت واختلفت مخارجها، فإنها لا تقبل التعاضد والتقوِّي.
وهذا ظاهر عند النظر والتدقيق في أسانيد الحديث، وهو ما تبيَّن في هذه التعليقات.
ومما يضعَّف به الحديث:
1- ما أشار إليه الإمام أحمد، قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: فما وجه قوله: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»؟ قال: (فيه أحاديث ليست بذاك، وقال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، فلا أوجب عليه، وهذا التنزيل، ولم تثبت سنة)[39]، فهذه صفة الوضوء في الآية، لم تذكر فيها التسمية.
2- والأحاديث الصحيحة الواصفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تذكر التسمية أيضًا.
والله أعلم.
ـــــــــــــــ ــــــ
[1] لم يكن الشيخ الحويني أشار إلى هذا الاختلاف في كشف المخبوء، إلا أنه وقف - في بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبدالرحمن (2/350) - على رواية أبي عبيد في الطهور من طريق سليمان بن بلال، لكنه لم يشر إلى الخلاف عليه، وألحق رواية أبي عبيد برواية الطحاوي والحاكم، وجعلهم جميعًا يروون الحديث من طريق سليمان بن بلال عن عبدالرحمن بن حرملة! مع أن في الأمر تفصيلاً على النحو الذي سأشرحه الآن.
[2] الضعيفة (10/348).
[3] له ترجمة في تاريخ بغداد (10/272).
[4] لم يكن الشيخ أثبته في كشف المخبوء، ثم أثبته في بذل الإحسان (2/350).
[5] العلل (4/434).
[6] ثم وقف عليها الشيخ وأثبتها -في بذل الإحسان (2/353)-.
[7] علل ابن أبي حاتم (2/357)، ومع وقوف الشيخ على ترجيح أبي حاتم الرازي هذا، ونقله إياه في الكلام على رواية إسحاق بن حازم، إلا أنه لم يثبته في ترجيحه النهائي، وأبقى على ذكر ترجيح الدارقطني فقط.
[8] المغني (1/146)، ووقع في مطبوعة هجر: (من هو؟ ومن أبوه؟ فقال: يعني الذي يروي...)، وهو خطأ، ونقل النصَّ ابنُ تيمية -في شرح العمدة (1/169-الطهارة)- فجاء على الصواب، ونقل الجزءَ المتعلقَ بأبي ثفال ابنُ الجوزي -في التحقيق (1/143)-، ثم ابنُ عبد الهادي -في تعليقته على علل ابن أبي حاتم (ص142)-، فنقلا: (مَنْ أبو ثفال؟!).
[9] الثقات (5/594).
[10] الثقات (8/157، 158).
[11] نقله المؤلف (ص26) مختصرًا، وهو بتمامه عند ابن دقيق العيد -في الإمام (1/449)-، ومنه نقلت.
[12] ميزان الاعتدال (4/508).
[13] بيان الوهم والإيهام (3/314).
[14] الطهور (ص66).
[15] أشار بعض الباحثين الفضلاء إلى أن "وجهه أنها من كبار التابعين الذين هم أقرب لزمن الصحبة، حيث لم يفشُ الكذب ولم يعرف إلا نادرًا، وهؤلاء قد جرى الأئمة كثيرًا على تمشية حالهم، والاعتبار بهم"، وهذا صحيح من حيث أصله، إلا أنه قد يكون في هذه القاعدة (التخفّف في جهالة كبار التابعين) نظرٌ مع إيراد بعض الأئمة هذا الحديث في الأحاديث المناكير، وتضعيف الأئمة له، بل وتعليل بعضِهم إياه بجهالة هذه التابعية نفسها.
[16] شرح ابن ماجه (1/341).
[17] السابق.
[18] ضعفاء العقيلي (1/177).
[19] العلل الكبير (ص32-ترتيبه).
[20] انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص357، 358).
[21] تنقيح التحقيق (2/276).
[22] جلاء الأفهام (ص47).
[23] نتائج الأفكار (1/232).
[24] تنقيح التحقيق (2/276).
[25] جلاء الأفهام (ص47).
[26] تفسيره (6/461).
[27] القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص256، 257).
[28] مسائل أبي داود (ص11).
[29] مسائل ابن هانئ (1/3).
[30] تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1828).
[31] التحقيق، لابن الجوزي (1/143).
[32] مسائل الكوسج (2/263).
[33] مسائل الكوسج (2/381)، الكامل، لابن عدي (6/67).
[34] الإمام، لابن دقيق العيد (1/449).
[35] الضعفاء (1/177).
[36] الأوسط (1/368).
[37] معرفة السنن (1/266).
[38] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص31، 32).
[39] تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1828).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
43-(1/162، 163) (ويسن إبقاء شعر الرأس... ويكون إلى أذنيه، وينتهي إلى منكبيه؛ كشعره -عليه السلام-).
أخرج البخاري (5901) من طريق إسرائيل، و(3551) ومسلم (2337) من طريق شعبة، و(2337) من طريق سفيان، كلاهما عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: ... إن جمته -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- لتضرب قريبًا من منكبيه، لفظ إسرائيل[1]، وقال شعبة -في رواية البخاري-: له شعر يبلغ شحمة أذنه، وقال -في رواية مسلم-: عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، وقال سفيان: شعره يضرب منكبيه.
وأخرج البخاري (5903، 5904) ومسلم (2338) من طريق همام، عنقتادة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يضرب شعرُه منكبيه.
وأخرج البخاري (5905) ومسلم (2338) من طريق جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس، قال: كان شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً، ليس بالسبط ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه.
وأخرج مسلم (2338) من طريق حميد، عن أنس قال: كان شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أنصاف أذنيه.
وانظر: المسند الجامع (1333-1335، 1805).
44-(1/179، 180) (والوضوء... وكان فرضه مع فرض الصلاة -كما رواه ابن ماجه، ذكره في المبدع-)، قال ابن قاسم (1/180): (ولفظه: أن جبريل علم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الوضوء عند نزوله عليه بالوحي. وهو من طريق رشدين بن سعد، وأخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة، والطبراني من طريق الليث، موصولاً).
1- تخريج حديث أسامة بن زيد، وأبيه زيد بن ثابت -رضي الله عنهما-:
أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (661) -وعنه أبو زرعة الرازي في "المختصر" كما ذكر ابن أبي حاتم في العلل (1/46)، وعنه أيضًا ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (259)-، وأحمد (4/161)، وعبد بن حميد في مسنده (283-المنتخب) -ومن طريقه لؤلؤ في جزئه (ص24)-، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (72-بغية الباحث، 579/3-إتحاف الخيرة المهرة) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (8/56) والاستذكار (1/184) وأبو موسى المديني في اللطائف (168)-، أربعتهم -ابن أبي شيبة وأحمد وعبد والحارث- عن الحسن بن موسى الأشيب، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/300) -ومن طريقه البيهقي (1/161)، وأبو الحسن القطان في زوائده على سنن ابن ماجه (عقب 462) عن أبي حاتم الرازي، والطبراني في الكبير (5/85) عن بكر بن سهل، ثلاثتهم -يعقوب وأبو حاتم وبكر- عن عبدالله بن يوسف التنيسي، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (258) والأوائل (38)، والطبراني في الكبير (5/85) عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، وابن عدي في الكامل (4/150) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2858) والخطيب في تاريخ بغداد (10/363) والمزي في تهذيب الكمال (10/40) من طريق أحمد بن محمد بن خالد البراثي، والدارقطني (1/111) عن أبي القاسم البغوي، أربعتهم -ابن أبي عاصم وعبدالله بن أحمد والبراثي والبغوي- عن كامل بن طلحة، والبزار (1332) عن إبراهيم بن زياد، وابن المنذر في الأوسط (151) من طريق الرمادي، كلاهما عن الحجاج بن محمد، وابن ماجه (462) من طريق حسان بن عبدالله، وابن المنذر في الأوسط (152) من طريق أسد بن موسى، والطبراني في الأوائل (18)، والحاكم (3/217) عن محمد بن عبدالله التاجر، كلاهما -الطبراني والتاجر- عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبيه، سبعتهم -الأشيب والتنيسي وكامل بن طلحة والحجاج وحسان وأسد وعثمان بن صالح- عن عبدالله بن لهيعة، وأحمد (5/203)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/895)، وعبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه (5/203)، والدارقطني (1/111) من طريق حمدان بن علي، أربعتهم -أحمد وابنه والحربي وحمدان- عن الهيثم بن خارجة، عن رشدين بن سعد، والطبراني في الأوسط (3901) عن علي بن سعيد الرازي، عن محمد بن عاصم الرازي، عن سعيد بن شرحبيل، عن الليث بن سعد، ثلاثتهم -ابن لهيعة ورشدين والليث- عن عقيل، والدارقطني (1/111) من طريق حمدان بن علي، عن الهيثم بن خارجة، عن رشدين بن سعد، عن قرة، وأبو موسى المديني في اللطائف (167) من طريق أحمد بن محمد بن عمر بن يونس، عن جده، عن أيوب بن محمد، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، ثلاثتهم -عقيل وقرة والمهاجر- عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، أن جبريل -عليه السلام- أتاه في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء، فنضح بها فرجه. لفظ أحمد عن الحسن بن موسى، وللباقين نحوه، لكنهم يختلفون في ذكر الصلاة، ويُختَلَف على بعضهم في ذلك، وقال بعض الرواة: وضوءَ الصلاة.
ولم يذكر رشدين بن سعد في روايته عن عقيل وقرة زيدَ بن حارثة، بل جعله عن أسامة بن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد اختلف الرواة في صيغة رواية الحديث:
فأما ابن لهيعة:
فقال أحمد وعبد بن حميد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة: عن زيد بن حارثة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل -عليه السلام- أتاه...، وقال ابن أبي شيبة والحارث عن الحسن: عن زيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل.
وقال عبدالله بن يوسف عن ابن لهيعة: عن زيد، أن جبريل نزل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه.
وقال ابن أبي عاصم عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة: عن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أتاه جبريل...، وقال عبدالله بن أحمد عن كامل: عن زيد، أن جبريل -عليه السلام- نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه...، وقال البراثي عن كامل: عن زيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما أراني جبريل...»، وقال البغوي عن كامل: عن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه.
وقال إبراهيم بن زياد عن الحجاج بن محمد عن ابن لهيعة: عن زيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل...، وقال الرمادي عن الحجاج: عن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل...»[2]، وقال حسان بن عبدالله عن ابن لهيعة: عن زيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «علمني جبريل...»، وقال أسد بن موسى عن ابن لهيعة: عن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل...»، وقال الطبراني عن يحيى بن عثمان بن صالح عن أبيه عن ابن لهيعة: عن زيد، قال: أول ما علم جبريل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-...، وقال محمد بن عبدالله التاجر عن يحيى بن عثمان: عن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتاه جبريل في أول ما أوحي إليه.
وأما رشدين بن سعد في روايتيه:
فقال أحمد وابنه عن الهيثم بن خارجة عن رشدين: عن أسامة بن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن جبريل -عليه السلام- لما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-...، وقال حمدان بن علي عن الهيثم: عن أسامة، أن جبريل -عليه السلام- لما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-...، وقال الحربي عن الهيثم: عن أسامة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما علمه جبريل.
وأما الليث بن سعد، فجاءت روايته: عن زيد بن حارثة، أن جبريل نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه.
وأما المهاجر بن عكرمة، فجاءت روايته: أن زيد بن حارثة حدَّث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول ما أوحي إليه علمه جبريل.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في الحديث في صيغ الأداء كما شُرح، وكل ذلك راجع إلى صيغتين:
الأولى: عن الصحابي، أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-...، فحكى الصحابي القصةَ بين جبريل والنبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا أكثر الرواة، وبعضهم يُدخل فيه: (عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)، وليس المراد بهذه الصيغة إسنادَ الرواية، بل المراد: أن الصحابي يحكي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وقع له ذلك.
الثانية: عن الصحابي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل...»، أو: «علمني جبريل...» أو: «لما أراني جبريل وضوء الصلاة...»، فجعل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يحكي الواقعة، وهذا قاله البراثي عن كامل بن طلحة، وحسان بن عبدالله، وأسد بن موسى، ثلاثتهم عن ابن لهيعة.
وقد اختُلف في الحديث على عقيل -وهو ابن خالد الأيلي-:
• فرواه ابن لهيعة عنه، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثة.
• ورواه رشدين بن سعد عنه به، ولم يذكر: عن أبيه، فجعله من مسند أسامة.
وتوبع ابن لهيعة على روايته، تابعه الليث بن سعد، حيث أخرج الطبراني روايته، وقال: (لم يروِ هذا الحديث عن الليث إلا سعيد بن شرحبيل، والمشهور من حديث ابن لهيعة)، وفي إسناد الطبراني: شيخه علي بن سعيد الرازي، قال فيه الدارقطني: (ليس في حديثه بذاك... حدث بأحاديث لم يتابع عليها)، وقد تكلم الدارقطني فيه من جهة دخوله في أعمال السلطان، ومن جهة حديث أيضًا، فنَقَدَهُ من الجهتين، ولم يكن كلامه فيه لمجرد دخوله في أعمال السلطان، وقد أثنى عليه بالثقة والحفظ والفهم والعلم بالحديث[3]، وهذا لا ينفي النكارة التي تقع في الأحاديث التي يتفرد بها، وهذا الإسناد منها، وقد أشار إلى نكارته الطبراني حيث قال: (والمشهور: من حديث ابن لهيعة)، فاستغربه من حديث الليث، وردَّه إلى حديث ابن لهيعة، وقد أعلَّه كذلك الحافظ ابن حجر، قال: (وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولاً، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة)[4].
وهذا الإسناد المتفرَّد به في غير طبقة من الطبقات المتأخرة؛ الذي ينتهي إلى الليث في حفظه وثقته وتقدمه، مع كون الحديث مشهورًا من حديث ابن لهيعة= إسنادٌ منكر، لا يصح أن يعتبر به، وإنما الحديث حديث ابن لهيعة، فأخطأ بعض الرواة وأبدله بالليث.
وهذا الحديث رواه ابن لهيعة -على ضعفه- فذكر فيه زيد بن حارثة، قال ابن عدي: (وهذا الحديث بهذا الإسناد لا أعلم يرويه غير ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري)[5]، وخالفه رشدين بن سعد -وهو أضعف من ابن لهيعة في رأي ابن معين وأحمد وأبي حاتم- فلم يذكر فيه زيدًا، واختُلف على ابن لهيعة في جعله من كلام زيد بن حارثة، أو من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختُلف على ابن لهيعة أيضًا في ذكر الصلاة في المتن وعدم ذكرها، وهذا الاختلاف على ابن لهيعة، ومخالفة رشدين له= إنما هو اضطراب من هذين الضعيفين، وهي رواياتٌ متفاوتةٌ منهما عن الحافظ الثقة الحجة عقيل بن خالد، عن الحافظ الإمام الزهري، ورواية عقيل عن الزهري من أصح الروايات؛ إذ هو من أوائل المقدَّمين فيه، وحديثه محفوظ عند الليث بن سعد وغيره من الثقات، ولا يقبل أن ينفرد عنه -والحال كذلك- ضعيفان يضطربان في روايتيهما، بل هذا في درجة من النكارة شديدة.
ولهذا؛ فقد أبطله وكذَّبه أبو حاتم الرازي، قال: (هذا حديثٌ كذبٌ باطل)[6]، والكذب يستعمل في شدة الخطأ، وقد لا يُراد به الوضع، ووافق أبا حاتم ابنُه، حيث ذكر أن أبا زرعة أخرج هذا الحديث في كتاب "المختصر"، فلما رأى ابن أبي حاتم شدة النكارة في الحديث قال: (فظننتُ أنه أخرجه قديمًا للمعرفة)[7]، يعني: أن أبا زرعة إنما أخرج الحديث في الكتاب قديمًا حال جمعه الروايات والطرق، وذلك ليعرف أن الحديث مروي من هذه الطريق، ويعرف علّته، لا ليحتج به ويصححه.
وكتابة الحديث للمعرفة شطرٌ من منهج الأئمة المتقدمين في الأحاديث الواهية من أحاديث المتروكين والضعفاء، قال الحاكم: (وكذلك من بعدهم -يعني: مالكًا والشافعي وأبا حنيفة- من أئمة المسلمين قرنًا بعد قرن، وعصرًا بعد عصر، إلى عصرنا هذا= لم يخلُ حديثُ إمامٍ من أئمة الفريقين[8] عن مطعونٍ فيه من المحدثين، وللأئمة فى ذلك غرضٌ ظاهر: وهو أن يعرفوا الحديث: من أين مخرجه؟ والمنفرد به عدلٌ أو مجروح؟)[9]، وقال ابن رجب: (فرقٌ بين كتابةِ حديثٍ وبين روايته، فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء[10] لمعرفتها، ولم يرووها، كما قال يحيى: "سجرنا بها التنور"[11]، وكذلك أحمد؛ خرق حديثَ خلقٍ ممن كتب حديثهم، ولم يحدث به، وأسقط من المسند حديث خلقٍ من المتروكين لم يخرجه فيه، مثل: فائد أبيالورقاء وكثير بن عبدالله المزني وأبان بن أبي عياش وغيرهم، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف.
والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين غلب عليهم الخطأ للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف، مثل من في حفظه شيء أو يختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه، وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل، وأما الذين كتبوا حديث الكذابين من أهل المعرفة والحفظ؛ فإنما كتبوه لمعرفته، وهذا كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل...)[12]، فكتابة الحديث للمعرفة تدل على وهنه ونكارته.
والظاهر أن منشأ الخطأ عند هذين الضعيفين: ما ذكره ابن حجر، قال: (... أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود -يتيم عروة-، عنه[13]، أن جبريل علَّم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الوضوءَ عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل)[14]، وهذا أصح، والظاهر أن ابن لهيعة ضبطه حين أخرجه في كتابه في مغازي أبي الأسود عن عروة، فرواه عن أبي الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل -يتيم عروة-، عن عروة، به مرسلاً، إلا أنه لما حدَّث به الرواةَ خلَّط -لضعفه-؛ فرواه عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه. والله أعلم.
وقد جاءت متابعتان لعقيل عن الزهري:
إحداهما: رواية قرة -فيما رواية حمدان بن علي عن الهيثم بن خارجة عن رشدين عنه-، وفي إسنادها شيخ الدارقطني: محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب، ثقة يروي مناكير[15]، ولم يَذكر قرةَ أحمدُ وابنُه عبدالله وإبراهيمُ الحربي عن الهيثم بن خارجة عن رشدين، فالأصح عدم ذكره. وقد سبق بيان حال رشدين في الضعف، ولا يحتمل من مثله التفرد برواية الوجهين: عن عقيل وعن قرة، مع المخالفة فيهما.
الثانية: رواية المهاجر بن عكرمة عن الزهري، وفي إسنادها: أحمد بن محمد بن عمر بن يونس، كذَّبه سلمة بن شبيب وأبو حاتم الرازي وابن صاعد، وضعَّفه وتركه غيرهم، وحدَّث بنسخ مناكير[16]، وفي إسنادها أيضًا: أيوب بن محمد الراوي عن يحيى بن أبي كثير، وهو ضعيف منكر الحديث[17].
فهذه المتابعة ساقطة لا اعتداد بها.
2- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (463)، والترمذي (50) -ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (586)، والبزار (8844)، وأبو يعلى (6356) -وعنه ومن طريق أخرى ابن عدي في الكامل (2/321)-، والعقيلي في الضعفاء (1/234)، وابن حبان في المجروحين (1/235)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/47، 48)، كلهم من طريق سلم بن قتيبة، عن الحسن بن علي الهاشمي، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح»، لفظ الترمذي، وللباقين نحوه، وفي لفظ العقيلي: أن جبريل -عليه السلام- علَّم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الوضوء، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح.
دراسة الإسناد:
قال الترمذي: (هذا حديث غريب)، وقال البزار: (وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد)، وقال العقيلي-بعد أن أسنده وأسند حديثًا آخر للحسن بن علي الهاشمي راويه-: (لا يتابع عليهما من هذا الوجه).
والحسن بن علي الهاشمي هذا هو الحسن بن علي بن محمد بن ربيعة بن نوفل، وهو ضعيف الحديث منكَرُه، ونصَّ الدارقطني على نكارة ما يرويه عن الأعرج خاصة، وهذا منها.
ولهذا فقد استنكر هذا الحديث الأئمة، بل قال ابن حبان -فيه وفي حديث آخر-: (جميعًا باطلان)[18].
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] ولم يذكره البخاري بإسناده، وإنما علقه عن بعض أصحابه، عن مالك بن إسماعيل (شيخه في هذا الحديث).
[2] رواية الرمادي قرنها ابن المنذر برواية أسد بن موسى، والظاهر أن هذا السياق لأسد بن موسى.
[3] انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص430، 431).
[4] فتح الباري (1/233).
[5] الكامل (4/150).
[6] العلل، لابنه (1/46).
[7] العلل (1/46).
[8] لعله يعني: أهل الحديث وأهل الرأي.
[9] المدخل إلى كتاب الإكليل (ص31).
[10] يعني ابنُ رجب: من اشتدَّ ضعفهم، وهو هنا يفصل فيما أجمله الحاكم من تجويز الرواية عن الضعفاء من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط.
[11] يعني: ما نقله قبله من طريق ابن معين، قال: (كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا).
[12] شرح علل الترمذي (1/384-387).
[13] يعني: عن عروة.
[14] فتح الباري (1/233).
[15] انظر: الدليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني، لنايف المنصوري (ص331، 332).
[16] انظر: لسان الميزان (1/282).
[17] انظر: لسان الميزان (1/487).
[18] المجروحين (1/235).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
45-(1/183) ("و" الثالث "مسح الرأس" كله، "ومنه الأذنان"؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الأذنان من الرأس»، رواه ابن ماجه).
1- تخريج حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -:
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (88، 359)، وأحمد (5/258) -وعنه الأثرم في سننه (8)-، والطبراني في الكبير (8/143) عن أحمد بن محمد السوطي[1]، ثلاثتهم عن عفان بن مسلم، وأحمد (5/264) عن يونس بن محمد المؤدب، و(5/268) عن يحيى بن إسحاق، وابن ماجه (444) والروياني (1247) والدارقطني في السنن (1/103) والمؤتلف (3/1206) وابن دقيق العيد في الإمام (1/500) والمزي في تهذيب الكمال (12/148) من طريق محمد بن زياد الزيادي، وأبو داود (134) -ومن طريقه البيهقي (1/67)-، والدارقطني (1/104) -ومن طريقه البيهقي في السنن (1/66) والخلافيات (229)- من طريق يوسف بن موسى القطان، كلاهما -أبو داود والقطان- عن سليمان بن حرب، وأبو داود (134) -ومن طريقه البيهقي (1/67)- والترمذي (37) عن قتيبة بن سعيد، وأبو داود (134) -ومن طريقه البيهقي (1/67)-، والبيهقي (1/66) من طريق يوسف بن يعقوب القاضي، كلاهما -أبو داود ويوسف القاضي- عن مسدد، وأبو مسلم الكجي في سننه -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/504)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (8/143) وأبو بكر الجصاص الرازي في أحكام القرآن (3/360) والدارقطني في السنن (1/103)[2]- عن حفص بن عمر أبي عمر الضرير، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، والطبري في تفسيره (10/32) عن أبي كريب، والدارقطني (1/103) من طريق محمد بن شاذان، كلاهما عن معلى بن منصور، والطبري في تفسيره (10/32) عن محمد بن عبدالله بن بزيع، والطبري في تفسيره (10/32) عن أبي كريب، والطوسي في مستخرجه على الترمذي (33) عن محمد بن عثمان بن كرامة، والبيهقي في الخلافيات (219) من طريق أحمد بن عبدالحميد الحارثي، ثلاثتهم -أبو كريب وابن كرامة والحارثي- عن أبي أسامة حماد بن أسامة، وابن المنذر في الأوسط (362) من طريق عبدالله بن الجراح، والطحاوي في شرح المعاني (1/33) من طريق يحيى بن حسان، والطبراني في الكبير (8/142، 143) من طريق محمد بن الفضل عارم، وخالد بن خداش، وابن عدي في الكامل (3/440) من طريق أحمد بن عبدة، والدارقطني (1/103) من طريق الهيثم بن جميل، والخطابي في غريب الحديث (1/145، 146) من طريق عبدالوارث بن عبيدالله، عن عبدالله بن المبارك[3]، والبيهقي في السنن (1/66) من طريق سليمان بن داود أبي الربيع الزهراني، كلهم -عشرون راويًا- عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة أبي ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال: «الأذنان من الرأس»، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين. لفظ يونس بن محمد، ويأتي بيان اختلاف الألفاظ في دراسة الأسانيد؛ لارتباطه بها.
إلا أن سليمان بن حرب وقف الحديث على أبي أمامة، ونقل يونس بن محمد وقتيبة بن سعيد ومعلى بن منصور[4] أن حماد بن زيد كان يشك بين رفع الحديث ووقفه، وشك محمد بن عبدالله بن بزيع بين كون الصحابي أبا أمامة أو أبا هريرة.
وابن عدي في الكامل (1/191) والدارقطني (1/104) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (235)- من طريق عيسى بن يونس، و(1/104) من طريق شريح بن يزيد أبي حيوة، كلاهما -عيسى وشريح- عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة به.
إلا أن شريحًا أرسله، فجعله عن راشد بن سعد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يذكر أبا أمامة.
وابن عدي في الكامل (7/240) من طريق يحيى بن كثير، والدارقطني (1/104) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (231)- من طريق علي بن عاصم، وأبي جابر، ثلاثتهم عن جعفر بن الزبير، وتمام في الفوائد (1571) وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/150) من طريق سليمان بن عبدالرحمن، عن عثمان بن فائد، عن أبي معاذ الألهاني، كلاهما -جعفر بن الزبير والألهاني- عن القاسم بن عبدالرحمن أبي عبدالرحمن الشامي، عن أبي أمامة به.
دراسة الأسانيد:
أ- رواية شهر بن حوشب عنه:
مدار هذه الرواية على حماد بن زيد، ولم يُختلف عليه في كون الحديث عن أبي أمامة، وأما شك محمد بن عبدالله بن بزيع في صحابي الحديث بين أبي أمامة وأبي هريرة؛ فمُطَّرح؛ لاتفاق جمع الرواة عن حماد بجعله أبا أمامة.
وقد نُقل عن حماد أنه كان يشك في رفع قوله: «الأذنان من الرأس» ووقفه، قال: (لا أدري هذا من قول أبي أمامة أو من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-)، نقله عنه بنحوه يونس بن محمد وقتيبة بن سعيد ومعلى بن منصور، وهم ثقات حفاظ.
واختلف الباقون في النقل عن حماد:
فقال محمد بن زياد الزيادي -ونحوه لمحمد بن عبدالله بن بزيع وأحمد بن عبدة والهيثم بن جميل-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس»،- وقال مسدد وأبو الربيع الزهراني -قُرنت روايتاهما، ونحوها ليحيى بن إسحاق وأبي عمر الضرير وعبدالله بن الجراح ويحيى بن حسان-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل وجهه ثلاثًا ويديه ثلاثًا ومسح برأسه، وقال: «الأذنان من الرأس»، ولفظ يحيى بن إسحاق: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا وغسل وجهه، وكان يمسح المأقين من العين، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح رأسه مرة واحدة، وكان يقول: «الأذنان من الرأس».
واختُلف على أبي أسامة:
• فقال عنه أبو كريب ومحمد بن عثمان بن كرامة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس».
•وقال عنه أحمد بن عبدالحميد: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال: «الأذنان من الرأس»، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح المأقين.
• ولم أتبين لفظ محمد بن أبي بكر المقدمي[5]، ولم يذكر الطبراني لفظ محمد بن الفضل عارم وخالد بن خداش، واختصر الخطابي حديث ابن المبارك، فلم يذكر منه إلا لفظ مسح المأقين.
• ووقف سليمان بن حرب الحديث على أبي أمامة، قال أبو داود عقب روايته: (قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة)، وقال يوسف بن موسى القطان بعد أن رواه عنه: (قال سليمان بن حرب: «الأذنان من الرأس» إنما هو قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدَّل -أو كلمة قالها سليمان- أي: أخطأ).
وظاهرٌ من هذا العرض أن أقل الرواة رووه صريحًا بالرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن أكثر الرواة -وفيهم حفاظ ثقات، كمسدد وأبي الربيع الزهراني ويحيى بن حسان- رووه بصيغة غير صريحة في الرفع، وهي أقرب إلى المحتملةِ الرفعَ والوقفَ منها إلى المفيدةِ أحدَهما، وهي قوله بعد أن ذكر وصف الوضوء: وقال: «الأذنان من الرأس».
وقد اتفق ثلاثة من الثقات الحفاظ على إثبات أن حماد بن زيد كان يشك في رفع هذه اللفظة ووقفها، وبيَّن سليمان بن حرب أن الصواب عن حماد وقف اللفظة على أبي أمامة، وسليمان بن حرب من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات، وكان له اختصاص بحماد بن زيد، وملازمة ومجالسة.
قال أبو حاتم الرازي: (سليمان بن حرب إمام من الأئمة، كان لا يدلس، ويتكلم في الرجال وفي الفقه، وليس بدون عفان، ولعله أكبر منه... وهو أحب إليَّ من أبي سلمة التبوذكي في حماد بن سلمة وفي كل شيء...)، وقال يعقوب بن شيبة: (كان ثقةً ثبتًا صاحب حفظ)، وقال النسائي وابن قانع: (ثقة مأمون).
وأما اختصاصه بحماد بن زيد، فقال يعقوب بن سفيان الفسوي: سمعت سليمان بن حرب يقول: (طلبت الحديث سنة ثمان وخمسين ومئة، فاختلفت إلى شعبة، فلما مات شعبة جالست حماد بن زيد ولزمته حتى مات)، قال: (جالسته تسع عشرة سنة، جالسته سنة ستين، ومات سنة تسع وسبعين ومئة)، وكان من شدة ملازمته لحماد يعرف الرواة الذين يحضرون مجلسه، ويؤخَذ قوله في ذلك، نقل الفسوي عنه قوله: (لم أرَ أبا الربيع عند حماد بن زيد)[6].
وهذه الإمامة والثقة العالية تقضي بألا يُهمل كلام سليمان ويُترك، بل لكلامه قيمة وأهمية، خاصة أنه من ألزم الرواة لحماد بن زيد -شيخه في هذه الراوية-، وأعرفهم بحديثه، وهو قد أنكر -كما سبق النقل عنه- رواية الرفع عن حماد بن زيد، وهي حقيقةٌ بهذا الحكم، إذ إن مَنْ رواها أقل الرواة عددًا وحفظًا وثقةً، واحتمال الاختصار والرواية بمعنى الصيغة قائم.
وكون سليمان بن حرب لازم حماد بن زيد حتى مات -كما ذكر هو- مفيدٌ أنه يعرف ما كان عليه حديث حماد بن زيد في أوله وآخره، وأن نقلَهُ عنه أقوى من نقل غيره.
والذي يظهر أن حمادًا كان يشك في الرواية -كما نقل عنه بعض الحفاظ- بين الرفع والوقف، ويرويه بصيغة تحتمل الرفع والوقف؛ لشكِّه فيه، ثم انتهى بروايته موقوفًا على أبي أمامة، ونقل هذا عنه سليمان بن حرب، وخطَّأ من روى غير ذلك عنه.
وقد رجح الوقف -سوى الحافظ سليمان بن حرب-:
• موسى بن هارون الحمال، قال في سياق تضعيف الحديث: (والحديث في رفعه شك)[7].
• والدارقطني، قال: ( ... أسنده هؤلاء عن حماد، وخالفهم سليمان بن حرب، وهو ثقة حافظ...)[8]، وقال: (وقال سليمان بن حرب في هذا الحديث عن حماد بن زيد: إن قوله: «والأذنان من الرأس» هو من قول أبي أمامة غير مرفوع. وهو الصواب)[9].
• والبيهقي، قال: (والحديث في رفعه شك)[10].
• وابن العربي، قال: (والصحيح أن ذلك من قول أبي أمامة صدي بن عجلان، لا من نفس الحديث، والحديث نصه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه، وقال: "الأذنان من الرأس"، يعني أن هذا قول أبي أمامة لا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)[11].
• وابن عبدالهادي، قال: (والصواب أنه موقوف على أبي أمامة، كما قال الدارقطني)[12].
وجوَّز ابن الجوزي صحة الوجهين، قال: (الراوي قد يرفع الشيء وقد يفتي به)[13]، وجوَّز ذلك ابن التركماني، قال: (وإذا رفع أحد حديثًا، ووقفه آخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين= يرجح الرافع، لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الإنسان حديثًا فيوقفه في وقت، ويرفعه في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الرافع)[14]، ونحوه للزيلعي[15]، وكلامهم هذا جارٍ على مناهج الأصوليين والفقهاء في التجويزات العقلية، وذلك ما لم يلتفت إليها أئمة الحديث النقاد الحفاظ ومن سلك مسلكهم، ومنهم -في هذا المثال خاصة-: سليمان بن حرب، وموسى بن هارون الحمال، والدارقطني، والبيهقي، وابن العربي، وابن عبدالهادي.
فتبيَّن أن لفظة «الأذنان من الرأس» موقوفة على أبي أمامة، وأن باقي الحديث مرفوع -وهذا ظاهر، إذ هو وصفٌ لوضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان هذا نوعًا من الإدراج في الحديث، ولذا قال ابن حجر: (وقد ذكرت طرق حديث شهر هذا في كتاب المدرج بدلائله وكيفية الإدراج فيه -بحمد الله تعالى-)[16].
إذا تقرر ذلك، فليعلم أن سنان بن ربيعة أبا ربيعة راوي الحديث ضعيف[17]، وتظافرت كلمات الجرح المفسر من الأئمة فيه، وقد قال ابن عدي: (له أحاديث قليلة)، وقلة حديثه مع تضعيف الأئمة له مفسَّرًا دالٌّ على ضعف الرجل، وأنه أتى بالمناكير على قلة حديثه، وقد أخرج ابن عدي هذا الحديث في ترجمة سنان محتجًّا به على أحقيته بالذكر في الضعفاء، فدل على أنه مما ينكره ابن عدي عليه، وأما قوله: (أرجو أنه لا بأس به)، فسبق أنها ليست على ظاهرها مطلقًا[18].
ومن المحتمل أن شك حماد في رفع الحديث ووقفه يرجع إلى سنان هذا، إذ لم يضبط الحديث، فلم يؤدِّه إلى حماد مستقيمًا، فأورث حمادًا الشك فيه، وذلك لأن سنانًا "مضطرب الحديث" -كما قال أبو حاتم الرازي-.
وشيخه: شهر بن حوشب فيه كلام طويل، وخلاف، وقد قواه بعض من قوى هذا الحديث، واعتمد على ضعفه بعض من ضعفه، وعلى القول بتقوية حال شهر؛ فإن له تخليطات متفقًا عليها، وقد وقع في هذا الحديث نوع اضطراب، يحتمل أن يكون من تخليطاته هو، أو من تخليطات الراوي عنه: سنان بن ربيعة، وقد سبق ضعفه.
واجتماع هذين الرجلين اللذين تُكُلِّم فيهما في الحديث، خاصة سنان، الذي أنكر عليه هذا الحديث بخصوصه، وضُعِّف مع قلة حديثه، مع الاختلاف في رفعه ووقفه= قرائن يثبت معها أن هذا الحديث منكر من طريق أبي أمامة، وأن ضعفه مما لا يُقبل معه الاستشهاد به وتقويته.
قال الترمذي بعد أن أخرج الحديث: (هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم)[19]، وقال الحافظ دعلج بن أحمد: سألت موسى بن هارون عن هذا الحديث، قال: (ليس بشيء، فيه شهر بن حوشب، وشهر ضعيف، والحديث في رفعه شك)[20].
هذا، وقد روى الحديث حماد بن سلمة، عن سنان بن ربيعة، عن أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا توضأ غسل مآقيه بأصبعيه، ولم يذكر قوله: (الأذنان من الرأس)، ورواية حماد هذه علقها ابن أبي حاتم والدارقطني[21]، ولم أجدها مسندة، وإن صحت فهي دليلٌ على اضطراب سنان بن ربيعة في هذا الحديث، ومؤيدة لشدة ضعف روايته، وأشار إلى هذا أبو حاتم الرازي في تعليقه على رواية حماد بن سلمة، قال: (روى حماد بن زيد، عن سنان، عن شهر، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحماد بن زيد أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة، وسنان بن ربيعة أبو ربيعة مضطرب الحديث)[22]، فبيّن أبو حاتم أن حماد بن زيد أحفظ من ابن سلمة، ثم عقب بأن أبا ربيعة مضطرب الحديث، فكأنه يشير إلى تحميله الاضطرابَ في هذا الحديث، وروايتَه بهذين الإسنادين المختلفين، والاضطراب إذا وقع من أحد الضعفاء كانت روايته شديدةَ الضعف، منكرة.
ب- رواية راشد بن سعد عن أبي أمامة:
ومدارها على أبي بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف، وقد وصفه بعض الأئمة بنكارة الحديث، وتركه بعضهم، وقد اختُلف عنه في هذا الحديث:
• فرواه عيسى بن يونس عنه عن راشد موصولاً.
• ورواه شريح بن يزيد أبو حيوة عنه عن راشد مرسلاً.
ورواية عيسى بن يونس لا تصح، قال ابن عدي: (وهذا الحديث بهذا الإسناد لا يرويه إلا أحمد بن عيسى)[23]، وأحمد بن عيسى هو الخشاب، متهم بالكذب والوضع[24].
ورواية شريح المرسلة أصح، ونكارتها باقية بحال أبي بكر بن أبي مريم.
ج- رواية القاسم عن أبي أمامة:
وقد جاءت عنه من طريق جعفر بن الزبير، وهو متروك، نُقل الإجماع على تركه، وتابعه أبو معاذ الألهاني، ولم أعرفه، وعنه عثمان بن فائد، قال فيه دحيم: (ليس بشيء)، وقال ابن عدي: (قليل الحديث، وعامة ما يرويه ليس بمحفوظ)، وتكلم فيه غير واحد من العلماء بجرح شديد، وهو أولى بكونه منكر الحديث، فإن كل ذلك الكلام كان مع قلة ما يرويه، ومن كثرت مناكيره وقلت روايته عُلم أن ضعفه شديد.
فالخلاصة:
أن هذين الطريقين منكران، ولا يصح الحديث عن القاسم عن أبي أمامة، والاستشهاد به خطأ، فالمنكر لا يفيد شهادة ولا تقوية.
2- تخريج حديث عبدالله بن زيد -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (443)، والبيهقي في الخلافيات (238) من طريق عمران بن موسى بن مجاشع،كلاهما عن سويد بن سعيد، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبدالله بن زيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس»، لفظ ابن ماجه.
دراسة الإسناد:
اختصر ابن ماجه متنه، ورواه عن سويد بن سعيد مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو بتمامه -كما في رواية عمران بن موسى عن سويد-: عن عبدالله بن زيد، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ بثلثي مد، وجعل يدلك، والأذنان من الرأس. وظاهرُ هذا اللفظ أن قوله: «والأذنان من الرأس» من كلام عبدالله بن زيد.
وقد جاء عن سويد بدون ذكر لفظة: «الأذنان من الرأس»، أخرجه أبو يعلى في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (584/4)-، والضياء في المختارة (9/365، 366) من طريق أبي لبيد محمد بن إدريس السرخسي، كلاهما -أبو يعلى وأبو لبيد- عن سويد به، ولفظ أبي يعلى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بثلثي مد، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه. ولفظ السرخسي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح بأذنيه.
كما رواه غيرُ سويد عن ابن أبي زائدة، وغير ابن أبي زائدة عن شعبة؛ بدون لفظة «الأذنان من الرأس»:
فقد أخرجه النسائي في ما أغرب به شعبة على سفيان (49) -ومن طريقه ابن دقيق العيد في الإمام (1/564، 565)- عن محمد بن عبيد بن محمد، وأبو يعلى في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (584/2)، ومن طريقه الضياء في المختارة (9/365)- عن عبدالله بن عامر بن زرارة، والروياني (1009) وابن خزيمة (118) -ومن طريقه الضياء في المختارة (9/368)- وابن حبان (1083) والحاكم (1/161) من طريق محمد بن العلاء أبي كريب، والشاشي (1088) عن أبي قلابة الرقاشي عن سليمان بن داود، والحاكم (1/144) -وعنه البيهقي (1/196)- من طريق إبراهيم بن موسى الرازي، خمستهم -محمد بن عبيد وابن زرارة وأبو كريب وسليمان والرازي- عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والطيالسي في مسنده (ص148) -ومن طريقه أحمد (4/39) والنسائي في ما أغرب به شعبة على سفيان (50)-، ومسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (584/1)، ومن طريقه ابن حبان (1082)- عن يحيى بن سعيد القطان، وأبو يعلى -كما في إتحاف الخيرة المهرة (584/3)، ومن طريقه وطريق أخرى الضياء في المختارة (9/368، 369)- عن معاذ بن معاذ، والبيهقي (1/196) من طريق أحمد بن سلمان النجاد عن أبي قلابة الرقاشي عن سليمان بن داود عن أبي خالد الأحمر، خمستهم -ابن أبي زائدة والطيالسي والقطان ومعاذ والأحمر- عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبدالله بن زيد به؛ بلفظ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بثلثي مد ماء، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه. لفظ القطان وابن أبي زائدة -في رواية أبي كريب والرازي عنه-، ولفظ محمد بن عبيد وابن زرارة عن ابن أبي زائدة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح بأذنيه. وجمع بين اللفظين معاذ بن معاذ، واختصره الطيالسي بذكر الدلك فقط.
وفي الحديث خلاف آخر عن شعبة ليس هذا موضع بسطه.
واختُلف عن أبي قلابة الرقاشي -كما ظهر-، فقال النجاد: عنه عن سليمان بن داود عن أبي خالد الأحمر، وقال الشاشي: عنه عن سليمان بن داود عن ابن أبي زائدة. وسليمان بن داود هذا إن كان الطيالسي؛ فالرواية التي في مسنده عن شعبة مباشرة، وإن كان غيره؛ فقد تُكُلِّم في أبي قلابة من حيث اختلاطه بعد أن قدم بغداد، ومن حيث أنه يحدث بحفظه. والمقصود حاصلٌ برواية غيره.
وقد اجتمع ثقتان حافظان (أبو كريب وإبراهيم بن موسى الرازي) مع عبدالله بن عامر بن زرارة على روايته عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ثم اجتمع ثلاثة حفاظ (الطيالسي والقطان ومعاذ بن معاذ) على متابعة ابن أبي زائدة، فرووه عن شعبة؛ لم يذكروا قوله: «الأذنان من الرأس»، وشذَّ عنهم: سويد بن سعيد، فرواه عن ابن أبي زائدة، وذكر ذلك -في بعض الروايات عنه-.
وسويد متكلم فيه، وتغير وعمي فصار يتلقن، وكثرت المناكير في روايته بعد عماه[25]، وحتى لو اعتُبر ثقةً، فإن غيرَه عن ابن أبي زائدة أوثق، واجتماعهم أقوى من انفراده، كما أن المتابعات التي جاءت لابن أبي زائدة على ما رووه مفيدةٌ صحة روايتهم عنه دون رواية سويد.
قال ابن حجر: (إلا أن له علة، فإنه من رواية سويد بن سعيد كما ترى، وقد وهم فيه. وذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن هذا الحديث، فضعف سويدًا)[26].
وقد نقل البيهقي كلام الترمذي هذا، قال -بعد أن أسند رواية سويد-: قال أبو عيسى الترمذي: قلت للبخاري: فإنهم يذكرون عن سويد بن سعيد عن ابن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد، فقال: (هو حبيب بن زيد. ودع سويد)، وضعفه جدًّا، وقال: (كلما لقن شيئًا تلقنه)، وضعف أمره[27]. فهذا تضعيف شديد من البخاري لسويد خاصةً في حديثه هذا، فإنه منكرٌ من روايته.
ثم ذكر ابن حجر -في تمام كلامه المنقول آنفًا- أن رواية عمران بن موسى بن مجاشع عن سويد -عند البيهقي في الخلافيات- هي الأصوب عنه، بوقف لفظة «الأذنان من الرأس» على عبدالله بن زيد، قال: (وقد حدَّث -أي: سويد- بهذا الحديث في حال صحَّته[28] فأتى به على الصواب؛ فرواه البيهقي من رواية عمران بن موسى السختياني عن سويد بسنده إلى عبدالله بن زيد، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ بثلثي مد، وجعل يدلك، قال: والأذنان من الرأس. انتهى. وقوله: قال: «والأذنان من الرأس» هو من قول عبدالله بن زيد، والمرفوع منه ذكر الوضوء بثلثي مد، والدلك. وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم من حديث أبي كريب عن ابن أبي زائدة دون الموقوف. وقد أوضحت ذلك بدلائله وطرقه في الكتاب الذي جمعته في المدرج) ا.هـ كلام ابن حجر[29].
وأيَّد هذه الرواية: ما سبق من رواية أبي يعلى وأبي لبيد السرخسي عن سويد بدون إدراج لفظ: «الأذنان من الرأس»، فكأنهما اختصرا حديث سويد، فلم يذكرا إلا المرفوع منه، وتركا الموقوف.
فظهر أن الصحيح في قوله: «الأذنان من الرأس» في هذا الحديث عن سويد: وقفُهُ على عبدالله بن زيد، وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ثم شعبة: روايته بدون تلك اللفظة.
فالخلاصة:
أن الحديث من هذه الطريق -طريق عبدالله بن زيد- منكرٌ مرفوعًا، وهو من أوهام سويد ومناكيره التي حدث بها -فيما يظهر- حال تغيره، فضعفه الأئمة بسببها، وإن كان الوهم من سويد نفسه -لا تلقينًا-؛ فلعل منشأه أنه روى هذه اللفظة من طريق أخرى ضعيفة جدًّا، وهي رواية القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عطاء عن ابن عباس[30]، فأدرجها بهذا الحديث.
يتلوه -بعون الله- تخريج أحاديث أبي هريرة وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم- ومرسل سليمان بن موسى في الباب، ودراسة أسانيدها وبيان الراجح فيها.
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
[1] كذا في المطبوع، وصوّب الشيخ مشهور في تحقيق الخلافيات (1/410) كونه: السمري؛ لا السوطي، ولعل ما وقع في المطبوع صواب، فانظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني، للمنصوري (ص180)، والمراجع التي عزا إليها.
وقد وقع شيخ السوطي في المطبوع من المعجم: عثمان بن مسلم، وصوابه: عفان، كما نبه الشيخ مشهور (1/410)، ومحققو المسند (36/555).
[2] رواية الطبراني والجصاص من طريق أبي مسلم عن أبي عمر فقط، دون المقدمي.
[3] ورد اسماهما (عبدالوارث وابن المبارك) في الغريب مهملين، وأغرب الشيخ مشهور في تعليقه على الخلافيات (1/411)، حيث سقط في نقله: "عبدالوارث"، ونقل اسم ابن المبارك: "عبيدالله"، وقال: (ولعله القواريري)، والنص في المطبوع: (عبدالله)، وهو آتٍ في سندٍ متكرر عند الخطابي: عبدالعزيز بن محمد، عن ابن الجنيد، عن عبدالوارث، عن عبدالله، وقد صرّح في موضع أنه ابن المبارك، انظر: (2/283)، وصرح في موضع آخر بذلك، لكنه من رواية محمد بن سعدويه عن ابن الجنيد، انظر: (2/351). وعبدالوارث هذا هو ابن عبيدالله العتكي المروزي، قال ابن أبي حاتم -في الجرح (6/76)-: (روى عن عبدالله بن المبارك الكثير، حتى روى عنه مسائل سأله وسئل وهو حاضر).
[4] في رواية أبي كريب عنه، ونقل محمد بن شاذان عنه الشكَّ، ولم ينسبه إلى حماد، ولعله راجعٌ إليه.
[5] ولعل في سياق ابن دقيق العيد في الإمام (1/104) للفظ أبي عمر الضرير، وعطفه رواية المقدمي على ذلك= إشارة إلى كونه مثله أو نحوه، والذي في سنن الدارقطني من طريق أبي مسلم عن الضرير والمقدمي: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس»، والظاهر أنه اختصار من الدارقطني، فإن لفظ أبي مسلم عن أبي عمر مثبت عند الطبراني وابن دقيق بتمامه، وليس فيه التصريح بالرفع.
[6] المعرفة والتاريخ (1/170)، وانظر: (2/131).
[7] سنن الدارقطني (1/104).
[8] السنن (1/103).
[9] العلل (12/263).
[10] السنن (1/66).
[11] عارضة الأحوذي (1/50).
[12] تنقيح التحقيق (1/117)، المحرر (ص49).
[13] التحقيق (1/152).
[14] الجوهر النقي (1/66).
[15] نصب الراية (1/19).
[16] النكت على ابن الصلاح (1/415).
[17] انظر -سوى التهذيبين-: إكمال مغلطاي (6/121).
[18] انظر: الحديث (42).
[19] الجامع (1/87 ط. بشار)، وفيه التنبيه على عدم ثبوت قول الترمذي عن الحديث: "حسن" في المصادر، ويضاف: أنها ليست في نسخة الكروخي أصح نسخ الترمذي (ق6أ)، ولا نقلها عنه الطوسي في مستخرجه (1/210)، ولا ابن دقيق لما نقل كلامه في الإمام (1/501)، ولا ابن سيد الناس لما نقله في النفح الشذي (1/357)، ولا الزيلعي لما نقله في نصب الراية (1/18).
[20] سنن الدارقطني (1/104).
[21] يأتي تخريجها في حديث أنس -إن شاء الله-.
[22] علل ابن أبي حاتم (1/28).
[23] الكامل (1/191).
[24] انظر: لسان الميزان (1/240).
[25] انظر -سوى التهذيبين-: النكت، لابن حجر (1/411).
[26] النكت (1/411).
[27] الخلافيات (1/431، 432)، وقد سقط هذا من ترتيب أبي طالب القاضي لعلل الترمذي الكبير.
[28] يعني: قبل أن يعمى ويتغير ويسوء حفظه.
[29] النكت (1/411).
[30] يأتي تخريج روايته -إن شاء الله- في حديث ابن عباس.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
بدأتُ في الحلقة السابقة بدراسة حديث: «الأذنان من الرأس»، ومرَّ فيها تخريج حديثي أبي أمامة وعبدالله بن زيد -رضي الله عنهما-، ودراسة أسانيدهما.
وستكون هذه الحلقة في تخريج أحاديث أبي هريرة وابن عمر وعائشة -رضي الله عنه-، ومرسل سليمان بن موسى.
وسأبدأ بتخريج ثلاثة الأحاديث والمرسل، ثم أدمج دراسة أسانيدها جميعًا؛ نظرًا للتداخل الحاصل في طرقها ورواياتها.
3- تخريج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (445) عن محمد بن يحيى، والطبراني في الأوسط (8318) عن موسى بن زكريا، والدارقطني (1/102) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (208)- من طريق محمد بن أيوب الرازي، والبيهقي في الخلافيات (207) من طريق محمد بن إبراهيم العبدي، أربعتهم -محمد بن يحيى وموسى ومحمد بن أيوب ومحمد بن إبراهيم- عن عمرو بن الحصين، عن محمد بن عبدالله بن علاثة، عن عبدالكريم الجزري، والبيهقي في الخلافيات (211) من طريق عبدالوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، كلاهما -عبدالكريم الجزري ويحيى بن سعيد- عن سعيد بن المسيب، وأخرجه أبو يعلى (6370) والطبري في تفسيره (8/172) وابن حبان في المجروحين (2/110) والطبراني في الأوسط (538) والدارقطني (1/101) والبيهقي في الخلافيات (181، 182) من طريق علي بن هاشم، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء،وأخرجه الدارقطني (1/100) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (172)- من طريق محمد بن حرب، عن علي بن عاصم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، وأخرجه الدارقطني (1/102) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (212)- من طريق سعيد بن شرحبيل، وابن عدي في الكامل (2/57) وابن الحطاب في مشيخته (89) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/88)- من طريق هشام بن عمار، كلاهما -سعيد وهشام- عن البختري بن عبيد بن سلمان، عن أبيه، أربعتهم -سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن موسى وعبيد بن سلمان- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس».
4- تخريج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-:
أخرجه عبدالرزاق (24) -ومن طريقه الدارقطني في السنن (1/98) والبيهقي في الخلافيات (154)- عن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به؛ موقوفًا، وقد أخرجه الدارقطني (1/97) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (153)- وتمام في الفوائد (620) عن محمد بن عمر بن أيوب الرملي، وتمام (620) عن محمد بن هارون، كلاهما عن عبدالله بن وهيب الغزي، والبيهقي في الخلافيات (152) وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (5/59) من طريق إسحاق بن إبراهيم الغزي، كلاهما عن محمد بن أبي السري، عن عبدالرزاق، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به؛ مرفوعًا،إلا أن تمامًا في روايته من طريق عبدالله بن وهيب، وإسحاق بن إبراهيم الغزي في روايته عن محمد بن أبي السري= زادا الثوري، فجعلاه شيخًا لعبدالرزاق.
وأخرجه ابن عدي (1/300) والبيهقي في الخلافيات (145) وابن المقرئ في معجمه (34) من طريق عيسى بن يونس الفاخوري، وابن المقرئ في معجمه (35) من طريق أبي عمير بن النحاس، كلاهما -الفاخوري وابن النحاس- عن ضمرة بن ربيعة، والدارقطني (1/97) من طريق القاسم بن يحيى بن يونس البزاز، كلاهما عن إسماعيل بن عياش، وابن البختري في الجزء الحادي عشر من فوائده (165-مجموع مصنفاته) من طريق فرج بن فضالة، كلاهما -إسماعيل بن عياش وفرج بن فضالة- عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر به، إلا أن أبا عمير بن النحاس -في روايته عن ضمرة عن إسماعيل بن عياش-، وفرجَ بن فضالة= وقفاه على ابن عمر.
وأخرجه ابن عدي (3/200) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (156)- من طريق عيسى الغنجار، عن محمد بن الفضل، عن زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر به.
وأخرجه الدارقطني في السنن (1/97) والعلل (12/346) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (140) والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/196)- والمخلص في الفوائد المنتقاة في الثاني من السادس منها (ق190/1) -كما ذكر الألباني في السلسلة الصحيحة (1/84)- عن يحيى بن محمد بن صاعد، والبيهقي في الخلافيات (141) من طريق محمد بن عفان الهروي، والخطيب في تاريخ بغداد (14/161) من طريق محمد بن عثمان بن سعيد، وجعفر بن أحمد، أربعتهم -ابن صاعد ومحمد بن عفان ومحمد بن عثمان وجعفر بن أحمد- عن الجراح بن مخلد، عن يحيى بن العريان، والبيهقي في الخلافيات (1/350) -معلقًا- عن أبي زيد الهروي، كلاهما -يحيى بن العريان والهروي- عن حاتم بن إسماعيل، وأخرجه ابن أبي شيبة (163) -ومن طريقه الدارقطني (1/98) والبيهقي في الخلافيات (143)- عن أبي أسامة، والدارقطني (1/98) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (142) والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/195، 196)- من طريق وكيع، ثلاثتهم -حاتم وأبو أسامة ووكيع- عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر به.
إلا أن أبا زيد الهروي في روايته عن حاتم، وأبا أسامة ووكيعًا، ثلاثتهم عن أسامة= أبدلوا نافعًا بهلال بن أسامة، ووقفوا الحديث على ابن عمر.
وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (7/406) من طريق السراج، عن الحسن بن كليب، عن مصعب بن المقدام، عن سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر به؛ مرفوعًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (164) والدارقطني (1/98) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (165)- من طريق عبدالرحيم بن سليمان، والطبري في تفسيره (8/170) عن محمد بن يزيد، والطحاوي (1/34) والدولابي في الكنى والأسماء (2037) عن علي بن معبد، وابن المقرئ في معجمه (534) من طريق عبيدالله بن سعيد، كلاهما -علي بن معبد وعبيدالله بن سعد- عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن سعد، ثلاثتهم -عبدالرحيم ومحمد بن يزيد وإبراهيم بن سعد- عن محمد بن إسحاق، والدارقطني (1/98) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (166)- من طريق عبدالله بن نافع، كلاهما -محمد بن إسحاق وعبدالله بن نافع- عن نافع، عن ابن عمر به؛ موقوفًا.
وأخرجه الدارقطني (1/98) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (155)- من طريق إدريس بن الحكم العنزي، عن محمد بن الفضل، عن زيد العمي، والبيهقي في الخلافيات (197) من طريق عبدالوهاب بن مجاهد، كلاهما -زيد وعبدالوهاب- عن مجاهد، عن ابن عمر به.
5- تخريج حديث عائشة -رضي الله عنها-:
أخرجه العقيلي (4/32) والدارقطني (1/100) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (243)- من طريق محمد بن الأزهر، عن الفضل بن موسى السيناني، والبيهقي في الخلافيات (241) من طريق عصام بن يوسف، عن ابن المبارك، كلاهما -الفضل بن موسى وابن المبارك- عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ فليمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس».
6- تخريج مرسل سليمان بن موسى:
أخرجه سفيان الثوري في الجامع -كما ذكر البيهقي في الخلافيات (1/368)، ومن طريقه ابن البختري في الجزء الحادي عشر من حديثه (164-مجموع مصنفاته) والدارقطني (1/99) والبيهقي في الخلافيات (244) والخطيب في تاريخ بغداد (7/406)-، وعبدالرزاق (23) -ومن طريقه العقيلي (4/32) والدارقطني (1/99)-، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (360) عن حجاج بن محمد، وابن أبي شيبة (156) والدارقطني (1/99) من طريق وكيع، والطبري في تفسيره (8/172) من طريق الوليد بن مسلم، والدارقطني (1/99) من طريق صلة بن سليمان، والدارقطني (1/99) من طريق عبدالوهاب بن عطاء الخفاف، والدارقطني في العلل (13/321) -معلقًا- عن سفيان بن عيينة، وعبيدالله بن موسى، تسعتهم عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ فليمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس»، اختصره بعضهم.
أ- رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة:
وقد جاءت عنه من طريقين:
إحداهما: طريق عمرو بن الحصين، عن محمد بن عبدالله بن علاثة، عن عبدالكريم الجزري، عن سعيد، وابن علاثة متكلم فيه، ونُسب الكلام فيه إلى ما رواه عمرو بن الحصين عنه من مناكير، وعمرو متروك الحديث، وقد وصف أبو حاتم الرازي أحاديثه عن ابن علاثة بأنها أحاديث موضوعة.
فهذه الطريق شديدة النكارة.
ثاني الطريقين عن ابن المسيب: رواية عبدالوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد، وهذا وجهٌ عن إسماعيل بن عياش، قال عنه الحاكم بعد أن رواه: (تفرد به إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد، وإسماعيل بن عياش على جلالة محلِّه إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه)[1].
والوجه الآخر عن إسماعيل بن عياش: ما رواه القاسم بن يحيى بن يونس البزاز عنه، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر؛ مرفوعًا.
• ورواه ضمرة بن ربيعة عن إسماعيل، واختُلف عنه:
• فرواه عيسى بن يونس الفاخوري عنه عن إسماعيل به؛ كرواية القاسم بن يحيى.
• ورواه أبو عمير بن النحاس عنه عن ضمرة به؛ موقوفًا على ابن عمر.
وأبو عمير مقدَّم في ضمرة، قال ابن معين: (من أحفظ الناس لحديث ضمرة)، وللفاخوري أخطاء، قال ابن حبان: (كان راويًا لضمرة، ربما أخطأ)، فرواية أبي عمير أولى بالصواب عن ضمرة، وهو وجه ثالثٌ عن إسماعيل بن عياش.
والوجهُ الأول أنكَرُها، فإن راويه عن إسماعيل: عبدالوهاب بن الضحاك متروك، كذبه بعض الأئمة، واتهم بوضع الحديث.
والقاسم بن يحيى راوي الوجه الثاني ضعفه الدارقطني والبيهقي عقب روايته هذه[2]، وضمرة بن ربيعة من ثقات الشاميين، وله أخطاء، وروايته الموقوفة عن إسماعيل بن عياش أقوى من رواية غيره، وذلك ما رجحه الدارقطني، قال بعقب الرواية المرفوعة عن إسماعيل بن عياش: (رفْعُهُ وهم، والصواب عن ابن عمر من قوله)[3]، وقال البيهقي: (والصواب موقوف)[4].
فتبين أن الرواية المرفوعة هنا خطأ عن إسماعيل بن عياش، وأن الصواب عنه الرواية الموقوفة.
وقد تابعه على هذا الموقوف عن يحيى بن سعيد: فرج بن فضالة، وهو ضعيف الحديث، خاصة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فإن له مناكير عنه.
وهذا الموقوف ضعيفٌ عن ابن عمر كذلك؛ فإن يحيى بن سعيد الأنصاري إمام مدني حجازي، وإسماعيل بن عياش مخلط في غير الشاميين، خاصة المدنيين والحجازيين[5]، وله مناكير عن يحيى بن سعيد خاصة، قال الحاكم: (ولإسماعيل بن عياش أخواتٌ في روايته المناكير عن يحيى بن سعيد الأنصاري)، ثم ذكر أحدها مكتفيًا به للدلالة على ذلك[6].
ومتابعة فرج بن فضالة لا تفيد إسماعيلَ شيئًا، فإنها منكرةٌ عن يحيى بن سعيد؛ لما يجيء به فرج من مناكير عنه، والمنكر لا يتقوى بالمنكر.
وإمامة يحيى بن سعيد وتقدُّمه في أهل المدينة تُبعد أن يصحَّ تفرُّد ضعيفين من أهل الشام[7] عنه بذلك.
فالخلاصة: أن رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة منكرة واهية.
ب- رواية عطاء عن أبي هريرة:
وهذه رواها عنه إسماعيل بن مسلم، وهو المكي، وهي وجهٌ عنه رواه علي بن هاشم، قال الطبراني عقبها: (لم يروِ هذا الحديث عن عطاء إلا إسماعيل، تفرد به علي بن هاشم)[8].
والوجه الآخر عن إسماعيل: رواه القاسم بن غصن عنه عن عطاء عن ابن عباس[9].
وعنه وجهٌ ثالث: رواه عثمان بن حفص عن سلام عنه عن عطاء عن جابر بن عبدالله[10].
وإسماعيل بن مسلم منكر الحديث واهيه، وتركه بعض الأئمة.
والقاسم بن غصن راوي الوجه الثاني عنه ضعيف[11]، ولم أعرف سلامًا راوي الوجه الثالث، إلا أن يكون الطويل المتروك، وهو محتمل -ويأتي-.
وأوثق منهما راوي الوجه الأول: علي بن هاشم بن البريد، فإنه صدوق، ووثقه بعض العلماء، وروايته أصح.
وهذه الرواية واهيةٌ بوهاء إسماعيل بن مسلم.
ج- رواية سليمان بن موسى عن أبي هريرة، وتفصيل الخلاف فيها:
وقع خلافٌ واسع في هذه الرواية على ابن جريج، هذا بيانه:
حيث رواه ابن جريج، واختُلف عنه:
• فرواه علي بن عاصم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة.
• ورواه سفيان الثوري عن ابن جريج، واختُلف عنه:
• فرواه الحسن بن كليب، عن مصعب بن المقدام، عن سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر.
• ورواه أبو نعيم وقبيصة وعبدالله بن الوليد ومحمد بن يوسف الفريابي عن سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى مرسلاً، وهو كذلك في الجامع للثوري.
• ورواه محمد بن جعفر غندر، والربيع بن بدر؛ كلاهما عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس[12].
• ورواه محمد بن الأزهر عن الفضل بن موسى السيناني، وعصام بن يوسف عن ابن المبارك، كلاهما عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
• ورواه عبدالرزاق، وحجاج بن محمد المصيصي، والوليد بن مسلم، وصلة بن سليمان، وعبدالوهاب بن عطاء، وابن عيينة، وعبيدالله بن موسى، عن ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلاً.
فأما حديث علي بن عاصم عن ابن جريج، عن سليمان، عن أبي هريرة؛ فإن عليًّا صدوق له أخطاء، وقد ضُعِّف، وهذا الحديث من أخطائه، خاصة أنه جاء الحديث عنه من وجهين: أحدهما ذا، والآخر: عنه، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة -وسبق-، ومن كانت حاله كحال عاصم وخالف الثقات وتعددت عنه الأسانيد، فحديثه كذلك منكر.
قال الدارقطني بعد أن أسند الرواية المرسلة، ثم رواية علي: (وَهِمَ علي بن عاصم في قوله: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذي قبله أصح عن ابن جريج)[13] -يعني: المرسل-، وقال: (ورواه علي بن عاصم عن ابن جريج، فقال: عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة؛ مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووهم فيه، وإنما أراد أن يقول: سليمان بن موسى، عن الزهري؛ مرسلاً)[14].
والوجه الأول في الخلاف عن الثوري (وهو روايته عن ابن جريج عن سليمان عن عن نافع عن ابن عمر) منكر؛ فهو مخالف لما في مصنف سفيان نفسه، ولما رواه عنه أصحابه الثقات. قال الدارقطني: (هذا حديث منكرٌ بهذا الإسناد متصلاً، تفرد به الحسن بن كليب، وهو ضعيف الحديث)[15].
وأما رواية غندر والربيع بن بدر؛ فيأتي الكلام عليهما بالتفصيل في دراسة حديث ابن عباس -إن شاء الله-، وخلاصته أن الرواية محتملة الثبوت عن غندر، وأن الربيع بن بدر واهٍ متروك الحديث، وهما مخالَفان في روايتهما هذه عن ابن جريج -كما مضى ويأتي-.
وأما رواية الفضل بن موسى السيناني؛ فاحتمال ضعفها وارد، إذ قد تُكُلِّم في محمد بن الأزهر الجوزجاني الراوي عنه، وقد ذكر العقيلي هذا الحديث في ترجمته، لكنه وُثق[16]، والفضل بن موسى -مع كونه ثقة حافظًا- روى مناكير -كما قال علي بن المديني-، ولعل هذا الحديث خطأ منه أو عليه، قال العقيلي بعد أن أسند رواية الفضل، ثم الرواية المرسلة: (هذا أولى)[17]، ويأتي كلام الدارقطني في هذه الرواية.
ولا تصح رواية ابن المبارك عن ابن جريج؛ فعصام بن يوسف متكلَّم فيه، وله أخطاء[18]، والظاهر أن هذه الرواية من أخطائه؛ لأنه جعل ابن المبارك يخالف الجمع من الثقات، وابن المبارك ثقة حافظ، أولى به ألا يخالفهم. قال الدارقطني: (وأحسب أن عصام بن يوسف حدَّث بهذا الحديث من حفظه، فاشتبه عليه حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل»، فأتى بإسناد هذا الحديث، وذكر عليه القصة في المضمضة والاستنشاق)[19]، وقال البيهقي عقب روايته: (وَهِمَ فيه عصام بن يوسف أو من دونه)[20].
قال الدارقطني: (يرويه عصام بن يوسف عن ابن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، وكذلك روي عن الفضل بن موسى عن ابن جريج، وكلا الروايتين وهمٌ في الإسناد والمتن، والصحيح: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مضمضوا واستنشقوا، والأذنان من الرأس»، وكذلك رواه الثوري وهمام ووكيع وعبدالرزاق وابن عيينة وأصحاب ابن جريج، وهو الصواب، وبعضهم قال: عن سليمان بن موسى، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[21].
ومن الظاهر أن الرواية الأقوى عن ابن جريج: ما اتفق عليه جمع من الثقات الحفاظ الكبار عنه -وفيهم المقدَّمون في ابن جريج-، وهو روايته الحديث عن سليمان بن موسى مرسلاً، وسبق ترجيح العقيلي والدارقطني لهذا الوجه، كما قال الدارقطني -بعد أن ساق بعض أوجه الخلاف عن ابن جريج-: (والمرسل أصح)[22]، وقال: (والصواب: عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً)[23]، ورجح المرسل كذلك البيهقي[24]، وقال: (هؤلاء الذين وصلوا هذا الإسناد تارة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كما قدمنا ذكره، وتارة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، وغير ذلك مما سبق ذكرنا له= ليسوا من أهل الصدق والعدالة، بحيث إذا انفردوا بشيء يقبل ذلك منهم، أو جاز الاحتجاج بخبرهم، فكيف إذا خالفوا الثقات، وباينوا الأثبات، وعمدوا إلى المعضلات فجوَّدوها، وقصدوا إلى المراسيل والموقوفات فأسندوها؟! والزيادة إنما هي مقبولة عن المعروف بالعدالة، والمشهور بالصدق والأمانة، دون من كان مشهورًا بالكذب والخيانة، أو منسوبًا إلى نوع من الجهالة)[25]، وقال ابن عبدالهادي: (والصواب ما قاله الدارقطني: أنه مرسل)[26].
وإسناد هذا المرسل إلى سليمان بن موسى صحيح، وصرح ابن جريج بالتحديث عنه عند عبدالرزاق.
د- رواية عبيد بن سلمان عن أبي هريرة:
وهي رواية البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة، قال الدارقطني بعد أن أخرجها: (البختري بن عبيد ضعيف، وأبوه مجهول)[27]، وقد ضعف البختري غير واحد، وتركه بعض الأئمة، ورواية البختري عن أبيه عن أبي هريرة نسخة منكرة، قال ابن عدي: (روى عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدر عشرين حديثًا، عامتها مناكير)[28]، وقال الحاكم: (روى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة موضوعة)[29].
فهذه الرواية شديدة النكارة.
هـ- رواية نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-:
وقد جاءت عنه من طرق، وسبق -في رواية ابن المسيب عن أبي هريرة، وفي الخلاف على سليمان بن موسى- دراسة بعض طرقها، وفيما يلي دراسة ما لم يُنظر فيه منها:
1- دراسة أسانيد رواية عبيدالله بن عمر عن نافع:
وقد رواها محمد بن أبي السري عن عبدالرزاق، واختُلف عنه:
• فرواه عبدالله بن وهيب عن ابن أبي السري، واختُلف عنه:
• فرواه محمد بن عمر بن أيوب الرملي عن ابن وهيب، واختُلف عنه:
• فرواه الدارقطني عنه عن ابن وهيب عن ابن أبي السري عن عبدالرزاق عن عبيدالله عن نافع.
• ورواه تمام الرازي عنه عن ابن وهيب عن ابن أبي السري عن عبدالرزاق عن الثوري عن عبيدالله عن نافع.
• ورواه محمد بن هارون عن ابن وهيب عن ابن أبي السري عن عبدالرزاق عن الثوري عن عبيدالله عن نافع؛ كرواية تمام عن محمد بن عمر الرملي.
• ورواه إسحاق بن إبراهيم الغزي عن ابن أبي السري عن عبدالرزاق عن الثوري عن عبيدالله عن نافع.
وقد وهَّم الدارقطني إسحاقَ الغزي في روايته، قال: (ورواه إسحاق بن إبراهيم قاضي غزة عن ابن أبي السري عن عبدالرزاق عن الثوري عن عبيدالله... ووَهِمَ في ذكر الثوري)[30].
ولا يبعد أن ذكر الثوري وإسقاطه من أوهام ابن أبي السري، فإنه كثير الوهم والغلط[31]، وقد خالف في هذه الرواية: الروايةَ الثابتة عن عبدالرزاق في مصنفه، فقد رواه عبدالرزاق في مصنفه عن عبدالله بن عمر العمري -أخي عبيدالله- عن نافع عن ابن عمر؛ موقوفًا.
قال الدارقطني -بعد رواية ابن أبي السري-: (كذا قال عن عبدالرزاق عن عبيدالله، ورفعه وهم... وإنما رواه عبدالرزاق عن عبدالله بن عمر -أخي عبيدالله- عن نافع عن ابن عمر عنه؛ موقوفًا)[32]، وقال: (والصحيح عن عبدالرزاق موقوفًا)[33].
فرواية ابن أبي السري المخالِفة وهمٌ وخطأ، خاصة مع هذا الاختلاف في إثبات الثوري شيخًا لعبدالرزاق وإسقاطه، وتحميل مثل هذا الاضطراب ابن أبي السري أولى من تخطئة بعض ثقات الأئمة رواة الحديث.
وبعدُ؛ فإن إسناد هذا الموقوف صالح، وعبدالله بن عمر العمري مشهور بالضعف، لكنه توبع عليه عن نافع، وتوبع نافع عليه عن ابن عمر، وقد سئل ابن معين: عبدالله العمري ما حاله في نافع؟ فقال: (صالح)[34]، وهذا يقتضي أنه يكتب حديثه عنه، ويقبل حيث توبع عليه، ويرد ما تفرَّد به أو خالف عنه.
2 - إسناد رواية زيد العمي عن نافع:
وهي وجهٌ عن محمد بن الفضل عن زيد، يأتي في مجاهد عن ابن عمر -إن شاء الله-.
3 ً- دراسة أسانيد رواية أسامة بن زيد عن نافع:
وقد اختُلف على أسامة:
• فرواه حاتم بن إسماعيل، واختُلف عنه:
• فرواه يحيى بن العريان عن حاتم به؛ مرفوعًا.
• ورواه أبو زيد الهروي عن حاتم عن أسامة عن هلال بن أسامة عن ابن عمر؛ موقوفًا، ورواية أبي زيد هذه علقها البيهقي بصيغة التمريض، ووهَّى إسنادها، قال: (وقد روي عن أبي زيد الهروي بإسناد واهٍ عن حاتم بن إسماعيل...)[35].
ويحيى بن العريان راوي الوجه الأول ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد، ونقل عن أحمد بن محمد بن ياسين الهروي أن ابن العريان كان محدثًا ببغداد، ثم أسند له حديثنا هذا[36]، ولم أقف على من جرحه أو عدله.
• ورواه وكيع بن الجراح وأبو أسامة حماد بن أسامة عن أسامة بن زيد عن هلال بن أسامة عن ابن عمر؛ موقوفًا -كرواية أبي زيد الهروي عن حاتم بن إسماعيل-.
وحاتم بن إسماعيل ثقة، وله أوهام، وقد خالف وكيعًا وأبا أسامة الإمامين الحافظين، وروايتهما أرجح.
قال الدارقطني عقب رواية حاتم: (كذا قال، وهو وهم، والصواب: عن أسامة بن زيد عن هلال بن أسامة الفهري عن ابن عمر؛ موقوفًا)[37]، وقال البيهقي: (ومن رواه مسندًا ليس ممن يقبل منه ما تفرد به إذا لم تثبت عدالته، فكيف إذا خالف الثقات، مثل وكيع بن الجراح الحافظ المتقن، وأبي أسامة حماد بن أسامة؛ المتفق على عدالتهما، وقد أتيا به موقوفًا)[38]، وقال الخطيب البغدادي: (والخطأ فيه من وجهين:
أحدهما: قوله: عن نافع.
والثاني: روايته مرفوعًا.
وحديثُ وكيع الصوابُ، والله أعلم)[39].
وهلال بن أسامة هذا مجهول، لم يرو عنه غير أسامة بن زيد[40]، وقد تُكُلِّم في أسامة.
فإسناد هذا الموقوف ضعيف أيضًا.
4 ً- الموقوفات عن نافع عن ابن عمر:
جاء الحديث موقوفًا عن نافع عن ابن عمر -سوى طريق هلال بن أسامة السابقة- من طريقين:
إحداهما: طريق محمد بن إسحاق، وفيه الخلاف المعروف، وتدليسه مأمون برواية إبراهيم بن سعد عنه [41]،
الثانية: طريق عبدالله بن نافع، وهو ضعيف، وتركه بعض الأئمة، وهو أضعف ولد نافع عند أبي حاتم الرازي.
وللحديث طرق أخرى موقوفة عن ابن عمر.
و- رواية مجاهد عن ابن عمر:
وقد جاءت من طريقين:
1- دراسة أسانيد رواية زيد العمي عن مجاهد:
رواه محمد بن الفضل بن عطية عن زيد، واختُلف عنه:
• فرواه إدريس بن الحكم العنزي عن محمد بن الفضل عن زيد عن مجاهد به،
• ورواه عيسى الغنجار عن محمد بن الفضل عن زيد عن نافع به.
ومحمد بن الفضل هذا كذاب متروك، لا يُشتغل بروايته.
2- دراسة إسناد رواية عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه:
وقد رواه عن أبيه عن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، قرنهما.
وعبدالوهاب متروك؛ نُقل الإجماع على تركه، وكذبه بعض الأئمة.
يتلوه -بإذن الله- تخريج حديثي ابن عباس وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهم- في الباب، ودراسة أسانيدهما.
ـــــــــــــــ ــــــــــ
[1] الخلافيات (1/400).
[2] سنن الدارقطني (1/97)، الخلافيات (1/353).
[3] السنن (1/97).
[4] الخلافيات (1/353).
[5] كما سبق في الحديث (10) -حديث أبي هريرة-.
[6] الخلافيات (1/353-355).
[7] ضعف إسماعيل بن عياش هنا نسبي لا مطلق -كما سبق-.
[8] الأوسط (1/172).
[9] يأتي تخريجه -إن شاء الله-.
[10] يأتي تخريجه -إن شاء الله-.
[11] انظر: لسان الميزان (4/464).
[12] يأتي تخريجه في حديث ابن عباس -إن شاء الله-.
[13] السنن (1/100).
[14] العلل (14/106).
[15] تاريخ بغداد (7/406).
[16] انظر: لسان الميزان (5/64).
[17] الضعفاء (4/32).
[18] انظر: لسان الميزان (4/168).
[19] العلل (14/106).
[20] الخلافيات (1/435).
[21] العلل (14/105، 106).
[22] العلل (13/322).
[23] السنن (1/99)، ونحوه في تاريخ بغداد (7/406).
[24] الخلافيات (1/435، 437).
[25] الخلافيات (1/436).
[26] تنقيح التحقيق (1/208).
[27] السنن (1/102).
[28] الكامل (2/57).
[29] المدخل إلى الصحيح (1/173).
[30] السنن (1/97).
[31] كما سبق في الحديث (32) -مرسل عبيد بن رحي-.
[32] السنن (1/97).
[33] العلل (12/347).
[34] تاريخ ابن معين برواية الدارمي (523)، ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد (10/20).
[35] الخلافيات (1/350).
[36] تاريخ بغداد (14/161)، والظاهر أن كلمة ابن ياسين في كتابه "تاريخ هراة"، وقد ظنها بعض المشايخ من قول الخطيب، وهو خطأ.
[37] السنن (1/97)، العلل (12/346، 361).
[38] الخلافيات (1/350).
[39] موضح أوهام الجمع والتفرق (1/196).
[40] انظر: موضح أوهام الجمع والتفريق (1/195)، تهذيب الكمال (30/345).
[41] سبق بيان ذلك في الحديث (10).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
أولا : جزى الله الأخ سليمان على هذا الجهد الطيب بلا ريب.
وثانيًا: عندي له عدة ملاحظات لعله يلتفت إليها مشكورًا.
الملاحظة الأولى: ألتمس من الأخ الفاضل أن يلتفت ولو بكلمة شكر إلى إخوانه الذين شاركوا هنا في هذا الموضوع بالثناء والدعاء لراقمه. وهذا من حقوقهم عليه إن شاء الله.
والملاحظة الثانية: تخريج الأخ سليمان لحديث ( لا صلاة لمن لا وضوء له .....) هو - في ظني - كالنسْخ - مع زيادات - لمقال أخينا: ( محمد بن عبد الله ) المشرف بهذا المنتدى - !
فما أدري ما هذا ؟ ولم أجد كاتب الموضوع هنا قد أشار إلى ذلك ! ولعلني لم أتأمل تلك الإشارة جيدًا !
الملاحظة الثالثة: قول الكاتب في مواطن متفرقة من تخاريجه:
اقتباس:
ومن طريقه القزويني في التدوين في أخبار قزوين (1/476) .............
اقتباس:
والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (4/107) من طريق إبراهيم بن إسماعيل الزاهد ............
اقتباس:
ومن طريقه الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/277)- من طريق سيف بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه .......
فهذا وأشباهه من الأخطاء التي درج عليها جماعة من كبار المتأخرين ! وتبعهم عليها من تبعهم دون تمحيص أو مزيد نظر!
حيث يعزون إلى الرافعي أحاديث علَّقها في ( كتابه ) أو عزاها إلى من خرَّجها من الحفاظ والفقهاء والمحدثين، ويجعلونه بمنزلة من رواها بسنده أول مرة !
فيقولون: أخرجه الرافعي ! أو رواه الرافعي ! وذلك قصور منهم ولا بد !
وكل تلك المواطن التي جزم الكاتب فيها بكون الرافعي قد أخرجها في ( تاريخه) ! عند النظر ترى الرافعي قد علَّقها إلى من رواها وأخرجها من الشيوخ المحدثين والحفَّاظ ! ولم يذكر سنده إليهم أصلا ! فكيف يُنْسَب إلى الرجل أنَه خرَّج ! وما خرَّج !؟ أو أنه روى ! وما روى !؟
فانتبه يا رعاك الله . فإن ذاك الموضع من مزلات الأقدام.
وأنا عازم على إفراده في موضوع مستقل أكشف فيه النقاب عن أوهام طوائف من كبار المتأخرين في هذا الصدد.والله المستعان لا رب سواه.
وبالمناسبة: قول الأخ الكاتب في آخر كلامه في تلك الصفحة :
اقتباس:
يتلوه -بإذن الله- تخريج حديثي ابن عباس وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهم- في الباب...
فأني بعد ما مضى من الملاحظة الأخيرة : بانتظار ماذا سيقول الأخ الفاضل عندما يأتي لتخريج حديث ابن عباس من ( تاريخ الرافعي ) وهو فيه ؟!
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المظَفَّر السِّنَّاري
والملاحظة الثانية: تخريج الأخ سليمان لحديث ( لا صلاة لمن لا وضوء له .....) هو - في ظني - كالنسْخ - مع زيادات - لمقال أخينا: ( محمد بن عبد الله ) المشرف بهذا المنتدى - !
فما أدري ما هذا ؟ ولم أجد كاتب الموضوع هنا قد أشار إلى ذلك ! ولعلني لم أتأمل تلك الإشارة جيدًا !
الأخ (سلمان) -لا: (سليمان)!- ناقلٌ لا كاتب، وقد صرَّح باسم كاتب هذه السلسلة في صدر هذا الموضوع.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المظَفَّر السِّنَّاري
الملاحظة الثالثة: قول الكاتب في مواطن متفرقة من تخاريجه:
فهذا وأشباهه من الأخطاء التي درج عليها جماعة من كبار المتأخرين ! وتبعهم عليها من تبعهم دون تمحيص أو مزيد نظر!
حيث يعزون إلى الرافعي أحاديث علَّقها في ( كتابه ) أو عزاها إلى من خرَّجها من الحفاظ والفقهاء والمحدثين، ويجعلونه بمنزلة من رواها بسنده أول مرة !
فيقولون: أخرجه الرافعي ! أو رواه الرافعي ! وذلك قصور منهم ولا بد !
وكل تلك المواطن التي جزم الكاتب فيها بكون الرافعي قد أخرجها في ( تاريخه) ! عند النظر ترى الرافعي قد علَّقها إلى من رواها وأخرجها من الشيوخ المحدثين والحفَّاظ ! ولم يذكر سنده إليهم أصلا ! فكيف يُنْسَب إلى الرجل أنَه خرَّج ! وما خرَّج !؟ أو أنه روى ! وما روى !؟
فانتبه يا رعاك الله . فإن ذاك الموضع من مزلات الأقدام.
رأيتُ تنبيهك هذا في موضع آخر، وهو مما توافَق على مادته العلمية، دون مبالغتك في تهويل أمره -وهو ديدنك في مثل هذا، سددك الله-.
وهلاّ إذ خطَّأتَ غير واحد مشنِّعًا عليهم؛ ذكرتَ وجه الصواب في العزو إلى ما صفتُهُ ما وصفتَ من أسانيد ذلك الكتاب، خاصةً إن كان الإسناد يعزّ إلا عنده؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المظَفَّر السِّنَّاري
وبالمناسبة: قول الأخ الكاتب في آخر كلامه في تلك الصفحة :
فأني بعد ما مضى من الملاحظة الأخيرة : بانتظار ماذا سيقول الأخ الفاضل عندما يأتي لتخريج حديث ابن عباس من ( تاريخ الرافعي ) وهو فيه ؟!
سيقول مثل ما قال في المقالات الأُوَل، إلا أن يسعفه الوقت في استدراك ذلك.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
اقتباس:
الأخ (سلمان) -لا: (سليمان)!- ناقلٌ لا كاتب
جزاك الله خيرًا على هذا التنبيه.
اقتباس:
وقد صرَّح باسم كاتب هذه السلسلة في صدر هذا الموضوع.
إذًا أنت : (الشيخ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ السّريِّع ).
مرحبًا بك يا أخي. وماذا كان يضيرك لو أنك أفصحتَ عن نفسك في هذا المقام ؟!
اقتباس:
رأيتُ تنبيهك هذا في موضع آخر، وهو مما توافَق على مادته العلمية، دون مبالغتك في تهويل أمره -
ليس ثمة تهويل إن شاء الله.
ولو أن باحثًا أكثر من عزو الأحاديث إلى أحد أصحاب الكتب الستة مثلا وهي عنده معلقة ! ألا يكون هذا الباحث ملومًا عندك يا رعاك الله؟!
وهل هذا الصنيع لا يعد من مزلة أقدام المشتغلين بهذا الفن اللطيف؟!
وهل لا يكون ذلك قرينة على تقصيرهم في العزو والتخريج فيما هم بسبيله؟!
اقتباس:
وهو ديدنك في مثل هذا، سددك الله.
أمَّا هذه فلسُت أردّها عليك ! لأن أخاك ممن لا يُؤذَنُ له في الدفاع عن نفسه فضلا عن الانتصار لها !
اقتباس:
وهلاّ إذ خطَّأتَ غير واحد مشنِّعًا عليهم؛ ذكرتَ وجه الصواب في العزو إلى ما صفتُهُ ما وصفتَ من أسانيد ذلك الكتاب، خاصةً إن كان الإسناد يعزّ إلا عنده؟
أما التشنيع والتقريع ! فليس من ذلك شيء ! وأنا لم أصف هذا الصنيع إلا بكونه من الأخطاء ومزلات الأقدام وحسب !
أما توبيخ الصانع ! فلستُ أُحسِنه مع كل أحد ! وإنما مداره عندي على الأمارت والقرائن ! تمامًا كما نفعل ذلك في معالجة الشذوذ وزيادة الثقة !
أما وجْه الصواب في العزو : فيكفيك أن ترجع لمعرفته إلى تنبيهي الذي وجدتَه لي في ذلك الموضع الآخر ؟!
وأنا أعيده لك هنا مرة أخرى فأقول: يكفيك أن تقول مثلا : ( علقه الرافعي في تاريخه من طريق فلان ) أو ( ومن طريقه : أخرجه الرافعي في تاريخه - مُعلَّقًا ...).
وثمة طريق أخرى في العزو هي أفضل من ذلك كله ! وهي التي ينتهجها أخوك في تخاريجه؟!
فإن شئتَ أوقفتُك عليها في هذا المقام.
وإلا : فلعلك تنتظر موضوعي القادم في هذا الصدد إن شاء الله.
اقتباس:
سيقول مثل ما قال في المقالات الأُوَل، إلا أن يسعفه الوقت في استدراك ذلك.
لا ريب بعد ما سبق : فإن الوقت سيُسْعفه إن شاء الله. مع رجاء عدم الغفلة عن الدعاء لصاحبه راقم تلك الكلمات.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المظَفَّر السِّنَّاري
لا ريب بعد ما سبق : فإن الوقت سيُسْعفه إن شاء الله..
ولعلي أزيدك هنا بيانًا باختصار الوقت عليك في حديث ابن عباس القادم إن شاء الله.
وهذا الحديث قد روِّيناه من طريق الرافعي في ( تاريخه ) .
فأخبرنا به: صلاح الدين بن محمد المنصوري - إجازة بالمشافهة والمكاتبة - عن شيخه زكي الدين محمد بن إبراهيم الحسيني عن أحمد بن عبد الرحمن البنا المعروف بـ ( الساعاتي ) عن بدر الدين الحسني عن المحدث المسند أبي النصر الخطيب عن عبد الرحمن بن محمد الكزبري عن محمد مرتضى الزبيدي عن حسن بن عليّ العجيمي عن البرهان إبراهيم الميموني عن الشمس الرملي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ ابن حجر عن أبي هريرة ابن الذهبي عن أبي المجامع إبراهيم بن محمد الجويني عن عزيز الدين محمد ابن الإمام أبي القاسم عبد الكريم الرافعي عن أبيه أنه قال في ترجمة ( محمد بن علي بن الحسن بن مخلد بن زنجويه ) من ( تاريخه ) المعروف بـ ( التدوين في أخبار قزوين ) [1/459/الطبعة العلمية ]:
( ...روى عنه أبو حفص ابن جابارة، وعن أبي الخطيب عبد الكافي بن عبد الغفار بن مكي كتابه أنبأ جدي أبو بكر مكي بن محمد الحربي سنة خمس وخمسمائة أنبأ أبو حفص عمر بن محمد بن جابارة المالكي أنبأ أبو عبد الله محمد بن علي بن الجارود أنبأ أبو الحسن محمد بن زنجويه المقرىء بقزوين ثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ثنا أبو كامل الجحدري ثنا غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأذنان من الرأس ).
قلتُ: فالجادة أن يُقال عند عزو هذا الحديث إلى الرافعي : ( أخرجه الخطيب عبد الكافي بن عبد الغفار بن مكي في ( كتابه ) كما في تاريخ الرافعي ....).
ثم نظرت: فإذا الخطيب هذا من مشيخة أبي القاسم القزويني ! فقوله الماضي : ( وعن أبي الخطيب ..... ) أراه موصولا من روايته عنه إن شاء الله.
فللباحث أن يقول بدون غضاضة : أخرجه الرافعي في ( تاريخه ) من طريق فلان به ....
والله المستعان لا رب سواه.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
جزاك الله خيرًا.
فانتبه إذن لمثل هذا فيما ستستدركه على الأئمة وتكتبه فيما تزمع كتابته في هذه المسألة.
ويبدو أن سقطًا ما قد وقع في تلك الترجمة، فليدقق في الأمر.
وفقك الله.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله
ويبدو أن سقطًا ما قد وقع في تلك الترجمة.
.
هذا يدور في دائرة الاحتمال !
ومطبوعة ( تاريخ قزوين / الطبعة العلمية ) مكتظة بالتحريف والتصحيف وكل شيء !
ولو أنني وجدتُ من يكفيني وأهلي بضعة أشهر، لما ترددتُ طرفة عينٍ في خدمة هذا ( التاريخ العجيب!) وإخراجه في حُلّةٍ قشيبةٍ تحتارُ في تأمُّل جمالها أعينُ الناظرين ؟!
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مرَّ في الحلقتين الماضيتين دراسة شطرٍ من روايات حديث: «الأذنان من الرأس» عن خمسة من الصحابة، ومرسل واحد.
وستكون هذه الحلقة -بعون الله- في تخريج حديثي ابن عباس وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهم-، ودراسة أسانيدهما.
7- تخريج حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أ- رواية عطاء عن ابن عباس:
أخرجه البزار في مسنده -كما في النكت لابن حجر (1/412) ولسان الميزان (5/361)، ومن طريقه الدارقطني (1/98) والبيهقي في الخلافيات (170)-، والحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة -كما في النكت (1/412)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (167)-، وابن عدي (3/131، 4/196) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (169)- والدارقطني (1/99) وابن شاهين في حديثه (10) والبيهقي في الخلافيات (168) والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/459) من طريق محمد بن محمد الباغندي، ثلاثتهم -البزار والمعمري والباغندي- عن أبي كامل الجحدي، عن محمد بن جعفر غندر.
وأخرجه ابن عدي (3/131) والدارقطني (1/99) من طريق كثير بن شيبان، والدارقطني (1/99) من طريق يحيى بن قزعة، وأبو نعيم في الحلية (8/281) من طريق سالم بن ميمون، والبيهقي في الخلافيات (173) من طريق داود بن معاذ، وفي الخلافيات (174) من طريق عبدالله بن الجراح، خمستهم -كثير ويحيى وسالم وداود وعبدالله- عن الربيع بن بدر عليلة، كلاهما -غندر وعليلة- عن ابن جريج، وابن عدي (1/188) والدارقطني (1/100) من طريق أحمد بن بكر البالسي، عن محمد بن مصعب القرقساني، عن إسرائيل بن يونس، والدارقطني (1/100) من طريق حسن بن صالح، والدارقطني (1/100) من طريق علي بن يونس، والحكم بن عبدالله أبي مطيع الخراساني، كلاهما -علي والحكم- عن إبراهيم بن طهمان، ثلاثتهم -إسرائيل وحسن بن صالح وابن طهمان- عن جابر الجعفي، والدارقطني (1/101) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (195)- من طريق عمر بن قيس، والدارقطني (1/101) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (180)- والخطيب في تاريخ بغداد (3/234، 6/384) من طريق سويد بن سعيد، عن القاسم بن غصن، عن إسماعيل بن مسلم، أربعتهم -ابن جريج وجابر الجعفي وعمر بن قيس وإسماعيل بن مسلم- عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، به.
إلا أن الحكم بن عبدالله بن أبي مطيع عن إبراهيم بن طهمان عن جابر الجعفي؛ جعله عن عطاء، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وأوقفه عمر بن قيس في روايته عن عطاء على ابن عباس.
ب- رواية أبي غطفان عن ابن عباس:
أخرجه الطبراني في الكبير (10/391) من طريق أحمد بن حنبل، عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان، عن ابن عباس به.
ج- رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس:
أخرجه الدارقطني (1/101) - ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (189) - من طريق محمد بن صالح، وخلاد بن يحيى، وعلي بن عياش، ثلاثتهم عن محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس به.
د- رواية مجاهد عن ابن عباس:
أخرجه البيهقي في الخلافيات (197) من طريق عبدالوهاب بن مجاهد، عن أبيه مجاهد، عن ابن عباس به.
دراسة الأسانيد:
أ- رواية عطاء عن ابن عباس:
وقد رواها عنه أربعة:
أحدهم: ابن جريج، وعنه محمد بن جعفر غندر، والربيع بن بدر، وهي وجهٌ عن ابن جريج في الخلاف على سليمان بن موسى -كما سبق-.
فأما الربيع بن بدر؛ فواهٍ متروك الحديث[1]، ليست روايته معتبرة ولا مفيدة شيئًا.
ورواية غندر رواها عنه أبو كامل الجحدري، وعنه ثلاثة: البزار والحسن بن علي المعمري ومحمد بن محمد الباغندي.
وقد اتهم بعض العلماء الباغندي به، بناءً على حكمهم بأنه تفرد به، قال الخليلي: سمعت الحاكم يقول: سألت أبا علي الحافظ عن حديث أبي كامل الجحدري عن غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس»، فقال: هذا حديث حدثنا به ابن الباغندي، ونحن نتهمه به، فإنه لم يحدث به في الإسلام أحد غيره عن أبي كامل عن غندر.
قال الحاكم: فذاكرني أبو الحسين بن المظفر البغدادي، فقال لي: الباغندي ثقة إمام لا ينكر منه إلا التدليس، والأئمة قد دلسوا. فقلت: لا تقل بهذا، أليس قد روى عن أبي كامل هذا ولم يتابع عليه؟! فقال: قد ذُكر لي عن عبدالخالق البزار -كذا- عن أبي كامل كما عند الباغندي[2].
والذي ذكره ابن المظفر صواب، فإن البزار -واسمه: أحمد بن عمرو بن عبدالخالق- قد رواه عن أبي كامل كرواية الباغندي، بل تابعهما الحسن بن علي المعمري.
وقد نقل البيهقي عن الحاكم قوله: (هذا حديث يعرف بالمعمري، وهو آخر ما ذكره موسى بن هارون في الإنكار عليه، وقد سرقه منه الباغندي وغيره)[3].
واتهام الباغندي بسرقته غير قائم -فيما يظهر-، فإنه قد نَقل عن أبي كامل ما لم ينقله غيره، وهو قوله: (لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث الواحد، أفادنيه عنه عبدالله بن سلمة الأفطس)[4]، وقد اعتمد هذه الكلمة ابن عدي، وقال: (وحدث عن أبي كامل بهذا الحديث: المعمري والباغندي)[5]، وأخرج الحديث في ترجمة الأفطس للدلالة على جرحه، واعتمدها كذلك البيهقي[6] وغير واحد. ولعل اتهام الباغندي بسرقته من باب تعصيب جناية الخطأ به، إذ غيرُهُ في الإسناد ثقةٌ بلا خلاف، لكن يأتي بيان الذي وقع منه الخطأ[7].
وقد تفرد بهذا الحديث أبو كامل عن غندر، قال ابن عدي: (وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غندر بهذا الإسناد غير أبي كامل)[8]، وقال الدارقطني: (تفرد به أبو كامل عن غندر)، وقد وهَّم الدارقطنيُّ أبا كامل فيه، قال: (ووَهِمَ عليه -أي: على غندر- فيه)[9]، وقال ابن عدي: (ومن حديث غندر ليس بالمحفوظ)[10]، وربما كان منشأ الخلل في هذا الإسناد ما ذكره أبو كامل -وسبق-، قال: (لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث الواحد، أفادنيه عنه عبدالله بن سلمة الأفطس)، والأفطس هذا متروك منكر الحديث، فلعل في إفادة الأفطس ما يشكك في كون الحديث صحيحًا عند غندر، قال ابن حجر معلقًا على كلمة أبي كامل المذكورة: (والأفطس ضعيف جدًّا، فلعله أدخله على أبي كامل)[11].
وكون الحديث فائدةً يفيدها بعضُ الرواة بعضًا= محلُّ نكارة وغلط، وإن كان رواه الثقات الحفاظ، قال الإمام أحمد: (إذا سمعتَ أصحاب الحديث يقولون: "هذا حديث غريب"، أو: "فائدة"؛ فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديثٌ في حديث، أو خطأ من المحدِّث، أو حديثٌ ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان)[12].
وحتى لو صحت رواية أبي كامل عن غندر، فقد سبق -في الخلاف على ابن جريج- أن الراجح عنه: عن سليمان بن موسى مرسلاً، وهو ما اتفق عليه جمع من الثقات الأثبات عن ابن جريج، واجتماعهم أقوى من انفراد غندر -مع ثقته-، وهذه العلة الأقوى في الحديث، وتأتي علة أخرى مؤيدة ذكرها الحافظ ابن حجر.
إلا أن ابن الجوزي صحح رواية غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، قال: (أبو كامل لا نعلم أحدًا طعن فيه، والرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، كيف وقد وافقه غيره؟! فإن لم يعتدّ برواية الموافق اعتبر بها، ومن عادة المحدثين أنهم إذا رأوا من وقف الحديث ومن رفعه وقفوا مع الواقف احتياطًا، وليس هذا مذهب الفقهاء، ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعًا، وقد رواه له سليمان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مسند)[13]، ولابن القطان نحو ذلك، حيث ذكر أن الدارقطني احتج على وهم أبي كامل عن غندر بأن الثقات رووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلاً، ثم قال: (وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده -يعني: ابن جريج- في ذلك حديثان: مسند ومرسل؟!)[14].
والذي قالاه نموذج لمنهج التجويز الذي دخل على علم الحديث من الفقهاء والأصوليين، الذي لا ينظر إليه أئمة النقد وأطباء العلل.
وقد رد العلماء كلام ابن الجوزي ثم ابن القطان:
قال الذهبي بعد كلام ابن الجوزي: (هذا كلام من لا شَمَّ العلل)[15]، وقال ابن عبدالهادي بعد أن نقل كلام ابن الجوزي ثم كلام ابن القطان: (وفيه نظر كثير... وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه في أن الأخذ بالمرفوع والمتصل في كل موضع= طريقةٌ ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة ا
لعلل في الحديث)[16].
وقال ابن حجر بعد أن نقل كلام ابن القطان: (لكن في سماع أهل البصرة من ابن جريج نظر، ومنهم غندر، فرواية من رواه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى سالمة من هذه العلة، فلهذا رجحها الدارقطني، والله أعلم)[17]، وقال: (والعلة فيه من جهتين:
إحداهما: أن سماع غندر عن ابن جريج كان بالبصرة، وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وَهِمَ فيها[18]، وسماع من سمع منه بمكة أصح،
ثانيهما: أن أبا كامل قال -فيما رواه أبو أحمد بن عدي عنه-: "لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث، أفادنيه عنه عبدالله بن سلمة الأفطس" انتهى، والأفطس ضعيف جدًّا، فلعله أدخله على أبي كامل) ا.هـ كلام ابن حجر[19].
الراوي الثاني عن عطاء عن ابن عباس: جابر الجعفي، ورواه عنه ثلاثة:
1- إسرائيل بن يونس، وعنه محمد بن مصعب القرقساني، وفي القرقساني كلام، وذكر بعض العلماء أنه منكر الحديث، ووُثِّق، وعنه أحمد بن بكر البالسي، قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يعرف الا بأحمد بن بكر"[20]، وقد تُكُلِّم في أحمد أيضًا [21].
2- الحسن بن صالح بن حي.
3- إبراهيم بن طهمان، واختلف عن إبراهيم:
- فرواه علي بن يونس عنه عن جابر عن عطاء عن ابن عباس.
- ورواه الحكم بن عبدالله أبو مطيع الخراساني عنه عن جابر عن عطاء مرسلاً، ولعل علي بن يونس هو البلخي العابد، وفيه كلام[22]، وأبو مطيع أيضًا ضعيف[23].
وقد قال الدارقطني عقب رواية علي بن يونس: (أرسله الحكم بن عبدالله أبو مطيع عن إبراهيم بن طهمان عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصواب)[24].
ولا يبعد أن يكون هذا الاضطراب من جابر الجعفي نفسه، فإنه رافضي ضعيف، ترك بعض الأئمة حديثه، وقد اتهم بالكذب.
فهذا الوجه عن عطاء شديد الضعف.
الثالث عن عطاء: عمر بن قيس المكي، وهو الملقب بسندل، وقد أوقفه على ابن عباس.
وسندل متروك، وكان يروي عن عطاء خاصةً البواطيل[25]، وهذا منها.
الرابع عن عطاء: إسماعيل بن مسلم المكي، وهو وجه عنه، وسبق في عطاء عن أبي هريرة بيان أن إسماعيل بن مسلم منكر الحديث واهيه، وقد روي الحديث عنه على أوجه، وهي مناكير كلها.
فالخلاصة: أنه لا يصح الحديث عن عطاء عن ابن عباس بحال، وطرق الحديث عنه راجعة إلى بعض المتروكين وشديدي الضعف.
ب- رواية أبي غطفان عن ابن عباس:
وقد أخرجها الطبراني عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان، ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «استنشقوا مرتين، والأذنان من الرأس».
وهذا الحديث بهذا التمام غريب عن أحمد بن حنبل، فإنه جاء عن وكيع من رواية الثقات عنه، وعن ابن أبي ذئب كذلك، وليس فيه: «الأذنان من الرأس»، وقد رواه أحمد نفسه عن غير واحد متابعين لوكيع عن ابن أبي ذئب، فلم يذكروا هذه اللفظة:
فأخرجه أبو داود الطيالسي (ص356) -ومن طريقه البيهقي (1/49) وابن حجر في تغليق التعليق (2/105)-، وابن أبي شيبة (277)، وأبو داود (141) عن إبراهيم بن موسى، وابن ماجه (408) عن علي بن محمد، ثلاثتهم عن وكيع، وابن أبي شيبة (277) -وعنه ابن ماجه (408)- عن إسحاق بن سليمان الرازي، وأحمد (1/228) عن يحيى القطان، و(1/315) عن هاشم بن القاسم، و(1/352) عن يزيد بن هارون، والبخاري في التاريخ الكبير (7/201)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (206) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (43/246، 247)-، كلاهما -البخاري وأبو زرعة- عن آدم بن أبي إياس، والنسائي في الكبرى (97) وابن عبدالبر في التمهيد (18/223، 224) من طريق عبدالله بن المبارك، وابن الجارود (77) من طريق أسد بن موسى، وابن المنذر في الأوسط (359) من طريق إسحاق بن عيسى، والحاكم (526) من طريق خالد بن مخلد، والمزي في تهذيب الكمال (23/334) من طريق ابن أبي فديك، الاثنا عشر راويًا عن ابن أبي ذئب، عن قارظ، عن أبي غطفان، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا»، لفظ يحيى القطان والرواة عن وكيع، وبعضهم رواه بالصيغة الفعلية، إلا أنهم اتفقوا جميعًا على عدم ذكر لفظة: «الأذنان من الرأس».
وهذا يدل دلالة واضحة على أن في اللفظة التي عند الطبراني في الكبير نظر[26].
بل حتى لو صحت عن وكيع، فإنه قد انفرد عن أحد عشر راويًا فيهم يحيى القطان وغيره من كبار الثقات، فذكرها ولم يذكروها، وروايتهم أولى بالصواب.
وهذا يبين أن الحديث من هذه الطريق شاذ معلول.
ج- رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس:
وقد رواها عن ميمون: محمد بن زياد الطحان، وهو كذاب خبيث -كما قال أحمد-.
د- رواية مجاهد عن ابن عباس:
وهي وجه عنه، سبق بيانه في عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عمر.
8- تخريج حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن أبي شيبة (158) -ومن طريقه الأثرم في سننه (10) وابن المنذر في الأوسط (396) وابن عدي (1/373) والدارقطني (1/103) والبيهقي في الخلافيات (205)-، وابن أبي حاتم في العلل (1/53) من طريق إبراهيم بن موسى الفراء، والعقيلي في الضعفاء (1/31) عن محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، والطبراني في الأوسط (4084) وابن عدي (1/373) عن علي بن سعيد، وابن عدي (1/373) والدارقطني (1/102) -ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (204)- من طريق أبي حاتم الرازي، ثلاثتهم -ابن الضريس وعلي بن سعيد وأبو حاتم- عن علي بن جعفر بن زياد الأحمر، ثلاثتهم -ابن أبي شيبة والفراء والأحمر- عن عبدالرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سوار، عن الحسن البصري، عن أبي موسى به.
إلا أن الطبراني في روايته عن علي بن سعيد أبدل عبدالرحيم بن سليمان بعلي بن مسهر، وأوقفه ابن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى على أبي موسى الأشعري.
دراسة الإسناد:
جاء الحديث من طريق علي بن جعفر بن زياد الأحمر عن عبدالرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوار عن الحسن عن أبي موسى.
وخالف عليًّا: ابنُ أبي شيبة وإبراهيم بن موسى الفراء، أوقفاه على أبي موسى، وروايتهما أصوب، ورواية علي خطأ، وإلى هذا أشار أبو حاتم لما سأله ابنه عن الحديث المرفوع، قال: (ذاكرت أبا زرعة بهذا الحديث، فقال: حدثنا إبراهيم بن موسى، عن عبدالرحيم، فقال: عن أبي موسى؛ موقوف)[27]، وقال ابن عدي: (ولا أعلم رفع هذا الحديث عن عبدالرحيم غيرُ علي بن جعفر، ورواه غيره موقوفًا عن عبدالرحيم)[28]، ثم أسنده من طريق ابن أبي شيبة عن عبدالرحيم، وقال الدارقطني: (رفعه علي بن جعفر عن عبدالرحيم، والصواب موقوف، والحسن لم يسمع من أبي موسى)[29].
وهذا الموقوف ضعيف، ففيه أشعث بن سوار ضعيف، وهو منقطع، إذ لم يسمع الحسن من أبي موسى -كما ذكر الدارقطني، وهو قول ابن المديني وأبي حاتم وأبي زرعة والبزار أيضًا-.
يتلوه -بعون الله- تخريج أحاديث أنس بن مالك وسمرة بن جندب وعبدالله بن أبي أوفى وسلمة بن قيس وأسماء بنت يزيد وجابر بن عبدالله -رضي الله عنهم-، ثم ختم البحث المطوَّل في هذا الحديث ببيان خلاصته، وبنقل بعض أحكام الأئمة عليه برواياته المختلفة.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] كما سبق في الحديث (38) -حديث ابن عباس-.
[2] الإرشاد (3/844، 845-منتخبه).
[3] الخلافيات (1/366).
[4] الكامل لابن عدي (4/196)، ونحوه في (3/131)، ولو كان سرقه من غيره ما كان انفرد بنقل هذا.
[5] الكامل لابن عدي (4/196).
[6] الخلافيات (1/367).
[7] وقد برّأ الباغنديَّ: ابن حجر -كما في اللسان (5/361)-.
[8] الكامل (4/196).
[9] السنن (1/99)، سؤالات البرقاني (676).
[10] الكامل (3/131).
[11] النكت (1/413). وقد عقَّب ابن عدي قولَه: (ومن حديث غندر ليس بالمحفوظ) بهذه الحكاية، فكأنه يشير إلى أنها منشأ الخطأ على غندر، وذكرها في موضع آخر (4/196)، ثم قال: (وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غندر بهذا الإسناد غير أبي كامل، وحدَّث عن أبي كامل بهذا الحديث المعمري والباغندي، وقد رُوي هذا الحديث عن الربيع بن بدر عن ابن جريج)، ولعله يشير بهذا إلى أن الحديث إنما يحفظ من حديث الربيع بن بدر -وهو متروك الحديث-، وأنه لا يؤمن أن يكون عبدالله بن سلمة الأفطس قد أدخله على أبي كامل، أو على غندر.
[12] الكفاية في علم الرواية، للخطيب (ص142).
[13] التحقيق (1/154).
[14] بيان الوهم والإيهام (5/263، 264).
[15] تنقيح التحقيق (1/51).
[16] تنقيح التحقيق (1/119).
[17] إتحاف المهرة (7/404).
[18] انظر: تاريخ ابن أبي خيثمة (1/255-257/السفر الثالث).
[19] النكت (1/412، 413).
[20] الكامل (1/188).
[21] انظر: لسان الميزان (1/140).
[22] انظر: ضعفاء العقيلي (3/256).
[23] انظر: لسان الميزان (2/334).
[24] السنن (1/100).
[25] كما سبق في الحديث (39) -حديث أبي هريرة-.
[26] وانظر: تحقيق الخلافيات (1/391-393)، وتحقيق المسند (36/558).
[27] العلل (1/53).
[28] الكامل (1/373).
[29] السنن (1/103).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مرَّ في الحلقات الثلاث الماضية تخريج ودراسة أسانيد حديث: «الأذنان من الرأس» من طريق جماعة من الصحابة.
وستكون هذه الحلقة في تخريج بقية الطرق المرفوعة للحديث، مع خلاصة البحث، وأحكام الأئمة.
9- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أ- رواية عبدالحكم عن أنس:
أخرجه ابن عدي (2/18) من طريق بشر بن محمد، وأبو بكر الجصاص الرازي في أحكام القرآن (3/360) من طريق زياد بن علاقة، والدارقطني (1/104) من طريق عفان بن سيار، ثلاثتهم عن عبدالحكم، عن أنس به.
ب- رواية يزيد الرقاشي عن أنس:
أخرجه ابن عدي (3/55) - ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (218) - من طريق خارجة بن مصعب، عن الهيثم بن جماز، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به.
وقد أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1/28) -معلقًا- والدارقطني في السنن (1/104) والعلل (12/263) -معلقًا- عن حماد بن سلمة، عن سنان بن ربيعة، عن أنس به، ولم يذكر فيه لفظة: «الأذنان من الرأس».
دراسة الأسانيد:
جاء الحديث عن أنس من طريقين:
إحداهما: رواية عبدالحكم بن عبدالله القسملي عنه، والحكم منكر الحديث، قال أبو نعيم الأصبهاني: (روى عن أنس نسخة منكرة، لا شيء)[1]، وقال الحاكم: (روى عن أنس أحاديث موضوعة)[2].
ثانيهما: رواية يزيد الرقاشي، وعنه الهيثم بن جماز، متروك الحديث، وعنه خارجة بن مصعب، متروك كذلك، ولا يبعد عن حالهما حال يزيد الرقاشي نفسه.
فالحديث عن أنس كالموضوع.
وأما رواية حماد بن سلمة، عن سنان بن ربيعة، عن أنس؛ فسبق في حديث أبي أمامة أنها -إن صحت- من اضطراب سنان بن ربيعة في الحديث.
10- تخريج حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-:
أخرجه تمام في المقلين من الأمراء والسلاطين (3، 4) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/234)- والبيهقي في الخلافيات (240) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن الحجاج بن يوسف الثقفي، عن سمرة به.
دراسة الإسناد:
فيه الحجاج بن يوسف الثقفي، الأمير الظالم المشهور.
قال البيهقي عقب هذه الرواية: (والحجاج بن يوسف لا يحتج بحديثه -إن كان محفوظًا عنه، والطريق إليه سليم-، ولا يخفى حاله على أحد)[3].
ويُنظر في كونه سمع سمرة، فإنه يقول في هذا الحديث: (سمعت سمرة)، بينما كانت وفاة سمرة بالعراق وللحجاج أقل من أربع عشرة سنة، وقد كانت نشأة الحجاج في الطائف!
11- تخريج حديث عبدالله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن عدي (6/282) من طريق محمد بن يزيد المستملي عن يزيد بن هارون، عن فائد بن عبدالرحمن، عن ابن أبي أوفى به.
دراسة الإسناد:
فيه محمد بن يزيد المستملي، متروك الحديث، ويسرقه، ويضعه[4]، قال ابن عدي عقب روايته: (وهذا حديث باطل بهذا الإسناد)[5].
12- تخريج حديث سلمة بن قيس الأشجعي -رضي الله عنه-:
أخرجه الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/782) وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/349، 350) من طريق خيثمة بن سليمان، عن وزير بن القاسم، عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة به. «إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر، والأذنان من الرأس».
دراسة الإسناد:
قال الخطيب البغدادي بعد أن أخرجه: (قوله في هذا الحديث: «الأذنان من الرأس» خطأ فظيع، ووهم شنيع، وذلك أن المتن المرفوع إلى: «فأوتر» حسب، لا زيادة عليه.
والوهم في هذا الحديث من وزير بن القاسم؛ وهمه على آدم، أو من خيثمة؛ وهمه على وزير، والحديث في كتاب آدم عن شعبة، وآخره: «فأوتر»، وبعده إثره بإسناد آخر عن عبدالله بن عمر، قال: «الأذنان من الرأس». فأسقط الناقل لحديث سلمة بن قيس ما بعده من إسناد حديث ابن عمر، ووصل لفظه بمتن حديث سلمة.
وقد روى معمر بن راشد[6] وسفيان الثوري[7] وموسى بن مطير[8] وقيس بن الربيع[9] وأبو عوانة[10] وحماد بن زيد[11] وسفيان بن عيينة[12] وجرير بن عبدالحميد[13] = عن منصور حديث سلمة بن قيس، فلم يزيدوا على قوله: «وإذا استجمرت فأوتر».
وكذلك رواه أبو الوليد الطيالسي عن شعبة عن منصور[14].
وروى إبراهيم بن الهيثم البلدي عن آدم بن أبي إياس عن شعبة حديث سلمة بن قيس، وأتبعه بحديث ابن عمر، وميز كل واحد منهما عن صاحبه[15]) ا.هـ كلام الخطيب[16].
وقال ابن عساكر بعد أن أخرجه: (هكذا رواه خيثمة، وقوله: «والأذنان من الرأس» ليس من الحديث المرفوع، وإنما روى آدم هذا الحديث عن شعبة مثل ما رواه أبو الوليد الطيالسي، وآخره: «وإذا استجمرت فأوتر»، ثم روى بعده عن شعبة: حدثني رجل كان بواسط مولى لبني مخزوم، قال: سمعت ابن عمر يقول: «الأذنان من الرأس»... وقد رواه عن منصور: معمر بن راشد وسفيان الثوري وقيس بن الربيع وأبو عوانة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وجرير بن عبدالحميد وموسى بن مطير= فلم يذكروا فيه: «والأذنان من الرأس»)[17].
فتبين أن اللفظة في هذا الحديث مدرجة خطأً، بسبب انتقال النظر أو نحوه، وهذا ضربٌ مما يطلق عليه: دخول حديثٍ في حديث.
13- تخريج حديث أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها-:
أخرجه الدارقطني في العلل (15/305) -معلقًا- عن محمد بن عبدالرحيم الشماخي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أبان بن تغلب، عن شهر بن حوشب، عن أسماء به.
دراسة الإسناد:
قال الدارقطني في الشماخي هذا: (كان بالشام، ولم يكن مرضيًّا)، ثم قال: (والمحفوظ: عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة)[18].
وهذه هي الرواية الأولى لهذا الحديث، وقد خولف الشماخي هذا، خالفه أبو داود السجستاني ويوسف بن موسى القطان، روياه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد من طريق أبي أمامة[19]، وهو الصواب -كما هو ظاهر-.
14- تخريج حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-:
أخرجه البيهقي في الخلافيات (202، 203) من طريق عثمان بن حفص، عن سلام، عن إسماعيل بن أمية وإسماعيل المكي، عن عطاء، عن جابر به.
دراسة الإسناد:
قال البيهقي -عقب تخريجه-: (أخبرناه أبو عبدالله الحافظ في كتاب التاريخ: أنبأ أبو عمرو بن مطر... فذكر مثله، إلا أنه لم يذكر سلامًا في إسناده، وهم فيه الراوي عن إسماعيل، أو من دونه. وذكر جابر فيه خطأ.
وقد اختُلف فيه على إسماعيل المكي كما سبق ذكري له، والله أعلم.
والأشبه بالصواب حديث عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم ذكري له، والله أعلم) ا.هـ كلام البيهقي[20].
وسلام إن كان هو الطويل، فإنه متروك منكر الحديث، وإن كان غيره فلم أعرفه، ولم تصح روايته عن إسماعيل بن مسلم المكي؛ إذ الصحيح عن إسماعيل: روايته عن عطاء عن أبي هريرة -كما سبق بيانه في موضعه-. وإسماعيل واهٍ منكر الحديث أصلاً، وهذه الرواية لغرابتها اضطُرب فيها اضطرابًا متأخرًا، فالنظر فيها شديد، والأظهر أنها واهية منكرة.
الخـلاصة:
يظهر من العرض السابق:
أنه لم ترد طريق للحديث مرفوعة صحيحة البتة، وهذا ما حكم به غير واحد من أئمة الحديث النقاد:
1- قال حرب بن إسماعيل: قلت لأبي عبدالله -يعني: أحمد بن حنبل-: الأذنان من الرأس؟ قال: (نعم)، قلت: صح فيه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: (لا أعلم)[21]، والظاهر أن قوله: (لا أعلم) يعني: أن أحمد -رحمه الله- لا يعلم شيئًا يصح من طرق الحديث، وأبعد منه: أن المقصود: أن أحمد لا يعلم أصح فيه شيء أم لا.
2- وسبق قول الإمام الحافظ أبي عيسى الترمذي: (هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم)، وكلامه عقب إخراجه حديث أبي أمامة، ثم قوله: (وفي الباب عن أنس).
3- وقال الإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي: (الأسانيد في هذا الباب لينة)[22].
4- وعرض الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني طرق الحديث بتوسع، وبين عللها وضعفها جميعًا[23].
5- ونسب العراقي[24] والسيوطي[25] تضعيف الحديث إلى الحاكم، وكان الحاكم قد قال في نوع المشهور من الحديث: (فرُبَّ حديث مشهور لم يخرج في الصحيح...)، ثم ضرب لذلك أمثلة فيها حديثنا هذا، ثم قال: (فكل هذه الأحاديث مشهورة بأسانيدها وطرقها وأبواب يجمعها أصحاب الحديث، وكل حديث منها يُجمع طرقه في جزء أو جزئين، ولم يخرج في الصحيح منها حرف)[26].
ولا يظهر من كلام الحاكم هذا التضعيف الذي نسبه إليه الإمامان، والله أعلم.
6- وقال الحافظ أبو محمد ابن حزم: (الآثار في ذلك واهية كلها، قد ذكرنا فسادها في غير هذا المكان)[27].
7- وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: (رُوي ذلك بأسانيد ضعاف)[28]، وقال: (وربما استدل أصحاب أبي حنيفة بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الأذنان من الرأس» بأسانيد كثيرة، ما منها إسناد إلا وله علة)[29].
8- وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي: (وقد روي عن أبي أمامة وابن عباس وأبي موسى وأبي هريرة وابن عمر كلهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس»، ولا يصح منها كلها شيء)[30].
9- وذكر هذا الحديث الإمام ابن الصلاح مثالاً على ما لا يتقوى بأسانيده، قال: (لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: «الأذنان من الرأس» ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؟ لأن بعض ذلك عضد بعضًا كما قلتم في نوع الحسن، على ما سبق آنفًا.
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت:
• فمنه ضعف يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر،
• ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا)[31].
10- وقال المنذري: (قد وقع لنا هذا الحديث من رواية ابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأنس وعائشة، وليس شيء منها يثبت مرفوعًا)[32].
والدراسة المرقومة هنا تثبت صحة ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة ودقته، فالطرق مناكير وشذوذات، ولا يصح تقوية بعضها ببعض البتة.
والله أعلم، وله الحمد على ما وفق.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] انظر: لسان الميزان (6/204).
[2] المدخل إلى الصحيح (ص173).
[3] الخلافيات (1/433، 434).
[4] انظر: لسان الميزان (5/429).
[5] الكامل (6/282).
[6] روايته عند أحمد (4/340) والطبراني في الكبير (6306) -ومن طريقه الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/784)-.
[7] روايته عند أحمد (4/313، 339، 340) -ومن طريقه الخطيب في الفصل (2/784)- وابن حبان (1436) والطبراني في الكبير (6306، 6314) -ومن طريقه الخطيب في الفصل (2/784)-.
[8] روايته عند الخطيب في تاريخ بغداد (1/286) والفصل (2/784).
[9] روايته عند الطبراني في الكبير (6310) والخطيب في تاريخ بغداد (1/286) والفصل (2/784).
[10] روايته عند الطبراني في الكبير (6311) والخطيب في تاريخ بغداد (1/286) والفصل (2/784، 785).
[11] روايته عند الترمذي (27) والنسائي (1/67) وابن ماجه (406) والطبراني في الكبير (6312) والخطيب في الفصل (2/785).
[12] روايته عند أحمد (4/339) والحميدي (856) -ومن طريقه الطبراني في الكبير (6313)- والخطيب في الفصل (2/785).
[13] روايته عند أحمد (4/313) -ومن طريقه الخطيب في الفصل (2/786)- والترمذي (27) والطبراني في الكبير (6315).
[14] روايته عند الخطيب في الفصل (2/786).
[15] روايتاه عند الخطيب في الفصل (2/786، 787).
[16] الفصل للوصل (2/783).
[17] تاريخ دمشق (41/350).
[18] العلل (15/305).
[19] كما سبق في تخريج حديثه.
[20] الخلافيات (1/393، 394).
[21] تنقيح التحقيق (1/117).
[22] الضعفاء (1/31).
[23] السنن (1/97-104).
[24] التبصرة والتذكرة (2/75).
[25] تدريب الراوي (2/165).
[26] معرفة علوم الحديث (ص304، 305).
[27] المحلى (2/55).
[28] السنن (1/66).
[29] الخلافيات (1/347).
[30] الأحكام الوسطى (1/171).
[31] علوم الحديث (ص103).
[32] النكت على ابن الصلاح، للزركشي (1/236).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
الشيخ الفاضل سلمان تتميما للفائدة
فقد بدأت الاستفادة من الموضوع من أوله
فأحببت أن أسهم في النفع تحت إشرافكم ,
قلتم :
لم أجد ترجمة لمحمد بن عمرو بن خالد
وقد أورده ابن القطان الفاسي في كتابه"بيان الوهم والإيهام (1315) ووثقه وقال :
عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي روى عَنهُ البُخَارِيّ فِيمَن روى عَنهُ
وَأما ابْنه مُحَمَّد ، فيكنى أَبَا علاثة ، حدث عَن أَبِيه وَغَيره ، وَكَانَ ثِقَة ،
قَالَه أَبُو سعيد بن يُونُس فِي كِتَابه فِي تَارِيخ المصريين ، قَالَ : وَقد رَأَيْته ، وَذكر وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
تنبيه :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله
الأخ (سلمان) ناقلٌ لا كاتب، وقد صرَّح باسم كاتب هذه السلسلة في صدر هذا الموضوع.
وجزاكُم اللَّـهُ خَيرًا ،ونفعَ بكُم جميعًا.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
46- (1/184، 185) ("و" الخامس "الترتيب" على ما ذكر الله -تعالى-؛ لأن الله أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رتَّب الوضوء، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»).
حديثٌ واهٍ.
لم أجده بهذا السياق (بذكر ترتيب الوضوء، ثم قوله في عدم قبول الصلاة إلا به)، قال الألباني: (لا أعلم له أصلا بذكر الترتيب فيه...)[1]، والذي وجدته إنما فيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، وقال قولته تلك، وربما ورد في بعض الروايات[2] تفصيل الأعضاء المغسولة، لكن الترتيب غير مذكور فيه[3].
1- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أ- رواية معاوية بن قرة عنه:
أخرجه أبو داود الطيالسي (ص260)، والعقيلي (2/288) من طريق عمرو بن عون[4]، وابن أبي حاتم في العلل (1/45) من طريق أسد بن موسى، وابن عدي في الكامل (3/300) -ومن طريقه البيهقي (1/80)- من طريق أبي الربيع الزهراني، وابن عدي (3/300) من طريق عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، والدارقطني (1/80) من طريق زافر بن سليمان، وقبيصة بن عقبة، وشبابة، وابن بشران في أماليه (633) من طريق خالد بن أبي اليزيد، ثمانيتهم عن سلام بن سلم الطويل، وابن ماجه (419) عن أبي بكر بن خلاد، والطبراني في الأوسط (6288) من طريق بشر بن عبيس بن مرحوم، كلاهما عن مرحوم بن عبدالعزيز العطار، وأبو يعلى في مسنده (5598) ومعجمه (46) -ومن طريقه الخطيب في تلخيص المتشابه (1/316)- عن محمد بن بشير المذكر، وأبو عروبة الحراني في حديثه برواية أبي أحمد الحاكم عنه (59) من طريق عتاب بن بشير، والعقيلي في الضعفاء (2/288) والطبراني في الكبير (13/234) وابن عبدالبر في التمهيد (20/260) من طريق عبدالله بن عبدالوهاب، وابن حبان في المجروحين (2/162) من طريق محمد بن موسى، وابن الأعرابي في معجمه (143، 748) من طريق سوار بن عمارة، والبيهقي في السنن الصغرى (112) والخلافيات (283) وابن عساكر في معجمه (1350) من طريق محمد بن سعيد بن زائدة، سبعتهم عن عبدالرحيم بن زيد العمي، والدارقطني (1/79) من طريق محمد بن الفضل، ثلاثتهم -سلام الطويل وعبدالرحيم بن زيد ومحمد بن الفضل- عن زيد بن الحواري العمي، وعبدالغني الأزدي في إيضاح الإشكال -كما ذكر ابن الملقن في البدر المنير (2/133)- من طريق عباد بن صهيب، عن مسعر، كلاهما -مسعر وزيد العمي- عن معاوية بن قرة، عن عبدالله بن عمر، قال: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء، فتوضأ واحدةً واحدة، فقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم دعا بماء، فتوضأ مرتين مرتين، فقال: «هذا وضوء من يؤتى أجره مرتين»، ثم دعا بماء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي». لفظ سلام الطويل، وللآخرين نحوه، وقال بعضهم في الوضوء مرةً مرة: «هذا وضوءُ مَنْ لا يقبل الله صلاته إلا به»، وقال بعضهم: «هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله صلاة إلا به»، وقد زاد عبدالرحيم فيه ألفاظًا في الذكر بعد الوضوء، إلا أن أسد بن موسى قال: عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، عن معاوية بن قرة، به، وقال بشر بن عبيس، عن جده مرحوم بن عبدالعزيز: عن عبدالرحيم بن زيد، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جده، فذكره.
ب- رواية نافع عن ابن عمر:
أخرجه أحمد (2/98) -ومن طريقه الدارقطني (1/81)- عن الأسود بن عامر، عن أبي إسرائيل، عن زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من توضأ واحدةً؛ فتلك وظيفة الوضوء التي لا بد منها، ومن توضأ اثنتين؛ فله كفلان، ومن توضأ ثلاثًا؛ فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي».
ج- رواية عبدالله بن دينار عن ابن عمر:
أخرجه الحسن بن سفيان في الأربعين (17) -ومن طريقه الدارقطني (1/80) والبيهقي في معرفة السنن (1/298)-، وأبو عروبة الحراني في حديث برواية أبي أحمد الحاكم عنه (58) -ومن طريقه ابن المقرئ في حديثه عن شيوخه (3-ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية) والبيهقي (1/80) ومن طريق ابن المقرئ: ابن عساكر في تاريخ دمشق (58/201)-، والدارقطني (1/80) من طريق العباس بن الفضل، والبيهقي في السنن (1/80) والخلافيات (284) وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/201) من طريق أبي بكر بن أبي داود، أربعتهم -الحسن بن سفيان وأبو عروبة والعباس بن الفضل وابن أبي داود- عن المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، قال: توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرةً مرة، وقال: «هذا وضوء من لا يقبل الله منه الصلاة إلا به»، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: «هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين مرتين»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي».
د- رواية أبي حازم عن ابن عمر:
أخرجه ابن عدي في الكامل (3/246) عن محمد بن تمام بن صالح البهراني، عن المسيب بن واضح، عن سليمان بن عمرو أبو داود النخعي، عن أبي حازم، عن ابن عمر، نحوه.
هـ- رواية أبي سنان القسملي عن ابن عمر:
أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (24) من طريق النضر بن كثير، عن عبدالله بن عرادة، عن أبي سنان القسملي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وظيفة الوضوء مرةً مرة، فمن توضأ مرتين؛ كان له كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثًا؛ فهو وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي».
2- تخريج حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن ماجه (420) عن جعفر بن مسافر، وابن المنذر في الأوسط (413) والعقيلي في الضعفاء (2/288)، كلاهما عن ابن أبي مسرة، والشاشي في مسنده (1498) عن إسحاق بن إبراهيم، والآجري في الأربعين (14) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (20/260)- من طريق أحمد بن عمرو بن السرح، ومحمد بن عبدالله بن عمرو الغزي، والدارقطني (1/81) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح، ستتهم عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبدالله بن عرادة، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم توضأ، فتوضأ مرةً مرة، ثم قال: «هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله صلاةً إلا به»، ثم توضأ مرتين مرتين، فقال: «هذا وضوءٌ من توضأه أعطاه الله -عز وجل- كفلين من الأجر»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي».
دراسة الأسانيد:
أ- رواية معاوية بن قرة ونافع وأبي سنان عن ابن عمر، وحديث أبي بن كعب -رضي الله عنهما-:
مدار هذه الرواية على زيد العمي، قال الدارقطني: (يرويه زيد العمي، وقد اختُلف عنه:
• فرواه سلام بن سلم الطويل وعبدالرحيم بن زيد العمي ومحمد بن الفضل بن عطية عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر،
• ورواه أبوإسرائيل الملائي، عن زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر...
• وقال مرحوم بن عبدالعزيز العطار: عن عبدالرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة مرسلاً.
• ورواه عبد الله بن عرادة، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب)[5].
والرواية التي ذكرها الدارقطني عن مرحوم بن عبدالعزيز العطار لم أجدها، والذي وجدت أنه اختُلف عليه في الحديث:
• فرواه أبو بكر بن خلاد عنه، عن عبدالرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر.
• ورواه ابن ابنه: بشر بن عبيس بن مرحوم عنه، عن عبدالرحيم، عن أبيه، عن معاوية، عن أبيه، عن جده.
• وأبو بكر بن خلاد أوثق من بشر، وروايته أصح.
وقد روى الحديثَ أسدُ بن موسى، عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، كذا قال؛ جعله زيدَ بنَ أسلم، وقد بيَّن أبو حاتم أنه عنى: زيدَ العمي، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: فإن الربيع بن سليمان حدثنا بهذا الحديث عن أسد بن موسى، عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (هو سلام الطويل -وهو متروك الحديث-، وهو زيد العمي -وهو ضعيف الحديث-)[6].
وجاء الحديث عن عبدالله بن عرادة على وجه آخر -غير الذي ذكره الدارقطني-، فروي عن النضر بن كثير، عن ابن عرادة، عن أبي سنان القسملي، عن ابن عمر، والرواية الأولى أصح، وإن كان احتمال اضطراب ابن عرادة واردًا؛ فإنه منكر الحديث.
وأما الخلاف على زيد العمي؛ فقد عقَّب الدارقطني رواية أبي إسرائيل الملائي (التي ذكر نافعًا فيها) بقوله: (وهم فيه، والصواب قول من قال: عن معاوية بن قرة)، وقال في رواية عبدالله بن عرادة: (ولم يتابع عليه)، وزيد العمي ضعيف، والرواة عنه بين ضعيفٍ ومتروكٍ ومنكرٍ حديثُه: سلام الطويل، وعبدالرحيم بن زيد، ومحمد بن الفضل، وأبو إسرائيل الملائي، وعبدالله بن عرادة، ولا يبعد أن هذه الأوجه اضطرابات من زيد نفسه.
وأما متابعةُ مسعر لزيدٍ عن معاوية بن قرة عن ابن عمر؛ فرواها عن مسعر: عباد بن صهيب، متروك الحديث منكَرُه[7].
وفي الحديث علة أخرى؛ قال أبو زرعة: (معاوية بن قرة لم يلحق ابن عمر)[8]، وذكر الحاكم هذا الحديث قال: (وشاهده -يعني: حديثًا أخرجه- الحديثُ المرسل المشهور عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر)[9].
ب- رواية عبدالله بن دينار وأبي حازم عن ابن عمر:
رواه المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، به، قال الدارقطني: (تفرد به المسيب بن واضح عن حفص بن ميسرة، والمسيب ضعيف)[10]، وقال البيهقي: (وهذا الحديث من هذا الوجه ينفرد به المسيب بن واضح، وليس بالقوي)[11]، وقال: (ورواه المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر...، وهذا أيضًا ضعيف)[12].
وقد اختُلف عن المسيب:
• فرواه عنه جماعة فيهم بعض الحفاظ على الوجه المذكور.
• ورواه محمد بن تمام بن صالح البهراني عنه، عن أبي داود النخعي، عن أبي حازم، عن ابن عمر.
والبهراني راوي الوجه الثاني قال فيه الذهبي: (المحدِّث العالم)، ونقل قول ابن منده فيه: (حدَّث عن محمد بن آدم المصيصي بمناكير)، ثم عقب قائلاً: (قلت: لا أظن به بأسًا)[13].
والأولى تحميل هذا الاضطراب المسيبَ بن واضح نفسه؛ فإنه ضعيف، وقد تفرد بهذين الوجهين الغريبين، والنكارة عليهما لائحة؛ لتفرد الضعيف مع تأخر الطبقة.
3- تخريج حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في الأوسط (3661) عن سيف بن عمرو الغزي، عن محمد بن أبي السري، عن أبي هنيدة، عن ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فتوضأ واحدةً واحدة، فقال: «هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم توضأ ثنتين ثنتين، فقال: «هذا وضوء الأمم قبلكم»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي».
دراسة الإسناد:
قال الطبراني: (لا يروى هذا الحديث عن ابن بريدة إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن أبي السري)، وشيخ الطبراني مجهول[14]، ولم أعرف أبا هنيدة شيخ ابن أبي السري، وابن أبي السري تقدم -غير مرة- أنه كثير الغلط والوهم، وقد غلط في هذا الحديث غلطًا شنيعًا، فجعله بهذا الإسناد، وإنما هو حديث ابن عمر السابق، وغلط كذلك بقوله في الوضوء ثنتين ثنتين: «هذا وضوء الأمم من قبلكم»، وإنما الذي في الحديث: «هذا وضوء من يؤتى أجره مرتين»، أو: «هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين».
4- تخريج حديث عكراش بن ذؤيب:
أخرجه ابن عدي (7/28) وابن المقرئ في معجمه (1098) -ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد (11/28)-، كلاهما عن عبدالوهاب -قال ابن عدي: عبدالله- بن أبي عصمة، وابن عدي (7/28) عن محمد بن الحسين بن شهريار، كلاهما عن النضر بن طاهر، عن عبيدالله بن عكراش، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، فقال: «هذا لا يقبل الله الصلاة إلا به».
دراسة الإسناد:
حديث عكراش عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث مشهور، وقد ضعفه جمع من الأئمة[15]، واستعظم الحافظ محمد بن يحيى النيسابوري أن يحدث مثلَه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-[16]؛ لشدة نكارته، وليس في أكثر طرقه ذكر المتن الذي ذكره النضر بن طاهر عن عبيدالله بن عكراش، بل جاء عن النضر بن طاهر وليس فيه ذلك، بل الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غسل يده ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، فقال: «يا عكراش، هذا الوضوء مما مست النار».
والحديث على أيٍّ شديد النكارة -إن لم يكن موضوعًا-؛ فالمتفرد به: النضر بن طاهر؛ "معروفٌ بأنه يَثِبُ على حديث الناس ويسرقه، ويروي عمن لم يلحقهم، والضعف على حديثه بيِّن"[17].
5- تخريج حديث قرة بن إياس -رضي الله عنه-:
قال ابن عدي -في الكامل (3/99)-: (وروى داود بن محبر، عن أبيه، عن جده، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرةً مرة، فقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم توضأ مرتين... الحديث).
دراسة الإسناد:
داود بن المحبر متروك، شبه لا شيء، والحديث حديث ابن عمر السابق.
6- تخريج حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة -رضي الله عنهما-:
أخرجه ابن المظفر في غرائب حديث مالك (34)، والدارقطني في غرائب مالك -كما ذكر الزيلعي في نصب الراية (1/29)-، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/258)، والحسن بن أبي طالب الخلال في المجالس العشرة (95)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/357) وأسماء الرواة عن مالك -كما في البدر المنير (2/140)-، كلهم من طريق علي بن الحسن، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت وأبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا بالماء، فتوضأ مرةً مرة، وقال: «هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به»، وتوضأ مرتين، وقال: «هذا يضاعف به الأجر»، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»، لفظ ابن المظفر.
دراسة الإسناد:
قال الدارقطني: (تفرد به علي بن الحسن -وكان ضعيفًا-)، وقال الخطيب: (تفرد به عن مالك عليُّ بن الحسن السامي، وغيره أوثق منه)، وعلي بن الحسن السامي هذا كذاب يروي البواطيل عن مالك وغيره[18]، قال ابن حجر -عقب ذكره هذا الحديث-: (وهو مقلوب، ولم يروه مالك قط)[19]، وقال: (وهو مختَلَقٌ على مالك)[20]، وهو كما قال.
7- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (23) عن ابن أبي داود، عن محمد بن مصفى، أخبرنا ابن أبي فديك، عن طلحة بن يحيى، عن أنس بن مالك، قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوئه، فغسل وجهه مرةً، ويديه مرةً، ورجليه مرةً مرةً، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله -عز وجل- الصلاة إلا به»، ثم دعا بوضوء، فتوضأ مرتين مرتين، وقال : «هذا وضوء؛ من توضأ ضاعف له الأجر مرتين»، ثم دعا بوضوء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هكذا وضوء نبيكم ووضوء النبيين قبله»، أو قال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»[21].
دراسة الإسناد:
إن صح الحديث عن طلحة بن يحيى -إذ في النفس من تفرد محمد بن مصفى به وغرابة إسناده مع تأخر الطبقة-؛ فطلحة صدوق فيه ضعف، وغالب شيوخه من أتباع التابعين، فروايته عن أنس منقطعة، بل معضلة.
خـلاصة:
تبين أن كافة طرق الحديث تدور على الهلكى والمتروكين والأسانيد الضعاف المناكير، وقد وهَّى الأئمة هذا الحديثَ بطرقه وضعَّفوه، قال أبو زرعة: (هو عندي حديثٌ واهٍ)، وقال أبو حاتم: (لا يصح هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[22]، وأسند العقيلي وجهين عن زيد العمي، وقال: (كلاهما فيه نظر)[23]، وقال البيهقي: (وروي من أوجه كلها ضعيف)[24]، وقال ابن عبدالبر: (وحديث: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»؛ فإنما يدور على زيد بن الحواري العمي والد عبدالرحيم بن زيد، وهو انفرد به، وهو ضعيف ليس بثقة ولا ممن يحتج به، وقد اختلف عليه فيه أيضًا... وهو حديث لا أصل له)، ثم أسند رواية عبدالله بن عرادة وعبدالرحيم بن زيد، ثم قال: (هذا كلُّه منكرٌ في الإسناد والمتن...)[25]، وقال ابن العربي: (... فإن قيل: فقد توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة مرة، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به...»)، وساق الحديث، ثم قال: (قلنا: هذه الأحاديث لم تصح، وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل وقت ومجلس؛ ألا تشتغلوا من الأحاديث بما لا يصح سنده، فكيف ينبني مثلُ هذا الأصل على أخبارٍ ليس لها أصل؟!)[26]، وقال الحازمي: (وقد روي من أوجه عن غير واحد من الصحابة، وكلها ضعيفة)[27]، وذكر ابن الملقن له عدة طرق، ثم قال: (وهو حديث ضعيفٌ بمرة، لا يصح من جميع هذه الطرق)[28].
ــــــــــــــ
[1] إرواء الغليل (1/125).
[2] وهو حديث أنس عند ابن شاهين، ويأتي.
[3] ورأيتُ ذِكْرَ الحديث بذكر الترتيب وقع قديمًا لابن عبدالبر في التمهيد (2/82)، قال: (وبدليل قوله أيضًا -وقد توضأ على الترتيب-: «هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلا به»).
[4] وقع في إسناده سقط، واستدركته من طبعة السرساوي (3/298).
[5] العلل (13/226).
[6] العلل (1/45).
[7]انظر: لسان الميزان (3/230).
[8] علل ابن أبي حاتم (1/45).
[9]المستدرك (1/150).
[10]السنن (1/80).
[11] السنن (1/80).
[12]الخلافيات (1/488، 489).
[13] سير أعلام النبلاء (14/468).
[14] انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص329).
[15] انظر: تهذيب التهذيب (7/33)، المسند الجامع (9967).
[16] سؤالات البرذعي لأبي زرعة (2/748).
[17] الكامل، لابن عدي (7/28).
[18] انظر: لسان الميزان (4/212، 213).
[19]التلخيص الحبير (1/82).
[20]لسان الميزان (4/213).
[21] وذكر ابن الملقن -في البدر المنير (2/140)- أن أبا علي ابن السكن أخرجه في كتاب "السنن الصحاح المأثورة" عن أنس، ولم يذكر إسناده، وذكر لفظًا قريبًا من هذا اللفظ، فالظاهر أنه أخرجه بنفس إسناده.
[22]علل ابن أبي حاتم (1/45).
[23] الضعفاء (2/288).
[24] معرفة السنن والآثار (1/299).
[25]التمهيد (20/260).[
[26]أحكام القرآن (2/583).
[27] البدر المنير (2/138).
[28] البدر المنير (2/133).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
47- (1/186) ("و" السادس "الموالاة"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء، رواه أحمد وغيره).
1- تخريج حديث الرجل من الصحابة
أخرجه أحمد (3/424) عن إبراهيم بن أبي العباس، وأبو داود (175) - ومن طريقه: البيهقي في السنن (1/83)، والخلافيات (261) - عن حيوة بن شريح، كلاهما - إبراهيم وحيوة - عن بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم[4]: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً يُصلِّي وفي ظهر قَدَمه لمعةٌ قدرُ الدِّرهم لم يصبْها الماء، فأمره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُعيدَ الوضوء"؛ لفظ إبراهيم، زاد حيوة: والصَّلاة.
دراسة الإسناد:
يرويه بقية بن الوليد، وقد أُعلَّ بعلل:
الأولى: حال بقية، قال ابن حزم: "هذا خبرٌ لا يصح؛ لأنَّ راويَه بقيَّةُ، وليس بالقوي"[5]، وقال عبدالحق الإشبيلي: "في حديث خالد: بقيَّة بن الوليد، وقد تُكلِّم فيه، ولا يُحتج به"[6]، وقال المنذري: "في إسناده بقية، وفيه مقال"[7]، لكن الصحيح أنَّه ثقة ما لم يروِ عن المجاهيل، أو يتركْ ذِكْر التصريح بالسماع عن شيخه، إذ هو مدلِّس.
قال ابن القَيم: "هكذا علَّل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقيَّة له، وزاد ابن حزم تعليلاً آخر...، والجواب عن هاتين العِلَّتين:
أمَّا الأولى: فإن بقيَّة ثقة في نفسه، صدوق حافظ، وإنَّما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضُّعفاء والمجهولين، وأمَّا إذا صرَّح بالسماع فهو حجَّة..."[8].
العلَّة الثانية: تدليس بقية، قال مغلطاي: "وأعلَّه بعض الحفَّاظ من المتأخِّرين بأنَّ بقية، وإن كان حديثه في الصحيح، فعنعنتُه لا تُقبل؛ لتدليسه"[9]، وقد قال النَّسائي فيه: "إذا قال: "حدَّثنا"، و"أخبرنا"، فهو ثقة، وإذا قال: "عن فلان"، فلا يُؤخذ عنه؛ لأنَّه لا يُدرَى عمَّن أخذه"[10]، وبقية كان يروي عمَّن كان أصغرَ منه، ويأخذ الحديث عن المجاهيل والضُّعفاء والمتروكين عن شيوخهم الثِّقات، ثم يتركهم ويقول: قال فلان - الثِّقة - فجاء تلامذته من بعده، فجعلوا الأسانيد: عن بقية، عن ذاك الثِّقة.
وقد شرح هذا ابنُ حبَّان بما لا مزيد عليه، قال: "سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت أحمدَ بن الحسن الترمذيَّ يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أنَّ بقيَّة لا يحدِّث المناكير إلاَّ عن المجاهيل، فإذا هو يحدِّث المناكير عن المشاهير، فعلمنا من أين أُتي.
قال ابن حبان: "لم يسبر أبو عبدالله - رحمه الله - شأنَ بقيَّة، وإنَّما نظر إلى أحاديثَ موضوعة رُويت عن أقوام ثقات، فأنكرها، ولعمري إنَّه موضع الإنكار، وفي دون هذا ما يسقط عدالة الإنسان في الحديث، ولقد دخلتُ حمص وأكثرُ همِّي شأن بقية، فتتبعتُ حديثَه، وكتبتُ النسخ على الوجه، وتتبعتُ ما لم أجد بعلوٍّ من رواية القدماء عنه، فرأيتُه ثقة مأمونًا، ولكنَّه كان مدلِّسًا: سمع من عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك أحاديثَ يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذَّابين ضعفاء متروكين عن عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسَّري بن عبدالحميد، وعمر بن موسى الميتمي وأشباهِهم، وأقوامٍ لا يُعرفون إلاَّ بالكُنى، فروى عن أولئك الثِّقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضُّعفاء[11].
وكان يقول: قال عبيدالله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع كذا، فجعلوه: بقيَّة عن عبيدالله، وبقية عن مالك، وأُسقِط الواهي بينهما، فالْتزق الموضوع ببقية، وتخلَّص الواضع من الوسط، وإنَّما امتُحن بقيةُ بتلاميذَ له كانوا يُسقِطون الضعفاءَ من حديثه ويُسوونه، فالْتزق ذلك كلُّه به"[12].
ورُدَّت علَّةُ تدليس بقية من وجهين:
الأول: أنَّ بقيَّة صرَّح بسماعه من بحير بن سعد في رواية أحمد، قال ابن دقيق العيد: "قلت: في المستدرك[13] من طريق بقية: "حدَّثنا بحير"، فعلى هذا يَسلم من تهمة التدليس من بقية في روايته عن بحير"[14]، وقال نحوَه مغلطاي[15]، وقال ابن القيم: "وقد صرَّح في هذا الحديث بسماعه له"[16]، ثم نقله من المسند.
وأجيب عنه: بأنَّ بقيَّة يدلِّس تدليس تسوية؛ فلا يكفي تصريحُه عن شيخه، وهذا مبنيٌّ على ما شهر عندَ المتأخِّرين من اتهام بقية بتدليس التسوية مطلقًا.
والصواب: أنَّ التسوية عند بقية قليلة نادرة، ولا يُحكم بها إلاَّ بثبوتها من طرق أخرى أو بنصٍّ إمام[17]، ويدلُّ على هذا ما سيأتي من حُكم الإمام أحمد بجودة هذا الإسناد، مع كون بقيَّة لم يصرِّحْ فيه إلاَّ عن شيخه.
الجواب الثاني عن تدليس بقية: ما قاله الحافظ ابن عبدالهادي: "ورواية بقية عن بحير صحيحة؛ سواء صرَّح بالتحديث أم لا"[18]، وهذا يؤخذ - ولعلَّ ابن عبدالهادي أخذه - من أمور:
الأول: قول بقيَّة: "أشهد أني سمعته: حديث بحير عن ابن معدان"[19]، ففي هذا تصريحٌ من بقيةَ أنَّه سمع من بحير بن سعد ما حدَّث به عن خالد بن معدان، فلا حاجة إذًا لتطلُّب سماعه في كلِّ حديثٍ بعينه.
الثاني: أنَّ شعبة بن الحجاج قال لبقية: "إنِّي لأسمع منكَ أحاديث لو لم أحفظْها عنك لطرت"، وفي لفظ: قال بقيَّة: لَمَّا قرأت على شعبة كتاب بحير بن سعد، قال لي: "يا أبا يحمد، لو لم أسمعْ هذا منك لطرت"، قال بقيَّة: "واستهداني شعبةُ أحاديثَ بحير بن سعد"، وكان شعبة يقول له: "بحِّر لنا، بحِّر لنا"، يعني: حدِّثنا عن بحير بن سعد، وقال له: "تمسَّك بحديث بحير"، ورفع شعبةُ شأنَ حديث بقيَّة عن بحير[20].
وقال أبو داود: سمعتُ أحمد قال: "بلغني أنَّ شعبة قال لبقيَّة: "اكتب إليَّ أحاديث بحير"، قال أحمد: "كان يُعجبه الإسناد" - يعني: شعبة - قال أحمد: "رأى أسانيدَ منها، فأُعجب بها شعبةُ؛ لحُسن أسانيدها"[21].
هذا مع أنَّه استفاض عن شعبةَ شدةُ المذهب في التدليس، وإيقافه مشايخَه المدلِّسين ليُبيِّنوا سماعهم، ولو كان شعبةُ يرى أنَّ بقية يدلس هذه الأحاديث عن بحير، ما كان ليُعجب بها، ويحرِص عليها، ويرفع شأنَها، ويوصي بقيةَ أن يتمسَّك بها.
الثالث: أنَّ لبقية إكثارًا عن بحير واختصاصًا به، وقد تقرَّر أنَّ من قرائن قَبول رواية المدلِّس عن شيخه، ولو لم يصرِّح بسماعه: أن يكون المدلِّس مكثرًا من الرِّواية عن شيخه؛ إذ تكون روايته عن شيخه ذاك محمولةً على الاتِّصال، حتى يتبيَّن في حديثٍ معيَّن أنه دلَّسه عنه[22].
وقد قال الإمام أحمد: "بقية إذا حدَّث عن قوم ليسوا بمعروفين؛ فلا تقبلوه، وإذا حدَّث بقية عن المعروفين - مثل بحير بن سعد وغيره - قُبِل"[23].
وقال الحافظ عبدالحق بن الخراط الإشبيلي: "أحسنُ حديث بقيةَ ما كان عن بحير بن سعد"[24].
وقال ابن رجب: "إذا حدث عن الثِّقات المعروفين ولم يدلِّس، فإنَّما يكون حديثه جيِّدًا عن أهل الشام - كبحير بن سعد ومحمد بن زياد وغيرهما"[25]، فنصُّوا على أنَّ حديث بقية عن بحير جيِّدٌ مقبول[26].
العلة الثالثة مما أُعلَّ به الحديث:
الإرسال، عبَّر به البيهقي، قال: "وهو مرسل"[27]، قال ابن دقيق العيد: "يريد: لعدم ذكْر اسم الصحابي الراوي له"[28]، ووافقه على ذلك ابنُ حزم، قال: "وفي السَّند مَن لا يُدرَى من هو"[29].
قال ابن دقيق العيد: "وليس هذا - يعني: عدم ذكْر اسم الصحابي - ممَّا يجعل الحديث في حُكم المرسل المردود عندَ أهل الحديث، فإن سمَّاه مرسلاً مع أنَّ حُكمه حُكمُ الموصول، فلا يضر المستدلَّ به"[30]، وقال ابن عبدالهادي - بعد نقلِه كلامَ البيهقي -: "وليس كما قال؛ فإنَّ المرسَل ما رواه التابعيُّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا من رواية بعضِ أصحابه عنه، وجهالةُ الصحابي لا تضرُّ"[31]، وقال: "وتَكلَّم فيه - يعني: هذا الحديثَ - البيهقيُّ وابنُ حزم وغيرُهما بغير مستندٍ قويٍّ"[32]، وقال الذهبي: "ما أراه إلاَّ متصلاً"[33]، وقال مغلطاي: "والذي عليه المحدِّثون قاطبةً: أنَّ جهالة الصحابي غيرُ قادحة في الإسناد، ولا سيّما مع شهادة التابعي المعروف له بالصُّحبة"[34]، وقال ابن القَيِّم عن العلَّة التي ذكرها ابن حزم: "وأمَّا العلَّة الثانية، فباطلةٌ أيضًا على أصل ابن حزم، وأصل سائر أهل الحديث، فإنَّ عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في الحديث؛ لثبوتِ عدالتهم جميعًا..."[35].
وقد قال الأثرم: قلت له - يعني: أحمد -: هذا إسنادٌ جيِّد؟ قال: "نعم"، قلت لأبي عبدالله: إذا قال رجلٌ من التابعين: "حدَّثني رجلٌ من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"، ولم يسمِّه، فالحديث صحيح؟ قال: "نعم"[36]، فهذا التجويدُ من أحمدَ لإسناد هذا الحديث يدلُّ على عدم اعتبار العِلل السابقة عندَه، وهو دليلٌ جيِّد لعدم اشتراط ذِكْرِ بقيةَ السماعَ بين شيخه وشيخ شيخه إلى آخر الإسناد، وقد قال ابن عبدالهادي: "وإسناد هذا الحديث جيِّد"[37]، وقال ابن كثير: "وهذا إسنادٌ جيِّدٌ قويٌّ صحيح"[38].
وربما أورد: أنَّ خالد بن معدان لم يُصرِّح بسماعه من الصحابي، وخالد وإن كان لقي جمعًا من الصحابة، فإنَّه كان يُرسِل عن بعضهم، إذ لم يسمع منهم[39]، ولم يتبيّن مَنْ هذا الصحابي الذي روى هذا الحديث؛ ليُنظر هل هو ممن سمع منهم خالد، فيكون متصلاً، أم لا، فيكون مرسلاً.
وهذا الإيراد له وجهُه، إلاَّ أنَّ تجويد أحمد للإسناد، مع كون سؤال الأثرم بعقبِ ذلك فيه تصريحُ التابعي بالتحديث من الصحابيِّ، يُشير إلى أنَّ رواية خالد بن معدان هذه جيِّدة، ولعلَّه وقع في روايةِ للأثرم - إذ قد أخرج هذا الحديث[40] - تصريح خالد بالتحديث، والله أعلم.
2 - تخريج حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
أ - رواية جابر بن عبدالله عن عمر:
أخرجه أحمد (1/23)، وأبو عوانة في مستخرجه (693) عن الصغاني، كلاهما عن الحسن بن موسى الأشيب، وأحمد (1/21) عن موسى بن داود، وابن ماجه (666)، وابن حزم في المحلَّى (2/71 - 72) من طريق بكر بن مضر، كلاهما عن حرملة بن يحيى، وأبو عوانة (537) من طريق أصبغ، كلاهما عن عبدالله بن وهب، وابن ماجه (666) من طريق زيد بن الحُبَاب، أربعتُهم - الحسن بن موسى، وموسى بن داود، وابن وهب، وزيد بن الحُبَاب - عن عبدالله بن لهيعة.
ومسلم (243)، والبزار (232)، وأبو عوانة (691) عن عبدالله خردلة، وشعيب بن عثمان، وأبو نعيم في مستخرجِه على مسلم (571) من طريق عبدالله بن محمد بن العبَّاس، والبيهقي في السنن (1/70) والخلافيات (257) من طريق إبراهيم بن محمد الصيدلاني، وفي السنن (1/83) من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة[41]، سبعتُهم عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن محمَّد بن أعين، عن معقل بن عبيدالله الجزري، كلاهما - عبدالله بن لهيعة، ومعقل بن عبيدالله - عن أبي الزُّبير، عن جابر بن عبدالله، أخبرني عمر بن الخطَّاب: أنَّ رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ ظُفر على قَدَمه، فأبصره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((ارجعْ فأحسن وضوءَك))، فرجع، ثم صلَّى، لفظ معقل - عند مسلم، ونحوه للباقين - وابن لهيعة - في رواية الأكثر عنه - وقال زيد بن الحباب وابن وهب - في رواية ابن ماجه - كلاهما عن ابن لهيعة: رأى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ الظُّفر على قَدَمه، فأمره أن يُعيدَ الوضوء والصَّلاة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (454) عن أبي معاوية، وأبو يعلى (2312) من طريق محمد بن عبيد، والبيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (263) من طريق سفيان الثوري[42]، ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبدالله: "أنَّ عمر رأى في قَدَمِ رَجُلٍ مثلَ موضع الفِلس لم يصبْه الماء، فأمره أن يُعيد الوضوء، ويُعيد الصلاة"؛ لفظ أبي معاوية، وقال محمد بن عبيد: "إنَّ عمر رأى رجلاً توضَّأ، فترك موضع الظُّفر على قَدَمه، فأمره بالإعادة"، وقال الثوري: "رأى عمر رجلاً يتوضَّأ، فبقي في رِجْله لمعة، فقال: أعدِ الوضوء"؛ وقفه أبو سفيان عن جابر على عمر.
ب - رواية أبي المتوكل عن عمر:
أخرجه البيهقي في الخلافيات (262) من طريق محمد بن عبدالله المخرمي، عن قراد أبي نوح، عن شعبة، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكِّل، قال: توضَّأ عمر[43]، وبقي على رِجْله قطعة لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُعيدَ الوضوء والصلاة.
ج - رواية أبي قلابة عن عمر:
أخرجه عبدالرزاق (118) عن معمر، وابن أبي شيبة (447)، والطبري في تفسيره (10/54) عن يعقوب، كلاهما عن إسماعيل بن عُليَّة، والطبري في تفسيره (10/52) من طريق يزيد بن زريع، والبيهقي (1/84) من طريق سفيان الثوري، أربعتُهم عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة: أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً يصلِّي، وقد ترك من رِجْليه موضعَ ظُفر، فأمره أن يُعيدَ الوضوء والصلاة؛ لفظ معمر، ونحوه للباقين، موقوفًا على عمر.
د - رواية عبيد بن عمير عن عمر:
أخرجه ابن أبي شيبة (446) - ومن طريقه الدَّارقطني (1/109) - عن عبدالرحيم بن سليمان، والدارقطني (1/109) - ومن طريقه البيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (266) - من طريق هُشيم، كلاهما - عبدالرحيم وهُشيم - عن الحجَّاج، والدارقطني (1/109) - ومن طريقه البيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (266)، من طريق هُشيم، عن عبدالملك، كلاهما - الحجَّاج وعبدالملك - عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير: "أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً في رِجْله لمعةٌ لم يصبْها الماء حين تطهر، فقال له عمر: بهذا الوضوء تحضر الصلاة؟! وأمره أن يغسل اللمعةَ ويُعيد الصلاة"؛ لفظ عبدالرحيم عن الحجَّاج، وقال هُشيم عن الحجَّاج وعبدالملك: أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً، وبظهر رِجْله لُمعةٌ لم يصبْها الماء، فقال له عمر: أبهذا الوضوء تحضُر الصلاة؟! قال: يا أميرَ المؤمنين، البردُ شديد، وما معي ما يُدَفِّيني، فَرَقَّ له بعد ما همَّ به، فقال له: اغسل ما تركت من قَدَمك وأعد الصلاة، وأمر له بخميصة"؛ موقوفًا في الروايتين.
دراسة الأسانيد:
أ - رواية جابر بن عبدالله عن عمر:
اختُلف في هذا الحديث على جابر:
• فرواه معقلُ بن عُبيدالله وابن لهيعة عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمر، مرفوعًا.
• ورواه الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، عن عمر، موقوفًا.
قال البزَّار في الوجه المرفوع: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا أسنده عن عمر إلاَّ من هذا الوجه..."[44]، وقال الحافظ أبو الفضل ابن عمَّار الشهيد الهروي: "ووجدت فيه - يعني: صحيحَ مسلم - من حديث ابنِ أعين، عن معقِل، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمر بن الخطَّاب: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ ظُفر على قَدَمه...[45]، وهذا الحديث إنَّما يُعرف من حديث ابن لهيعة عن أبي الزُّبير بهذا اللَّفظ، وابن لهيعة لا يُحتجُّ به"[46]، وقال ابن رجب في معقل بن عُبيدالله: "كان أحمدُ يضعِّف حديثَهُ عن أبي الزُّبير خاصَّة، ويقول: "يُشبه حديثُهُ حديثَ ابن لهيعة"، ومَن أراد حقيقةَ الوقوف على ذلك، فلينظرْ إلى أحاديثه عن أبي الزُّبير؛ فإنَّه يجدها عند ابن لهيعة، يرويها عن أبي الزُّبير كما يُرويها معقل سواء"[47]، وقال: "وظَهر مِصداقُ قول أحمد في أن أحاديثَه عن أبي الزبير مثلُ أحاديث ابن لهيعة سواء، كحديث اللُّمعة في الوضوء، وغيره"[48]، وهذه كلماتِ نفيسة من ابن رجب، وهذا الحديث مثال صحيح لما ذكره - كما ذكر هو أيضًا.
وفي كلمة الحافظ ابن عمَّار الشهيد، ثم كلمة أحمد وبيانها لابن رجب، ما يشير إلى أنَّ معقلاً أخذ هذه الأحاديثَ من ابن لهيعة، ثمَّ رواها عن أبي الزُّبير؛ إمَّا خطأً أو تدليسًا، والظاهر أنَّه كانت عنده - أو أُدخِلت عليه - نسخةُ ابن لهيعة عن أبي الزُّبير عن جابر[49]، فرواها عن أبي الزُّبير ظانًّا أنَّها من حديثِهِ هو عنه، فسارتْ بذلك بين الرُّواة نسخةُ معقل عن أبي الزُّبير عن جابر، قال ابن عدي: "ولمعقل هذا عن أبي الزُّبير عن جابر نسخة يَرويها عنه الحسن بن محمد بن أعين، وحدَّثنا أبو عقيل بعلوٍّ من هذه النُّسخة بأحاديثَ عن سعيد بن حفص عن معقِل"[50].
ومعقلٌ مذكورٌ بالخطأ، وقال فيه ابن معين - في رواية -: "ضعيف"، وقال أحمد والنَّسائي - في رواية عنهما -: "صالح"، وقال ابن حبَّان: "وكان يخطئ"، وقال: "ربَّما وهم"[51]، وجاء عن جمعٍ - فيهم يحيى وأحمد والنسائي - أنَّهم وثَّقوه ولم يَروْا به بأسًا[52]، والظاهرُ أنَّ هذا فيما لم يروِهِ عن أبي الزُّبير، وأنَّ مِن ضعفِه وخطئِه ما كان من روايته حديثَ ابن لَهيعة عن أبي الزُّبير - كما سبق - إذ لم يَضبط حديثَه من حديث غيره؛ ولذا فقد أُنكر عليه غيرُ حديثٍ عن أبي الزُّبي؛، منها: حديثنا هذا[53].
وهذا يُعيد الحديثَ إلى ابن لهيعة، وهو نصُّ ابن عمَّار الشهيد، حيث قال: "وهذا الحديث إنَّما يعرف من حديث ابن لهيعة عن أبي الزُّبير بهذا اللَّفظ، وابن لهيعة لا يُحتجُّ به".
وعليه؛ فالحديث لا يصحُّ مرفوعًا عن أبي الزُّبير؛ لضعفِ ابن لهيعة الرَّاوي عنه، وأمَّا كون عبدالله بن وهب رواه عنه، فالمعتمد أنَّ روايته والعبادلة عنه أقوى من غيرها، والجميع ضعيف[54].
وقد رجَّح الرِّوايةَ الموقوفةَ من رواية أبي سفيان عن جابر عددٌ من الأئمَّة:
• فأشار إلى ذلك البزَّار، قال - بعدَ أن أخرج الرِّواية المرفوعة -: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن عمرَ إلاَّ من هذا الوجه، وقد رواه الأعمش، عن أبي سفيان، [عن جابر]، عن عمرَ موقوفًا"[55].
• وقال الحافظ أبو الفضل ابنُ عمَّار الشهيد - بعد أنَّ ذكر الرِّواية المرفوعة -: "وهو خطأٌ عندي؛ لأنَّ الأعمش رواه عن أبي سفيان، عن جابر، فجعله من قول عمر"[56].
• ونقل الدقَّاق الأصبهانيُّ الحافظ عن الحافظ أبي عليٍّ النيسابوري[57] أنَّ الحديث المرفوع ممَّا عِيب على مسلم إخراجه، وقال: "الصواب ما رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: رأى عمرُ في يدِ رَجُلٍ مثلَ موضع ظُفر... فذكره، موقوفًا"، قال أبو علي: "هذا هو المحفوظ، وحديثُ معقِل خطأٌ، لم يُتابَعْ عليه"[58].
• وأشار إليه البيهقي، قال - بعد أن أخرج الرِّواية المرفوعة -: "ورواه أبو سفيان عن جابر بخلاف ما رواه أبو الزُّبير"[59].
ومِن أوجه هذا الترجيح وجهان:
أحدهما: أنَّ الحديث لم يصحَّ عن أبي الزُّبير مرفوعًا - كما سبق - بل الظاهر أنَّ الحديث كان عنده موقوفًا - كما كان عندَ أبي سفيان - فغلط ابن لَهيعة، فرفعه.
الثاني: أنَّ الحديث جاء عن عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - موقوفًا من غير وجه.
وربَّما أُعلت هذه الرِّواية الموقوفة بأمور:
الأول: حال أبي سفيان، قال ابن حزْم: "أمَّا الرواية عن عمرَ أيضًا فلا تصحَّ...؛ وأبو سفيان ضعيف"[60]، وهذا فيه نظرٌ؛ ذلك أنَّ ابن معين انفرد بقوله في أبي سفيان: "لا شيء"، وأمَّا أحمد والنَّسائي فقالا: "ليس به بأس"، وقال ابن المديني: "يُكتب حديثُه، وليس بالقوي"، وقال العِجليُّ: "جائزُ الحديث، وليس بالقوي"[61]، وقال أبو زُرعة: "روى عنه الناس"، ولم يعطِه مرتبةَ الثِّقة، وقال البزَّار: "هو في نفسه ثقة"، وذكره ابن حبَّان في ثقاته، وقال في موضع آخرَ: "وكان يَهِم في الشيء بعدَ الشيء"[62]، وقال ابن عدي: "لا بأس به"[63]، ومثل هذا لا يُطلق القول بضعْفه، بل هو صدوق، وهو مُكثِر عن جابر بن عبدالله، معروفٌ بالرواية عنه.
الأمر الثاني: سماع أبي سفيان مِن جابر، إذ لم يصرِّحْ بسماعه في هذه الرِّواية، وقد قال شعبة: "لم يَسمع أبو سفيان من جابر إلاَّ أربعةَ أحاديث"، واستفاده منه ابنُ المديني، ونقل عن يزيد الدَّالانيِّ قولاً كقول شُعبةَ، وقال ابن حجر: "لم يخرجِ البخاري له سوى أربعة أحاديث عن جابر، وأظنُّها التي عناها شيخُه عليُّ بن المديني، منها حديثانِ في الأشربة؛ قرَنَه بأبي صالح، وفي الفضائل حديث: ((اهتزَّ العرْش...))؛ كذلك، والرابع في تفسير سورة الجُمُعة؛ قرَنَه بسالم بن أبي الجعد"[64].
وهذا لم يرضَه بعضُ الأئمة، فقد صرَّح أبو حاتم: أنَّ أبا سفيانَ قد سمع من جابر، إلاَّ أنَّ تصريحه ذاك لا يُفيد نفيَ هذا القول، وسيأتي كلامُه - إن شاء الله.
وقال البخاري: "كان يزيدُ أبو خالد الدالانيُّ يقول: "أبو سفيان لم يَسمع من جابر إلاَّ أربعةَ أحاديث"، وما يدريه؟! أولا يَرضَى أن ينجوَ رأسًا برأس، حتى يقول مثلَ هذا؟!"[65]، قال ابن رجب: "يُشير البخاري إلى أنَّ أبا خالد في نفسه ليس بقوي، فكيف يتكلَّم في غيره؟!"، قال ابن رجب: "وأثبت البخاريُّ سماعَ أبي سفيان من جابر، وقال في "تاريخه": "قال لنا مُسدَّد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان: "جاورتُ جابرًا بمكَّة سِتةَ أشهر"[66]، قال: وقال عليٌّ: سمعتُ عبدالرحمن، قال: قال لي هُشَيم، عن أبي العلاء، قال: قال لي أبو سفيان: "كنتُ أحفظ، وكان سليمان اليَشْكُريُّ يكتب"؛ يعني: عن جابر[67]، وخرَّج مسلم حديثَ أبي سفيان عن جابر، وخرَّجه البخاريُّ مقرونًا"[68].
وقال مسلم: "سمع جابرًا"[69].
وأثبتَ بعضُ الأئمة أنَّ رواية أبي سفيان عن جابر صحيفةٌ لم يسمعْها - أو لم يسمع أكثرَها - قال شعبة، وابن عيينة: "حديثُ أبي سفيان عن جابر إنَّما هي صحيفة"[70]، وفي رواية عن شُعبة: "إنَّما هو كتابُ سُليمانَ اليشكري"[71]، وقال أبو حاتم: "جالس سليمانُ اليَشكري جابرًا، فسمع منه، وكتب عنه صحيفة، فتُوفِّي، وبَقيتِ الصحيفة عندَ امرأته، فروى أبو الزُّبير وأبو سفيان والشَّعْبي عن جابر - وهُم قد سمعوا من جابر - وأكثرُهُ من الصحيفة، وكذلك قتادة"[72].
ولأجل ذلك - مع كثرة رواية أبي سفيان عن جابر - ذَكَره الحاكم في المدلِّسين؛ لكنَّه جعله فيمَن كان لا يدلِّس إلاَّ عن ثقة، قال: "فمن المدلِّسين من دلَّس عن[73] الثِّقات الذين هم في الثقة مثل المحدِّث، أو فوقه، أو دونه...، فمنهم من التابعين: أبو سفيان طلحة بن نافع..."، ثم أسند عن ابن مهديٍّ قوله: "كان شعبة يرى أحاديثَ أبي سفيان عن جابر صحيفة، إنَّما هو من كتاب سليمان اليشكري"[74]، فبيَّن الحاكم أنَّ رواية أبي سفيان أحاديثَ صحيفة سليمان اليشكري عن جابر مباشرة - ولم يَسمعها - جنسٌ من التدليس، لكنَّه تدليسٌ عن سليمان اليشكري، وسليمانُ ثقة، والتدليس عن الثِّقات غير قادح.
فيتحصَّل من هذا أنَّ أبا سفيان سمع جابرًا، وصرَّح بأنَّه كان يجالسه عدَّة أشهر؛ لكنْ فيما روى عنه ما لم يسمعْه، وهذا الانقطاع معلومُ الواسطة، إذ كان يروي ما كتبه سليمان اليشكري عن جابر، وسليمان ثقة من أصحاب جابر[75]، وقدِ اعتمد على صحيفته غيرُ واحد من أصحاب جابر الذين سمعوا منه، وهذا يُصحِّح رواية أبي سفيان عن جابر.
وأبو سفيان أحدُ المعروفين بالرِّواية عن جابر، وكان يُقارَن بينَه وبينَ أبي الزُّبير فيه، وقد مشَّى له الأئمَّة روايتَه عنه وقَبِلوها، فمن ذلك ما سبق، ومنه: تصحيحُ التِّرمذيِّ لغير حديثٍ عنه عن جابر، وقول العُقيليِّ - في إسنادٍ من طريق حفص بن غِياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر -: "وهذا إسنادٌ صالح"[76]، وقول ابن عدي في أبي سفيان: "روى عن جابر أحاديث صالحة، رواها الأعمش عنه"[77]، ومن ذلك: تضافرُ إشارات ونصوص الأئمَّة في تقديم روايةِ أبي سفيان عن جابر في حديث الباب على رواية معقِل، وابن لَهِيعة عن أبي الزُّبير عن جابر.
الأمر الثالث: سماعُ الأعمش من أبي سفيان، إذ قد نقل الكرابيسيُّ عن ابن المديني والشاذكوني قولهما: "روى الأعمشُ عن أبي سفيان أكثرَ من مائة، لم يسمعْ منها إلاَّ أربعة"، قال ابن المديني: "سمعتُ يحيى يقول ذلك"[78]، وقال البزَّار: "الأعمش لم يسمعْ من أبي سفيان، وقد روى عنه نحوَ مائة حديث"[79]، وقال ابن حبَّان في أبي سفيان: "وكان الأعمش يدلِّس عنه"[80].
فأمَّا عدم السَّماع، ففيه نقل الكرابيسيُّ، وكلمة البزَّار:
أمَّا نقْل الكرابيسي، فالظاهر أنَّه في كتاب المدلِّسين له، وهذا الكتاب ذمَّه الإمام أحمد ذمًّا شديدًا، وأنكره عليه أبو ثور، وغيره من العلماء، قال ابن رجب: "وقد تسلَّط كثيرٌ ممَّن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكْرِ شيء من هذه العِلل، وكان مقصودُه بذلك: الطَّعن في أهل الحديث جملةً والتشكيك فيه، أو الطَّعن في غير حديث أهل الحِجاز، كما فعله حسينٌ الكرابيسي في كتابه الذي سمَّاه بـ"كتاب المدلِّسين"، وقد تسلَّط بهذا الكتاب طوائفُ من أهل البِدع من المعتزلة وغيرهم في الطَّعن على أهل الحديث، كابن عبَّاد الصاحب ونحوه، وكذلك بعضُ أهل الحديث ينقل منه دسائسَ - إمَّا أنَّه يَخفَى عليه أمرها، أو لا يَخفى عليه - في الطعن في الأعمش ونحوه، كيعقوب الفسوي ونحوه"[81]، وانفرادُ مَن هذه حالُه بالنقل عن هؤلاء الأئمَّة لا يصحُّ الاعتماد عليه، ولم يُجب ابنُ رجب عن نقله؛ فالظاهر أنَّه لم يعتمدْه، ولم ينظر إليه؛ لظهورِ حال الناقل، وحال كتابه.
وأمَّا كلمة البزَّار؛ فقال ابن رجب: "كذا قال، وهو بعيدٌ، وحديث الأعمش عن أبي سفيانَ مخرَّج في الصحيح"[82]، وقال الهيثمي: "عجبتُ من قوله: لم يسمعِ الأعمش من أبي سفيان"[83]، وقال أبو زرعة ابن العراقي: "وهذا غريبٌ جدًّا؛ فإنَّ روايته عنه في الكتب الستَّة، وهو معروف بالرِّواية عنه، لَمَّا ذكر المِزيُّ رواية الأعمش عنه قال: "وهو رَاويتُه"[84].
قلت: ولا يكاد الأعمش أن يكون من أقران أبي سفيان"[85]، وأخشى أنَّ البزَّار استفاد كلمتُه من نقل الكرابيسي السابق، والله أعلم.
وأمَّا التدليس، فتدليس الأعمش عن أبي سفيان مغتفَر؛ لأمرين:
أحدهما: أنَّ ابن عدي نصَّ على أنَّ رواية الأعمش عن أبي سفيان مستقيمة، قال في أبي سفيان: "روى عن جابر أحاديثَ صالحة؛ رواها الأعمش عنه، ورواها عن الأعمشِ الثِّقاتُ، وهو لا بأسَ به، وقد روى الأعمشُ عنه أحاديثَ مستقيمة"[86]، واستقامة الحديث دليلٌ على عدم وجود التدليس القادح فيه.
الثاني: أنَّ الأعمش أكَثَر عن أبي سفيان، واختصَّ به، حتى صار يُنسب إليه: "صاحب الأعمش"[87]، وحتى قيل في الأعمش: "رَاويتُه"[88]، وقد مرَّ أنَّ رواية المدلِّس عمَّن أكثر عنه واختصَّ به محمولةٌ على الاتصال، ورواية الأعمش عن أبي سُفيان من هذا الضرب.
الأمر الرابع - مما قد تُعلُّ الرواية الموقوفة به:
درجة أبي سفيان في جابر، إذ قد فضَّل أحمدُ وابنُ معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي - أبا الزُّبير على أبي سفيان في جابر؛ قال أحمد: "لأنَّ أبا الزبير أعلمُ بالحديث منه"[89]، وهذا يُفيد ترجيحَ رواية أبي الزُّبير لهذا الحديث مرفوعًا على رِواية أبي سفيان الموقوفة.
والجواب: أنَّ رواية أبي الزُّبير لم تصحَّ عنه أصلاً؛ إذ سبق أنَّ طريقيها عنه عائدتانِ إلى ابن لهيعة، وقد عُلم ضعفُه، بل الظاهر أنَّ أبا الزُّبير موافق لأبي سفيان في وقْف الحديث، وأخطأ عليه ابن لِهيعة فرفَعَه - كما سبق أيضًا - والله أعلم.
ب - رواية أبي المتوكل عن عمر:
رواه قُرَاد أبو نوح، عن شُعبةَ، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكِّل، به.
قال أبو حاتم: "إسماعيل هذا ليس به بأسٌ"[90]، وقال ابن عبدالهادي: "وإسماعيل بن مسلم هذا: هو العبديُّ البصري، روى له مسلم في صحيحه، ووثَّقه الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنَّسائي، وغيرُهم، وقال أبو حاتم عن مسلم بن إبراهيم: كان شُعبةُ يقول لنا: اذهبوا إلى إسماعيل بن مسلم العبديِّ، ولم يَذكر شُعبةَ في الرُّواة عن إسماعيلَ هذا البخاريُّ في تاريخه، ولا ابنُ أبي حاتم في كتابه، ولا شيخُنا أبو الحجَّاج في كتاب "تهذيب الكمال"، ولم يذكر الحافظُ أبو عبدالله محمد بن إسحاق بن مندَه في "معجم شعبة" أنَّه روى عن إسماعيل هذا شيئًا، بل قال: "شُعبة عن إسماعيل بن مسلم العبدي: بصري، سمع أبا الطفيل. أخبرنا أحمد بن سعد البغدادي - بتِنِّيس - ثنا أبو مُلَيل محمد بن عبدالعزيز بن ربيعة الكلابي، ثنا أبي، ثنا عبدالعزيز بن أَبَان، ثنا إسماعيل بن مسلم العبدي - قال عبدالعزيز: وكان شُعبة يُثني عليه"، لم يزد على هذا"[91].
وأَبَانَ أبو حاتم عن علَّة الأثر، قال: "أبو المتوكِّل لم يسمعْ من عمر"[92]، وقال البيهقي: "وهذا منقطِع"[93]، والظاهر أنَّ العلَّة أبعدُ من الانقطاع بين أبي المتوكِّل وعمر، إذ ظاهر لفظ أبي المتوكِّل أنَّه يحكي الواقعةَ بين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعمر، ثم قولَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا مرسل.
ج - رواية أبي قلابة عن عمر:
أبو قلابة لم يدركْ عمر[94].
د - رواية عبيد بن عمير عن عمر:
رواه عبدالرحيم بن سليمان وهُشيم عن الحجَّاج "هو ابن أرطاة" - زاد هشيم: وعبدالملك "هو ابن أبي سليمان".
وفي النَّفس شيء من ذِكْر عبدالملك؛ لأنَّ هُشيمًا موصوف بتدليس العطف، وهو أن يُحدِّث عن شيخ سمع الحديث منه، ويعطف عليه شيخًا لم يسمعْه منه[95]، وصورة هذا موجودة هنا، حيث روى هُشيم عن الحجَّاج بن أرطاة - وهو معروف عنه؛ إذ تابع هُشيمًا عبدُالرحيم بن سليمان - ثم عطف هُشيمٌ عبدَالملك بن أبي سليمان على الحجَّاج.
فإن صحَّ هذا، فالحجَّاج بن أرطاة ضعيفٌ مدلِّس[96]، وانفراده عن عطاء ضعيف، ويؤيِّد هذا: أنَّ المتن مخالفٌ لِمَا رواه جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - وأبو قلابة عن عمر - على انقطاع رواية أبي قلابة؛ إذ في تلكما الرِّوايتين الأمر بإعادة الوضوء، لا بغسل الموضع فقط.
وإن لم يصحَّ ما ذُكر من تدليسِ هُشيمٍ تدليسَ العطف، فرواية الحجَّاج تتقوى برواية عبدالملك بن أبي سليمان، ويكون هذا الإسنادُ حسنًا، قال البيهقي: "إسناده جيِّد"[97].
وقد فسَّر به البيهقي ما ورد في الرِّوايات الأخرى عن عمر، قال: "هذا يدلُّ على أنَّ الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من إعادة الوضوء على طريق الاستحباب"[98]، إلاَّ أنَّ في إثبات هذا بهذه الرِّواية نظرًا، حيث إنَّ الذي في رواية جابر وأبي قِلابة عن عمر: الأمر المطلق بإعادة الوضوء - كما سبق - وروايتاهما أَوْلى بالصِّحة والتقديم؛ لجلالةِ جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - واتفاقِهما، وموافقتِها للمرفوع عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكونِ إسنادِ هذه الرِّواية ليس بالصحيح جدًّا.
3 - تخريج حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -
أخرجه أحمد (3/146)، وأبو داود (173)، ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (692) والبيهقي (1/83) ، وعبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه (3/146)، وأبو يَعلَى (2944)، ومن طريقه أبو نعيم في الحِلية (8/330)، والضياء في المختارة (7/32)، وأبو عَوانة (692) والبيهقي (1/70) من طريق الصغاني، والبيهقي في الخلافيات (258) من طريق أحمد بن يوسف، سِتَّتُهم عن هارون بن معروف، وابن ماجه (665)، وابن حزم في المحلَّى (2/71)، والبيهقي في الخلافيات (259) من طريق حرملة بن يحيى، وابن خزيمة (164) والدارقطني (1/108) - ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (260) - من طريق أحمد بن عبدالرحمن بن وهْب، وابن خزيمة (164) من طريق أصبغ بن الفرج، والطبراني في الأوسط (6525) وابن عدي (2/126)، والسهمي في تاريخ جرجان (ص: 361)، من طريق أحمد بن عمرو بن السَّرح، وأبو الشيخ في طبقات المحدِّثين بأصبهان (3/422، 423)، وعنه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/123)، من طريق هارون بن موسى، والدارقطني في الأفراد (975 – أطرافه)، ومن طريقه الضياء في المختارة (7/31 - 32)، من طريق يونس بن عبدالأعلى، سَبعتُهم عن عبدالله بن وهب، حدَّثني جرير بن حازم: أنَّه سمع قتادة بن دعامة، حدثنا أنس بن مالك: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد توضَّأ وترك على قَدَمه مثلَ موضع الظُّفر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ارجعْ فأَحِسنْ وُضوءَك».
دراسة الإسناد:
قال أبو داود: "وهذا الحديث ليس بمعروف [عن جرير بن حازم]، ولم يروِه إلاَّ ابنُ وهب"[99]، قال البيهقي: "يعني: بهذا الإسناد"[100]، وقال الطبراني: "لم يروِ هذا الحديثَ عن قتادة إلاَّ جريرُ بن حازم، تفرَّد به ابن وهب"[101]، وقال ابن عدي - بعد أن ذكره وحديثًا آخَرَ: "وهذان الحديثانِ تفرَّد بهما ابنُ وهب عن جرير بن حازم"[102]، وقال الدارقطني: "تفرَّد به جرير بن حازم عن قتادة، وهو ثقة"[103]، وقال: "تفرَّد به جريرُ بن حازم عنه - يعني: قتادة - ولم يروه عنه غيرُ ابن وهب"[104]، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث جرير عن قتادة، لم يروِه عنه إلاَّ ابن وهب"[105].
وفي هذا إجماعٌ من هؤلاء الأئمَّة على أنَّ الحديث فَرْد؛ رواه ابن وهب، عن جرير، ولم يُتابَع أيٌّ منهما عليه.
وإن اغتُفر تفرُّد ابن وهب عن جرير؛ لجلالة ابن وهب، واعتمادِ الشيخَين وغيرهما روايتَهُ عنه، وحفظِهِ لهذا الحديث من غير وجه، فإنَّ في تفرُّد جرير - مع ثقته - عن قتادة نظرًا، فقد قال ابن معين: "ليس بشيء، هو عن قتادة ضعيف"، وقال أحمد: "كأنَّ حديثَه عن قتادة غيرُ حديث الناس، يُوقِف أشياء، ويُسنِد أشياء"، وقال: "كان يحدِّث بالتوهُّم أشياءَ عن قتادة يسندها؛ بواطيل"، وقال الأثرم: "حديثُه عن قتادة مضطرب"، وقال عبدالله بن أحمد - لَمَّا أجابه ابنُ معين بأن جريرًا ليس به بأس -: "يُحدِّث عن قتادة عن أنس أحاديثَ مناكير"، وقال ابن عدي: "وهو مستقيم الحديث، صالحٌ فيه، إلاَّ روايته عن قتادة؛ فإنَّه يروي أشياء عن قتادة لا يرويها غيرُه"[106].
وحديث الباب بعضُ هذا، وإلى هذا أشارت كلماتُ الأئمَّة - الآنف نقلُها - في تفرُّد جرير عن قتادة به، وقال الذهبي: "مع غرابته؛ رواتُه ثقات، ولجرير ما يُنكَر عن قتادة، هذا منه"[107]، وقال ابن رجب: "وقد أنكر عليه أحمدُ ويحيى وغيرُهما من الأئمَّة أحاديثَ متعدِّدة يرويها عن قتادة عن أنس عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذكروا أنَّ بعضها مراسيل أسندها؛ فمنها: حديثُه بهذا الإسناد في الذي توضَّأ، وترك على قَدَمه لُمعةً لم يصبْها الماء..."[108].
وقد أسند أبو داود عقبَ حديث جرير هذا مباشرة: مرسلَ الحسن - الآتي إن شاء الله - والظَّاهر أنَّه أراد بذلك بيان منشأ وهْم جرير؛ إذ الظاهر أنَّ جريرًا وقع له هذا المرسل، فرواه على سبيل التوهُّم مسندًا عن قتادة عن أنس، وربَّما كان الذي وقع لجرير غيرُه، إلاَّ أنَّ روايته عن قتادة عن أنس - بكلِّ حال - متوهَّمة خاطئة.
فالحديث منكرٌ عن أنس، وإن كان بعض العلماء - كابن خُزيمةَ وابن حزم والبيهقي[109] - نظر إلى ظاهر الإسناد؛ فلم يفطن إلى علَّته.
4 - تخريج حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
أخرجه أبو عوانة في مستخرَجه (694)، والدارقطني (1/109) عن ابن صاعد، كلاهما عن أبي فروة يَزيد بن محمد بن يزيد بن سنان، والعقيلي في الضُّعفاء (4/182) عن علي بن الحسين بن الجنيد، وأحمد بن محمد بن أبي موسى، وابن أبي حاتم في العلل (1/67) عن محمد بن عوف، وأبو عمرو السمرقندي في الفوائد المنتقاة (69) عن أبي أمية، والطبراني في الأوسط (2219) والصغير (27) عن أحمد بن عبدالوهاب، وابن عدي في الكامل (6/359، 7/96) عن عمر بن الحسن بن نصر، والدَّارقطني (1/109) من طريق عبدالكريم بن الهَيثم، سبعتُهم عن أبي خَيثمة مصعب بن سعْد، وابن عدي (6/359) من طريق أحمد بن عبدالله بن ميسرة، والدارقطني (1/109) وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (128)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (4/148) من طريق الحارث بن بَهْرام، أربعتُهم - أبو فَروة وأبو خيثمة وابن ميْسرة والحارث بن بَهْرام - عن المغيرة بن سقلاب، عن الوازع بن نافع، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن جَدِّه عمر، عن أبي بكر الصِّدِّيق، قال: بينا أنا جالس مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ جاءه رجل قد توضَّأ، وبقي على ظهْر قَدَمه مثلُ ظفر إبهامه، فأبصره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ، فقال: ((ارجع فأتِمَّ وضوءَك))، قال: ففعل؛ لفظ أبي عوانة.
إلاَّ أنَّ أحمد بن عبدالوهاب المِصِّيصي في روايته عن مصعب بن سعيد، عن المغيرة بن سقلاب - لم يَذكُرْ عمر بن الخطَّاب في الإسناد؛ جعله عن ابن عمرَ عن أبي بكر مباشرة، وقال الحارث بن بَهْرام عن المغيرة: عن ابن عمر، عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما...
دراسة الإسناد:
أسنده العُقيلي في ترجمة المغيرة بن سقلاب، وقال: "ولا يتابعُه إلاَّ مَن هو نحوُه"، وقال الطبراني: "لا يُروى عن أبي بكر الصِّدِّيق إلاَّ بهذا الإسناد، تفرَّد به المغيرة بن سقلاب"[110]، وقال ابن عدي: "ولا أعلم رواه عن الوازع بهذا الإسناد غير مغيرة هذا"[111]، وقال الدَّارقطنيُّ: "غريب من حديث سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه عن جَدِّه عن أبي بكر، تفرَّد به الوازع بن نافع عنه، وتفرَّد به المغيرة بن سقلاب عن الوازع"[112].
وقد اخُتلف على المغيرة، فجُعل عن سالم، عن أبيه، عن جَدِّه، عن أبي بكر، وعن سالم، عن أبيه، عن أبي بكر، وعن سالم، عن أبيه، عن أبي بكر وعمر.
والمغيرة بن سقلاب ضعيفٌ يروي مناكير[113]، والوازع بن نافع أسوأُ حالاً منه، تركه بعض العلماء[114]، وأعلَّ الدَّارقطنيُّ الحديثَ عقب تخريجه بضعْف الوازع.
فهذا الحديث منكر جدًّا؛ للتفرُّد، والضعْف، والاختلاف.
5- تخريج حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -
أخرجه الرُّوياني (1244) عن عمرو بن علي، والطبراني في الكبير (8/348) من طريق زيد بن الحريش، كلاهما عن ميمون بن زيد، عن ليثِ بن أبي سُليم، عن عبدالرحمن بن سابط، عن أبي أُمامة قال: نظر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى رجل يتوضَّأ للصلاة، وترك موضعَ الظُّفر من الوضوء، فأمَرَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُسبِغ الوضوء، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلٌ للأعقاب من النار))؛ لفظ عمرو بن علي، وقال زيد بن الحريش: ((ويلٌ للعراقيب...)).
دراسة الإسناد:
الحديثُ معروف عن لَيْث عن ابن سابط، رَواه عنه عليُّ بن مُسهِر[115]، وجَرير[116]، وخالد بن عبدالله الواسطي[117]، وزائدة بن قُدامة[118]، وعبدالواحد بن زياد[119]، وجماعة غيرهم، ولم يَسُق أحدُهم الحديثَ كما ساقه ميمون بن زيد عن ليث، حيث اقتصر بعضُهم على لفظ: ((ويلٌ للأعقاب من النار))، وذَكَر بعضُهم قصَّة ذلك: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى قومًا يتوضؤون، فيبقى على أعقاب أحدِهم مثلُ موضع الدِّرهم لم يصبْه الماء، فقال ذلك، وزاد بعضُهم: فكان أحدُهم يَنظر، فإن رأى في عَقبِه موضعًا لم يصبْه الماء، أعادَ الوضوء، وفي لفظ: فخرج مَن كان بتلك المنزل، فتوضؤوا ورجعوا، ولم يذكر أحدٌ مِن هؤلاء الرُّواة أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَرَهم بإعادة الوضوء، قال البيهقي: "وهذا - إن صحَّ - فشيءٌ اختاروه لأنفسهم..."[120].
وقد اختُلف على لَيْث بن أبي سُلَيم في صحابي الحديث، حيث قيل عنه: عن أبي أُمامة، وقيل: عن أخي أبي أُمامة، وقيل: عن أبي أُمامة أو أخيه، وليس هذا موضعَ التفصيل في ذلك.
وميمون بن زيد راوي الحديث هو أبو إبراهيم السَّقاء، قال فيه البزَّار: "ليس به بأس"[121]، وقال أبو حاتم: "لَيِّن الحديث"، وقال الأزدي: "سيِّئ الحفظ، كثير الخطأ، فيه ضعْف"، وذكره ابن حبَّان في الثِّقات، وقال: "يخطئ"[122]، فالرَّجل ضعيف، وسياقه منكر، هذا على أنَّ ليث بن أبي سليم نفسَه ضعيف، وأنَّ يحيى بن معين نَفَى سماع عبدالرحمن بن سابط من أبي أمامة - إن كان هو صحابيَّ الحديث.
6- تخريج حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -
أخرجه البيهقي في الخِلافيات (269) عن علي بن أحمد بن عَبْدان، عن أحمد بن عُبيد - هو الصَّفَّار - عن ابن ناجية، عن الوليد بن مسلم[123]، أخبرني رجلٌ، عن عمرو بن دينار، عن جابر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لذلك الرَّجل - يعني: رجلاً توضَّأ، فَتَرك في رِجْليه موضعَ دِرهم لم يصبْه الماء -: ((انطلق فأحْسِن وضوءَك))، فرجع الرَّجل، فغسل ذلك المكان.
دراسة الإسناد:
فيه الرَّجل الذي أبهمه الوليد بن مسلم.
والحديثُ بهذه السِّياقة منكر؛ فإنَّه معروف عن جابر بسياقة أخرى، حيث رواه أبو سفيان طلحةُ بن نافع[124] وسعيدُ بن أبي كرب[125]، كلاهما عن جابر، قال: رأى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قومًا يتوضؤون فلم يمسَّ أعقابَهم الماءُ، فقال: ((ويلٌ للأعقاب من النار))، وأمَّا أمرُه بإحسان الوضوء، فإنَّما جاء عن جابر عن عمر - وقد سبق.
7- تخريج مرسل الحسن البصري
أخرَجَه ابنُ أبي شَيْبة (445) عن ابن عُليَّة، وأبو داود (174) - ومن طريقه البيهقي (1/83) - من طريق حمَّاد، كلاهما عن يونس، وأبو داود (174) - ومن طريقه البيهقي (1/83) - من طريق حُميد، كلاهما - يونس وحُميد - عن الحسن: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً تَرَك من قَدَمه موضعَ ظُفر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَحْسِنْ وُضوءَك))، قال يونس: فكان الحسنُ يغسل ذلك المكان؛ لفظ ابن أبي شَيْبة، وأحال أبو داود على لفظ حديث جَرير عن قتادةَ عن أنس - وقد سبق.
دراسة الإسناد:
صحيحٌ عن الحسن، مرسَل.
الخلاصة
صحَّ الحديث مرفوعًا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث خالد بن مَعْدان، عن بعض أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة.
وصحَّ موقوفًا على عمر من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - عنه، وفيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة - كما في المرفوع - وجاء بطريق محتملة للتحسين من حديث عُبيد بن عمير عن عمر، وفيه الأمر بغسل الموضعِ الذي ترك غسلَه وإعادة الصلاة، إلاَّ أنَّ رواية جابر أولى بالتقديم؛ لوجوه سبق ذِكرُها في الكلام على رواية عبيد بن عمير.
وصحَّ عن الحسن مرسلاً، وفيه الأمر بإحسان الوضوء.
ولم يصحَّ الحديث من وجه آخَرَ.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
ـــــــــــــــ ــــ الهوامش ـــــــــــــــ ــــ
[1] المغني (1/192).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم (3/132).
[3] إعلاء السنن (1/120).
[4] وقع في نقل بعض العلماء عن رواية المسند: عن بعض أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذي في المسند وأطرافه لابن حجر (8/266)، كما أثبت، وقد ذكره أحمد في سياق أحاديث بعض الصحابة ممن لم يُسَمَّ، لا في مسانيد النساء.
[5] المحلى (2/71).
[6] الأحكام الوسطى (1/184).
[7] مختصر سنن أبي داود (1/128).
[8] تهذيب السنن (1/204).
[9] شرح ابن ماجه (3/220).
[10] تهذيب الكمال (4/198).
[11] أي: روى بطريق التدليس أحاديثَ سمعها من هؤلاء الضعفاء؛ رواها عن أولئك الثقات الذين رآهم، فكان يقول...
[12] المجروحين (1/200 - 201)، ونقله السمعاني في الأنساب (5/119) وغيره، وفي كلام ابن حبان هذا إلقاء لتبعة تدليس التسوية على بعض تلامذة بقية، لا عليه هو، وقد اشتهر عند المتأخرين أن بقية يدلس تدليس التسوية، واعتمادهم في ذلك على حديث أو حديثين حكم فيهما أبو حاتم الرازي - في العلل (2/133 – 154) - بأن بقية دلَّس تدليس تسوية، إلاَّ أنَّ ضمَّ ذلك إلى كلام ابن حبَّان، مع عدم وجود أمثلة صحيحة غير ما ذكر أبو حاتم - وإن وجد فنادر - يدلُّ على أنَّ تدليسَ بقيةَ التسويةَ إن ثبت فنادر، وربَّما لا يتعدَّى هذين المثالين، وعليه؛ فإن الأرجح: أن يُنفَى تدليس بقية إذا صرَّح بالتحديث عن شيخه، إلاَّ أن يتبين أنه سوَّى الإسناد بجمع طرقه، أو بنصٍّ من أحد الأئمة في الحديث بعينه، وقد أطال في نفي صحة تدليس التسوية عن بقية الشيخُ الألباني - رحمه الله - في الضعيفة (12/107 - 111)، وانظر: مقدمة الشيخ عبدالله السعد على كتاب منهج المتقدِّمين في التدليس (ص: 28).
[13] هكذا عزَا غيرُ واحد من المتأخِّرين الحديث إلى المستدرك، قال ابن الملقِّن - بعد أن نقل هذا الكلام لابن دقيق العيد في البدر المنير (2/240): وقوله: قلت: في المستدرك... لعلَّه وهم من الناسخ؛ فإن هذا الحديث ليس له ذكرٌ فيه، وإنما صوابه: في المسند؛ يعني: لأحمد بن حنبل؛ فإنه أخرجه كذلك فيه.
[14] الإمام (2/11).
[15] شرح ابن ماجه (3/221).
[16] تهذيب السنن (1/204).
[17] كما سبق في الحاشية 12.
[18] تعليقة على عِلل ابن أبي حاتم (ص: 157) في التعليق على هذا الحديث، وقال نحوه في تنقيح التحقيق (4/658) في التعليق على حديث آخر، وقال فيه: حسنة أو صحيحة.
[19] المعرفة والتاريخ، ليعقوب الفسوي (2/387).
[20] انظر: تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/398 - 399)، الجرح والتعديل (2/435 - 436)، الكامل، لابن عدي (2/73 - 74).
[21] سؤالات الآجري لأبي داود (2/241)، سؤالات أبي داود لأحمد (ص: 260 - 261).
[22] انظر: الاتصال والانقطاع، للشيخ إبراهيم اللاحم (ص: 336 - 340)، وفيه نقل أقوال الأئمة متقدِّميهم ومتأخِّريهم في تقرير ذلك، التدليس، لصالح الجزائري (ص: 155 - 157).
[23] ضعفاء العقيلي (1/162).
[24] الأحكام الوسطى (2/27)، (4/106)، ووقع في الموضعين تصحيف، تصويبه من بيان الوهم والإيهام، لابن القطَّان (4/166).
[25] شرح علل الترمذي (2/774).
[26] وليس قول أحمد وابن رجب: حدَّث يُراد به: التصريح بالتحديث، بل هذا الإطلاق يشمل ما لم تكن فيه صيغة الرِّواية صريحة في السَّماع؛ لأنَّه يصدق عليه أنه حدَّث به، ومثله قول الرواة: سمعت فلانًا يحدِّث عن فلان؛ أي: أنه سمع شيخه - وجلس في مجلس التحديث - ساق حديثًا عن فلان، ولا يُدرَى مصرحًا بالسماع أم لا، وانظر: الجوهر النقي (10/168).
[27] السنن (1/83)، معرفة السنن (1/312)، وعبَّر عن ذلك في السنن الصغرى (1/166) بالانقطاع.
[28] الإمام (2/11)، وهذا مذهب للبيهقي، ردَّه كثير من أهل الحديث، وانظر من ذلك: الجوهر النقي (1/190)، 191)، النكت، لابن حجر (2/563 - 564)، ويأتي طرف منه.
[29] المحلى (2/71).
[30] الإمام (2/11).
[31] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 157).
[32] تنقيح التحقيق (1/225).
[33] المهذب في اختصار سنن البيهقي (1/88).
[34] شرح ابن ماجه (3/221).
[35] تهذيب السنن (1/205)، وذكر بعدَهُ أصلَ ابن حزم في توثيق وتعديل كل نساء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا فرعٌ عن كون الرِّواية في مسند أحمد: عن بعض أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقدَّم أن الذي في المسند غير ذلك.
[36] نقله بفقرتيه: ابن دقيق العيد في الإمام (2/11)، وعنه - فيما يظهر - ابن الملقِّن - في البدر المنير (2/239)، ونقل الفقرة الأولى: ابن قدامة في المغني (1/186)، وابن عبدالهادي - في تنقيح التحقيق (1/225) وتعليقته على علل ابن أبي حاتم (ص: 158، وابن القيم - في تهذيب السنن (1/204)، وغيرهم.
[37] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 157).
[38] تفسيره (3/56).
[39] انظر: تهذيب التهذيب (3/102 - 103).
[40] ذكره ابن قدامة - في المغني (1/186)، ولم أخرجه منه لأنَّه لم يسق من إسناده شيئًا.
[41] هو النيسابوري البزاز، رفيق مسلم في رحلته، وقد وقع في مطبوعة البيهقي: ... أحمد بن سلمة البزاز، نا الحسن بن محمد بن أعين...، والظاهر أنه سقط سلمة بن شبيب بينهما، فإن أحمد بن سلمة لم يلحق ابن أعين، وعامَّة الروايات تدور على سلمة بن شبيب، فالظاهر أنه المتفرد به عن الحسن بن محمد بن أعين.
[42] قال الذهبي مختصِرًا هذه الطريق - في اختصار سنن البيهقي (1/89) -: الثوري في الجامع: عن الأعمش...، فالظاهر أنَّ هذا الإسناد هو إسناد البيهقي إلى جامع الثوري.
[43] وقع فيه: ابن عمر، وصوَّبه محققه.
[44] مسنده (1/350).
[45] يُلاحظ أن مسلمًا أخرج الحديث في آخر أحاديث غسل الرِّجْلين في الوضوء، فالظاهر أنه لم يكن بالمعتمد عليه، إن لم يكن فعل ذلك ليشير إلى علَّته.
[46] علل أحاديث مسلم (5).
[47] شرح علل الترمذي (2/793).
[48] السابق (2/866)، وانظر: جامع العلوم والحكم له (2/451).
[49] قال ابن عدي - في الكامل (4/146) -: ولابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر نسخة، يحدِّث بذلك ابن بكير وقتيبة وغيرهما من المتأخرين، وانظره (6/432)، وانظر: مسند أحمد (3/335، 337، 339، 342، 345 ، 349، 360، 386، 387، 393، 397)، وقد سئل ابن معين عن هذه النسخة، قال الدارمي - في تاريخه عنه 533 -: قلت: كيف رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر؟ فقال: ابن لهيعة ضعيف الحديث، ونصُّه على تضعيفه مع كون السؤال عن هذه النسخة يُفيد أنَّ فيها ما يُضعَّف بسببه.
[50] الكامل (6/453).
[51] مشاهير علماء الأمصار (ص: 186 - ولم ينقل في التهذيبين.
[52] انظر: تهذيب التهذيب (10/210).
[53] قاله ابن رجب - في شرح العلل (2/794) - وانظر: بيان الوهم والإيهام (5/505).
[54] وفي ذلك تفصيل ليس هذا محلُّه، ويُنظر: النقد البناء لحديث أسماء في كشف الوجه والكفين للنساء، للشيخ طارق بن عوض الله (ص: 43 - 50)، وللشيخ أحمد معبد عبدالكريم بحث معروف مطوَّل - في تعليقه على النفح الشذي، لابن سيد الناس (2/792 – 863) خلص فيه إلى ما ذُكر، وسبق - في الحاشية 49 - تضعيف ابن معين لرواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر خاصَّة.
[55] مسنده (1/350)، وما بين المعقوفين ساقط منه، والصواب إثباته.
[56] علل أحاديث مسلم (5).
[57] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/51 - 59).
[58] نقله ابن حجر في النكت الظراف (8/16 - 17).
[59] السنن (1/84).
[60] المحلى (2/71).
[61] معرفة الثقات (1/481).
[62] مشاهير علماء الأمصار (ص: 109 - ولم يذكر في التهذيبين).
[63] انظر: تهذيب التهذيب (5/24).
[64] انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/852)، تهذيب التهذيب (5/24 - 25).
[65] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص: 388).
[66] وأخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي - في المعرفة والتاريخ (3/229) - من طريق عيسى بن يونس، عن الأعمش، ولفظه: "كنا نأتي جابرًا وهو مجاور ستة أشهر".
[67] التاريخ الكبير (4/346).
[68] شرح علل الترمذي (2/852 - 853).
[69] الكنى والأسماء (1/386).
[70] تهذيب الكمال (13/440).
[71] مقدمة الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (1/144).
[72] الجرح والتعديل (4/136).
[73] في المطبوع: على، والتصويب من نسخة ابن سعدالله الحنبلي - وهي إحدى نسخ المحقق، ولم يشر في الحاشية إلى خلاف بين النسخ.
[74] معرفة علوم الحديث (ص: 339 - 340).
[75] انظر: تهذيب التهذيب (4/188).
[76] ضعفاء العقيلي (2/220).
[77] الكامل (4/113).
[78] شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/855).
[79] كشف الأستار (2/36)، واحتمل محققه أن في نقل كلمة البزار خطأً، وأنه أراد: أن أبا سفيان لم يسمع من جابر، وربما أيد ذلك أنه عقب هذه العلة بقوله: وإنما نذكر من حديثه ما لا نحفظه عن غيره لهذه العلة، وهو في نفسه ثقة، وهو يعني بكلمته الأخيرة أبا سفيان لا غير.
[80] الثقات (4/393).
[81] شرح علل الترمذي (2/892 - 893).
[82] السابق (2/856).
[83] كشف الأستار (2/36).
[84] تهذيب الكمال (13/439).
[85] تحفة التحصيل (ص: 137).
[86] الكامل (4/113)، ووقع فيه تصحيف واضطراب، تصويبه من مختصره، للمقريزي (ص: 440 - 441)، ومن النقل في تهذيب الكمال (13/440)، وهدي الساري (ص: 411)، وغيرها.
[87] العلل ومعرفة الرجال، لأحمد (3/225) - رواية عبدالله - تاريخ ابن معين - برواية الدوري – (2865)، المعرفة والتاريخ (2/797)، (3/236).
[88] سبق من كلام المزي.
[89] انظر: تهذيب الكمال (13/439)، (26/406 - 409)، سنن النسائي الكبرى (2/443) - وهو مما يستدرك على التهذيبين في ترجمة أبي سفيان وأبي الزبير.
[90] العلل، لابنه (1/54).
[91] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 156 - 157).
[92] العلل (1/54)، المراسيل (ص: 139).
[93] الخلافيات (1/460).
[94] المحلى (2/71)، تهذيب الكمال (14/543).
[95] انظر: مقدمة الشيخ عبدالله السعد لكتاب منهج المتقدِّمين في التدليس (ص: 30 - 31)، حيث ذكر مثالاً جيِّدًا لتدليسِ هشيم تدليسَ العطف، سوى المثال المعروف.
[96] انظر: تهذيب التهذيب (2/172 - 174).
[97] الخلافيات (1/463).
[98] الخلافيات (1/463)، السنن (1/84).
[99] السنن (1/44)، وما بين المعقوفين اختلفت المصادر الناقلة في ذكره وإسقاطه، ولم يُذكر في تحفة الأشراف (1/302)، وزاد أبو عوانة في نقله كلام أبي داود - عقب إسنادِهِ الحديثَ عنه -: ولا عن قتادة، والظاهر أنَّ هذا الاختلاف من رواة السنن، انظر: شرح مغلطاي على ابن ماجه (3/218).
[100] السنن (1/83).
[101] المعجم الأوسط (6/323).
[102] الكامل (2/126).
[103] السنن (1/108).
[104] أطراف الغرائب والأفراد (1/206).
[105] حلية الأولياء (8/330).
[106] انظر: سير أعلام النبلاء (7/103)، شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/699 - 784)، تهذيب التهذيب (2/61 - 62).
[107] المهذب في اختصار سنن البيهقي (1/89).
[108] شرح علل الترمذي (2/784 - 785).
[109] المحلى (2/71)، الخلافيات (1/454 - 456)، وتبعهم بعض المتأخِّرين والمعاصرين، وقد قال الشيخ الألباني - رحمه الله - بعد نقل بعض كلام الأئمة في رواية جرير عن قتادة - في صحيح أبي داود (1/309) - الأم -: قلت: "ونحن نرى أنَّ الحديث صحيح؛ فإنَّ جريرًا ثقة حجَّة بالاتفاق إلا في روايته عن قتادة، وليس عندنا ما يدل على أنه وهم في روايته هذه عنه، بل الأحاديث في الباب تشهد له".
وتطلُّب دليل على وهمه مناقضٌ لتضعيف روايته عن قتادة، إذ روايته عن قتادة إذًا كرواية أيِّ راوٍ ضعيف، ولا يُقال في رواية الضعيف: إنَّه لا دليل على وهمه، مع أنه ربما أصاب؛ إذ إن تضعيفَه دليلٌ على كثرة وهمه وغلطه، وعليه؛ فالأصل في روايته: ألا يُقبل ما يرويه إلا إن ظهر دليلٌ على إصابته، ولا دليل هنا على ذلك، بل قد دلَّت الدلائل على غلط جرير فيه؛ منها: تفرده عن قتادة دون سائر أصحابه، ومعرفة الحديث في البصرة عند أصحاب الحسن مرسلاً عنه، وهذا - مع ضعف جرير في قتادة - يفيد نكارة هذه الرواية، والمنكر لا يستفيد التعضيد والتقوية؛ لأنه أبدًا منكر - كما قال الإمام أحمد.
[110] المعجم الصغير (1/39).
[111] الكامل (6/359).
[112] أطراف الغرائب والأفراد (1/33).
[113] انظر: لسان الميزان (6/78).
[114] انظر: لسان الميزان (6/213).
[115] مصنف ابن أبي شيبة (272)، المعجم الكبير (8/347).
[116] تاريخ ابن أبي خيثمة (2550) - السفر الثاني، الآحاد والمثاني (1251)، المعجم الكبير (8/348).
[117] مسند الروياني (1240).
[118] تفسير الطبري (10/74).
[119] المعجم الكبير (8/348 - 349)، سنن الدارقطني (1/108)، سنن البيهقي (1/84).
[120] السنن (1/84).
[121] مسنده (11/146) - وهو مما يستدرك على اللسان.
[122] انظر: لسان الميزان (6/141) - وقد خلطه ابن حجر بآخر مدني، الثقات (9/173).
[123] وقع فيه: ابن ناجية، ثنا أبو الوليد بن مسلم، والظاهر أنَّ شيخَ ابن ناجية الراويَ عن الوليد بن مسلم هنا: أبو الوليد القرشي؛ أحمد بن عبدالرحمن بن بكار، وسبق نظر الناسخ، أو الطابع، فكتب: أبو الوليد بن مسلم. ولابن ناجية روايةٌ عن أبي الوليد عن الوليد، انظر: الكامل، لابن عدي (7/21)، تاريخ بغداد (4/241).
[124] مصنف ابن أبي شيبة (268)، مسند أحمد (3/316)، مسند أبي يعلى (2308)، تفسير الطبري (10/71)، مستخرج أبي عوانة (689)، المعجم الصغير (781)، وغيرها.
[125] مسند الطيالسي (ص: 248)، الطهور، لأبي عبيد (378)، (379)، (380)، مصنف ابن أبي شيبة (271)، مسند أحمد (3/369، 390، 393)، التاريخ الكبير، للبخاري (5/209)، سنن ابن ماجه (454)، مسند أبي يعلى (2065)، (2145)، ومعجمه (15)، تفسير الطبري (10/69 - 71)، شرح معاني الآثار (1/38)، أحكام القرآن، للطحاوي (40)، الأوسط، لابن المنذر (404)، المعجم الأوسط (2830)، (5650)، حلية الأولياء (9/25)، التمهيد (24/253)، وغيرها.
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
48-(1/189، 190) ("والنية... شرط... لطهارة الأحداث كلها"؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»).
أخرجه البخاري (1، 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953) ومسلم (1907) من طرق عن عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه», لفظ البخاري في الموضع الأول.
وانظر: المسند الجامع (10626).
قال ابن رجب: (هذا الحديث تفرد بروايته يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وليس له طريق يصح غير هذا الطريق، كذا قال علي بن المديني وغيره، وقال الخطابي: "لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في ذلك"، مع أنه قد روي من حديث أبي سعيد وغيره[1]، وقد قيل: إنه روي من طرق كثيرة، لكن لا يصح من ذلك شيء عند الحفاظ.
ثم رواه عن الأنصاري الخلق الكثير والجم الغفير، فقيل: رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل: رواه عنه سبعمائة راوٍ؛ ومن أعيانهم: الإمام مالك، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم. واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول...)[2].
49-(1/208، 209) ("ويغسل الأقطع بقية المفروض"؛ لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، متفق عليه).
أخرجه البخاري (7288) ومسلم في الفضائل؛ باب باب توقيره -صلى الله عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه... (1337) من طريق أبي الأعرج، ومسلم في الحج؛ باب فرض الحج مرة في العمر، وفي الفضائل؛ باب باب توقيره -صلى الله عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه... (1337) من طريق محمد بن زياد، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبي صالح، وهمام بن منبه، كلهم عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». لفظ البخاري.
وانظر: المسند الجامع (13367، 14514-14520).
50-(1/209، 210) ("ثم يرفع نظره إلى السماء" بعد فراغه[3]، "ويقول ما ورد"؛ ومنه: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»).
أخرجه مسلم (234) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وزيد بن الحباب، كلاهما عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا يحدث الناس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه؛ إلا وجبت له الجنة»، فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت، فإذا عمر، قال: إني قد رأيتك جئت آنفًا، قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو: فيسبغ- الوضوء، ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله"؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء». لفظ ابن مهدي عن معاوية، وقال زيد بن الحباب: «من توضأ فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».
وانظر: المسند الجامع (9814-9817).
51-(1/214، 215) ("يجوز[4] يومًا وليلة" لمقيم ومسافر لا يباح له القصر، "ولمسافر" سفرًا يبيح القصر "ثلاثة" أيام "بلياليها"؛ لحديث علي يرفعه: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة، رواه مسلم).
أخرجه مسلم (276) من طريق شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه، فقال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم.
وانظر: المسند الجامع (10013).
52-(1/220) ("وجورب صفيق[5]"، وهو ما يلبس في الرِّجْل على هيئة الخف من غير الجلد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره، وصححه الترمذي).
منكـر.
1- حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:
أ- رواية هزيل بن شرحبيل عنه:
أخرجه ابن أبي شيبة (1973)، وأحمد (4/252) -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (2/81، 82)، ومسلم في التمييز (79) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (159) عن عثمان بن أبي شيبة، والترمذي (99) عن هناد، ومحمود بن غيلان، والنسائي في الكبرى (129) - ومن طريقه ابن حزم في المحلى (2/81، 82) عن إسحاق بن راهويه، وابن ماجه (559) عن علي بن محمد، وابن خزيمة (198) عن سلم بن جنادة، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق يحيى بن عبدالحميد الحماني، عشرتهم عن وكيع بن الجراح، وعبد بن حميد (398)، وابن خزيمة (198) عن بندار، ومحمد بن الوليد، وابن المنذر في الأوسط (488) والبيهقي (1/283، 284) من طريق علي بن الحسن، والعقيلي في الضعفاء (2/327) عن إبراهيم بن عبدالله، والطحاوي في شرح المعاني (1/97) عن أبي بكرة، وإبراهيم بن مرزوق، والطبراني في الأوسط الكبير (2/414) والأوسط (2645) عن أبي مسلم الكشي، والبيهقي (1/284) من طريق محمد بن أحمد بن أنس، تسعتهم عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، وابن خزيمة (198) -وعنه ابن حبان (1338)- عن محمد بن رافع، وابن خزيمة (198) عن أحمد بن منيع، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق يحيى الحماني، ثلاثتهم عن زيد بن الحباب، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق عبدالحميد الحماني، وابن المبارك، وعبدالله بن أحمد في العلل لأبيه (3/366، 367) -تعليقًا- عن الأشجعي، ستتهم -وكيع وأبو عاصم وزيد بن الحباب والحماني وابن المبارك والأشجعي- عن سفيان الثوري، عن أبي قيس عبدالرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. لفظ أحمد.
ب- رواية عمرو بن وهب عن المغيرة:
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (4/13) من طريق إسماعيل بن يزيد، عن أبي داود، عن سعيد بن عبدالرحمن، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على العمامة والجوربين والخفين.
ج- رواية فضالة بن عمرو عن المغيرة:
أخرجه الإسماعيلي في معجم شيوخه (327) عن عبدالرحمن بن محمد بن الحسن بن مرداس، عن أحمد بن سنان، قال: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة ثلاثة عشر حديثًا في المسح على الخفين، فقال أحمد الدورقي: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. قال: فلم يكن عنده -يعني: ابن مهدي-؛ فاغتمّ.
دراسة الأسانيد:
أ- رواية أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة:
قال الثوري: (لم يجئ به غيره)[6] -يعني: أبا قيس-، وقال أحمد: (ليس يُروى هذا إلا من حديث أبي قيس)[7]، وقال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن أبي قيس إلا سفيان)[8]، وقال الدارقطني: (لم يروه غير أبي قيس)[9].
وقد أنكر هذا الحديثَ جماعةٌ من الأئمة:
♦ قال ابن المبارك: (عرضت هذا الحديث -يعني: حديث المغيرة من رواية أبي قيس- على الثوري، فقال: لم يجئ به غيره؛ فعسى أن يكون وهمًا)[10]، وقال الثوري -فيما روى عبدالرحمن بن مهدي عنه-: (الحديث ضعيف -أو: واهٍ، أو كلمة نحوها-)[11].
♦ وقال أحمد: (أبىٰ عبدُالرحمن بن مهدي أن يحدث به، يقول: "هو منكر" -يعني: حديث المغيرة هذا-، لا يرويه إلا من حديث أبي قيس)[12]، وقال أبو داود: (كان عبدالرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)[13]، وقال أبو قدامة السرخسي عن ابن مهدي: (قلت لسفيان الثوري: "لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك...")[14].
♦ وقال البخاري -بعد أن ساق حديثًا من رواية أبي قيس-: (وكان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين: هذا، وحديث هزيل عن المغيرة: مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على الجوربين)[15].
♦ وقال أحمد بن حنبل: (المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه مسح على الخفين، ليس هذا إلا من أبي قيس، إن له أشياء مناكير)[16]، وقال: (أحاديث أبي قيس ليست صحيحة، المعروف عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)، وقال عن أبي قيس: (ليس به بأس، قد أنكروا عليه حديثين، أحدهما: حديث المغيرة في المسح...)[17].
♦ وقال المفضل بن غسان: سألت أبا زكريا -يعني: يحيى بن معين- عن هذا الحديث، فقال: (الناس كلهم يروونه: "على الخفين" غير أبي قيس)[18].
♦ وقال ابن المديني: (حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهلُ المدينة وأهلُ الكوفة وأهلُ البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة، إلا أنه قال: "ومسح على الجوربين"؛ وخالف الناس)[19].
♦ وقال مسلم: (ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن)، ثم ساقه، ثم قال: (حدثنا أبو بكر، ثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن المغيرة قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر...، وساقه. الأسود بن هلال، عن المغيرة. وعلي بن ربيعة، خطبنا المغيرة. وإياد بن لقيط، عن قبيصة بن برمة، عن المغيرة بن شعبة. وعن حمزة بن المغيرة، عن أبيه. وعروة بن المغيرة، عن أبيه. والزهري، عن عباد، عن عروة وبكر بن عبدالله، عن ابن المغيرة، عن المغيرة. وسليمان التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه. وشريك، عن أبي السائب، عن المغيرة. ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة. وعروة بن المغيرة، عن أبيه. وعامر وسعد بن عبيدة، قالا: سمعنا المغيرة. وأبو العالية، عن فضالة، عن المغيرة. وعمرو بن وهب، عن المغيرة. وابن عون، عن عامر، عن عروة، عن المغيرة. وابن سيرين، عن المغيرة. وقتادة، عن الحسن وزارة بن أبي أوفى، عن المغيرة. وحريز بن حية الثقفي عن المغيرة)، قال مسلم: (قد بيَّنَّا مِنْ ذِكْرِ أسانيد المغيرة في المسح بخلاف ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة= ما قد اقتصصناه -وهم من التابعين وأجلتهم؛ مثل مسروق-)، وذَكَرَ من قد تقدم ذكرهم، (فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ومن خالف خلاف بعض هؤلاء بَيِّنٌ لأهل الفهم من الحفظ في نقل هذا الخبر وتحمل ذلك، والحمل فيه على أبي قيس أشبه؛ وبه أولى منه بهزيل؛ لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارًا غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها -إن شاء الله-)[20].
وقال يحيى بن منصور[21]: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال: (أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: مسح على الخفين)[22].
♦ وقال النسائي: (ما نعلم أن أحدًا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)[23].
♦ وترجم العقيلي لأبي قيس الأودي، وذكر له حديثه هذا، ثم قال: (والرواية في الجوربين فيها لين)[24].
♦ وقال الدارقطني: (ولم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به؛ لأن المحفوظ عن المغيرة: المسح على الخفين)[25].
♦ وقال البيهقي: (وذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبدالرحمن بن مهدي, وأحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة: حديث المسح على الخفين)[26].
فهؤلاء نحو أحد عشر إمامًا من سفيان الثوري، إلى البيهقي؛ اجتمعت كلماتهم على إنكار الحديث، وردِّه وتضعيفه، ووجه ذلك عندهم أمور:
الأول: حال أبي قيس؛ عبدالرحمن بن ثروان، فإنه صدوق يخالف، وله ما ينكر -مع قلة حديثه-، وقلة الحديث مع وجود هذا مظنة للخطأ والوهم.
الثاني: تفرد أبي قيس به مع عدم المتابعة المعتبرة له عن هزيل، ولهزيل عن المغيرة، وتفرده -مع ما وصف من حاله- دليل ظاهر على خطئه ووهمه.
الثالث: عدم ذكر لفظة الجوربين في أيٍّ من طرق حديث المغيرة في المسح، والحديث مشهور مستفيض عن المغيرة، وقد سبق تعداد مسلم لما يربو على خمسة عشر راويًا رووه عن المغيرة، لم يذكر أحد منهم الجوربين، والحديث متفق عليه من رواية عروة بن المغيرة، ومسروق، كلاهما عن المغيرة به بذكر الخفين[27].
وهذا من الدلائل الأكيدة على وقوع الخطأ في هذا الحديث، فإن اجتماع الناس على رواية الحديث، وفيهم بعض الثقات الأعلام، وفيهم بعض أهل بيت المغيرة ممن له اختصاصٌ به ومعرفة بحديثه= يقضي بأن الصواب ما رووه، وأن انفراد بعض الرواة بذكر الجوربين خطأ.
والذي انفرد عن المغيرة بذكره: هو الهزيل بن شرحبيل، إلا أنه ثقة، وقد نصَّ مسلم على أن تحميل الخطأ أبا قيس الأودي أشبه، وهو بذلك أولى؛ إذ في حديثه ما ينكره الأئمة.
يتلـوه -بعون الله- ذكرُ بعض أجوبة مصححي الحديث عن تضعيفه، ومناقشتها، ثم دراسة بقية طرق الحديث عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-.
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] أخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في حلية الأولياء (6/342)، والخليلي في الإرشاد (1/233-منتخبه)، والقضاعي في الشهاب (1173)، والسلفي في الطيوريات (908)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/235)، كلهم من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، به. وقد أعلَّه وأبطله وخطَّأ ابنَ أبي رواد فيه جماعة، فانظر: علل ابن أبي حاتم (1/131)، علل الدارقطني (2/193، 11/253)، حلية الأولياء (6/342)، الإرشاد (1/167، 233-منتخبه)، التمهيد (21/270)، نصب الراية (1/302)، البدر المنير (1/658-660).
[2] جامع العلوم والحكم (1/59-61).
[3] يعني: من الوضوء.
[4] يعني: مسح الخفين.
[5] عبارة الزاد: (يجوز -يعني: المسح- يومًا وليلة، ولمسافر ثلاثة بلياليها من حدث بعد لبس، على طاهر، مباح، ساتر للمفروض، يثبت بنفسه، من خفٍّ، وجورب صفيق، ونحوهما).
[6] التمييز، لمسلم (ص204).
[7] العلل ومعرفة الرجال (3/366-رواية عبدالله).
[8] المعجم الأوسط (3/112).
[9] العلل (7/112).
[10] التمييز، لمسلم (ص203، 204).
[11] سنن البيهقي (1/284).
[12] العلل ومعرفة الرجال (3/367-رواية عبدالله)، ووقع فيه: أتى عبدالرحمن...، وهو خطأ، وقوله: (لا يرويه...) كذلك وقع، وقد نقله المحقق نفسه -في حاشيته على العلل ومعرفة الرجال لأحمد برواية المروذي وغيره (ص219)- فجاء: (لا يروونه...). وانظر رواية مهنا عن أحمد -بنحو رواية عبدالله- في شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/278).
[13] السنن (1/224، 225).
[14] سنن البيهقي (1/284).
[15] التاريخ الكبير (3/137)، ولم أتبين على وجه الدقة يحيى هذا، وللبخاري إطلاق كهذا على القطان، وعلى ابن معين، وانظر: حاشية د. بشار عواد على تهذيب الكمال (4/442).
[16] العلل ومعرفة الرجال (ص219-رواية المروذي وغيره).
[17] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/278).
[18] سنن البيهقي (1/284).
[19] سنن البيهقي (1/284).
[20] التمييز (ص202، 203)، وقارن بنقل مغلطاي في شرح ابن ماجه (2/278).
[21] ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/28).
[22] سنن البيهقي (1/284).
[23] السنن الكبرى (1/124).
[24] الضعفاء (2/327).
[25] العلل (7/112)، وقارن بنقل ابن دقيق العيد -في الإمام (2/201)-.
[26] معرفة السنن والآثار (2/122).
[27] انظر: المسند الجامع (11723-11739).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة تخريج حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- في المسح على الجوربين، وتبيَّن أنه قد تفرد به أبو قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، وأن الأئمة قد أنكروه وردُّوه.
وأعرض في هذه الحلقة أجوبة بعض المتأخرين عن تضعيف الحديث، مع مناقشتها، ثم أدرس بقية طرق الحديث. والله الموفق.
قد أجاب بعض من صحح حديث المغيرة في المسح على الجوربين بأجوبة:
الأول: قال ابن التركماني: (وأبو قيس عبدالرحمن بن ثروان وثقه ابن معين، وقال العجلي: "ثقة ثبت"، وهزيل وثقه العجلي، وأخرج لهما معًا البخاري في صحيحه)[1].
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن حال أبا قيس لا يكفي فيها هذا الإجمال، وقد سبق أنه صدوق له ما ينكر -على قلة حديثه-.
ثانيها: أن وجود حديث الراوي في الصحيح، وتوثيق الأئمة له لا يمنع خطأه، ولا بد للثقة من الوهم.
ثالثها: أن هذا احتجاجٌ بأقوال الأئمة على أقوالهم أنفسهم؛ فالبخاري الذي أخرج حديث أبي قيس؛ قد نقل إنكار بعض الأئمة لحديثه بما يشبه الإقرار، وأحمد الذي قال عن أبي قيس -في رواية-: (ليس به بأس)؛ أنكر حديثَه هذا وخطَّأه، وكذلك أشار إلى خطئه ابن معين مع أنه وثقه، وغمز الدارقطني أبا قيس بهذا الحديث؛ مع أنه قال فيه: (ثقة)، ولا يستقيم مع ذلك أن يُحتَجَّ بأحد قولي الإمام على قوله الآخر؛ إذ إنهم كانوا يعرفون حين غلَّطوا أبا قيس -للعلل السابقة- أنه ثقة، وليس من شرط الثقة عندهم ألا يخطئ، وهذا نصُّ أحمد، قال -وقد سبق-: (ليس به بأس، قد أنكروا عليه حديثين، أحدهما: حديث المغيرة في المسح...)، فالنظر إلى توثيق الراوي وصدقه -فحسب- نظر إلى العموم دون اعتبار للخصوص، والخاص مقدَّم على العام.
الجواب الثاني:
قال ابن دقيق العيد: "من صححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس- على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفةَ معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه، وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها"[2].
وقال الشيخ أحمد شاكر: "وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر؛ إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة. والمغيرة صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منه شيئًا، ويسمع غيره شيئًا آخر، وهذا واضح بديهي"[3]، وأخذ بعض المتأخرين يناقش في شأن الحديث الشاذ وتعريفه والمراد به[4].
والجواب عن ذلك:
أولاً: أنه يُنازع في كون ما في الحديث زيادة، إنما هو مخالفة، فالرواة ذكروا الخفين، وخالفهم أبو قيس عن هزيل؛ فذكر الجوربين.
قال المباركفوري: "فإن الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ: مسح على الخفين، وأبو قيس يخالفهم جميعًا؛ فيروي عن هزيل عن المغيرة بلفظ: مسح على الجوربين والنعلين، فلم يزد على ما رووا، بل خالف ما رووا، نعم لو روى بلفظ: مسح على الخفين والجوربين والنعلين؛ لصح أن يقال: إنه روى أمرًا زائدًا على ما رووه، وإذ ليس؛ فليس"[5].
وقد ردَّ هذا الشيخ أحمد شاكر، قال: "هكذا قال، وهي انتقال نظر، فليس المراد أنه روى زيادة في لفظ الحديث، بل أراد القائلون بأنها زيادة: أنه روى حكمًا آخر زائدًا على ما رواه غيره، فرووا هم المسح على الخفين، وروى هو المسح على الجوربين، ولم ينفِ رواية المسح على الخفين، فروايته على الحقيقة زيادة على روايات غيره، وهذا واضح"[6].
والمفصل في هذا -فيما يظهر-: أن المباركفوري يرى أن الحديث حديثٌ واحد، وأن من قال بالزيادة يرى أنهما حديثان مستقلان.
ثانيًا: أن اعتبار الحديث حديثين مختلفين، وطريقين مستقلَّين منهج مخالفٌ لما عليه أهل الحديث من أئمته النقاد في التعامل مع هذا الحديث؛ فقد صرَّح الثوري وابن مهدي وأحمد وابن معين وابن المديني ومسلم والنسائي والدارقطني والبيهقي بأن الحديث حديثٌ واحد، وأنه يُنظر فيه - مع اتحاد مخرجه - إلى الراجح عن المغيرة، والمعوَّل على إجماع هؤلاء واتفاقهم.
وأما ما ذهب إليه بعض المتأخرين من التفريق بين الحديثين، فلعله من تأثير منهج الفقهاء والأصوليين عليهم؛ حيث اعتبر مَن سبق ذكره مِن الأئمة في تعليل الحديث كونَهُ حديثًا واحدًا عن المغيرة، واعتبروا روايةَ الجمع الكثير الحديثَ عنه بذكر المسح على الخفين، وانفرادَ هذا الراوي - المتكلم فيه - بذكر الجوربين، وأما بعض المتأخرين؛ فتخلَّص من ذلك بالتجويزات العقلية، وطرحِ احتمالات تعدد الحادثة، وإمكانية التحمل والأداء على غير وجه، وهذه التجويزات - كما هو لائح في التعامل مع هذا الحديث وغيره - "لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله...، ولهم ذوقٌ لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات"[7]، وما دام الحديث في مسائل التصحيح والتضعيف، والكلام في الأسانيد؛ فالقول قول أولئك الأئمة؛ فهم أئمة هذا الفن وروَّاده الأوائل ومؤسسوه وواضعو قواعده، وهم أعلم به ممن جاء بعدهم - بلا شك -.
وقولهم في كون حديث المغيرة واحدًا أوجه وأعدل وأولى؛ لأمور:
أحدها: أن القصة التي ذكرها الجمهور عن المغيرة مذكورة في بعض طرق رواية أبي قيس عن هزيل عنه، إذ ذكر يحيى الحماني عن أبيه وابن المبارك، وذكر هو ومحمد بن رافع عن زيد بن الحباب، بإسناد ثلاثتهم عن المغيرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال، فتوضأ، ومسح على الجوربين والنعلين. فذكر قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته، ووضوءه، ومسحه، وهذا ما ذكره عامة الرواة عن المغيرة.
ثانيها: أن الاختصار في رواية الحديث أمر شائع معروف عندهم، ولما كانت القصة معروفة مشهورة من الطرق الأخرى؛ لم يكن لتردادها في حديث أبي قيس عن هزيل حاجة، فاختصرها الرواة، واقتصروا على ما أغرب به أبو قيس من كون المسح على الجوربين لا الخفين.
ثالثها: أن الأصل في حديث المغيرة في المسح: أنه حديثٌ واحد، سمعه منه الرواة على وجه واحد، والعدول عن هذا الأصل بلا دليل تحكُّم؛ إذ لا بد من إقامة الدليل على كون الحديث حديثين، والواقعة واقعتين، بنصٍّ في الرواية، أو نحو ذلك، ولا شيء من ذلك هنا، فلم يكن له وجه.
ثالثًا: أنه على التسليم بكون الحديث حديثًا مستقلاًّ - وهذا بعيد؛ لما سبق -؛ فإن تفرد أبي قيس بحديث المسح على الجوربين فيه نظر، والتفرد ربما لم يقبله الأئمة من الثقات، فكيف بهذا الصدوق الذي أنكرت عليه أحاديث.
الثالث -مما رُدَّ به إعلال هذا الحديث-: قول الشيخ أحمد شاكر: "ثم إن الحكم على رواية هذا الحديث بتخطئة الرواة الثقات حكم دون دليل كما بينَّا، وقد تابعه على روايته هذه عمل الصحابة الذين حكى ابن القيم الحجة بعملهم؛ فهو لم يروِ حكمًا شاذًّا مخالفًا لم يقل به أحد، بل روى عملاً ثبت أن الصحابة هؤلاء عملوا به وأخذوا بحكمه"[8].
فأما كون المُخطَّأ هنا "الثقات"؛ فلا يسلم به، إذ المُخطَّأ أبو قيس لا يبلغ مرتبة الثقة، وأما كون التخطئة بغير دليل؛ فادعاء غير صحيح، وقد سبق من الدلائل ما يكفي للجزم بخطأ هذا الراوي فيه، وأما كون عمل الصحابة تابع روايةَ أبي قيس بذكر الجوربين، وأنه لم يروِ حكمًا شاذًّا مخالفًا لم يقل به أحد؛ فلا ينازع فيه، إلا أنه خارج محل النزاع، فالنزاع في صحة هذا الحديث عن المغيرة مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا في صحة العمل بمقتضاه.
وإن صح استفادةُ الروايةِ الضعيفةِ القوةَ من الموقوفات؛ فذلك فيما لم يظهر أنه خطأ ووهم، وليس ذلك بمتحقق هنا، والخطأ لا يتقوى بغيره؛ لأنه وهم توهَّمه راويه، ليس له أصل صحيح.
ب- رواية عمرو بن وهب عن المغيرة:
جاءت من طريق إسماعيل بن يزيد، عن أبي داود الطيالسي، عن سعيد بن عبدالرحمن - هو أخو أبي حرة واصل -، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، به، والرواية الثابتة في مسند الطيالسي بالإسناد نفسه (ص95): أن المغيرة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على العمامة والخفين، ورواها أيضًا عن الطيالسي دون ذكر الجوربين: عبدة بن عبدالله الصفار[9]، ومحمد بن معمر البحراني[10].
وخولف سعيد بن عبدالرحمن - إن صح عنه - عن ابن سيرين؛ فرواه أيوب وهشام ويونس بن عبيد[11] وغيرهم عنه، فذكروا العمامة والخفين، دون الجوربين.
وكل هذا يبين أن ذكر الجوربين في الحديث منكر، وإسماعيل بن يزيد الذي رواه عن أبي داود فيه ضعف، وكان كثير الغرائب[12]، وقد خالف الأثباتُ روايتَه؛ فلم يذكروا الجوربين.
ج- رواية فضالة بن عمرو الزهراني عن المغيرة:
رواها الإسماعيلي عن شيخه عبدالرحمن بن محمد بن مرداس، عن أحمد بن سنان، عن أحمد الدورقي، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة، عن المغيرة، وفي الإسناد شيخ أبي بكر الإسماعيلي، لم أجد له ترجمة، وقد جاء الحديث من هذه الطريق بغير ذكر الجوربين:
فرواه ابن أبي شيبة[13]، وإدريس بن جعفر العطار[14]، كلاهما عن يزيد بن هارون، ورواه خالد بن عبدالله الواسطي[15]، كلاهما -يزيد وخالد- عن داود بن أبي هند، به؛ بدون ذكر الجوربين.
وذكرهما مما أخطأ به ابن مرداس شيخ الإسماعيلي، والصواب عدمه - كما رواه الثقات عن يزيد بن هارون، وعن داود بن أبي هند -.
2- حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-:
أخرجه الباغندي في أماليه (9) من طريق الصغدي بن سنان، والبخاري في التاريخ الكبير (4/333) عن سعيد بن سليمان، وابن ماجه (560) من طريق بشر بن آدم، و(560) والروياني (574) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/97) والبيهقي (1/284) من طريق المعلى بن منصور، والطبراني في الأوسط (1108) من طريق أبي جعفر النفيلي، أربعتهم عن عيسى بن يونس، والعقيلي في الضعفاء (3/383) من طريق القاسم بن مطيب، ثلاثتهم -الصغدي وعيسى بن يونس والقاسم- عن عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. لفظ ابن ماجه، وزاد النفيلي عن عيسى بن يونس: والعمامة، وزاد القاسم بن مطيب: توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ولم يذكر الروياني في لفظه إلا العمامة، وقال البخاري: في المسح -لم يسق لفظه-.
دراسة الإسناد:
قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى"[16] - يعني: ابن سنان -.
وفي الحديث علل:
الأولى: ضعف عيسى، فإن كلمة الأئمة تكاد تجمع على تضعيفه، هذا مع أن أحاديثه يسيرة[17]، وظهور الضعف مع قلة الحديث دليل على أن عامة الحديث مناكير.
الثانية: تفرده - كما ذكر الطبراني -، وتفرد الضعيف دليل نكارة.
الثالثة: الانقطاع، قال أبو داود: (ليس بالمتصل)[18]، وقال أبو حاتم: "ضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب...، روى عن أبي موسى الأشعري؛ مرسل"[19]، وقال البيهقي: "الضحاك بن عبدالرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى"[20].
وقد اعتمد بعضهم لرد هذه العلة: أن البخاري قال - في تاريخه -: "سمع أبا موسى"[21]، وأن عبدالغني المقدسي قال في كتابه "الكمال": "سمع أبا موسى"[22]، وعبدالغني استفاده من البخاري - في أغلب الظن -، وأما البخاري؛ فقوله في التاريخ: "سمع..." لا يفيد أنه يثبت السماع - على الأصح -، وإنما هو يحكي ما وقع له من أسانيد، وربما كانت خطأ أو أوهامًا أو رواية ضعفاء[23].
وقال ابن التركماني: (ثم قال -يعني: البيهقي-: "الضحاك لم يثبت سماعه من أبي موسى..."، قلت: هذا أيضًا -كما تقدم- أنه على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع)[24]، وهذا ربما انصرف إلى كلمة البيهقي المحتملة، وأما كلمتا أبي داود وأبي حاتم؛ فصريحتان في الانقطاع، على أن اشتراط الاتصال هو الصحيح المختار.
ولاجتماع هذه العلل، قال أبو داود عن الحديث: "ليس بالمتصل ولا بالقوي"، وذكره العقيلي فيما يُنكر على عيسى بن سنان، ثم قال بعده: "والأسانيد في الجوربين والنعلين فيها لين".
فالحديث منكر.
3- حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في الكبير (1/350، 351) من طريق ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والجوربين.
دراسة الإسناد:
فيه يزيد بن أبي زياد، ضعيفٌ سيئ الحفظ، وروايته خطأ من وجهين:
الأول: أن الحديث مرفوعًا ليس فيه ذكر الجوربين، فقد رواه الحكم عن ابن أبي ليلى به كذلك، وروايته في صحيح مسلم[25]، والحكم ثقة ثبت، لا يقارن بيزيد بن أبي زياد، وكذلك رواه غير واحد عن بلال[26]، وقد اختُلف في إسناد حديث بلال ومتنه عن بعض الرواة، إلا أن ذكر الجوربين لم يجئ به غير يزيد عن ابن أبي ليلى، وهذا هو المنكر هنا.
الثاني: أن الحديث بمسح الجوربين جاء عن بلال موقوفًا، رواه أبو سعد البقال عن ابن أبي ليلى[27] عن بلال، لم يذكر كعب بن عجرة، وأبو سعد ضعيف، إلا أن روايته بالوقف أصح من رواية يزيد بن أبي زياد.
وستأتي دراسة موسَّعة لحديث بلال هذا - بإذن الله -.
تنبيه: أعلَّ ابن دقيق العيد الحديثَ بابن أبي ليلى[28]، ظنًّا منه أنه محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الضعيف، وإنما هو أبوه التابعي الثقة.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
[1] الجوهر النقي (1/284)، ونسب كلامه مغلطاي إلى (قائل) -في شرح ابن ماجه (2/279، 280)-. ولعل الجميع استفاده من قول ابن دقيق العيد -في الإمام (2/203)-: (من صححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس-...).
[2] الإمام (2/203)، الجوهر النقي (1/284)، شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/280).
[3] التعليق على سنن الترمذي (1/168)، وزاد -في تقديم رسالة "المسح على الجوربين"، للقاسمي (ص10)-: (أن العلماء جمعوا بين الأحاديث التي صحت في صفة صلاة الكسوف على أوجه متعددة= بأن هذا اختلاف وقائع لا اختلاف رواية، مع علمهم بأن وقوع الكسوف والخسوف قليل، فأولى أن يجمع في ذلك بصفة الوضوء الذي يتكرر كل يوم مرارًا، كما هو بديهي). واعتمد كلامه الشيخ الألباني -في صحيح أبي داود (1/276-الأم)، وفي التعليق على رسالة القاسمي المذكورة (ص30)-.
[4] المسح على الجوربين، للقاسمي (ص32-34)، ولا حاجة إلى الإطالة في رده، فإنه لائح الضعف لمن اشتمَّ منهج أئمة الحديث وطريقتهم.
[5] تحفة الأحوذي (1/279).
[6] تقديم رسالة "المسح على الجوربين" (ص11).
[7] تهذيب السنن، لابن القيم (1/169).
[8]تقديم رسالة "المسح على الجوربين" (ص11).
[9] المعجم الأوسط (1389).
[10] المعجم الكبير (20/428)، ووقع فيه: محمد بن عمرو البحراني، ولعل صوابه كما أثبت.
[11] المسند الجامع (11728).
[12] انظر: لسان الميزان (1/443).
[13] في مسنده -كما في المطالب العالية (4315) وإتحاف الخيرة المهرة (4308)-، ولم يَسُقا لفظه، لكنهما ذكرا أن الحديث في المسح على الخفين، ولو كان الجوربان مذكورين فيه، لنصَّا عليه؛ لِعِزَّة هذا عن المغيرة.
[14] المعجم الكبير (20/425، 426)، وإدريس متروك، انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص200، 201).
[15]المعجم الكبير (20/425).
[16] المعجم الأوسط (2/24).
[17]نصَّ عليه ابن عدي -في الكامل (5/254)-.
[18] السنن (1/225).
[19]الجرح والتعديل (4/459).
[20]السنن (1/284).
[21]تقديم الشيخ أحمد شاكر لرسالة "المسح على الجوربين" (ص12).
[22] الجوهر النقي (1/284).
[23] وقد حرر ذلك الشيخ المعلمي -في حاشيته على موضح أوهام الجمع والتفريق، للخطيب (1/128)-، والجديع -في تحرير علوم الحديث (1/183)-، وغيرهما، وقارن بين قول البخاري في ترجمة ابن الفراسي في تاريخه (8/444)، ونقل الترمذي عنه -في علله الكبير (ص41-ترتيبه)، وهذا مثالٌ في أمثلة.
[24] الجوهر النقي (1/284).
[25] المسند الجامع (1955)، إتحاف المهرة (2/640، 641)، الأوسط، لابن المنذر (489)، المعجم الكبير (1/350)، سنن البيهقي (1/61)، وغيرها.
[26]المسند الجامع (1956-1960)، إتحاف المهرة (2/642)، الأوسط، لابن المنذر (490)، المعجم الكبير (1/351، 352، 358-363)، سنن البيهقي (1/62)، وغيرها.
[27]الأوسط، لابن المنذر (484) من طريق يعلى بن عبيد عنه، وأخرجه ابن بشران في أماليه (443) من طريق يوسف بن خالد، عن أبي سعد البقال، به مرفوعًا، والظاهر أن يوسف بن خالد هذا هو السمتي الكذاب، ورواية يعلى هي الصواب.
[28]الإمام (2/205).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
53- (1/220، 221) ("ونحوهما[1]"، أي: نحو الخف والجورب، كالجرموق[2]، ويسمى: الموق، فيصح المسح عليه؛ لفعله -عليه السلام-، رواه أحمد وغيره).
1- حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه-:
ورد هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن بلال، ولم يتفق الرواة فيها على ذكر لفظ الموقين، وسيقتصر التخريج هنا على الأسانيد التي ذُكر فيها -ولو في طريق واحد- هذا اللفظ.
أ- رواية أبي عبدالرحمن -أو: أبي عبدالله- عن بلال:
التخريج:
أخرجه عبدالرزاق (734) -ومن طريقه أحمد (6/12) والطبراني في الكبير (1/359)-، وأحمد (6/12) عن محمد بن بكر، والروياني (737) وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (2/ق3أ) من طريق أبي عاصم، وعلقه الدارقطني في العلل (7/177) عن مفضل بن فضالة، أربعتهم عن ابن جريج، وابن أبي شيبة (1929) والشاشي في مسنده (964) من طريق يحيى بن أبي بكير، وأحمد (6/13)، والنسائي في حديث شعبة والثوري مما أغرب بعضهم على بعض (182) عن عمرو بن علي، ومحمد بن الوليد، ثلاثتهم -أحمد وعمرو ومحمد- عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في التاريخ (2/106) والبرتي في مسند عبدالرحمن بن عوف (40) والطبراني في الكبير (1/359، 360) -ومن طريقه في أحد إسناديه المزي في تهذيب الكمال (34/32)- من طريق أبي الوليد الطيالسي، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (8) عن عفان، وأبو داود (153) والحاكم (1/170) -وعنه البيهقي (1/288)- من طريق معاذ بن معاذ، والشاشي (966) والطبراني في الكبير (1/359) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (34/32)- من طريق سليمان بن حرب، والشاشي (963) من طريق النضر، و(965) من طريق شبابة، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص349، 350) من طريق حجاج بن محمد، والحاكم (1/170) -وعنه البيهقي (1/288)- من طريق آدم، عشرتهم عن شعبة بن الحجاج، وعلقه الدارقطني في العلل (7/177) عن عبدالملك بن أبجر، ثلاثتهم -ابن جريج وشعبة وعبدالملك بن أبجر- عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبي عبدالله مولى بني تيم بن مرة، عن أبي عبدالرحمن، أنه كان قاعدًا، فمرَّ بلال، فسألوه عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي الحاجة، فيدعو بالماء، فكنت آتيه بالماء، فيمسح على موقيه وعمامته. لفظ عفان، وذكر أكثر الرواة أن الراوي عن بلال كان قاعدًا مع عبدالرحمن بن عوف، وفي بعض الروايات أن السائل هو عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.
إلا أن ابن جريج قال - في رواية عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبي عاصم عنه-: أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر، أخبرني أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، أنه سمع عبدالرحمن بن عوف يسأل بلالاً...، فقدَّم أبا عبدالرحمن وأخَّر أبا عبدالله في الإسناد. وقال مفضل بن فضالة عن ابن جريج: عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.
وقال عبدالملك بن أبجر: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، أنه كان قاعدًا عند عبدالرحمن بن عوف، فقال عبدالرحمن: يا بلال...، لم يذكر أبا عبدالله فيه، وسمَّى أبا عبدالرحمن: مسلم بن يسار.
وقد ذكر جميع الرواة عن شعبة -خلا غندرًا إلا في رواية عمرو بن علي عنه- الموقين في الحديث، إلا أن شبابة شك بين الموقين والخفين، وذكر بعضهم بدل العمامة: الخمار، وهما واحد.
وأما ابن جريج؛ فذكر الخفين والخمار -وفسره بالعمامة-، ولم يذكر الموقين.
ولم يسق الدارقطني لفظ عبدالملك بن أبجر عن أبي بكر بن حفص.
دراسة الأسانيد:
اختُلف فيها عن أبي بكر بن حفص:
• فرواه شعبة عنه، عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، عن بلال.
ورواه ابن جريج واختُلف عنه:
• فرواه عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبو عاصم عنه، عن أبي بكر، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال.
•ورواه مفضل بن فضالة، عن ابن جريج، عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.
• ورواه عبدالملك بن أبجر، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، عن بلال.
فأما رواية مفضل بن فضالة عن ابن جريج؛ فإنه لم يحفظه، قال الدارقطني: (ورواه مفضل بن فضالة عن ابن جريج عن أبي بكر بن حفص، ولم يحفظ من بينه وبين عبدالرحمن بن عوف...)[3]، واجتماع الثلاثة الثقات عن ابن جريج أصح من رواية مفضل.
وأما رواية عبدالملك بن أبجر؛ فلم أقف لها على إسناد، وقد قصر في إسقاطه أبا عبدالله، وزاد تسمية أبي عبدالرحمن، وخالفه شعبة وابن جريج في ذلك؛ فلم يسمياه، وقولهما أرجح[4]، ولذا لم يعتمد الدارقطني هذه التسمية، حيث سئل: في رواية شعبة: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، من هما؟ فقال: (ما سماهما أحد إلا ابن أبجر، فقال: عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، وليس عندي كما قال)[5].
وبقي الخلاف الواقع بين شعبة وابن جريج.
وقد قال ابن حجر: (وأما قول من قال فيه: أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال؛ فقد قلبه ابن جريج، صرَّح بذلك غير واحد من الحفاظ)[6]، ولم أجد من صرَّح به.
وقال ابن عبدالبر: (هذا إسناد مضطرب مقلوب، مرةً يقولون: عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، ومرة: عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبد الله...)[7].
وثَمَّ خلاف آخر بين شعبة وابن جريج؛ فإن شعبة ذكر في أكثر الألفاظ عنه المسح على الموقين، وذكر ابن جريج المسح على الخفين.
وابن جريج أقدم وأكبر من شعبة، وهو مكي، وشيخه أبي بكر بن حفص مدني، فاتفقا في الحجازية، إلا أن شعبة حافظ، ولم يختلف عليه، وروايته أشهر، وقد غمز بعض الأئمة رواية ابن جريج.
وهذا يبين أن الخلاف متقارب في القوة، فالقول بالاضطراب قوي، خاصة أن أبا بكر بن حفص المختلَف عليه لم يذكر بمزيد حفظ، وإنما وثقه العجلي والنسائي، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على ثقته وكونه من أهل العلم.
ثم إن أبا عبدالله وأبا عبدالرحمن غير معروفين، وقد سبق قول الدارقطني في ذلك، وقد قال ابن عبدالبر: (وكلاهما مجهول لا يعرف)[8]، وقال ابن دقيق العيد: (ولم يُسمَّ هو -يعني: أبا عبدالله- ولا أبو عبدالرحمن، ولا رأيت في الرواة عن كلٍّ منهما إلا واحدًا: وهو ما ذُكر في الإسناد)[9].
إلا أن الحاكم قال: (هذا حديث صحيح؛ فإن أبا عبدالله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول)[10]، ولعل هذا داخلٌ في التساهل الواقع من الحاكم؛ فإنه لم يأت توثيقه إلا عنه، وقد جهَّله غيره. وحتى لو صحَّ توثيقه؛ فالجهالة باقية في أبي عبدالرحمن.
ب- الخلاف على أبي قلابة في حديث بلال:
التخريج:
1- أبو قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال:
أخرجه ابن أبي شيبة (1868) وأحمد (6/15) وإسماعيل القاضي في حديث أيوب (48) والبزار (1377) والروياني (744) وابن خزيمة (189) وابن المنذر في الأوسط (490) وابن قانع (1/78) والطبراني في المعجم الكبير (1/362)، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، والبزار (1378) وأسلم بن سهل بحشل في تاريخ واسط (ص201) والطبراني في الكبير (1/363) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)- والبيهقي في السنن الكبرى (1/62) والصغرى (127) ومعرفة السنن والآثار (1/278)، من طريق خالد بن عبدالله، عن حميد الطويل، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، كلاهما (أيوب وأبو رجاء) عن أبي قلابة، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (11) والأثرم في سننه (13) والبغوي في الجعديات (2669) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/229، 230)- والطبراني في الكبير (1/362) وابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)، من طريق زهير أبي خيثمة، وعلقه الدارقطني في العلل (7/182) عن زياد بن خيثمة، والمعتمر بن سليمان، ثلاثتهم (زهير وزياد والمعتمر) عن حميد الطويل، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، والطبراني في الكبير (1/363) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)- من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، ثلاثتهم (أبو قلابة وأبو رجاء وأبو المتوكل) عن أبي إدريس، عن بلال، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار. لفظ أبي رجاء عن أبي قلابة، ونحوه لأبي المتوكل ولأبي رجاء عن أبي إدريس، وقال حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.
2- أبو قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال:
أخرجه الطبراني في الكبير (1/363)، والأوسط (6832)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482، 66/121) من طريق الوليد بن مسلم، والطبراني في الشاميين (2784) من طريق مروان بن محمد، كلاهما (الوليد ومروان) عن سعيد بن بشير، عن مطر الوراق، عن أبي قلابة، به، ولفظ إسناد الوليد: عن أبي الأشعث، أن أبا جندل بن سهيل والحارث بن معاوية مرَّا على بلال فسألاه عن المسح على الخفين...، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والخمار، وهذه حكايةُ أبي الأشعث قصةَ أبي جندل والحارث وبلال، فكأنه يروي الحديث عن بلال، ولذا اختصر الطبراني الإسناد في الكبير، فجعله: عن أبي الأشعث، عن بلال، وقال مروان بن محمد، عن سعيد بن بشير: عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، أنه سأل بلالاً...
3- أبو قلابة، عن بلال مباشرة:
أخرجه عبدالرزاق (732) -ومن طريقه ابن الأعرابي في معجمه (1443) والطبراني في الكبير (1/362)- عن معمر، وعلقه الدارقطني في العلل (7/180) عن عبدالوهاب الثقفي وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن زيد، أربعتهم (معمر وعبدالوهاب وسعيد وحماد) عن أيوب السختياني، والروياني في مسنده (735) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (68/109)- من طريق خالد الحذاء، والطبراني في الكبير (1/362) من طريق يحيى بن أبي إسحاق، ثلاثتهم (أيوب وخالد ويحيى) عن أبي قلابة، به، ولفظ أيوب: قال: مسح بلال على موقيه، فقيل له: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والخمار. فوقف المسح على الموقين، ورفع المسح على الخفين والخمار، وقال خالد الحذاء: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين وفوق الخمار، وقال يحيى بن أبي إسحاق: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون أبي قلابة، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على أبي قلابة:
أولاً: الخلاف على أيوب السختياني:
• رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
•ورواه معمر وعبدالوهاب الثقفي وابن أبي عروبة وحماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، بإسقاط أبي إدريس.
والروايات عن أيوب على الوجه الثاني عدا رواية معمر معلقة، لم أجدها مسندة.
وقد توبع أيوب عن أبي قلابة على الوجه الأول؛ تابعه أبو رجاء مولى أبي قلابة -وفي روايته اختلاف يأتي-، وتوبع على الوجه الثاني؛ تابعه خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق.
وقد حكم البخاري بخطأ حماد بن سلمة في روايته، وأشار إلى ذلك البزار: قال البخاري: (وقال حماد بن سلمة: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال: مسح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال غير واحد: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال)[11]، وقال أيضًا: (أخطأ فيه ابن سلمة، أصحاب أبي قلابة رووا عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا فيه: عن أبي إدريس)[12]، وقال البزار: (وقد روى حديث أيوب غير واحد عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا أبا إدريس، ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي إدريس؛ إلا حماد بن سلمة)[13].
ومتابعات أيوب على الوجه الثاني (أبو قلابة عن بلال مباشرة) أقوى من متابعته على الوجه الأول، وهذا يؤيد راجحية ما حكم به البخاري وأشار إليه البزار.
ومن خطأ حماد بن سلمة في الحديث أيضًا: أنه خلط موقوف الحديث بمرفوعه، فجعل المتن: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار، وإنما المسح على الموقين من فعل بلال، والمرفوع في المسح على الخفين والخمار؛ بيَّن ذلك معمر عن أيوب عن أبي قلابة، ووافقه في المرفوع حسب: يحيى بن أبي إسحاق، وأما خالد الحذاء؛ فقال كما قال حماد بن سلمة عن أيوب، وفي هذا نظر، ورواية معمر أقوى.
فالراجح عن أيوب: روايته عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، وتفريقه بين الموقوف والمرفوع في الحديث.
وتابع أيوبَ على وجهه الإسنادي: خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، وعلى بعض وجهه المتني: يحيى بن أبي إسحاق
ثانيًا: الخلاف على حميد الطويل:
• رواه خالد بن عبدالله الواسطي، عن حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
• ورواه زهير بن خيثمة وزياد بن خيثمة والمعتمر بن سليمان -في وجهٍ عنه- عن حميد، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، عن عمه أبي إدريس، عن بلال.
•ورواه المعتمر بن سليمان -في الوجه الآخر عنه-، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، عن بلال.
فأما الوجهان الأولان:
فلم أقف على رواية زياد بن خيثمة ولا رواية المعتمر بن سليمان -عليه- مسندةً[14].
وقد قوَّى أبو حاتم زهيرًا على خالد الواسطي، إلا أنه صوَّب في هذا الحديث رواية خالد بن عبدالله، ولعله لأجل ذلك لم يجزم بخطأ زهير، فقد سأله ابنه عن رواية زهير هذه، فقال: (هذا خطأ، إنما هو حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: الخطأ ممن هو؟ قال: (لا يُدرَى)[15].
وقد سأل البرقانيُّ الدارقطنيَّ عن رواية زهير، فقال: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبيرجاء)، قال: يخرج هذا الحديث في الصحيح؟ قال: (نعم)[16]. ولم أقف على روايةٍ عن حميد فيها إسقاط أبي رجاء، إلا رواية المعتمر بن سليمان، وفيها إبداله بأبي المتوكل الناجي لا إسقاطه، وأما رواية خالد بن عبدالله ففيها زيادة أبي قلابة في الإسناد، فمن المشكل قول الدارقطني: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبيرجاء) مع كون أبي رجاء مذكورًا عند الجميع، وإن كان الظاهر أنه يرى في رواية زهير تفردًا مشكلاً.
كما لا يبدو من موافقة الدارقطني على تخريجه في الصحيح تصحيحٌ للحديث، ولعل هذا لأن زهيرًا ثقة ثبت، وأولى به ألا تُبعَد روايته من الصحيح، أو لأن الحديث فيه غرابة مع سلامة الإسناد، وقد أمر الدارقطني بتخريج إسنادٍ مع نصِّه على ضعفه، ولم يُنَصَّ في ذلك على كونه في الصحيح، لكنه الظاهر من السياق[17].
فالراجح من هذين الوجهين عن حميد: رواية خالد بن عبدالله.
وأما الوجه الثالث عن حميد: رواية المعتمر عنه، عن أبي المتوكل، عن أبي إدريس، عن بلال، فقد أخطأ فيه المعتمر، قال البزار: (وروى هذا الحديث المعتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل؛ فأخطأ فيه)[18]، وقال الدارقطني: (فقيل عن المقدمي، عن معتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، وليس ذلك بمحفوظ)[19].
وهذا أحد الوجهين عن المعتمر -فيما حكاه الدارقطني-، وإن صح عنه رواية الوجهين، فتلك قرينة على اضطرابه وخطئه فيه.
ثالثًا: الخلاف على سعيد بن بشير، عن مطر الوراق:
اختُلف عن سعيد:
• فرواه الوليد بن مسلم عنه، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، أن أبا جندل والحارث بن معاوية سألا بلالاً، فقال:... الحديث.
• ورواه مروان بن محمد عن سعيد، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، عن بلال.
ولعل رواية مروان اختصارٌ منه أو ممن دونه، وإدراجٌ لصاحب القصة في الإسناد، وفي رواية الوليد بن مسلم زيادة حفظ وتفصيل.
رابعًا: الخلاف على أبي قلابة:
تلخص مما سبق أنه قد صح عن أبي قلابة الخلاف التالي:
رواه أيوب السختياني وخالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، عن أبي قلابة، عن بلال.
•ورواه أبو رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
•ورواه مطر الوراق، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال؛ من رواية سعيد بن بشير، عن مطر.
فأما الوجه الأخير، فسعيد بن بشير ومطر الوراق متكلم فيهما، فهذا الوجه ضعيف.
وبقي الوجهان الأولان، والراجح منهما الأول؛ لاجتماع أوثق أصحاب أبي قلابة (أيوب وخالد) عليه، في مقابل انفراد أبي رجاء مولى أبي قلابة، وهو صدوق.
وأبو قلابة لم يدرك بلالاً، قاله الشافعي والبخاري والدارقطني والبيهقي[20]، وقد توفي أبو قلابة بعد المائة بقليل، وهو في الخمسين أو أكثر بقليل من عمره، فتحقق أنه ولد بعد الخمسين، وبلال -رضي الله عنه- توفي سنة عشرين أو قبلها بقليل، وقد حكم أبو حاتم بأنه لم يسمع من علي ولا عبدالله بن عمر، وهؤلاء تأخرت وفاتهم عن بلال كثيرًا، فأولى ألاّ يكون سمع من بلال.
وأما المتن، فقد تبيَّن قبلُ انفرادُ حماد بن سلمة في روايته الخطأ بذكر المسح على الموقين، وترجح أن الصواب وقف المسح على الموقين على بلال ورفع المسح على الخفين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يتلوه في الحلقة التالية -بعون الله-: تخريج الخلاف على الحكم بن عتيبة في حديث بلال، ودراسته والترجيح فيه.
ـــــــــــــــ ــ
[1]هذا عطفٌ على ما سبق تعداده مما يجوز المسح عليه.
[2] في حاشية ابن قاسم: (بضم الجيم، نوع من الخفاف، قال الجوهري: الذي يلبس فوقه لحفظه من الطين وغيره، وقال ابن سيده: خف صغير، وقال النووي: شيء يشبه الخف فيه اتساع، يلبس فوق الخف في البلاد الباردة...).
[3] العلل (7/177).
[4] قد جاء في رواية الشاشي من طريق شبابة: (عن أبي عبدالرحمن السلمي)، ويظهر أن هذا إقحام من بعض الرواة أو النساخ؛ فإنه لم يجئ إلا هنا، ولا يصح.
[5] العلل (7/177).
[6] تهذيب التهذيب (12/172).
[7] نقله مغلطاي -في شرحه على ابن ماجه (2/294)- عن الاستغناء، ولم أقف عليه فيه.
[8] السابق.
[9] الإمام (2/199).
[10] المستدرك (1/170).
[11] التاريخ الكبير (1/390).
[12] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص55).
[13] مسنده (4/212، 213).
[14] إنما علقها الدارقطني في علله، قال (7/182): (ورواه حميد الطويل واختلف عنه، فرواه زهير وزياد بن خيثمة عن حميد...)، وأخشى أن كلمة (وزياد) مقحمة في النسخة، وأن الصواب: (زهير أبو خيثمة).
[15] علل ابن أبي حاتم (1/29).[
[16] سؤالات البرقاني (32)، وفيه: عن أبي رجاء، عن عمه، عن أبي إدريس، وكذا وقع في نسخته الخطية، وصوابه: عن عمه أبي إدريس، كذلك جاء في نقل ابن عساكر هذا النص -في تاريخ دمشق (66/230، 231)-.
[17] سؤالات البرقاني (13، 16).
[18] مسنده (4/213).
[19] العلل (7/182).
[20] التاريخ الكبير (1/390)، العلل (7/180)، معرفة السنن والآثار (1/277، 278).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
بُدئ في الحلقة الماضية بتخريج حديث بلال -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، ومضى منه روايتان عن بلال، وفي هذه الحلقة تخريج ودراسة الرواية الثالثة من الروايات عنه.
ج- الخلاف على الحكم بن عتيبة في حديث بلال:
التخريج:
1- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال:
أخرجه ابن أبي شيبة (219، 1860، 36099) -ومن طريقه مسلم (275) وأبو عوانة في مستخرجه (716) والشاشي (952) والطبراني في الكبير (1/350)-، وأحمد (6/12)، ومسلم (275)، والبزار (1358)، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (122)، وابن خزيمة (180)، وأبو عوانة (715)، وابن المنذر في الأوسط (489)، والشاشي (951، 954، 955)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي في الكبرى (1/61) وفي معرفة السنن (1/279)، جميعهم من طريق أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، وأحمد (6/14)، والبزار (1358)، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (122)، وابن خزيمة (180)، وأبو عوانة (714، 716)، والبغوي في معجم الصحابة (175)، والشاشي (949، 951)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي في الكبرى (1/271) ومعرفة السنن (1/279)، جميعهم من طريق عبدالله بن نمير، ومسلم (275)، وابن ماجه (561)، وابن المنذر في الأوسط (489)، وأبو عوانة (716)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي (1/271)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/430)، جميعهم من طريق عيسى بن يونس، ومسلم (275)، والترمذي (101)، والبغوي في معجم الصحابة (174)، من طريق علي بن مسهر، والروياني (754) عن سفيان بن وكيع، وأبو عوانة (717) من طريق عبيدالله بن عمر القواريري، والطبراني في الكبير (1/350) من طريق عثمان بن أبي شيبة، ثلاثتهم (ابن وكيع والقواريري وعثمان) عن محمد بن فضيل، والشاشي (950) عن الصغاني، عن يحيى بن أبي بكير، عن زائدة بن قدامة، والشاشي (953، 961) من طريق حماد بن شعيب، وعبدالسلام بن حرب، وعلقه الدارقطني في العلل (7/172، 173) عن عبدالرحمن بن مغراء، وأبي عبيدة بن معن، وأبي حمزة السكري، وأبي إسحاق الفزاري، الاثنا عشر راويًا (أبو معاوية، وابن نمير، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وابن فضيل، وزائدة، وحماد، وعبدالسلام، وابن مغراء، وأبو عبيدة بن معن، والسكري، والفزاري) عن الأعمش، وأخرجه ابن أبي شيبة (1930) -ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (266) والطبراني في الكبير (1/350)-، والبزار (1369)، والبغوي في معجم الصحابة (177)، وابن الأعرابي في معجمه (1271)، والخطيب في المتفق المفترق (1740)، جميعهم من طريق يحيى بن يعلى أبي المحياة، عن ليث بن أبي سليم، كلاهما (الأعمش وليث) عن الحكم، وأخرجه الطبراني في الكبير (1/350) من طريق محمد بن فضيل، وعلقه الدارقطني في العلل (7/173) عن علي بن عابس، كلاهما (ابن فضيل وعلي بن عابس) عن يزيد بن أبي زياد، كلاهما (الحكم ويزيد) عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، به، ولفظ ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم: مسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخفين والخمار، وكذا جاء في عامة الروايات عن الأعمش، وعبَّر بعضهم بالعمامة عن الخمار، وجاء في معجم الطبراني (1/350) من طريق ابن أبي شيبة واثنين آخرين عن أبي معاوية عن الأعمش بلفظ: على الموقين والخمار.
وزاد يحيى بن يعلى عن ليث عن الحكم: ومسح من بعده -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر وعثمان.
وجاء في رواية يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والجوربين.
إلا أن عبدالسلام بن حرب ويزيد بن أبي زياد -من رواية علي بن عابس عنه- في روايتيهما عن الأعمش عن الحكم لم يذكرا بلالاً، وجعلاه من مسند كعب بن عجرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال:
أخرجه أحمد (6/15) والبغوي في معجم الصحابة (1/270) والطبراني في الكبير (1/341) من طريق معاوية بن عمرو، وأحمد (6/15) والروياني (739) عن محمد بن إسحاق الصغاني، كلاهما (أحمد والصغاني) عن يحيى بن أبي بكير، والبزار (1359) وابن خزيمة (183) والبغوي في معجم الصحابة (1/270) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (123) من طريق طلق بن غنام، أربعتهم (معاوية بن عمرو، وابن أبي بكير، وأبو أسامة، وطلق) عن زائدة بن قدامة، والبزار (1360) والبيهقي في معرفة السنن (1/280) من طريق عمار بن رزيق، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (123) من طريق طلق بن غنام، عن حفص بن غياث، وعلقه الدارقطني في العلل (7/173) عن روح بن مسافر، وفي الأفراد (1371-أطرافه) عن يحيى بن المنذر، عن موسى بن محمد الأنصاري، وفي الأفراد (1381-أطرافه) عن عافية بن يزيد، وهريم بن سفيان، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن، تسعتهم (زائدة، وعمار، وحفص، وروح، وموسى، وعافية، وهريم، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن) عن الأعمش، عن الحكم، به، ولفظ زائدة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين، وللباقين نحوه، وزاد عمار: والخمار.
3- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة:
أخرجه أبو داود الطيالسي (ص152) -ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن (1/280)-، وأحمد (6/13) والروياني (733) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق محمد بن جعفر غندر، وأحمد (6/13) والنسائي في الصغرى (1/76) والكبرى (124) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق وكيع، وأحمد (6/15) عن عفان، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (7) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق يحيى بن عباد، وابن الصباح في مسند بلال (9) والطبراني في الكبير (1/357) من طريق عاصم بن علي، والبغوي في الجعديات (141) ومعجم الصحابة (171) -ومن طريقه ابن عساكر في معجمه (1150)- والطبراني في الكبير (1/357) من طريق علي بن الجعد، والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق وهب بن جرير، والشاشي (956) من طريق شبابة، و(962) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم، والطبراني في الكبير (1/357) من طريق آدم بن أبي إياس، والربيع بن يحيى الأشناني، والخطيب في تاريخ بغداد (11/136) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (36/383)- من طريق بقية بن الوليد، الثلاثة عشر راويًا (الطيالسي، وغندر، ووكيع، وعفان، ويحيى بن عباد، وعاصم بن علي، وابن الجعد، ووهب، وشبابة، وأبو النضر، وآدم، والربيع، وبقية) عن شعبة بن الحجاج، وعبدالرزاق (736) -ومن طريقه أحمد (6/13، 15) والطبراني في الكبير (1/356)- وابن الأعرابي في معجمه (725) والبيهقي في معرفة السنن (1/280) وابن عساكر في معجمه (1468) من طريق سفيان الثوري، والشاشي (960) من طريق شريك، كلاهما (الثوري وشريك) عن الأعمش، وعبدالرزاق (735) -ومن طريقه الطبراني في الكبير (1/357)- عن عبدالله بن محرر، والحميدي (150) -ومن طريقه الشاشي (957)-، والطبراني في الكبير (1/357) -ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (869)- من طريق إبراهيم بن بشار، كلاهما عن سفيان بن عيينة، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (716) من طريق إبراهيم بن طهمان، وعلقه الدارقطني في العلل (7/176) عن عمر بن يزيد، ثلاثتهم (سفيان وابن طهمان وعمر بن يزيد) عن محمد بنعبدالرحمن بن أبي ليلى، والحميدي (150) -ومن طريقه الشاشي (957)-، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (12) عن علي -لعله ابن المديني-، والطبراني في الكبير (1/357) -ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (869)- من طريق إبراهيم بن بشار، ثلاثتهم (الحميدي، وعلي، وإبراهيم بن بشار) عن سفيان بن عيينة، عن أبان بن تغلب، وأحمد (6/14) والشاشي (958) من طريق عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، والبزار (1368) والبغوي في معجم الصحابة (173) والطبراني في الكبير (1/357) من طريق الحسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن منصور بن المعتمر، والبغوي في معجم الصحابة (176) عن زياد بن أيوب، عن محمد بن فضيل، والدارقطني في الأفراد (1382-أطرافه) من طريق محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، وعلقه في الأفراد (1380-أطرافه) عن إسماعيل بن عياش، عن عبدالعزيز بن عبيدالله، وفيه (1381، 1386-الأطراف) عن العرزمي، وحلو بن السري، وفيه (1381-الأطراف) عن الحسن بن عمارة، وفائد بن كيسان، وفيه (1383-الأطراف) عن خلف بن أيوب، عن قيس، عن واصل بن حيان، وفي العلل (7/174) عن عمر بن عامر، والحجاج بن أرطأة، وإبراهيم بن عثمان، جميعهم -ثمانية عشر راويًا- عن الحكم بن عتيبة، وأخرجه البغوي في معجم الصحابة (178) والشاشي (959) والطبراني في الأوسط (3151) من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى[1]، وابن المنذر في الأوسط (484) من طريق يعلى بن عبيد، وابن بشران في أماليه (443) من طريق يوسف بن خالد، كلاهما عن أبي سعد البقال سعيد بن المرزبان، والطبراني في الكبير (1/357) من طريق داود بن الزبرقان، عن ميمون أبي سفيان، أربعتهم (الحكم، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، والبقال، وميمون) عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، به، ولفظ شعبة عند سائر الرواة عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار، وللباقين نحوه، وعبر بعض الرواة بالعمامة عن الخمار، واقتصر بعضهم على الخفين، إلا أن:
• بقية قال عن شعبة: مسح على الخمار والموقين.
• وزياد بن أيوب زاد عن ابن فضيل عن الأعمش: ومسح من بعده أبو بكر وعمر وعثمان.
• وإبراهيم بن بشار قال عن ابن عيينة عن ابن أبي ليلى وأبان بن تغلب عن الحكم: مسح على الموقين والخمار.
• ومطرف بن طريف قال عن الحكم: مسح على الموقين والخمار.
• ويعلى قال عن أبي سعد البقال: عن ابن أبي ليلى، قال: رأيت بلالاً قضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه وخفيه؛ ذكر الجوربين وأوقف الحديث على بلال.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون الحكم، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على الحكم، وسأجعل الكلام على الروايات التي ذُكر فيها المسح على الموقين في خاتمة المبحث:
أولاً: الخلاف على زائدة بن قدامة:
• رواه الشاشي، عن الصغاني، عن يحيى بن أبي بكير، عن زائدة، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال.
• ورواه الروياني، عن الصغاني، به، بإبدال كعب بن عجرة بالبراء بن عازب.
وتابع الصغاني على الوجه الثاني عن يحيى بن أبي بكير: الإمام أحمد بن حنبل.
وتابع يحيى بنَ أبي بكير عليه ثلاثة ثقات: معاوية بن عمرو، وأبو أسامة، وطلق بن غنام.
فالراجح الوجه الثاني عن زائدة، وهو المشهور به، وإنما يُذكَر من روايته هذا الوجهُ عند سياق الخلاف عن الأعمش.
• وقد رواه الحسين بن علي الجعفي عن زائدة، عن منصور بن المعتمر، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال.
قال البزار: (ولا نعلم روى منصور، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال؛ إلا هذا الحديث، ولا نعلم أحدًا حدث به عن منصور إلا زائدة)[2]، لكن قد علَّق الدارقطني رواية عمرو بن أبي قيس والقاسم بن معن عن منصور به[3]، وعلَّق رواية محمد بن ميسر عن الثوري عن منصور والأعمش به، ولم أجد هذه الروايات مسندة، ورواية الثوري عن منصور خطأ؛ فمحمد بن ميسر ضعيف، وقد رواه غير واحد عن الثوري، عن الأعمش فقط، به.
والحسين بن علي الجعفي الراوي عن زائدة ثقة عابد، كان من أروى الناس عن زائدة، وهذا مما يؤيد صحة روايته، وإن صحت متابعتا عمرو بن أبي قيس والقاسم بن معن لزائدة عن منصور؛ فهو مؤيد آخر لصحة هذه الرواية.
ثانيًا: الخلاف على محمد بن فضيل:
• رواه سفيان بن وكيع وعبيدالله بن عمر القواريري وعثمان بن أبي شيبة عن ابن فضيل، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال.
• ورواه زياد بن أيوب عن ابن فضيل، به، لكنه أسقط كعب بن عجرة، وجعله عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة.
ورواية الجماعة أولى بالصواب من انفراد زياد بن أيوب، وقد أعل الدارقطني رواية زياد، قال: (... ومحمد بن فضيل، واختلف عنه:
فرووه عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال،
ورواه زياد بن أيوب، عن ابن فضيل، فلم يذكر فيه كعبًا.
ولعله سقط عليه أو على من روى عنه)[4].
وقد زاد زياد بن أيوب ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا خطأ؛ فإنه لم يذكر عن الأعمش في أي طريق إلا هذه الطريق، ورواية الناس أصح.
ثالثًا: الخلاف على محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى:
• رواه سفيان بن عيينة وإبراهيم بن طهمان وعمر بن يزيد عنه، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى (أبيه)، عن بلال،
• ورواه عنه يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن أبيه عبدالرحمن بن أبي ليلى مباشرة، عن بلال، أسقط الحكم.
ورواية ابن الهاد قال فيها الطبراني: (لم يروه عن ابن الهاد إلا يحيى -يعني: ابن أيوب- والليث بن سعد)[5]، وقد أخرج الشاشي رواية ابن الهاد من طريق يحيى بن أيوب وابن لهيعة، ولم أجد رواية الليث بن سعد.
ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى ضعيف سيئ الحفظ، وربما كان هذا الاضطراب بإدخال الحكم وإسقاطه منه.
رابعًا: الخلاف على الأعمش:
وهو خلاف واسع في هذا الحديث، حيث روي عن الأعمش على أوجه:
الوجه الأول: رواه أبو معاوية الضرير، وعبدالله بن نمير، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، ومحمد بن فضيل، وحماد بن شعيب، وعبدالرحمن بن مغراء، وأبو عبيدة بن معن، وأبو حمزة السكري، وأبو إسحاق الفزاري؛ عشرتهم عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، ورواية عبدالرحمن بن مغراء فمن بعدَهُ معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.
وتوبع الأعمش على هذا الوجه؛ تابعه ليث بن أبي سليم، وزاد في متنه ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-.
الوجه الثاني: رواه زائدة بن قدامة، وعمار بن رزيق، وحفص بن غياث، وروح بن مسافر، وموسى بن محمد الأنصاري، وعافية بن يزيد، وهريم بن سفيان، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن، تسعتهم عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال،
ورواية روح بن مسافر فمن بعدَهُ معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.
الوجه الثالث: رواه سفيان الثوري، وشريك بن عبدالله، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، وتوبع الأعمش على هذا الوجه؛ تابعه شعبة بن الحجاج، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وغيرهم.
الوجه الرابع: رواه عبدالسلام بن حرب وعلي بن عابس، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يذكرا بلالاً، ورواية علي بن عابس معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.
النظر في الخلاف:
أما الوجه الأخير من هذه الأوجه؛ ففيه نظر، ورواية علي بن عابس لا يُدرَى إسنادها، وعلي ضعيف، وانفراد عبدالسلام بن حرب بهذا الوجه مع كون الناس تختلف عن الأعمش بغيره يفيد خطأه في ذلك، وقد كان لعبدالسلام مع ثقته مناكير، ولعل هذا منها.
وأما الأوجه الأخرى؛ فالخلاف فيها عن الأعمش قوي، ولكل وجه مرجحاته:
فمما يرجح الوجه الأول:
1- اجتماع جماعة من ثقات أصحاب الأعمش عليه، منهم: أبو معاوية الضرير -وهو من أحفظ الناس لحديث الأعمش-، وابن نمير، وعيسى بن يونس، ومحمد بن فضيل.
2- متابعة ليث بن أبي سليم له عليه عن الحكم.
3- احتمال كون إسقاط الواسطة بين ابن أبي ليلى وبلال تقصيرًا ممن رواه، وتقصير من قصِّر بالإسناد لا يؤثر غالبًا بتجويد من جوَّده.
ومما يرجح الوجه الثاني:
اجتماع زائدة وحفص بن غياث -وهما ثقتان ثبتان- وعمار بن رزيق -وهو صدوق- عليه.
ومما يرجح الوجه الثالث:
1- كون رواية سفيان الثوري -وهو الحافظ الثبت الإمام- عليه، مع متابعة شريك له.
2- متابعة شعبة ومنصور وأبان بن تغلب للأعمش عليه عن الحكم، ومتابعة المختلَف عليه تؤيد رجحان الوجه الذي وافقها من الخلاف.
ولقوة هذه المؤيدات اختلفت أنظار الأئمة في الترجيح:
فأما أبو زرعة الرازي، فقال: (الصحيح حديثَ الأعمش: عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب، عن بلال)، وقال: (الأعمش حافظ، وأبو معاوية وعيسى بن يونس وابن نمير، وهؤلاء قد حفظوا عنه)[6].
فأيَّد ترجيح هذا الوجه باجتماع الثقات عليه، وهو يفيد أنهم قد حفظوا هذا الوجه عنه.
وهذا الوجه هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه، إلا أنه أخرجه في الشواهد لا في أصل الباب، وأخَّره في أحاديث المسح، فأشار إلى عدم اعتماده عنده، والله أعلم.
وصححه العلائي من المتأخرين[7].
• وأما أبو حاتم الرازي، فقال: (الصحيح من حديث الأعمش: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب)[8].
وقال إبراهيم الحربي: (ثم اختلف أصحابه -يعني: الأعمش-، فكان ما روى سفيان أحب إليَّ، وليس من قال: كعب بن عجرة؛ بأثبت ممن قال: البراء، ومِنْ سفيان حين لم يذكر كعبًا ولا البراء)[9].
وقال الحافظ أبو الفضل ابن عمار الشهيد: (وروايته -يعني: الثوري- أثبت الروايات)، وقال: (وحديث الثوري عندنا أصح من حديث غيره)[10].
وقال البيهقي: (وإذا اختلف سفيان وغيره في حديث الأعمش؛ كان الحكم لرواية سفيان، كيف وقد رواه شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة كما رواه سفيان، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة؟!)[11].
• وقد أخرج ابن خزيمة الوجهين الأولين عن الأعمش (بواسطة كعب بن عجرة والبراء بن عازب).
وقال البيهقي -بعد أن ساق أوجه الخلاف-: (ومن أقام إسناده ثقات)[12].
وقال ابن منده: (وقد أثبت الأعمشُ في الإسناد كعبَ بن عجرة والبراء من رواية الثقات عنه، فثبت الحديث بروايتهم، وأخرجوه)[13].
• وذهب ابن التركماني من المتأخرين إلى القول باضطراب الحديث، قال: (تركه البخاري لاضطراب إسناده؛ فمنهم من رواه عن ابن أبي ليلى عن بلال بلا واسطة، ومنهم من رواه بواسطة بينهما، واختلفوا فيها؛ فمنهم من أدخل فيها كعب بن عجرة، ومنهم من أدخل بينهما البراء بن عازب)[14].
والحق أن لكل من رجَّح وجهًا قويًّا في ترجيحه، وأكثر الأئمة -كما بان- على ترجيح إسقاط الواسطة.
ولعل الأشبه في ذلك والأرجح -إن شاء الله-: أن الأعمش كان يقصِّر به أحيانًا؛ فلا يذكر واسطة بين ابن أبي ليلى وبلال، ويذكر أحيانًا كعب بن عجرة، وأحيانًا البراء بن عازب، ولعل الأعمش لم يضبط إسناده جيدًا، ويأتي قول الإمام أحمد بن حنبل في ذلك.
خامسًا: الخلاف على الحكم بن عتيبة:
تلخص أنه اختُلف عنه على أوجه:
الوجه الأول: رواية الأعمش، حيث رواه عن الحكم على الأوجه السابق ذكرها.
الوجه الثاني: رواه ليث بن أبي سليم -من رواية أبي المحياة يحيى بن يعلى عنه- عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال،
وتابع الحكمَ على هذا الوجه عن ابن أبي ليلى: يزيد بن أبي زياد، وقال في متنه: (كان يمسح على الخفين والجوربين).
الوجه الثالث: رواه شعبة بن الحجاج، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وجماعةٌ آخرون؛ عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة.
وأكثر روايات الجماعة -سوى من ذُكر- معلقة غير مسندة، أو روايات ضعفاء ومتروكين، وإنما العمدة رواية هؤلاء الأربعة.
وتابع الحكمَ على هذا الوجه عن ابن أبي ليلى: أبو سعد البقال، وميمون أبو سفيان.
دراسة الروايات في الخلاف:
1- الوجه الأول:
وهو رواية الأعمش، حيث اختُلف عنه فيه -كما سبق-، والظاهر أنه لم يضبطه جيدًا، قال الإمام أحمد: (رواه شعبة وزيد بن أبي أنيسة وغير واحد؛ ليس فيه كعب، والأعمش يختلف عنه: زائدة يقول: عن البراء، عن بلال، وغيره يقول: كعب بن عجرة عن بلال)، وقال: (أظن الأعمش غلط فيه، إنما قال الناس: عن ابن أبي ليلى، عن بلال، زاد الأعمش كعبًا)[15].
2- الوجه الثاني:
وهو رواية ليث بن أبي سليم، وليث متكلم فيه، وزاد في هذا الحديث ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا لم يذكره غيره عن الحكم، ثم إنه اضطرب في هذا الحديث؛ فرواه على وجه آخر:
قال ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة: فإن ليث بن أبي سليم يحدث فيضطرب، يحدث عنه يحيى بن يعلى، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر وعمر في المسح.
ورواه معتمر، عن ليث، عن الحكم، وحبيب بن أبي ثابت، عن شريح بن هانئ، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-[16]؟
قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: (ليث لا يشتغل به، في حديثه مثلُ ذي كثيرٌ، هو مضطرب الحديث)[17].
وقال إبراهيم الحربي: (وأما رواية ليث، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب، عن بلال؛ فأحسبه سمعه من الأعمش موافقًا لرواية عيسى وابن فضيل، وقال غير أبي المحياة؛ وهو معتمر: عن ليث، عن الحكم، عن حبيب، عن شريح، عن بلال...)[18].
وأما متابعة يزيد بن أبي زياد للحكم على هذا الوجه؛ فقد اختُلف عن يزيد:
• فرواه ابن فضيل عنه به.
• ورواه علي بن عابس عنه، فأسقط بلالاً، وجعله من مسند كعب بن عجرة.
وعلي بن عابس ضعيف، والأقوى رواية ابن فضيل.
ويزيد ضعيف سيئ الحفظ، ولا يفرح بمتابعته، وقد ذكر فيه الجوربين منفردًا بهذا اللفظ في هذه الرواية على كثرة رواتها، وقد سبق الكلام عليها في تخريج الحديث (52).
3- الوجه الثالث:
اتفق عن الحكم أربعة ثقات: شعبة، ومنصور، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة؛ على روايته عنه، عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، بلا واسطة، وتابعهم غير واحد أيضًا.
وهذا الوجه أقوها عن الحكم؛ لتوافر عدة قرائن:
الأولى: اجتماع الثقات من الرواة عن الحكم عليه.
الثانية: كون رواية شعبة عليه، وشعبة من أثبت الناس في الحكم، بل نصَّ الإمام أحمد على أنه أثبت من الأعمش فيه.
الثالثة: عدم الاختلاف على رواة هذا الوجه إلا اختلافًا يسيرًا.
الرابعة: متابعات الحكم عن ابن أبي ليلى، وهما متابعتان:
إحداهما: متابعة أبي سعد البقال، واختُلف عن أبي سعد:
• فوقفه عنه يعلى بن عبيد، وذكر المسح على الجوربين والخفين،
• ورفعه عنه يوسف بن خالد، وذكر المسح على الخفين والعمامة.
ويوسف بن خالد متروك، وكذَّبه ابن معين، وأما يعلى فثقة، والصحيح روايته.
وأبو سعد ضعيف، وقصر به فوقفه، وذكر الجوربين مكان الخمار، وإن كان حفظه؛ فذِكْرُ الجوربين موقوف على بلال حسب، والصحيح من المرفوع رواية الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى.
الثانية: متابعة ميمون أبي سفيان، والراوي عن ميمون: داود بن الزبرقان، وهو متروك، وكذَّبه بعض الأئمة، فلا شأن لروايته.
ومن ثم؛ فالراجح عن الحكم: الوجه الثالث عنه، وهو روايته عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، وهذا هو ترجيح الأئمة الحفاظ:
فقد سبق ترجيح الإمام أحمد بن حنبل لهذا الوجه.
وقال أبو زرعة الرازي: (من غير حديث الأعمش: الصحيح: عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب، ورواه منصور وشعبة وزيد بن أبي أنيسة، وغير واحد)[19].
وقال أبو حاتم الرازي: (الصحيح ما يقول شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة أيضًا، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب)[20].
وقال إبراهيم الحربي: (وأجمع شعبة ومنصور وحجاج وأبان بن تغلب وابن أبي ليلى أنه عن ابن أبي ليلى، عن بلال...، وهذا عندي -والله أعلم- هو القولُ؛ لعلم شعبة بحديث الحكم، وكثرة مجالسته إياه، وتثبت منصور، وقلة الاختلاف عنه، ولكثرة من وافقهما، ولأنه لم يوافق الأعمش من ينتفع به)[21].
وختم النسائي بهذا الوجه الباب بعد أن أسند الوجهين الأولين، مشعرًا برجحانه عنده؛ حيث كان ذلك من منهجه[22].
وقال أبو الفضل ابن عمار الشهيد -بعد أن رجح رواية الثوري عن الأعمش-: (وقد رواه عن الحكم غير الأعمش أيضًا: شعبة ومنصور بن المعتمر وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة وجماعة، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، كما رواه الثوري عن الأعمش)[23].
وسبق كلام البيهقي في ترجيح هذا الوجه حين رجح رواية الثوري عن الأعمش.
وإذا تقرر ذلك؛ فالحكم لم يدرك بلالاً ولم يلقه، قاله الشافعي وابن عمار الشهيد والبيهقي وغيرهم[24]، وقد ولد الحكم سنة خمسين أو قبلها بقليل، وأما بلال فتوفي سنة عشرين أو قبلها بقليل، فتحقق الانقطاع.
النظر في الروايات التي ورد فيها ذكر المسح على الموقين:
الأولى: رواية الطبراني من طريق ابن أبي شيبة ومحمد بن سعيد الأصبهاني وإبراهيم بن بشار الرمادي عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الحكم:
هكذا أخرجه الطبراني من طريق هؤلاء؛ فأما ابن أبي شيبة؛ فالثابت في مصنفه لفظ: (الخفين والخمار)، وكذلك ذكره كافة من رواه من طريق ابن أبي شيبة، وأما محمد بن سعيد الأصبهاني؛ فقد رواه أبو عوانة والشاشي من طريقين عنه بلفظ (الخفين)، ولم أجد من رواه من طريق إبراهيم بن بشار سوى ما هنا، إلا أن الخطأ في لفظ الروايتين الأوليين قرينة على وقوع الخطأ في لفظ هذه الرواية.
وحتى لو صح عن هؤلاء هذا اللفظ؛ فقد رواه جماعة كثيرون عن أبي معاوية، وعن الأعمش، بذكر الخفين لا الموقين.
وأصل رواية الأعمش غير محفوظة -كما تبين-.
الثانية: رواية بقية بن الوليد، عن شعبة، عن الحكم:
وقد خالفه اثنا عشر من أصحاب شعبة كلهم ذكرو الخفين والخمار -أو العمامة-، وانفراد بقية بذكر الموقين خطأ.
الثالثة: رواية ابن عيينة، عن ابن أبي ليلى وأبان بن تغلب، عن الحكم:
قال إبراهيم بن بشار عن ابن عيينة في هاتين الروايتين: مسح على الموقين والخمار، وخالفه الحميدي، فذكر المسح على الخفين والخمار، ورواية الحميدي أولى، ولابن بشار أخطاء عن ابن عيينة.
الرابعة: رواية مطرف بن طريف، عن الحكم:
وهي من رواية محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، وقد أعلها الدارقطني إسنادًا، قال: (والمحفوظ: عمرو، عن منصور، عن الحكم، عنه)[25].
ولم أجد من رواه على الوجه المحفوظ عن عمرو، إلا أن الخطأ في الإسناد يسوق إلى الخطأ في المتن، وكافة الروايات عن الحكم ليس فيها ذكر الموقين.
يتلوه -بإذن الله-: تخريج روايتي مكحول الشامي ومحمد بن سيرين، ودراسة الخلاف عليهما في حديث بلال، والترجيح في ذلك.
ـــــــــــــــ ــــــ
[1] سماه البغوي: عبدالرحمن بن أبي ليلى، وبنى عليه الحكم بالإرسال، قال: (وهو عندي مرسل؛ لأن ابن الهاد لا أحسب سمع من ابن أبي ليلى)، إلا أنه جاء مسمى في رواية الشاشي والطبراني: محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وهو أولى؛ فإنه رواه هنا عن أبيه (عبدالرحمن بن أبي ليلى)، ولا تُعرف لعبدالرحمن رواية عن أبيه.
[2] مسنده (4/205).
[3] العلل (7/174).
[4] العلل (7/172، 173).
[5] المعجم الأوسط (3/282).
[6] علل ابن أبي حاتم (1/16).
[7] جامع التحصيل (ص226).
[8] العلل (1/16).
[9] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292).
[10] علل أحاديث في صحيح مسلم (7).
[11] معرفة السنن والآثار (1/280).
[12] السنن الكبرى (1/271).
[13] الإمام، لابن دقيق العيد (1/556).
[14] الجوهر النقي (1/61).
[15] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/291، 292).
[16] أخرجه الطبراني في الكبير (1/358) من طريق مسدد، عن معتمر، به، وقد اختُلف على معتمر، انظر: المعجم الأوسط، للطبراني (3214)، أطراف الغرائب والأفراد (1380).
[17] العلل (1/16).
[18] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292، 293). وانظر في اضطراب ليث في هذا الحديث، وإدخاله بعض الأحاديث في بعض: علل الدارقطني (3/233، 7/171، 172).
[19] علل ابن أبي حاتم (1/16).
[20] علل ابنه (1/16).
[21] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292).
[22] انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/625).
[23] علل أحاديث في صحيح مسلم (7).
[24] علل أحاديث في صحيح مسلم (7)، معرفة السنن والآثار (1/277، 280)، السنن الكبرى (1/271).
[25] أطراف الغرائب والأفراد (1/266).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقتين الماضيتين ثلاث روايات في حديث بلال بن رباح - رضي الله عنه - في المسح على الموقين، ومضى تخريج الخلاف والدراسة والترجيح فيها.
وفي هذه الحلقة تخريج روايتين من من روايات الحديث، وهما رواية مكحول الشامي، ومحمد بن سيرين.
د- الخلاف على مكحول الشامي في حديث بلال:
التخريج:
1- مكحول، عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال:
أخرجه سعيد بن منصور في سننه -كما في تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (1/346)-، والبزار (1380)، والدولابي في الكنى والأسماء (445)، والطبراني في الكبير (1/360، 361)، وفي مسند الشاميين (1364، 1372، 3579)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/481، 482، 66/122)، من طريق أبي وهب عبيدالله بن عبيد الكلاعي، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (10)، والبغوي في الجعديات (3401) ومعجم الصحابة (179) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/122)-، والطبراني في الكبير (1/360) ومسند الشاميين (201، 3578)، وابن عدي في الكامل (4/282)، من طريق علي بن الجعد، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه ثابت بن ثوبان، وابن أبي خيثمة في تاريخه (4655-السفر الثاني) -وعنه الشاشي (970)-، والطبراني في الشاميين (3581) عن محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، كلاهما (ابن أبي خيثمة ومحمد بن عثمان) عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عن المغيرة بن زياد، والطبراني في الكبير (1/361) من طريق الهيثم بن حميد، وفيه (1/361) وفي الشاميين (1520) وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/481) من طريق يحيى بن حمزة، كلاهما (الهيثم ويحيى بن حمزة) عن العلاء بن الحارث، والروياني (736) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482)-، والطبراني في الكبير (1/361) والشاميين (3580)، من طريق إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، والطبراني في الكبير (1/362) من طريق النعمان بن المنذر، وفي الشاميين (1442) من طريق هشام بن خالد الأزرق، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482) من طريق عمرو بن عثمان، كلاهما (هشام وعمرو بن عثمان) محمد بن عبدالله الشعيثي، والهروي في ذم الكلام وأهله (432) من طريق محمد بن يزيد الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق (66/121) من طريق سعيد بن عبدالعزيز، وعلقه الدارقطني في العلل (7/181) عن محمد بن إسحاق، عشرتهم (أبو وهب الكلاعي، وثابت بن ثوبان، والمغيرة بن زياد، والعلاء بن الحارث، وابن أبي فروة، والنعمان بن المنذر، والشعيثي، ومحمد بن يزيد، وسعيد بن عبدالعزيز، وابن إسحاق) عن مكحول، واختلفوا في صيغة الرواية عنه:
فقال أبو وهب عبيدالله بن عبيد الكلاعي: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل بن سهيل، قالا: سألنا بلالاً عن المسح، فذكره، واقتصر بعض الرواة عن أبي وهب على الحارث الكندي، وقال ثابت بن ثوبان: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وسهيل بن أبي جندل، أنهما سألا بلالاً عن المسح، فذكره، وقال المغيرة بن زياد -في رواية ابن أبي خيثمة، عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عنه-: عن مكحول، أن الحارث بن معاوية وأبا جندل بن سهيل قال أحدهما لصاحبه: حتى يجيء بلال، فنسأله عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء... فذكر الحديث.
وقال المغيرة - في رواية محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، عن أحمد بن يونس، به-: عن مكحول، عن الحارث وأبي جندل، عن بلال، وقال العلاء بن الحارث -في رواية الهيثم بن حميد عنه-: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية[1]، قال: كان هو ورجل من قريش يتوضآن من مطهرة المسجد، فتنازعا في المسح على الخفين، فقال بلال...، فذكره، وقال العلاء -في رواية يحيى بن حمزة عنه-: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال، وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية، عن بلال، وقال النعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد الدمشقي: عن مكحول، عن بلال.
وقال محمد بن عبدالله الشعيثي - في رواية هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عنه-: عن مكحول، عن أبي جندل بن عمرو بن سهيل وعن الحارث بن معاوية الكندي، أنهما كانا يتوضآن عند ميضأة مسجد دمشق، إذ أقبل بلال...، فذكره.
وقال الشعيثي - في رواية عمرو بن عثمان عن الوليد عنه -: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي، عن بلال.
وقال سعيد بن عبدالعزيز: عن مكحول، قال: كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن...، فمر بهما بلال، فسألاه...، فذكره.
وقال محمد بن إسحاق: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وصاحب له، عن بلال.
وأما المتن، فقد ذُكر مسح الموقين في أكثر الروايات عن مكحول، واختُلف في جعله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو فعله:
فجاءت رواية إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة عن أبي وهب الكلاعي عن مكحول من قوله.
ورواية الهيثم بن حميد وسويد بن عبدالعزيز عن أبي وهب من فعله.
ورواية ثابت بن ثوبان ومحمد بن عبدالله الشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز عن مكحول من قوله.
ورواية المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث وإسحاق بن أبي فروة والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد عن مكحول من فعله.
ولم يسق الدارقطني لفظ محمد بن إسحاق.
واختلفت ألفاظهم في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فورد: «امسحوا على الخفين والموق»، و: «امسحوا على الخمر والموق»، و: «امسحوا على النصيف والموق»، و: «امسحوا على الخفين والخمار»، و: «تمسحوا على الأمواق والنصف».
وأخرجه عبدالرزاق (737) -ومن طريقه أحمد (6/12) والطبراني (1/352)-، وأحمد (6/12، 14)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/188، 189)، من طريق محمد بن راشد، والطبراني في الكبير (1/352)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/189)، من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن معاذ بن محمد، عن الأوزاعي، كلاهما (محمد بن راشد والأوزاعي) عن مكحول، عن نعيم بن همار، عن بلال، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «امسحوا على الخفين وعلى الخمار»، لفظ عبدالرزاق عن محمد بن راشد، وجاء لفظ رواية الأوزاعي فعليًّا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون مكحول، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على مكحول:
أولاً: الخلاف على المغيرة بن زياد:
اختُلف عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عن المغيرة:
• فقال ابن أبي خيثمة، عنه، به: عن مكحول، أن الحارث بن معاوية وأبا جندل بن سهيل قال أحدهما لصاحبه: حتى يجيء بلال، فنسأله عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء... فذكر الحديث،
• وقال محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، عن أحمد بن يونس، به: عن مكحول، عن الحارث وأبي جندل، عن بلال.
ولفظ الأداء في رواية ابن أبي خيثمة يفيد أن مكحولاً يحكي القصة التي وقعت بين الحارث وأبي جندل وبلال، وأما لفظ محمد بن عثمان بن سعيد فإنه يجعل مكحولاً يروي ذلك عن الرجلين، وهما يرويان له حديث بلال لهما مرفوعًا.
وابن أبي خيثمة أحفظ وأضبط؛ فإنه من الحفاظ الأثبات المشاهير، وروايته في تفصيلها أولى وأصح من الرواية المجملة المختصرة.
ثانيًا: الخلاف على العلاء بن الحارث:
اختُلف عنه:
• فقال الهيثم بن حميد عنه، عن مكحول: عن الحارث بن معاوية، قال: كان هو ورجل من قريش يتوضآن من مطهرة المسجد، فتنازعا في المسح على الخفين، فقال بلال...، فذكره،
• وقال يحيى بن حمزة عنه، عن مكحول: عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال.
وهذا الخلاف كسابقه؛ فإن الظاهر من رواية الهيثم بن حميد حكاية مكحول لقصة الحارث بن معاوية وصاحبه القرشي - وهو أبو جندل - مع بلال.
والظاهر أن يحيى بن حمزة قد اختصر الحديث، وأجمل الإسناد، وقد قُدِّم الهيثم بن حميد على يحيى في الحديث، ووصف بأنه أشد تحفُّظًا.
ثالثًا: الخلاف على محمد بن عبدالله الشعيثي:
اختُلف عن الوليد بن مسلم، عنه:
• فقال هشام بن خالد الأزرق عن الوليد: عن مكحول، عن أبي جندل بن عمرو بن سهيل وعن الحارث بن معاوية الكندي، أنهما كانا يتوضآن عند ميضأة مسجد دمشق، إذ أقبل بلال...، فذكره،
• وقال عمرو بن عثمان عن الوليد: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي، عن بلال.
وسياقة هشام بن خالد تفيد حكاية مكحول للقصة، وسياقة عمرو بن عثمان تفيد روايته إياها عن الحارث بن معاوية.
ورواية هشام بن خالد أطول أكثر تفصيلاً، فقد ساق القصة كاملة، وسؤال الرجلين لبلال، وجوابهما له، وأما رواية عمرو بن عثمان فمختصرة مجملة، والظاهر أن هشام بن خالد أكثر ضبطًا لهذا الحديث، وروايته أولى بالصواب عن الشعيثي.
رابعًا: الخلاف على مكحول:
تلخص مما سبق أنه اختُلف عن مكحول على أوجه:
• فرواه عبيدالله بن عبيد الكلاعي عن مكحول، عن أبي جندل بن سهيل والحارث بن معاوية، عن بلال.
• ورواه ثابت بن ثوبان عن مكحول، عن سهيل بن أبي جندل والحارث بن معاوية، عن بلال.
• ورواه محمد بن إسحاق عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وصاحب له، عن بلال.
• ورواه إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة عن مكحول، عن الحارث بن معاوية فقط، عن بلال.
• ورواه المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد الدمشقي ومحمد بن عبدالله الشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز عن مكحول، عن بلال، حيث ذكر المغيرة والعلاء والشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز القصةَ من كلام مكحول، فكأنه رواه عن بلال مباشرة.
• ورواه محمد بن راشد والأوزاعي - من رواية معاذ بن محمد عنه - عن مكحول، عن نعيم بن همار، عن بلال.
والأوجه الأربعة الأولى كالوجه الواحد، سوى أن ثابت بن ثوبان قلب اسم أبي جندل بن سهيل خطأً، قال الدارقطني: (فرواه ثابت بن ثوبان والعلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي جندل بن سهيل والحارث بن معاوية، عن بلال، قال ذلك العلاء بن الحارث، وقال ابن ثوبان: سهيل بن أبي جندل، وقول العلاء بن الحارث أشبه بالصواب)[2]، وسوى أن ابن إسحاق أبهم اسم أبي جندل بن سهيل، قال الدارقطني: (وقال ابن إسحاق عن مكحول، عن الحارث بن معاوية، وصاحب له -لم يسمه-، وهو أبو جندل بن سهيل)[3]، وسوى أن ابن أبي فروة اقتصر على الحارث بن معاوية.
ورواة هذه الرواية مختلفو الرتب، فأوثقهم ثابت بن ثوبان، وهو ثقة، والكلاعي وابن إسحاق صدوقان، وأما ابن أبي فروة فمتروك لا يشتغل بروايته.
وأما رواة الوجه الآخر؛ فمع كونهم أكثر؛ فإن فيهم المقدمون في مكحول: العلاء بن الحارث وسعيد بن عبدالعزيز.
ورواية الوجه الثاني بكون مكحول يحكي قصة أبي جندل والحارث بن معاوية مع بلال= تبيِّن سبب دخول الخلل على من رواه على الوجه الأول؛ حيث إن مكحولاً إنما يروي القصة من تلقاء نفسه، فظن بعضهم أنه يرويها عمَّن حصلت له، أو اختصر الأمر وأجمل الإسناد؛ فرواه كذلك، وهو خطأ.
وأما رواية محمد بن راشد والأوزاعي عن مكحول، فمحمد بن راشد صدوق له مناكير، ولا تصح رواية الأوزاعي؛ إذ إن راويها عنه (معاذ بن محمد) ضعيف، في حديثه وهم، وربما اختلط عليه حديث محمد بن راشد بحديث الأوزاعي[4]، ولعل هذا الحديث من ذلك، فمدار رواية مكحول عن نعيم بن همار عن بلال على محمد بن راشد، وهو المعروف بها، ورواية الأوزاعي غريبة.
ومن ثم، فالراجح عن مكحول: رواية الأكثر والأوثق عنه، وهي روايته الحديث بقصَّته عن بلال مباشرة.
ومكحول متأخر عن إدراك بلال -رضي الله عنه-، ونص على كون روايته عنه مرسلة: الدارقطني[5]، بل قد نُصَّ على أن مكحولاً لم يسمع إلا من بعض آحاد الصحابة، ليس أحدهم بلال.
وأما المتن، فقد اجتمع المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد من رواة الوجه الراجح على جعله من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله، وهو الأصح عن مكحول، والعلاء بن الحارث من أعلى أصحاب مكحول وأوثقهم فيه.
وقد ذكر المغيرة والعلاء المسح على الموقين، ولعل ذكر ذلك صحيح عن مكحول.
هـ- الخلاف على محمد بن سيرين في حديث بلال:
التخريج:
1- محمد بن سيرين، عن أبي جندل بن سهيل، عن بلال:
أخرجه البزار (1379)، والشاشي (969)، والطبراني في الكبير (1/362)، من طريق سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عن قتادة، وعلقه الدارقطني في العلل (7/179) عن الجريري، كلاهما (قتادة والجريري) عن محمد بن سيرين، به، بلفظ: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار، ولفظ البزار: على الخفين والخمار، إلا أن الجريري أبهم اسم أبي جندل، فقال: عن محمد بن سيرين، عن رجل رأى بلالاً...
2- محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب، عن بلال:
أخرجه الدارقطني في الأفراد (1389-أطرافه) من طريق عمار بن مطر، عن أبي هلال، عن محمد بن سيرين، به، بلفظ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والعمامة.
3- محمد بن سيرين، عن بلال:
أخرجه عبدالرزاق (733) عن هشام بن حسان، وعلقه الدارقطني في العلل (7/179) عن يونس بن عبيد، كلاهما عن ابن سيرين، به، ولفظ عبدالرزاق: قال ابن سيرين: دخل رجل على بلال[6] وهو يتوضأ تحت مثعب، فمسح على خفيه، فقال له الرجل: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.
دراسة الأسانيد:
اختُلف عن محمد بن سيرين:
• فرواه قتادة - من رواية سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عنه - والجريري عن ابن سيرين، عن أبي جندل، عن بلال، وأبهم الجريري أبا جندل.
• ورواه أبو هلال - من رواية عمار بن مطر عنه - عن ابن سيرين، عن كثير بن أفلح، عن بلال.
• ورواه هشام بن حسان ويونس عن ابن سيرين، عن بلال مباشرة.
ورواية قتادة قال فيها البزار: (ولا نعلم روى هذا الحديث عن قتادة إلا عمر بن عامر)[7]، وقال الدارقطني: (غريب من حديث قتادة عن ابن سيرين عن أبي جندل عن بلال، تفرد به عمر بن عامر قاضي البصرة عنه، وتفرد به سالم بن نوح عن عمر)[8]، وسالم بن نوح اختُلف في أمره، وعمر بن عامر المتفرد به عن قتادة صدوق له أوهام، وله مناكير عن قتادة، والظاهر أن هذه الرواية من ذلك؛ لتفرده عن قتادة دون أصحابه الثقات، ولتأديته بقتادة أن يخالف الأثبات عن ابن سيرين.
وأما رواية الجريري؛ فقد علقها الدارقطني ممرضة، قال: (وقيل عن الجريري...)، وهذا إشعار بعدم ثبوتها عنه، ولم أجدها مسندة، والجريري اختلط، ولا بد من تمييز الراوي عنه لتحديد روايته قبل الاختلاط أم بعده، وليس هنا ما يدل على ذلك.
وأما الوجه الثاني عن ابن سيرين، فقد قال فيه الدارقطني: (تفرد به عمار بن مطر، عن أبي هلال، عن محمد بن سيرين، عن كثير)[9]، وعمار بن مطر هالك متهم بالكذب[10].
فالراجح عن ابن سيرين إذن: رواية هشام بن حسان ويونس بن عبيد؛ إذ إن هشامًا من أثبت الناس في محمد بن سيرين، ووافقه يونس بن عبيد، وهو من الثقات الأثبات.
وابن سيرين لم يدرك بلالاً، فإنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقد توفي بلال قبل ذلك بمدة.
ولم يذكر في لفظ الرواية الراجحة المسح على الموقين، بل ذكر المسح على الخفين والخمار، وذلك هو الصحيح عن ابن سيرين.
يتلـوه -إن شاء الله- روايات أسامة بن زيد، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وعلي بن أبي طالب؛ ثلاثتهم عن بلال، ثم ختام الكلام على حديث بلال بخلاصةٍ فيها الراجح فيه.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] جاء في مطبوعة المعجم الكبير ونُسخِهِ في هذا الموضع: عن الحارث بن معاوية، عن معاوية الكناني، والظاهر أن غلط، وصوابه: عن الحارث بن معاوية الكندي.
[2] العلل (7/180، 181).
[3] العلل (7/181).
[4] انظر: ضعفاء العقيلي (4/202)، لسان الميزان (6/55).
[5] العلل (7/182).
[6] شك عبدالرزاق في كونه بلالاً أو أسامة، ولعل صوابه أن يكون هو بلال؛ لشهرة هذا الحديث عنه، ولكونه مرويًّا عن ابن سيرين من وجه آخر عن بلال.
[7] مسنده (4/213).
[8] أطراف الغرائب والأفراد (1/267).
[9] أطراف الغرائب والأفراد (1/267).
[10] انظر: لسان الميزان (4/275).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
ما شاء الله ,, تباركَ الله ,,
جهدٌ مبارك, أسأل الله أن ينفع به , وأن يجزل لكم المثوبة..
هل من الممكن أن يوضع هذا التخريج على ملف ( pdf ) أو ملف وورد ؛ حتى تسهل طباعتها والاستفادة منها بشكل أفضل.
وجزيتم الجنة..
وبلغنا الله وإياكم شهر الصيام والقيام, وجعلنا فيه من المقبولين.. آمين
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقات السابقة دراسة خمس طرق في حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، وفي هذه الحلقة دراسةُ ثلاثِ الطرق الباقية من الحديث، وخلاصة الكلام فيه.
و- الخلاف على زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال:
التخريج:
أخرجه الشافعي الأم (1/70) -ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن (1/281، 2/99)-، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1986) -ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4117)-، والطبراني في الكبير (1/351)، من طريق بكر بن عبدالوهاب، والنسائي في الصغرى (1/81) والكبرى (126) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (11/144) والمراغي في مشيخته (ص352-354)- من طريق سليمان بن داود، وعبدالرحمن بن إبراهيم دحيم، وابن خزيمة (185) -ومن طريقه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (370)-، والبيهقي في السنن (1/274) ومعرفة السنن (1/281، 2/100)، وابن عبدالبر في التمهيد (11/144، 145)، من طريق يونس بن عبدالأعلى، ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم، وقاسم بن أصبغ في مصنفه -كما نقل عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (1/474)، ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (11/143) والاستذكار (2/245)- من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح[1]، وابن حبان (1323) من عن أبي يعلى، والحاكم (1/151) من طريق علي بن الحسين بن الجنيد، كلاهما عن محمد بن إسحاق المسيبي[2]، وأبو بكر المراغي في مشيخته (ص353، 354) من طريق إسحاق بن بهلول، تسعتهم (الشافعي، وبكر بن عبدالوهاب، وسليمان بن داود، ودحيم، ويونس، وابن عبدالحكم، وأبو الطاهر ابن السرح، والمسيبي، وإسحاق بن بهلول) عن عبدالله بن نافع، والطبراني في الأوسط (8831) من طريق خالدبن نزار، والحاكم (1/151) -وعنه البيهقي في معرفة السنن (2/100)- من طريق أحمد بن محمد بن نصر[3]، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، ثلاثتهم (عبدالله بن نافع وخالد بن نزار وأبو نعيم) عن داود بن قيس، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1985) -ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4116)-، والشاشي (967) عن شعيب بن الليث، وابن عدي في الكامل (4/272) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4116) من طريق عمر بن سعيد بن سنان، وابن عدي (4/272) عن سعيد بن محمد البكراوي، وتمام في الفوائد (613) من طريق الحسن بن جرير، خمستهم (ابن أبي عاصم وشعيب بن الليث وابن سنان والبكراوي والحسن بن جرير) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، وابن قانع في معجم الصحابة (2/128)، والطبراني في الكبير (1/171، 351، 14/394)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/81)، من طريق أبي مصعب الزهري، كلاهما (ابن كاسب وأبو مصعب الزهري) عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، والشاشي (968) عن أبي بكر الصغاني، عن أبي صالح كاتب الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، والحاكم (1/151) من طريق محمد بن إسحاق المعمري، عن عبدالله بن نافع، عن مالك، وعلقه الطبراني في الأوسط (8/347) عن الدراوردي، خمستهم (داود بن قيس وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال ومالك والدراوردي) عن عطاء بن يسار، واختلفوا في صيغة الرواية عنه:
فقال داود بن قيس عن زيد بن أسلم: عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلال، فذهب لحاجته، ثم خرجا، فسألت بلالاً... فذكر المسح على الخفين، هذا لفظ الشافعي عن عبدالله بن نافع عن داود، وللباقين نحوه، واختصره بعضهم بدون ذكر القصة، وقال يعقوب بن حميد بن كاسب عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال وعبدالله بن رواحة، أن النبي توضأ في دار حمل، فمسح...
وقال أبو مصعب الزهري عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن رواحة وأسامة بن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل دار حمل هو وبلال، فخرج إليهما بلال فأخبرهما... فذكر الوضوء والمسح.
وقال سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم: عن عطاء بن يسار، أن ابن رواحة وأسامة بن زيد أرادا أن يتوضيا، وقد دخل بلال بوضوء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما للآخر: حتى يخرج بلال فيخبرنا كيف توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال -يعني: بلال-:... فذكر الوضوء والمسح.
ولم يسق الطبراني إسناد الدراوردي.
وأما المتن، فقد ذكر المسح على الموقين في بعض طرق رواية عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه فحسب، وأما داود بن قيس وسعيد بن أبي هلال؛ فذكرا المسح على الخفين، وزاد سعيد: والخمار.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون زيد بن أسلم، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على زيد:
أولاً: الخلاف على عبدالله بن نافع:
♦ رواه الشافعي وبكر بن عبدالوهاب وسليمان بن داود ودحيم ويونس بن عبدالأعلى ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم وأبو الطاهر ابن السرح وإسحاق بن بهلول، عن عبدالله بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد، به.
♦ ورواه محمد بن إسحاق المسيبي وحده -في رواية علي بن الحسين بن الجنيد عنه-، عن عبدالله بن نافع، عن داود ومالك بن أنس، عن زيد، به، زاد مالكًا في الإسناد.
والمسيبي من جملة الثقات، إلا أن انفراده من بين حفاظ كالشافعي ودحيم ويونس ونحوهم= محل نكارة وغلط، ولو كان الحديث عند مالك لاشتهر عنه وانتشر، وقد كان الثقات يُغَلَّطون في قرن الرواة؛ لحاجة ذلك إلى دقَّة ومزيد تثبت.
وقد نصَّ الحاكم عقب تخريجه على صحته من حديث مالك بن أنس، وفي ذلك نظر ظاهر -كما تبيَّن-.
ثانيًا: الخلاف على عبدالرحمن بن زيد بن أسلم:
♦ رواه يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال وعبدالله بن رواحة، أن النبي توضأ في دار حمل، فمسح...
♦ ورواه أبو مصعب الزهري، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن رواحة وأسامة بن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل دار حمل هو وبلال، فخرج إليهما بلال فأخبرهما... فذكر الوضوء والمسح.
فجعل يعقوب بن حميد الحديث من مسند عبدالله بن رواحة وبلال، ورواه عنهما أسامة بن زيد، وجعل أبو مصعب الحديث من مسند بلال، ورواه عنه أسامة وابن رواحة.
والرجلان صدوقان -على خلاف في ابن كاسب-، وأوثقهما أبو مصعب، إلا أن شيخهما عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جدًّا، والظاهر أن هذا الاضطراب منه.
ثالثًا: الخلاف على زيد بن أسلم:
♦ رواه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه على الوجهين المذكورين سابقًا، وفيهما ذكر عبدالله بن رواحة.
♦ ورواه داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال.
♦ ورواه سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن ابن رواحة وأسامة بن زيد أرادا أن يتوضيا...، فقال بلال:... فذكره، وهذا يفيد أن زيد بن أسلم يحكي القصة الواقعة، وينقل فيها قول بلال، فكأنه رواه مباشرة عن بلال.
فأما رواية عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، فقد سلف أنه ضعيف جدًّا، وروايته هذه منكرة على اضطرابه فيها، قال الإمام أحمد -لما سئل عن هذه الراوية-: (ليس بصحيح، ولم يكن عبدالرحمن بصحيح الأحاديث، وهو متروك الحديث)[4]، وقال الدارقطني -بعد أن ذكر وجه أبي مصعب عن عبدالرحمن بن زيد-: (لا يثبت هذا القول)[5].
ورواية سعيد بن أبي هلال لم يروها -فيما وجدت- إلا عبدالله بن صالح كاتب الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد، ولم أجد خرج هذا الإسناد إلا الشاشي.
وهذا الإسناد من الأسانيد المصرية الصحيحة، وقد خرج به البخاري عدة أحاديث في صحيحه، وفي تفرد كاتب الليث -مع الكلام في ضبطه- بإسنادٍ كهذا نظر، خاصة أن الحديث كما قال الحاكم: (مشهور بداود بن قيس الفراء)[6]، ومن طريقه أخرجه الأئمة في كتب السنة المشهورة، كالنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.
ولعل الحديث قد أُدخل على كاتب الليث فتركَّب له هذا الإسناد، فرواه كذلك للصغاني، ومن قرائن ذلك: أن في رواية سعيد بن أبي هلال ذكر عبدالله بن رواحة، وهو ما جاء به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، والله أعلم.
وبقيت رواية داود بن قيس، وهو من الثقات العباد، وقد جاءت رواية من طريق ثلاثة من الرواة:
الأول: عبدالله بن نافع:
وعنه انتشر الحديث، ورواه الحفاظ كالشافعي ودحيم وغيرهم.
وعبدالله بن نافع هو الصائغ المدني، وهو من فقهاء المدينة، وقد اختلفت فيه أقوال الأئمة، فوثقه بعضهم مطلقًا، وتكلم فيه بعضهم مطلقًا، وتوسط فيه بعض، وفرق بعضهم بين ما حدث به من حفظه وما حدث به من كتابه، وقُدِّم في الرواة عن مالك، وقال الدارقطني: (يعتبر به).
ولعل الصواب في أمره استخلاصًا من كلام الأئمة أن يكون حديثه مراتب:
فما حدث به من حفظه ينُظر فيه، فإن توبع عليه صحَّ، وإن تفرد به ودلت القرائن على نكارته كان منكرًا، وإلا بقي ضعيفًا صالحًا.
وما حدث به من كتابه فهو مستقيم.
وما حدث به عن مالك فإنه حسن لا بأس به، ما لم يخالف أصحاب مالك.
وليس حديثه هذا عن مالك، ولم أجد في الروايات عنه ما يدل على أنه حدث به من كتابه.
لكن ثم قرينتان تدلان على أنه حفظ الحديث وضبطه:
1- فقد صحح حديثَه هذا الأئمةُ وقبلوه، فصححه محمد بن عبدالله بن عبدالحكم فقيه مصر -وهو أحد رواته-[7]، واجتباه النسائي في المجتبى، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وصححه الحاكم، وحسنه الجورقاني[8]، وقال ابن عبدالبر: (حديث ابن نافع هذا معروفٌ عند أهل المدينة ومصر، رواه ثقات الفقهاء)[9].
2- ثم إنه قد توبع -كما سيأتي-.
الثاني -عن داود بن قيس-: أبو نعيم الفضل بن دكين:
وقد تفرد عنه -فيما وجدت-: أحمد بن محمد بن نصر أبو نصر اللباد، وهو من طبقة شيوخ شيوخ الحاكم، وقد ترجم له الحاكم في تاريخ نيسابور، فقال: (شيخ أهل الرأي في عصره، ورئيسهم)[10]، ولم أجد في ضبطه وحفظه كلامًا، وقد روى كثيرًا عن أبي نعيم وغيره، وصحح الحاكم أحاديثَ عددًا من طريقه، فلعله صدوق في روايته.
إلا أن روايته في هذا الحديث عن أبي نعيم غريبة جدًّا؛ ولم تأتِ عن أبي نعيم إلا من طريق هذا الراوي، مع شهرة أبي نعيم وكثرة أصحابه من الأئمة الحفاظ، ولو كان أبو نعيم يروي الحديث عن داود بن قيس؛ لكانت روايته أولى بالشهرة والانتشار من رواية عبدالله بن نافع، إذ أبو نعيم ثبت حافظ، وقد سبق الكلام في عبدالله بن نافع.
ففي رواية أبي نعيم نظر، ولعله وقع فيها تصحيف أو دخول حديث في حديث، والله أعلم.
الثالث: خالد بن نزار:
وهو ثقة له أخطاء وغرائب[11]، ورواه عنه المقدام بن داود، وقد تُكُلِّم في حديث المقدام بعامة، وفي حديثه عن خالد بن نزار خاصة، قال محمد بن يوسف الكندي: (لم يكن بالمحمود في روايته عن خالد بن نزار؛ وذلك لأنهم سألوه عن مولده، فأخبرهم، ثم نظروا إلى الإسطوانة على رأس خالد بن نزار، فإذا سن المقدام يومئذ أربعة أعوام أو خمسة)، وردَّه ابن حجر، قال: (وهذا جرح هين، فلعله سمع عليه وهو صغير)[12].
ولعل هذه الرواية صالحة للاعتبار، ومؤيدة لرواية عبدالله بن نافع، عن داود بن قيس.
كما أن الطبراني قد علَّق رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم -متابعًا لداود بن قيس-، ولم أجدها مسندة، وهي إن صحت مؤيدة لصحة رواية عبدالله بن نافع عن داود، والله أعلم.
وعلى ذلك، فهذه الرواية عن زيد بن أسلم حسنة الإسناد، وليس فيها إلا عدم ما يثبت سماع عطاء بن يسار من أسامة بن زيد، ولعل الأئمة الذين صححوا هذا الإسناد وقووه وقفوا على ما يفيد ذلك.
وليس في هذه الرواية ذكر الموقين، بل اقتصر فيها على الخفين، وهو الصحيح في متن الحديث من هذا الوجه، والله أعلم.
ز- رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن بلال:
التخريج:
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (1/78) عن إبراهيم الحربي، عن العجلي، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به، بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.
دراسة الإسناد:
هذه الرواية منكرة إسنادًا ومتنًا، فقد رواه جمع عن يحيى بن أبي كثير، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، به، بذكر المسح على الخفين والعمامة -أو: الخمار-، وقد أخرجه البخاري وغيره من هذا الوجه[13].
ح- رواية علي بن أبي طالب، عن بلال:
التخريج:
أخرجه الطبراني في الكبير (1/340) من طريق شيبان، عن ليث بن أبي سليم، عن الحكم، عن شريح بن هانئ، عن علي، به، بلفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار.
دراسة الإسناد:
سبقت الإشارة إلى اضطراب ليث في هذا الحديث، وهذا وجه من اضطرابه فيه، وليس هذا المتن بمحفوظ.
الخلاصة في حديث بلال -رضي الله عنه-:
تبين من الدراسة المطولة السابقة أن الحديث جاء عن بلال من طرق كثيرة، وصح منها الطرق التالية:
1- أبو قلابة، عن بلال، ولم يسمع منه، ووُقف في هذه الطريق المسحُ على الموقين على بلال، ورُفع المسح على الخفين والخمار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2- الحكم، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والخمار -أو: العمامة-.
3- مكحول، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والموق.
4- محمد بن سيرين، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والخمار.
5- عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال، وفيها كلام في بعض الرواة، واشتباه الانقطاع بين عطاء وأسامة، وذكر فيها المسح على الخفين حسب.
ومما يلاحظ في ذلك: أن الحديث في البصرة (أبو قلابة وابن سيرين) والكوفة (الحكم) والشام (مكحول)= مرسلٌ، وفي المدينة (عطاء عن أسامة) موصول.
وهذه الروايات تعتضد ببعضها، ويزول الضعف الحاصل فيها بورودها من الطرق الأخرى، واجتماع خمس مخارج للحديث تدل على أن له أصلاً عن بلال -رضي الله عنه-.
ويلاحظ في متن الحديث اتفاق رواية أبي قلابة وابن سيرين على أن بلالاً توضأ ومسح، فسئل عن فعله هذا، وكون روايتي أسامة بن زيد ومكحول في حكاية حادثتين أخريين سئل فيهما بلال عن المسح، واقتصار الحكم على المرفوع من الحديث، فلعل بلالاً سئل عن الحديث في حوادث، أو أن بعض الألفاظ من تصرف الرواة وروايتهم بالمعنى.
والأكثر في الحديث -كما هو ظاهر- على ذكر الخفين لا الموقين، وهو الراجح في متنه، والله أعلم.
يتـلوه -بعون الله- تخريج بقية أحاديث الباب ودراستها، وهي أحاديث أنس، والمغيرة، وأبي ذر، وأبي هريرة، وصفوان بن عسال -رضي الله عنهم-.
[1] ولم يذكر فيه بلال، ولعله اختصار من الراوي.
[2] وقع في مطبوعة المستدرك نسبته: (المعمري)، والظاهر أنه غلط، صوابه: (العمري)، وهو نسبة إلى جده الأعلى، فإنه: محمد بن إسحاق بن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن المسيب بن أبي السائب بن عابد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وقد نقل ابن حجر -في إتحاف المهرة (2/645)- إسناد ابن حبان، وفيه (المسيبي)، ثم نقل إسناد الحاكم، فلم يذكر النسبة، وكأنه يحيل إليها في إسناد ابن حبان. ثم وقفت على احتمال الشيخ محفوظ الرحمن في حاشيته على علل الدارقطني (7/178) أن الصواب: (المسيبي)، والله أعلم.
[3] سقط اسمه في مطبوعة المستدرك، وهو ثابت في رواية البيهقي عن الحاكم، وفي إتحاف المهرة (2/645).
[4] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/238، 239).
[5] العلل (7/178).
[6] المستدرك (1/151).
[7] التمهيد (11/144).
[8] الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (1/382، 383).
[9] التمهيد (11/144).
[10] الجواهر المضية في تراجم الحنفية (1/320، 321)، وترجم له ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/181)؛ لروايته حديثًا عن الإمام أحمد، والذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات 261-280، ص275).
[11] يستدرك على التهذيبين في ترجمته: توثيق الدارقطني له -في سؤالات السلمي (188)-، وينظر: إكمال تهذيب الكمال، لمغلطاي (4/154، 155).
[12] لسان الميزان (6/84).
[13] انظر: إتحاف المهرة (12/444)، المسند الجامع (10704).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
توطئة:
مضى في الحلقات الماضية تخريج حديث بلال -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، وتفصيل تخريج طرقه ورواياته، ودراستها والترجيح فيها.
وفي هذه الحلقة إكمال تخريج أحاديث الباب -سوى حديث بلال-.
2- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
التخريج:
أ- عاصم الأحول، عن أنس:
أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1492)، والبيهقي (1/289)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/141)، من طريق الحسن بن الربيع، عن أبي شهاب الحناط، وعلقه الدارقطني في العلل (12/102) عن إسماعيل بن نصر، عن عمران القطان، كلاهما (أبو شهاب وعمران) عن عاصم الأحول، به، ولفظ أبي شهاب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار، ولفظ عمران: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين.
وأخرجه عبدالرزاق (738)، وعلقه ابن حزم في المحلى (2/85) عن أبي عاصم الضحاك بنمخلد، كلاهما (عبدالرزاق وأبو عاصم) عن سفيان الثوري، وابن أبي شيبة (224) عن عبدة بن سليمان، وابن أبي شيبة (1923، 1925)، وابن المنذر (496) عن إسماعيل بن عمار، والخطابي في غريب الحديث (2/513) من طريق محمد بن عبدالملك الدقيقي، والبيهقي (1/285) من طريق محمدبن عبيدالله بن المنادي، أربعتهم (ابن أبي شيبة وإسماعيل بن عمار والدقيقي وابن المنادي) عن يزيد بن هارون، والأثرم في سننه (19) من طريق ثابت بن يزيد، والبغوي في الجعديات (2158) من طريق شريك بن عبدالله، وعلقه الدارقطني في العلل (12/102) عن علي بن مسهر، وزهير، وطلحة بن سنان، ثمانيتهم (الثوري، وعبدة، ويزيد بن هارون، وثابت بن يزيد، وشريك، وعلي بن مسهر، وزهير، وطلحة) عن عاصم الأحول، قال: قال رأيت أنس بن مالك بال، ثم قام فتوضأ، فمسح على خفيه وعلى عمامته، ثم قام فصلى صلاة مكتوبة. لفظ عبدالرزاق عن الثوري، وللبقية نحوه، واختصره بعضهم، وزاد فيه شريك ألفاظًا وتفاصيلَ في الوضوء، لكن أبا عاصم في روايته عن الثوري ذكر المسح على الجوربين.
وقد قال ابن المنادي في روايته عن يزيد بن هارون: عن عاصم الأحول، عن راشد بن نجيح، قال: رأيت أنس بن مالك دخل الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز؛ فمسح عليهما، زاد راشد بن نجيح، وذكر المسح على الجوربين.
ب- حميد الطويل، عن أنس:
أخرجه الطبراني في الأوسط (786) من طريق الفيض بن وثيق، عن عيسى بن ميمون، عن حميد، به، بلفظ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين.
دراسة الأسانيد:
أ- رواية عاصم الأحول، عن أنس:
اختُلف في هذا الحديث عن عاصم الأحول في الإسناد والمتن:
فأما الإسناد:
♦ فقال أبو شهاب الحناط -من رواية الحسن بن الربيع عنه- وعمران القطان -من رواية إسماعيل بن نصر عنه- عن عاصم، عن أنس، مرفوعًا.
♦ وقال الثوري وعبدة بن سليمان وثابت بن يزيد وشريك وعلي بن مسهر وزهير وطلحة بن سنان عن عاصم، عن أنس موقوفًا.
واختُلف عن يزيد بن هارون:
♦ فقال ابن أبي شيبة وإسماعيل بن عمار والدقيقي عنه، عن عاصم، عن أنس موقوفًا.
♦ وقال ابن المنادي عن يزيد، عن عاصم، عن راشد بن نجيح، عن أنس، موقوفًا.
فأما الخلاف على يزيد بن هارون؛ فإن رواية ابن أبي شيبة (في حفظه وضبطه مع موافقة اثنين له ومتابعة الناس يزيدَ على روايته) هي المعتمدة عن يزيد بن هارون، وأما ابن المنادي فإنه صدوق وله أغلاط، لعل هذا منها، وقد غلط في المتن أيضًا -كما سيأتي-.
وأما الخلاف على عاصم؛ فإن رواية الأثبات: الثوري وعبدة وثابت بن يزيد ويزيد بن هارون عنه على الوقف، وهو الراجح عن عاصم.
وقد روى الوجه المرفوع: أبو شهاب الحناط، وهو صدوق له أوهام، وعمران القطان، من رواية إسماعيل بن نصر عنه، ولم أعرف إسماعيل هذا، والرواية عنه معلقة لا يدرى إسنادها.
وقد كان الإمام أحمد يرضى أبا شهاب الحناط؛ فلذا أعل الحديث بالوقف، لكنه لم يعلِّق الخطأ بأبي شهاب، فقال: (ليس بصحيح، إنما هو: عن أنس، أنه كان يمسح، وكان يقول: حدثنا أصحابنا)، وقال: (هو عن عاصم، عن أنس، موقوفًا)، قال الميموني: قلت: تخاف أن يكون من الحسن بن الربيع؟ قال: (نعم)، قلت: أبو شهاب؟ قال: (ثبْتٌ، وليس هذا من أبي شهاب)[1].
ووافقه الدارقطني في الإعلال بالوقف، فقال -بعد أن ذكر الروايتين المرفوعتين-: (وكلاهما وهم، والصحيح عن عاصم: ما رواه علي بن مسهر وثابت بن يزيد وزهير وطلحة بن سنان عن عاصم، عن أنس موقوفًا، أن أنسًا مسح على خفيه)[2].
وأما أبو حاتم الرازي، فوافقهما في الإعلال بالوقف، لكنه أعل المرفوع برواية راشد بن نجيح، قال: (هذا خطأ، إنما هو: عاصم، عن راشد بن نجيح، قال: رأيت أنسًا مسح على الخفين؛ فعله)[3]، ولم أجد لذلك وجهًا، والأرجح قول أحمد والدارقطني؛ فإن رواية راشد بن نجيح معلولة -كما سبق-.
وأما المتن، فقد اختُلف عن عاصم فيه:
♦ فجاء في رواية أبي شهاب الحناط المرفوعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار.
♦ وجاء في رواية عمران القطان المرفوعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين.
♦ وجاء في رواية أبي عاصم عن الثوري عن عاصم: أن أنسًا مسح على جوربيه.
♦ وجاء في رواية ابن المنادي عن يزيد بن هارون عن عاصم عن راشد بن نجيح: أن أنسًا مسح على جوربيه.
♦ واتفقت بقية الروايات على ذكر المسح على الخفين والعمامة.
وقد سبق بيان الخطأ الإسنادي في الروايتين المرفوعتين، وفي رواية ابن المنادي عن يزيد، والغلط في الإسناد مع المخالفة في المتن قرينة قوية على الغلط فيه.
وأما رواية أبي عاصم عن الثوري؛ فإنها معلقة لا يدرى إسنادها، والأرجح رواية عبدالرزاق عن الثوري؛ لكون الثوري فيها يوافق الجماعة الثقات عن عاصم الأحول، وروايتهم هي الراجحة عنه.
ب- رواية حميد الطويل، عن أنس:
في إسنادها: الفيض بن وثيق، وقد كذبه ابن معين وشدد فيه، وذكره ابن حبان في الثقات[4]، وشيخه عيسى بن ميمون منكر الحديث، فهذا الوجه عن أنس واهٍ، قال إبراهيم الحربي: (غيره أوثق منه -يعني: عيسى بن ميمون-، وحديثه هذا منكر)[5].
وإنما روى حميد عن أنس مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما موقوفًا من فعله، ونَسَبَهُ كذلك إلى ابن مسعود، كذلك رواه أصحاب حميد عن حميد[6].
3- حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:
التخريج:
أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (4232-السفر الثاني) عن موسى بن إسماعيل، وابن المنذر في الأوسط (492) والطبراني في الكبير (20/379) من طريق حجاج بن المنهال، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبدالله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الموقين والخمار.
دراسة الإسناد:
حديث المغيرة في المسح من أشهر أحاديث الباب، إلا أن ذكر الموقين فيه غريب، ولم أجده إلا في هذه الطريق.
وقد روى الحديث عن حميد غير واحد، وعن بكر غير واحد، فذكروا المسح على الخفين والعمامة، ولا يذكر فيه المسح على الموقين إلا حماد بن سلمة، ويظهر أنه قد أخطأ فيه.
4- حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
التخريج:
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في مشيخته -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (2/200)-، والطبراني في الأوسط (6220) عن محمد بن علي الصائغ، كلاهما (يعقوب والصائغ) عن المسيب بن واضح، عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ، ومسح على الموقين والخمار. لفظ يعقوب، ونحوه للصائغ، ولم يذكر الوضوء.
دراسة الإسناد:
قال الطبراني عقبه: (لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا مخلد بن الحسين، تفرد به المسيب بن واضح).
والإسناد فوق المسيب بن واضح ظاهره الصحة، بل إن مسلمًا أخرج في صحيحه عدة أحاديث بسلسلة (حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر)، ولذا فقد ذكر ابن حزم هذا الحديث في جملة من الأحاديث في المسح، وقال: (فهؤلاء ستة من الصحابة... كلهم يروي ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد لا معارض لها، ولا مطعن فيها)[7].
إلا أن المتفرد بهذا الحديث: المسيب بن واضح؛ قد تكلم فيه، وضعفه غير واحد، وشدد فيه بعضهم، وذكروا أن له أخطاء كثيرة[8]، ومن كانت حاله كذلك فإن تفرده بمثل هذا الإسناد الصحيح في هذه الطبقة المتأخرة= تفرد منكر غير مقبول.
5- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
التخريج:
أخرجه الطبراني في الأوسط (1473)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/186)، من طريق معلى بن عبدالرحمن، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار -يعني: العمامة-. لفظ الطبراني، ولفظ الخطيب: مسح على الموقين والخمار.
دراسة الإسناد:
قال الطبراني عقبه: (لم يرو هذا الحديث عن عبدالحميد إلا معلى)، وقال الدارقطني: (تفرد به معلى بن عبدالرحمن عن عبدالحميد بن جعفر عن يحيى)[9].
ومعلى بن عبدالرحمن متروك متهم بالوضع والكذب، وإنما روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، مرفوعًا، بذكر المسح على الخفين والخمار -أو العمامة-، كما سبقت الإشارة إليه في وجه أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن بلال بن رباح.
6- حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه-:
التخريج:
أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/285) من طريق الخليل بن زكريا، عن هشام الدستوائي والحسن بن أبي جعفر، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن صفوان، به، وفيه: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.
دراسة الإسناد:
هذا الحديث معروف من حديث عاصم، عن زر، عن صفوان[10]، وقد رواه جمع كثير عن عاصم، فلم يسق أحد فيه هذا اللفظ، ولم يذكر أحد فيه المسح على الموقين، ولم أجد ذلك إلا في هذه الطريق، وإنما ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالمسح على الخفين، ووقَّت لهم ذلك بثلاث للمسافر ويوم وليلة للمقيم، وفي الحديث قصة وتفاصيل أخرى.
والخليل بن زكريا متروك متهم بالكذب، ولا نظر لروايته.
الخـلاصة:
تبين مما سبق أنه لم يصح حديث في المسح على الموقين، وقد قال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: رجل مسح على خفيه، ثم لبس فوقهما جرموقين، أله أن يمسح فوق الجرموقين؟ قال: (هذا لا يعجبني)[11]، وهذا من الإمام أحمد مع روايته بعضَ أحاديث المسح على الموقين إشارةٌ إلى أنها لم تثبت عنده -فيما يظهر-.
والله أعلم، وله الحمد على ما وفق.
هذا، وقد بقيت في أحاديث كتاب الطهارة من (الروض) بقية، سائلاً الله أن ييسر العمل على بحثها وتخريجها، وأن يبارك فيما مضى ويلحق، وينفع به كاتبه وقارئه، إنه سميع قريب.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/225).
[2] العلل (12/102).
[3] علل ابنه (1/73).
[4] انظر: لسان الميزان (4/455).
[5] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/226).
[6] انظر: إتحاف المهرة (1/603، 604، 10/166)، الطهور، لأبي عبيد (357).
تنبيه: تصحف متن هذا الأثر على ابن المنذر إلى: (فمسح على خفيه)، فذكره في كتاب المسح على الخفين من الأوسط (1/431).
[7] المحلى (2/59، 60).
[8] انظر: لسان الميزان (6/40).
[9] أطراف الغرائب والأفراد (2/362).
[10] انظر: المعجم الكبير (8/56-66)، إتحاف المهرة (6/296-299)، المسند الجامع (5392).
[11] مسائل عبدالله (ص34).
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
ياليت تثبتون هذا الموضوع
فوالله إني لا أعلم على الإطلاق في جميع المواقع العلميه موضوعا في علوم الحديث أحق وأجدر بالتثبيت منه
أسأل الله العظيم الكريم أن يديم لنا الشيخ محمد بن عبد الله و أن يستمر في نشاطه لتكملة هذه السلسلة المباركة والتي هي مدرسة لمن تدبرها
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
أخ مجمد رفع الله قدرك هل يمكن هذه التخريجات على ملف واحد
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
جمعت التخريج كله في ملف واحد بي دي إف 550 صفحة
حمل من هنا
http://www.mediafire.com/download/ld...8%A8%D8%B9.pdf
-
رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »
جهد مبارك إن شاء الله . موفق أخي الكريم .