(5)
الحلقة الأخيرة، وتتضمَّن البحث التفصيلي في إحدى السرقات المزعومة!
براءة هلال ناجي من سرقة المستدرك على ديوان الببَّغاء:
المنهج العلمي يوجب على الناقد أن ينظر في دعوى السرقة بالأسلوب المناسب لبحث هذا الأمر، وهو أن يختار من فصول (المستدرك على صنّاع الدّواوين) أظهرها دلالةً على المطلوب، ويثبت بالدليل
التفصيلي القاطع أن المقطوعات المشتركة فيه مسروقة من فلان، وليست من باب الاشتراك المعتاد. أما أن يسرد الفصول الخمسة عشر، ويكتب سطرًا أو سطرين لكل فصل منها، فهذا أسلوب غير علمي! لأن تعداد القطع المشتركة في سطر أو سطرين هو مجرَّد تكرار للتُّهمة، وليس دليلاً عليها! فالمطلوب إثبات السرقة بالدليل التفصيلي القاطع، ولو لفصل واحد!
ولا شكَّ أن الناقد لم يفعل ذلك لأنه لا يستطيع إثبات السرقة لأي فصل من الفصول الخمسة عشر بالدليل التفصيلي القاطع! فقرَّرنا أن نقوم بهذا العمل الذي تقاعس عنه، نيابة عن القرَّاء الكرام، فاخترنا لهذا الغرض مستدرك هلال ناجي على ديوان الببَّغاء، ومن أخصب تخيَّر! لتوفُّر أدوات القول فيه عندنا، ولأن الناقد توسَّع في الكلام قليلاً على قطعة منه تدلُّ بزعمه على السرقة (والعجيب أن كلامه على هذه القطعة مسروق من الدكتور الحويزي، كما سيأتي إثباته!).
كان الأستاذ هلال ناجي قد نشر ديوان الببَّغاء بمجلَّة المجمع العراقي (نيسان 1983)، ونشره الدكتور سعود عبدالجابر بقطر في نفس العام (مؤسسة الشرق 1983). فهما عملان متزامنان، لا يقال عن أحدهما أنه مأخوذ من الآخر، وإن زعم زاعم! ولو تأخَّرت نشرة ناجي بضعة أشهر لزعم المتربِّصون به أنها مسروقة بالكامل من النشرة الأخرى! ثمَّ نشر مستدركه على عمله في عام 1993 (ضمن الجزء الأول من: المستدرك على صنّاع الدّواوين)، فانفتح الباب لهؤلاء المتربِّصين، وزعم هذا الناقد أن هلال ناجي سرق بعض قطع المستدرك من نشرة عبدالجابر المنشورة قبل عشر سنين، وهذا كلامه:
الببغاء: أخذه [أي هلال ناجي] من الدكتور سعود عبد الجابر، قطر 1983، والقطع عندهُ: 13، 15، 24، 26، 48، 53، 54، 61، 58، 84، 87، 37، 47، 57، 73. وأخذها هلال ناجي مع مصادرها بالأرقام : 1، 2، 3، 4، 7، 8، 9، 10،11، 12، 13، 16، 17، 18، 19، وعددها 43 بيتاً.
من البديهي أن تنفرد كلٌّ من النشرتين الأصليتين بمقطوعات لا توجد في الأخرى، وأن الذي يستدرك على إحداهما سيورد معظم القطع التي انفردت بها النشرة الأخرى، ولو لم ينقل منها أو يطَّلع عليها أصلاً! فيجب على الناقد المنصف أن يفصِّل القول في القطع المسروقة قطعة قطعة، وأن يُقنع القارئ بالدليل الملموس - وليس بالمعلومات الخاصَّة! - بأن اللاحق أغار على عمل السابق، وأن يعتبر مجموع ما بين العملين من الاتّفاق والاختلاف، لا أن يضخِّم أحد الأمرين ويكتم الآخر!
فإليك بيانًا بجميع القطع التي استدركها هلال ناجي في طبعة 1993، ثمَّ في طبعة 1998، وعدد أبياتها ومصادرها (والقطع المرسومة بالأحمر هي المزعوم أنها مسروقة):
(1) «محتسبِ»، ثلاثة أبيات. المصدر: الفرج بعد الشدَّة 5/ 77
(2) «الكعوبِ»، ثلاثة أبيات. المصدر: محاضرات الأدباء 2/ 377
(3) «تبتهجِ»، خمسة أبيات. المصدر: الفرج بعد الشدَّة 5/ 39-40
(4) «أَرْوَحُ»، بيتان. المصدر: محاضرات الأدباء 1/ 361
(5) «يعدِ»، ثلاثة أبيات. المصدر: مخطوط المناقب والمثالب 68
(6) «حسدي»، ستة أبيات. المصدر: مخطوط المناقب والمثالب الورقة 25
(7) «جدودُه»، بيتان. المصدر: محاضرات الأدباء 1/ 336
(8) «الأمورُ»، ثلاثة أبيات. المصدر: الفرج بعد الشدَّة 5/ 53-54
(9) «والسهرُ»، ثلاثة أبيات. المصدر: البديع لأسامة 232
(10) «وإنذارِ»، بيت واحد. المصدر: محاضرات الأدباء 2/ 144
(11) «الصبرِ»، ثلاثة أبيات. المصدر: الفرج بعد الشدَّة 5/ 76
(12) «وفتكي»، بيتان. المصدر: أحسن ما سمعت 89
(13) «تنتعلُ»، بيتان. المصدر: نهاية الأرب 3/ 228
(14) «أحقادِه»، بيت واحد. المصدر: محاضرات الأدباء 2/ 253 [ملاحظة: هذا البيت موجود ضمن القطعة 17 «وفسادِهِ»]
(15) «واستتمُّ»، أربعة أبيات. المصدر: محاضرات الأدباء 1/ 625
(16) «مسعودِ»، أربعة أبيات. المصدر: الأمالي الخميسية 2/ 53
(17) «وفسادِهِ»، ثلاثة أبيات. المصدر: الأمالي الخميسية 1/ 268 - 269
(18) «الغِيَرِ»، بيتان. المصدر: الأمالي الخميسية 1/ 139
(19) «والدُّموعا»، أربعة أبيات. المصدر: الأمالي الخميسية 2/ 316
هذا في طبعة 1993، وأما في طبعة 1998 فقد حُذفت القطعة 14 المكرَّرة، فصار العدد 18، وأضيفت القطع السبع التالية (وهي لا توجد في نشرة عبدالجابر):
(19) «جميلُ»، بيت واحد. المصدر: ذمّ الهوى 644
(20) «تحتملُ»، أربعة أبيات. المصدر: ذمّ الهوى 644
(21) «ذلُّهُ»، سبعة أبيات. المصدر: ذمّ الهوى 644 - 645
(22) «عواقبُهُ»، بيت واحد. المصدر: ذمّ الهوى 662
(23) «محدودا»، ستة أبيات. المصدر: الغرر والعرر 215
(24) «نصرِ - عذرِ»، أربعة أبيات. المصدر: معجم الأدباء 1954 - 1955 [وهما قطعتان]
(25) «بملامِ»، سبعة أبيات. المصدر: بغية الطلب 4586
قد يقول القارئ: الاشتراك في 15 قطعة لا يقع بالصدفة، ويجب أن يكون اللاحق قد أخذها من السابق!
مهلاً أيها القارئ العزيز! لا تبادر إلى تصديق الصورة الجزئية التي تُرسم للوصول بك إلى غرض معلوم! لقد نظرنا في هذين العملين نظرة تحليلية شاملة، ولم نعتمد على الإشاعات والمعلومات الخاصة، فوجدنا نحو عشرة براهين يكفي المنصفَ واحدٌ منها لإثبات أن هلال ناجي لم ينقل تلك القطع من عبدالجابر! بل من مصادرها رأسًا! مصداقًا لقوله (هل في كتاب هلال ناجي بيت واحد من شعر الببغاء نقله عن نشرة سعود هذا؟ أو عبارة واحدة؟ أو هامشًا واحدًا؟).
الدليل الأول: ترتيب قطع المستدرك:
يلاحظ القارئ أن القطع (1 - 13)
مرتَّبة على حروف الهجاء، وأن القطع الستّ الباقية (14 - 19) غير مرتَّبة على حروف الهجاء، وأن مصدر ستّ قطع من الفئة الأولى والثانية هو كتاب محاضرات الأدباء. أي إنَّ هلال ناجي صنع مستدركًا يشتمل على 13 قطعة، ورتَّبها على حروف الهجاء، ومنها أربع قطع من محاضرات الأدباء (2، 4، 7، 10). ثمَّ وقعت له قطعتان جديدتان من محاضرات الأدباء (14 و 15)، فألحقهما خارج الترتيب الهجائي، ثمَّ أربع قطع من الأمالي الخميسية (16 - 19)، فألحقها خارج الترتيب الهجائي أيضًا. ثمَّ ألحق في الطبعة الثانية سبع قطع جديدة، خارج الترتيب الهجائي أيضًا.
فهذا دليل ساطع على أنه لم ينقل القطع الخمس عشرة من نشرة عبدالجابر، المرتَّبة من أوَّلها إلى آخرها على حروف الهجاء، وإلا لأخذها دفعةً واحدة مرتَّبة على حروف الهجاء! ولعلَّه يشكر اللَّه عزَّ وجلَّ على أن أحدًا من أصدقائه لم يحرِّر له عمله هذا، وإلا لهذَّب المستدرك وحذف المكرَّر ورتَّبه على الحروف! وقد شهد له الدكتور الحويزي بأن عنايته بالببَّغاء لم تنقطع إلى اليوم:
ولم يهمل الأستاذ ناجي "ديوان الببغاء" منذ أن نشره في مجلة "المجمع العلمي العراقي"، بل جعل هذا الديوان أمانة في عنقه، ووضعه في دائرة اهتمامه في كل وقت وحين، فقام باستدراكين عليه: فنشر المستدرك الأول على نفسه عام 1991م في كتابه الذي أعدّه بمشاركة المرحوم د. نوري حمودي القيسي ... ونهض بعد ذلك في عام 1998م بجمع كل تراث "الببغاء" في كتاب مستقلّ، وقع في 199 صفحة ... ونشر مستدركه الثاني عام 2004م على صفحات مجلة "الذخائر" البيروتية.
لقد جاء هذا الخلل في الترتيب الهجائي كالمرآة لاشتغال الأستاذ بجمع أشعار الببَّغاء نحو ثلاثين سنة!
الدليل الثاني: الاختلاف في تحقيق القطع المشتركة:
وضعنا الكتابين على منضدة واحدة، لمقارنة القطع الخمس عشرة فيهما، فوجدنا قرائن كثيرة تشير إلى عدم التناقل، وإليك البيان:
القطعة (1) «محتسبِ»: لقد التزم هلال ناجي في أعماله بإثبات مناسبات القطع كما وردت في المصادر، وهو الأسلوب العلمي الصحيح. فأثبت على رأس هذه القطعة مثلاً قول التنوخي (وأنشدني أبو الفرج المخزومي المعروف بالببَّغاء، لنفسه). بينما التزم عبدالجابر بإسقاط المناسبات أو إيرادها في الحواشي بعبارته هو، فأضاع على القارئ فوائد مهمَّة. قال في حاشية هذه القطعة (قال القاضي التنوخي أن أبا الفرج الببَّغاء أنشده هذه الأبيات لنفسه). وهذا دليل قاطع على أن هلال ناجي قد باشر المصادر بنفسه.
القطعة (2) «الكعوبِ»: هذه القطعة أمرها غريبٌ من غير وجه، وسيأتي تفصيل القول فيها، وبيان أن إسقاط هلال ناجي إياها، ثمَّ استدراكه لها، ثمَّ ترجيحه لإسقاطها، هو أقرب إلى الدلالة على أنه لم يتأثَّر بإثبات عبدالجابر لها منذ البداية.
القطعة (3) «تبتهجِ»: أثبت هلال ناجي على رأسها قول التنوخي (وأنشدني أبو الفرج عبدالواحد بن نصر بن محمَّد المخزومي الكاتب المعروف بالببَّغاء)، وأسقط عبدالجابر هذه العبارة بالمرَّة! كما سقط عنده البيت الخامس، وأثبته ناجي، وهو:
فمن ضيقٍ إلى سَعَةٍ * ومن غمٍّ إلى فرجِ
ولم يُشر ناجي في مستدركاته الأربعة إلى هذا الغلط ولا إلى غيره من أغلاط عبدالجابر، كما هي عادة المتنافسين.
القطعة (4) «أَرْوَحُ»: ورد فيها هذا البيت:
للظلمِ بينَ الأقربينَ مَضاضةٌ * والذلّ ما بينَ الأقاربِ أَرْوَحُ
هكذا بالذال المعجمة، ولعلَّها الصواب، وأحال على محاضرات الأدباء 1/ 361. وفي نشرة عبدالجابر «الدلّ» بالدال المهملة، وأحال على (من) محاضرات الأدباء 1/ 174
القطعة (7) «جدودُه»: أحال ناجي على محاضرات الأدباء 1/ 336 (طبعة بيروت 1961). بينما جاءت إحالة عبدالجابر هكذا (من محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 1/ 162، ومحاضرات الأدباء 141)، وهما طبعتان مصريتان قديمتان، ويظهر أنهما مهذَّبتان، أي مختصرتان. فهذا دليل آخر على أن ناجي كان يراجع طبعات مختلفة، وأنه باشر مصادره بنفسه.
القطعة (8) «الأمورُ»، والقطعة (11) «الصبرِ»: أثبت ناجي على رأسهما عبارة التنوخي، وصاغ عبدالجابر الكلام بعبارته في الحاشية.
القطعة (10) «وإنذارِ»: اعتمدا فيها على محاضرات الأدباء 2/ 144، وقد تطابق رقم الصفحة عندهما، مع اختلاف الطبعات! والصواب في إحالة هلال ناجي 2/ 320. وهذا هو الموضع الوحيد الذي يحتمل أن يكون قد أخذه من نشرة عبدالجابر، ولكن الإحالات على محاضرات الأدباء مختلفة في جميع المواضع الأخرى، وهي بضعة عشر موضعًا، وكذلك الإحالة على جميع المصادر الأخرى تقؤيبًا؛ فالعدل والإنصاف يقتضي أن تفسَّر هذه الإحالة الشاذَّة بأنها من جنس ما يقع كثيرًا للباحث، إذ يقيِّد الفائدة من طبعة أخرى وينسى تغيير رقم الصفحة إلى الطبعة المعهودة.
القطعة (13) «تنتعلُ»: اعتمدا فيها على نهاية الأرب 3/ 228، وقد وجدنا تخريجات مهمَّة لعبدالجابر من نهاية الأرب لا يعلم بها ناجي إلى اليوم، فلا مسوِّغ للقول بأنه أخذ هذه الإشارة من عبدالجابر.
القطعة (14) «أحقادِهِِِ»، والقطعة (17) «وفسادِهِِِ»: استدرك ناجي القطعة 14 - وهي بيت واحد - من محاضرات الأدباء 2/ 253، والقطعة 17 من الأمالي الخميسية 1/ 268، ولم يفطن إلى أن ذلك البيت هو الثالث من القطعة 17. وقد صحَّح هذا الخلل فيما بعد، فحذف القطعة 14 ونقل تخريجها إلى موضعه من القطعة 17. وأما عبدالجابر فقد كان عمله صوابًا من أول الأمر، وخرَّج الثالث من محاضرات الأدباء 404 ونهاية الأرب 3/ 286. ولا يزال ناجي إلى اليوم يجهل وجوده في نهاية الأرب! وهو دليل قاطع على أنه كان ينظر في مصادره بمعزل عن عبدالجابر.
القطعة 15: استدركها هلال ناجي من محاضرات الأدباء 1/ 625، وهذا نصُّها:
وشاهبلُّوطٍ تناهى واستتمُّ * كخرز من سبح لم ينتظمْ
كأنه لما تراءى من أممْ * في صحة التشبيه أظلاف الغنمْ
وهذه القطعة لم يجدها الرجلان في المحاولة الأولى، ووجدها هلال في المحاولة الثانية! وهذ دليل قاطع آخر على استقلاله في مراجعة الكتاب، ومن غير المقبول أن يقال: القطع الموجودة عند عبدالجابر سرقها هلال منه، والتي لا توجد عنده لم يسرقها منه!
القطعة (16) «مسعودِ»: قال ناجي على رأسها، نقلاً عن الأمالي الخميسية (أنشدني أبو الفرج عبدالواحد بن نصر الببَّغاء لنفسه). وهذه العبارة لا توجد في نشرة عبدالجابر، لنفس السبب المذكور آنفًا. وإسقاط هذا السند المتَّصل بالشاعر هو خطأ علمي فادح، ويصرف أهل العلم عن النظر في الإشكال التاريخي، لأن مصنِّف الكتاب ولد سنة 412 ومات 491، أي بعد موت الشاعر بيقين.
القطعة (18) «الغِيَرِ»: قال ناجي على رأسها، نقلاً عن الأمالي الخميسية (قال أبو الفرج في بعض رسائله)، وأسقطها عبدالجابر على عادته.
القطعة (19) «والدُّموعا»: اعتمدا فيها على الأمالي الخميسية، وأثبت هلال قول المصنِّف (وأنشدنا أبو الفرج عبدالواحد بن نصر بن محمَّد الببَّغاء لنفسه، يرثي أيا اليقظان عمَّار بن نصر). بينما قال عبدالجابر في الحاشية، على جاري عادته (ذكر الإمام يحيى بن الحسين الشجري أن أبا الفرج الببَّغاء رثى في هذه الأبيات أيا اليقظان عمَّار بن نصر). أي إنَّه تخلَّص من الإشكال التاريخي بتحريف العبارة!
الدليل الثالث: اختلافات مهمَّة في قطع أخرى:
وجدنا في سائر القطع ما يدلُّ على عدم التناقل في القطع الخمس عشرة!
(1) وقع عبدالجابر في تكرار مماثل 100% للتكرار الذي وقع فيه ناجي، وسَلِمَ منه ناجي! وذلك في القطعة 102:
نَداكَ إِذا ضَنَّ الغَمامُ غَمامِ * وَعَزمُكَ إِن فُلَّ الحُسامُ حُسامُ
فَهذا يَنيلُ الرِزق وَهُوَ مُمَنَّع * وَذاكَ يرَدُّ الجَيشَ وَهُوَ لُهامُ
وَمن طَلَب الأَعداء بِالمالِ وَالظُبا * وَبِالسَعدِ لَم يَبعُد عَلَيهِ مُرامُ
وخرَّجها من اليتيمة 1/ 19. ولكنَّ البيت الثالث منها هو بعينه القطعة 106، وقد خرَّجه من التمثُّل والمحاضرة 117 ونهاية الأرب 3/ 110! وأمَّا ناجي فخرَّج القطعة من حماسة مخطوطة ومن اليتيمة 1/ 31، ولم يعرف للبيت الثالث مصدراً آخر!
(2، 3) أورد ناجي قطعة من اليتيمة 1/ 283 (طبعة عبدالحميد 1956)، مطلعها:
في سالِبٍ لِلشَمسِ ثَوبَ ضِيائِها * بِعَجاجَةٍ مِلء الفَضاءِ
الهامِ
والصواب «لُهامِ»، وهي على الصواب في نشرة عبدالجابر (عن اليتيمة 1/ 267 من طبعة عبدالحميد 1947). ووقع هذا الاختلاف بعينه في رواية قوله:
ما ضَرَّ مِن بَعدَ السُرورِ بِبُعدِهِ * لَو كانَ يجمِلُ في صِيانَةِ عَبدِهِ
فرواها عبدالجابر «عَبدِهِ» عن اليتيمة 1/ 258، ورواها هلال ناجي «عَهدِهِ» عن اليتيمة 1/ 274. وقد راجعت اليتيمة فالموضعين فوجدت نقل عبدالجابر هو الصواب، فلو نقل منه ناجي لنقل على الصواب!
(4) كما وقع الاختلاف بينهما في رواية قوله:
كَم كُربَةٍ ضاقَ صَدري عَن تَحَمُّلِها * فَمِلتُ عَن جَلَدي فيها إِلى الجَزعِ
فرواها عبدالجابر «إِلى الجَزعِ»، وأحال على الفرج بعد الشدَّة 5/ 55 (وهي إحالة صحيحة). ولكنَّ هلال ناجي رواها «إِلى جَزعِي»، وأحال على الفرج بعد الشدَّة 460، وهي الطبعة القديمة فيما يظهر، مع أن الطبعة المذكورة في مصادره هي طبعة الشالجي ذات الأجزاء الخمسة. فهذا الخلل في الإحالة إلى طبعة غير الطبعة المذكورة في قائمة المصادر تشهد لما ذكرناه أعلاه، وهو أن إحالته على محاضرات الأدباء 2/ 144 لم تكن بالضرورة نقلاً عن نشرة عبدالجابر.
(5) لفَّق عبدالجابر القصيدة (36) من المصادر، وأورد أبياتها من غير فواصل، بينما أشار هلال ناجي إلى الانقطاع فيها كما يقتضيه المنهج الصحيح.
(6) وقع عبدالجابر في خطأ مركَّب من أغرب الأخطاء، وسَلِمَ منه ناجي! وذلك في القطعة 41:
يا لَيالِيَّ بِالمَطيرَةِ وَالكَر * خِ وَديَرِ السُوِسِيِّ بِاللَهِ عودي
كُنتِ عِندي أَنموذَجاتٍ * مِنَ الجَنَّةِ لكِنَّها بِغَيرِ خُلودِ
أَشرَبُ الراحَ وَهِيَ تَشرَبُ عَقلي * وَعَلى ذاكَ كانَ قَتلُ الوَليدِ
فقد أثبتها من مسالك الأبصار 1/ 262 (والصواب 263)، مع أنها مشهورة لابن المعتزّ! وابن فضل الله ينصّ على ذلك بقوله (دَيْر السُّوسيّ: ... وقد ذكره أبو الفرج وأنشد فيه قول ابن المعتزّ: يا لياليَّ ... إلخ)! وأبو الفرج هو الأصفهاني مصنِّف كتاب الأديرة! فتوهَّم عبدالجابر أنه الببَّغاء وأن الأبيات له! لماذا؟ لا أدري!
(7) أورد عبدالجابر الأرجوزة المزدوجة (مَنْ مُنْصِفي من حَكَمِ الكُتَّابِ) في آخر التسلسل الهجائي، وأخطأ فكتبها (من محكم الكتابِ)، بينما أوردها هلال ناجي في حرف الباء باعتبار رويّ البيت الأول منها.
الدليل الرابع: النقص عن نشرة عبدالجابر والزيادة عليها:
وهناك دليل آخر قاطع الدلالة، وهو أن نشرة عبدالجابر يوجد فيها ما لا يوجد في نشرة هلال ناجي الثانية، فضلاً عن الأولى ومستدركاتها! وإليكها مع أرقامها، وهي تعتبر كالمستدرك السابع أو الثامن! فلو أنصف الناقد لقال:
إن هلال ناجي ربَّما يكون قد أساء إلى الديوان بإعراضه عن النظر في نشرة عبدالجابر، وليس العكس!
وإليك ما ليس في نشرة هلال ناجي الثانية سنة 1998 (والأرقام لطبعة عبدالجابر):
(38)
وَلَو قُبِلَ الفِدا لَكانَ يُفدى * وَإِن جَلَّ المُصابُ عَنِ التَفادي
وَلَكِنَّ المُنونَ لَها عُيونٌ * تَكُدُّ لِحاظَها في الإِبتِعادِ
فَقُل لِلدَهرِ أَنتَ أَصَبتَ فَلْ * بس بِرَغمِكَ دونَنا ثَوبي حَدادِ
إِذا قَدَّمَت خاتِمَةَ الرَزايا * فَقَد عَرَّضتَ سوقَكَ لِلكَسادِ
المصدر: المنتخل (مخطوط) ورقة 34
(40)
اِستَودِعُ اللَهَ قَوماً ما ذَكَرتهُم * إِلّا وَضَعتُ يَدي لَها عَلى كَبِدي
تَبَدَّلوا وَتَبَدَّلنا وَأَخسَرنا * مَنِ اِبتَغى سَبَباً يَسلى فَلَم يَجِد
لَحَحتُ ثُمَّ رَأَيتُ اليَأسَ أَجمَلَ بي * تَنَزُّهاً فَخَصَمتُ الشَوقَ بِالجَلَدِ
المصدر: أعلام النبلاء 4/ 68 والمنتظم 7/ 242
(41)
يا لَيالِيَّ بِالمَطيرَةِ وَالكَر * خِ وَديَرِ السُوِسِيِّ بِاللَهِ عودي
كُنتِ عِندي أَنموذَجاتٍ * مِنَ الجَنَّةِ لكِنَّها بِغَيرِ خُلودِ
أَشرَبُ الراحَ وَهِيَ تَشرَبُ عَقلي * وَعَلى ذاكَ كانَ قَتلُ الوَليدِ
المصدر: مسالك الأبصار 1/ 262 [وقد أوضحنا أنها لم تنسب للببَّغاء أصلاً!]
(105)
يَدعي حَبيبي إِلى هَجري فَيَعدُلُ بي * عَن هَجرِهِ مرَضٌ في القَلبِ مَكتومُ
لَو كانَ ينصِفُني ما كانَ يَهجُروني * لِكِنَّني الدَهر في حُبيِه مَظلومُ
المصدر: نشوار المحاضرة 2/ 53
(122)
مِن سَرَّهُ العيدُ فَما سَرَّني * بَل زادَ في هَمّي وَأشجاني
لِأَنَّهُ ذَكَّرَني ما مَضى مِن * عَهدِ أَحبابي وَإِخواني
المصدر: المنتحل (مخطوط) ورقة 133
الدليل الخامس: الزيادات الكثيرة على نشرة عبدالجابر:
وفي المقابل، يوجد في نشرة هلال ناجي قطع كثيرة لا توجد في نشرة عبدالجابر. وقد كان الإنصاف لعبدالجابر يقتضي أن نستبعد ما يوجد في المصادر المطبوعة بعد عام 1983، ولكننا آثرنا إيراد الجميع للدلالة على استقصاء هلال ناجي ومواظبته، وأنه لم يكن في عمله هذا عالة على عبدالجابر ولا غيره! وهذه هي القطع مع أرقامها في طبعة ناجي الثانية (بيروت 1983):
(1)
ويؤيؤ أوحى من القضاء * ممتع الصورة والأعضاء
ذي سفعةٍ في خده سوداء * مخبرة عن همةٍ بيضاء
ومقلةٍ صفت من الأقذاء * تشف عن ياقوتة صفراء
يلعب منها في غدير ماء * بعيدة المطرح والانحاء
تخبر في الأرض عن السماء * ألطف في الجو من الهواء
مبايناً بالطبع للمكاء * تباين الغدر من الوفاء
المصدر: مباهج الفكر الورقة 309 (مخطوط)
(6)
أن تعلم الأيام موضع عبده * من عزه ومكانه من رائه
بشواهد الخلع التي يغدو بها * متطاولاً شرفاً على نظرائه
فمن العجاب حبس توقيع له * وموقع التوقيع من شفعائه
المصدر: قطعة من النشوار (ليست في المطبوع)
(7)
وذات وصف خص بالثناء * مشتقة الأفعال والأسماء
من صفة الأرواح والأنداء * كأنما صيغت من الهواء
تطرفنا في الصيف والشتاء
المصدر: الإعجاز في الأحاجي والألغاز الورقة 34 (مخطوط)
(24)
وأفضل الناس من لم يرتكب سبباً * حتى يميز ما تجني عواقبه
المصدر: ذمّ الهوى 662
(37)
حفظت منك بما لم يجر في خلدي * فالآن أعذر حسادي على حسدي
سماح كف إذا ما شمت بارقه * نابت زيادته عن أن اقول زد
وذمة الدهر معتصماً * بما تلقيته فرداً بلا مدد
فأي موهبةٍ لم أحو أشرفها * عفواً وفائدة بالفضل لم أفد
أيا أبا صالحٍ أصلحت من زمني * فعاد فاسده لي غير منفسد
تركت دهري وقدماً كان يلحظني * شزراً يلاحظني من مقلتي رمدِ
المصدر: المناقب والمثالب الورقة 25 (مخطوط)
(38)
إذا شكرت الذي أعطى بلا عدةٍ * فكيف أشكر من أعطى ولم يعد
هذا الثناء على قرب المزار وإن * فقدتني فاعتقادي غير مفتقد
وما المحافظ من يثني على قربٍ * بل المحافظ من يثني على بعد
المصدر: المناقب والمثالب الورقة 68 (مخطوط)
(56)
ذو قصر أحدب من غير كبر * محتقر المنظر خبار الحبر
مستضعف لكن إذا ضيم انتصر * مستأنس فإن مسناه نفر
وإن جنى جنايةً لم يعتذر * مفوق سهما إذا شك انسمر
نصاله الحب ومأواه الحفر * لما رأى العصفور حباً قد بدر
ارتاب بالحنطة ما بين المدر * ولم يزل بين الرجاء والحذر
يبعثه الحرص ويعييه الخطر * ثم هوى مستيقناً لما افتكر
ان بني الدنيا جميعاً في غرر * وأمل النفع ولم يخش الضرر
فشده الفخ بأشراك الغير * ولم يطق دفع القضاء والقدر
وكثرة الاطماع آفات البشر * وفي تصاريف الليالي معتبر
والحزم أن تجزع من حيث تسر * وآخر الصفو وإن لذ الكدر
المصدر: مباهج الفكر الورقة 126 (مخطوط)
(57)
ودايةٍ ترضع عبر درها * انحناء ظهرها
مقلتها شاخصةٌ في صدرها * نجلاء لا بطرف هدب شفرها
طارةٌ مقيمةٌ في وكرها * باطشة لكن بغير ظفرها
آراؤها تصدرها عن فكرها * نجيبةٌ في أصلها ونجرها
بنت كعوب سبيت من سمرها * فافتضها الصانع بعد مهرها
بقطعها وبردها ونشرها * حتى إذا سار خمولُ ذكرها
أبرزها في حلل من خدرها * بوتر مطالبٍ بوترها
مثلث به كمال امرها * فلم تزل مرته بنبرها
ينعي إلى الطير امتداد عمرها * كأنما البندق بعد جرها
حقودها صادرةٌ عن صدرها * جيدت بسحبٍ طميت بمرها
كأنها تحت انسكاب قطرها * أسرة لوطٍ مطرت بصخرها
فلم تزل تغمرنا ببرها * حتى اعترفنا كلنا بشكرها
أفعالها ناطقةٌ بفخرها * تعنو ملوك الطير خوف مكرها
من بازها في فتكه وصقرها * لا ينكر الجارح عظم قدرها
المصدر: مباهج الفكر الورقة 350 (مخطوط)
(71)
يا من رضيت من [الخلق] الكثير به * أنت البعيد على قرب من الدار
أعلمت فيك المنى حلاً ومرتحلا * حتى رددت المنى أنضاء أسفار
المصدر: الوافي الورقة 15/ 285 (مخطوط)
(83)
سلوا الصبابة عني هل خلوت بمن * أهوى مع الشوق إلا والعفاف معي
تأبى الدناءة لي نفس نفائسها * تسعى لغير الرضا بالري والشبع
وهمة ما أظن الحط يدركها * إلا وقد جاوزت في كل ممتنع
لا صاحبتني نفسٌ إن هممت لما * أرضى بها غمرات الموت لم تطع
على جناب العلا حلي ومرتحلي * وفي حمى المجد مصطافي ومرتبعي
وما نضوت لباس الذل عن أملي * حتى جعلت دروع البأس مدرعي
وكل من لم تؤدبه خلائقه * فإنه بعظاتي غير منتفع
المصدر: الوافي الورقة 15/ 286 (مخطوط)
(85)
لنا روضة في الدار صيغ لزهرها * قلائد من حمل الندى وشنوف
يطيف بنا منها إذا ما تنفست * نسيم كعقل الخالدي ضعيف
المصدر: معاهد التنصيص 1/ 131
(92)
أشقيتني فرضيت أن أشقى * وملكتني فقتلتني عشقا
وزعمت أنك لا تكلمني * عشراً فمن لك أنني أبقى
ليس الذي تبغيه من تلفي * متعذراً فاستعمل الرفقا
المصدر: إرشاد الأريب 5/ 219
(95)
ترى الثريا والبدر في قرن * كما يحيى بنرجسٍ ملك
المصدر: معاهد التنصيص 1/ 138
(107)
وقد رام هذا الحب أن يسترقني * فانجدني صبرٌ عليه جميلُ
المصدر: ذمّ الهوى 644
(111)
ورجاء سيف الدولة الشرف الذي * يتقاصر التفصيل عن تفصيله
ضمنت تأميلي نداه فرده * جذلان من سفر الظنون بسؤله
وأفقت حين بلغت ورد نواله * عن ورد ممتنع النوال بخيله
فالغيث يغبطني على إنعامه * والدهر يحسدني على تاميله
المصدر: نخب تاريخية 352
(112)
لا تحسبي أن نفسي كالنفوس إذا * حملتها في هواك الضيم تحتمل
وربما بعث التذكار نحوكم * دمعي فتنكره الأجفان والمقل
كوني كما شئت إن هجراً وإن صلة * فليس تنكر صبر البازل الإبل
كم ذقت للدهر خطباً أنت أيسره * فما ثنى عطف حلمي الحادث الجلل
المصدر: ذمّ الهوى 644
(113)
سواي الذي ترمي المطامع نبله * وغيري من بالحرص يسهل ذله
ولو كنت ممن تقبل الضيم نفسه * لجنبت هجري من منى النفس وصله
هوى سمت قلبي أن يطاوع حكمه * فبادرني قبل العواذل عذله
توهمني كالعاشقين يروعني * تجنبه أو يغتال جدي هزله
وإني لألقاه بسلوةِ زاهدٍ * وفي يده عقد الفؤاد وحله
أصارف طرفي في تأمل حسنه * واسخط ما يرضي سواي أقله
ولا خير فيمن يملك الحب رأيه * وإن ملك القلب المتيم حبله
المصدر: ذمّ الهوى 644
(125)
في الحلم ما ينهى ذوي الارحام * عما يخالف عادل الاحكام
يا ناظري ويعز أن أقذى ويا * قلبي وكيف أروعه بملام
لأعاتبنك مبقياً مستصلحاً * قبل الظبا بعبارة الأقلام
أسخطت عمداً في عقوقي دولة * ثبتها نصراً بحسن قيامي
عن كنت ناصرها فإني سيفها * والقتل لا يرضى بغير حسام
وبكفك الصمصام مني فارعه * حفظاً ولا تخدع عن الصمصام
لك في الأباعد من عداتك شاغلٌ * عما تعق به ذوي الارحام
المصدر: بغية الطلب 10/ 4585
(126)
وشاهبلوط تناهى واستتم
كخرز من سبح لم ينتظم
كأنه لما تراءى من أمم
في صحة التشبيه أظلاف الغنم
المصدر: محاضرات الأدباء 1/ 625
(141)
جيش يفوت الطرف حتى لا يرى * ما غاب من أطرافه محدودا
ويجيش حتى لا يظن عديده * أحد لكثرة جمعه معدودا
فكأنما جعل الاله روابي ال * أعلام أعلاماً له وبنودا
يقضي على الأعداء خيفة بأسه * قبل اللقاء تهدداً ووعيدا
وترى وتسمع لمعه وخفوقه * فتخال فيه بوارقاً ورعودا
المصدر: الغرر والعرر 215
(142)
ذخرت أبي نصر لحظ أناله * فبلغني أقصى المنى ببني نصر
وجدتهم الذخر القديم ولم أكن * علمت بأن الذخر يعزى إلى الدهر
المصدر: معجم الأدباء 5/ 1954
(142)
بني علي بن نصر * دعاء باسط عذري
أسرفتم في وصالي * وليس يحسن هجري
المصدر: معجم الأدباء 5/ 1954
الدليل السادس: الإحالة على المخطوطات والمطبوعات النادرة:
هذا الدليل لا يعرف قدره إلا عشَّاق التراث! وهو أن الأستاذ هلال ناجي رجع إلى مصادر نادرة، مصداقًا لقول الخصم (
أما المخطوطات فاشهد انه يمتلك الكثير منها)! وإليك طائفة منها:
* المناقب والمثالب، للخوارزمي (مخطوط)
* الإعجاز في الأحاجي والألغاز، للحظيري (مخطوط)
* حدائق الأنوار، للجنيد (مخطوط)
* حماسة مجهولة أصلها عند الأستاذ محد المنوني بالمغرب (مخطوط)
* روح الروح، لمجهول (مخطوط)
* السحر والشعر، لابن الخطيب (مخطوط)
* سير أعلام النبلاء، للذهبي (مخطوط)
* مباهج الفكر، للوطواط (مخطوط)
* قطعة من نشوار المحاضرة للتنوخي زائدة على المطبوع (ضمن مجموع مطبوع بأوربا)
* المخطوط 12592 بمتحف الآثار ببغداد
* الوافي بالوفيات (مخطوط)
.......... إلخ
أفيُستكثر على مَنْ هذا شأنه وهذه مصادره: أن يستخرج أشعارًا من الدرّ الفريد وجمهرة الإسلام ومحاضرات الأدباء ونهاية الأرب وشرح نهج البلاغة؟!
الدليل السابع: اختلاف الاجتهادات والتحقيقات:
لم أجد في كلام هلال ناجي جملة أخذها من عبدالجابر، ولا رأيًا تابعه عليه أو سرقه منه، ولا خطأً تابعه عليه أو صحَّحه له، ولا عبارةً كتبها وهو ينظر من طرف خفيّ إلى عبارة عبدالجابر! وإليك بعض الأمثلة:
(1) قال عبدالجابر في المقدِّمة 8 (وقيل: لقِّب بالببَّغاء لفصاحته، وقيل: للثغة كانت في لسانه. ويؤيد الرأي الثاني قولُ الصابي ... إلخ). وهذا الترجيح لا يوجد عند ناجي.
(2) وقال في المقدِّمة 8 (ويبدو أن لثغة بالفاء كانت في لسانه، ولذلك كان ابن حنِّي يسمِّيه الففَّغاء بفاءين). وقد أشار ناجي إلى قول ابن حنِّي ولم يفسِّره بتفسير عبدالجابر.
(3) وقال في المقدِّمة 9 (ونحن نعلم أن سيف الدولة دخل دمشق خلال حربه مع الإخشيديين سنة 334، وما دام الشاعر يذكر أن عمره آنذاك كان عشرين عامًا فلذا نرجِّح أنه وُلد حوالي سنة 314)، وهذا تحقيق صحيح. وغُمَّ الأمر على ناجي فقال في مقدِّمته 8 (فإذا افترضنا أن ذلك كان في السنوات الأولى من حكم سيف الدولة 333 - 335، فيكون مولد شاعرنا عام 313 - 315. غير أن هذا الافتراض يظلّ قلقًا، فنحن لا نعرف التاريخ الذي جرت فيه هذه القصَّة على وجه الدقَّة). والمسألة لا تحتاج إلى افتراض، لأن سيف الدولة دخل دمشق لأشهر معدودة في تلك السنة، ثم أُخرج منها ولم يعد إليها إلى أن مات سنة 356.
(4) وقال في المقدِّمة 12 (وربَّما تنقَّل بين حلب ودمشق حينما تكون دمشق بيد سيف الدولة)، وهو تعبير غير دقيق، لأن دمشق صارت بيد سيف الدولة مرَّة واحدة. وهذا المعنى لا يوجد عند ناجي، مع أنه لم يتحقَّق من عدد المرّات.
(5) وقال في المقدِّمة 17 (ذكر الطبّاخ أنه توفي سنة 396، وهذا توهّم خاطئ وقع فيه ... إلخ). وهذا المعنى لا يوجد عند ناجي، ولم يرجع إلى كتاب الطبّاخ.
(6) وكتب كلاماً طويلاً في تحليل شعر الببَّغاء والإشادة به، ولم يخلُ من مبالغة، ولم أجد ما يناظره عند ناجي.
(7) القطعة (35) «الممدودا»: خرَّجها عبدالجابر من اليتيمة 1/ 266 ونهاية الأرب 3/ 222، بينما خرَّجها هلال ناجي من اليتيمة 1/ 282 لا غير.
(8) القطعة (51) «محظورُ»: خرَّجها عبدالجابر من اليتيمة 3/ 125 وتحفة الوزراء 165 ووفيات الأعيان 2/ 354، بينما خرَّجها هلال ناجي من اليتيمة 3/ 130 وأنوار الربيع 3/ 253.
(8) القطعة (55) «سرى»: قال عبدالجابر (معاهد التنصيص 2/ 101. ذكر ... أنهما يعزيان إلى السريّ الرفَّاء. والجدير بالذكر أنهما غير موجودين في ديوانه). وقد أحال هلال ناجي على طبعة أخرى من المعاهد 1/ 169، ولم يذكر عزوهما فيه إلى السريّ الرفَّاء ولا خلوّ ديوانه منهما.
(9) القطعة (60) «الدهرِ»: خرَّجها عبدالجابر من اليتيمة 1/ 242 وبدائع البدائه 137 ومخطوطة جمهرة الإسلام الورقة 35. وخرَّجها هلال ناجي من اليتيمة 1/ 258 ومطالع البدور 1/ 251 والأعلاق الخطيرة قسم دمشق 283. ولو كان يسطو على نشرة عبدالجابر لما فاته أن يأخذ منه هذه الإحالة المهمَّة على كتاب مخطوط، كما فعل المرحوم العاني مثلاً!
(10) القطعة (67) «النفوسِ»: نسي عبدالجابر أن يذكر مصدرها! وأثبته هلال ناجي (زهر الآداب 1/ 178)
(11) القطعة (89) «الحيلُ»: خرَّجها عبدالجابر من اليتيمة [1/] 267 ونهاية الأرب 3/ 222، وقال (ذكر النويري أن هذه الأبيات تروى للبحتري، والجدير بالذكر أنها لم ترد في مخطوطات ديوان البحتري ... إلخ). أما هلال ناجي فخرَّجها من اليتيمة 1/ 283 لا غير، ولم يعرف بوجودها في نهاية الأرب ولا بنسبتها إلى البحتري.
وليس الغرض مما سبق نقد نشرة عبدالجابر، بل إثبات أن هلال ناجي لم يكن عالة عليه.
الدليل الثامن: اختلاف المصادر والطبعات:
إنَّ مما يدل على الاستقلال أو التسارق بين عملين: أن يقارن الناقد بين مصادرهما مقارنة دقيقة، وسوف ينكشف له حظّ اللاحق من الأصالة. وقد قصَّر الناقد (سعد هلال) في القيام بهذه المقارنة الضرورية، ولا شكَّ عندي أنه وجد أن المقارنة لا تفي بالغرض المطلوب، فتجاهل هذا الأمر على أمل أن لا يفطن القرَّاء إليه.
وقد قمنا بالجزء الممكن من هذا العمل، وهو مقارنة أسماء الكتب المذكورة في قائمتيهما، بعد أن حذفنا من قائمة هلال ناجي ما نُشر بعد سنة 1983، ووجدنا بينهما اختلافًا بليغًا بحيث لم نجد ضرورة للمقارنة بين مواضع رجوعهما إلى الكتاب الواحد. وإليك النتيجة:
(1) المصادر التي انفرد عبدالجابر بالرجوع إليها:
الإعجاز والإيجاز - إعجام الأعلام - الأعلام - تاريخ الأدب لفرّوخ - تحفة الوزراء للثعالبي - تمام المتون - الجماهر - جمهرة الإسلام - دائرة المعارف الإسلامية - ديوان البحتري - ربيع الأبرار - السيف المهند - الشعر في رحاب سيف الدولة - الصحاح - العمدة - غرائب التنبيهات - الفن ومذاهبه - القاموس - الكنى للقمّي - لباب الآداب - لطائف اللطف - معجم المؤلفين - المعجم الوسيط - مقالة الزينة للجبوري - المنتخل - نخب الذخائر.
(2) المصادر التي انفرد هلال ناجي بالرجوع إليها:
أحسن التقاسيم - أسرار البلاغة - الإعجاز للحظيري - الأعلاق الخطيرة - الألفاظ الفارسية - أنوار الربيع - حدائق الأنوار - حماسة مجهولة - ذمّ الهوى - روح الروح - زهر الآداب - السحر والشعر - سير أعلام النبلاء - شرح المضنون به - شرح المقامات - شعر الحرب للمحاسني - صورة الأرض - العبر للذهبي - اللباب لابن الأثير - مباهج الفكر - المسالك والممالك - مطالع البدور - المناقب والمثالب - النجوم الزاهرة - نخب تاريخية - نشوار المحاضرة قطعة زائدة على المطبوع - الوافي بالوفيات - المخطوط 12592
(3) المصادر المشتركة بينهما:
أحسن ما سمعت - أعلام النبلاء للطبّاخ - الأمالي الخميسية - الأنساب للسمعاني - بدائع البدائه - البداية والنهاية - البديع لأسامة - بهجة المجالس - تاريخ الأدب لبروكلمان - تاريخ الطبري - تاريخ بغداد - تتمة اليتيمة - التمثيل والمحاضرة - جمع الجواهر ذيل زهر الآداب - حماسة الظرفاء - حياة الحيوان - خاص الخاص - شذرات الذهب - صبح الأعشى - الصبح المنبي - الغرر والعرر - الفرج بعد الشدَّة - الفهرست - الكامل لابن الأثير - كشف الظنون - محاضرات الأدباء - المرقصات - مسالك الأبصار - معاهد التنصيص - معجم الأدباء - معجم البلدان - المنتظم - النثر الفني لمبارك - نشوار المحاضرة - نهاية الأرب - هدية العارفين - وفيات الأعيان - يتيمة الدهر.
وليُعلم أن قائمة المصادر المشتركة لا ترسم الصورة الصحيحة، لاختلاف الطبعات التي رجع إليها كلٌّ منهما، والاختلاف في مواضع الاستفادة من كل كتاب منها، وقد مضى عدد كاف من الأمثلة على ذلك.
الدليل التاسع: الاختلافات الأخرى:
كما وجدنا بين العملين عشرات الاختلافات في الرواية والدراية والضبط والشروح وأسلوب التحقيق والترتيب والتنسيق والفهرسة، وبعضها يعكس اختلافًا في نظرية التحقيق وجمع الأشعار. ووجدنا لدى هلال ناجي أخطاءً سَلِمَ منها سعود عبدالجابر، وأخطاءً لدى سعود عبدالجابر سَلِمَ منها هلال ناجي. ولا يخفى أن مباشرة اللاحق للمصادر بنفسه أهون عليه من تغيير الطبعات وأرقام الصفحات وطرائق العرض، وتفادي أخطاء السابق، وارتكاب بعض الأخطاء الجديدة، كلّ ذلك من أجل إخفاء السطو على العمل السابق!
ولو استقصينا هذه المواضع لطال الأمر وبلغ العدد المئات، ولأربى كلامنا على مجموع العملين، وفي ما ذكرناه كفاية وفوق الكفاية!
براءة هلال ناجي من سرقة قطعة معيَّنة:
عجم الناقد (سعد هلال) كنانته بحثًا عن مقطوعة يتعلَّق بها على هلال ناجي، فاختار أجود سهامها! وهي أن سعود عبدالجابر أخطأ فنسب إلى الببّغاء القطعة التي أولها (
ومارقٍٍ معتدل الكعوبِ)، نقلًا عن محاضرات الأدباء (وتابعه هلال برقم 2، والصّحيح أن القطعةَ لم ترِدْ منسوبة للببّغاء بل إلى مجهول).
أقول: (الشيطان في التفاصيل) كما يقول الإفرنج! فهذا هو النّص كما ورد في محاضرات الأدباء:
الببغاء في تمثال سبع في رمح:
وضيغمٍ في ذابلٍ يلوحُ * مساور تسيل منه الروحُ * جسمٌ ولكن ليس فيه روحُ
في صورة أفعى:
ومارقٍ معتدل الكعوبِ * يُقِلُّ أفعى مدة التركيبِ * تدبّ في الجو بلا دبيبِ
(ملاحظة: «
ومارقٍ» صحَّحها هلال ناجي في الطبعة الثانية من المستدرك والديوان إلى «ومارنٍ»، وهو الصواب عندي).
يلاحظ أنّ النّاقد - على عادته غير المحمودة في التحامل - كَتَمَ ورود القطعة الأولى منسوبةً للببّغاء، وزعم أنّ الثانية نُسبت لمجهول، ليسوق القارئ غير المدقّق إلى النّتيجة المطلوبة، وهي أنّ عبدالجابر أخطأ خطأً فاحشًا فتابعه هلال ناجي لأنه ينقل منه! والواقع أن قوله (بل إلى مجهول) هو تحريف منه لعبارة المصنِّف التي تحتمل الأمرين. والذي أراه أنا أن السّياق يرجِّح أن المصنِّف يريد أن ينسبها إلى الببَّغاء، لأنه لم يفصل بين القطعتين بعبارة الانتقال المعهودة (وقال آخر - وقال الشاعر - وقال ... إلخ)، بل أنشدهما بلفظ إنشاد واحد، وهما على نمط واحد، وغرضهما واحد، وهو نادر جدًّا: إذ هما في وصف صورة حيوان من السباع منقوشة على رمح. وللببَّغاء أراجيز وقصائد كثيرة من هذا النمط، في وصف البوق والزُّمَّج وشبكة العصافير والفخّ والجلاهق والسبطانة والثعلب والحصان (والجميع من أدوات الصَّيد)، وقطعة في وصف فأرة مصوَّرة على قطعة سلاح، وقد ورد بعضها في محاضرات الأدباء، وظاهر الحال أنه الديوان كان بين يديه؛ وهذه قرائن تكفي لترجيح نسبة القطعة إلى الببَّغاء.
وقد قرأ عبدالجابر هذا النصّ وأثبت القطعة للببّغاء، وهذا توفيقٌ يُحسب له، مع أنه لم يشرح مسوِّغ الإثبات. وأما ناجي فأخذ الأولى وترك الثانية، على عادة المحقِّقين في مثل هذا السياق. وظاهر الحال أنَّه طالع الصفحة بعد بضع سنوات فبدا له إثبات القطعة، أو ظنَّ أن بصره زاغ عنها في القراءة الأولى! ولو كان رآها في نشرة عبدالجابر فأغلب الظنّ أن يعرض عنها ويعتبرها من أوهامه، ويجعل إعراضه عنها دليلاً على براءته! والغريب أن الدكتور حويزي اقترح عليه - بعد بضعة عشر عامًا - حذفها لأنها غير ثابتة للببَّغاء، فوافقه على ذلك، ولم يُشر إلى إثبات عبدالجابر لها!
وأمرٌ آخر يتعلَّق بهذه القطعة: أن الناقد الذي يشرِّع قوانين السرقات والأمانة العلمية، ويطالب هلال ناجي بأن يذكر عبدالجابر لأنه قرأ الفطعة قبله، وأن يذكر مصدر قوله (د. مزهر عبد موزان السوداني)، ـ فشل في الامتحان، وعجز عن احتمال الأمانة، في نصّ لا يختلف اثنان على وجوب عزوه إلى قائله، وهو قول الدكتور الحويزي:
وعندما رجعنا إلى محاضرات الأدباء وقفنا على أمر عجيب، يكمن في أنّ صاحب المحاضرات لم ينسب هذا الرجز للببغاء، ولا إلى غيره من الشعراء، بل ذكر أبياتًا للببغاء في وصف تمثال، ثم أتبعها بهذا الرجز، وقدّم له بقوله: "في صورة أفعى"، ولم يسمِّ قائلاً بعينه على عادة المؤلفين القدامى. فكان من الواجب على الأستاذ ناجي الاحتياط وهو ينسب هذا الرجز للببغاء، وليس لديه ما يعزز أنه له حقًّا، أمّا قيام صاحب المحاضرات بإيراد هذا الرجز عقب أبيات صحيحة النسبة للببغاء فهذا أمر لا يكفي للقطع بصحة نسبته إليه، خاصة وأننا لم نقف عليه في مصدر آخر منسوبًا إليه.
والناقد يعرف هذه المقالة كلَّ المعرفة، ويعلم أن تحقيق الحويزي هذا هو رأي علمي يُنسب إليه، ويُحسب له أو عليه، وليس مجرَّد إشارة إلى وجود النصّ في محاضرات الأدباء! ثمَّ انظر إلى هذه المفارقة العجيبة: ليس من حقّ هلال ناجي أن يستخرج القطعة في محاضرات الأدباء لأن عبدالجابر قد وقف عليها قبله، ولكنَّ من حقِّ الناقد أن يورد تحقيق الحويزي لهذه القطعة بعينها من غير الإشارة إلى الحويزي!
وقارن هذا النقد الموضوعي الهادئ بعبارة الناقد الحادَّة (والصّحيح أن القطعةَ لم ترِدْ منسوبة للببّغاء بل إلى مجهول)!
............ يتبع