-
قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
بسم الله الرحمن الرحيم ،
يقول الله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138]
بنو إسرائيل طلبوا من موسى - عليه السلام - أن يجعل لهم صنماً يعبدونه ..
أسئلتي في هذا المقام هي :
- هل كفر بنو إسرائيل بهذا القول أم أنهم معذورون بالجهل ؟
- إن كان بنو إسرائيل لا يعلمون معنى لا إله إلا الله ، وجهلوها .. فكيف دخلوا الإسلام إذن ؟ وألا يكون هذا طعناً في دعوة موسى - عليه السلام - إذا قلنا بذلك ؟ .. حيث إن أصل دعوة كل رسول هي عبادة الله واجتناب الطاغوت .
- لماذا لم يكفّر موسى - عليه السلام - من قال بهذا القول ، واكتفى بتجهيلهم ؟
.............................. ....................
أطرح هذه المسائل للمحاورة والنقاش .. فإن الذين يعذرون بالجهل في الشرك الأكبر كثيراً ما يستدلون بهذه الآية .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عذرا أخي أبا شعيب، لعلي أشاركك في طرح بعض الإشكالات:
إخواني الفضلاء أطرح عليكم بعض النقول في قصة بني إسراءيل لم أفهمها إلى حد الآن :
قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير الآية
"{ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا } أي: مثالا نعبده { كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } و لم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله ، وإنما معناه: اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله عز وجل وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم"
و قال الألوسي رحمه الله تعالى :
" "ثم إن هذا الطلب لم يكن كما قال محيي السنة البغوي عن شك منهم بوحدانية الله تعالى و إنما كان غرضهم إلهاً يعظمونه ويتقربون بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر بالديانة وكان ذلك لشدة جهلهم كما أذنت به الآيات ، وقيل : إن غرضهم عبادة الصنم حقيقة فيكون ذلك ردة منهم ، وأياً ما كان فالقائل بعضهم لا كلهم"
فهل هناك فرق من حيث الحكم على الفعل بالشرك بين "عبادة الصنم حقيقة " و بين أن يطلبوا إلها ليعظموه ويتقربوا بتعظيمه إلى الله تعالى" ؟!
أفيدونا أفادكم الله
أرجو الله أن يوفق المتأهلين للإجابة لبيان كاف شاف.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
أخواني الكرام وفقكم الله تعالى : الذي يظهر من سياق الآية الكريمة أن هؤلاء القوم من نبي إسرائيل لم يشكوا في وحدانية الله تبارك وتعالى ومن يتبع ذلك من إفراد ه بالعبادة كما سبق في كلام البغوي وأقره الألوسي رحمهما الله تعالى ، وهذا الأمر واضح جداً من قولهم لنبي الله موسى عليه السلام : ( إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) فهم كانوا على يقين أن هذا الفعل لا يجوز أن يرتكبه المرء إلا بأذن من الشارع ولهذا طلبوا الأذن في بادئ الأمر ولم يفعلوا ولما نهوا انتهوا .. بخلاف أؤلئك القوم ا الذين عبدوا العجل ولم ينتظروا الأمر ولم يطلبوا الأذن مع أن رسول الله هارون عليه السلام كان بين أظهرهم ... فالفريق الأول من بني إسرائيل كانوا على يقين أن الله هو المتفرد بالوحدانية ولكنهم جهلوا فظنوا أن الشارع قد يأذن في فعل ما نهى عنه في زمن أو وقت معين وهذه هي الشبهة الطارئة التي قد يعذر بها الجاهل .. هذا أمـر .
وأمــر أخــر : أن هؤلاء القوم لم يطلبوا إلهاً مستقلاً يعبدونه من دون الله عزوجل .. وإنما طلبوا إلهاً يأذن الله لهم في أن يتقربوا إليه بعبادته إياه .. فتكون عبادته متوجهة إلى الله أصلاً .. وهذا مثل قوم كانوا مع نبيهم فمروا على شجرة فطلبوا من نبيهم أن يدعو الله تبارك وتعالى أن يٌنزل بركته على هذه الشجرة فيتبركوا بها ويتمسحوا عليها ويطوفوا حولها لعلهم أنهم يعبدون الله الذي أذن لهم في أن يتخذوا هذه الشجرة وسيلة تقربهم إليه لأنه قد أحل فيها بركته ولكن لما كان هذا ممتنع شرعاً أُعتبر قولهم جهل منهم فُـعـذروا ولم يَكفروا لأنهم لم يقارفوا الشرك أصلاً .. هذا ما أعرفه حول المسألة والله أعلم .. قد يكون قولي صواب وقد يكون خطأ وننتظر من الأخوة التعليق .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
الأخ (عبدالله الجنوبي) ،
جزاك الله خيراً لطرحك هذه النصوص مما وضحّت الإشكالات التي عرضتها في أصل الموضوع .
الأخ (الإمام الدهلوي) ،
جزاك الله خيراً .. هؤلاء النفر من بني إسرائيل لم يشكوا في وحدانية الله - سبحانه وتعالى - ، وهذا صحيح .. ولكنهم استحسنوا عبادة غيره .. وأرادوا عبادة الصنم تقرباً إلى الله تعالى ، كما كان كفار قريش يعبدون أصنامهم تقرباً إلى الله .
ودليل استحسانهم لذلك هو طلبهم من موسى ، وقول موسى بعدها : { إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . فلو كانوا يعلمون أن ما يفعله عبدة الأصنام هؤلاء باطل ، وأن ذلك غمط لحق الله تعالى في الألوهية ، لما طلبوه منه .. ولما احتاج أن يقول لهم ذلك .
فهؤلاء جهلوا حق الله تعالى في الألوهية ، واستحسنوا عبادة غيره .. فلم يعلموا معنى لا إله إلا الله .. فكيف بقوا على إسلامهم ؟
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
تابعت بعض مواضيعك فتعجبت من طريقتك..
فأنت يا أخي تطرح السؤال بصيغة المستفهم..ثم حين تجاب..
تثبت رأيك وبقوة!
ولاشك أن هؤلاء كفروا..فما الذي حدا بك إلى نفي الكفر عنهم..
أما وصف الجهل..فلا أعلم الله استعمله إلا مع الكفار..
كما في قول لوط عليه السلام"إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون"
وقول هود"ولكني أراكم قوما تجهلون"
وقول الله لنبيه"خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"
ونظائره كثيرة
إلا أن يجيء في سياق له قرينة على كونه جهلا مخصوصا بعدم العلم المجرد كما في قوله"يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"
لأن من يعلم الحق ثم يخالفه أولى باستحقاق اسم الجهل من الذي لا يعلم أصلا
كما كفروا بعبادة العجل..فكانوا يكفرون ثم يعود منهم فئام ويتوبون..
قال موسى عقيب فعلهم هذا"أغير الله أبغيكم إلها"؟
وأخشى أن لوثة الإرجاء أصابتك فرحت تنفي الكفر في أحوال كثيرة
كما في نفيك الكفر عمن يحمل الناس على قانون أرضي
يستبدله بشرع الله يحاكمهم إليه..بشبهات من هنا وهناك
وذهبت إلى أبعد من ذلك..في مواضيع أخرى..
وأنصحك بقراءة الكتاب النفيس ظاهرة الإرجاء
وواضح أن كتاباتك عن التكفير أوحت لك أنك متخصص في هذا
وإنما تجشمت التعليق هنا حتى لا تظن أن عدم تعليق طلبة العلم يعني موافقتهم لك
وليس الأمر كذلك..وأوصيك بالحذر من القول على الله بغير علم في هذه المقامات العظيمة..
والله المستعان
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
السلام عليكم ،
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو القاسم
ولاشك أن هؤلاء كفروا..فما الذي حدا بك إلى نفي الكفر عنهم..
أين تراني نفيت الكفر عنهم ؟ .. وأنا الذي قلت :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
أطرح هذه المسائل للمحاورة والنقاش .. فإن الذين يعذرون بالجهل في الشرك الأكبر كثيراً ما يستدلون بهذه الآية .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو القاسم
وأخشى أن لوثة الإرجاء أصابتك فرحت تنفي الكفر في أحوال كثيرة
كما في نفيك الكفر عمن يحمل الناس على قانون أرضي
يستبدله بشرع الله يحاكمهم إليه..بشبهات من هنا وهناك
يبدو أنك حقاً لا تعرف منهجي ، ولم تقرأ كتاباتي .. الجميع يعلم في هذا المنتدى أنني من أشد القائلين بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله بالتشريع الوضعي .. وقد دارت في ذلك مناظرات طويلة .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو القاسم
وذهبت إلى أبعد من ذلك..في مواضيع أخرى..
ما دمت ذهبت أبعد من ذلك ، فبينه لنا لعلنا نستفيد ، وجزاك الله خيراً .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو القاسم
وواضح أن كتاباتك عن التكفير أوحت لك أنك متخصص في هذا
وإنما تجشمت التعليق هنا حتى لا تظن أن عدم تعليق طلبة العلم يعني موافقتهم لك
وليس الأمر كذلك..وأوصيك بالحذر من القول على الله بغير علم في هذه المقامات العظيمة..
والله المستعان
إذا عندك شيء فهاته .. وكما أنك خشيت أن يظن الناس أن طلبة العلم موافقون لي في مواضيعي ، لذلك لم يتكلفوا الرد .. فدعنا نر ما عندك ، ونفيد منك إن شاء الله .
أما هذا الموضوع المطروح .. فهو للناقش .. ولم أبيّن فيه رأيي .. حتى أرى جميع الأقوال فيه .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
من الذين لم يكفّروا الذين طلبوا عبادة الأصنام من موسى - عليه السلام - ابن عطية في تفسيره .. إذ قال عند هذه الآية :
اقتباس:
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من مقالة بني إسرائيل لموسى : { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } أنهم استحسنوا ما رأوه من آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى ، وفي جملة ما يتقرب به إلى الله ، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى : اجعل لنا صنماً نفرده بالعبادة ونكفر بربك ، فعرفهم موسى أن هذا جهل منهم إذ سألوا أمراً حراماً فيه الإشراك في العبادة ، ومنه يتطرق إلى إفراد الأصنام بالعبادة ، والكفر بالله - عز وجل - ، وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي قصه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول أبي واقد الليثي له في غزوة حنين ، إذ مروا على دوح سدرة خضراء عظيمة : اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسلحتهم ولها يوم يجتمعون إليها فيه ، فأراد أبو واقد وغيره أن يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام ، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ذريعة إلى عبادة تلك السرحة ، فأنكره وقال : ( الله أكبر قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } لتتبعن سنن من قبلكم ) .
قال القاضي أبو محمد : ولم يقصد أبو واقد بمقالته فساداً ، وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفراً ، ولفظة الإله تقتضي ذلك ، وهذا محتمل ، وما ذكرته أولاً أصح عندي ، والله تعالى أعلم .
ومن الذين لم يكفّروا هؤلاء أيضاً الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ، إذ قال بعد أن ذكر حديث ذات أنواط في كتابه [تيسير العزيز الحميد]:
اقتباس:
قوله : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :{الله أكبر} هكذا في بعض الروايات ، وفي رواية الترمذي {سبحان الله} والمقصود باللفظين واحد ؛ لأن المراد تعظيم الله ، وتنزيهه عن الشرك ، والتقرب به إليه .
قوله : { قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلهاً .. } أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الأمر الذي طلبوه منه ، وهو اتخاذ شجرة للعكوف عندها ، وتعليق الأسلحة بها تبركاً ، كالأمر الذي طلبه بنو إسرائيل من موسى - عليه السلام - حيث قالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فإذا كان اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة ، والعكوف عندها ، اتخاذ إله مع الله ، مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها ..
إلى أن قال : وفي هذه الجملة من الفوائد : أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها ، والذبح لها هو الشرك .. فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسناً ، وطلبوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بين لهم أن ذلك كقولة بني إسرائيل اجعل لنا إلهاً ، فكيف بغيرهم مع غلبة الجهل ..
وفيها ، أن الاعتبار بالأحكام بالمعاني لا بالأسماء ، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - طلبتهم كطلبة بني إسرائيل ، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط ..
وفيها ، أن من عُبد فهو إله ؛ لأن بني إسرائيل والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يريدوا من الأصنام والشجرة الخلق والرزق ، وإنما أرادوا البركة ، والعكوف عندها ، فكان ذلك اتخاذاً له مع الله تعالى .
وفيها ، أن معنى الإله هو المعبود ، وأن من أراد أن يفعل الشرك جهلاً فنهى عن ذلك فانتهى لا يكفر ..
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
ارجوا من الاخوة الذين قالوا انهم كفروا ان يذكروا من قال ذلك من العلماء
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
من كتاب ''العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي'' لأبي يوسف مدحت بن الحسن آل فراج
الفصل الثاني: الرد على الشبه المستدل بها خطأ من السنة المطهرة.
الشبه الثالثة: الاستدلال خطأ بحديث ذات أنواط عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عليها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: "الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: (اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) لتركبن سنن من كان قبلكم". أخرجه الترمذي وصححه.
المبحث الثاني: الفرق بين الطلب من المخلوق وبين الطلب به:
أقول وبالله التوفيق: إن الذين طلبوا كانوا حدثاء عهد بالكفر، وطلبوا ولم يفعلوا، وقد نص العلماء على أنهم طلبوا مجرد المشابهة في أن تكون لهم شجرة ينوطون بها السلاح يستمدون بها وليس منها النصر بسبب ما ينزل من البركة عليها من قبل الله. ولذلك سألوا النبي، صلى الله عليه وسلم، ذلك فقالوا: اجعل لنا ذات أنواط. فهم لم يدّعوا فيها هذا من قبل نفوسهم ولكن أرادوا أن يكون ذلك من الله عن طريق نبيه ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم، وكما قلت من قبل: يستمدون بها النصر وليس منها كما في الحديث الصحيح "مطرنا بنوء كذا". أي: بسبب الكوكب لا به.
لأن القول مطرنا بسبب الكوكب فهذا يكون ابتداع وشرك أصغر.
ومن قال: إن الكوكب هو الذي أنزل المطر فهذا شرك بالله في ربوبيته.
فهم طلبوا النصر بها ولكن المحذور الذي وقعوا فيه هو مشابهتهم للمشركين فقطع النبي، صلى الله عليه وسلم، مادة المشابهة من جذرها، وقال: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).
ومن المعلوم أن المشبه يشبه المشبه به في وجه أو في بعض الأوجه دون بقيتها لا يماثله تماماً وإلا كان فرداً من جنسه وهذا كقول النبي، صلى الله عليه وسلم،: "مدمن الخمر كعابد وثن"([1]). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته"([2]).
ومن المعلوم أن التشبيه هنا في الرؤية والوضوح لا في الشكل والاستدارة (والعياذ بالله من ذلك) وكذلك هنا أن بني إسرائيل طلبوا مشابهة المشركين ولكن في الشرك الأكبر وأنتم طلبتم مشابهة المشركين إلا أنه في الشرك الأصغر، أو أن طلبهم هذا قد يؤول إلى الشرك الأكبر مع طول الزمان لأن البدع يريد الشرك الأكبر، فأول شرك وقع على وجه الأرض كان بدايته تصوير الأصنام على صور الصالحين، ثم لما تنسخ العلم عبدت، فكان تصوير الأصنام ذريعة إلى الشرك فيما بعد مع أن مجرد الوقوف عليه ليس بشرك، وكما حرم في شريعتنا بناء المساجد على القبور أيضاً لهذا المعنى: لأنها تؤول بأصحابها إلى الشرك الأكبر.
فإن قيل فإن كان سؤالهم مجرد المشابهة فلم قال صلى الله عليه وسلم: "قلتم كما قالت بنو إسرائيل"؟ قيل: هذا من باب ما يؤول إليه الأمر ومن باب التغليظ كما غلظ النبي –صلى الله عليه وسلم- على من قال له "ما شاء الله وشئت، فقال أجعلتني لله نداً".
قال الشاطبي:- في معرض اتباع الأمم السابقة خاصة أهل الكتاب في بدعهم –قال فقوله، صلى الله عليه وسلم: "حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها". يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم، بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها، فالذي يدل على الأول قوله "لتتبعن سنن من كان قبلكم". الحديث فإنه قال فيه: "حتى لو دخلوا في جحر ضب حرب لاتبعتموهم". والذي يدل على الثاني قوله: "فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال عليه السلام هذا كما قالت بنو إسرائيل: اجعل لنا إلها" الحديث.
فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله لا أنه هو بنفسه، فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه والله أعلم([3]). ا.هـ.
طلب القوم مجرد المشابهة:
فهذا النص من الإمام الأصولي يدل على أن: القوم لم يطلبوا الشرك الأكبر بل مجرد المشابهة وأنه يشبه طلب بني إسرائيل لا أنه هو بنفسه، وأنه لا يلزم التشابه بينهما من كل وجه فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه، ما لم ينص عليه من كل وجه.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن ساق الحديث في باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما –فيه مسائل-.
المسألة الثالثة –كونهم لم يفعلوا –المسألة الحادية عشر- أن الشرك فيه: أكبر، وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا"([4]). ا.هـ.
قلت: فهذا نص من الشيخ أن القوم طلبوا الشرك الأصغر.
وقال ابن تيمية: ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط فقال بعض الناس: يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم".
فأنكر النبي، صلى الله عليه وسلم، مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم. فكيف بما هو أطم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو هو الشرك بعينه؟
فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحب الشريعة ذلك فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض. سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها أو قتاة جارية أو جبلاً أو مغارة وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله –سبحانه- عندها، أو لينسك عندها. بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عيناً ولا نوعاً([5]). ا.هـ.
الفرق بين التوحيد والبدعة والشرك:
وهذا كلام شيخ الإسلام ينص على أن: القوم طلبوا مجرد المشابهة للمشركين لا عين الشرك ثم انظر إلى الأمثلة التي ذكرها بعد ذلك فهي كلها في البدع وليست في الشرك الأكبر وهو أن يخص العبد بقعة أو شجرة أو قناة بنوع من البركة بغير برهان من الله، ويعبد الله عندها رجاء عظم الثواب وهذا هو عين البدعة لأن التوحيد هو: عبادة الله وحده بما شرع على ألسن رسله عليهم السلام والشرك عبادة غير الله معه.
والبدعة([6]) هي: عبادة الله وحده بغير ما شرع على التعيين دون الإجمال.
فالذي يعبد الله وحده عند البيت الحرام يجو عظم الثواب فهذا موحد على السنة لأن الله فضل هذا المكان على غيره.
وأما من يعبد الأموات. فهو مشرك لصرفه العبادة لغير الله.
وأما من يعبد الله وحده لا شريك له عند القبور فهذا موحد لم يشرك بالله غيره إلا أنه مبتدع لأنه فضل مكاناً بغير برهان من الشرع، فخرج من السنة إلى البدعة بهذا.
العبد منذ أسلم مكلف بالتوحيد على الفور:
والقوم لم يطلبوا الشرك الأكبر يقيناً لأنه كما ذكرت من قبل أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بلا نزاع بين العلماء ومن المعلوم أن العبد منذ دخل في الإسلام وهو مطالب بالتوحيد والنهي عن الشرك فكيف يجوز تأخير هذا الأمر؟
فهل يظن ظان أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يحدث أمته عن الشرك ويبينه لهم وينهاهم عنه، وينتظر حتى يقع في الأمة شرك في النسك فيقول عندها: هذا شرك بالله، ثم يقع شرك في الحاكمية فعندها يخبر الأمة: أن هذا شرك بالله، ثم يقع شرك في الولاية فيخبر ساعتها أن هذا شرك ولا تعودوا إليه ولو لم يقع لا ينهى، صلى الله عليه وسلم، عنه.
أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم وطعن في نبي الله ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم، إذ كيف يأمر معاذاً عند قدومه لأهل الكتاب أن يدعوهم إلى التوحيد، ولا ينتقل منه إلى الشرائع حتى يعرفوا الله المعرفة التي تفرق بين التوحيد والشرك وأن يعرفهم إلههم الذي يجهلونه، ولا يفعل هو، صلى الله عليه وسلم، ذلك –والعياذ بالله- فإنا نبرأ بنينا، صلى الله عليه وسلم، من هذا النقص والازدراء ويلزم من هذا القول الخبيث أن كثيراً من الصحابة ماتوا قبل أن يعلموا ويستكملوا حقيقة التوحيد والشرك.
فعلى من يظن هذا أن يراجع إيمانه ويتقي الله في نفسه قبل أن يسأل في القبر عن نبيه، صلى الله عليه وسلم، فلا يستطيع الإجابة ويقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
فإني على يقين من أنه لا يدخل عبد في الإسلام إلا ويعلمه النبي، صلى الله عليه وسلم، التوحيد وحسنه والشرك وقبحه في ساعتها وإلا فالأمة مجمعة على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في فروع الشريعة فكيف الحال بأصل الأصول وهو التوحيد والنهي عن الشرك فهل هذا يجوز تأخير بيانه؟.
علم قوم النبي صلى الله عليه وسلم باللسان العربي:
وقوم النبي، صلى الله عليه وسلم، كانوا علماء باللسان العربي الذي نزل به القرآن وهذا بنص التنزيل قال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). [فصلت: 3].
قال الإمام البغوي (قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). اللسان العربي، ولو كان بغير لسانهم ما علموه. ا.هـ.
وقال الشوكاني: (لقوم يعلمون) أي: يعلمون معانيه ويفهمونها وهم أهل اللسان العربي. اهـ.
فهم يعلمون ويفقهون ما دعوا إليهم لأنهم أهل اللسان العربي.
فكان من يكفر منهم يكفر على علم بدعوة القرآن لإفراد الله –جل ثناؤه- بالتأله والكفر بما يعبد من دونه لذلك قالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً). ومن آمن منهم آمن على علم.
فالكفار علموا مراد النبي، صلى الله عليه وسلم، من دعوته إليهم فكيف لا يعلم من آمن منهم مراد نبيه، صلى الله عليه وسلم،؟!
فمن هذا يعلم أن السؤال منهم لم يكن في الشرك الأكبر ولكن هو مجرد المشابهة للمشركين.
([1]) سنن ابن ماجه وحسنه الألباني –راجع صحيح سنن ابن ماجه جـ2 "كتاب الأشربة".
([2]) صحيح البخاري –كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
([3]) الاعتصام جـ2 ص245: 246.
([4]) كتاب التوحيد –باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما-.
([5]) اقتضاء الصراط المستقيم ص314: 315.
([6]) هذا تعريف البدعة الغير مكفرة –أي: البدع التي وقع فيها أهل القبلة ولم يخرجوا بها من الإسلام. وقولي على التعيين دون الإجمال أي: أصاب متابعة الشرع على الإجمال دون التعيين في المتابعة لهذه الجزئية من العبادات، وإلا فترك المتابعة كفر لا ريب فيه. وبهذا يظهر الفرق بين الكافر والمبتدع. فالأول ترك الاتباع إجمالاً فضلاً عن التفضيل والثاني متابعته على الإجمال تشفع له خطأه في التفصيل.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
جزاك الله خيراً .. لكنّ حوارنا ليس في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإننا متفقون أنهم وقعوا في الشرك الأصغر دون الأكبر .
حوارنا هو في أصحاب موسى - عليه السلام - .. هل كفروا بهذا القول ؟
وإن كانوا كذلك .. فهل يعني أنهم لم يعلموا معنى الشرك الأكبر ؟ .. وإن كانوا كذلك ، ألا يُعد هذا مطعناً في دعوة موسى - عليه السلام - ؟ لأنه لقائل أن يقول عندئذ أنّ موسى - عليه السلام - لم يبيّن لهم حقيقة التوحيد كما ينبغي - وحاشا لله - ؛ كما قال الشيخ مدحت فيما نقلته أنت عنه :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيدي الجزائري
فهل يظن ظان أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يحدث أمته عن الشرك ويبينه لهم وينهاهم عنه، وينتظر حتى يقع في الأمة شرك في النسك فيقول عندها: هذا شرك بالله، ثم يقع شرك في الحاكمية فعندها يخبر الأمة: أن هذا شرك بالله، ثم يقع شرك في الولاية فيخبر ساعتها أن هذا شرك ولا تعودوا إليه ولو لم يقع لا ينهى، صلى الله عليه وسلم، عنه.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
أين أنت يا أبا شعيب من زمان فوالله لقد اشتقت إلى كتاباتك.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
يا إخوتى أرجوكم
(الجهل) فى القرءان ليس كجهلكم أنتم
معنى كلمة الجهل فى مفرداتنا المعاصرة هو : الإفتراء
ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أَلا لا يَجْهَلَنْ أَحدٌ علينا *** فنَجْهَلَ فوقَ جَهْلِ الجاهِلينا
فنقول (جهل علىّ) أى إفترى على كذبا
و على هذا
قوم تجهلون : تفترون على الله عز و جل كذبا
رجاء
القرءان لا يحتمل آراءا شخصيه
غفر الله لنا و لكم
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد فقير
أين أنت يا أبا شعيب من زمان فوالله لقد اشتقت إلى كتاباتك.
أحسن الله إليك أخي .. لقد كنت في ضائقة فرّجها الله عني ، بحمده تعالى .
جزاك الله خيراً على سؤالك .
-----------------
الأخ (الحبروك) ،
جزاك الله خيراً على البيان .
أود منك أن تجيب عن بضعة أسئلة من فضلك :
1- من ذكر مثل الذي تقول من أهل التفسير ؟ وكلام المفسرين في الأعلى واضح في أن المقصود بالجهل هو ما يقابل العلم .
2- لو افترضنا أن الجهل المقصود به هو "الافتراء" .. وأن معنى الآية "تفترون على الله عز و جل كذبا" كما تقول .. فأين هو الافتراء هنا ؟ .. وأين هو الكذب ؟ .. هم قالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. هذا أسلوب إنشائي ، والكذب هو في الأسلوب الخبري .
إذا أنا قلت لك : اجعل لي بيتاً بجانب بيتك .. هل أكون كاذباً ؟
وبارك الله فيك
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
الأخ (الحبروك) ،
جزاك الله خيراً على البيان .
أود منك أن تجيب عن بضعة أسئلة من فضلك :
1- من ذكر مثل الذي تقول من أهل التفسير ؟ وكلام المفسرين في الأعلى واضح في أن المقصود بالجهل هو ما يقابل العلم .
تفسير الشعراوى
اقتباس:
ولم يقل لهم : « لا تعلمون » بل قال : « تجهلون » لأن هناك فارقاً بين عدم العلم بالشيء ، وبين الجهل بالشيء ، فعدم العلم يعني أن الذهن قد يكون خالياً من أي قضية ، أما « الجهل » فهو يعني أن تعلم مناقضاً للقضية ، إذن فهناك قضية يعتقدها الجاهل ولكنها غير واقعية . أما الذي لا يعلم فليس في باله قضية ، وحين تأتي له القضية يقتنع بها ، ولا يحتاج ذلك إلى عملية عقلية واحدة مثل الأمي مثلاً الذي لا يعلم ، لأن ذهنه خال من قضية ، أما الذي يعلم قضية مخالفة فهو يحتاج من الرسول إلى عمليتين عقليتين : الأولى أن يخرج ما في نفسه من قضية الجهل ، والثانية أن يعطي له القضية الجديدة ، إن الذي يخرج ما في نفسه من قضية الجهل ، والثانية أن يعطي له القضية الجديدة ، إن الذي يرهق العالم هم الجهلاء لا الأميون ، لأن الأمي حين تعطي له المعلومة فليس عنده ما يناقضها . لكن الجاهل عنده ما يناقضها ويخالف الواقع .
ملحوظه :
كل الجهل فى القرءان الكريم هو على ذلك المعنى فقط لا غير ،
راجع بنفسك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
2- لو افترضنا أن الجهل المقصود به هو "الافتراء" .. وأن معنى الآية "تفترون على الله عز و جل كذبا" كما تقول .. فأين هو الافتراء هنا ؟ .. وأين هو الكذب ؟ .. هم قالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. هذا أسلوب إنشائي ، والكذب هو في الأسلوب الخبري .
إذا أنا قلت لك : اجعل لي بيتاً بجانب بيتك .. هل أكون كاذباً ؟
وبارك الله فيك
لو أن بيتى على قمة جبل محاط بالهواء من كل جانب
و تأتى أنت فتقول لى اجعل لى بيتا بجانبك ؟
كيف ... هل أعلق لك بيتا فى الهواء ؟
هذا و العلم لله وحده
بارك الله فيك
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
كلام الشعراوي فيه من التكلّف ما فيه ، وهو متناقض أصلاً مع ألفاظ القرآن وألفاظ اللغة ..
أما القرآن ، فيقول عن الذين "لا يعلمون" ، وهم مع ذلك قد تقرر في حسّهم وعقلهم قضية مخالفة لما لا يعلمونه :
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة : 113]
ومن ذلك قوله تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة : 104]
فكون من "لا يعلم" لا يملك "قضية" ، فهذا باطل .
---------
أما "الأميون" .. فقد قال الله تعالى فيهم : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة : 2]
ومعلوم أن "الأميين" كانوا يفترون على الله الكذب .. وينسبون البنات إليه ، ويعبدون غيره .
---------
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحبروك
لو أن بيتى على قمة جبل محاط بالهواء من كل جانب
و تأتى أنت فتقول لى اجعل لى بيتا بجانبك ؟
كيف ... هل أعلق لك بيتا فى الهواء ؟
إما أنني لا أعلم أن بيتك على قمة الجبل ..
أو أنني أظن أنه في المكان سعة لبيت آخر ..
أو أظن أنه بإمكانك توسيع المكان ليتسع لبيت آخر ..
وأخيراً .. أو أكون سفيهاً ..
فأين الافتراء بعد كل هذا ؟
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
عفواً
من تكلم عن "الذين لا يعلمون" ؟
أنا تكلمت فى "الجهل" و نقلت قول الشيخ فى "الجهل" و نقلت قول عمرو بن كلثوم أيضا
الفارق كبير جدا
كان رسول الله (ص) أميا ، لم يكن جاهلا و حاشا
كان لا يعلم ما الحكمة و لا القرءان
{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا اليك هذا القرءان و إن كنت من قبله لمن الغافلين}
هل كان بنى إسرائيل لا يعلمون أن الله عز و جل واحدا ؟
ماذا كان يفعل موسى (ص) معهم إذن ؟
ألم يخبرهم أن الله عز و جل واحد ؟
بالطبع فعل
و لكنهم قوم يفترون على الله عز و جل
الله عز و جل أطلق على الأمة (الأميين) و هم الذين لم يتعلموا ولم يعرفوا شيئا عن الوحى و لا الرسالة
أما الجاهل فهو يعلم و يعاند
أنظر الى الآيات التاليه
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
ما الذى يجهله هؤلاء بعد كل تلك المعجزات ؟ وجود الله ؟ قدرته ؟ وحدانيته ؟
هذا مستحيل هم فقط يكابرون ، يفترون
{ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) }
عم ينه عز و جل الرسول (ص) ، هل عن أن يكون غير عالما أو ينهاه عن تجاهل ما تعلم فعلا ؟
{ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) }
فيم يعظ عز و جل نوح (ص) ؟؟
{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) }
ما الذى يخشاه يوسف (ص) على نفسه ؟ أن يكون لا يعلم ؟ بل أن يكون من الذين يتجاهلون أوامر الله عز و جل
سيدى كل جهل فى القرءان الكريم ليس نقيضا للعلم أبدا
بل هو إفتراء ، مكابرة ، تجاهل
كون من لا يعلم لا يمتلك قضيه يجعله يأخذ من قضية اليهود و النصارى الذين لهم قضيه كما فى الآيه التى نقلتها أنت ،
{ حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا } هذا أيضا نقل عن آبائهم و آبائهم نقلوا عن عمروا بن لحى و هو الذى أتى بالأصنام من خارج جزيرة العرب
أريد أن أسألك سؤالا
ما الذى لا تعلمه عن زراعة نبات البشتونيا ؟
هل يمكنك الرد على سؤال كهذا ؟
هل فى ذهنك قضيه مخالفة لزراعة البشتونيا ؟
و أخيرا إنما كنت أعنى أنك متيقن من أن بيتى على قمة الجبل
حينئذ لا تكون سفيها
إنما تريد تعجيزى ، عنادى ،
أن تفترى على فتقول ( لا يريد أن يجعل لى بيتا الى جواره ) و تفضحنى بالباطل
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
بسم الله الرحمن الرحيم ،
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحبروك
من تكلم عن "الذين لا يعلمون" ؟
الشعراوي ، فيما نقلته عنه من تفسيره ..
تأمل قوله جيداً ، فإنه يقول : (فعدم العلم يعني أن الذهن قد يكون خالياً من أي قضية) .. ويقول أيضاً : (أما الذي لا يعلم فليس في باله قضية ، وحين تأتي له القضية يقتنع بها) ..
وهذا مناقض لكلام الله - سبحانه وتعالى - ، الذي بيّن أن الذين "لا يعلمون" عندهم قضية يقولون بها ! .. وأن آباء الكفار الذين "لا يعلمون" ، كان عندهم شيء ورثوه لأبنائهم من كفر وشرك بالله تعالى .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حبروك
أنا تكلمت فى "الجهل" و نقلت قول الشيخ فى "الجهل" و نقلت قول عمرو بن كلثوم أيضا
الشيخ يحتاج إلى تعضيد كلامه بأقوال أئمة اللغة ، وأئمة السلف ..
وإلا ، فإن أئمة اللغة قالوا إن الجهل هو نقيض العلم .. كما جاء في لسان العرب : (الجَهْل نقيض العِلْم) .. وأيضاً : (والجَهَالة أَن تفعل فعلاً بغير العِلْم) .. وأيضاً : (والمعروف في كلام العرب : جَهِلْت الشيء إِذا لم تعرفه ؛ تقول : مِثْلي لا يَجْهَل مثلك) ..
فهذا كلام أحد أئمة العربية ، يقول إن الجهل نقيض العلم .. وأن الجهالة أن تفعل فعلاً بغير علم .
وتأييداً لهذا المعنى ، يقول الله تعالى : {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة : 273]
ما معنى "الجاهل" هنا عندك ؟؟ معناه : يحسبه المفتري أغنياء ؟؟ .. هل يستقيم السياق هنا ؟
أما قول عمرو بن كلثوم ، فليس بشيء في هذا الصدد .. فإنّ قولنا "جهل على المرء" يختلف عن قولنا "جهل المرء" ..
فالأول يعني : أساء الفعل معه لجهله بعواقب الأمور ، كما قال تعالى : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء : 17]
والثاني معناه : لا يعرفه .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته ، كما في صحيح مسلم : ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني )
فهنا الجهل ضد العلم ..
وفي دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي )
ومعنى ذلك : إساءة الفعل ..
----------
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحبروك
كان لا يعلم ما الحكمة و لا القرءان
بل قل : ولا الإيمان .. قال تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52]
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحبروك
هل كان بنى إسرائيل لا يعلمون أن الله عز و جل واحدا ؟
و لكنهم قوم يفترون على الله عز و جل
كانوا يعلمون أن الله واحد .. ولو أنك تأملت كلام ابن عطية وغيره من المفسرين في لفظة "الإله" .. لوجدت أنهم طلبوا شيئاً يعظمونه ويتقربون إلى الله به .. وقد سماه الله إلهاً لأن حقيقة طلبهم يفضي إلى الشرك .. وليست الآية قاطعة أنهم طلبوا حقيقة الشرك ، بأن يعبدوا مع الله غيره .. ولا هي قاطعة بأنهم استعملوا لفظة "إله" في هذا الطلب .. بل ما يترجح عندي أنها وصف لله تعالى لما يؤول إليه طلبهم من الشرك ، لا أنهم استعملوا تلك اللفظة .
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحبروك
ما الذى يجهله هؤلاء بعد كل تلك المعجزات ؟ وجود الله ؟ قدرته ؟ وحدانيته ؟
هذا مستحيل هم فقط يكابرون ، يفترون
ما الذي جعلك تبني فهمك على أنهم بعد تلك المعجزات سيجهلون ؟؟
إنما المقصود - والله أعلم - أنهم لا يستحقون ورود تلك المعجزات عليهم لأنهم يجهلون عظمة الله تعالى وقدره ..
يقول الرازي في تفسيره :
اقتباس:
{ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} قال أصحابنا : المراد ، يجهلون بأن الكل من الله وبقضائه وقدره
ويقول القرطبي في تفسيره :
اقتباس:
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} أي يجهلون الحق. وقيل: يجهلون أنه لا يجوز اقتراح الآيات بعد أن رأوا آية واحدة.
ويقول الطبري في تفسيره :
اقتباس:
(ولكن أكثرهم يجهلون)، يقول: ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك، يحسبون أن الإيمان إليهم، والكفرَ بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا، ومتى شاؤوا كفروا . وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته .
فلا أدري حقيقة من أين تأتي بالتفاسير .. أهو من عقلك فقط ؟
هؤلاء أئمة اللغة يقولون بأن الجهل هنا هو ضد العلم ..
أما باقي الآيات التي تستدل بها .. فكل المفسرين مجمعون على أن الجهل هنا هو نقيض العلم ..
وليتك تتحفنا بتفسيرات أهل العلم واللغة والدين لهذه الآيات ، عوضاً عن أن تأتينا بكلامك المجرد .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
سيدى
كلامى ليس مجردا أبدا
و لو نقلت لك قول الشيخ فى كل آيه وردت فيها مشتقات الجهل لطال الموضوع جدا
و حتى ( يحسبهم الجاهل ) نعم معناها المفترى
و يعملون ( السوء بجهالة ) معناها تجاهل
فإن من لا يعلم أن الزنا حرام مثلا ( من المسلمين الجدد ) لن يأثم إذا زنا ، فلن يكلف الله نفسا إلا وسعها
راجع تفسير الشيخ بنفسك هو أورد أدلته كثيرا
لا يمل التكرار
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
هذا فهمى فى هذا الموضوع وان اخطات فليراجعنى من ظن انه على صواب
}قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا } أي: مثالا نعبده او صورة يتبركون بها ولم يكن قصدهم الشرك بدليل انهم قالوا (الها)فهؤلاء ملات وتشبعت بالمادة ارواحهم وهذا دليلى (واذ قلتم يا يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)ومن السنه(اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فما كان طلبهم الاللتبرك بها بعد اذن الشرع فهم طلبوا شجرة ينوطون بها السلاح يستمدون بها وليس منها النصر بسبب ما ينزل من البركة عليها من قبل الله فهم يستمدون بها النصر وليس منها كما في الحديث الصحيح "مطرنا بنوء كذا". أي: بسبب الكوكب لا به.
لأن القول مطرنا بسبب الكوكب فهذا يكون شرك أصغر.
ومن قال: إن الكوكب هو الذي أنزل المطر فهذا شرك اكبر بالله في ربوبيته ووجه المشابهه هوبدعة التماسهم عبادة الله بغير ما شرع
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
إذا عرفت ما معنى ( إله ، ألوهيه ، آلهه ) ستعلم أن أن قوم موسى ما طلبوا إلا الشرك الأكبر ولم يعذرهم موسى عليه السلام ( إنكم قوم تجهلون ) جهلتم أن العبودية لله وحده ( أغير الله أبغيكم إلهاً ) كيف اجعل لكم معبوداً مع الله !
قوم يريدون معبوداً مع لله !!.....تسميهم موحدين !؟ هل هذا مقبول عقلاً وشرعاً ؟ سبحانك ربي لا والله .
وكونهم طلبوا الشرك الأكبر ليس بالضرورة يكون طعناً في موسى .
فيوم القيامه يأتي النبي ومعه الرجل ويأتي النبي وليس معه أحد وهذا ليس عيباً فيه فقد اصطفاه الله وعصمه وأرسله ثم أدى الرساله على أكمل وجه والهدى من الله ( إنك لا تهدي من أحببت ) ـ ( إنما عليك البلاغ )
أما القول في قصة ذات أنواط بأنها شرك أصغر ففيه نظر فهو يحتمل الشرك الأكبر والأصغر .
ولو قيل شرك أكبر ليس في ذلك دليل على العذر بالجهل بل العكس إن فهمت حادثة قوم موسى لما طلبوا آلهه .
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
السلام عليكم
هذا جواب من أحد الإخوة الأكارم (جزاه الله خيراً)
أنقله لكم لتعلقه بهذه المسألة:-
باسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الإسلام يقوم على الإعتقاد والقول والعمل مجتمعة، أما الكفر فيتحقق بالإعتقاد أو القول أو العمل، فيرتد المرء عن الإسلام إن أظهر الكفر بأحدها، وإن كان الإعتقاد لا يعلمه إلا الله فإننا نحكم على قول اللسان أو فعل الجوارح، ولا يشترط معرفة الإعتقاد، فهو من السرائر الموكلة إلى الله عز وجل، هذه خلاصة عقيدة المسلم في هذا الأمر.
لا نبني الكفر على الفعل فقط، ولا نقول أن الكفر القولي ليس كفرا، وأن الكفر في الفعل بالجوارح فقط كالسجود للصنم، أما سب الدين مثلا فليس كفرا، ولا نقول أن كفر الظاهر غير مستلزم لكفر الباطن، وأن فاعل الكفر أو قائله قصدا ودون إكراه يمكن أن يكون مؤمنا في الباطن.
لكن هناك نقطة مطروحة وهي إرادة الكفر في المستقبل، فالمسلم إن صرح بلسانه أنه سيفعل كفرا ما أو يقوله أو يعتقده في المستقبل ثم تراجع ولم يعتقد ولم يفعل ولم يقل، هل هو مرتد بمجرد إرادته المعلنة باللسان؟ أم هو مسلم حتى يقع في الكفر ذاته الذي صرّح أنه سيفعله أو يقوله أو يعتقده في المستقبل؟
قلتُ أن الرجل لا زال مسلما، ومما يُستدل به على إسلامه قول بني إسرائيل الذي حكاه الله عز وجل عنهم في قوله: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحرَ فأتوا على قومٍ يعكُفون على أصنامٍ لهم قالوا ياموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهةٌ قال إنكم قومٌ تجهلون إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون قال أغيرَ الله أبغيكم إلهاً وهو فضّلكم على العالمين) (الأعراف: 138/140)
والشاهد منها هو أن بني إسرائيل أو طائفة منهم كانوا مسلمين بدليل قوله: (وهو فضّلكم على العالمين)، ولا يفضل الله كافرا على كافر، ولكنهم حنّوا إلى عبادة غير الله لما أمِنوا واطمأنوا بعد موت فرعون، فلما نهاهم موسى انتهوا، ولم يأمرهم بالتوبة من الكفر كما فعل معهم لما عبدوا العجل: (وإذ قال موسى لقومِه ياقومِ إنكم ظلمتم أنفسَكم باتخاذكمُ العجلَ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسَكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التوّابُ الرحيم) (البقرة: 54).
ولا يصح الإستدلال بأن محمد بن عبد الوهاب اعتبر طلب قوم موسى الإله ومن طلبوا ذات أنواط كلاهما من الشرك الأصغر كالحلف بغير الله، وهذا في رسالته إلى عبد الله بن سحيم ردا على المويس: (الأولى: قوله إنهما نسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام والشرك الأكبر أفيظن أن قوم موسى لما قالوا: اجعل لنا إلهًا خرجوا من الإسلام؟ أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى اجعل لنا إلهًا أنهم خرجوا من الإسلام؟ أيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم وقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) أنهم خرجوا من الإسلام؟ إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة من غيره ولم يفرق بين الجاهل والمعاند).
ونحن نقرأ كلاما صريحا له ولغيره في أن من طلب الشرك الأكبر ولم يفعل لا يكفر، وسواء كان كلامه السابق صريح الدلالة أم لا فإن الأدلة لا تكون بهذا الشكل، فبإمكاني أن أجمع أقوال العلماء، ولو فعلت لوجد كلامي قبولا عند الناس، لكني لا أفعل، وليس من عادتي، ليقيني بوجوب الإنعتاق من ظلمة التقليد الأعمى، لا سيما ونحن بصدد الحديث في العقيدة.
وإذا كان الذين قالوا: (اجعل لنا ذات أنواط) قد طلبوا الشرك الأصغر، فهل يُعتبر قول الآخرين: (اجعل لنا إلها) من الشرك الأصغر؟! الظاهر لكل عاقل أنهم طلبوا الشرك الأكبر المخرج من الإسلام، نفهم هذا من جوابه لهم: (إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون قال أغيرَ الله أبغيكم إلهاً).
والقول أن بني إسرائيل طلبوا الشرك الأصغر لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبّه به الشرك الأصغر هو كلام لا وجه له، فلا يفسر طلب بني إسرائيل بمبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في زجر طالبي ذات أنواط، فهذا تهوين يضاد ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من التغليظ.
لكنهم لم يفعلوا ولم يعتقدوا ولم يقولوا الكفر ذاته، وإنما طلبوا فعل الكفر واعتقاد الكفر وقول الكفر، فتوقفوا عند حدود الطلب، ولم يعتقدوا قبل أن يطلبوا، فلا يقاس الطلب أو الإستئذان على سب الله أو دعاء غير الله، لأن السب والدعاء كفر بذاته قد وقع.
لا نقول بقول المشركين الذين يعتبرون جاهل التوحيد مسلما: من قال كفرا ثم نُبّّه إلى أنه كفر فعاد لم يكفر، فالآية لا تدل على أنهم جهلوا أن اتخاذ آلهة من دون الله يخرجهم من الإسلام، كأن موسى لم يدعهم إلى التوحيد واعتبرهم مسلمين وهاجر بهم وهم على جهل بالتوحيد.
الواقع أنهم لم يقولوا كفرا بذاته وإنما طلبوا السماح لهم بقول الكفر وفعل الكفر واعتقاد الكفر، أي الدخول في دين الكفر، فنعتبرهم قائلين للكفر لو دعوها من دون الله مثلا، أو قالوا أنها تستحق العبادة، فلما نهاهم عن الإقدام على الكفر انتهوا قبل أن يكفروا، ونبههم إلى فضل الله عليهم، وذكّرهم بنعمه عليهم، فكيف يقابلون فضله عليهم بالكفران؟
فالذين دخلوا في دين الشرك حقيقة ثم طلبوا صورة منه، ليسوا كالذين طلبوا الدخول في دين الشرك بصورة منه.
ولو قالوا الكفر ذاته أو فعلوه لكانوا كفارا سواء انتبهوا من بعد قوله أو لم ينتبهوا، وسواء قالوا كلمة أو أكثر، وسواء كان ذلك لفترة قصيرة أو طويلة، فكل ذلك يقتضي الدخول في الإسلام من جديد، لأن معيار الكم غير معتبر هنا.
والذين طلبوا ذات أنواط قلتُ أنهم لم يطلبوا الشرك الأكبر كفعل المشركين، وإنما طلبوا المشابهة دون عبادتها، ثم قلت: حتى ولو طلبوا الشرك الأكبر ـ وهذا مستبعد إذ لا شيء يدل على ذلك ـ فإنهم لا يكفرون إن لم يصل بهم الأمر إلى حد الشرك حقا، مثل بني إسرائيل الذين كان طلبهم واضحا لكنهم لم يفعلوا.
أما حديث الأعرابي فقد ورد في رواية أنه بايعه على الإسلام، ثم طلب الإقالة بما يوضح أنه طلب الإقالة من بيعة الإسلام، عن جابر بن عبد الله: أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابيَّ وعكٌ بالمدينة، فجاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما المدينة كالكير تنفي خبَثها وتنصع طيبها) (رواه البخاري ومسلم)
وجواب النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة كالكير) ورد في أحاديث أخرى في الخروج من المدينة، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد) ( رواه مسلم)
وقد كانت الردة من المهاجر تقتضي الخروج من المدينة هربا كمقيس بن صبابة وغيره من المرتدين، عن أنس بن مالك (أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحّوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدرِكوا فجيء بهم، فأمر فقطِعت أيديهم وأرجلُهم وسمل أعينَهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا)
وفي رواية عن أنس (أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا فصحّوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتِي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا) (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجة)
ومع ذلك يمكن أن نسلّم بأن حديث الأعرابي غير صريح الدلالة وبوجود الإحتمال، كما أنه من الممكن أن نسأل من جهة أخرى: إن كان الأعرابي طلب الإذن في الخروج من المدينة فقط فلماذا لم يأذن له النبي عليه الصلاة والسلام في الخروج إلى الضواحي إلى أن يشفى كما فعل مع بني عرينة، وكما أذن لسلمة بن الأكوع في البدو ولأبي ذر؟ كل ذلك يطرح علامات استفهام حول حيثيات الحادثة.
ومن جهة أخرى لا يصح القول أنه لو طلب الردة لأنزل الله فيه قرآنا، فليس كل المرتدين نزل فيهم القرآن، وقد نزل قرآن في تارك الهجرة والجهاد، والأعرابي صرح بمراده للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس كالمنافقين الذين نزل فيهم قرآن وقد تركوا دار الهجرة غير مصرحين بالردة وهم مرتدون.
أما حديث اليهودي الذي طلب الإقالة من الدين محتجا بأنه لم يجد خيرا في هذا الدين، عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي، إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبَث الحديد والفضة والذهب، قال: ونزلت: (ومن الناسِ مَن يعبدُ اللهَ على حَرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلبَ على وجههِ خسِر الدنيا والآخرة ذلك هو الخُسران المبين) [الحج: 11] (رواه الواحدي)
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيُسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غَيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح، فتمَسَّكُوا به، وإن وجدوا عام جُدوبة وعام ولاد سَوء وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه: (وَمِنَ النَّاسِ...)
فهذا قد ارتد بنفيه حصول الخير المطلق بالإسلام لا بطلب الإذن في الردة، فكفره قد حصل بذات القول، لكون هذا القول كفرا بذاته، ولو استأذن في الردة ثم تراجع عندما أبى عليه لم يكفر، كما حدث لبني إسرائيل.
وقد ذكرت حديث اليهودي تشبيها لقوله بقول الأعرابي على أنه طلب الكفر (أقلني بيعتي) لأبين أنها بيعة الإسلام، وأن كلاهما طلب الكفر.
إن النية والهم وحديث النفس والإرادة والعزم لا يتحقق بها الحكم، فمن نوى الدخول في الإسلام أو أراده أو همّ بذلك، وانتهى الأمر عند هذا الحد، سواء تراجع أو مات لتوّه قبل أن يعلن إسلامه لا نحسبه مسلما، ومن نوى الصلاة أو همّ بها لا نقول: فلان صلى، والجزاء عند الله، وكذلك المعصية إن نواها أو أرادها أو همّ بها لا يحكم عليه بالعصيان حتى يفعل، والفعل هو عمل الجوارح أو اللسان، وعلى هذا تقام الحدود وتقع الأحكام، ولم نؤمر باستفساره: إلى أي حد وصل به الهم، ولا شأن لنا بباطن الإنسان، إن كان سليما أو فاسدا، كما هو معلوم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به) (رواه البخاري ومسلم)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال: (إِن اللهَ كَتب الحسنات والسيئَات ثم بيّن ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملة، فإن هو همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) (رواه البخاري)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا همّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرا) (رواه مسلم)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها) (رواه مسلم)
فمن همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، والتحدث بفعل الخير ليس له حكم فاعله وإنما تفضل الله عليه بحسنة، ومن همّ بالدخول في الإسلام ولم يفعل لم يؤجر على همّه، لأن الأمر متعلق بالمسلمين أصلا فضلا من الله عليهم، والمسلم إن همّ بالكفر ولم يعمله لم يكن كافرا، فإن تركه من خشية الله كتبت له حسنة بتركه.
وقال الله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسِه وغَلّقتِ الأبوابَ وقالت هَيْتَ لك قال مَعاذَ اللهِ إنه ربي أحسنَ مَثوايَ إنه لا يُفلح الظالمون ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهانَ ربِّه كذلك لنصرفَ عنه السوءَ والفحشاءَ إنه من عبادنا المخلَصين واستبَقا البابَ وقَدّت قميصَه من دُبُر) (يوسف: 23/25 )
فهمّها كان بالشروع في اتخاذ الأسباب وتهيئة الوسائل بالفعل والقول إلى أن عجزت عنه، وهمّه ربما كان خطرات نفس وتراجع بلا مانع غير خوف الله، وكلاهما لا يثبت وقوع الفعل المقصود ولا إثمه، ومن تركه خوفا من الله قبل وقوعه كانت له حسنة، لقول الله تعالى: (وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرّائي) (رواه مسلم)
قال الله تعالى: (ولا تقرَبوا الزنا) ( الإسراء:32)، أي اجتناب طرقه وكل ما يؤدي إليه من قريب أو بعيد، لكن لا يُعَد فاعلا إن اقترب سواء كان الإقتراب باطنيا أو عملا ظاهريا.
عن أبي أمامة قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال: (ادنه)، فدنا منه قريبًا، فقال: (اجلس)، فجلس، قال: (أتحبه لأمك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) ، قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لبناتهم)، قال: (أتحبه لأختك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لأخواتهم)، قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لعماتهم)، قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: (ولا الناس يحبونه لخالاتهم)، قال: فوضع يده عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه)، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.(رواه أحمد بإسناد صحيح)
فهذا طلب من النبي صلى الله عليه وسلم المعصية كما طلب بنو إسرائيل من نبيهم الكفر، وكلاهما نُهي فانتهى، وليسا كالفاعل، ومن فرّق بين طلب المعصية وطلب الكفر هنا يلزمه الدليل على ذلك.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه... فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إليّ، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا). (رواه البخاري)
ولو فعل بها لما كان له أن يذكر ذلك في دعائه، فاتباعه خطوات الشيطان ثم تغلبه على وساوسه من خشية الله ولو في آخر لحظة بعد سعيه إلى المعصية يدخل ضمن قول الله تعالى: (إنما تركها من جرائي)، وكذلك لو سعى إلى الكفر واتخذ أسبابه وتركه قبل الفعل والإعتقاد لما كان مرتدا.
ولا يُستدل هنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه) (رواه البخاري)
فهذا ليس همّا أو إرادة أو عزما فقط، وإنما هو فعل لوقوع القتال، لكن قدوم الزبير بن العوام في موقعة الجمل لقتال علي بن أبي طالب ورجوعه من ساحة المعركة لا يعتبر قتالا للمسلم، ورجوع المنافقين في غزوة أحد لا يعتبر قتالا، وإن وقع حمل السلاح والمشي للقتال، ومن غير المعقول القول بأن من تحدث بأنه سيسرق لا نقطع يده، أما إن تحدث بأنه سيفعل كفرا نقتله.
وفي سبب نزول قول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (آل عمران:103) ذكر محمد بن إسحاق بن يَسار وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكِّنهم ويقول: (أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟) وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.
فرغم ثورتهم إلى السلاح وتواعدهم وحرصهم لم يفعلوا، وليس حكمهم حكم الفاعل.
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر كلتيهما يعصمني الله منهما: قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهله يرعاها: أبصر إلي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت فجئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء وضرب دفوف ومزامير فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقضني إلا حر الشمس، فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فخرجت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقضني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي، فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته)
(أخرجه أبو نعيم والبيهقي والبزار وابن حبان، قال البوصيري: رواه إسحاق بن راهويه بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه، قال ابن حجر: هذه الطريق حسنة جليلة، وهو حديث حسن متصل ورجاله ثقاة وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي)
فقد عصمه الله من المعصية ذاتها مع حصول السعي إليها، ولو كان حديثه لغيره بأنه سيفعل الذنب وسعيه إليه ذنبا بذاته لما كان هناك معنى للعصمة، وللزم القول أنه عصى، لكنه سمى كل ذلك همّا، وهو أعلى درجات الهمّ، ولم يكن بينه وبين فعله إلا عنصر خارج عن إرادته وهو عصمة الله له.
وعن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزز على بعث وأنا فيه، فلما انتهى إلى رأس غزاته أو كان ببعض الطريق استأذن منه طائفة من الجيش فأذن لهم وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معه فلما كان بعض الطريق أوقد نارا ليصطلوا أو ليصنعوا عليها صنيعا، فقال عبد الله -وكانت فيه دعابة-: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى، قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه، قالوا: نعم، قال: فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون قال: أمسكوا على أنفسكم فإنما كنت أمزح معكم، فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه) (أخرجه ابن ماجة وابن حبان وأحمد والحاكم وأبو يعلى، وقال البوصيري: إسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي)
وعن علي بن أبي طالب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال: فهمّ القوم أن يدخلوها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال: فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: (لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف) (رواه البخاري ومسلم وأحمد)
وعن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر فقالوا: لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه، فنزلت: (وإن كادوا لَيَفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتريَ علينا غيرَه وإذاً لاتّخذوك خليلا ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركَنُ إليهم شيئا قليلا إذاً لأذقناك ضِعفَ الحياةِ وضِعفَ المَماتِ ثم لا تجدُ لك علينا نصيرا) (الإسراء: 73-75) ( أخرجه أبو الشيخ)
وعن جبير بن نفير (أن قريشا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت أرسِلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فنكون نحن أصحابك، فركن إليهم فنزلت) ( أخرجه أبو الشيخ)
وقال ابن كثير في (السيرة النبوية) (4/554): (قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد رضى الله عنه فتوارى، فقام سهيل بن عمرو رضى الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه. فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد.
فهذا المقام الذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب – يعنى حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى يوم بدر -: إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه!).
وقال ابن الأثير في (الكامل في التاريخ) في ذكر أحداث سنة إحدى عشرة: (ولما توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووصل خبره إلى مكة وعامله عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية استخفى عتاب وارتجت مكة وكاد أهلها يرتدون، فقام سهيل بن عمرو على باب الكعبة وصاح بهم، فاجتمعوا إليه، فقال: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليتمن الله هذا الأمر كما ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيته قائماً مقامي هذا وحده وهو يقول: قولوا معي لا إله إلا الله تدن لكم العرب وتؤد إليكم العجم الجزية، والله لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله، فمن بين مستهزىء ومصدق فكان ما رأيتم، والله ليكونن الباقي. فامتنع الناس من الردة).
فإرادة الردة كانت معلنة علم بها الناس من بعضهم البعض، لكن لم تضرب عنق أحد منهم، ولم يُطلب منهم الدخول في الإسلام كما طُلب من المرتدين حقا يومها، ولم تظهر هذه المشكلة مطلقا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما كانت وقعة أُحد اشتد على طائفة من الناس وتخوَّفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بفلان اليهودي، فآخذ منه أماناً وأتهوّد معه فإني أخاف أن يدال علينا اليهود. وقال الآخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام، فآخذ منه أماناً وأتنصر معه. فأنزل الله تعالى فيهما ينهاهما: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) (المائدة:51)
وقد نفى الله تعالى الإيمان عمن تولاّهم حقا فقال: (ولو كانوا يؤمنونَ بالله والنبيّ وما أُنزلَ إليه ما اتّخذوهم أولياءَ ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون)(المائدة:8 1)، ولم ينف الإيمان عمن قال أنه سيتولاهم قبل أن يفعل.
ففي النصوص السابقة لمن تأمّلها يظهر الهمّ كخطرات نفس، أو تصريحا باللسان، أو سعيا وحركة إلى الفعل، وكل ذلك يبطل قول من قال أن طلب الكفر أو التردد فيه أو العزم عليه أو التحدث بالفعل في المستقبل كلها كفر في الحال وإن لم يفعله.
فلا دليل على تفصيلاتهم لمدى الهم والعزم وتحديدهم رحمة الله التي أطلقها إلا بما حدده هو سبحانه وتعالى وهو (ما لم يتكلموا أو يعملوا به)، فقد تحدثوا عن الهم من حيث الكم والكيف ومن حيث المدة وفرقوا بينها بلا دليل بل بما يخالف الدليل.
وبعيدا عن هؤلاء الذين راحوا يفصّلون ضوابط وقوع الجزاء عند الله تعالى نقول: نحكم على ما ظهر ووقع، ولا داعي للكلام عن الثواب والعقاب، لأن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، بعدله وبفضله وإحسانه، والفضل والإحسان زيادة على العدل.
وقول بعضهم: إن تركه لعائق كتبت له سيئة، فإن فعله يصير سيئتين، قول ظاهر البطلان لمخالفته الصريحة للنصوص المذكورة، فالسيئة تكتب سيئة واحدة بعد الفعل، ومعلوم أن كل فعل تسبقه ولا بد إرادة جازمة، فلا تكتب سيئة على الإرادة وأخرى على الفعل، وإلا للزم القول أن كل معصية تكتب فيها سيئتين لأن فيها إرادة وفعلا.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل) (رواه البخاري وأبو داود)، فمن منعه عائق عن المعصية لعل الله أراد به خيرا فعصمه منها كما عصم النبي صلى الله عليه وسلم، ويزيد الله حسنة من امتنع عن المعصية خوفا من الله، وردع الدولة الإسلامية الناس عن الكفر والعصيان، وكذلك من اتبع خطوات الشيطان في الحرام ومُنع كامرأة العزيز لا يستوجب إقامة الحد عليه.
ومن الخطأ الظاهر المساواة بين من تحدث أنه سيفعل الكفر ومن فعله، ثم التفريق بين من قتل ومن قال: سأقتل، مع العلم أن حديث (ما حدثت به أنفسها) يعم كل ما حدثنا به أنفسنا، ولا دليل على تخصيص المعصية التي دون الكفر.
إن قيل أن (ما لم يتكلموا) فهو قد تكلم بأنه سيفعل وخرج عن الهم، نقول أن (ما لم يتكلموا) تعني الكلام الذي هو كفر بذاته، ولذلك قرنه بالعمل الذي هو كفر بذاته، وإلا للزم القول: ما لم يتكلموا بأنهم سيعملون، وهو مخالف للنصوص التي سبق ذكرها عمن تكلم بأنه سيفعل ولم يحكم عليه بحكم الفاعل، فقولهم أن من طلب قد تكلم ولا بد أن يأثم، يعني أن من طلب المعصية كتبت له سيئة ثم إن فعلها كتبت سيئة أخرى.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
فالمقصود أن يتكلموا بما هو كفر من الكفريات القولية، لا أن يتكلموا عنه، ففي الرواية الأخرى: (إن اللّه تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به) مثل دعاء الصنم والسجود له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرائي) (رواه مسلم)
فإرادة الكفر لا ينتفي الإسلام بها إن لم يقترن معها تنفيذ للأمر المراد اعتقادا أو قولا أو عملا، فلا يصح القول: كل من أراد الكفر كفر، كما أن إرادة الإسلام لا تثبت عقد الإسلام إن لم يتبعها تنفيذ، فالتنفيذ لا يدخل في مسمى الإرادة وإنما هو خارج عنها يتبعها، فمن قال أنه سيفعل ولم يفعل ليس كالفاعل، ولا نقول أن الإرادة يقع معها الفعل حتما، فهذا مخالف لنص الحديث السابق، إذ يحكم على الفعل لا الإرادة، وأيضا من الممكن التراجع، فيقول: قد تراجعت فلماذا كفّرتموني؟ أو لماذا تقيمون عليّ الحد؟ فلو تواعد قوم على القتل أو طلبه أحدهم أو استأذن فيه ما كان ليقتصّ منه ما دام لم يفعل بعد، ولا يصح أن يأثم على القول ويكفر إن كان كلاما عن الكفر وفي نفس الوقت لا يقام عليه حد الردة أو القصاص أو الجلد.
ومن ذهب ليفعل ولم يفعل لسبب ما لا ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم مثلا: (من بدّل دينه فاقتلوه) (رواه البخاري ومسلم ومالك)، سواء كان ترك الردة بإرادته أم لا، ولذلك لا يقال: نكفّره من أول خطوة إلى الكفر.
وإن قال: سأسرق ولم يسرق ليس سارقا، كما أنه إذا قال: سأكفر ولم يكفر ليس كافرا، ولا مساغ هنا للتفريق بين الكفر وما دونه من الذنوب إلا بدليل يخصص هذا من هذا، فالقرب من السرقة هو كالقرب من الكفر من حيث عدم وقوع الفعل بعد، وإن كان حكم العمل ذاته وإثمه يختلف بين المعصية والكفر، لكننا نتكلم عن أمر خارج عن ذات العمل، فلا يتحقق الحكم في كليهما حتى يتحقق الفعل.
ولا يصح القول: نكفره سدا للذريعة، وحتى لا يكون مطية لشيوع الكفر، فلو صح ذلك لوجب الحكم على من قال: سأسرق، بالحد حتى لا تشيع السرقة، فالمسلم يمنعه إيمانه من كل ذلك.
وظهر من النصوص السابقة أنه لا فرق بين من صرح بأنه سيفعل ومن استأذن في الفعل أو طلبه، فأول خطوة نحو الفعل ليست من الفعل، وإنما أول خطوة يبتدأ بها الفعل ذاته هي التي يبنى عليها الحكم، كمن سجد للصنم فهو كافر قبل أن ينهي سجوده، لكن مجرد ذهابه إلى الصنم لا يجعل منه كافرا إن تراجع قبل الفعل وقبل الإعتقاد.
ولا نهوّن من القرب أو الهم أو الإرادة للمعصية أو الكفر، فربنا نهانا عن القرب ومعلوم أن ما نهي عنه يجب عدم التفكير فيه، لأن العمل ـ كما يقال ـ أوله وسوسة فإن كف عنها وإلا صارت فكرة، فإن كفّ عنها وإلا صارت هوى، فإن كفّ عنه وإلا صار عملا، فإن كف عنه وإلا صار عادة.
وهذا لأن الإستمرار في التفكير يؤدي إلى العمل، ولا يصح القول أنه لو كان يؤمن بالله لم يفكر في الكفر ولم يهمّ به، فإن انتفاء الإيمان يتحقق بتحقق الكفر ذاته، أما إن أقلع عنه قبل تحققه فلا ينتفي إيمانه، هذا هو الحد الفاصل الذي قررته الآيات والأحاديث.
قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201)، فمن همّ بالمعصية أو الكفر يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويستغفر الله على ذلك تذللا لله، وهذا الإستغفار ليس كاستغفار من وقع فيها فعلا، ولذلك يحمد الله أن عصمه منها وإن كان بسبب خارجي، أما إن كان اجتنابه من تلقاء نفسه خوفا من الله فيعتبر منقبة ويثيبه الله حسنة، ولا يأثم على الهم ويثاب على الترك في نفس الوقت.
هناك فرق بين طلب مسلم الكفر وهو لم يعتقد به بعد وطلب الكافر أصلا صورة من صور الكفر لأنه يعتقد بها ابتداء أو بغيرها، وحالة المسلم هي التي نتحدث عنها هنا، أما من اعتقد ثم هو يبحث عن التنفيذ فهذا كافر.
والرضى يختلف عما نحن فيه، فالرضى بالكفر كفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة: أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) (رواه أبو داود وهو في صحيح الجامع)، أما الهم فليس رضى أو اعتقادا، فالهم درجات ليس فيها الإعتقاد ولا الرضى، وإن وصل الأمر إلى الإعتقاد أو الرضى فهو مثل الفعل.
نحن لا نتكلم عمن اعتقد ثم هو يهمّ ويسعى للعمل بما اعتقده مسبقا، كمن آمن بألوهية غير الله، فهو كافر قبل أن يقدم له أي عبادة، وإنما نتكلم عمن يهمّ قبل الإعتقاد والقول والفعل.
وإن علق الكفر على عدم فعل الأمر لا يكفر مادام لم يفعل، كأن يقول أحدهم: لئن لم أفعل بخصمي كذا، أو: لئن لم تفعل كذا فإني يهودي، ومقصوده التأكيد والجزم، حتى لو لم يتحقق غرضه فلن يخرج من الإسلام حقيقة، وإنما قصد حض أو منع نفسه أو من يخاطبه، أو تصديق خبر أو نفيه.
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: كنت رجلا قينًا، وكان لي على العاص بن وائل دَين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث، قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثَمّ مال وولد، فأعطيتك، فأنزل الله: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا) إلى قوله: (وَيَأْتِينَا فَرْدًا) (مريم:77/80)(رواه البخاري ومسلم وأحمد)
فقول خباب يعني في ظاهره أنه سيكفر يوم القيامة والعياذ بالله، لكنه لم يقصد ذلك، لأن الكفر يومها لا يمكن تصوره، فأراد تعييره بكفره بالبعث، وكان يقصد استحالة وقوع الكفر منه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال)(رواه البخاري ومسلم والترمذي)، وقال أيضا: (من قال -أي أثناء القسَم على شيء-: إنه بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما) (رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائي)
قيل: هو كاذب لا كافر، إلا إذا التزم الملة التي حلف بها وقصد التزامها حقا، وقيل: لا يصير كافرا وإنما هو كالكافر في حال حلفه، وقيل: هناك فرق بين ما تعلق بالماضي كقوله: إن كان فعل شيئا ما فهو كافر، وما تعلق بالمستقبل كقوله: إن فعل كذا فهو كافر، وقيل: إن كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر، وإن كان يعلم أنه يمين يكفر بالحنث به كفر، وقيل: ظاهر الحديث الكفر إن كان كاذبا، وقيل: ظاهره غير مراد، وهو للزجر والتغليظ حتى لا يجترىء عليه أحد، وقيل: ينظر لقصده وإرادته إن أراد تحقيق الكفر أم لا.
وعلى هذا فالعلماء من زمن الصحابة اختلفوا في المسألة والمعنى المراد من الحديث وما كان لهم أن يكفّر بعضهم بعضا.
والحديثان السالفان وردا في الإخبار عن أمر وقع أو لم يقع في الماضي، أما الطلب في المستقبل فليس فيه كذب أو صدق.
عن أبي رافع قال: غضبت عليَّ امرأتي فقالت: هي يومًا يهودية، ويومًا نصرانية، وكل مملوك لها حر، إن لم تطلق امرأتك. فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من نزغات الشيطان. وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة، وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة، وأتيت عاصم بن عمر، فقال مثل ذلك. (رواه ابن أبي حاتم)
ومثل هذا وقع على سبيل التهديد بالكفر، ولم يكن ابن عمر ولا غيره جاهلين بما ينقض الإسلام، حتى أن أبا رافع استشكل وقوع الطلاق لا الكفر.
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
بسم الله الرحمن الرحيم ،
يقول الله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138]
بنو إسرائيل طلبوا من موسى - عليه السلام - أن يجعل لهم صنماً يعبدونه ..
أسئلتي في هذا المقام هي :
- هل كفر بنو إسرائيل بهذا القول أم أنهم معذورون بالجهل ؟
- إن كان بنو إسرائيل لا يعلمون معنى لا إله إلا الله ، وجهلوها .. فكيف دخلوا الإسلام إذن ؟ وألا يكون هذا طعناً في دعوة موسى - عليه السلام - إذا قلنا بذلك ؟ .. حيث إن أصل دعوة كل رسول هي عبادة الله واجتناب الطاغوت .
- لماذا لم يكفّر موسى - عليه السلام - من قال بهذا القول ، واكتفى بتجهيلهم ؟
.............................. ....................
أطرح هذه المسائل للمحاورة والنقاش .. فإن الذين يعذرون بالجهل في الشرك الأكبر كثيراً ما يستدلون بهذه الآية .
الأجوبة:
_ لم يكفر بنو إسرائيل لأنهم معذورون بالجهل.
_ لا يلزم من يدخل في الإسلام أن يعلم كل ما تقتضيه كلمة لا إله إلا الله، وليس مطعنا في نبي الله موسى عليه السلام، لأن معرفة كل ما تقتضيه هذه الكلمة متعلق بالعلم ولا يمكن للإنسان أن يؤتى العلم جملة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم)، لذلك كان من أفراد الصحابة من يقع في أمور هي من الشرك، والأمثلة على ذلك كثيرة مثل حلف عمر رضي الله عنه بأبيه وقول اليهود إنك تحلفون بالكعبة وقول بعض الصحابة رضي الله عنهم إجعل لنا ذات أنواط.
_ الجواب هو في طيات ما ذكرتُ في الأجوبة السابقة وجماع ذلك قوله تعالى (وما كنّا معذبينَ حتى نبعثَ رسولاً)، وقوله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
-
رد: قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون .
قال الله تعالى:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)