-
السلسلة العلمية ) الجزء الاول
" فضائح الباطنية "
أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي (505 ه )
.....
مقدمة الموءلف
قمت بتصنيف كتاب فِي علم الدّين أقضى بِهِ شكر النِّعْمَة وأقيم بِهِ رسم الْخدمَة واجتني بِمَا اتعاطاه من الكلفة ثمار الْقبُول والزلفة لكني جنحت الى التواني لتحري فِي تعْيين الْعلم الَّذِي اقصده بالتصنيف وَتَخْصِيص الْفَنّ الَّذِي يَقع موقع الرِّضَا من الرَّأْي النَّبَوِيّ الشريف فَكَانَت هَذِه الْحيرَة تغبر فِي وَجه المُرَاد وتمنع القريحة عَن الإذعان والإنقياد حَتَّى خرجت الاوامر الشَّرِيفَة المقدسة النَّبَوِيَّة المستظهرية بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْخَادِم فِي تصنيف كتاب فِي الرَّد على الباطنية مُشْتَمل على الْكَشْف عَن بدعهم وضلالاتهم وفنون مَكْرهمْ واحتيالهم وَوجه استدراجهم عوام الْخلق وجهالهم وإيضاح غوائلهم فِي تلبيسهم وخداعهم وانسلالهم عَن ربقة الْإِسْلَام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بِمَا يُفْضِي الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم فَكَانَت المفاتحة بالإستخدام فِي هَذَا المهم فِي الظَّاهِر نعْمَة اجابت قبل الدُّعَاء ولبت قبل النداء وَإِن كَانَت فِي الْحَقِيقَة ضَالَّة كنت أنشدها وبغية كنت أقصدها فَرَأَيْت الِامْتِثَال حتما والمسارعة الى الإرتسام حزما وَكَيف لَا أسارع اليه وان لاحظت جَانب الْآمِر ألفيته أمرا مبلغه رعيم الْأمة وَشرف الدّين ومنشؤه
وَإِن الْتفت إِلَى الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ ذب عَن الْحق الْمُبين ونضال دون حجَّة الدّين وَقطع لدابر الْمُلْحِدِينَ وَإِن رجعت إِلَى نَفسِي وَقد شرفت بِالْخِطَابِ بِهِ من بَين سَائِر الْعَالمين رَأَيْت المسارعة إِلَى الإذعان والامتثال فِي حَقي من فروض الْأَعْيَان إِذْ يقل على بسيط الأَرْض من يسْتَقلّ فِي قَوَاعِد العقائد بِإِقَامَة الْحجَّة والبرهان
....
رَأَيْت أَن أسلك المسلك المقتصد بَين الطَّرفَيْنِ وَلَا أخلى الْكتاب عَن أُمُور برهانية يتفطن لَهَا الْمُحَقِّقُونَ وَلَا عَن كَلِمَات إقناعية يَسْتَفِيد مِنْهَا المتوهمون فان الْحَاجة الى هَذَا الْكتاب عَامَّة فِي حق الْخَواص والعوام وشاملة جَمِيع الطَّبَقَات من أهل الاسلام وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الْمنْهَج القويم فلطالما قيل ... كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم .
......
اهم ما جاء في الكتاب
لكُل لقب سَبَب أما الباطنية فانما لقبوا بهَا لدعواهم أَن لظواهر الْقُرْآن وَالْأَخْبَار بواطن تجرى فِي الظَّوَاهِر مجْرى اللب من القشر وَأَنَّهَا بصورها توهم عِنْد الْجُهَّال الأغبياء صورا جلية وَهِي عِنْد الْعُقَلَاء والأذكياء رموز وإشارات إِلَى حقائق مُعينَة وَأَن من تقاعد عقله عَن الغوص على الحفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها مسارعا إِلَى الاغترار كَانَ تَحت الأواصر والأغلال معنى بالأوزار والأثقال وَأَرَادُوا ب الأغلال التكليفات
الشَّرْعِيَّة فَإِن من ارْتقى إِلَى علم الْبَاطِن انحط عَنهُ التَّكْلِيف واستراح من أعبائه وهم المرادون بقوله تَعَالَى ٨٨
{وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم}
......
وغرضهم الْأَقْصَى إبِْطَال الشَّرَائِع فَإِنَّهُم إِذا انتزعوا عَن العقائد مُوجب الظَّوَاهِر قدرُوا على الحكم بِدَعْوَى الْبَاطِن على حسب مَا يُوجب الإنسلاخ عَن قَوَاعِد الدّين إِذا سَقَطت الثِّقَة بِمُوجب الالفاظ الصَّرِيحَة فَلَا يبْقى للشَّرْع عِصَام يرجع إِلَيْهِ ويعول عَلَيْهِ
وَأما القرامطة فانما لقبوا بهَا نِسْبَة الى رجل يُقَال لَهُ حمدَان قرمط كَانَ اُحْدُ دعاتهم فِي الِابْتِدَاء فَاسْتَجَاب لَهُ فِي دَعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية وَكَانَ الْمُسَمّى حمدَان قرمط رجلا من اهل الْكُوفَة مائلا الى الزّهْد فصادفه اُحْدُ دعاة الباطنية فِي طَرِيق وَهُوَ مُتَوَجّه الى قريته وَبَين يَدَيْهِ بقر يَسُوقهَا فَقَالَ حمدَان لذَلِك الدَّاعِي وَهُوَ لَا يعرفهُ وَلَا يعرف حَاله أَرَاك سَافَرت عَن مَوضِع بعيد فَأَيْنَ مقصدك فَذكر موضعا هُوَ قَرْيَة حمدَان فَقَالَ لَهُ حمدَان اركب بقرة من هَذِه الْبَقر لتستريح عَن تَعب الْمَشْي فَلَمَّا رَآهُ مائلا الى الزّهْد والديانة اتاه من حَيْثُ رَآهُ مائلا اليه فَقَالَ اني لم اومر بذلك فَقَالَ حمدَان وكأنك لَا تعْمل الا بامر
الَ نعم قَالَ حمدَان وبأمر من تعْمل فَقَالَ الدَّاعِي بامر مالكي ومالكك وَمن لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ حمدَان ذَلِك إِذن هُوَ رب الْعَالمين فَقَالَ الدَّاعِي صدقت وَلَكِن الله يهب ملكه لمن يَشَاء قَالَ حمدَان وَمَا غرضك فِي الْبقْعَة الَّتِي انت مُتَوَجّه اليها قَالَ امرت أَن ادعو اهلها من الْجَهْل الى الْعلم وَمن الضلال الى الْهدى وَمن الشقاوة الى السَّعَادَة وان استنقذهم من ورطات الذل والفقر واملكهم مَا يستغنون بِهِ عَن الكد والتعب فَقَالَ لَهُ حمدَان انقذني انقذك الله وافض عَليّ من الْعلم مَا يحببني بِهِ فَمَا اشد احتياجي الى مثل مَا ذكرته فَقَالَ الدَّاعِي وَمَا امرت بَان اخْرُج السِّرّ المخزون لكل اُحْدُ الا بعد الثِّقَة بِهِ والعهد عَلَيْهِ فَقَالَ حمدَان وَمَا عَهْدك فاذكره لي فَانِي مُلْتَزم لَهُ
.....
وَأما الخرمية فلقبوا بهَا نِسْبَة لَهُم الى حَاصِل مَذْهَبهم وزبدته فانه رَاجع الى طي بِسَاط التَّكْلِيف وَحط أعباء الشَّرْع عَن المتعبدين وتسليط النَّاس على اتِّبَاع اللَّذَّات وَطلب الشَّهَوَات وَقَضَاء الوطر من الْمُبَاحَات والمحرمات وخرم لفظ اعجمي يُنبئ عَن الشئ المستلذ المستطاب الَّذِي يرتاح الانسان اليه بمشاهدته ويهتز لرُؤْيَته وَقد كَانَ هَذَا لقبا للمزدكية وهم اهل الْإِبَاحَة من الْمَجُوس الَّذين نبغوا فِي ايام قباذ وأباحوا النِّسَاء وان كن من الْمَحَارِم وَأَحلُّوا كل مَحْظُور وَكَانُوا يسمون خرمدينية فَهَؤُلَاءِ ايضا لقبوا بهَا لمشابهتهم اياهم فِي اخر الْمَذْهَب وان خالفوهم فِي الْمُقدمَات وسوابق الْحِيَل فِي الاستدراج وَأما البابكية فاسم لطائفة مِنْهُم بَايعُوا رجلا يُقَال لَهُ بابك الخرمي وَكَانَ خُرُوجه فِي بعض الْجبَال بِنَاحِيَة أذربيجان فِي أَيَّام المعتصم بِاللَّه واستفحل أَمرهم واشتدت شوكتهم وقاتهلم افشين صَاحب حبس المعتصم مداهنا لَهُ فِي قِتَاله ومتخاذلا عَن الْجد فِي قمعه إضمارا لموافقته فِي ضلاله فاشتدت وَطْأَة البابكية على جيوش الْمُسلمين حَتَّى مزقوا جند الْمُسلمين وبددوهم منهزمين الى أَن هبت ريح النَّصْر وَاسْتولى عَلَيْهِم
......قال
(ص 37)
ما الْجُمْلَة فَهُوَ أَنه مَذْهَب ظَاهره الرَّفْض وباطنه الْكفْر الْمَحْض ومفتتحه حصر مدارك الْعُلُوم فِي قَول الإِمَام الْمَعْصُوم وعزل الْعُقُول عَن أَن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشُّبُهَات ويتطرق الى النظار من الاختلافات وايجاب لطلب الْحق بطرِيق التَّعْلِيم والتعلم وَحكم بَان الْمعلم الْمَعْصُوم هُوَ المستبصر وانه مطلع من جِهَة الله على جَمِيع اسرار الشَّرَائِع يهدي الى الْحق ويكشف عَن المشكلات وان كل زمَان فَلَا بُد فِيهِ من امام مَعْصُوم يرجع اليه فِيمَا يستبهم من امور الدّين
هَذَا مبدأ دعوتهم ثمَّ انهم بِالآخِرَة يظهرون مَا يُنَاقض الشَّرْع وَكَأَنَّهُ غَايَة مقصدهم لَان سَبِيل دعوتهم لَيْسَ بمتعين فِي فن وَاحِد بل يخاطبون كل فريق بِمَا يُوَافق رَأْيه بعد أَن يظفروا مِنْهُم بالانقياد لَهُم والموالاة لامامهم فيوافقون الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس على جملَة معتقداتهم ويقرونهم عَلَيْهَا فَهَذِهِ جملَة الْمذَاهب
وَأما تَفْصِيله فَيتَعَلَّق بالالهيات والنبوات والإمامة والحشر والنشر وَهَذِه أَرْبَعَة أَطْرَاف وَأَنا مقتصر فِي كل طرف على نبذة يسيرَة من حِكَايَة
.......
( ص 39)
فَهَذَا مَا حُكيَ من مَذْهَبهم الى امور اخر هِيَ افحش مِمَّا ذَكرْنَاهُ لم نر تسويد الْبيَاض بنقلها وَلَا تبيان وَجه الرَّد عَلَيْهَا لمعنيين احدهما أَن المنخدعين بخداعهم وزورهم والمتدلين بِحَبل غرورهم فِي عصرنا هَذَا لم يسمعوا هَذَا مِنْهُم فينكرون جَمِيع ذَلِك إِذا حكى من مَذْهَبهم ويحدثون فِي انفسهم أَن هَؤُلَاءِ انما خالفوا لانه لَيْسَ عِنْدهم حَقِيقَة مَذْهَبنَا وَلَو عرفوها لوافقونا عَلَيْهَا فنرى ان نشتغل بِالرَّدِّ عَلَيْهِم فِيمَا اتّفقت كلمتهم وَهُوَ إبِْطَال الرَّأْي والدعوة الى التَّعَلُّم من الامام الْمَعْصُوم فَهَذِهِ عُمْدَة معتقدهم وزبدة مخضهم فلنصرف الْعِنَايَة اليه وَمَا عداهُ فمنسقم الى هذيان ظَاهر الْبطلَان وَإِلَى كفر مسترق من الثنوية وَالْمَجُوس فِي القَوْل بالالهين مَعَ تَبْدِيل عبارَة النُّور والظلمة ب السَّابِق والتالي الى ضلال منتزع من كَلَام الفلاسفة فِي قَوْلهم ان المبدأ الاول عِلّة لوُجُود الْعقل على سَبِيل اللُّزُوم عَنهُ
......
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( 2 )
" فضائح الباطنية "
أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي (505 ه )
.....
مقدمة الموءلف
قمت بتصنيف كتاب فِي علم الدّين أقضى بِهِ شكر النِّعْمَة وأقيم بِهِ رسم الْخدمَة واجتني بِمَا اتعاطاه من الكلفة ثمار الْقبُول والزلفة لكني جنحت الى التواني لتحري فِي تعْيين الْعلم الَّذِي اقصده بالتصنيف وَتَخْصِيص الْفَنّ الَّذِي يَقع موقع الرِّضَا من الرَّأْي النَّبَوِيّ الشريف فَكَانَت هَذِه الْحيرَة تغبر فِي وَجه المُرَاد وتمنع القريحة عَن الإذعان والإنقياد حَتَّى خرجت الاوامر الشَّرِيفَة المقدسة النَّبَوِيَّة المستظهرية بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْخَادِم فِي تصنيف كتاب فِي الرَّد على الباطنية مُشْتَمل على الْكَشْف عَن بدعهم وضلالاتهم وفنون مَكْرهمْ واحتيالهم وَوجه استدراجهم عوام الْخلق وجهالهم وإيضاح غوائلهم فِي تلبيسهم وخداعهم وانسلالهم عَن ربقة الْإِسْلَام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بِمَا يُفْضِي الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم فَكَانَت المفاتحة بالإستخدام فِي هَذَا المهم فِي الظَّاهِر نعْمَة اجابت قبل الدُّعَاء ولبت قبل النداء وَإِن كَانَت فِي الْحَقِيقَة ضَالَّة كنت أنشدها وبغية كنت أقصدها فَرَأَيْت الِامْتِثَال حتما والمسارعة الى الإرتسام حزما وَكَيف لَا أسارع اليه وان لاحظت جَانب الْآمِر ألفيته أمرا مبلغه رعيم الْأمة وَشرف الدّين ومنشؤه
وَإِن الْتفت إِلَى الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ ذب عَن الْحق الْمُبين ونضال دون حجَّة الدّين وَقطع لدابر الْمُلْحِدِينَ وَإِن رجعت إِلَى نَفسِي وَقد شرفت بِالْخِطَابِ بِهِ من بَين سَائِر الْعَالمين رَأَيْت المسارعة إِلَى الإذعان والامتثال فِي حَقي من فروض الْأَعْيَان إِذْ يقل على بسيط الأَرْض من يسْتَقلّ فِي قَوَاعِد العقائد بِإِقَامَة الْحجَّة والبرهان
....
رَأَيْت أَن أسلك المسلك المقتصد بَين الطَّرفَيْنِ وَلَا أخلى الْكتاب عَن أُمُور برهانية يتفطن لَهَا الْمُحَقِّقُونَ وَلَا عَن كَلِمَات إقناعية يَسْتَفِيد مِنْهَا المتوهمون فان الْحَاجة الى هَذَا الْكتاب عَامَّة فِي حق الْخَواص والعوام وشاملة جَمِيع الطَّبَقَات من أهل الاسلام وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الْمنْهَج القويم فلطالما قيل ... كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم .
......
اهم ما جاء في الكتاب
لكُل لقب سَبَب أما الباطنية فانما لقبوا بهَا لدعواهم أَن لظواهر الْقُرْآن وَالْأَخْبَار بواطن تجرى فِي الظَّوَاهِر مجْرى اللب من القشر وَأَنَّهَا بصورها توهم عِنْد الْجُهَّال الأغبياء صورا جلية وَهِي عِنْد الْعُقَلَاء والأذكياء رموز وإشارات إِلَى حقائق مُعينَة وَأَن من تقاعد عقله عَن الغوص على الحفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها مسارعا إِلَى الاغترار كَانَ تَحت الأواصر والأغلال معنى بالأوزار والأثقال وَأَرَادُوا ب الأغلال التكليفات
الشَّرْعِيَّة فَإِن من ارْتقى إِلَى علم الْبَاطِن انحط عَنهُ التَّكْلِيف واستراح من أعبائه وهم المرادون بقوله تَعَالَى ٨٨
{وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم}
......
وغرضهم الْأَقْصَى إبِْطَال الشَّرَائِع فَإِنَّهُم إِذا انتزعوا عَن العقائد مُوجب الظَّوَاهِر قدرُوا على الحكم بِدَعْوَى الْبَاطِن على حسب مَا يُوجب الإنسلاخ عَن قَوَاعِد الدّين إِذا سَقَطت الثِّقَة بِمُوجب الالفاظ الصَّرِيحَة فَلَا يبْقى للشَّرْع عِصَام يرجع إِلَيْهِ ويعول عَلَيْهِ
وَأما القرامطة فانما لقبوا بهَا نِسْبَة الى رجل يُقَال لَهُ حمدَان قرمط كَانَ اُحْدُ دعاتهم فِي الِابْتِدَاء فَاسْتَجَاب لَهُ فِي دَعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية وَكَانَ الْمُسَمّى حمدَان قرمط رجلا من اهل الْكُوفَة مائلا الى الزّهْد فصادفه اُحْدُ دعاة الباطنية فِي طَرِيق وَهُوَ مُتَوَجّه الى قريته وَبَين يَدَيْهِ بقر يَسُوقهَا فَقَالَ حمدَان لذَلِك الدَّاعِي وَهُوَ لَا يعرفهُ وَلَا يعرف حَاله أَرَاك سَافَرت عَن مَوضِع بعيد فَأَيْنَ مقصدك فَذكر موضعا هُوَ قَرْيَة حمدَان فَقَالَ لَهُ حمدَان اركب بقرة من هَذِه الْبَقر لتستريح عَن تَعب الْمَشْي فَلَمَّا رَآهُ مائلا الى الزّهْد والديانة اتاه من حَيْثُ رَآهُ مائلا اليه فَقَالَ اني لم اومر بذلك فَقَالَ حمدَان وكأنك لَا تعْمل الا بامر
الَ نعم قَالَ حمدَان وبأمر من تعْمل فَقَالَ الدَّاعِي بامر مالكي ومالكك وَمن لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ حمدَان ذَلِك إِذن هُوَ رب الْعَالمين فَقَالَ الدَّاعِي صدقت وَلَكِن الله يهب ملكه لمن يَشَاء قَالَ حمدَان وَمَا غرضك فِي الْبقْعَة الَّتِي انت مُتَوَجّه اليها قَالَ امرت أَن ادعو اهلها من الْجَهْل الى الْعلم وَمن الضلال الى الْهدى وَمن الشقاوة الى السَّعَادَة وان استنقذهم من ورطات الذل والفقر واملكهم مَا يستغنون بِهِ عَن الكد والتعب فَقَالَ لَهُ حمدَان انقذني انقذك الله وافض عَليّ من الْعلم مَا يحببني بِهِ فَمَا اشد احتياجي الى مثل مَا ذكرته فَقَالَ الدَّاعِي وَمَا امرت بَان اخْرُج السِّرّ المخزون لكل اُحْدُ الا بعد الثِّقَة بِهِ والعهد عَلَيْهِ فَقَالَ حمدَان وَمَا عَهْدك فاذكره لي فَانِي مُلْتَزم لَهُ
.....
وَأما الخرمية فلقبوا بهَا نِسْبَة لَهُم الى حَاصِل مَذْهَبهم وزبدته فانه رَاجع الى طي بِسَاط التَّكْلِيف وَحط أعباء الشَّرْع عَن المتعبدين وتسليط النَّاس على اتِّبَاع اللَّذَّات وَطلب الشَّهَوَات وَقَضَاء الوطر من الْمُبَاحَات والمحرمات وخرم لفظ اعجمي يُنبئ عَن الشئ المستلذ المستطاب الَّذِي يرتاح الانسان اليه بمشاهدته ويهتز لرُؤْيَته وَقد كَانَ هَذَا لقبا للمزدكية وهم اهل الْإِبَاحَة من الْمَجُوس الَّذين نبغوا فِي ايام قباذ وأباحوا النِّسَاء وان كن من الْمَحَارِم وَأَحلُّوا كل مَحْظُور وَكَانُوا يسمون خرمدينية فَهَؤُلَاءِ ايضا لقبوا بهَا لمشابهتهم اياهم فِي اخر الْمَذْهَب وان خالفوهم فِي الْمُقدمَات وسوابق الْحِيَل فِي الاستدراج وَأما البابكية فاسم لطائفة مِنْهُم بَايعُوا رجلا يُقَال لَهُ بابك الخرمي وَكَانَ خُرُوجه فِي بعض الْجبَال بِنَاحِيَة أذربيجان فِي أَيَّام المعتصم بِاللَّه واستفحل أَمرهم واشتدت شوكتهم وقاتهلم افشين صَاحب حبس المعتصم مداهنا لَهُ فِي قِتَاله ومتخاذلا عَن الْجد فِي قمعه إضمارا لموافقته فِي ضلاله فاشتدت وَطْأَة البابكية على جيوش الْمُسلمين حَتَّى مزقوا جند الْمُسلمين وبددوهم منهزمين الى أَن هبت ريح النَّصْر وَاسْتولى عَلَيْهِم
......قال
(ص 37)
ما الْجُمْلَة فَهُوَ أَنه مَذْهَب ظَاهره الرَّفْض وباطنه الْكفْر الْمَحْض ومفتتحه حصر مدارك الْعُلُوم فِي قَول الإِمَام الْمَعْصُوم وعزل الْعُقُول عَن أَن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشُّبُهَات ويتطرق الى النظار من الاختلافات وايجاب لطلب الْحق بطرِيق التَّعْلِيم والتعلم وَحكم بَان الْمعلم الْمَعْصُوم هُوَ المستبصر وانه مطلع من جِهَة الله على جَمِيع اسرار الشَّرَائِع يهدي الى الْحق ويكشف عَن المشكلات وان كل زمَان فَلَا بُد فِيهِ من امام مَعْصُوم يرجع اليه فِيمَا يستبهم من امور الدّين
هَذَا مبدأ دعوتهم ثمَّ انهم بِالآخِرَة يظهرون مَا يُنَاقض الشَّرْع وَكَأَنَّهُ غَايَة مقصدهم لَان سَبِيل دعوتهم لَيْسَ بمتعين فِي فن وَاحِد بل يخاطبون كل فريق بِمَا يُوَافق رَأْيه بعد أَن يظفروا مِنْهُم بالانقياد لَهُم والموالاة لامامهم فيوافقون الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس على جملَة معتقداتهم ويقرونهم عَلَيْهَا فَهَذِهِ جملَة الْمذَاهب
وَأما تَفْصِيله فَيتَعَلَّق بالالهيات والنبوات والإمامة والحشر والنشر وَهَذِه أَرْبَعَة أَطْرَاف وَأَنا مقتصر فِي كل طرف على نبذة يسيرَة من حِكَايَة
.......
( ص 39)
فَهَذَا مَا حُكيَ من مَذْهَبهم الى امور اخر هِيَ افحش مِمَّا ذَكرْنَاهُ لم نر تسويد الْبيَاض بنقلها وَلَا تبيان وَجه الرَّد عَلَيْهَا لمعنيين احدهما أَن المنخدعين بخداعهم وزورهم والمتدلين بِحَبل غرورهم فِي عصرنا هَذَا لم يسمعوا هَذَا مِنْهُم فينكرون جَمِيع ذَلِك إِذا حكى من مَذْهَبهم ويحدثون فِي انفسهم أَن هَؤُلَاءِ انما خالفوا لانه لَيْسَ عِنْدهم حَقِيقَة مَذْهَبنَا وَلَو عرفوها لوافقونا عَلَيْهَا فنرى ان نشتغل بِالرَّدِّ عَلَيْهِم فِيمَا اتّفقت كلمتهم وَهُوَ إبِْطَال الرَّأْي والدعوة الى التَّعَلُّم من الامام الْمَعْصُوم فَهَذِهِ عُمْدَة معتقدهم وزبدة مخضهم فلنصرف الْعِنَايَة اليه وَمَا عداهُ فمنسقم الى هذيان ظَاهر الْبطلَان وَإِلَى كفر مسترق من الثنوية وَالْمَجُوس فِي القَوْل بالالهين مَعَ تَبْدِيل عبارَة النُّور والظلمة ب السَّابِق والتالي الى ضلال منتزع من كَلَام الفلاسفة فِي قَوْلهم ان المبدأ الاول عِلّة لوُجُود الْعقل على سَبِيل اللُّزُوم عَنهُ
......
......
( 2 )
كتاب : مقارنة بين الغزالي وابن تيمية
تأليف محمد رشاد سالم
سبب اختياري للموضوع
" لما لهما من مزية تميزهما على غيرهما من علماء هذه الأمة ولما راجت كتبهما في بقاع المعمورة
وهما من كبار العلماء اذين ملأوا الدنيا علما وفقها وهما يمثلان أكبر تيارين فكريين يوثران على المسلمين
فالغزالي يمثل التيار الأشعري الصوفي وابن تيمية يمثل التيار السني السلفي ولكل منهما انصار ورجال
وان الغلبة في أكثر البلاد الإسلامية حتى الآن للتيار الأشعري الصوفي – كما ذكره الشيخ محمد رشاد سالم
ولما آل الأمر الى انتشار هذه المنهج انتشار كبيرا وراج رواجا عظيما في العالم الإسلامي احببنا ان نسهب
بشكل مختصر على التنبية على نقاط أساسية فيصلية عن جذور هذا المنهج ومدى تأثر الناس به واسبابه
وما آلت اليه الأمور بعدهما "
وما ذكره المقريزي في خططه " من انتشار المذهب الاشعري وشهرته في امصار الإسلام الى ان ظهر ابن تيمية
فتصدى للرد على مذهب الاشاعرة وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة والصوفية ووافقه أناس وعارضه آخرون
ثم يقول " اما النهضة الحديثة لعلم الكلام فتقوم على نوع من التنافس بين مذهب الاشعرية ومذهب ابن تيمية
ويسمى انصار هذا التيار بالسلفية ولعل الغلبة في بلاد الإسلام لا تزال لمذهب الأشاعرة "
كتاب " التمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية " الشيخ مصطفى عبد الرزاق ( ص 179)
.......
قال المؤلف ( ص 7)
سمي لغزالي بحجة الإسلام والامام مع ان ثقافته الإسلامية كانت محدودة اصة في علم الحديث
ولذلك كثرت الاحدايث الضعيفة في كتبه عامة وفي كتاب " الاحياء " بوجه خاص وسجل عليه اكثر
من عالم مثل أبي بكر الطرطوشي الذي قال عنه " شحن أبو حامد " الأحياء " بالكذب على رسول الله
فلا أعلم كتاب على بسيط الأرض أكثر كذبا منه "
قال ابن الجوزي في " المنتظم " (9/169)
وأخذ في تصنيف كتاب " الأحياء " في القدس ثم أتمه في دمشق إلا انه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه وقوله أيضا " ثم إنه نظر في كتاب أبي طالب المكي وهو قوت القلوب وكلام المتصوفة القدماء فاجتذبته ذلك بمرة عما يوجبه الفقه وذكر في كتاب الأحياء " من الأحاديث الموضوعة ما لا يصلح غير قليل وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل "
وقال عنه الذهبي في " سير اعلام النبلاء " ص 71 ) سيرة الغزالي
" ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية العاصية على العقل "
وقال المؤلف ( ص 8 )
" واما جوانب ثقافته فإن ابن تيمية يحللها ويردها الى مصادرها في رسالته " السبعينية "
فيقول " وأبو حامد مادته الكلامية من كلام شيخه ( يقصد الجويني ) في الارشاد
و" الشامل " ونحوها مضموما الى ما تلقاه من القاضي ابي بكر الباقلاني لكنه في أصول
الفقه سلك في الغالب مذهب ابن الباقلاني مذهب الواقفة وتصويب المجتهدين
وضم ما اخذه من كلام ابي زيد الدبوسي وغيره في القياس واما الكلام طريقة شيخه القاضي ابي بكر الباقلاني وشيخه في أصول الفقه يميل الى الشافعية
ومادة ابي حامد في الفلسفة من كلام ابن سينا ولهذا يقال
أبو حامد أمرضه الشفاء "
واكثر مادته من " المنجيات " فإن عامته ماخوذة من كلام أبي طالب
ولكن أبو طالب اشد واعلى وما يذكره في ربع المهلكات فإخذ غالبه من كلام الحارث المحاسبي في "
الرعاية "
ولهذا قال تلميذ الغزالي القاضي أبو بكر بن العربي الذي قال
بحسب ما رواه لذهبي : شيخنا أبو حامد بلغ الفلا سفة " وارد أن يتقيأهم فما استطاع "
وقال عنه أبو بكر الطرطوشي المتوفي سنة 520
ان الغزالي شبك كتابه " الاحياء " بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل اخوان الصفا وهم يرون النبوة مكتسبة
سيرة الغزالي ( ص 70 )
....
وكذلك ذكر الذهبي وأبو عبد الله المازري المتوفي ( 536)
انه تأثر بالفلسفة وبرسائل الصفا ةتأر بكتب ابي حيان التوحيدي
....
قال الؤلف ( ص 10 )
وقد فصل الدكتور سليمان دنيا في كتابه " الحقيقة في نظر الغزالي وهو يراه الف كتبا في علم الكلام مثل كتابه " تهافت الفلاسفة "
ليرضي العوام ولكنها لا تمثل اراء الغزالي الحقيقية
وهو يستشهد بكلام الغزالي في كتابه " جواهر القرآن "
حيث يقول :
ومقصود هذا العلم ( علم الكلام ) حراسة عقيدة العوام عن تشويش المبتدعة
ولا يكون هذا العلم مليا بكشف الحقائق وبجنسه يتعلق الكتاب الذي صنفناه في تعافت الفلاسفة والذي اوردناه في الرد على الباطنية ف الكتاب الملقب بالمستظهري في كتاب حجة الحق وقواصم الباطنية وكتاب مفصل الخلاف في اصل الدين .
ويستنتج الدكتور سليمان دنيا من ذلك أن كلام الغزال معناه ان أفكار الفلاسفة ليست باطلة عنده في ذاتها وإنما الباطل هو ذكرها للعامة
والأستاذ مو نتجومري وات يذهب نفس مذهب الدكتور سليمان دنيا بدليل انه يلخص عمل الغزالي بعبارة واحدة ذكر فيها ان الغزالي "
ارسى علم الكلام على قاعدة فلسفية "
......
قال المؤلف ( ص 12 )
وقد اعترف الغزالي في كتابه " المنقذ من الضلال " بتاثره ببعض كتب الشيوخ الصوفية
فقال " فابتدات بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل " قوت القلوب " لأبي طالب
المكي رحمه الله وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله ارواحهم وغيرهم من المشايخ "
....
قال الؤلف ( ص 13 )
قال الغزالي في كتابه " ميزان العمل " ان هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع ثم قال في كتاب المنقذ من الظضلال والمفصح بالاحوال " ان اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية وان امره انما وقف على ذلك بعد طول البحث "
....
والدكتور سليمان دنيا ينفي في كتابه ( الحقيقة في نظر الغزالي ( ( ص 108)
ان يكون الغزالي قاءلا بالبعث الروحاني ولكن يرجع فيؤكد انه تابع للفلاسفة عامة وابن سينا خاصة من أكثر اقوالهم وقد تابعه متابعة تامة في كلامه عن النفس وخاصة في كتابه "
معارج النفس في مدارج معرفة لنفس "
وهذا الرأي نفسه يذكره ابن تيمية في رسالة " السبعينية "
.....
( ص 14)
وقد حدثنا الغزالي ف كتابه " المنقذ من الضلال " عن الشك الذ خامر عقله وعن الأزمة
العقلية والنفسية التي ع
رضت له بعد ذلك فذكر انه شك في المحسوسات ثم في العقليات حتى انه ظل كما حدثنا عن نفسه قيبا من شهرين انا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم النطق والمقال حتى
شفى الله تعالى من ذلك المرض "
" المنقذ من الضلال " ( ص 130)
....
ص 14
" وهو في مواضع خرى يبين فائدة الشك فيقول في آخر كتاب " ميزان العمل "
فمن لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقى في العمى والضلال "
ويذهب بعض الباحثين الى ان الشك صاحب الغزالي حتى 488 وهو في سن الأربعين تقريبا
.....
( ص 18 )
ولعل من الأمور الهامة التي تتصل بالكلام على ثقافة الغزالي بيان مدى السلبية
التي كان عليها الغزالي إزاء الاحداث السياسية الضخمة لتي حدثت اثناء حياته فتح
الصليبيون انطاكية سنة 491 ثم معرة النعمان في الشهر الأخير ن تلك السنة وقتلوا فيها
مائة الف ثم اجتاحوا البلاد كلها يقتلون ويدمرون واقتحموا القدس سنة 495 ه
ووصلت الأخبار بذلك الى بغداد فقلقت الخواطر واضطربت الخلافة وكان الغزالي في بغداد
في الأغلب فلم يبد ساكنا ثم غنه عاش احد عشر عاما بعد سقوط القدس في ايدي الافرنج
الصليبين فلم يذكرهم بلسانه فضلا عن ان يكون قد حض على قتالهم كما كان ينتظر منه "
مقال د عمر فروخ رجوع الغزالي الى اليقين
المهرجان ( ص 300- 301 )
ويحالو الدكتور عمر فروخ ان يبحث عن أسباب هذا الموقف ويردها الى عاملين :
الأول : مرضه وازمته النفسية والثاني سلوكه طريق التصوف وقد وقف جميع الصوفية موقفا هادئا من
الحروب الصليبية التي كانوا يعتقدون انها عقابا للمسلمين على معاصيهم
.......
( ص 21 )
أجمع المؤرخون على ابن تيمية كان واسع الاطلاع على العلوم الشرعية والعقلية على حد سواء ويقول الذهبي
عنه : " كان يتوقد ذكاء وسماعاته من الحديث كثيرة وشيوخه اكثر من 200 شيخ ...ومعرفته بالتفسير اليها المنتهى وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه اما معرفته بالسير والتاريخ فعجب عجيب
قول الذهبي : " كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فهو ليس بحديث "
وكتاب الرد على المنطقيين لابن تيمية وهو كتاب فريد من نوعه
...
( ص 23 )
وقد ذكر المترجمون لسيرته ان له في الرد على الفسفة اربع مجلدات غير الرسائل والقواعد التي كتبها
منها كتاب الرد على منطق كتاب الإشارات لابن سينا
اما في مجال نفض علم الكلام له كتاب " نقض تأسيس التقديس "
والذي يميز ثقافة ابن تيمية انها ثقافة إسلامية عميقة بالدرجة
الأولى وانه يتبع فيها منهج اهل السنة والجماعة اتباعا دقيقا وخاصة منهج الامام احمد بن حنبل
كما انه قرر في كتاب الرد على المنطقيين " انه استفاد من كتاب الدقائق " للباقلاني وهو اشعري
ةمن كتاب ابن النوبختي الشيعي " الاثنى عشري " في رده على المنطق
......
ص 24
ومع انه يقرر ان الغزالي كان متناقضا إلا انه يسجل له تاريخ حافل بالعلم ويشيد بكتابه " فضائح الباطنية "
وانه اقلع في آخر حياته عن الاشتغال بالعلوم الفلسفية والكلامية وانصرف الى الاشتغال
بعلم الحديث " واخر ما اشتغل به النظر في صحيح البخاري ومسلم ومات وهو مشتغل بذلك
" السبعيينة (ج5/ ص 42 )
وهذا يوافق ما ذكره المؤرخون كما في المنتظم لابن الجوزي وطبقات الشافعية للسبكي
....
ص 25)
وعلى الرغم من هجوم ابن تيمية على الباقلاني وخاصة ارائه عن النبوات والمعجزات
إلا انه يقرر انه أفضل الاشاعرة ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده
كما انه يذكر عن ابن رشد أنه افضل الفلاسفة "
.....
ص 27
أما الغزالي فإنه كان متابع لمنطق ليونان على الجملة الا انه حاول ان يلبسه ثيبا إسلامية
وخاصة في كتابه " القسطاس المستقيم "
ولقد الف الغزالي كتابيه " معيار العلم " ومحك النظر "
ووافق فيهما منطق ارسطو وابن سينا إلا انه قرر في مقدمته لكتاب " المستصفى في الأصول "
ان المنطق هو مقدمة الأصول كلهما وان من لا يثق به فلا ثقة بشيء من علومه
ولذلك يرى ابن تيمية ان المنطق دخل في العلوم الشرعية وفي أصول الفقه في أواخر المائة الخامسة
ويذكر عن الغزالي انه دائما شديد الثقة بالمنطق
ثم يقول " واعجب من ذلك انه وضع كتابا سماه " القسطس المستقيم "
ونسبه الى انه تعليم الأنبياء
وانما تعلمه من ابن سينا وهو تعلمه من كتب ارسطو "
" الرد على المنطقيين "
( ص 14-15)
......
( ص 29)
سار أكثر علماء المسلمين على طريق الغزالي حتى ثال من قال من المتاخرين
: " أن تعلم المنطق فرض كفاية "
وهو قول فاسد من وجوه متعددة وهو يدل على جهل قائله بالشرع وجهله بفائدة المنطق
ومن قال انه " فرض على الأعيان فهو أجهل منه "
" نقض المنطق ص 157
واما ابن تيمية يكشف بطريقة منهجية فساد هذا المنطق وقد لف كتب في الرد على المنطق
ضاع بعضا ولكن يوجد بين أيدينا منها كتاب " نقض المنطق " والجزء الأخير منه يرد على المنطقيين وكتاب " الرد على المنطقيين "
وهو من الكتب الكبيرة
....
( ص 30 )
وذلك ان المنطق واصطلاحاته انما عرف على زمن اليونان ووضعه رجل يوناني وقد كانت جماهير العقلاء في الأمم المختلفة قبلهم تعرف حقائق الأشياء بدون الاصطلاحات والأوضاع المنطقية
والمتفلسفة جعلوا المنطق ميزانا للموازين العقلية التي هي الاقيسة العقلية ولوان الميزان احتاج الى ميزان للزم التسلسل
وابن تيمية ينبه الى نقطة هامة تنبه اليها كبار المناطقة المحدثين وهي ارتباط المنطق باللغة
وان الفطرة وان كانت صحيحة وزنت بالميزان العقلي وان كانت بليدة او فاسدة لم يزدها المنطق لو كان صحيحا الا بلادة وفسادا "
.....
ص 38
ونظرية الطبقات الثلاث التي أشار اليها الفارابي وابن سينا وتبعه عليه الغزالي في
" القسطاس المستقيم ) وفصل ابن رشد في " فصل المقال ) هي نظرية
يونانية بحتة يذهب الأستاذ روزنتال الى انها تأثرت بآراء افلاطون في جمهوريته حيث ينقسم الناس الى طبقات ثلاث " عمال وجند وحكام او فلاسفة
.......
والكتاب يحتوي على جملة من المفارقات بين ابن تيمية والغزالي تلميذ الجويني
واقتصرنا على المهم من هذه المفارقات بينهم وارتباط الغزالي الوثيق بالمنطق اليوناني ومدى
نقد ابن تيمية للمناطقة وسلوكياتهم ومدى تطورهم وخطرهم على العامة
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
(3 )
" تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية "
للكاتب الشيخ \مصطفى عبد الرزاق
........
سبب اختياري للكتاب
مما رايته في هذا الزمان من كثرت المتفلسفة والمتكلمة في هذا الزمان بغير علم ولا دراية
وبعضا منهم ممن اطلع على كتب الفلاسفة ونبغ فيها
وافتتان الجمهرة بكتب الفلاسفة من عصر الخلافة الأموية بعد ان ترجمت كتب الفلاسفة
الى عصرنا لا زال مستمرا وباشكال متنوعة ومتعددة من متفلسفة الإسلام
وكذلك الترجمة وما وقع فيها من التحريف والخطأ في ترجمة هذه الكتب ونقلها الى العربية ساهمت اسهاما مباشرا في تغيير الأفكار وبناء أفكار مستحدثة
ومما نلحظه من تحكم الفلاسفة بعقول المتفلسفة الإسلامية جراء ماخلفته
هذه الأفكار التي تحتاج الى تتبع واتصال ورواج على العامة
وتولد منها جيل من الملاحدة واللادينيين..
يكتسب الكتاب قيمة تاريخية وفلسفية كبرى بين الكتب التي الفت لما فيها مزية
على غيرها
ولم يات الكتاب على النحو المألوف والنهج المعروف عند المؤلفين والمستشرقين
ممن اتهموا الفلسفة الإسلامية بعدم الدقة والأصالة والعجز عن التجديد وبأنها ليست إلا محاكاة
للفلسفة اليونانية او اختصار قام بها مترجمون ضعفاء للفكر اليوناني
حيث قدم الشيخ مصطفى تاريخ للفلسفة وتصورا والفكر الفلسفي الإسلامي
وخاصة نشأة الفكر الفلسفي
وابحاث متفرقة حول الفلسفة الإسلامية وهو تلميذ محمد عبده بالرغم ما عنده
من هفوات ولكنه مجدد الفكر الفلسفي الإسلامي
واحتكار هذا الفن لازمان طويلة لاالسن غير عربية وعقائد غير إسلامية
مما ولد صراعات استطاع الشيخ الجليل مصطفى ان يمحص الأفكار
اكمالا لمشروع استاذه الإصلاحي فكان مشروعه لاعادة التاريخ الفلسفي
الإسلامي لمنهجه الأصيل "
......
وفي اطار هذا المشروع التي انتخبت منه اهم الكتب في مجاله
تنقية لمعالم الإسلام وافكاره من التشويهات التي ادركته والتي يلصقها البعض به زورا وبهتانا وكثيرا من هذه الاتهامات الباطلة التي يتهم بها المسلمون عامتهم
من جميع أطياف الجهات المناوئة لهم في الغرب
والتي هدفها وشغلها الشاغل تشويه أفكار المسلمين
بشتى الطرق
وكان قسما كبيرا من كتابات رواد الفكر والتنوير والإصلاح
في الفكر الإسلامي انتبهوا لمثل هذه الأفكار الدخيلة على المسلمين
ولهم دور بارز في دحض شبه هذه الأفكار التي كانت سبب من أسباب
تفاقم الأزمات الفكرية والعقائدية التي يتعرض بها أبناء المسلمين من كل الجهات
داخل المجتمعات العربية والإسلامية
وكان الدور ابارز لرواد الإصلاح والتحرير والتنوير
تثقيف المجتمعات الإسلامية من خطر هذه الفلسفة المدرسة الفكرية
التي شكلت عائقا كبيرا في المجتمعات الإسلامية وانحلالها أخلاقيا وعقائديا
......
مقدمة للمحققين
( ص 20 -22 )
إن هذا المشروع يسعى للجمع بين الاحياء والتجديد والابداع
والتواصل مع الآخر وليس اهتمامنا بهذا لتراث إشارة الى رفض الجديد الوافد علينا
بل علينا ان تفاعل معه ونختار منه ما يناسبنا فتزداد حياتنا الثقافية ثراء
وتتجدد افكارنا بها التفاعل البناء بين القديم والجديد بين الموروث والوافد
فتنتج الأجيال الجديدة عطاءها الجديد اسهاما في التراث الإنساني
المشترك بكل ما فيه من تنوع الهويات وتعددها
واملنا ان نسهم في اتاحة مصادر معرفية اصيلة وثرية لطلاب العلم
والثقافة داخل اوطاننا وخارجها وان تستنهض هذه الاسهامات همم الأجيال
الجديدة كي تقدم اجتهادتها في مواجهة التحديات التي تعيشها الامة مستلهمة
المنهج العلمي الدقيق ..وبذلوا فصارى جهدهم واجتهدوا في تقديم الإجابات عن تحديات عصرهم من اجل
نهضتها وتقدمها
....
ومن مقالات الكاتب ان الحياة ينبغي ان تكن سبيلا الى أمنية عالية
فمن ضحى في سبيل أمنيته بكل عزيز عنده حتى نفسه التي بين
جنبيه فذلك الانسان كل الانسان اما الذين يضنون بأرواحهم ويضمون آمالهم واغراض حياتهم فاولئك
لا يقام لهم وزن عند الله ولا عتد البشر "
مصطفى عبد الرزاق
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
كتاب "التمهيد لتاريخ الفلسفة
مصطفى عبد الرازق
تابع
( ص 38)
قال المحقق :
" وقد اشتغل الشيخ مصطفى عبد الرزاق كثيرا بالسياسة وتوابعها فضلا
عن خوض المعارك الإصلاحية في الأزهر والقضاء وغيرهما الامر الذي شغله
كثيرا عن متابعة مشروعه الفكري وقد عبر الشيخ في أواخر حياته عن اسفه
الشديد تجاه هذا الأمر فكتب "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام "
ويليه تلخيص السيوطي لكتاب " نصيحة اهل الايمان في الرد على منطق اليونان " لابن تيمية
ما نصه : " وقد صرفتني الاقدار عن حياة المنطق الى حياة ليست بمنطقية " !
وكونه متأثرا بما ورد عن الامام مالك بن انس رضي الله عنه انه كان يدعو دائما
" اللهم إني اعوذ بك من قول ليس تحته عمل "
وكذلك بما قاله حجة الإسلام أبو حامد الغزالي من ان " العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم
لا يكون " وتاثر باستاذه الشيخ محمد عبده الذي كان يرى في خلافات المتكلمين
نقاشا لا طائل من ورائه ولا منفعة فيه "
.....
( ص 47)
وبحسب زكي نجيب محمود فان الشيخ قد وقف في عرض كتابه وقفة العالم المحايد الذي يتخفى وراء النصوص وانه قد نحا منحنى جديدا في دراسة الفلسفة الإسلامية وراسي دعائم مدرسة كانت الحياة الفلسفية احوج ما نكون اليها
"
....
( ص 44-45 )
قال المحقق
" يتحصل مما سبق ان كتاب التمهيد الذي يعد من اهم مؤلفات الشيخ ام لم يكن أهمها على الاطلاق
هو كتاب في المنهج بالدرجة الأولى منهج الشيخ في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية حيث تعرض لنشأة الفكر الفلسفي في الإسلام في وقت شاع فيه الاستخفاف بهذا الفكر بين دارسيه من مستشرقين وعرب على حد سواء وكان الشيخ اول من أنشا في الدراسات الجامعية مادة للدراسة سميت ب " الفلسفة الإسلامية "
.....
( ص 56-58)
اهم القضايا التي ناقشها وتضمنها كتاب " التمهيد "
(1 )
الصراع على الفلسفة
" موقف المستشرقين من الفلسفة الإسلامية "
شاع القول ان الفلسفة اليونانية وهي الأساس للفلسلفة الإسلامية تعتبر اسمى ما وصلت اليه العقلية الآرية في التفكير وان الإسلام هو خير ما خلفت العقلية السامية للإنسانية من تراث "
والواقع ان فكرة الجنس " الآري " التي اشتهرت نذ مطلع السنوات الأولى من القرن التاسع عشر
على يد الفيلسوف الفرنسي " إرنست رينان " وخاصة في كتابه " تاريخ اللغات السامية " سرعان ما تأثر بها العديد من المستشرقين اللاحقين وعلى راسهم جون جوتييه
ومن اسف ان بعضا من الكتاب العرب والمسلمين قد تأثروا بهذه النظرية أيضا ورواو فيها امتدادا
لما أتى عليه ابن خلدون من قبل في كتابه المقدمة وفي الواقع فإن فهمهم غير صحيح "
وفي المقابل هناك كثيرون من الكتاب العرب والمسلمين تناولوا هذه الفكرة بالنقد والتمحيص ليبينوا انها لا تقزم على سند صحيح من العلم ولا ترتكز على قواعد متنزنة من حقائق التاريخ
في كتاب التمهيد قدم الشيخ رؤية جديدة تقوم على تلمس نشأة التفكير الإسلامي
في كتابات المسلمين انفسهم قبل ان يتصلوا بالفلسفة
اليونانية ويدرسوها دراسة وافية
حاول ان يعرض اراء المستشرقين الذين هذا لفكر العداء ابان القرن التاسع عشر وان يفند هذه الآراء القائمة على التعصب العرقي الذي جاهر ارنست رينان بالتبشير به
وقد اكد الشيخ في اول صفحات كتابه ذلك "
......
( ص 76)
وأول ما يبدا به الشيخ في كتابه ما ورد عن صاعد الاندلسي ( 462 )
في كتابه " طبقات الأمم " مع ان العرب في الجاهلية لم يمنحهم الله شيئا من علم
الفلسفة ولا هيأ طباعهم للعناية به وأن اول من اشتهر بهذا الأمر منهم هو
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ( 252 ه ) وأبو محمد الحسن الهمداني ( 334 ه ) بسجن صنعاء
......
( ص 73 )
وبذلك يصح قول الرازي
" واعلم ان نسبة الشافعي الى علم الأصول كنسبة ارسطوطاليس الى علم المنطق وكنسبة الخليل بن أحمد الى علم العروض "
....
( ص 77 )
ومن المعلوم ان الهمم القوية في دراسة علم الكلام سرعان ما ضعفت بسبب الحملة التي شنها ابن تيمية ( ت 728 ه ) على الكلام والفلسفة بصفة عامة
" قال الشيخ محمد عبده في " رسالة التوحيد "
" ولم يعد بين الناظرين في كتب السابقين إلا تحاور في الالفاظ وتناظر في الأساليب على ان ذلك في قليل من الكتب اختارها الضعف وفضلها القصور "
......
( ص 83 )
وممن تأثر بفكر الشيخ مصطفى الدكتور إبراهيم مدكور ويعد بمثابة الرائد الثاني الذي استطاع قيادة المسيرة من بعد الشيخ نحو الإصلاح والتجديد فضلا على انه الرائد الأول الذي رسم الخطوط العريضة لدراسة بحث " فلسفة الفلاسفة " وأول من خطا حطوات إيجابية نحو تراثنا العربي الإسلامي ودعا لاقامة لجنة علمية لدراسة الفلسفة الإسلامية والدكتور مدكور له كتابا آخر بعنوان " في الفكر الإسلامي " يبدو فيه شديد التأثر بمنهج الشيخ عبد الرزاق
وله كتاب آخر في " الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق " ان تاريخ الحياة العقلية في الإسلام
قد بلي بطافة من الفروض الخاطئة وغيرها من الأمور ومنها ان العرب لم يصنعوا شيئا أكثر من انهم تبقوا دائرة المعارف اليونانية في صورتها
......
( ص 90 )
وفي المحصلة لعلنا لا نبالغ اذا قلنا إن اثر الشيخ مصطفى عبد الرزاق
لا يدانيه اثر في الفكر الإسلامي المعاصر باستثناء شيخه محمد عبده بل ربما يفوقه من حيث عدد التلاميذ وتنوع مجالاتهم البحثية واية ذك ان القرن الرابع عشر الهجري الذي عده آدم ميتيز بمثابة العصر الذهبي في تاريخ الإسلام فقد شهد وصول الفلسة الإسلامية مبلغ نضجها العقلي قبل ان ندخل في طور الانحطاط لعوامل متعددة يأتي في مقدمتها : اتخاذ بعض الفقهاء خاصة الحنابلة موقفا متشددا من الفلسفة وما يتصل بها حتى شاع القول المشهور
" من تمنطق فقد تزندق "
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( ص 120 )
قال المؤلف " مصطفى عبد الرزاق "
" قال ابن خلدون سنة 808 ه في " مقدمته "
" من الغريب الواقع ان حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية
ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع ان الملة عربية وصاحب شريعتها عربي "
.......
مقتطفات
من مقدمة الكتاب
" تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية "
مصطفى عبد الرزاق
( ص 50 )
يقول القاضي أبو القاسم " صاعد بن أحمد " المتوفى سنة 462 ه
في كتابه " طبقات الأمم " بعد ذكر العرب في جاهليتهم :
" وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله عز وجل شيئا منه ولا هيأ طباعهم للعناية به
ولا اعلم أحدا من صميم العرب شهر به إلا أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي وأبا محمد الحسن الهمداني "
قال الشهرستاني المتوفى ( 548 ه )
" ومنهم حكماء العرب وهم شرذمة قليلة لأن أكثرهم حكمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر وربما قالوا بالنبوات "
....
قال رحمه الله :
" إن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد ... والمقاربة بين الأمتين مقصورة على اعتبار خواص الأشياء والحكم باحكام الماهيات والغالب عليهم الفطة والطبع وإن الروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد حيث كانت المقاربة مقصورة على اعتبار كيفية الأشياء والحكم باحكام الطبائع عليهم الاجتهاد والجهد "
م " فجر الإسلام " الجزء الأول الطبعة الأولى ص 49
.....
( ص 56)
قال رحمه الله :
" اعلم
ان العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الامصار تحصيلا وتعليما على صنفين
1) صنف طبيعي للإنسان يهتدي بفكره اليه
2) وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه
الأول هو العلوم الحكمية الفلسفية
والثاني العلوم النقلية الوضعية
وهي كل مستندة الى الخبر عن الواضع الشرعي ولا مجال للعقل فيها
الا في الحاق الفروع من مسائلها بالأصول "
" مقدمة ابن خلدون " ( ص 411-412 )
....
( ص 58)
قال ابن خلدون في المقدمة "
" من الغريب الواقع ان حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل الندر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجم في لغته ومرباه ومشيخته
.... والسبب في ذلك ان الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين "
.....
( ص 60)
قال ابن خلدون في المقدمة :
" واعلم ان اكثر من عني بها يعني العلوم العقلية في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم الأمتان
العظيميتان في الدولة قبل الإسلام وهما فارس والروم "
....
( ص 61 )
قال ابن خلدون في " مقدمة "
" واما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ولما فتحت ارض فارس ووجدوا
فيها كتبا كثيرة كتب سعد بن ابي وقاص الى عمر بن الخطاب ليستأذن في شأنها وتلقينها للمسلمين فكتب إليه عمر ان اطرحوها في الماء فإن لم يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه وغن يكن
ضلالا فقد كفانا الله فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن ان تصل الينا "
....
( ص 62)
قال صاحب كتاب " اخبار العلماء باخبار الحكماء "
" وبسبب ارسطوطاليس كثرت الفلسفة وغيرها من العلوم القديمة في البلاد الإسلامية "
.....
( ص 63)
قال صاحب كتاب
الملل والنحل "
فنحن نذكر مذاهب الحكماء القدماء من الروم واليونانيين في الترتيب الذي نقل في كتبهم ونعقب ذلك بذكر سائر الحكماء فإن الأصل في الفلسفة والمبدا في الحكمة للروم وغيرهم كالعيال عليهم "
وفي كتاب " ابجد العلوم " لحسن صديق خان
" وجميع العلوم العقلية مأخوذة عن اهل يونان "
...
( ص 64)
نقل ماسينيون في كتابه " مجموع نصوص لم تنشر متعلقة بتاريخ لتصوف في بلاد الإسلام "
قال في ابن رشد
" وهذا الرجل مفتون بارسطو ومعظم له ويكاد ان يقلده في الحس والمعقولات الأولى ولو سمع الحكيم يقول " إن القائم قاعد في زمان واحد لقال به واعتقده وأكثر تآليفه من كلام ارسطو أما يلخصها وإما يمشي عليها "
وقال في الفارابي :
" وهذا الرجل أفهم فلاسفة الإسلام وأذكرهم للعلوم القديمة وهو الفيلسوف فيها لا غير وهو مدرك محقق "
.وقال في ابن سينا
" فمموه مسفسط كثير الطنطنة قليل الفائدة وماله من التآليف لا يصلح لشيء
ويزعم انه أدرك الفلسلفة المشرقية ولو ادركها لتضوع ريحها عليه وهو في العين الحمئة واكثر كتبه مؤلفة ومستنبطة من كتب افلاطون وما فيها من عنده فشيء لا يصلح وكلامه لا يعول عليه والشفاء اجل كتبه
وما فيها من عنده فشيء لا يصلح وكلامه لا يعول عليه
وهو كثير التخبط ومخالف للحكيم وان كان خلافه له مما يشكر له فإنه بين ما كتبه الحكيم واحسن
ما له في الالهيات " التنبيهات والاشارات "
وما رمزه في حي بن يقظان على ان جميع ما ذكره فيها هو من مفهوم
" النواميس " لافلاطون وكلام الصوفية "
......
( ص 67 )
الخطأ والتحريف في تعريب الكتب الفلسفية "
قال أبو حيان التوحيدي ( 400 ه )في " المقابسات "
" ... على ان الترجمة من لغة يونان الى العبرانية ومن العبرانة الى السريانية ومن السريانية الى العربية قد أخلت بخواص المعاني في ابدان الحقائق اخلالا لا يخفى على احد "
ويقول الغزالي ( 505 ه ) في " تهافت الفلاسفة "
" ثم المترجمون لكلام ارسطوطاليس لم يفك كلامهم عن تحريف وتبديل محوج الى تفسير وتأويل حتى أثار ذلك نزاعا بينهم وأقومهم بالنقل والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام الفارابي أبو نصر وابن سينا فنقتصر على ابطال ما اختاروه وراوه الصحيح من مذهب رؤسائهم في الضلال "
وفي كتاب " اخبار العلماء باخبار الحكماء " للكندي ( ص 39)
" وكل من نقل كلامه – ارسطوطاليس – من اليونانية الى الرومية والى السريانية والى الفارسية والى العربية حرف وجزف وظن بنقله الانصاف وما انصف ..."
وفي كتاب " الفهرست "
"كان خالد بن يزيد بن معاوية ( سنة 85 ه) يسمى حكيم آل مروان وكان فاضلا في نفسه
وله همة ومحبة للعلوم خطر بباله الصنعة فأمر باحضار جماعة من فلاسفة اليونايين ممن كان ينزل مدينة مصر وقد تفصح بالعربية وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي الى العربي
وهذا أول نقل كان في الإسلام "
وقال صاحب " الفهرست " ابن النديم
" قال محمد بن إسحاق : الذي عني بإخراج كتب القدماء في الصنعة خالد بن يزيد
بن معاوية وكان خطيبا شاعرا فصيحا حازما ذا رأي وهو أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء وان جوادا يقال : انه قيل له لقد جعلت اكثر شغلك في طلب الصنعة فقال خالد :
ما أطلب بذلك إلا ان اغني اصحابي واخواني إني طمعت في الخلافة فاختزلت دوني
فلم اجد منها عوضا إلا ان ابلغ آخر هذه البضاعة فلا احوج أحد عرفني يوما أو عرفته ألى ان يقف بباب سلطان رغبة أو رهبة "
ووفي كتاب الجاحظ " البيان والتبيين "
" وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا وفصيحا جامعا وجيد الرأي
كثير الأدب وكان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء "
وفي اخبار غيلان الشعوبي :
" أصله من الفرس وكان راوية عارفا بالانساب والمثالب والمنافرات منقطعا الى البرامكة وينسخ في
بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة "
وفي كتاب " سرج العيون " لابن نباتة المصري في ترجمة سهل بن هارون :
" هو سهل بن هارون بن راهبون ويكنى أبا عمرو من اهل نيسابور نزل البصرة فنسب اليها ويقال إنه كان شعوبيا والشعوبية فرقة تبغض العرب وتتعصب عليها للفرس وانفرد سهل في زمانه بالبلاغة والحكمة وصنف الكتب معارضا بها كتب الأوائل حتى قيل له بزرجمهر الإسلام وكان اول أمره خصيصا بالفضل بن سهل ثم قدمة الموأمون فأعجب ببلاغته وعقله
وجعله كاتبا على خزانة الحكمة وهي كتب الفلاسفة لتي نقلت للمأمون من جزيرة قبرص وارسل الى صاحب هذه الجزيرة قبرص يطلب خزانة كتب اليونان وكانت مجموعة عندهم في بيت لا يظهر عليها
أحدا ابدا فجمع صاحب هذه الجزيرة بطانته وذوي الراي واستشارهم في حمل الخزانة الى المأمون فكهم أشاروا بعدم الموافقة الا نطرانا واحدا فقال :
الرأي ان تعجل بانقاذها اليه فما دخلت هذه العلوم العقلية على دولة شرعية إلا افسدتها وأوقعت بين علمائها فأرسلها اليه واغتبط بها المأمون وجعل سهل بن هارون خازنا عليها "
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب التمهيد لدراسة الفلسفة
( ص 116-117)
قال المؤلف
" اصطباغ الكلام والتصوف بالفلسفة
" وإذا كانت هذه النصوص تشعر بقوة الصلة بين العلوم الفلسفية وعلم الكلام وعلم التصوف
الشرعيين فإن ابن خلدون في المقدمة قال :
" ولقد اختلطت الطريقتان – يعني طريقتي المتقدمين من المتكلمين والمتأخرين – عند هؤلاء
المتأخرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر "
ويقول ابن خلدون في علم التصوف :
" ثن إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس
توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم الى الحلول والوحدة كما اشرنا اليه ملأوا الصحف منه "
ويقول بن خلدون في موضوع آخر :
" والذي يظهر من كلام ابن دهقان في تقرير هذا المذهب ان حقيقة ما يقولونه
في الوحدة شبيه بما تقوله الحكماء في الألوان من ان وجودها مشروط بالضوء فإن عدم الضوء
لم تكن الألوان موجود بوجه "
وجملة القول : عن المؤلفين الإسلاميين لا يعدون علم الكلام وعلم التصوف من العلوم الفلسفية في حقيقة أمرهما ولكنهما يرونهما قريبي الشبه بهذه العلوم
......
موقف المتدينين من الفلسفة
( ص 128)
وفي كتاب اللطائف " لأحمد بن عبد الرزق المقدسي أن أبا عثمان الجاحظ مدح الفلسفة
وذمها يما مدحه وذمه من العلوم معربا عن قدرته على الكلام وبعد شأوه
قال في الفلسفة مادحا :
" قيل ما الفلسفة ؟ قال :أداة الضمائر وآلة الخواطر ونتائج لمعرفة الاجناس والعناصر وعلم الاعراض
والجوهر وعلل الأشخاص والصور واختلاف الاخلاق والطبائع والغرائز "
وفي باب الذم :
" قيل : ما الفلسفة ؟ قال : كلام مترجم وعلم مرجم بعيد مداه قليل جدواه مخوف على صاحبه
سطوة الملوك وعداوة العامة "
والجاحظ من المعتزلة بل هو رأس فرقة من فرق المعتزلة تنتسب اليه
وتسمى " الجاحظية "
والصلة بينهم معروفة "
وفي العلماء الدينيين من لا صلة له بالاعتزال ولكنهم لسوا غرباء عن الفلسفة
ومن هؤلاء العلماء أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الاصفهاني المتوفى سنة 502 ه
المعتبر من أئمة السنة وصاحب كتاب
" الذريعة الى مكارم الشريعة "
الذي قيل :
إن الغزالي كان يستصحبه دائما ويستحسنه لنفاسته
....
( ص 131-132)
يقول الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد " في وصف الدينيين من الفلاسفة منذ عهد الغزالي
" وجاء الغزالي
" وجاء الغزالي ومن على طريقته فأخذوا جميع ما وجد في كتب الفلاسفة مما يتعلق بالالهيات
وما يتصل بها من الأمور العامة أو احكام الجواهر والاعراض
.......
( ص 133)
وابن الصلاح هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرَّحمن تقي الدين الشهرزوري المُتوفى سنة ٦٤٣ﻫ، وقد جاء في «فتاواه» ما نصه:
«مسألة فيمَن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعلُّمًا وتعليمًا، وهل المنطق جملة وتفصيلًا مما أباح الشرع تعلُّمه وتعليمه، والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والسلف الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الاشتغال به أو سوغوا الاشتغال به أم لا؟ وهل يجوز أن تستعمل في إثبات الأحكام الشرعية الاصطلاحات المَنطقية أم لا؟ وهل الأحكام الشرعية مُفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم لا؟ وما الوَاجب على مَن تلبَّس بتعليمه وتعلمه متظاهرًا به؟ ما الذي يجب على سلطان الوقت في أمره؟ وإذا وجد في بعض البلاد شخصٌ من أهل الفلسفة معروفًا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو مدرِّس في مدرسة من مدارس العلم، فهل يجبُ على سلطان تلك البلدة عزله وكفاية الناس شره؟
أجاب رضي الله عنه: «الفلسفة أُسُّ السَّفَه والانحلال ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومَن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المُطهَّرة المؤيَّدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومَن تلبَّس بها تعليمًا وتعلُّمًا قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأي فنٍّ أخزى من فن يُعمي صاحبه ويُظلم قلبه عن نبوة نبينا محمد ﷺ كُلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره غافل، مع انتشار آياته المُستبينة ومعجزاته المُستنيرة، حتى لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها فجمع منها ألف معجزة، وعددناه مقصرًا؛ إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تُحصى، فإنَّها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره ﷺ بل تتجدد بعده ﷺ على تعاقب العصور، وذلك أنَّ كرامات الأولياء من أُمَّته، وإجابات المتوسِّلين به في حوائجهم وإغاثاتهم عُقيب توسُّلهم به في شدائدهم، براهينُ له قواطع، ومعجزات له سواطع، ولا يعدُّها عادٌّ ولا يحصرها حادٌّ. أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته.
وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلُّمه من إباحة الشارع، ولا استباحه أحد من الصحابة والتَّابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين، وسائر مَن يُقتدى به من أعلام الأمة وساداتها، وأركان الأمة وقادتها، قد برَّأ الله الجميع من مَعَرَّة ذلك وأدناسه، فطهَّرهم من أوصابه، وأمَّا استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية، فمن المنكَرات المُستبشَعة والرقاعات المُستحدثة، وليس للأحكام الشرعية، والحمد لله، افتقار إلى المنطق أصلًا، وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقعاقع١٧ قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن، لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها، وخاض في بحر الحقائق والدَّقائق علماؤها؛ حيثُ لا منطق ولا فلسفة ولا فلاسفة، ومَن زعم أنَّه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعُمها فقد خدعه الشيطان وَمَكَر به، فالواجب على السُّلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المياشيم١٨ ويُخرجهم عن المدارس ويُبعدهم ويُعاقب على الاشتغال بفنهم، ويَعرِض مَن ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام لتخمد نارهم وتمحى آثارها وآثارهم، يسَّر الله ذلك وعجَّله، ومنْ أَوْجَب هذا الواجب عَزْلُ مَن كان مدرِّس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها، ثم سجنه وإلزامه منزله، وإن زعم أنه غير معتقد لعقائدهم، فإنَّ حاله يكذِّبه، والطريق في قلع الشر قلع أصوله، وانتصاب مثله مُدرِّسًا من العظائم حمله، والله — تعالى — ولي التوفيق والعصمة، وهو أعلم
فتاوى ابن الصلاح " ( ص 34-35)
...
ومن أمثلة ذلك أيضًا قول المولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده المتوفى سنة ٩٦٢ﻫ/١٥٥٤-١٥٥٥م في كتاب «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» في موضوعات العلوم:
«وإياك أن تظن من كلامنا هذا أن٢٠ تعتقد كل ما أطلق عليه اسم العلم حتى الحكمة المموَّهة التي اخترعها الفارابي وابن سينا، ونقَّحه نصير الدين الطوسي، ممدوحًا، هيهات هيهات! إنَّ كل ما خالف الشرع فهو مذموم، سيما طائفة سموا أنفسهم حكماء الإسلام عكفوا على دراسة تُرَّهات أهل الضلال وسمَّوْها الحكمة، ورُبَّما استجهلوا مَن عَرَى عنها، وهم أعداء الله وأعداء أنبيائه ورسله والمحرفون كلم الشريعة عن مواضعه، ولا تكاد تلقى أحدًا منهم يحفظ قرآنًا ولا حديثًا، وإنما يتجملون برسوم الشريعة حذرًا من تسلُّط المُسلمين عليهم، وإلا فهم لا يعتقدون شيئًا من أحكام الشرع، بل يُريدون أن يهدموا قواعده وينقضوا عُرَاه عروة عروة. قيل:
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا
لصَوْن دمائهم عنْ أنْ تُسالا
فيأتون المناكر في نشاط
ويأتون الصلاة وهم كُسالى
فالحذر الحذر منهم، وإنما الاشتغال بحكمتهم حرامٌ في شريعتنا، وهم أضرُّ على عوامِّ المسلمين من اليهود والنَّصارى؛ لأنَّهم يتستَّرون بزيِّ أهل الإسلام، نعم، إنَّ مَنْ رَسَّخَ قواعد الشريعة في قلبه، وامتلأ قلبه من عظمة هذا النبي الكريم وشريعته، وتأيَّد دينه بحفظ الكتاب والسُّنة، وقوى مذهبه في الفروع، يحل له النظر في علوم الفلسفة، لكن بشرطين؛ أحدهما: ألَّا يتجاوز مسائلهم المُخالِفة للشريعة، وإن تجاوزها فإنما يُطالِعها للرد لا لغيره. وثانيهما: ألَّا يمزج كلامهم بكلام علماء الإسلام، ولقد حصل ضرر عظيم على المسلمين من هذه الجهة؛ لعدم قدرتهم على تمييز الجيد من الرديء، ورُبما يستدلون بإيرادها في كتب الكلام على صحتها، وما كان هذا إلا منذ ظهر نصير الدين الطوسي وأضرابه، لا حيَّاهم الله، وإنما السلف، مثل الإمام الغزالي والإمام الرازي، مزجوا كتب الكلام بالحكمة، لكن للرد كما تراه في تصانيفهم، ولا بأس بذلك، بل ذلك إعانة للمسلمين وحفظ لعقائدهم، ثبَّتنا الله وإياكم على الصراط المستقيم، إنه جواد كريم
" مفتاح السعادة " طاش كبرى زاده ج1/ص26
.....
ومن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب «مُفيد العلوم ومُبيد الهموم» للشيخ جمال الدين أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي المُتوفى سنة ٣٨٣ﻫ/٩٩٣م، «الباب الثالث في الرد على الفلاسفة»: «وهم قوم من اليونانيين تحذلقوا٢٢ في المعقولات حتى وقعوا في وادي الحيرة والخُباط،٢٣ وتحيَّروا في الإلهيات، وبنَوْا مقالاتهم على التشهي المحض والدعاوى الصرف، ويزعمون أنهم أكيس خلق الله، وسياق مذهبهم يدل على أنهم أجهل خلق الله وأحمق النَّاس، وأساس الإلحاد والزَّندقة مبنيٌّ على مذهبهم، والكفر كله شعبة من شُعَبِهم، وكانوا يترهبون لقطع النَّسل، ورئيسهم أفلاطون المُلحِد، لعنه الله، قال لموسى بن عمران رسول الله وكليمه: «كلُّ شيء تقوله أصدِّقك فيه إلا قولك: «كلَّمني علةُ العلل».» انظر إلى اعتقاد هذا الخبيث، كان يكذِّب رسول الله ويعتقد أنَّ الله — تعالى — لا كلام له البتة
ويعتقد أن العالم قديم، وإخوانه كأرسطاطاليس وسقراط وجالينوس كلهم ملاحدة العصر وزنادقة الدهر يقينًا، فإنَّ هذا تعرفه العلماء دون الأمراء، ثم إنَّ الله — سبحانه وتعالى — عَلِم خُبْث سرائرهم؛ فأرْسَلَ الله عليهم سُلًّا ففرَّقهم، وعلومهم المشئومة عرَّبتْها أقوام في عهد المأمون الخليفة بإذنه ووصيته، ثم اعتقاد الفلاسفة أنَّ الآلهة ثلاثة: المبدأ، والعقل، والنَّفس، وقَضَوْا بكون العقل والنفس أزليين، وينفون الصفات، ولا يقولون إن الله حي عالِم قادِر مُريد سميعٌ متكلم البتة، وزعموا أنَّ الحركات أزلية سرمدية، إلى غير ذلك، فهم مشركون ملحدون، لعنهم الله!
" مفيد العلوم ومبيد الهموم "
الخوارزمي
( ص 61-62)
....
(ص 138)
ويقول صاحب كتاب «الدُّر المُختار شرح تنوير الأبصار» علاء الدين محمد بن علي الحصكفي المتوفى سنة ١٠٨٨ﻫ/١٦٧٧م:
«واعلم أنَّ تعلُّم العِلْم يكون فرض عين، وهو بقدر ما يحتاج لدينه وفرض كفاية، وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوبًا، وهو التبحُّر في الفقه وعلم القلب، وحرامًا، وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر والكهانة
(ج1/ ص30)
...
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع /
" مقتطفات من التمهيد "
الاجتهاد
" يقول الشافعي في " الرسالة "
" قال : فما القاس : أهو الاجتهاد أم هما مفترقان ؟ قلت : هما اسمان لمعنى واحد"
الرسالة للشافعي ( ص 66)
....
( ص 216)
قال المزني رحمه الله :
" الفقهاء من عسر الرسول صلى الله عليه وسلم الى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه
في جميع الاحكام في امر دينهم "
مختصر جامع بيان العلم " ص 123
...
( ص 223)
قال ابن حزم رحمه الله :
" وقد ذم الله الاختلاف في غير ما موضع في كتابه
قال الله عز وجل " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا
في الكتاب لفي شقاق بعيد "
.... فصح انه لا هدى في الدين إلا
ببيان الله تعالى لآياته وان التفرق في الدين حرا لا يجوز "
{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }
.....
شأن عمر بن الخطاب
شأن عمر بن الخطاب شأن كبير أول من وضع الأسس الأولى لتنظيم العمل الحكومي في الدولة الإسلامية
وأول من اتخذ الحاجب وصاحب الشرطة في الإسلام أبو بكر رضي الله عنه
أما عمر فقد فتح الفتوحات وكثر المال في دولته الى الغاية حتى عمل بيت المال
ووضع الديوان ورتب لرعيته ما يكفيهم وفرض للاجناد كما في " تاريخ الخميس "
وجاء في " تاريخ الخميس "
ج2/ ص 240-250
" و أول من وضع التاريخ بعام الهجرة وضعه في السنة السابعة عشرة وهو أول من جمع الناس على امام في قيام رمضان وأول من أخر المقام عن موضعه وكان ملصقا بالكعبة وقيل بل اول من اخره
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من حمل الدرة لتأديب الناس وتعزيرهم وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الامصار واستفضى القضاة ودون الديوان وفرض العطية "
....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( ص 362)
وقد نقل في كشف الظنون عن الامام علاء الدين الحنفي في ميزان الأصول "
" أعلم أن أصول الفقه فرع لأصول الدين فكان من الضرورة أن يقع التصنيف فيه على اعتقاد مصنف الكتاب وأكثر التصانيف في أصول الفقه لأهل الاعتزال المخالفين لنا في الأصول ولأهل الحديث المخالفين لنا في الفروع ولا اعتماد على تصانيفهم وتصانيف اصحابنا قسمان : قسم وقع في غاية الإحكام والاتقان لصدوره ممن جمع الأصول والفروع مثل : مآخذ الشرع وكتاب الجدل للماتريدي ونحوهما وقسم وقع في نهاية التحقيق في المعاني الأصول ولقضايا العقول ...."
......
( ص 363)
قال الزركشي في " البحر المحيط "
" وجاء من بعده أي الشافعي – فبينوا وأوضحوا وبسطوا وشرحوا حتى جاء القاضيان
قاضي السنة أبو بكر ابن الطيب الباقلاني وقاضي المعتزلة عبد الجبار فوسعا العبارات
وفكا الإشارات وبينا الاجمال ورفعا الاشكال واقتفى الناس باثرهم وساروا على لاحب نارهم "
هذا أعم ما جاء في كتاب الاستاذ الشيخ مصطفى عبد الرزاق
" التمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية "
واحتوى عليه من فوائد نافعة "
والحمد لله رب العالمين
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
" التصوف في مصر ابان العصر العثماني "
للكاتب /
" توفيق طويل "
سبب اختياري للكتاب
" لما رايته في زماننا من عجب عجاب وشر مستطاب من انتشار لمدى هذه الطائفة
وقد شاع أمرهم واستفحل شرهم واستشرى داؤه واستبد بعواطف الناس جانبه وكان
لهم دور كبير في استمالتهم الى دورهم وطرقهم
وما هي أسباب انتشارهم . وما دورهم . ما هي الأمور التي ساعدت على انتشار
فكرهم
ومن اعظم انحراف ابتلت به هذه الأمة ظهور الصوفية كفكر عقدي وأفكار بعيدة
عن الكتاب والسنة وبدأت تظهر قوتها أبان العصر العثماني واشتدت شوكتها في
أواخر العصر العثماني لعدة أسباب ساهمت ومنها الأحوال السيئة التي تعيشها الأمة
الإسلامية والواقع المرير الذي يعيشه المسلمون من انتشار التخلف والجهل بالدين والظلم
والطغيان والفقر والمرض وانعدام الصحة كل ذلك ساهم في الارتماء
في أحضان الصوفية المنحرفة وغيرها من الأسباب .
وقد لاحظت ان التصوف اخذ منحى وبوثقة جديدة واتجاه مختلف في انحراف عن سابقيهم
وقد حاولت في هذا التلخيص أن أدرس التصوف في ارحب آفاقه
محاولة منا الى بيان هذه الطائفة
مع ان التصوف أخذ منحى آخر والذي ارتأه جمهرة من المستشرقين
على ان التصوف الإسلامي تأثر بعوامل خارجية كانت المسيحية من بينها
وعلى كثرة زيارتي لبلدي الثاني مصر فإن بقايا من الخوانق والربط والزوايا
والمقابر والمزارات أنشئت منذ عهد بعيد ولا يزال يتوارثها جيل عن جيل
ويتعاقبون في زيارتها ويتوافد عليها من كل بقاع الأرض
ونسلط الضوء على مقر لهم وهي " مصر " لما لها مزية على البقية
وكما يقول المؤلف "المقدمة "
" ان الحياة المصرية في جملتها منذ العصر العثماني حتى يومنا الراهن
تدين لتعاليم الصوفية اكثر مما تدين للقواعد الدينية او الحضارة الأوربية " ولقد
غلبت هذه التعاليم مبادئ الدين الحنيف "
....
" منهج المؤلف في كتابه "
" يستعرض اهم الاحداث في هذه الحقبة من العصر العثماني وقبلها
بشيء يسير ويستظهر اهم المميزات وما آلت اليه الأمور في هذه الحقبة الزمنية
وما نالته جراء الارتماء في أحضان الدولة العثمانية من تخلف ورجعية الى العصور القديمة
ويذكر الأسباب التي أدت الى ذلك "
ولقد ذكر المؤلف نشأة التصوف في مصر وتطوره في أواخر القرن التاسع
وبداية العاشر فانساق التصوف تحت تأثير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية
الى التدهور والاضمحلال ودخله العوام واعتنقه الوصوليون والأدعياء وظهر كبار الجهلة الأميون
حتى تتلمذ الشعراني وكان كبار الصوفية لا يقيمون للصلاة ابدا "
وكما يذكر المؤلف : "
" ان الحياة المصرية في جملتها منذ العصر العثماني حتى يومنا الراهن
تدين لتعاليم الصوفية اكثر مما تدين للقواعد الدينية او الحضارة الأوربية " ولقد
غلبت هذه التعاليم مبادئ الدين الحنيف "
......
"مقتطفات من الكتاب "
قال المؤلف ( ص 66 *)
يقول عبد الغني النابلسي :
" كشف النور " النابلسي ( ص 92 )
إن الصعق والزعق والصياح والاضطراب والتواجد عند سماع المفتين في مجالس الذكر
جهل من أصحابها غلا إذا قام الذاكر للتواجد قومة المضطر "
.......
( ص 67 )
" كان يملأ الكثير من هذه المجالس الطبول والنايات والأعلام والرايات وقد
رأى النابلسي إنها لهو وجهل وبطالة لا ينبغي للشيخ المرشد ان يقر عليها أصحابه "
" كشف النور " ( ص 93)
....
( ص 70 )
هذه الأركان الأربعة ( العمامة وإلباس الخرقة وهي عرقية وجبة ورداء أو طاقية من القطن او رداء أو جبة أو عمامة )
التي هيأها الوهم لارباب الطريق وفي الحق لقد كان لهذا الوهم ما يبرره فقد فشى الدجل واستشرى داؤه لطوائف التي هدتنا المصادقة الى معرفة اسمائها نحو ثمانين طائفة لكل منها معسكرات في القرى والأقاليم" .....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
الخاتمة
والمطلع على الكتاب يجد المؤلف
قد تطرق الى العديد من الطرق الصوفية بانواعها ابان العصر العثماني في مصر التي انتشرت وراجت
ويبين حال اهل الطر ق
ويطرق الصوفية القائمة اليوم حوالي خمس واربعون طريقة لكل شيخ له نواب في المراكز التي يستحوذ
عليها على كثرة المريدين والاتباع ثم خلفا يخرج في البلدان والقرى لكل منهم مريديون يسلكون على طريقة الشيخ
وكما يحكي الجبرتي (ج1/ ص 305)
بقوله " هدفنا المصادقة الى العثور على أسماء طرق كادت تبلغ الثمانين عدا .
فقد روى صاحب " المناقب " في معرض حديثه عن الشعراني أن أخذ الطرق كلها عن مشايخه
وهي ست وعشرون طريقة " " المناقب الكبرى " للشعراني ( ص 66 )
كما تطرق الجبرتي الى الحديث عن أصحاب البدع من الصوفية كجماعات العفيفي والسمان والعربي والعيسوية وأخرى رواها في مواضع أخرى
" الجبرتي "(ج3/ ص 41)
وكما يحكي علي مبارك مؤيدا ما ذهب اليه الجبرتي في محور حديثه عن الصوفية والمريدين
في ( ص 72 )
قال علي مبارك : إن اغلب الطرق منسوبة الى أربعة من كبار الأولياء عبد القادر الجيلاني واحمد الرفاعي
وإبراهيم الدسوقي فإن لكل واحدة منهم طريقة واحدة خاصة ثم تعددت الطرق بتعدد من أخذها عنهم مباشرة او بالوساطة ونسبت الى اللآخذين عنهم وتعددت الفروع حتى بلغت الاحمدية ستة عشر فرعا والبرهانية فرعين ..."
" الخطط التوفيقية " (ج3/ ص 130 )
وكما يذكر في طبقات الشرنوبي" لمحمد البلقيني "( ص 39-47)
احد متصوفة العصر العثماني قصة خيالية طريفة أوضح فيها كيف اقتسم هؤلاء الأقطاب الأربعة الأرض فيما بينهم وتدخل الله وملائكته ورسله وأوليائه للفصل في قضيتهم ثم كيف ارتدوا جميعا بعد النزاع "
...
كما حاول السيد توفيق البكري أن يؤرخ الطرق الصوفية القائمة في العالم الإسلامي كله ولكن صعوبة الاهتداء الى اصلها وتسلسلها ومعرة تاريخ نشأتها وكانت تحمله الاكتفاء وتأريخ اكثرها بأن يقول منسوبة الى فلان او موجودة بمصر وقد صادفتنا هذه الصعوبة عندما حاولنا الاهتداء الى نشأة هذه الفروع التي تحدث عنها علي مبارك وإن كان الراجح على الظن أن اكثرها كان قائما في العصر العثماني
" بنت الصديق " ( ص 374-386)
....
ثم تطرق المؤلف لخصائص التي تميز هذه الفرق والطوائف عن بعضها البعض قليلة لا تكاد تذكر وأولها ما يختص بالزي وثانيها ما يتعلق بطريقة الذكر والعيادة فقد عرفت الاحمدية بالزي الأحمر والبرهامية بالزي الأخضر والرفاعية بالزي الأسمر كما يقول علي مبارك والأستاذ " لين " في كتابه ( ص 248)
ثم يتطرق المؤلف الى نقل كلام أستاذ لين في ( ص 80 ) بقوله
وفي الأخير يحسم الأمر " لين " ويقول اكثر ما يبرأ الطوائف وردها فلكل طائفة وردا أو حزب أنشأه شيخها وحرص عليه اتباعه في حياته وبعد مماته ويرددوه في الأوقات التي حددها لهم
وكما يقول الشعراني " الأب الروحي للصوفية " ولهذا كان من أعظم ما يقع فيه المريد من سوء الأدب مع شيخه تغيبه عن تلاوة الورد الذي رتبه صباحا ومساءا
" فوائد الصوفية " ( ص 164-166)
" ودلالة السائرين " ( ص 126 )
ثم أورد المؤلف " ص 90-95) أوراد كل طريقة واذكارهم وما ينبغي الحرص عليه
من الاوراد
ثم يذكر الجبرتي في وصفهم ( ص 94)
عن الأحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية " بانهم من أصحاب الأشاير
والمراد بالأشاير كما اوضحها علي مبارك وهي " جموع كثيرة من اهل الطرق يسيرون من منازلهم ليلا وبأيديهم الشموع وهم رافعوا الأصوات بالذكر والتهليل والصلاة على سيد المرسلين
ثم يذكر شهرة كل طائفة منهم واشتهر فقراء السعدية والرفاعية بحوادثهم مع الثعابين ولعل الرفاعية كانت اشهر الطرق بالكرامات التي تقوم على طعن النفس بالمدى في حالة الغيبوبة واكل الزجاج والقبض على الحديد المحمي ودخول النار وازدارد الافاعي وغير ذلك ثم ذكر طريقتهم في تلقين الذكر
وفي الفصل الرابع
( ص 91 )
يسوق لنا المؤلف رأي جرجي زيدان في نشأة الصوفية في مصر ورأي توفيق البكري
وآلية اختيار شيخ السجادة البكرية في هيئة عمومية بديوان محافظة مصر تحت رئاسة المحافظ
لانتخاب مجلس اعلى لاختيار رئيسا للمجلس السجادة الكرية وأربعة أعضاء
يختارهم الرئيس من بين ثمانية ترشحهم الجمعية العمومية وعمل المجلس تعيين مشايخ الطرق ورفعهم من وظائفهم والفصل في منازعتهم الخاصة
والحكم في الشكاوى التي تثار في هذا الصدد وعزل مشايخ بعض الاضرحة والتكايا والسجاجيد
ويسوق رأي جرجي زيدان ( ص 93 )
بقوله ولم يكن للصوفية مشيخة عامة ترجع لها أعمالهم وتتوجه بها مقاصدهم بل كانت كل طريقة أو زاوية مستقلة بنفسها فكانت تكثر بسبب ذلك الفتن فلما انشأ صلاح الدين خانقاه
سعيد السعدء وسماها دويرة الصوفية وكان لا يولى عليها الا من الاكابر والاعيان وما زالت الحال كذلك إلا ا توحدت رئاسة الصوفية في القرن التاسع الهجري جعلت الولاية للسيد شمس الدين البكري وكان من اعظم رجال عصره علما ودينا
وقال الشعراني ولو قلت انه اعلم اهل زمانه لم ابعد عن الصواب )
وبعدها المؤلف يفند اراء زيدان بالدليل القاطع
وقرر المؤلف حسب الأدلة والبراهين ( ص 97)
بقوله " نستطيع ان نقرر ونحن على شيء كثير من اطمنئان اليقين أن العصر العثماني قد انقضى بقرونه الثلاثة دون ان يعرف أهل التصوف في مصر رئيسا فذا لهم يوحد كلمتهم ويفصل في مشاكلهم "
ثم يواصل المؤلف ( ص 99)
بذكر الألقاب والتلقب في العصر العثماني
قال المقريزي : فكانت سعيد السعداء أول خانقاه عملت بمصر وعرفت بدويرة الصوفية ونعت شيخها بشيخ الشيوخ واستمر في ذلك بعده الى ان كانت الحوادث وامحن منذ سنة ست وثمانمائة واتضحت الأحوال وتلاشت الرتب فلقب كل شيخ خانقاه " بشيخ الشيوخ "
" خطط المقريزي (ج4/ ص 237)
وقد ايد القلقشندي كلام المقريزي فقال " إن مشيخة الشيوخ كانت تطلق على مشيخة الخانقاه الصلاحية ( سعيد السعداء ) الى ان بني السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخانقاه الناصرية بسرياقوس "
" صبح الاعشى " (ج11/ ص 370)
ثم ذكر المؤلف احوالهم ففيه يتبين مدى نظرتهم للحياة وواقعهم
مثل ارتكاب فقراء الاحمدية والبرهامية الفحشاء مع النساء حتى خصهم الشعراني بالذكر في معرض الحديث عن وقائع الزنا لتي تحدث من جراء اختلاط الجنسين "
( ص 113 )
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
بعض مشاهد من الواقع في عصرهم
" 112 "
وكان المجذوب محمد بن أبي بكر المغربي الطرابلسي المتوفي سنة 1201
صاحب الأحوال يحب مجالس الشراب وتتهافت عليه نساء البلد فأنكر عليه ذلك بعض الناس ولكن " " أهل الفضل كانوا يحترمونه وينقلون اخبار حسنة ويجله الأعيان وتنال عليه الدايا ولا يرد له الوزراء شفاعة " كما يقول الجبرتي (ج2/ص 159-160)
...
ثم يصف " أدوار لين " حالتهم فيقول
ان المعتوه أو المجنون في عرف الجمهور كائن عقله في السماء في الأرض إنه حبيب الله ومهما ارتكب من الفضائع فإن ذلك لا يؤثر في سمعته عند الناس وكثير منهم يتمردون على الدين وعلى مبادئه وينظر الناس انهم أولياء
ومعظم الأولياء المعروفين في مصر مجانين أو مخابيل أو دجالون يسير بعضهم في الشوارع عاريا كامل العري فيلقى كل الاحترام والتوقير ..."
" كتاب الأستاذ لين " ص 234
هذا رأي لين الذي زار مصر بعد انقضاء العصر العثماني وما خلفته من مصر ولا زالت اثاره الى يومنا هذا فإن الحوادث التي رويت من مؤرخي العصر العثماني من الجبرتي الى الغزي والشعراني والمناوي وهم اهل هذا العصر تبرر القول بأن تمرد الاولياء على قواعد الدين لم يكن نادر الحدوث وكثيرا ما كان ينخدع بها العلماء والامراء !
ويقول في معرض حديثه بل لقد كانت الدولة تمد الاولياء بالاموال على دوام العز في زواياهم
فمن ذلك ما رواه الجبرتي عن الشيخ السادات وكذلك محمد علي باشا المعروف بالمعزتي المتوفي سنة 1190 ه
وكانت الدولة تستجيب لمطالب شيوخ الطريق في اعفاءهم من الضرائب وطلب الأموال لتعمير الزوايا والانفاق على مجاوريها !
وفي الفصل الأخير يتحدث عن نفوذهم
وقد عرفت في العصر العثماني من هؤلاء الحكام صنفين اثنين وهما
" القطب والاولياء " بوجه عام
ثم ختم في نهاية كتابه بقوله
" والذين يستسلمون للحياة هذا الاستسلام المعيب لا ينتظر منهم التفكير في رد ظلم أو دفع بغي أو ثورة من اجل كرامة وقد انحدرت اليهم فيما يرجح على الظن نظرة صوفية العصر العثماني فتغيرت في مظهرها أو تفاصيلها
ثم يذكر اهم المصادر والمراجع في نهاية المطاف والكتب التي ساعدته في بحثه
( ص 231-233)
فمثلا كتاب " تحفة السالكين ودلالة السائرين " للسمنودي مثلا أجزاء كاملة مسروقة من كتاب " لواقح الانوار القدسية في بيان قواعد الصوفية "
ورحلة النابلسي " ( الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز )
تضمنت معلومات عن الزوايا والأضرحة وغيرها
ويرجع الفضل على وفرة المصادر قبل العصر العثماني في مصر فيها الى المقريزي والقلقشندي
وبعض المخضرمين كالشعراني وابن اياس
وأما القرن الأول من العصر العثماني
أوضح فيه الشعراني جوانب الحياة في هذه الحقبة بمؤلفاته المتعددة
وابن اياس وصاحب الكواكب السائرة بمناقب اعيان المائة العاشرة "
والنور السافر عن اخبار القرن العاشر والسنا الباهر " بتكمل النور السافر "
ورسائل السيد محمد البكري وغير ذلك
والقرن الحادي عشر الهجري فقد كتب فيه المناوي مصنفات كثيرة خيرها طبقاته الكبرى والصغرى عبد الغني النابلسي الذي زار مصر وترك لنا رحلته القيمة
المحبي صاحب " خلاصة الأثر " في اعيان القرن الحادي شر "
والقرن الثاني عشر فحسبه الجبرتي الحفناوي والبيومي ومصطفى البكري والمليحي والمرادي
وغيرهم
انتهى الكتاب
" التصوف في مصر ابان العصر العثماني "
الدكتور توفيق الطويل "
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
" كشف أسرار الباطنية واخبار القرامطة "
تأليف / محمد بن مالك أبي الفضائل الحمادي اليماني من فقهاء السنة في اليمن
تحقيق / محمد زاهد الكوثري
سبب اختياري للموضوع /
" من اهم الكتب التي كشفت الغطاء عن الحركات الباطنية الى يومنا هذا من
مؤلف عاش حقبة من الحقب الذهبية لهذه الحركات الهدامة وإن هذا المؤلف النفيس كاتبه من فضلاء فقهاء السنة في اليمن في منتصف القرن الخامس للهجرة وإنه من الناس الذين اندسوا بينهم للكشف عن حقيقتهم وبيانها للمسلمين ومن المعلوم ان الباطنية
والقرامطة من أشد الفرق خطرا على الإسلام وهذه الفرق من الفرق الباطنية التي اصل دعوتهم
مؤسسة من مجوس الفرس "ولقد اتخذ هذا التلفع بالتشيع وسيلة لحشد حشود وتأليف جميعات سرية تسعى في نشر المذهب الباطني مذهب الاباحة والالحاد وجعلوا التشيع ستارا لما يريدون أن يبثوه بين الأمة من الرذيلة "والانحراف بين الأمة " والشذوذ "
ولا يخفى على عاقل كيف تملص ابن ديصان بن سعيد إمام الباطنية من اصبهان الى الأهواز ثم الى البصرة ونشر الضلالة والكفر والفسوق والعصيان مدعيا الانتساب الى البيت العلوي وكيف بث سمومه ودعاته الى الكوفة ثم إلى اليمن ومن هناك الى المغرب
ومن العجب العجاب ان يدعي هؤلاء الملاحدة الانتماء الى أهل بيت النبوة " كذبا وزورا وبهتانا
احببت ان اسهب ببيان خطر هذه الفرق المندسة بين المسلمين على مسيمات شتى وافراد تتوالى على مسميات مختلفة. واحب ان أذكر بان هذه الحقبة التي نعيشها تنسجم نوعا ما على ما شاهده المؤلف لعظم مكانتهم في بعض البلدان بيانا لخطرهم ولسوء معتقدهم
واحببت ان اقدم للقراء وخدمة للعلم ولنفع العامة من المسلمين وبيانا لخطرهم وكشف معتقدهم
وكشف الغطاء عن حقيقتهم وأصولهم الدينية "
.....
أهم ما جاء في الكتاب
يذكر المحقق ( ص 6)
" ما أصدره قاضي قضاة الدولة العباسية المعروف بعلمه وورعه الامام أبو محمد بن الاكفاني بعد شهادة شهود في نسب العبيدين من الحكم بابعادهم عن النسب الزكي ولقد وقع محضر المسجل
بحضور علماء اجلاء ( ابو حامد الاسفريني ) و( أبو الحسن القدروي ) ( أبو الفضل النسوي )
( أبو جعفر النسفي ) وغيرم من كبار الأئمة في مذاهبهم
" ........... ادعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان ما ادعوه من الانتساب اليه زور وباطل وإن هذا الناجم في مصر هو وسلفه كفار زنادقة ملحدون معطلون وللاسلام جاحدون اباحوا الفروج واحلوا الخمور وسبوا الأنبياء وادعوا الربوبية وكتب في ربيع الأول سنة اثنتين واربعمائة "
" قال المحقق ( ص 8 )
" فإن الباطنية والقرامطة من أشد الفرق خطرا على الإسلام على رأى من عدهم من الفرق
والحقيقة ان اصل دعوتهم موسسة من مجوس الفرس الذين اندسوا بين المسلمين باسم الإسلام
فاسسوا الجميعات السرية للعمل على هدم كيان الإسلام فنشروا دعاياتهم بين الدهماء من المسلمين
......
( ص 8 )
قال المحقق
" ولمذهب هؤلاء الزنادقة ألقاب على اختلاف البلدان أشهرها " الباطنية " لزعمهم أن لكل
ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا انسلاخا من الدين ويعرفون في العراق باسم " القرامطة "
جمع قرمطي نسبة الى قرمط وباسم المزدقية النظر الى انهم يدينون بدين الاشتراك في الابضاع
والأموال الذي ابتدعه مزدق في عهد قباد الساساني ويسمون في خراسان " بالملاحدة والميمونية " نسبة الى ميمون اخي قرمط "ويدعون في مصر " بالعبيدية " نسبة الى عبيد المعروف وفي الشام بالنصيرية والدروز والتيامنة وفي فلسطين " بالبهائية " وفي الهند " بالبهرة والاسماعلية " وفي اليمن " باليامية " وفي بلاد الاكراد " بالعلوية " وفي بلاد الترك " بالبكداشية "والقزلباشية "
....
قال المحقق ( ص 9)
وقد اجاد الرد عليهم الغزالي في كتابه " فضائح الباطنية " و " القسطاس "
بدون ان يتعرض لانبائهم والقاضي عبد اجبار الهمذاني رد عليهم قبله ردا جيدا في كتابه " تثبيت دلائل النبوة " مع ذكر انبائهم بمناسبات ووقائعهم موزعة على السنين في كتب التاريخ ففي ابن الاثير وابي الفداء وابن الوردي وابن كثير وابن خلدون انباء كافية عنهم وقد تكلم عبد القاهر التميمي في " الفرق بين الفرق " (265 ه) على معتقدهم بنوع من البسط واستطراد المجتبي في خلاصة الأثر (3-268) وقل عند الكلام على الدروز : ( وأما القول فيهم من جهة الاعتقاد فهم والنصيرية والاسماعيلية
على حد سواء والجميع زنادقة وملاحدة )
ثم نقل عن كثير ن كبار العلماء واهل المذاهب نص قولهم "
" إن كفر هؤلاء الطوائف مما اتفق عليه المسلمون وإن من شك في كفرهم بعد العلم بحالهم فهو كافر مثلهم وإنهم اكفر من اليهود والنصارى لانهم لا تحل مناكحتهم ولا تؤكل ذبائحهم )
وفي تاريخ الكافي (2/304-319)
" بسط واف في معتقدهم الباطل وكما اثارت جمعياتهم السرية من فتن هو جاء على تعاقب القرون )
....
( قال المحقق ص 10)
" فدونك اول كتاب برز في عالم المطبوعات من تلك الكتب وهو ( كشف اسرار الباطنية
وأخبار القرامطة ) تأليف الفقيه أبي عبد الله محمد بن مالك بن ابي الفضائل الحمادي اليماني من فقهاء السنة باليمن أواسط القرن المائة الخامسة وهو تمكن من الاندساس بين الصليحيين من أهل هذا المذهب في اليمن حتى خبر خبرهم ودرس ظاهرهم وباطنهم ثم ألف هذا الكتاب بيانا لما انطووا عليه من صنوف المخازي ووجوه الاختيال وتحذير المسلمين من الاغترار بمبادئ دعوتهم
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب " كشف اسرار الباطنية واخبار القرامطة "
" بدأ المؤلف بسرد كيفية الانغماس في مذهبهم ليتبين أمرهم وليتيقن ما قيل فيهم من كذب او صدق
وليطلع على اسرارهم وما اشتهر عن مذهبهم وتناقل العامة ما قيل عنهم وليبرهن على ذلك
ليعلم المسلمون على عمدة كلامه وإنه لم يرمهم بالكذب والبهتان ويكشف عن كفرهم وضلالتهم
نصيحة لله وللمسلمين وتحذيرا ممن يحاول بغض هذا الدين والله موهن كيد الكافرين
ففي صقخة ( 12 ) ذكر المؤلف ( محمد بن مالك رحمه الله )
الأسماء التي تسموا بها لكي ينصبون للناس الحبائل ويكيدونهم بالغوائل وينقبضون عن كل عاقل
ويلبسون عن كل جاهل بكلمة حق يراد بها الباطل ( كما في زماننا ) ويخدعون العامة بروايات براقة
محرفة واقوال مزخرفة ويتلون القرآن على غير وجهه كما اخبر عنهم صلوات الله وسلامه عليه
ويحرفون الكلم عن مواضعه وبذك كشف عن بواطنهم وما تخفي صدورهم ثم بدأ بسرد معتقدهم
( ص 13-19)
ثم قال رحمه الله ( ص 19 )
" قال محمد بن مالك رحمه الله تعالى هذا ما اطلعت عليه من كفرهم وضلالتهم والله تعالى لهم بالمرصاد والله تعالى علي شهيد بجميع ما ذكرته مما اطلعت عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم ومن تكلم عليهم بباطل فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس اجمعين واخزى الله من كذب عليهم
ثم قال ( ص 20)
" اعلموا يا اخواني في الإسلام ان لكل شيء من أسباب الخير والشر والنفع والضر والداء والدواء اصولا وللاصول فروعا واصل هذه الدعوة الملعونة التي استهوى به الشيطان اهل الكفر والشقوة ظهور عبد الله بن ميمون القداح " في الكوفة وما كان له من الاخبار المعروفة والمنكرات المشهورة الموصوفة ودخوله في طرق الفلسفة واستعماله الكتب المزخرفة وكان ظهور 276 من التاريخ الهجرة
النبوية فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل ومكر أولئك وهو يبور )
وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيرا ولكل حديث عن رسول الله تاويلا وزخرف القول وضرب الامثال وجعل لآى القرآن شكلا يوازيه ومثلا يضاهيه وكان الملعون عارفا بالنجوم معطلا لجميع العلوم
( يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )
كان هذا الملعون يعتقد اليهودية ويظهر الإسلام وهو من اليهود من ولد الشلعلع
من مدينة بالشام يقال لها سلمية وكان من احبار اليهود واهل الفلسفة الذين عرفوا جميع المذاهب وكان صائغا يخدم ( شيعة ) إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن الباقر بن علي زين العابدين وكان حريصا على هدم الشريعة المحمدية لما ركب الله في اليهود من عداوة الإسلام وأهله والبغضاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم يسوق في باب مان من القداح وعقبه لعنه الله ( ص 18-20)
" ومن دخل في ضلالته وكان أول أولاده عبيد وهو المهدي ثم محمد و( القائم ) ثم ( الطاهر ) إسماعيل المنصور ثم ( المعز ) ثم ( الحاكم ) ثم ( العزيز ) ثم ( الظاهر ) ثم ( المستنصر )
هؤلاء الذين ينسبون اليه الى عصرنا هذا فانتسبوا الى ولد الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وانتحالهم اليه انتحال كاذب ..."
ثم ذكر الأدلة ( ص 21 ) على انهم من ولد اليهود استعمالهم اليهود في الوزارة والرياسة وتفويضهم اليهم تدبير السياسة ما زالوا يحكمون اليهود في دماء المسلمين وموالهم وذلك مشهور عنهم يشهد بذلك كل أحد "
ثم ذكر بعد ذلك أبي سعيد الجنابي لعنه الله
فقال ( ص 22)
كان فيلسوفا ملعونا ملك البحرين واليمامة والاحساء وادعى فيها انه المهدي القائم بدين الله فاستفتح ودخل مكة وقتل الناس في المسجد الحرام ومنع الناس من الحج واقتلع الركن وراح به الى الاحساء
ثم ذكر الحسن بن مهران المعروف بالمقنع وكيف تم قتله
وغير ذلك من الخزعبلات التي مع القوم التي يتعجب المرء منها "
هذا ملخص ومن أراد ان يطلع على منكرات القوم واعمالهم وعقيدتهم في بث الأفكار
المخالفة للدين وللعقيدة الإسلامية فعليه بكتبهم الباطنية فقد كشف استارها اهل العلم
ومن بينهم الكاتب رحمه الله لأنه عاش بينهم ورأى العجب العجاب
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
" الخطوط العريضة "
للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثنا عشرية "
للكاتب الإسلامي الكبير
محب الدين الخطيب رحمه الله
....
سبب اختياري للكتاب :
بيان حقيقة عقيدة الإثنا عشرية وانتشر في زماننا الدعوة الى التقريب
بين المذاهب الإسلامية فقد لفت نظري كثرة المشغبين حول هذا الأمر
الى ترامي أطرافه في كل بقاع الأرض وقامت مؤتمرات وجهات مختصة وندوات
ومشاركات واجتماعات ومحاضرات لغاية ولهدف التقريب بين دين الشيعة الإمامية
ومخالفيهم من أهل السنة والجماعة "
كما أنشئت دارا في مصر تنفق عليها الدولة الشيعية من إيران
.....
" موضوع الكتاب "
" الدعوة التي قامت في السنوات الأخيرة للتقريب بين دين الشيعة الإمامية الإثنا عشرية
فقد قام صاحب الفضيلة الكاتب الإسلامي الكبير السيد محب الدين الخطيب بهذه
الدراسة من أمهات كتب الشيعة لتحري وسائل التقريب فيها وقد تبين له استحالة ذلك
لأن واضعي أسس الدين الشيعي لم يتركوا في أصولهم أي وسيلة لهذا التقريب "
" محمد نصيف " ( ص 6)
....
ثم ذكر المؤلف ( ص 8 )
إنه أنشئت لدعوة التقريب دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لإيران
إنشاء دار تقريب في " طهران " أو " قم " أو " النجف " أو جبل عامل " اوغيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي "
وهذا الإيثار تكرر منهم في مختلف العصور والدعاة الذين يرسلونهم لمثل هذه الأغراض هم
الذين تحولت بهم العراق من بلاد سنية فيها أقلية شيعية إلى بلاد شيعية فيها أقلية سنية
وفي عصر الجلال السيوطي حضر من ايران الى مصر داعية من دعاتهم أشار اليه السيوطي في
كتابه ( الحاوي للفتاوي ) الطبعة المنيرية ج1/ ص 330 بسبب ذلك الداعية ألف السيوطي
رسالة ( مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة )
.....
ثم يهدم المؤلف ( ص 9) فكرة التفاهم والتقريب بسبب ما صدر عنهم في السنين الأخيرة
من كتب تقشعر منها الأبدان ومن ذلك كتاب " الزهراء " في ثلاثة أجزاء نشره علماء النجف وقالوا فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه كان مبتلى بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال "
وقد رأى ذلك الأستاذ البشير الابراهيمي شيخ علماء الجزائر
...
ثم بدأ المؤلف يسوق أصول الخلاف بين الفريقين ( ص 10-15)
وصعوبة التقارب بين الطرفين لما فيه من اختلاف واضح بينهم
فالأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة غير التشريع الفقهي عند الأئمة الأربعة من أهل السنة "
ثم قال : " فلا فائدة من إضاعة الوقت في الفروع قبل الأصول و لا نعني بذلك أصول الفقه بل أصول الدين عند الفريقين من جذورها الأولى "
....
ثم ذكر ( ص 11 )
مسألة التقية فإنها عقيدة تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون
له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له
....
ثم ذكر المؤلف رحمه الله ( ص 12)
الطعن في القرآن الكريم
وقال " وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته وصرف معانيها الى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي عليه السلام
بل إن أحد كبار علماء النجف وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي الذي بلغ
من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320 ه إنهم دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف في إيوان حجرة بانو العظمى بنت السلطان الناصر لدين الله من باب القبلة في النجف الأشرف باقدس البقاع عندهم
وهذا العالم النجفي ألف في سنة 1292 ه وهو في النجف ا عند القبر المنسوب الى الامام علي
كتابا سماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "
جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور
بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه
وقد طبع كتاب الطبرسي في ايران سنة 1289 ه وعند طبعه حوله ضجة لأنهم كانوا يريدون أن يبقى لتشكيك في صحة القرآن محصورا بين خاصتهم ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم
ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه وألف كتابا آخر سماه "
" رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب " في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب
وقد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين وقد
كافئوه في اثبات بأن القرآن محرف بأن دفنوه في المشهد العلوي في النجف
وكما استشهد العالم النجفي بسورة الولاية على ان القرآن محرف استشهد كذلك بما ورد في صفحة 289 من كتاب " الكافي " طبعة سنة 1378 بايران وهو عندهم بمنزلة البخاري ومسلم عند المسلمين
ويذكر المؤلف ( ص 16-17)
فرحتهم عند ظهور كتاب ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب )
وانتشاره في الأوساط الشيعية وغيرها في ايران والنجف والبلاد الأخرى من قبل بضع وثمانين سنة وهو مشحون بالعشرات والمئات من الأكاذيب على الله وصفوة خلقه
ثم ذكر الأمثلة وأدلتهم من كتبهم المعتمدة على تحريف القرآن والصوص الشيعية من
كتبهم المتفرقة المكذوبة على أئمة أهل البيت
وذكر مناظرة أبو محمد ابن حزم مع احد القساوسة في نصوص كتبهم ويقيم لهم الحجج
على تحريفها بل ضياع أصولها فكان أولئك القس يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا أن القرآن
أيضا محرف فأجابه ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين لآن الشيعة غير مسلمين
" الفصل في الملل والنحل " لابن حزم( ج2/ ص 78)
ثم يسوق المؤلف ( ص 19)
رأيهم في الحكام ويذكر ان اصل مذهب الشيعة الامامية الاثنا عشرية التي تسمى أيضا الجعفرية اعتبار ان جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الى هذه الساعة
عدا سنوات حكم علي بن ابي طالب حكومات غير شرعية ولا يجوز لشيعي ان يدين لهم بالولاء والإخلاص من صميم قلبه بل يتقيها تقاة "
والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الائمة الاثنى عشرية وحدهم سواء تيسر
لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه وكل ما عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من ابي بكر وعمر الى بعدهم حتى الان مهما خدموا الإسلام ومهما كانوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة
العالم الإسلامي فإنهم مفتئتون مغتصبون الى يوم القيامة "
...
والحقد على أبي بكر وعمر وعثمان من دينهم ولعنهم
ومن كتبهم ( تنقيح لمقال في أحوال الرجال ) في الجرح والتعديل لشيخ الجعفرية
آية الله المامقاني
تعبير الجبت والطاغوت يستعمله الشيعة في دعائهم الذي يسمونه ( دعاء صنمي قريش )
ويعنون بهما الجبت والطاغوت أبا بكر وعمر وهذا الدعاء في كتابهم
( مفتاح الجنان ) ص 114
...
ومن صفحة ( 22 )
ذكر المؤلف تعظيمهم لقاتل عمر رضي الله عنه
سموا قاتله أبا لؤلؤة المجوسي " بابا شجاع الدين "
وأن يوم قتل عمر بن الخطاب هو " يوم العيد الأكبر "
ويوم المفاخرة ويوم التبجيل ويوم الزكاة العظمى ويوم البركة ويوم
تابع
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
السلسلة العلمية
" نوادر الكتب "
غريبها وطريفها
محمد خير يوسف
مكتبة العبيكان
.....
سبب اختباري للكتاب
مما رأيته في ثنايا تصفحي له الى عوالم مختلفة تحمل بين صفحاته وأماكن وازمنة لم نكن نتخيلها
بمسميات متنوعة ومختلفة بعضها يعبر عن أسماء والبعض الآخر عن كتب نادرة
ويغوص في أعماق الفكر البشري وما تولد منه يثير الفضول ويجذب الانتباه
وهذا ما شدني اليه بطرحه الفريد والمبتكر وتدفع القارىء للتفكير بطرق جديدة
وغير اعتيادية وقد يتناول الكتاب مواضيع غامضة وهذه المؤلفات لعلها تأسر الخيال
بتقديمها أساليب غير مسبوقة من نوعها ومغامرات عقلية وروحية تأخذنا الى حدود الخيال وتجاوزها
وفي هذا الكتاب سنستعرض بعضا من أبرز المؤلفات الغريبة التي تركت بصمتها على تاريخ الأدب
والفكر ونكتشف شيئا من اسرارها لتثري العقول وتوسع الأفق "
.....
" مقدمة المؤلف "
" ( ص 5 )
ربما لا تعرف ان هناك شخصا آخر مشهورا يقال له " سيبويه "
لكن شهرته تعود الى أنه من أشهر " عقلاء المجانين " الذي استفاضت اخباره مع الأمراء والوزراء
والعلماء في مصر في القرن الرابع الهجري "
وقد انبرى المؤرخ المعروف " ابن زولاق " لتأليف كتاب في حباته واخباره نظرا لأن الكتاب لم يشيروا إليه من بين ما كتبوا في " عقلاء المجانين " وهو معاصرا كتابه
" أخبار سيبويه المصري "
والعجيب أن هذا العاقل المجنون " كان من كبار أهل العلم واللغة ولقد لقب ب " سيبويه "
لاستحقاقه ذلك عن جدارة كما كان حافظا للقرآن الكريم عالما باحكامه وبالرواة ولكن
كان معتزليا متعصبا !
وقد ذكر أنه أصيب بالجنون لأنه شرب دواء معينا !
وذكرت زوجته أنه إنما كان يهيج إذا لم يأكل اللحم فإذا أكل اللحم سكن !
....
ثم تطرق المؤلف لكتاب " أدب الجن "
( ص 6- 9 )
وهل للجن ادب ظاهر للإنسان ؟ وكيف يعرف ؟ وكيف يكون ؟
ةهذا ما تصدى له كاتب معاصر فأجاب على بعض الأسئلة وانتصر لرأي من قال إن للجن شعرا لأنه
ال به أئمة كبار أمثال ابن كثير وابن الجوزي وابن القيم الجوزية رحمهم الله تعالى
وقد بأ بآيات من القرآن الكرين تذكر الجان ثم أحاديث شريفة فيهم ثم خصص بقية الفصول لقصص الجان وأشعارهم وما جرى معهم في العصر الجاهلي فصدر الإسلام ثم في العصر الأموي وأخيرا العصر العباسي
وقد تبين أن الكاتب " محمد عبد الرحيم " كتبا أخرى غريبة في بابها مثل
" قصص وأخبار من رأى سيد الابرار في المنام " و" المصلوبون في التاريخ "!!
.....
" كتاب " فائدة للكسل "
....
( ص 10 )
قال المؤلف وعثرت على قطعة من كتاب " جمع الجواهر في الملح والنوادر "
للحصري وهو أديب نقادة معروف من أهل القيروان وه شعر فيه رقة وهو ابن خالة
الشاعر أبي الحسن الحصري ناظم " يا ليل الصب "
وكتابه الذي بصدده مختارات أدبية وملح وطرائف تاريخية واجتماعية وشعبية استطاع مؤلفه أن ينظمها في سماط جميل ...
....
ثم يعرض مقتطفات من كتاب " الزهرات المنثورة في نكت الاخبار المأثورة "
لابن سماك الغرناطي من القرن الثامن الهجري
وقد قصد المؤلف من مجموع هذه الأخبار والطرائف والمواعظ تقديم مادة لتثقيف المتأدبين من الأمراء وأبناء السلاطين
يقول " فجمعت في هذا المرسوم من نكت أخبارهم الغريبة ونوادرهم العجيبة وتوقيعاتهم المختصرة القريبة ما ربما يستحسن مسموعه ويندر في كل كتاب وقوعه .. ضمنته وحليته بكل طريفة فاجتمع منها زهرات يانعة لفنون الأخبار جامعة "
ومن ثم ذكر كتاب " بابن ظفر الصقلي " ليقدم لنا كتابا آخر م كتبه النادرة وهو
" سلون المطاع في عدوان الأتباع "
الذي يعد من كتب علم الاجتماع السياسي ففيه سرد الحكايات وايراد الحكم والوصايا
والارشادات مما يناسب سياسة الملوك وينتفع به القادة والرؤساء ولقد ألفه
ابن ظف سنة ( 554 ه ) للقائد الصقلي أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم على القرشي
...
( ص 12-13 )
ثم نتقي بطبيب عصري متخصص فيجمع الطرائف القديمة والحديثة مما يخص الطب والأطباء
والمرضى والمستشفيات ويسميه " طرائف الأطباء "
ويوزع طرائفه على الأطباء المتخصصين فهناك طرائف مع أطباء العظام والمفاصل
وأخرى مع طبيبات الأمراض النسائية والتوليد ثم أطباء العيون وأطباء الاسنان ثم أطباء الأطفال
وأطباء الأذن ثم الجراحين وطرائف أخرى
...ولا تتعجب إذا فاجأك العالم المتبحر ابن القيم الجوزية بكتاب عنوانه
" الفراسة "
ثم إنه كتاب متخصص في الدعاوي القضائية والأدلة الجنائية وهو باب فريد لم ار من خصه بمؤلف مستقل سوى هذا الإمام الجليل
وكان سبب إقدامه على تأليف هذا الكتاب هو أنه عندما سئل عن الحاكم أو الوالي يحكم
بالفراسة والقرائن التي يظهر له فيها الحق والاستدلال بالأمارات ولا يقف على مجرد ظواهر البينات والأحوال فهل ذلك صواب أو خطأ ؟
ثم قال فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع جليلة القدر إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقا كثيرا وأقام باطلا كبيرا وإن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع الظلم والفساد وإني اذا الفت النظر الى أهمية هذا الكتاب للقضاة والمتخصصين فإنني اذكر أن ما أوردته إنما هو أحداث
ووقائع وقعت مع بعض القضاة مما يناسب الكتاب
....
ويأتي اللبابيدي الدمشقي فيصنف كتابا غريبا في " لطائف اللغة "
ويقول إنه ذكر مفردات لطيفة المعاني دقيقة المباني يظهر فضله وحلاوتها في التراكيب عند وضعها في المناسبات واكمل المسانيد لكونها الفاظا منسوجة على منوال عجيب وآثارا أسديت لحمتها في صنع بديع عجيب "
...
( ص 14 )
ثم لنا جولة أخرى مع كتاب " الثعالبي " الذي كان يخيط جلود الثعالب فنسب الى صناعته ثم اشتغل بالأدب والتاريخ فنبغ وصنف الكتب الكثيرة الممتعة
نلتقي في هذه المرة مع كتابه " لطائف المعارف " الذي جمع فيه معلومات طريفة يصعب على متخصص
جمعها إلا بالنظر في كتب متفرقة
فهو يذكر لنا من الموافقات – مثلا – ان اعرق الأكاسرة في الملك – وهو شيرويه – قتل اباه
أبرويز واستولى على ملكه فلم يعش بعده إلا ستة أشهر !
واعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر قتل اباه المتوكل واستولى على الخلافة فلم يعش بعده
إلا ستة أشهر !
ثم يذكر أعرق الأشراف في العمى واعرق الناس في القتل واعرقهم في الغدر واعرقهم في الشعر
ويختار العالم المؤرخ ابن طولون الصالحي احداثا معينة من التاريخ تتميز بالغرابة وعدم
التكرار غالبا او ان عبرة وعظة بالغة وكان لها اثر كبير وصدى واسع في ذلك الوقت لتميزها
ولما صاحبها من عجائب ويسمي كتابه
" اللمعات البرقية في النكت التاريخية "
....
( ص 15 )
وقد اخترنا من بين الكتب كتاب " محاسن الوسائل في معرفة الأوائل "
لفقيه محدث عالم كثير الطواف محب للاسفار وكان من نبهاء الطلبة وفضلاء الشباب
إنه محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقي المتوفى سنة 769 ه
وقد عد المؤلف علم " الأوائل " أحد العلوم الإسلامية المهمة لانه يضظر صاحبه الى متابعة الموضوعات
ومعرفة أوائل الأشياء
وقال في مقدمته " وكنت ممن حبب إليه مطالعة المصنفات ومراجعة المجاميع والمؤلفات من المختصرات والمطولات في السنن والآثار والآداب والاشعار والامثال والقصص المشهورة والمواعظ والحكم المأثورة وما هو داخل في مسمى العلوم على اختلاف أنواعها واوضاعها وكان ذك من صغري صناعتي وتحصيل الكتب بضاعتي "
هذا والله اعلم
....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
كتاب " الاشاعرة في ميزان أهل السنة "
نقد لكتاب "
" أهل السنة الاشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم "
تأليف :
الشيخ العلامة فيصل الجاسم
.....
سبب اختياري للكتاب
" الحملة الشعواء التي يشنها اهل البدع بين فترة وأخرى بمسميات مختلفة ومتنوعة
على اهل السنة والجماعة وقد التبس ذلك على كثيرا من الناس بالحملات المذعورة التي يطلقها
المبتدعة بين الفينة وأخرى بأن اغلب أهل الأرض أشاعرة واغلب العلماء اشاعرة والاشاعرة هم
الفئة والطائفة المنصورة وهم الأغلبية وهم وهم .." وينبغي ان يعلم ان الحق حق ولو قل اهله والباطل باطل
ولو كثر اهله فلسست العبرة بكثرة الاتباع ولا بكثرة الناس بل العبرة بالحق والصواب فاهل الحق هم الاقلون
عددا والاعظمون عند الله قدرا فالكثرة ليست هي الضابط في إصابة الحق لاني سمعت وقرأت بقولهم : تسعة
اعشار العالم الإسلامي أشاعرة يؤولون الصفات وهذا ليس عذرا شرعيا ما دام تبين الحق وقد شذ الناس كلهم زمن الإمام
أحمد رحمه الله إلا نفرا يسيرا فكانوا هم الجماعة " فهذا هو الحق والطائفة المنصورة " ولا تزال الى قيام الساعة على الحق في
كل زمان ومكان " ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين
وهذا وإني قد أطلعت على كتاب " الاشاعرة في ميزان أهل السنة "
وهو نقد لكتاب " أهل السنة الاشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم " تأليف اثنين من الباحثين
وما ادعاه بعض الاشاعرة فيه من دعاوى عريضة تتعلق بما يعتقدان من معتقدات
نعم هم من أهل السنة في باب ومبتدعة في أبواب حيث أولوا بعض صفات الله تعالى
ظنا منهم ذلك تنزيه له تعالى وهم مأجورون على نيتهم ولا يخرجهم عن حظيرة الإسلام ومنهم علماء كبار
وكما انهم في الايمان مرجئة وفي أفعال الله قاربوا مذهب الجبرية ومع ذلك فهم أقرب الفرق الى اهل السنة
فهم أقرب من المعتزلة ومن الرافضة والزيدية وغيرهم وقد انبر لكشف خباياهم وتلبيسهم وبيان
حقيقتهم بدعواهم أنهم من اهل السنة الشيخ لفاضل فيصل الجاسم وابطل دعواهم في أكثر من وجه
وقد استند على اكثر من وجه فرأيته كتابا نافعا ماتعا فقمت بتلخيصه واقتناء فوائده
ونقل الشيخ لفاضل عن أئمة السنة في ذمهم للاشعرية وأنهم ليسوا من اهل السنة وذلك لما ثبت عنهم
من الابتداع في باب الصفات "
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
سبب تأليف الكتاب "
" واهم ما ورد في الكتاب
قال الشيخ فيصل الجاسم "
في كتابه " الاشاعرة في ميزان أهل السنة والجماعة "
( ص 49)
وقد وقع في يدي كتاب بعنوان " أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم " وقد اشترك
في تأليفه اثنان من الباحثين : فلما تأملت وجدت مؤلفيه قد حاولا فيه اثبات كون الأشاعرة
المنسوبين لآبي الحسن الأشعري هم اهل السنة والجماعة وتكلفا ذلك خرجا بالكتاب عن البحث العلمي والموضوعي "
والكتاب إجمالا مليء بالمغالطات والمؤخذات حتى صار الى الحشو والتلفيق أقرب منه الى البحث والتحقيق
والامر الثاني : إنهما ادعيا مرارا وتكرارا موافقة الاشاعرة في معتقدهم لمعتقد السلف والأئمة من الصحابة والتابعين واتباعهم ولم ينقلا من كتب أئمة السلف في المعتقد في المعتقد ككتاب أصول السنة للإمام أحمد و" السنة " لابنه عبد الله " و" السنة " للخلال " ولابن أبي عاصم وكتب الدرامي كرد
" الرد على الجهمية " و " الرد على المريسي " وكتاب " خلق أفعال العباد " و " لتوحيد " لابن خزيمة ولابن منده وكتب " الطبري ك" التبصير " و " صريح السنة و شرح أصول اعقاد أهل السنة " لللالكائي " و " الابانة " لابن بطة وغيرها كثير من كتب السنة " والردود على المخالفين وإنما اكتفيا بالنقل من كلام أئمة الاشاعرة ما يزعمون أنه معتقد سلف الأمة " ولا ريب انه خلل كبير وقصور عظيم في نقل المذاهب والمعتقدات وهو يدل على جهلهما بأقوال أئمة السلف
وغاية ما استدلا به وحصلاه في اثبات كون لاشاعرة هم اهل السنة والجماعة وأنهم اهل الطريقة المثلى هو شهادة الاشاعرة أنفسهم وهذا عبث لا طائل من ورائه
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في مثل هذا
" ويتعلق قوم من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد وابا حسن القابسي قالا "
" إن الاشعري إمام "
وإذا بان صحة حكايتهم عن هذين فلا يخلو حالهما من أحد وجهين أن يدعي إنهما كان على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمته وإن كانت لهم منزلة كبيرة كما لم يحكم بما يقو ابن الباقلاني وأشكاله "
رسالة السجزي الى اهل زبيد ( ص 101 )
....
قال المؤلف ( ص 52 )
أنهما ينسبان لائمة السنة من الاقوال ما لم يثبتا من صحة نسبتها إليهم فتراهم ينقن عن بعض الصحابة
والتابعين ما لم يطلعا على اسناده ولم يخرجاه من مظانه
أن كل ما لا يعجبهما من اقوال من يعظمونه كالاشعري وغيره مما فيه من إبطال لدعواهما يجعلانه مدسوسا كما تكلفا إنكار ثبوت كتاب الإبانة المطبوع المتداول للاشرعي وزعما ان ايدي العابثين طالته
وإنهما يقرران المسائل اللغوية بغير مستند من اهل اللغة ولا رجوع لكتبهما ولكن بما تهواه انفسهما
....
وقال المؤلف ( ص 53 )
" إنهما أكثرا من الدعاوى من الدعاوى العريضة خاصة فيما يتعلق خاصة فما يتعلق بالاجماع
على ما يدعيان كقولهما : إن جميع المالكية والشافعية والحنفية والسمعانية اشاعرة أو ماتريديه وقد اكثرا
جدا من مقولة : " هذا مذهب العلماء قاطبة " !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولأهل الكلام والرأي من دعوى الاجماعات التي ليست صحيحة بل
قد يكون فيها نزاع معروف وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه
الإجماع ما يطول ذكره "
" النبوت " ( ص 108 )
...
قال المؤلف ( ص 54 )
لقد قررا أن الاشاعرة أكثر الأمة
ثم انكرا رجوع الاشعري عن معتقده الكلابي وطعنا في صحة كتاب الابانة له رجما بالغيب
ثم تكلما حول عقيدة ابن كلاب وزعما أن عقيدته هي عقيدة السلف أنه موافق لمعتقد إمام اهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل
ثم افتريا على كثير من الأئمة بنسبتهم الى الأشاعرة كالبخاري والطبري وكثيرين
ثم ادعيا أن مذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو التفويض
.....
قال المؤلف ( ص 55---54)
فساجمل ما على الكتاب من مؤاخذات على النحو التالي :
قررا أن الاشاعرة هم أكثر الأمة ثم انكرا رجوع الاشعري عن معتقده الكلابي وطعنا في صحة نسبة الكتاب الابانة رجما بالغيب
ثم تكلما حول عقيدة ابن كلا وزعما ان عقيدته هي عقيدة السلف وإنه موافق لمعتقد امغم اهل السنة احمد بن حنبل وادعيا ان ما نقل من الخلاف كان خلاا لفظيا لا حقيقيا
ثم افتريا على كثير من الائمة بنسبتهم الى الاشاعرة كالبخاري والطبري وكثيرين
ثم ادعيا ان مذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو التفويض الذي هو الجهل بالمعنى
وزعما ان مذهب التأويل والتحريف مذهب لبعض السلف وان التفويض عليه عامة السلف كما زعما هو في حقيقيته يعود الى التأويل
ثم خاضا في تحريف بعض صفات الله كصفات الكلام لله تعالى وانكرا أن يكون الله يتكلم بحرف وصوت وأنكرا كذلك أن يكون عليا على خلقه بنفسه بائنا منهم وحرفا صفة الاستواء والرؤية والعين واليد وغيرهما من الصفات الثابتة لله
ثم خاضا في مسألة الجسم وان الله منزه عنه وادعيا ان اثبات الصفات يستلزم الجسمية
ثم تكفا التفريق بين الصفات السبع التي يثبتها الاشاعرة وهي صفة العلم والحياة والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة وبين سائر الصفات التي لا يثبتون حقيقتها بل يتاولونها
هذه جملة مختصرة مما خاض فيه المؤلفان بالباطل
.....
سبب تأليفه
قال المؤلف ( ص 56 )
" ولما كان من الواجب رد الباطل وبيان زيفه حتى لا يلتبس على الناس جاء هذا الرد والبيان المختصر على بعض ما ادعاه المؤلفان في كتابهما وخاضا فيه بغير الحق
ولما كان المقصود أيضا من الرد بيان حققة معتقد سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والوقوف على اصوله التي يبنى عليها في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة طريقة الاشاعرة لهذه الأصول
قال المؤلف ( ص 61 )
يبدا المؤلف في الفصل الأول في ذكر أصول اهل السنة والجماعة في باب أسماء
الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها
الباب الثاني ذكر الأدلة على اثبات بعض صفات الله تعالى التي خاض فيها الاشاعرة بالباطل
وتحته خمسة فصول
الباب الثالث : الرد على ما نسبه المؤلفان للسلف من التأويل وأدرجت تحته فصول
البا الرابع : تبرئة أئمة السنة من الأشعرية
الباب الخامس " بيان ان الكلابية والاشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة
.....
هذا ملخص ما جاء وورد في الكتاب واستعرض فيه مؤلفه الأصول العقائدية للاشاعرة وركز على
اهم نقاط الخلاف ورجح المؤلف ان الاشاعرة بعيدين كل البعد عن منهج السلف مما يجعلهم في
خارج إطار اهل السنة والجماعة واستشهد باقوال علماء السلف الذين انتقدوا الاشاعرة
والله اعلم
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الرافضة في كتاب منهاج السنة النبوية "
للدكتور عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الشمسان
.....
سبب اختياري للكتاب
لم أر ف الكتب المصنفة ولا في البحوث الدقيقة من خاض في بيان معتقد الرافضة
والرد علىهم وفضحهم وكشف استارهم وبيان قبح مذهبهم بأسلوب قوي كتابا أحسن من منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية لذلك رغبت في تلخيصه وبيان أهم النقاط الأساسية لخطر هذه الطائفة الضالة وهم من اشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين وذلك لأنهم يحيكون المؤامرات ضد المسلمين ليل نهارا فيدسون السم في الدسم فينخدع به كثير من المسلمين وقليل من المسلمين من ينتبه لأخطارهم ويعرف حقيقة أمرهم وغاية نواياهم وقصدهم "
ومن بين ذلك أن الرافضة في زماننا صار لهم دول يحتمون بها ومساندة لهم من اليهود والنصارى
وكثرة انتشارهم في اقطار الأرض محاولة لجذب المسلمين الى مذهبهم الفاسد بالمال والجاه
وانخداع بعض المسلمين بهم وظهور من يدو الى التقريب ين اهل السنة والرافضة
فأحببت ان الخص ما حقه التلخيص وبعض الفوائد من " المنهاج " لشيخ الإسلام
.....
قال المؤلف ( ص 21 )
أسباب تأليف شيخ لاسلام للمنهاج
" قال شيخ الإسلام : أما بعد فإنه قد احضر الى طائفة من اهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا لهذه البضاعة يدعو به الى مذهب الرافضة الامامية من أمكنة دعوته من ولاة الأمور وغيرهم اهل الجاهلية ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ولم يعرفوا أصل دين الإسلام من أصناف الباطنية الملحدين الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين الذين لا يوجبون اتباع الإسلام ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان بل يجعلون
الملل بمزلة المذاهب والسياسات التي يسوغها اتباعها وان النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا "
المنهاج ( 4-6)
وقال " وذكر من احضر هذا الكتاب أنه من اعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال اليهم وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه فيه خدابنده وطلبوا مني بيان ما في الكتاب من الضلال وباطل الخطاب لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين وبيان بطلان اقوال المفترين الملحدين )
" المنهاج ( 1/7-8)
......
وقال شيخ الإسلام في موضع الرد على الرافضي ابن المطهر
(ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله وسادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين ويسلط الكفار المنافقين ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بننا حاجة الى كشف اسراره وهتك ستاره والله حسيبه وحسيب أمثاله "
" المنهاج " (7/292 )
........
وقال شيخ الإسلام في " المنهاج "
" ونحن نبين إن شاء الله طريق الاستقامة في معرفة هذا الكتاب منهاج الندامة بحول الله وقوته "
(7/ 57)
....
وقال في بيان لرد على المخالف طريق السلف
( لكن أئمة السنة والسلف يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة ويأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق لا يخرج عن السنة في حال من الأحوال وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به وروسوله ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه لكن بينا أن ما عابوا به مخالفيهم من الأقوال ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك "
المنهاج ( 2/342 )
......
اهم ما جاء في الكتاب
( ص 25 )
( إن قول القائل إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين كذب بإجماع المسلمين سنيهم وشيعتهم بل هو كفر فإن الايمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام فالكافر لا يصير مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهذا الذي قاتل عليه الرسول عليه السلام الكفار "
" المنهاج " (1/75 )
......
وقال كلمته المشهورة
( ص 26*
" فكل من أراد الحق وتجرد عن الهوى فلا بد أن يقتنع ببطلان مذهب الروافض وان الحق مع اهل السنة وأن ما ذهبوا إليه هو الصواب الذي أمر الله به رسوله وهو الشرع الذي تعبد الله به أمة الإسلام "
.....
( ص 27 )
ترجمة ابن المطهر 648 -726
هو جمال الدين الرافضي أبو منصور الحسن وقيل الحسين بن يوسف بن علي بن محمد ابن المطهر الحلي العراقي الشيعي المعتزلي شيخ الروافض وهورأس الشيعة بالحلة قال ابن كثير رحمه الله ولد ابن المطهر الذي لم تطهر خلائقه ولو يتطهر من دنس الرفض ..."
له كتب كثيرة وما يهمنا منها كتاب " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة " قال عنه ابن كثير رحمه الله
وله كتاب الاستقامة في إثبات الإمامة خبط فيه المعقول والمنقول ولم يدر كيف يتجه اذ خرج عن الاستقامة وقد انتدب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد عليه في مجلدات اتي فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة وهو كتاب حافل وله كتاب في أصول الفقه على طريقة المحصول والاحكام "
......
قال ابن تيمية عن هذا الرافضي عن هذا الرافضي قال عنه :
" مصنف هذا الكتاب يعني منهاج الكرامة فإنه عند الامامية افضلهم في زمانه بل يقول بعض الناس ليس في بلاد المشرق افضل منه في جنس العلوم مطلقا ومع هذا فكلامه يدل على انه من اجهل خلق الله بحال النبي صلى الله عليه وسلم واقواله وأعماله فيروي الكذب الذي يظهر أنه كذب من وجوه كثيرة بأنه كذب فقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه قال " من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " ودل على انه من اجهل الناس باحوال النبي عليه السلام ...."
" المنهاج (4/127)
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
أسباب تأليف شيخ لاسلام للمنهاج
" قال شيخ الإسلام : أما بعد فإنه قد احضر الى طائفة من اهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا لهذه البضاعة يدعو به الى مذهب الرافضة الامامية من أمكنة دعوته من ولاة الأمور وغيرهم اهل الجاهلية ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ولم يعرفوا أصل دين الإسلام من أصناف الباطنية الملحدين الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين الذين لا يوجبون اتباع الإسلام ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان بل يجعلون
الملل بمزلة المذاهب والسياسات التي يسوغها اتباعها وان النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا "
المنهاج ( 4-6)
وقال " وذكر من احضر هذا الكتاب أنه من اعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال اليهم وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه فيه خدابنده وطلبوا مني بيان ما في الكتاب من الضلال وباطل الخطاب لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين وبيان بطلان اقوال المفترين الملحدين )
" المنهاج ( 1/7-8)
......
وقال شيخ الإسلام في موضع الرد على الرافضي ابن المطهر
(ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله وسادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين ويسلط الكفار المنافقين ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بننا حاجة الى كشف اسراره وهتك ستاره والله حسيبه وحسيب أمثاله "
" المنهاج " (7/292 )
........
وقال شيخ الإسلام في " المنهاج "
" ونحن نبين إن شاء الله طريق الاستقامة في معرفة هذا الكتاب منهاج الندامة بحول الله وقوته "
(7/ 57)
....
وقال في بيان لرد على المخالف طريق السلف
( لكن أئمة السنة والسلف يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة ويأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق لا يخرج عن السنة في حال من الأحوال وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به وروسوله ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه لكن بينا أن ما عابوا به مخالفيهم من الأقوال ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك "
المنهاج ( 2/342 )
......
اهم ما جاء في الكتاب
( ص 25 )
( إن قول القائل إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين كذب بإجماع المسلمين سنيهم وشيعتهم بل هو كفر فإن الايمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام فالكافر لا يصير مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهذا الذي قاتل عليه الرسول عليه السلام الكفار "
" المنهاج " (1/75 )
......
وقال كلمته المشهورة
( ص 26*
" فكل من أراد الحق وتجرد عن الهوى فلا بد أن يقتنع ببطلان مذهب الروافض وان الحق مع اهل السنة وأن ما ذهبوا إليه هو الصواب الذي أمر الله به رسوله وهو الشرع الذي تعبد الله به أمة الإسلام "
.....
( ص 27 )
ترجمة ابن المطهر 648 -726
هو جمال الدين الرافضي أبو منصور الحسن وقيل الحسين بن يوسف بن علي بن محمد ابن المطهر الحلي العراقي الشيعي المعتزلي شيخ الروافض وهورأس الشيعة بالحلة قال ابن كثير رحمه الله ولد ابن المطهر الذي لم تطهر خلائقه ولو يتطهر من دنس الرفض ..."
له كتب كثيرة وما يهمنا منها كتاب " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة " قال عنه ابن كثير رحمه الله
وله كتاب الاستقامة في إثبات الإمامة خبط فيه المعقول والمنقول ولم يدر كيف يتجه اذ خرج عن الاستقامة وقد انتدب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد عليه في مجلدات اتي فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة وهو كتاب حافل وله كتاب في أصول الفقه على طريقة المحصول والاحكام "
......
قال ابن تيمية عن هذا الرافضي عن هذا الرافضي قال عنه :
" مصنف هذا الكتاب يعني منهاج الكرامة فإنه عند الامامية افضلهم في زمانه بل يقول بعض الناس ليس في بلاد المشرق افضل منه في جنس العلوم مطلقا ومع هذا فكلامه يدل على انه من اجهل خلق الله بحال النبي صلى الله عليه وسلم واقواله وأعماله فيروي الكذب الذي يظهر أنه كذب من وجوه كثيرة بأنه كذب فقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه قال " من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " ودل على انه من اجهل الناس باحوال النبي عليه السلام ...."
" المنهاج (4/127)
....
قال المؤلف
( ص 33 )
ولا زال الحديث عن ابن المطهر الرافضي
قال شيخ الإسلام " فهذا المصنف الامامي اعتمد على طريقة المعتزلة ومن تابعهم )
وقال :
" ومن العجب أن هذا المصنف الرافضي الخبيث الكذاب المفتري يذكر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر السابقين الأولين والتابعين وسائر أئمة المسلمين من اهل العلم والدين بالعظائم التي يفتريها عليهم هو واخوانه ويجيء على من قد اشتهر عند المسلمين بمحادته لله ورسوله فيقول : قال شيخنا الأعظم يقول : قدس الله روحه مع شهادته بالكفر عليه وعلى امثاله ومع لعنة طائقته لخيار المؤمنين من الأولين والآخرين )
" المنهاج " (3/ 450 )
.....
ثم قال شيخ الإسلام وهذا واقع في زماننا كما اخبر عنه
" قال شيخ الإسلام : " فإنهم دائما يستعينون بالكفار والفجار على المسلمين على مطالبهم ويعاونون الكفار والفجار على كثير من مآربهم وهذا امر مشهود في كل زمان ومكان ولو لم يكن إلا صاحب هذا الكتاب منهاج الندامة وإخوانه فإنهم يتخذون المغل والكفار أو الفساق أو الجهال أئمة بهذا الاعتبار )
" المنهاج ( 4 \112 )
.....
وقال شيخ الإسلام
" العامة معذورون في قولهم : الرافضي حمار اليهودي )
المنهاج (7/290)
.....
وذكر المؤلف في المطلب الثاني سبب تأليف ابن المطهر للكتاب
( ص 34 )
" صرح ابن المطهر في اول كتابه " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة " بأنه الف هذا الكتاب ليخدم الملك الجايتو خدا بنده محمد فقال : اما بعد فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة اشتملت على اهم المطالب في احكام الدين واشرف مسائل المسلمين وهي مسألة الامامة ...." الى ان قال – خدمت بها خزانة السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم ملك ملوك طوائف العرب والعجم ..لقد صرف ابن المطهر في هذا الكتاب خلقا كثيرا عن الدين عن مذهب أهل السنة الى مذهب الرافضة والمجوس ومنهم هذا الملك الذي اقام على السنة سنوات قليلة من ملكه ثم في عام 709 ه ترك مذهب اهل السنة واعلن احوله الى مذهب الرافضة وكتب فب الأقاليم بأن لا يذكر في الخطب إلا علي وأهل بيته فكان لهذا الأمر الخطير أثره على اهل السنة حيث ظهر عليهم اهل البدعة "
" البداية والنهاية لابن كثير (41/56)
......
قال ابن كثير رحمه الله عن خدا بنده توفي 716 ه توفي بالسلطانية وأظهر الرفض اقام سنة على السنة ثم تحول الى الرفض واقام شعائره في بلاده وحظي عنده اشيخ جمال الدين ابن المطهر الحلي تلميذ نصير الدين الطوسي واقطعه عدة بلاد ولم يزل على هذا المذهب الفاسد الى ان مات في هذه السنة وقد جرت في أيامه فتن كبار ومصائب عظام فأراح الله منه العباد والبلاد "
" البداية والنهاية " ( 14/77)
....
قال شيخ الإسلام
" واما الرافضة كهذا المصنف وأمثاله من متأخري الامامية فإنهم جمعوا أخس المذاهب مذهب الجهمية في الصفات ومذهب القدرية في أفعال العباد ومذهب الرافضة في الامامة والتفضيل "
وقال ابن تيمية في " المنهاج (7/416)
" والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي الى معرفة اقوال الناس ومذاهبهم ما علمت رجلا له في
الأمة لسان صدق يتهم بمذهب الامامية فضلا على ان يقال إنه يعتقده في الباطن "
وقال ابن تيمية في " المنهاج (4/131 )
وقد اتفق اهل العلم بالنقل والرواية والاسناد على ان الرافضة اكذب الطوائف والكذب فيهم قديم ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب "
.....
قال أبو حاتم حدثنا حرملة قال سمعت الشافعي يقول : لم ار أحدا اشهد بالزور من الرافضة
الابانة (2/545)
......
قال شيخ الإسلام
" الرافضة يوجد فيهم من المسائل مالا يقوله مسلم يعرف دين الإسلام منها ما يتفقون عليه ومنها ما يقوله بعضهم مثل ترك الجمعة والجماعة فيعطلون المساجد التي امر الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه عن الجمعة والجماعات ويعمرون المشاهد التي حرم الله ورسوله بناءها يجعلونها بمنزلة دور الوثان ومنهم من يجعل زيارتها كالحج كما صنف المفيد كتابا سماه [ مناسك حج المشاهد } وفيه من الكذب والشرك ما هو من دون جنس كذب النصارى وشركهم ومنها تأخير صلاة المغرب مشاهاة لليهود )
المنهاج (3/418)
.....
قال شيخ الإسلام
" وأصل المذهب اإنما ابتدعه زنادقة منافقون مرادهم إفساد الإسلام وقد رأيت كثيرا من كتب اهل المقالات الت ينقلون فيها مذاهب الناس ورأيت اقوال أولئك فرأيت فيها اختلافا كثيرا "
المنهاح (3/ 303)
....
قال شيخ الإسلام
" ....وهؤلاء ونحوهم أكفر من اليهود والنصارى )
المنهاج " (4/520)
....
قال شيخ الإسلام
" والرافضة من اجهل الناس بدين الإسلام وليس لهم إلا ما يسر عدو الإسلام ويسوء وليه فأيامهم في الإسلام كلها سود واعرف الناس بعيوبهم وممادحهم اهل السنة ..."
المنهاج "7/415)
...
قال شيخ الإسلام
" فهل يوجد أضل من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والانصار ويوالون الكفار والمنافين
" المنهاج (7/151)
....
قال شيخ الإسلام
" فإن النفاق كثير ظاهر في الرافضة إخوان اليهود ولا يوجد في الطوائف نفاقل منهم حتى يوجد فيهم النصيرية والاسماعيلية وامثالهم ممن هو من اعظم الطوائف نفاقل وزندقة وعداوة لله ورسوله )
المنهاج (7/467)
....
قال شيخ الإسلام
" ولا ريب ان الرافضة من شرار الزائغين الذين يبتغون الفتنة الذين ذمهم الله وروسوله
" المنهاج (6/268)
...
قال شيخ الإسلام
" التشيع دهليز الكفر والنفاق
المنهاج (8/486)
....
قال شيخ الإسلام
" ولا ريب ان المجوس والصابئة شر من اليهود والنصارى ولكن تظاهروا بالتشيع وقالوا لن الشيعة اسرع الطوائف استجابة لنا لما فيهم من الخروج عن الشريعة ولما فيهم من الجهل وتصديق المجهولات )
المنهاج (3/ 453 )
....
قال شيخ لاسلام
" ...ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين واصناف الملحدين )
المنهاج (1/20)
....
قال شيخ الإسلام
" ... تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن )
في مثل اعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم من اهل الإسلام بخراسان والعراق والجزيرة والشام وغير ذلك واعانتهم للنصارى على المسلمين ومصر في وقائع متعددة من اعظمها الحوادث التي كانت في لاسلام في المائة الرابعة والسابعة فإنه لما قدم كفار الترك الى بلاد الإسلام وقتل من المسلمين ما لا يحصى عدده إلا رب الانام مانوا من اعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير )
المنهاج " 1/21 )
.....
وقال شيخ الإسلام
" ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لآعداء الإسلام المرتدين كبني حنيفة اتباع مسلمة الكذاب ويوقولون إنهم كانوا مظلومين كما ذكر صاحب هذا الكتاب وينتصرون لآبي لؤلؤة المجوسي ومنهم من يول اللهم ارض عن ابي لؤلؤة واحشرني معه ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم واثارات أبي لؤلؤة )
المنهاج (6/370)
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( ص 72 )
قال شيخ الإسلام
" وكان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم وهشام الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأمثالهم يزيدون في اثبات الصفات على مذهب اهل السنة فلا يقنعون بما يقوله اهل السنة والجماعة من ان القرآن غير مخلوق وان الله يرى في الآخرة وغير ذلك من مقالات اهل السنة والحديث حتى يبتدعون في الاثبات والتجسيم والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس )
المنهاج (1/72)
....
قال شيخ الإسلام
" وليس في الطوائف المنتسبة الى القبلة اعظم افتراء للكذب على الله وتكذيبها بالحق من المنتسبين
للتشيع ولهذا لا يوجد الغلو في طائفة أكثر مما يوجد فيهم ومنهم من ادعى إلهية البشر "
المنهاج (5/232)
قال شيخ الإسلام
وكما يذكر عن بعض الرافضة إنه آذى الله ورسوله بسب تقديم الله ورسوله لآبي بكر وعمر "
المنهاج (5/137)
...
وغير ذلك من الخزعبلات والظلالات التي ابتدعها الرافضة في كتبهم وهذا غيض من فيض
اقتصرت على الأهم وفيه ما يسوء ذكره وتشمئز الألسن عن ذكره "
نسأل الله السلامة والعافية وان يهديهم الى الطريق الحق "
والحمد لله رب العالمين
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من
الأشاعرة "
......
سبب اختياري للكتاب
" الخلط الكبير لكثير من الناس في مجمل الاعتقاد في تحديد مذهب السلف أهل السنة والجماعة الذي يميزهم عن غيرهم من أهل البدع والأهواء فلعل هذه الدراسات استوقفتني على مجمل هذا وأتت على ما اردت توضيحه ولم شتاته وبالرغم من أن مذهب الاشاعرة قد اشتهر بين كثير من الناس على انه مذهب أهل السنة والجماعة وان اعتقادهم يمثل اعتقاد السلف وهذا المفهوم للأسف سائد الى الآن في كثير من البلاد الإسلامية ومن ابرز العلماء الذين عملوا بشكل قوي ودافعوا ونافحوا على بيان الحق وتمييز مذهب السلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والرد عليهم في أكثر من كتاب وأكثر من موطن في رد ضلالاتهم والأمر الثاني إني قد تتبعت موقف شيخ الإسلام من الاشاعرة ي أكثر من موطن ورأيت فيه أسباب رده عليهم وأمورا أحببت نقلها للجميع لتعم الفائدة "
.....
موضوع الكتاب
قال المؤلف في مقدمة كتابه
( ج1/ ص 9-11 )
" أن مذهب الأشاعرة قد انتشر في العالم الإسلامي، قبل ابن تيمية ) ، وقد حدثت له عدة تطورات قربته كثيرا من المعتزلة والفلاسفة والمتصوفة، ولم يأت عهد ابن تيمية إلا وقد بلغ أوجه في التطور والانتشار بعد الجهود الكبيرة التي قام بها علماء كبار من هذا المذهب كالغزالي والرازي وغيرهما، فلما جاء شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذلك ممثلا لمذهب السلف ومدافعا عنه ورادا على هؤلاء، تميز عهده بأمرين:-
أحدهما: بروزه على أنه أول من تصدى بقوة للمذهب الأشعري- خاصة بعد تطوره الأخير- ولذلك يقول المقريزي- بعد عرضه لنشأة المذهب الأشعري وانتشاره على يد بعض العلماء والسلاطين: " فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الاسلام، بحيث نسي غيره من المذاهب وجهل، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلا أن يكون مذهب الحنابلة- أتباع الامام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل- رضي الله
.......
( ص 10 )
يقول عبد الحليم محمود- وهو صوفي-:ولايزال هذا الجدل حول تحديد مذهب السلف مستمرا إلى الآن بين مدرسة الأشعري ومدرسة ابن تيمية، كل منهما يزعم انتسابه للسلف ومتابعته لمالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما!، التفكير الفلسفي في الإسلام (ص: ١٣٥)
.....
( ص 12 )
ما كان شيخ الإسلام ليشغل نفسه بالرد على الفلاسفة مثلا لولا أن كثيرا من أصولهم صارت جزءا من كتب أهل الكلام، يعتمدون عليها، ويشرحونها في كتببهم، ويبنون عليها كثيرا من أدلتهم، حتى أصبحت هذه الأصول هي الأصل، وما جاء به الكتاب والسنة وأقوال السلف فرعأ لا حجة فيه ولاقيمة له إلا في حدود ضيقة.
فهذه الأمور وغيرها تبين أهمية بحث موقف! ابن تيمية من الأشاعرة، ولا شك أن البحوث حول كل من ابن تيمية وجهوده العلمية المختلفة ، وحول الأشاعرة وأعلامهم وعقائدهم كثيرة جدا، كما أن لعلمائنا الأفاضل
ردود متنوعة على الأشاعرة وبيان ما خالفوا فيه مذهب السلف (.
وهذا البحث الذي أقدمه اليوم- على ضعف مني وقلة حصيلة وقصر باع إنما هو محاولة لبيان الحق في هذه المسألة العظيمة من خلال ما كتبه شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى
....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب " موقف شيخ الاسلام ابن تيمية من الأشاعرة
( ص 85 )
بدأ المؤلف بذكر عصر ابن تيمية
عاش شيخ الإسلام ابن تيمية في النصف الثاني من القرن السابع والنصف الأول من القرن الثامن الهجري، وبالتحديد بين عامي ٦٦١- ٧٢٨ هـ، وقد كان هذا العصر امتدادا لعصور سابقة اعتورتها أحداث كبار ومتغيرات كثيرة في العالم الإسلامي،
١- الغزو الصليبي للعالم الإسلامي.
٢ - ظهور التتار واجتياحهم للعالم الإسلامي.
٣ - المماليك يخلفون الأيوبيين في حكم مصر والشام.
٤ - سقوط الخلافة العباسية في بغداد، وانتقال مركز القيادة والثقل في العالم
الإسلامي إلى مصر.
٥ - الباطنيون والرافضة.
٦ - بداية ظهور التقنين والتحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية.
٧ - الجوانب العلمية والعقائدية:
أ- أهل الذمة.
ب - التصوف والشركيات.
جـ - المذهب الأشعري.
كلها كانت في عصر ابن تيمية الذي هو شبيه بزماننا الى حد ما
ولم يكن باستطاعة النصارى أن يفعلوا ما فعلوا لولا الواقع المؤسف الذي كان يعيشه العالم الإسلامي: فالدولة العباسية كانت مقسمة وسلطات الحلفاء كانت شكلية، والدويلات المتفرقة تتقاسم أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي: فالسلاجقة (١) في بغداد، والفاطميون في المغرب ومصر، والشام والجزيرة في كل مدينة إمارة. ولم يقتصر الأمر على هذا التفرق فقط وإنما كان الصراع محتدما بين هؤلاء، فالفتن والحروب فيما بينهم مشتعلة، والتفرق والتباين المذهبي كان يجعل مسألة الوحدة مسألة شبه مستحيلة. أما في الأندلس فيكفي أنها كانت تعيش عهد دول الطوائف (٢) .
ومع هذا التفرق والانقسام فقد وقعت معركتان فاصلتان بين المسلمين والنصارى إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب، انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما:
أولاهما: معركة ملازكرد (١) في عام ٤٦٣ هـ انتصر فيها ألب أرسلان السلجوقي على إمبراطور الروم مما أدى إلى انهزام الروم في الأناضول واستيلاء السلاجقة على غالب تلك المنطقة، حتى أصبحت مدينة القسطنطينية مهددة من جانب السلاجقة (٢) .
والأخرى: معركة الزلاقة (٣) التي كانت بين يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين وبين النصارى. وكانت عام ٤٧٩ هـ. وقد كان من نتائج هذه المعركة تأخر إجلاء المسلمين عن الأندلس عدة قرون (٤) .
ولكن مع هذا فإن الضعف والتفرق المحيط بالمسلمين كان قد وصل إلى حالة مؤسفة، بحيث لم تكن مثل تلك المعارك الفاصلة التي انتصر فيها المسلمون بداية لتحركهم وزيادة فتوحاتهم واسترداد ما احتله أعداؤهم من بلادهم أو على الأقل إيقاف الخصوم عند حدودهم. لكن الذى حدث هو العكس تماما فبعد سنوات محدودة تجمعت أوربا الصليبية وسارت بحملات رهيبة إلى داخل العالم الإسلامي ليكونوا فيه دويلات لهم ويحتلوا القدس الشريف، وقد بدأت هذه الحملات عام ٤٩٠ هـ. والذى يلفت الانتباهـ في مسألة نشوء هذه الحملات- ما يذكره ابن الأثير في الكامل من رواية تقول: " إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة
لدولة السلجوقية وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، ودخول أقسيس إلى مصر وحصرها، خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام! لكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين، واللة أعلم"
وقال المؤلف ( ص 88 )
بينما يظهر التعاون بين الباطنية والنصارى في حربهم على الإسلام
وهذه القضية بحاجة إلى إبراز، لأن تعاون الدولة العبيدية الباطنية وتعاون الحركات الباطنية بعد ذلك مع النصارى أمر مشهور. ومما يجدر ملاحظته أن معركة ملازكرد التي أشرنا إليها قبل قليل كان من أهم آثارها وقف تعاون قوي بدت معالمه بين العبيديين والبيزنطين ضد السلاجقة السنيين. أما تعاون الدولة العبيدية مع النصارى- زمن الحروب الصليبية- فأحداث تاريخ تلك الحقبة تحمل حقائق مذهلة، حتى أن صاحب النجوم الزاهرة (ج- ٥ ص ١٤٧) - يأسى لتقاعس صاحب مصر عن مناصرة السلاجقة في مواجهتهم للصليبيين. ولما انشغل السلاجقة في حرب الصليبيين شمال الشام انقض الباطنيون من مصر على بيت المقدس واحتلوه وقد أرسل الأفضل الوزير الفاطمي إلى الصليبيين وهم يحاصرون انطاكية سفارة عرضت التعاون معهم للقضاء على السلاجقة واقتسام الشام بينهم. وما هذه إلا أمثلة، وانظر الحركة الصليبية- عاشور (١/١٩١،٢٢٧) ، وكتاب " الفاطميون والصليبيون (ص: ٥٣) وما بعدها، والحروب الصليبية: سميل (ص: ٨١
ولما احتل النصارى. بيت المقدس أغاروا على ما حوله من المدن الساحلية وغيرها وتكونت لديهم عدة إمارات. أما المسلمون فقد قابلوا هذه الحملات بحركة جهاد عظيمة قادها أبطال عظام، كان لهم في إحياء روح الجهاد بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وبعث الغيرة على دين الله ومحارمهـ ما صار فيما بعد- غرة في جبين تاريخ المسلمين، فقاوم السلاجقة أولا ثم بدأ الجهاد آل زنكى
= فيه المسلمين، وقتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا" وانظر مصادر أخرى افرنجية في الحركة الصليبية (١/٢٣٧-٢٣٨) والعجيب أن افتخار الدولة- حاكم بيت المقدس العبيدى عند احتلال النصارى لهـ خرج هو وجنده وحدهم سالمين- لم يصابوا بأذى- بعد أن أعطاهم الفرنج الأمان! الحركة الصليبية (١/٢٣٦-٢٣٧) .
.....
( ص 90)
وعلى رأسهم عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي وأولاده (١) ليوجهوا إلى الافرنج ضربات موجعة ويسترجعوا بيت المقدس بعد أن بقى في يد النصارى قرابة تسعين عاما
....
( ص 91 )
نحن نعرض لعصر ابن تيمية ما يلي:-
أ- واصل المماليك- الذين حكموا الشام ومصر بعد الأيوبيين- جهادهم ضد النصارى، فالظاهر بيبرس وجه إليهم حملات متتابعة، واستطاع أن يسترجع كثيرا من المدن التي احتلوها، ومنها أنطاكية - تلك المدينة المهمة بالنسبة للأفرنج وكان ذلك سنة ٦٦٦ هـ (٢) . ثم بعد ذلك جاء المنصور قلاوون - الذي عقد سنة ٦٨٠ هـ مع النصارى صلحا ليقطع تحالفهم مع المغول الذين كانت قوتهم وخطرهم شديدا (٣) -، ولكنه لم يمض على هذا الصلح أربع سنوات حتى نقض النصارى الصلح باعتدائهم على قافلة من تجار المسلمين، وهنا هاجم المنصور قلاوون الصليبيين فاستولى سنة ٦٨٤ هـ على حصن المرقب الذي كان " في غاية العلو والحصانة، ولم يطمع أحد من الملوك الماضين في فتحه " (٤) ثم استولى على مدينة طرابلس سنة ٦٨٨ هـ (٥) . وأخيرا جاء عهد ابنه الأشرف خليل الذي تولى تصفية الوجود الصليبى في بلاد الشام، والذى استهل عهده بفتح عكا سنة ٦٩٠ هـ والتي شارك في فتحها كثير من العلماء
....
( ص 92)
والفقهاء (١) ومنهم شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى (٢) - أما بقية معاقل الصليبيين فقد سقطت في أيدي المسلمين دون مقاومة. وبذلك أسدل الستار على قرنين من الزمان عاشتها بلاد الشام في ظل هذه الحروب والمعارك المتلاحقة فعادت بلاد الشام إلى حكم المسلمين.
٢- بقيت قبرص في يد النصارى، وقد كان حكامها من أشد أعوان الصليبيين حيث كانوا يمدونهم بالمؤن والسلاح والرجال. وقد لجأ إليها من فر من النصارى من بلاد الشام- وقد بقيت في أيديهم إلى ما بعد عهد ابن تيمية، ولذلك رأينا شيخ الإسلام يرسل رسالة إلى ملكها يأمره بالرفق في أسارى المسلمين
ظهور التتار (٢) .
اذا كان العالم الاسلامي قد مني بتلك الحملات الصليبية- على بلاد الشام - في أواخر القرن الخامس الهجري [٤٩٠ هـ] ، فإن هذه الحروب لم تكد تنتهي حتى فجع العالم الإسلامي بمصيبة أخرى أشد وأفظع وأعظم خطرا. فقد اكتسح التتار (المغول) العالم الإسلامى من الشرق، وساروا في بلاد الاسلام يقتلون ويأسرون ويحرقون ويدمرون بطريقة همجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. وقد عبر عن ذلك المؤرخون المسلمون، وكان أصدقهم تعبيرا ابن الأثير- صاحب التاريخ- الذي عاصر بداية هجومهم ولم يعاصر سقوط بغداد [فقد توفي سنة ٦٣٠ هـ] فقد قال- عن خروج التتر- في حوادث سنة ٦١٧ هـ: " لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها
فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا " (١) . أما السيوطي فقد نقل قائلا: " هو حديث يأكل الأحاديث وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسى التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة، وفادحة تطبق الأرض وتملؤها ما بين الطول والعرض
( ص 93 )
تنسب الدولة الخوارزمية إلى نوشتكين أحد الأتراك في بلاط ملكشاه السلجوقي، ثم اشتهر ولده محمد الذي عين حاكم على خوارزم ولقب خوارزم شاة، وبدأت هذه الدولة في التوسع، وصار صراع بينها وبين السلاجقة الذين تفرقوا وانهارت دولتهم بمقتل طغرلبك بعد معركة قرب الري سنة ٥٩٠ هـ
حتى إنه لما قتل السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه سنة ٦٢٨ هـ دخل جماعة على الملك الأشرف موسى- صاحب دمشق (٢) فهنأوه بموتهـ لما كان بينهما من العداوة- فقال الأشرف: تهنئوني بموته وتفرحون، سوف ترون غبه، واللة لتكونن هذه الكسرة سببا لدخول التتار إلى بلاد الإسلام. ما كان الخوارزمي إلا مثل السد الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج " (٣) . وكان كما قال، فإنه لما قضى على الدولة الخوارزمية تهيأ التتار لاجتياح بغداد
....
( ص 94)
قضى التتار- بقيادة هولاكو الذي عهد إليه أخوه قيادة الحملة إلى إيران- على الاسماعيلية المتمركزين في حصونهم في إيران وكان ذلك سنة ٦٥٤ هـ، وقد كان هؤلاء الباطنيون يراسلون المغول ويحضونهم على القضاء على الخوارزميين ويدلونهم على عوراتهم. ولكن المغول يعرفون حقيقة هذه الطائفة وفسادها وأساليبها في حرب أعدائها، فلم يعبأوا بتلك العلاقات، بل سارعوا إلى القضاء عليهم حتى لا يكونوا شوكة في ظهورهم وهم سائرون إلى بغداد (٤) . ومما تجدر ملاحظته أن نصير الدين الطوسى كان مقيما عند الاسماعيلية لما هاجمهم هولاكو، لكنه خرج سالما لممالأته له بل أدخله في خدمته واستوزره
.
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الإشاعرة "
تابع
( ص 95-96 )
ما قضى التتار على الدولة الخوارزمية، وعلى الإسماعيلية اتجهوا إلى بغداد. وقد وقعت في سنة ٦٥٥ هـ فتنة مهولة ببغداد بين أهل السنة والرافضة وقتل عدد من الفريقين، ونهب الكرخ- موطن الرافضة وذوي ابن العلقمى- فحنق ابن العلقمي (٢) وزير المستعصم وكاتب التتار وأطمعهم في العراق، وعمل على تهيئة الأجواء فسرح جند الخلافة فلم يبق منهم إلا القليل، وحجب عن الخليفة الرسائل التي ترد إليه من صاحب الموصل وغيره، وبذلك تهيأت الأجواء لهؤلاء التتار، فجاءوا وأحاطوا ببغداد سنة ٦٥٦ هـ فخرج إليهم ابن العلقمى واستوثق لنفسه من هولاكو، فرجع هو ونصير الدين الطوسى- وهما رؤوس الرافضة الخبثاء- إلى بغداد ليكملوا بقية دورهم في تخذيل الناس والخليفة بأساليب خادعة- حتى لا يبقى في وجه التتار مقاومة تذكر، يقول صاحب ذيل مرآة الزمان: " وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي عن دجلة وهو البر الذي فيه مدينة بغداد ودور الخلافة، وضرب سورا على عسكره، وأحاط ببغداد، فحينئذ أشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته، وسأله أن يخرج إليه في تقرير ذلك، فخرج وتوثق منه لنفسه ثم رجع إلى الخليفة وقال له: إنه قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم، لا يؤثر إلا أن يكون الطاعة له، كما كان أجدادك [مع] السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد، وحسن له الخروج إليه
وكان ابن العلقمي
وكان من نيته لما اتصل بالتتار أن يقيم دولة رافضية في بغداد، فلم يتحقق له ما أراد، بل لقى أشد الاهانة من التتار فهلك غما وهما وكمدا في نفس هذا العام ٦٥٦ هـ. انظر الوافي (١/١٨٤) ، وشذرات الذهب (٥/٢٧٢) ، والبداية والنهاية (١٣/ ٢١٢)
قلت
مثل ما فعل الامريكان في وقتنا المعاصر بتسليم العراق الى الرافضة ويحكمها منذ ثلاثين عاما الرافضة
ولابد للفجر ان ينجلي ويبرز الحق وينتصر بإذنه تعالى ولقد طمس الرافضة معالم بغداد ولكن لله يبتلى القوم إلا ان يرجعوا الى كتابه وسنة نبيه "
تابع /
فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة، ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره، فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة " (١) وقتل المستعصم قيل: إنه رفس حتى مات، "وبقى السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما، فأقل ماقيل: قتل فيها ثمانمائة ألف نفس، واكثر ما قيل بلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف، وجرت السيول من الدماء فإنا لله وإنا إليه راجعون" (٢) ولم ينج من بطشهم في بغداد إلا الرافضة وأهل الذمة (٣) ، كا لم ينج من بطش النصارى لما فتحوا بيت المقدس إلا أتباع الدولة الفاطمية وولاتها على بيت المقدس
قلت توضع تحت لم ينج من بطش الكفار إلا
الرافضة
وأهل الذمة
......
وهكذا فضي على الخلافة العباسية، وأصبح العالم الإسلامي بلا خلافة - وكان للأساليب الوحشية التي قام بها التتار في قتل المسلمين آثار نفسية شديدة على بقية المسلمين بحيث أصبح ذكر التتار يثير الرعب في النفوس، وغلب على الناس مقولة: إن التتار لا يغلبون. وسارع الأمراء في الشام كصاحب الموصل وصاحب حلب وكذا سلاطين سلاجقة الروم- إلى إعلان الولاء لهولاكو وتهنئته بفوزه على الخليفة في بغداد (٤) .
د- اتجه المغول بعد ذلك إلى الشام لاحتلاله، وكان يقتسمه النصارى من الفرنج، والأرمن، والأمراء الأيوبيون. وكان أول عمل عمله التتار عقد التحالف مع النصارى في أرمينية وأنطاكيا ضد الأمراء الأيوبيين وضد المماليك فيما بعد (٥) . ثم ساروا إلى الشام والجزيرة فاحتلوا ميافارقين ثم ماردين
كمااحتلوا نصيبين وحران والرها، وفي سنة ٦٥٨هـ هاجموا حلب وقتلوا فيهاخلقا كثيراحتى امتلأت الطرقات بالقتلى وأسروا النساء ونهبوا الأموال. وأحرق النصارى الجامع الكبير فيها (١) ثم في نفس هذه السنة أخذ التتار دمشق، وصار لحلفائهم النصارى صولة وجولة، وتقدموا بالهدايا لهولاكو وعملوا أعمالا منكرة، من ذلك أنهم حملوا الصليب فوق الرؤوس وهم ينادون بشعارهم: ظهر الدين الصحيح دين المسيح ويذمون دين الإسلام وأهله، بل ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب وأهين القضاة والفقهاء لما جاءوا يشكون إلى متسلمها النصراني
...
( ص 96)
ي هذه الأجواء التى عاشها العالم الإسلامي انقرضت دولة الأيوبيين ونشأت دولة المماليك، وكان السلطان وقت سقوط بغداد: المنصور نور الدين على بن المعز أيبك، وكان صبيا صغيرا، فلما ظهر الخطر المغولي خاصة بعد احتلالهم الشام رأى المماليك أن السلطان صبى لا يستطيع تدبير المملكة، ومن ثم أعلن السلطان قطز (٤) سلطانا سنة ٦٥٧ هـ، وقد أرسل هولاكو - قبل رجوعهـ رسالة إلى الملك المظفر ملؤها التهديد والوعيد والغطرسة وفيها يطلب منه
لخضوع لسلطة المغول الذين لا تقف أمام قوتهم وسيوفهم أية قوة- كما يزعم-. وقد عقد السلطان مجلسا استشار فيه الأمراء، وبعد مداولات قرروا أنه لا مفر من الجهاد في سبيل الله ومقاومة التتار، وكان للملك المظفر دور في الخروج بهذه النتيجة، وأعلن الجهاد في سبيل الله في القاهرة وبقية أقاليم مصر، وأخذ يجمع المال اللازم للجهاد (١) . ولما تكامل العسكر طلب من الأمراء الرحيل فتلكأوا. ولكن الملك المظفر قال لهم: " وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين " (٢) . وسار السلطان وقال: أنا ألقى التتار بنفسي فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا معه وسار الجيش إلى غزة ثم تقدم عن طريق الساحل فمر على عكا- وقد أوقع الله الخلف بين المغول والنصارى (٣) - فلم يتعرض النصارى للمسلمين بل استقبلوهم وفرحوا بمقدمهم- وتجمعت الجيوش في عين جالوت (٤) ،
وجرت تلك المعركة المشهورة، التى انتصر فيها المسلمون على التتار انتصارا ساحقا، وهزم التتار شر هزيمة، وقتل قائدهم، وطاردهم المسلمون يقتلونهم في كل مكان إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وفر منهم من كان بدمشق فتبعهم المسلمون يطاردون فلولهم، ودقت بشائر النصر في قلعة دمشق وغيرها وفرح المسلمون فرحا شديدا وكبت الله اليهود والنصارى ومن مالأ التتار من المنافقين. ودخل الملك المظفر قطز دمشق في موكب عظيم ثم أخضع بقية الشام الذي كان بأيدي الأيوبيين، فصفا الشام لحكم المماليك.
(١) كان للعز بن عبد السلام موقف عظيم، إذ أنه عارض أن يجبى شىء من المال من عامة الناس إلا بعد أن يحضر السلطان والأمراء ما عندهم وما عند حريمهم من المال والحلى، وإذا لم تكف جاز أن يقترض من أموال التجار وأن يفرض ضرائب على الرعية. النجوم الزاهرة (٧/٧٢) ، وطبقات السبكى (٨/٢١٥) ، وكتاب العز بن عبد السلام: رضوان الندوى (ص: ٤٩ ا- ١٥١) .
.....
( ص 99-100)
مسألة تأثر التتار واعتناق بعضهم الإسلام تحتاج إلى تفصيل، لأن بعض التتار- من أبناء عم هولاكو- دخلوا في الإسلام قبل معركة عين جالوت ولذلك يمكن توضيح هذا الأمر كما يلي:
أ- قسم جنكزخان مملكته بين أولاده، فكان من نصيب أحدهم وهو جوشى أكبر أبنائه؛ البلاد الواقعة بين نهر أرتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين، وكانت تلك البلاد تسمى القبشان، ويطلق عليها اسم القبيلة الذهبية- نسبة إلى خيام معسكراتها ذات اللون الذهبي- فلما مات جوشى خلفه أحد أولاده الذي تلقب بخان القبائل الذهبية ثم تولى بعده ولده، ثم تولى بعده بركة خان سنة ٦٥٤ هـ (٢) ، وكان بركة هذا مسلما لذلك عمل على نشر الاسلام بين قبيلته وأتباعه، وأظهر شعائر الإسلام واتخذ المدارس وأكرم الفقهاء وكان يميل إلى المسلمين ميلا شديدا. وقد بدا هذا في ظاهرتين:
أولاهما: محاربته لابن عمه هولاكو، خاصة بعد استيلائه على بغداد وقتله
أما دولة المغول الكبرى في إيران وما جاورها والتي منها انطلقت جحافلهم لغزو العراق والشام فقد حدث في عام ٦٨٠ هـ أن أسلم أحد أولاد هولاكو وهو السلطان تكودار بن هولاكو الذي تسمى بعد إسلامه باسم أحمد، فصار اسمه: أحمد بن هولاكو، وقد أعلن إسلامه في منشور أصدره لما جلس على العرش ووجهه إلى أهل بغداد، كما أرسل رسالة إلى السلطان المنصور قلاوون يعلن اهتداءه إلى الإسلام، ويدعو إلى المصالحة ونبذ الحرب، ولم يتخل- كما هو واضح من رسالته هذهـ عن افتخاره واستعلائه على سلطان المماليك، وقد رد عليه السلطان قلاوون، ثم تبودلت الرسائل بينهم، ولكن لم تكن العلاقات بينهم جيدة كما يظهر من صيغة الرسائل المتبادلة. ومما يجدر ذكره أن السلطان أحمد دخل لوحده في الإسلام، ولم يستطع أن يفرضه على أتباعه ولا على أمراء المغول من حوله، فصار دخوله في الإسلام فرديا، وهذا ما يفسر سرعة القضاء عليه وقتله من جانب منافسيه من أمراء المغول الذين تآمروا عليه فقتلوه سنة ٦٨٣ هـ
.....
(ص 102)
في سنة ٦٩٣ هـ تولى محمود قازان عرش المغول، ثم في سنة ٦٩٤هـ دخل في الإسلام، يقول الذهبي عن هذه السنة: " وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه نوروز، ونشر الذهب واللؤلؤ على رأسه، وكان يوما مشهودا، ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصامه، وفشا الإسلام في التتار " (١) ، وقد أعلن غازان الإسلام دينا رسميا للدولة المغولية في إيران، كما غير المغول زيهم فلبسوا العمامة، كما أمر بتدمير الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، والأصنام البوذية، كما أمر أهل الذمة بأن يتميزوا بلباس خاص بهم. وهكذا اختلف إسلام قازان عن إسلام السلطان أحمد بأن إسلامه لم يكن فرديا وإنما حوله إلى دين رسمي للدولة.
لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أله الشام - ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا - كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى بهـ ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين. وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة٧٠٣هـ
عد وفاة قازان تولى من بعده أخوه أولجاتيو، خدابنده، وصار اسمه محمد بن أرغون، وقد تولى عرش المغول سنة ٧٠٣ هـ إلى سنة ٧١٦ هـ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه، فأجيب، وجهزت له الهدية، وأكرم رسوله " (١) .
ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا، فقد اعتنق مذهب الشيعة، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته حتى إنه غير الخطة وأسقط اسم الخلفاء سوى علي - رضي الله عنهـ، وأظهر عداءه للمماليك السنيين، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم، ثم هاجم الشام سنة ٧١٢ هـ (٢) .
ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة وهو ابن المطهر الحلي الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد (٣) ، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة- دعا ابن تيمية-رحمه الله- إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم: " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".
وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات، ثم تولى ابنه أبو سعيد- وهو صغير- الذي لعب كثير ممن حوله به، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي- وفرح الناس بذلك (٤) .
هذه خلاصة تاريخ المغول، وما يتعلق منه بأحوال العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد كانت له جهود عظيمة في صد هذا الخطر الزاحف، كما كانت له مواقف عظيمة منهم.
......
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / " موقف شيخ الاسلام ابن تيمية من الأشاعرة
( ص 104 )
عاصر ابن تيمية دولة المماليك، التي امتدت من سنة ٦٤٨ هـ إلى سنة ٩٢٣ هـ لما سقطت مصر بأيدي العثمانيين.
أما أصل التسمية بالمماليك فالمعروف أن " المملوك عبد يباع ويشترى، غير أن التسمية اقتصرت في معظم الدول المتأخرة على فئة من الرقيق الأبيض يشتريهم الحكام من أسواق النخاسة البيضاء لتكوين فرق عسكرية خاصة في أيام السلم، وإضافتها إلى الجيش أيام الحرب، ثم صار المملوك الأداة الحربية الوحيدة في بعض الدول مثل دولة المماليك في مصر والشام
....
( ض 105)
وقد عاصر ابن تيمية سلطنة عدد من المماليك بلغوا عشرة خلال فترة حياته وقد برز منهم أربعة:
الأول: الظاهر ركن الدين بيبرس [٦٥٨-٦٧٦ هـ] الذي تولى بعد وقعة عين جالوت وقتله للملك المظفر قطز، وتعتبر ولايته البداية الحقيقية لسلطة المماليك كحكام قاموا وعملوا على صد المغول ومقاومة الصليبيين عن بلاد الشام ومصر. وقد تميز عهده بمايلي:
أ- مقاومة وصد العدوان المغولي على الشام.
٢- مقاومة وحرب الصليبيين في بلاد الشام وتطهير بعض المدن من رجسهم-كما تقدم-.
٣- إعادة وإحياء الخلافة العباسية في مصر سنة ٦٥٩ هـ.
٤- وفي ما يتعلق بالقضاء تميز عصره ببداية تولية أربعة قضاة للمذاهب الأربعة (٣) بدل قاض واحد كما كان في السابق، وكان ذلك سنة ٦٦٣ هـ
...
ومن الأمور الجليلة التي عملها الظاهر بيبرس، القضاء على الاسماعيلية في بلاد الشام، واحتلال حصونهم حصنا بعد آخر من سنة ٦٦٨ هـ إلى سنة ٦٧١ هـ (٥) .
الثاني: المنصور سيف الدين قلاوون، وهو أول السلاطين من أسرة قلاوون التي حكمت فترة طويلة، وقد استمر حكم المنصور من سنة ٦٧٨ هـ إلى سنة ٦٨٩ هـ.
.....
( ص 107)
ومما يلاحظ أن محن ابن تيمية جاءت في عهد الناصر، مع وجود فترات تقوى صلة الناصر بابن تيمية ويتبنى آراءه ويستجيب لمطالبه خاصة ما يتعلق منها بالجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الموقف من أهل الذمة.
وقد تميز عهد الناصر بما يلي:
١- مقاومة التتار الذين هجموا على بلاد الشام، وعاثوا فيه فسادا مع أنهم يعلنون الاسلام وينتسبون إليه.
٢- مقاومة الرافضة في بلاد الشام أيضا.
٣- العناية بالمنشآت
.....
( ص 112 )
وقد انتشر في عهد المماليك دفع الرشوة أو البرطلة، للوصول إلى المناصب، ولذلك أحيانا تصدر الأوامر بأن لا يولى أحد بمال ولا رشوة لأن ذاك يفضى إلى ولاية من لا يستحق
انظر: االبداية والنهاية (١٤/٦٦) ، ويذكر ابن كثير أن سبب صدور هذا الأمر ابن تيمية -رحمه الله-. وانظر كتاب: البذل والبرطلة زمن سلاطين المماليك (ص!: ٢٥) وما بعدها.
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع
( ص 115)
خامسا: الباطنية والرافضة]
تعتبر الحركات الباطنية من أخطر الحركات في تاريخ العالم الإسلامى، وكذلك الرافضة، والطائفتان متداخلتان في المنهج والاعتقاد والموقف من أهل السنة، ولا عجب، إذ كلها قائمة على مبدأ التشيع ومنطلقة منه، وإن كان التطور في بعضها قد يصل إلى الغلو أو الإباحة كما حدث للإسماعيلية والقرامطة، إلا أن القاسم المشترك بينها هو دعوى موالاة أهل البيت والقيام بالواجب نحوهم، واستخلاص حقوقهم المغتصبة- من الإمامة وغيرها- من أعدائهم.
وهذه الحركات لا تزال- حتى الآن- تقوم بدور خطير في عالمنا الاسلامى وتحظى- كما يحظى من يتبناها من دول وغيرها- بدعم كبير من اليهود والنصارى والملاحدة- من شيوعيين ولا دينيين-؛ إذ أدرك أعداء الإسلام أن حرب المسلمين- ويقصد أهل السنة- لا تتم إلا بإحياء الطائفية بينهم ودعم تلك الفرق والحركات المناهضة للإسلام الحق.
.....
( ص 117 )
ونوجز الكلام حول هذه الحركات بمايلي:
أولا: برز التشيع كظاهرة في وقت مبكر، في عهد علي بن أبي طالب - رضى الله عنهـ بل قبله بقليل حين ظهرت السبئية- أتباع عبد اللة بن سبأ - وكان التشيع في عمومه قد بدا معتدلا إلا أنه في هذه الظواهر بدا غاليا أشد ما يكون الغلو، وليسى تأليه علي بن أبى طالب الذي قال به أناس في عهده إلا نواة لتلك الحركات الباطنية التي أخذت أشكالا مختلفة في الظاهر، وهي متفقة في الحقيقة والباطن.
أما ما قد يتبادر إلى الذهن من تفاوت بينها اعتدالا وغلوا فليس هذا إلا أمر عارض ينشأ في بعض الأحوال حسب ما يقتضيه مبدأ التقية، أو التدرج في المدعوين أو حين التطيق العملى لمبادئهم، إضافة إلى مبدأ السرية والعلنية في عقائدهم التى يجعلون جزءا مهما منها يبقى تحت دائرة الكتمان إلا عن القلة القليلة من أكابرهم وعلمائهم، ولذلك صدقت فيهم مقولة أبي حامد الغزالي: " إنه مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم " (١) .
ثانيا: حدثت انقسامات داخل هذه المذاهب الرافضية الباطنية:
ومنها: الانقسام الذي وقع حول من يكون الإمام بعد جعفر الصادق -رحمه الله-.
فطائفة: قالت: الإمام بعده ابنه موسى واستمرت الإمامة بعده إلى الإمام الثاني عشر- المهدي المنتظر عندهم- وهؤلاء هم الرافضة الموسوية، الجعفرية، الاثنى عشرية، ومن يطلع على عقائدهم ومذاهبهم يرى أنه لا يمكن أن يكونوا طائفة معتدلة بحال من الأحوال، إلا حال التقية
وطائفة: قالت: الإمام بعده أى- بعد جعفر الصادق- ابنه إسماعيل- الذي مات في عهد أبيهـ وهؤلاء هم طائفة الإسماعيلية التي انبثقت منها حركة القرامطة، والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، والإسماعيلية في بلاد فارس وغيرها.
ومنها:- أى من الانقسامات التي حدثت- ما حدث سنة ٤٨٧ هـ- لما مات الخليفة المستنصر باللهـ الفاطمى العبيدى- فقد افترقت الإسماعيلة إلى فرقتين:
إحداهما: قالت بأن الإمام بعده ولده نزار، وأن المستنصر نص على ذلك قبل وفاته، و" الإسماعيلية"، وملاحدة العجم وملاحدة الشام تعتقد إمامته، وتزعم أن المستنصر كان قد عهد اليه وكتب اسمه على الدينار والطرز، وأن المستنصر قال للحسن بن صباح: إنه الخليفة من بعده" (١) وهؤلاء ينكرون إمامة المستعلى الذكط تولى الخلافة- بعد أبيهـ ويرون أن خلافته ومن بعده باطلة.
والأخرى: المستعلية، يرون صحة إمامة المستعلي ومن قام بعده من الخلفاء بمصر، وبسبب ذلك حدثت فتن بين الطائفتين (٢) .
ثالثا: لم تكن هذه الحركات الباطنية بعيدة عن الأحداث- خلال تاريخنا الإسلامي- وإنما أخذت تعمل سرا لنشر أفكارها، وتكوين أتباع لها- وذلك خوفا من الخلافة العباسية السنية- وكان بداية ذلك لما ظهرت حماعة من الملاحدة يتزعمهم رجل فارسي مجوسى اسمه: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، وكان قد تظاهر بالإسلام والتشيع، ثم قبض عليه مع جماعة من أصحابه وسجنوا في الكوفة أواخر عهد المنصور العباسى سنة ١٤٥ هـ. وفي السجن بدأوا وضع مذهبهم وأسس دعوتهم ثم ظهرت على أثر ذلك حركتان كان لهما دور في التاريخ الإسلامى، إحداهما: ظهور القرامطة، والأخرى: قيام الدولة الفاطمية.
.....
( ص 120)
جاء عهد المماليك واصلوا حربهم للصليبيين والباطنيين وخاصة بعد القضاء على حصونهم في بلاد فارس الذي تم على يد هولاكو. فالظاهر بيبرس قضى عليهم- حصنا بعد الآخر- سنة ٦٧٠ هـ، وكانوا قبل ذلك يدفعون له الجزية وكان مسيطرا عليهم يعزل وينصب من يريد من زعمائهم، يقول المقريزي في حوادث سنة ٦٧١ هـ " وفي ثاني عشر ذي الحجة استولى السلطان على بقية حصون الدعوة الاسماعيلية وهي المينقة والقدموس والكهف، وأقيمت هناك الجمعة وترضى عن الصحابة بها، وعفيت المنكرات منها، وأظهرت شرائع الإسلام وشعائره " (١) .
لكن هل انتهى دور الباطنين في بلاد الشام (٢) بالقضاء على الاسماعيلية (٣) ؟
لقد بقى من طوائفهم طائفتان كان لهم نفوذ في ذلك الوقت، واستمر نفوذهم في بلاد الشام إلى العصر الحاضر. وهما:
أ- النصيرية:
وهؤلاء سموا بذلك نسبة إلى محمد بن نصير النميرى (٤) الذي عاش في القرن الثالث زمن الأئمة الثلاثة الأخيرين من أئمة الشيعة الاثنى عشرية، وزعم أنه الباب للإمام الحادي عشر " الحسن العسكري " وأنكر إمامة المهدي الثاني عشر، وبذلك انفصل عن الاثنى عشرية، وللنصيرية عقائد غالية مشهورة أهمها تأليه علي ابن أبي طالب- رضي الله عنهـ وفي عهد المما ليك كانوا يسكنون السواحل الشامية، وبعض الجبال في الكسروان وغيره، وكانوا موالين أتم الموالاة للنصارى وللتتار، وقد حرص الظاهر بيبرس على القضاء عليهم عن طريق إلزامهم ببناء المساجد
المطلع على رحلة ابن بطوطة (١/٩٣) ، حين زار الشام سنة ٧٢٧ هـ يرى أنه يشير إلى قلاع الإسماعيلية والفداوية ويقول أنهم سهام الناصر قلاوون يصيب بهم أعداءه وعلى هذا الأساس يكرن الظاهر إنما قضى عليهم سياسيا، بحيث لم يصبع لهم دور مستقل
.....
( ص 121 )
هم طائفة يقولون بتأليه الحاكم بأمر الله الفاطمي والتناسخ والحلول. وكان أول من دعا إلى ذلك سنة ٤٠٨ هـ حمزة بن علي بن أحمد الزوزني، وفي نفس الوقت ظهر عدة دعاة على شاكلته منهم: حسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم، ومحمد بن إسماعيل الروزي، وفي سنة ٤١١ هـ قتل الحاكم بأمر الله - ويزعم الدروز أنه اختفى- فانتقلت هذه الطائفة إلى مناطق أخرى في بلاد الشام، أما في مصر فلم يبق لهم بعد هلاك الحاكم وجود حقيقى (٣) . وقد استجاب لهذه الدعوة من القبائل العربية في الشام: بنو تنوخ وآل بحتر، وآل أرسلان، وبعد اعتناقهم لهذا المذهب الباطني تحركوا في سنة ٤٢٣ هـ إلى جبل السماق، وجاهروا بمذهبهم وأخربوا المساجد، واعتدوا على المسلمين المجاورين، وكثر شرهم، ولكن أهل أنطاكية خافوا من تفاقم أمرهم، فجاءوهم وتلطفوا لهم حتى قبضوا على دعاتهم وأكابرهم وقتلوهم جميعا
.....
( ص 121 )
وكان الدروز متوزعين في أماكن متفرقة من لبنان، ولذلك فقد انضم جزء منهم- من التنوخيين- إلى موالاة المماليك، وصاروا ينخرطون في جنود الحلقة (٢) - الذين كانوا فرسانا يأتمرون بأمر السلطان دون أن يكونوا ملكا لهـ وعلى الرغم من سجن ثلاثة من زعمائهم في القاهرة فقد ردت إليهم إقطاعاتهم وصاروا مسؤولين عن الحفاظ على منطقة غرب بيروت (٣) .
والعجيب أنه حين هاجم جيش السلطان الناصر قلاوون سنة ٧٠٥ هـ جبل الكسروان- وكان يسكنه النصيرية والرافضة والدروز- كان من ضمن الجيش الذي هاجمهم: التنوخيون الدروز مما أثار جدلا بين بعض الباحثين (٤) .
ج-- إن الرافضة الاثنى عشرية كانت لهم بعض الأدوار الإفسادية ولذلك تحدث عنهم ابن تيمية حينما ذكر غزوه لجبل الكسروان وهذا الجبل كانت تسكنه طوائف مختلفة من النصيرية والدروز والشيعة وأصحاب العقائد الفاسدة- ففي سنة ٧٠٤ هـ ذهب إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية ومعه نقيب الأشراف زين الدين ابن عدنان وألزموهم شرائع الإسلام، واستتابوا خلقا منهم، كما ذهب إليهم ومعه الأمير قراقوش المنصور وألزموهم بالطاعة وأن يصلحوا ما بينهم وبين التنوخين،
ذكر المقريزى في السلوك (١/٩٠٢ - ٩٠٣) ، وابن تيمية كما في رسالته إلى السلطان الناصر - العقود الدرية (ص: ١٩٣) أن الحملة على أهل كسروان كانت حملة على الدروز- حساهم ابن تيمية الحاكمية- فإذا علم أن الجيش الذي قاتلهم فيه مئات من التنوخية الدروز فكيف يتم هذا؟ كمال الصليبي- وهو ماروني- أنكر ذلك- كا أنه دافع عن الذين كانوا في الجبل. وقد رد عليه زكي النقاش في كتابه: أضواء توضيحية على تاريخ المارونية (ص: ٤٦- ٥٠) ، و (ص: ٦٣) وما بعدها. كما رد عليه صاحب كتاب التنوخيون (ص: ١٣٠) - ومؤلفه درزي.
....
( ص 123 )
يقول ابن كثير في حوادث سنة ٧٠٥ هـ: " وفي ثانيه [أي المحرم] خرج نائب السلطة بمن بقى من الجيوش الشامية، وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم (٢) ، فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة، فخرج نائب السلطنة بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم، فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا كثيرا منهم، ومن فرقتهم الضالة ووطئوا أراضى كثيرة من صنع بلادهم، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش، وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير، وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة، وقد امتلأت قلوب أعدائه حسدا له وغما (٣) .
ويقول ابن تيمية بعد هذا النصر المبين عليهم- في كتابه إلى السلطان الناصر قلاوون في مصر- وقد ذكر بعد المقدمات شيئا من عقائدهم: " فأعان الله ويسر بحسن نية السلطان وهمته في إقامة شرائع الاسلام، وعنايته بجهاد المارقين أن غزوا غزوة شرعية كما أمر الله ورسوله، بعد أن كشفت أحوالهم، وأزيحت عللهم، وأزيلت شبههم، وبذل لهم من العدل والإنصاف ما لم يكونوا يطمعون به، وبين لهم أن غزوهم اقتداء بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضى الله عنهـ في قتال الحرورية المارقين الذين تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بقتالهم ... " (٤) . ثم ذكر السبب في أخذ أموالهم وأنه كونهم خارجين عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنته، ثم ذكر أنهم شر من التتار من وجوه متعددة، لكن التتر أظهر وأقوى
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / ملخص كتاب
" موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة "
.....
( ص 126)
وإذا وجد من الدول من حكم بعض بلاد المسلمين وفرض عقائد وسن شرائع مخالفة للاسلام وفرضها عليهم، فهؤلاء خارجون عن الإسلام، وذلك كالدولة الفاطمية التي قال عنها ابن تيمية:
فإن القاهرة بقي ولاة أمورها نحو مائتي سنة على غير شريعة الإسلام، وكانوا يظهرون أنهم رافضة، وهم في الباطن إساعيلية ونصيرية وقرامطة باطنية، كما قال فيهم الغزالي-رحمه الله- تعالى- في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم " ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض ". واتفق طوائف المسلمين: علماؤهم وملوكهم وعامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أنهم كانوا خارجين عن شريعة الإسلام، وأن قتالهم كان جائزا، بل نصوا على أن نسبهم كان باطلا.... والذين يوجدون في بلاد الإسلام من الاسماعيلية والنصيرية والدرزية وأمثالهم من أتباعهم، وهم الذين أعانوا التتر على قتال المسلمين (١) ، وكان وزير هو! والنصير الطوسى من أئمتهم
من العجيب- وابن تيمية يشير إلى تعاون الرافضة مع التتر- أن من نصوص قانون التتار الياسق الذي ذكرهـ أو بعضهـ المقريزي في خططه نصا يأمر بتمييز ولد علي بن أبي طالب- رضي الله عنهـ وأن لا يكون عليهم كلفة ولا مؤنة: يقول: " وشرط أن لا يكون على أحد من ولد علي ابن أبي طالب- رضى الله عنهـ مؤنة ولا كلفة
......
( ض 128)
وقد نقل القلقشندى (٢) عن علاء الدين الجويني (٣) - الذى كان أحد خواص كتبة أرغون زعيم التتار وكان هجوم هولاكو على بغداد في عهدهـ أنه قال: " ومن عادة بني جنكزخان؛ أن كل من انتحل منهم مذهبا لم ينكره الآخر عليه " (٤) ، ثم ذكر القلقشندي الياسة فقال: " ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجرى على منهاج ياسة التي قررها، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه، رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته " (٥) ،
ويقول ابن كثير " وأما كتابه الياسة فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويحمل على بعير عندهم
هذه أحوال التتار وأنظمتهم لما هاجموا العالم الاسلامي، ولكن حدث لهم تطور- أشرنا إليه عند الحديث عنهم-، وذلك بدخولهم في الإسلام، وإعلان زعيمهم قازان الإسلام، ودخل كثير من التتار الإسلام. ولكن صاحب إسلام هؤلاء التتر عدة أمور- مخالفة لما يجب أن يكون عليه المسلم- ومنها:
أ- مهاحمتهم لبلاد المسلمين ف! الشام وغيره، ومقاتلتهم ونهب أموالهم وغير ذلك من الفساد.
( ص 129)
تعطل بعض شرائع الإسلام، مثل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والكف عن دماء المسلمين، وضرب الجزية على اليهود والنصارى، وغير ذلك.
د- إقرار المنكرات، مثل أماكن الخمور والزنا، والسماح للنصارى بتعليق الصلبان، كما حدث في بيت المقدس والخليل زمن التتار.
ولكنهم مع هذا يعلنون إسلامهم وإقرارهم بالشهادتين، بل ويزعم قازان في رسائله إلى السلطان الناصر قلاوون أنهم كلهم أهل ملة واحدة، شرفهم الله بدين الإسلام وأنه دافع عن أهل ماردين الذين هاجمهم بعض جنود المماليك، وأنه إنما يقاتلهم لما أخذته الحمية الإسلامية، وفي مرسوم آخر أصدره لما احتل دمشق يتهم فيه حكام مصر والشام بأنهم خارجون عن طريق الدين، غير متمسكين بأحكام الإسلام
مام هذه الأوضاع والدعاوي، ومع نشوب الحرب بين أهل الشام والتتار وقع الناس في حيرة من هذه المسألة، كيف يقاتلون التتر وهم يدعون الإسلام، ويعلنون الشهادتين؟، ولم تقتصر هذه الحيرة على عامة الناس، بل إن العلماء والفقهاء أيضا وقعوا في حيرة، واحتاج الأمر إلى وضوح الحكم في هذه المسألة الواقعية، وبيان الحق فيها، حتى يسير الناس وهم على الهدى، فكان ممن انتدب، وندب نفسه لبيانها شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- تعالى- وجاء ذلك على محورين:
محور علمي: يبين حكم هؤلاء التتار، وقد وردت عدة أسئلة وجهت إلى ابن تيمية حول هؤلاء الذين يعلنون الشهادتين، ويقتلون المسلمين، ويسبون بعض ذراري المسلمين ويهتكون حرمات الدين من إذلال المسلمين، وإهانة المساجد لاسيما بيت المقدس.... وادعوا مع ذلك تحريم قتال مقاتلهم
( ص 130-131)
ما زعموا من اتباع أصل الإسلام فهل يجوز قتالهم؟ وفي سؤال آخر إضافة إلى ما سبق: وما حكم من يكون من عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والفقر والتصوف ونحو ذلك؟ ومايقال فيمن زعم أنهم مسلمون، والمقاتلون لهم مسلمون، وكلاهما ظا لم فلا يقاتل مع أحدهما.... أفتونا في ذلك بأجوبة مبسوطة شافية، فإن أمرهم قد أشكل على كثير من المسلمين، بل على أكثرهم، تارة لعدم العلم بأحوالهم، وتارة لعدم العلم بحكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في مثلهم، وفي سؤال آخر: سئل عن أجناد يمتنعون عن قتال التتار، ويقولون: إن فيهم من يخرج مكرها معهم، وإذا هرب أحدهم هل يتبع أم لا؟ وفي سؤال سئل عن أموالهم هل أخذها حلال أو حرام؟.
وقد أجاب ابن تيمية عن هذه الأسئلة بأجوبة واضحة كل الوضوح، وبناها على قاعدة في الفتوى عزيزة، لازمة لكل من يتصدى للفتوى- خاصة في المسائل المستجدة- فقال في أحد الأجوبة: " نعم، يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق أئمة المسلمين، وهذا مبني على أصلين:
أحدهما: المعرفة بحالهم.
والثاني: معرفة حكم الله في مثلهم.
فأما الأول: فكل من باشر القوم يعلم حالهم، ومن لم يباشرهم يعلم ذلك بما بلغه من الأخبار المتواترة وأخبار الصادقين، ونحن نذكر جل أمورهم بعد أن نبين الأصل الآخر الذي يختص بمعرفته أهل العلم بالشريعة الإسلامية فنقول: كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت في الشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة،
وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وكذلك إن أظهروا البدع الخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها: مثل أن يظهروا الالحاد في أسماء الله وآياته، أو التكذيب بأحماء الله وصفاته، أو التكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، أو الطعن في السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا في طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام، وأمثال هذه الأمور.... " (١) ، ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وفعل الصحابة مع المرتدين والخوارج وغيرهم، ثم قال: " وأما الأصل الآخر وهو معرفة أحوالهم [أي التتار] فقد علم أن هؤلاء القوم جازوا على الشام في المرة الأولى عام تسعة وتسعين [بعد الستمائة] وأعطوا الناس الأمان وقرأوه على المنبر بدمشق، ومع هذا فقد سبوا من ذراري المسلمين ما يقال: إنه مئة ألف أو يزيد عليه وفعلوا ببيت المقدس وبجبل الصالحية ونابلس وحمص وداريا وغير ذلك من القتل والسبي ما لا يعلمه إلا الله، حتى يقال: إنهم سبوا من المسلمين قريبا من مئة ألف، وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين في المساجد وغيرها، كالمسجد الأقصى والأموي وغيره، وجعلوا الجامع الذي العقبه دكا؛ وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون ولم نر في معسكرهم مؤذنا ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله.... وهم يقاتلون على ملك جنكزخان، فمن دخل في طاعتهم جعلوه ولما لهم، وإن كان كافرا، ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين، ولا يقاتلون على الاسلام ولا يضعون الجزية والصغار " (٢) ،
ثم بين كيف أنهم يعظمون جنكزخان ويقرنونه بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقدسون تعاليمه، ثم قال: " ومعلوم بالاضطرار من دين الاسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام،
( مجموع الفتااوى 28/510-515)
....
( ص 133)
أما المحور الثاني فهو: المحور العملي، وذلك بالحض على جهاد هؤلاء التتار وإعلان جهادهم، حتى انه ذهب من الشام إلى مصر ليلتقى بالسلطان ومن حوله من الأمراء والوزراء ليحضهم على جهادهم، وجمع الجيوش لقتالهم، وكان لابن تيمية في هذا الجهاد والإعداد له، وقيادة بعض فصائله ما هو مشهور ومسطور وقد أشار إلى هذه المسألة- مسألة شبهة مقاتلة التتار مع ادعائهم الاسلام- ابن كثير-رحمه الله- وهو يعرض لبعض وقائعهم، فقال عن وقعة " شقحب ": " وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو؟ فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه "، فقال الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] : " هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما. وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصى والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسى مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد " (٣) ، وابن كثير يقول لما ذكر الياسة وبعض أحكامه، " وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحام إلى الياسة وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإحماع المسلمين "
....
( ص 134 )
وقد وجد في هذا العصر من كانت له مواقف مشهودة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالإمام النووي [توفي سنة ٦٧٦ هـ] الذي كتب إلى السلطان الظاهر بيبرس من ضمن ما كنب يقول- في جواب على جواب السلطان الذي يحمل التوبيخ والتهديد-: " وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعنى ذلك من نصيحة السلطان فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى.... "
.....
( ص 138-139)
وكان من أبرز المراسيم الصارمة الصادرة في حق أهل الذمة المرسوم الصادر سنة ٧٠٠هـ - في عهد السلطان قلاوون - بالزامهم بأحكام أهل الذمة من لباس ومركوب، وعدم استخدامهم في الوظائف الديوانية، وكان لنائب السلطان: الجاشنكير دور كبير في ذلك (٢) .
وفي سنة ٧٠٩هـ لما عاد السلطان محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة، وأمر بإطلاق ابن تيمية - من السجن - وقدمه - فلما جلس ومعه العلماء والقضاة عرض الوزير (٣) على السلطان أن أهل الذمة قد عرضوا أن يدفعوا للديوان سبعمائة ألف في كل سنة زيادة على الحالية، على أن يعودوا إلى لبس العمائم البيض - كالمسلمين - فاستشار السلطان العلماء " فقال لهم: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلم احد، فجثى الشيخ تقي الدين على ركبتيه، وتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا، وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويسكنه بترفق وتؤدة وتوقير، وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله ولا بقريب منه، وبالغ في التشنيع
لى من يوافق فى ذلك، وقال للسلطان: حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك وكبت عدوك ونصرك على أعدائك " (١) ، ولما كان للجاشنكير- الذي كان نائبا لقلاوون ثم اغتصب السلطة منه وتولى بدلهـ دور في صدور قرار إلزام أهل الذمة بشروط عمر- رضى الله عنهـ سنة ٧٠٠ هـ قال السلطان قلاوون لابن تيمية لما كلمه بما سبق: إن الجاشنكير هو الذي جدد عليهم ذلك- والجاشنكير كما أنه آذى السلطان وعزله وتولى بدله فقد آذى ابن تيمية أذى شديدا وسجنهـ لكن ابن تيمية لم ينظر إلى الأمر من هذه الزاوية وإنما قال للسلطان: " والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبا لك، فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك " (٢) . وقد وقعت الفتن بين المسلمين والنصارى الذين ضايقهم هدم بعض كنائسهم مما تسببوا في إشعال الحرائق في القاهرة سنة ٧٠٢ هـ، وسنة ٧٢١ هـ (٣) .
ويبدو أن مثل القضايا في مصر والشام كانت سببا في ظهور المناقشات العلمية حول أحكام أهل الذمة، وكيف يعاملون؟، وحكم كنائسهم التي كانت موجودة عند الفتح الإسلامي لمصر والشام، وحكم الكنائس التى أحدثت في أمصار المسلمين ومنها- القاهرة- التي بنيت بعد الفتح الإسلامى بقرون، وقد أجاب العلماء على مثل هذه الأسئلة: ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أجاب بعدة فتاوى حول أهل الذمة وإلزامهم الشروط العمرية، وحكم كنائسهم وهدمها، وقد بين ذلك بكل قوة ووضوح حتى قال، وهو يعرض لحكم سبهم للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -: " وهنا (٤) الشروط على أهل الذمة حق لله، لا يجوز للسلطان ولا لغيره أن يأخذ منهم الجزية ويعاهدهم على المقام بدار الإسلام
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب موقف شيخ الاسلام من الاشاعرة
( ص 140 )
جاء عهد المماليك وكثير من هذه المشاهد والأضرحة موجودة، قبور بني عبيد، وقبر الشافعي، وقبر الحسن- الذي بناه بنو عبيد- وغيرها، فلم يحرك السلاطين ساكنا، بل الأمر على العكس أخذوا يبنون لأنفسهم ولأقاربهم الأضرحة والقبب وتفننوا فيها بحيث جعلوا عليها مساجد ومدارس، يأتيها العلماء وطلاب العلم وتلقى فيها الدروس المنتظمة، وأوقفوا عليها الأوقاف الكثيرة، فالظاهر بيبرس [توفي سنة ٦٧٦ هـ] بنى على قبر أبى عبيدة- رضى الله عنه - مشهدا، وجدد قبة الخليل عليه السلام، كما وسع مشهد جعفر الطيار، وعمر تربة لزوجته (٢) ، والمنصور قلاوون- ت ٦٨٩ هـ- بنى في سنة ٦٨٣ هـ تربة على قبر والدة السلطان الملك الصالح بن المنصور قلاوون (٣) .
أما أشهر المدارس فهى المدرسة المنصورية، وقد وضع فيها قبة سميت القبة المنصورية وفيها قبر المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد، وهي من أكبر القباب وأشهرها، وصارت معظمة عند المماليك إلى حد أن السلطان إذا أمر أحدا
من أمراء الشام أو مصر، فإن الأمير الجديد ينزل من قلعة الجبل إلى القبة المنصورية ثم يحلف عند القبر المذكور ويحضر تحليفه صاحب الحجاب (١) . وتليها المدرسة الناصرية التى بناها الناصر قلاوون وبنى فيها قبة دفن والدته وأحد أولاده (٢) . ولما انتصر قلاوون سنة ٧٠٢ هـ في وقعة شقحب وقدم إلى مصر كان أول عمل عمله أن زار قبر والدهـ في ضريحهـ والقراء يقرؤون القرآن عند القبر (٣) .
أما على المستوى العام فقد انتشر عند الناس تعظيم القبور والسفر لزيارتها، كما شاع عندهم تعظيم بعض الأماكن التي تنسب- كذبا- إلى نبي أو ولي، ففي دمشق كانت هناك صخرة عند مسجد التاريخ يعظمها الناس ويقبلونها، ويزعمون أن فيها أثر قدم النبى - صلى الله عليه وسلم -، كما كان هناك عند الباب الصغير العمود الخلق يتبرك به الناس وقد هدمهما ابن تيمية-رحمه الله- تعالى- (٤) .
أما موقف أكثر العلماء من هذه الشركيات فكان أحسن أحواله السكوت عنها - خاصة وأن كثيرا ممن تولى القضاء كانوا يميلون إلى التصوف- ويرون السفر لزيارة القبور، وهؤلاء هم الذين وقفوا ضد فتاوى ورسائل ابن تيمية حول هذه المسائل حتى سجن ومات فيه.
أما موقف ابن تيمية من هذه الشركيات فقد كان موقفا عظيما، وقد قام على ثلاثة محاور:
الأول: بيان حقيقة هذه المشاهد، وأن الكثير منها كذب، وليست قبورا لمن نسبت إليه
.......
( ص 143 )
ما التصوف فيعتبر هذا العصر- القرن السابع والثامن- العصر الذهبي له، ولعل الضعف والتفرق الذي أصاب العالم الاسلامي قبل ذلك، والحروب الصليبية التى صدمت المسلمين نفسيا قبل أن تصدمهم عسكريا، كانت من أسباب انتشاره في هذا العصر.
والتطور الذي حدث للتصوف في هذا العصر تطور خطير، إذ أنه تحول من تصوف فردى في الغالب يقوم على جهود الأفراد واتباعهم الى تصوف منظم، له مدارسه التي يينيها الحكام وغرهم وتهيأ لهذه المدارس والأماكن كل ما يحتاجه ساكنو هذه المدارس ومرتادوها، ولأ تنقطع بموت الشيخ أو الصوفي وإنما يتوارثها من بعده ممن اشتهروا وزعم الناس فيهم الولاية وشاعت لهم الكرامة.
وقد برز التصوف من خلال ممايلي:
أ- بناء الخوانق والربط والزوايا (٢) ،
وقد انتشرت انتشارا عظيما في عصر الأيوبيين والمماليك، ومن المحزن حقا ما ذكره بعض الكتاب من أن أول خانقاه بنيت في الشام كانت برملة بيت المقدس بناها أمير النصارى حين استولى
....
( ص 144 )
عاش في هذا العصر طائفة من كبار الصوفية الذين كان لهم أتباع ومريدون ولا شك أن وجود هؤلاء في أماكن مختلفة يؤدي إلى أن يصبح التصوف ظاهرة اجتماعية حيثما حل الإنسان في بلد يجد هذه الفئات المتزهدة المظهرة للفقر والحاجة، ومن أهم رجال التصوف المشهورين في هذا العصر:
١ - ابن عربي محيي الدين محمد بن علي بن محمد، توفي سنة ٦٣٨هـ.
٢ - ابن الفارض، عمر بن علي بن مرشد الحموي، توفي سنة ٦٣٢هـ.
٣ - أبو الحسن الشاذلي، علي بن عبد الله بن عبد الجبار، توفي سنة٦٥٦هـ.
٤ - أبو القاسم بن منصور بن يحيى المالكي الأسكندري المعروف بالقباري، توفي سنة ٦٦٢هـ.
٥ - خضر بن أبي بكر المهراني، كان الظاهر بيبرس يعتقد فيه ويخضع له، توفي سنة ٦٧٦هـ.
٦- أحمد البدوي، أحمد بن علي بن إبراهيم القدسي الملثم، توفي سنة٦٧٥هـ
٧- التلمساني المرسي، محمد بن موسى بن النعمان، توفي سنة ٦٨٦هـ.
.....
لقد كان لشيخ الإسلام ابن تيمية مع كثير من هؤلاء وأتباعهم صولات وجولات فبين الحق في هذه الأمور وفضح أصحابها وبين المداخل الشيطانية لهؤلاء، ووضع أصولا للفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. وقد حكى في مناسبات كثيرة من كتبه قصصا شاهدها أو رواها له الثقات عن كثير ممن يدعي أو يدعى له الولاية والكرامة وبين كيف تجيء الشياطين وتصنع هذه الأمور الخارقة فيظن من شاهدها أو وقعت له أنها كرامة وليست كذلك.
فمما ذكره وقد سئل عن الحلاج- المقتول على الكفر والزندقة سنة ٣٠٩ هـ- فبين حاله وأحواله الشيطانية ثم قال: " ومثل هذا يحدث كثيرا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونحن نعرف كثيرا من هؤلاء في زماننا وغير زماننا مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجىء من الهواء إلى طاقة البيت الذي فيه الناس فيدخل وهم يرونه،
....
( 145-146)
ويجئ بالليل إلى باب الصغير [أحد أبواب دمشق] فيعبر منه هو ورفيقه، وهو من أفجر الناس. وآخر كان بالشويك (١) من قرية يقال لها الشاهدة يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطانه يحمله وكان يقطع الطريق، وأكثرهم شيوخ الشر ... وشيخ آخر أخبرني نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط بالصبيان الذين يقال لهم الحوارات، وكان يقول يأتيني كلب أسود بين عيينه نكتتان بيضاوان فيقول لي: فلان ابن فلان نذر لك نذرا وغدا نأتيك به ... فلما تاب هذا الشيخ وصار يصلي ويصوم ويجتنب المحارم ذهب الكلب الأسود ... وشيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس فيأتي أهل ذلك المصروع إلى الشيخ يطلبون منه إبراءه، فيرسل إلى أتباعه فيفارقون ذلك المصروع، ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحيانا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس.... وآخر كان مشتغلا بالعلم والقراءة فجاءته الشياطين أغوته وقالوا له: نحن نسقط عنك الصلاة ونحضر لك ما تريد، فكانوا يأتونه بالحلوى والفاكهة، حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه، وأعطى أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان ... " (٢) .
بل إن ابن تيمية نفسه تعرص ر لمثل هذا فتمثلت بشخصه الشياطين وأغاثوا أقواما فجاءوا يخبرونه بما وقع لهم، يقول: " ذكر غير واحد أنه استغاث بي من بلاد بعيدة وأنه رآني قد جئته، ومنهم من قال: رأيتك راكبا بثيابك وصورتك، ومنهم من قال: رأيتك على جبل، ومنهم من قال غير ذلك، فأخبرتهم أني لم أغشهم، وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بالله ودعوا غير الله " (٣) . و! قول: " وأعرف من ذ! ك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي، وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به
.....
( ص 147)
وقد ذكر واقعة غريبة له وهو في السجن بمصر، قال: " كما جرى مثل هذا لي، كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير (٢) من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين (٣) وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولا، وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاءوا إلى دمشق، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ماتيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذلك أني أنا الذي فعلت ذلك.
قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكا؟، قلت: لا، إن الملك لا يكذب وهذا قد قال: أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك (٤) .
والتصوف لم يقتصر على هذه الأمور، وإنما كان تصوفا يؤول في الغالب إلى الغلو من الوحدة والاتحاد والحلول، والوقوع في الشركيات بأنواعها، وتعظيم الملاحدة وتصحيح أقوالهم وكفرياتهم. وقد واجه ابن تيمية من هؤلاء أعدادا
قول ابن تيمية في بيان حكم طلب الحاجات في القبور والاستغاثة بها: " والاستغاثة بالميت والغائب سواء كان نبيا أو وليا ليس مشروعا ولا هو من صالح الأعمال، إذ لو كان مشروعا أو حسنا من العمل لكانوا به أعلم وإليه أسبق، ولم يصح عن أحد من السلف أنه فعل ذلك، فكلام هؤلاء يقتضي جواز سؤال الميت والغائب، وقد وقع دعاء الأموات والغائبين لكثير من جهال الفقهاء والمفتين حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيا كان أو ميتا، وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به وتخاطبه وتقضي بعض حوائجه وتخبره ببعض الأمور الغائبة، ويظن الغير أنه المستغاث به أو أن ملكا جاء على صورته وإنما هى شياطين تمثلت له به وخيالات باطلة فتراه يأتي قبر من يحسن به الظن إن كان ميتا فيقول: أنا في حسبك أنا في جوارك أنا في جاهك قد أصابنى كذا وجرى على كذا، ومقصوده قضاء حاجته إما عن الميت أو به، ومنهم من يقول للميت: اقض ديني واغفر ذنبي وتب على، ومنهم من يقول: سل لي ربك، ومنهم من يذكر ذلك في نظمه ونره، ومنهم من يقول: يا سيدي الشيخ فلان أو يا سيدي يا رسول الله نشكو إليك ما أصابنا من العدو وما نزل بنا من المرض وما حل بنا من البلاء، ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه، ويقدر على ما يقدر عليه الله ويعلم ما يعلمه الله، وهؤلاء قد رأيتهم وععت هذا منهم ومن شيوخ يقتدى بهم ومفتين وقضاة ومدرسين " (٢) .
ويقول: " وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم وله فضل وعلم وزهد إذا نزل به أمر خطا جهة الشبخ عبد القادر خطوات معدودات واستغاث به " (
؟؟؟؟؟؟
......
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / كتاب موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة
( ص 150 )
المذهب الأشعري:
انتشر المذهب الأشعري- في تطوره العقدي- في القرن الرابع والخامس، ولما جاء عهد الأيوبيين- وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي- تبنوا المذهب الأشعري، وقربوا علماء الأشاعرة، وصلاح الدين نشأ على هذا المذهب؛ فقد حفظ " في صباه عقيدة ألفهاله قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري (٣) ، وصار يحفظها صغار أولاده فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه فتمادي الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بنى أيوب ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك " (٤) ، ولما تولى صلاح الدين حكم مصر ولى على القضاء صاحبه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني (٥) ، الذي ألف "رسالة في الذب
عن ابي الحسن الاشعري "
....
( ص 176)
عرض مختصر للمحن التي مر بها:
١- محنته بسبب " الحموية ":
وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة ٦٩٨ هـ، في آخر سلطة المنصور حسام الدين لاجين-[٦٩٦- ٦٩٨ هـ] وذلك بين سلطة الناصر قلاوون الأولى والثانيةوكان نائب الشام سيف الدين قبج المنصورى، فلما كان في أول عام ٦٩٨ هـ بلغ النائب والأمراء أن السلطان غاضب عليهم، فعزموا على الذهاب إلى بلاد التتر والنجاة بأنفسهم (١) ، فوقع اضطراب شديد، ففى هذه الأثناء وقعت محنة ابن تيمية حول الحموية، رلعل الفقهاء استغلوا هذه الفوضى فحملوا على عقيدة الشيخ، وملخص هذه المحنة أنه كتب جوابا سئل عنه من حماه (٢) في الصفات
قول ابن تيمية: (كنت سئلت من مدة طويلة بعيدة سنة تسعين وستمائة عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله، في فتيا قدمت من حماه فأحلت السائل على غيرى فذكر أنهم يريدون الجواب مني، فكتبت الجواب في قعدة بين الظهر والعصر، نقض التأسيس المخطوط
.....
( ص 179 )
محنته ومناظرته حول " الواسطية ":
وبداية هذه المحنة في يوم الاثنين ٨ رجب سنة ٧٠٥ هـ حين ورد مرسوم من السلطان في مصر إلى نائب الشام أن يسأل الشيخ عن عقيدته، فجمع النائب القضاة والفقهاء وابن تيمية- وهم لا يدرون لماذا جمعوا- فقال النائب: هذا المجلس عقد لك لمساءلتك عن عقيدتك، يقول ابن تيمية: " فقلت: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني، ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله، وما أجمع عليه سلف الأمة، فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة مثل صحيح البخاري ومسلم. وأما الكتب فما كتبت إلى أحد كتابا ابتداء أدعوه به إلى شيء من ذلك، ولكنني كتبت أجوبة أجبت بها من يسألني من أهل الديار المصرية وغيرهم. وكان قد بلغني أنه زور على كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير (١) - أستاذ دار السلطان- يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب، وكان يرد علي من مصر وغرها من يسألني مسائل في الاعتقاد أو غيره، فأجبته بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة " (٢) ثم طلبوا منه أن يملي عقيدته فأملاها، ثم قال للأمر والحاضرين: " أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي كما قد كذبوا علي مرة
قضية الكذب على ابن تيمية والتزوير عليه أمر مشهور حتى قبل: أنه رجع إلى عقيدة الأشاعرة وأنه كتب ذلك بخطه. وكل ذلك كذب- وليس العجب أن يقع الكذب عليه وإنما العجب أن يقوم مؤرخ ثقة فاضل- كابن حجر العسقلاني- فينقل ترجمته في الدرر الكامنة (١/١٥٤) ترجمة مطولة لابن تيمية وينقل عن غيره ويذكر هذه الأمور- التى هي في الحقيقة كذب عليهـ ثم يسكت عنها..ومن نماذج الكذب على ابن تيمية: أنه في سنة: ٧٠٢ هـ وقع في يد نائب السلطنة كتاب مزور فيه أن ابن تيمية وجماعة يناصحون التتر ويكاتبوهم، ثم فضح المزورون ووجد معهم مسودة الكتاب وعوقبوا. البداية والنهاية (١٤/٢٢) ، وكذلك وقع الكذب عليه أنه رجع عن عقيدته.
محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموى الهندى ولد سنة ٦٤٤ هـ وتوفي سنة ٧١٥ هـ، وكان من الذين حضروا المجلس الثاني في مناظرة الواسطية، واستعان به العلماء لزعمهم أنه من محققي المذهب الأشعري لكن كا قال ابن كثير (البداية: ١٤/٣٦) ساقيته لاطمت بحرا. ويذكر ابن تيمية أن الثقة حدثه بعد المناظرة أنه اجتمع به فقال: قلت لهم: مالك على الرجل اعتراض، فإنه نصر ترك التأويل، وقال أنا أختار قول ترك التأويل، وأخرج وصيته التي أوصى بها وفيها قول ترك التأويل. لكن ييدو أن الصفي رجع فإنه ألف " الرسالة التسعينية في الأصول الدينية نصر فيها مذهب الأشاعرة وقال في أولها " أما بعد فهذه رسالة مشتملة على تسعين مسألة من مسائل أصول الدين ألفها لما رأيت طلبة أهل الشام المحروس مقبلين على تحصيل هذا الفن بعد ما جرى من الفتنة المشهورة بين أهل السنة والجماعة، وبين بعض الحنابلة ٠٠" (التسعينية للأرموى الهندى ورقة ٢ مخطوطة) .
.....
180
بسبب كلام سمعه من كمال الدين ابن الزملكاني (٤) (٤) ، ثم جاء مرسوم السلطان بإعادته إلى منصبه وفي الكتاب: " إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه " (٥) .
وكان سبب هذه المناظرات- حول الواسطة- وأمر السلطان بذلك ما قام به ابن تيمية- أول هذا العام ٧٠٥ هـ- من غزو الروافض والنصيرية في الكسروان، ثم بعد ما قام في جمادى الأولى من مناظرة الأحمدية المتصوفة وإنكاره عليهم،
ملاحظة : اعتذر للقراء من الإطالة لكثرة الفوائد النافعة في الكتاب وهو بمثابة مرجع لمواقف شيخ الاسلام ورده على الأشاعرة "
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع /
( ص 188)
وفي الإسكندرية خرج خلق يودعونهـ فاجتمع السلطان يوم الجمعة في مجلس فيه القضاة والفقهاء، وقد زالت دولة الجاشنكير وأتباعه، وعرض الناصر على ابن تيمية أن ينتقم له من أعدائه ولكنه رفض ذلك، وهنا يسجل للشيخ موقف عظيم ومعرفة بواقع الأمر، فالناصر لما عرض عليه أن يفتيه في قتل بعض الفقهاء والقضاة كان يريد أن ينتقم منهم بسبب موقفهم منه لما تسلطن الجاشنكير، ففطن ابن تيمية لمراده وأخذ يعظم القضاة والعلماء وينكر أن ينال أحدا منهم سوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح (٣) ، وإنه لموقف عظيم ينبغي أن يتفكر فيه العلماء مرارا، إذ كثيرا ما تأتي بعض القضايا مما لها وجه في الشرع ولكن الحكام يحرصون عليها لا لأجل ذاتها واتباعا للشرع فيها، وإنما لأنها تخدم أغراضا أخرى لهم، والدليل على ذلك أنهم لا يرجعون إلى الشرع دائما وإنما عند الحاجة.
....
( ص 189)
ثم أقام ابن تيمية في القاهرة إلى سنة ٧١٢ هـ يفتي ويدرس ويؤلف والناس والأكابر يترددون عليه، وكتب إلى أقاربه بدمشق يقول: " والحق دائما في انتصار وعلو وازدياد، والباطل في انخفاض وسفال ونفاد، وقد أخضع الله رقاب الخصوم وأذلهم غاية الذل، وطلب أكابرهم من السلم والانقياد ما يطول وصفه. ونحن- ولله الحمد- قد اشترطنا عليهم في ذلك من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة، وانقماع الباطل والبدعة، وقد دخلوا في ذلك كله وأقنعنا حتى يظهر ذلك إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولا، ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وقد أمد الله من الأسباب التى فيها عز الإسلام والسنة وقمع الكفر والبدعة بأمور يطول وصفها في كتاب!
...
189
وكتب الشيخ- إلى والدتهـ كنابا يمتلىء رقة وحنانا ويعتذر لها عن بقائه في مصر، وعدم عودته إلى الشام ومما قاله لها:" وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنخ لو اطلعغ على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة
.....
( ص 190)
جرت على الشيخ بعض الأحداث في مصر (١) ، ثم لما كانت سنة ٧١٢ هـ خرج لجهاد التتر صحبة الجيش المصري، فلما وصلوا إلى عسقلان توجه إلى بيت المقدس لأنه علم أن التتار رجعوا إلى بلادهم فتحقق من عدم الغزاة، وأقام في القدس أياما، ثم قدم إلى دمشق أول ذي القعدة سنة ٧١٢ هـ، ثم استقر في دمشق زمنا طويلا تفرغ فيه للتأليف وكتابة الرسائل، وكانت من أخصب فترات عمره التى ألف! فيها كثيرا من كتبه (٢) .
٦- محنته بسبب " الطلاق ":
كان استقرار ابن تيمية في دمشق بعد عودته من مصر-؟ يشير مترحموه
- عاملا على تفرغه للبحث والتنقيب في مسائل العقيدة، والأحكام، وكان من نتيجة ذلك ترجيحه في بعض مسائل الأحكام ما يخالف فقهاء عصره، ومن هذه المسائل مسألة الحلف بالطلاق هل يكون طلاقا إذا حنث فيه؟ يرى الجمهور، أم يكون يمينا إذا كان القصد به ا! ين؟ رجحه ابن تيمية وصار يفتى فيه، ومسألة اعتبار الثلاث بكلمة واحدة طلاقا رجعيا، وكان لمنزلة الشيخ ومكانته عند الناس أبعد الأثر في ظهور وانتشار مثل هذه الفتاوى والاقتناع بها، بل ومناقشة من يعارضها ولو كان من العلماء.
فاجتمع جاعة من كبار العلماء إلى القاضى الحنبلي كمالدين بن مسلم
الحنبلي وكلموه في أن يكلم الشيخ وأن يشير عليه بترك الإفتاء في الحلف في الطلاق، فقبل الشيخ ابن تيمية إشارته ونصيحمه وترك الإفتاء بها وكان ذلك في منتصف ربيع الآخر سنة ٧١٨ هـ، فلما كان يوم السبت مستهل جمادى الأولى من هذه السنة
...
( ص 191)
محنته بسبب فتواه في " شد الرحال إلى القبور ":
وهذه المحنة من أعظم المحن التى مرت على الشيخ وعلى أتباعه والذي يبدو أن أعداء الشيخ والحاقدين عليه والحاسدين له لم يجدوا في مسألة الطلاق- كل ما يأملونهـ وإن كان قد سجن بسببها الشيخ ابن تيمية، فصاروا يبحثون وسيلة وقضية أخرى يدخلون من خلالها على إيذاء شيخ الاسلام وأتباعه، فعثروا على فتوى لهـ منذ سبع عشرة سنة- حول شد الرحال وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، ومنها قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الفتوى تتضمن ذكر القولين الواردين وترجيح أحدهما- وهو التحريم- مع الأدلة على ذلك. ففرحوا بذلك وكثر الكلام حولها، واشتد الأمر، يقول ابن عبد الهادى:
" وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره
....
( ص 192 )
ي كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " (١) وغيره، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به، وكثر الكلام، والقيل والقال بسبب العثور على الجواب المذكور، وعظم التشنيع على الشيخ، وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله، وحصل فتنة طار شررها في الآفاق واشتد الأمر، وخيف! على الشيخ من كيد القائمين في هذه القضية بالديار المصرية والشامية وكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى اللة تعالى، وضعف من أصحاب الشيخ من كان عنده قوة، وجبن نهم من كانت له همة. وأما الشيخ-رحمه الله- فكان ثابت الجأش قوي القلب، وظهر صدق توكله واعتماده على ربه " (٢) .
وفي يوم الاثنين ٦ شعبان سنة ٧٢٦ هـ جاء مرسوم السلطان بإقامته في القلعة (٣) فأحضر له مركوب وسار إليها، وأخليت له فيها قاعة حسنة أجرى عليها الماء، وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، ويلاحظ مايلي:
أ- سرور شيخ الإسلام العظيم بذلك، وقال: أنا كنت منتظرا ذلك، وهذا فيه خير عظيم.
ب- مع أن الأمر السلطاني جاء بحبس شيخ الإسلام فقط، إلا أن نائب السلطنة وقاضى القضاة أصدروا أمرهم بحبس جماعة من أصحاب الشيخ والتضييق عليهم، بل عزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم، ثم أطلقوا سوى ابن القيم الذي بقى في حبس القلعة (٤) (٤) ، فما الداعى لذلك وقد حبس شيخ الإسلام.
....
( ص 193 )
أخذ ابن تيمية يؤلف ويكتب وتنتشر رسائله ومنها رده على الاخنائي المسماة " الاخنائية ". ولذلك صدر أمر السلطان قبل وفاة شيخ الاسلام بأشهر باخراج ما عنده من الكتب، فكان ذلك من أعظم المصائب عليه وصار يكتب رسائله بالفحم (١) .
د- أما علامة الاستفهام هنا فهي: لماذا تغير السلطان الناصر على ابن تيمية بعد تلك العلاقات الكبيرة بينهما في مصر؟ ومن خلال تتبع الأحداث تتبين أمور لعلها تفي بالجواب:
ا- الكذب والتحريف على الشيخ وعلى فتواه، حتى حملت عباراته ما لم تحتمل، يقول ابن عبد الهادى بعد ذكره لنص فتوى شيخ الإسلام: " ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الديار المصرية، وكتب عليه قاضى الشافعية: " قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح- إلى أن قال- وإنما الخزى (٢) جعله زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية بالاجماع متطوعا بها " يقول ابن عبد الهادى: هذا كلامه فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الاسلام والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما ذكر فيه قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور.." (٣)
٢- دور القضاة والمفتين في مصر والشام، الذين بادروا بأن كتبوا وشنعوا على ابن تيمية تشنيعا شديدا حتى كتب السلطان بحبسه وكذلك قد يكون للرافضة أو الصوفية دور في ذلك.
٣- بعد السلطان عن ابن تيمية، ولو كان عنده لعرف حقيقة الأمر ولسمع من رأيه وأدلته مباشرة، ولكنه وهو في مصر إنما يسمع ما يقوله من حوله
....
( ص 194)
أن ابن تيمية لما مرض- مرض الوفاة- دخل عليه شمس الدين الوزير بدمشق فاعتذر له واقس منه أن يحلله فأجابه الشيخ: " إني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق، وقال ما معناه: إني قد أحللت السلطان المعظم الملك الناصر من حب! سه إياي، كونه فعل ذلك مقلدا غيره، معذور، أو لم يفعله بحظ نفسه بل لما بلغه، مما ظنه حقا من مبلغه واللة يعلم أنه بخلافه " (١) .
٤- انتصر لشيخ الإسلام علماء بغداد وكتبوا بما يوافق قوله في مسألة شد الرحال وسجلوا ذلك بخطوطهم- نقل بعضها ابن عبد الهادي (٢) - بل وكتب علماء بغداد للملك الناصر- مع نفس الأجوبة- كتابا يثنون فيه على ابن تيمية ويستنكرون ما جرى له وكان مما قالوه في خطابهم هذا " أحمد ابن تيمية درة يتيمة يتنافس فيها، تشترى ولا تباع، ليس في خزائن الملوك درة تماثلها وتؤاخيها ... وليس يقع من مثله أمر ينقم منه عليه إلا أن يكون أمرا قد لبس عليه، ونسب إلى ما لا ينسب مثله إليه " (٣) كما كتب إلى السلطان كتاب آخر، ويعلق صاحب الكواكب الدرية بقوله: " قلت والظاهر أن هذه الكتب لم تصل للسلطان الملك الناصر، إما لعدم من يوصلها أو لموت الشيخ قبل وصولها، وإلا لظهر لها نتيجة " (٤)
.....
( ص 198)
مدرسة ابن تيمية
تسير على وفق منهج السلف أهل السنة والجماعة، ومن ثم فهى لا تنتنسب إلى شخص أو طائفة، بل تحصر انتسابها في متابعة الكتاب والسنة والسير على طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح، فليس لابن تيمية ولا لمن بعده إلا فضيلة تجديد ما اندرس أو نسى منها، وبذل الجهد في الدفاع عنها والدعوة إليها.
وشيخ الإسلام ابن تيمية كثرت في عصره الطوائف والفرق وصار لكل طائفة شيوخ وأتباع، ومنهج وكتب يتداولونها، فعظمت مصيبة الأمة الإسلامية بهذه الفرقة، خاصة وأن كل طائفة تدعي أنها على الحق، وكان من أعظم ما دخل على المسلمين- وخفي على كثير منهم- اختلاط الحق بالباطل، وامتزاج العقيدة السلفية بعلم الكلام والفلسفة، حتى وصل الأمر إلى أن قعدت قواعد وأصلت أصول كلامية ونسبت إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فكان دور شيخ الإسلام دور المميز لمذهب ومنهج السلف، والمصفى له عن تلك الشوائب، مضيفا إلى ذلك نقد تلك الأصول الكلامية ونقض أسسها التي قامت عليها، فظهر- منهج السلف- واضحا بينا لمن أراده، وتبين أن غيره ما هى إلا أصول كلامية وقواعد فلسفية جاء بها أصحابها واستقوها بعيدا عن المنابع الصافية من الكتاب والسنة.
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع /
( ص 203 )
كتب ابن تيمية في الرد على الاشاعرة
ونحن هنا نقصر الكلام على بعض مؤلفاته التي أفردها في العقيدة وفيها ردود على الأشاعرة:
[١- العقيدة الحموية]
وهي جواب لسؤال ورد من حماه، وموضوع السؤال آيات الصفات كالاستواء وأحاديث الصفات كالأصابع والقدم، فأجاب شيخ الإسلام بهذه الرسالة التى حميت: الفتوى الحموية الكبرى، وقد يكون هناك فتوى حموية صغرى قبلها، وكان قد كتبها في قعدة بين الظهر والعصر.
والحموية خالصة في الرد على الأشاعرة، وقد جاءت بأسلوب تقريري قوي، فهي على اختصارها- بالنسبة للكتب الأخرى- مليئة بالقواعد الأصولية
...
( ص 204)
نقض أساس التقديس]
ويسمى أحيانا: كتاب تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ويسمى نقض تأسيس الجهمية، والذين تحدثوا عنه قديما ذكروا أنه في ست مجلدات، وأنه أكبر من درء تعارض العقل والنقل (٢) .
والكتاب من أهم كتب ابن تيمية لأنه جعله خاصا بالرد على كتاب من أعظم كتب الأشاعرة، وقد عول عليه من جاء بعده، وهو كتاب " أساس التقديس للرازي " والمطلع على كتاب الرازى هذا يرى خطورة هذا الكتاب لأنه حشد فيه خلاصة أدلة الأشاعرة وشبههم بأسلوب عقلى قوى، خاصة وأنه أفرده
في مسائل الصفات فقط. يقول ابن تيمية مبينا ظروف تأليفه لهذا الكتاب وأسبابه: (اأما بعد فإني كنت سئلت من مدة طويلة بعيدة سنة تسعين وستمائة عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله في فتيا قدمت من حماه، فأحلت السائل على غيري، فذكر أنهم يريدون الجواب مني زائد، فكتبت الجواب في قعدة بين الظهر والعصر وذكرت فيه مذهب السلف والأئمة المبني على الكتاب والسنة، المطابق لفطرة اللة التي فطر الناس عليها ... وحصل بعد ذلك من الأهواء والظنون ما اقتضى أن اعترض قوم على خفي هذه الفتيا بشبهات مقرونة بشهوات، وأوصل الى بعض الناس مصنفا لأفضل القضاة المعارضين، وفيه أنواع من الأسئلة والمعارضات، فكتبت جواب ذلك وبسطته في مجلدات، ثم رأيت أن هؤلاء المعترضين ليسوا مستقلين بهذا الأمر استقلال شيوخ الفلاسفة والمتكلمين، فالاكتفاء بجوابهم لا يحصل ما فيه المقصود للطالبين ... واستشعر المعارضون لنا أنهم عاجزون عن المناظرة التي تكون بين أهل العلم والايمان، فعدلوا إلى طريق أهل الجهل والظلم والبهتان، وقابلوا أهل السنة بما قدروا عليه من البغي باليد عندهم واللسان، نظير ما فعلوه قديما من الامتحان، وإنما يعتمدون على ما يجدونه في كتب المتجهمة المتكلمين، وأجل ما يعتمدون كلامه هو أبو عبد اللة الرازي إمام هؤلاء المستأخرين، فاقتضى ذلك أن أتم الجواب عن الاعتراضات المصرية الواردة على الفتيا الحموية بالكلام على ما ذكره أبو عبد الله الرازى في كتابه الملقب بتأسيس التقديس، لتبيين الفرق بين البيان والتلبيس، ويحصل بذلك تخليص التلبيس، ويعرف فصل الخطاب فيما في هذا الباب من أصول الكلام، التى كثر بسيها بين الأمة النزاع والخصام " (١) ثم تحدث عن منزلة الرازي عند المتكلمين.
وهذا الكتاب- للأسف الشديد- لم يصل إلينا كاملا وإنما وصل بعضه، وقد طبع جزء من هذا الذي وصل (٢) ، وبعضه لا زال مخطوطا (٣) ،
.....
( 206)
درء تعارض العقل والنقل]
وهذا الكتاب من أعظم كتب ابن تيمية، وقد ألفه في الرد على الأشاعرة الذين يقولون بوجوب تقديم العقل على النقل إذا تعارضا، وجعلوا ذلك قانونا كليا لهم، ومن الذين قالوا بهذا القانون الرازي (٢) وأتباعه، والغزالي (٣) ، والجويني (٤) ، والقاضي أبو بكر بن العربى (٥) ، وغيرهم.
وقد ألف ابن تيمية هذا الكتاب بعد تأليفه لنقض أساس التقديس، وقد رجح المحقق-رحمه الله- أنه ألفه بعد وصوله إلى الشام من مصر أي بين عامي ٧١٢- ٧١٨ هـ (٦) ، ويقول ابن تيمية مشيرا إلى ذلك " وهذه الطريقة هي ثابتة في الأدلة الشرعية والعقلية، فإنا قد بينا في الرد على أصول الجهمية النفاة للصفات في الكلام على تأسيس التقديس وغيره " (٧) ، فهذا النص أخر تأليف هذا الكتاب عن كتابه الآخر الذي ألفه في مصر نقض أساس التقديس، ونلمح هنا التدرج التأليفي في نقض أصول الأشاعرة، فهو في البداية رد على أدلتهم مباشرة وأجاب عن الاعتراضات الواردة عليها، ثم رأى أن هؤلاء إنما يعتمدون في شبههم واعتراضاتهم على ما كتبه شيخهم ومقدمهم الرازي فرأى أن من تمام الكلام في نقض كلامهم نقض كلام شيوخهم- كالرازي- فألف نقض أساس التقديس
....
( ص 207)
القاعدة المراكشية]
وهي أيضا في الرد على الأشاعرة في مسألة " العلو " والاستواء على العرش، وقد ألفها في السنة الأخيرة من سنوات مقامه في مصر ٧١٢ هـ، وسبب تأليفها حدوث نزاع بين بعض المغاربة المالكيين حول مسألة العلو، واختلافهم حول معنى ما جرى للإمام مالك مع السائل له عن الاستواء حين قال له " وما أراك إلا رجل سوء "، وهل معنى ذلك أنه لا يجب معرفة هذا الأمر بل من تكلم فيه فهو مبتدع مجسم؟، وقد ورد سؤال في ذلك وجه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فأجاب بهذه القاعدة العظيمة التي سيبت ب " القاعدة المراكشية " (١) ، وقد ذكر فيها أصولا مهمة تتعلق بإكمال الدين، وفهم النصوص، ثم تكلم عن العلو وثبوته والرد على شبه الخالفين، ثم رد على " الواقفة " (٢) - الذين أوحى بهم ظاهر السؤال واحتجوا بقول الإمام مالك- وبين خطأهم من وجوه، وبين أن قول الإمام مالك صريح في الإثبات وأنه لم يكن من الواقفة بحال، ثم نقل أقوال العلماء في ذلك من المغاربة وغيرهم
....
( ص 208)
لرسالة التدمرية]
وهي من الرسائل- ذات القواعد العظيمة- في إثبات الصفات والشرع والقدر، والرد على الخالفين من الأشاعرة وغيرهم، وهي رسالة مشهورة لكن لم يتبين تاريخ كتابة هذه الرسالة، وإن كان فيها ما يدل على أن السائلين كانوا من تدمر وقد وصفهم ابن تيمية بقوله: " أما بعد فقد سألني من تعينت إجابتهم أن اكتب لهم مضمون ماسمعوه مني في بعض المجالس " (١) فالظاهر من حالهم أنهم من تلاميذه، أو ممن قدموا إليه وتتلمذوا عليه زمنا وحضروا مجالسه، ويرد ذكر مجموعة من المشايخ التدامرة- في مصر- ولهم محاولات للوساطة بين شيخ الإسلام ومناوئيه (٢)
[٧- شرح الأصفهانية]
والأصفهانية متن في العقيدة مختصر لشمس الدين الأصبهاني، محمد ابن محمود بن عباد (٣) ، قدم القاهرة وتولى القضاء ثم استقر بها، وقد ورد في مقدمة شرح ابن تيمية تاريخ ومكان كتابتها، ففيها: " سئل شيخ الاسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه.... وهو مقيم بالديار المصرية في شهور سنة اثنتي عشرة وسبعمائة أن يشرح العقيدة، التي ألفها الشيخ ثهس الدين محمد بن الأصفهاني، الإمام المتكلم المشهور الذمم! قيل: إنه لم يدخل
......
( ص 210)
إلى الديار المصرية أحد من رؤوس علماء الكلام مثله، وأن يبين ما فيها " (١) . فأجاب إلى ذلك واعتذر بأنه لابد عند شرح ذلك الكلام من مخالفة بعض مقاصده لما توجبه قواعد الإسلام فإن الحق أحق أن يتبع والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين " (٢) .
وتد شرح ابن تيمية هذه العقيدة، ورد الأصول الكلامية فيها، وبين
ما فيها من انحراف عن منهج أهل الحق، وقد ذكر شيخ الإسلام أن المصنف سلك في الصفات مسلك الرازي (٣) .
وقد اشتمل الشرح على مباحث العقيدة كلها ومنها الصفات والإيمان، والمعاد، واليوم الآخر والقدر والنبوات وغيرها.
[٨- المناظرة حول الواسطية]
وهي تسجيل لما جرى حول " الواسطية " من مجالس ناقشه فيها الأشاعرة وجوابه لهم، وقد سجلها ابن تيمية بنفسمه وذكر ما ورد فيها من اعتراضات ومناقشات حول التحريف والتأويل، ومسألة الحرف والصوت، والإيمان وأت قول وعمل، والاستواء، والأشعري ومذهبه في الصفات الخبرية.
[٩- الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات]
وقد لخص فيها ابن تيمية مناظرة جرت له مع بعض الأشاعرة حول: وصف
اللة بالعلو على العرش، ومسألة القرآن، ومسألة تأويل الصفات، وتكلم على مقولة: هل الظاهر مراد أو غير مراد، وبين أنه لا يجوز صرف النصوص عن ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى، وقد كتبها الزاهد شمس الدين من أهل المدينة (٤) .
....
( ص 210)
لتسعينية]
وهي في الرد عك الأشاعرة في مسألة " الكلام النفسي " رد فيها عليهم من أوجه عديدة، وهذه الرسالة كتبها في مصر في محنته الأولى سنة ٧٠٦ هـ (١) ، وذلك حينما ناقشه علماء الأشاعرة في مسائل العلو والكلام، وجرى في ذلك فصول سطرها ابن تيمية في مقدمته للتسعينية، وقال: " وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم، وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين واتباع غير سبيل المؤمنين لما في ذلك من المنفعة للمسلمين وذلك من وجوه محميرة نكتب منها ما يسره الله تعالى " (٢) ، وهذه الرسالة من رسائل ابن تيمية الفريدة التي ذكر فيها أمورا مهمة ومسائل قد لا توجد في كتبه الأخرى.
[١١- النبوات]
وهو في الرد على الأشاعرة- ومنهم الباقلاني (٣) - في مسألة معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين الكرامات والخوارق الشيطانية، وهو مطبوع لكن فيه نقص ولعل الله أن ييسر مخطوطات هذا الكتاب ليحقق ويخرج بشكل جيد.
[١٢- الإيمان]
وفيه الرد على المرجئة، ومنهم الأشاعرة، ونقل أقوالهم في الإيمان وأدلتهم ثم ناقشها (٤) . وهو مطبوع.
[١٣-
....
هذه المصنفات الرئيسية والمهمة في الرد على الأشاعرة وهناك كتبا تضمنت ردودا على الاشاعرة
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع /
( ص 286)
وكثيرا ما يركز على منشأ البدع واختلاط الحق بالباطل فيها" فإن البدعة لو كان باطلا محضا لظهرت وبانت، وما قبلت، ولو كانت حقا محضا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، فإن السنة لا تناقض حقا محضا لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل" (٢) ، وبعد ما يبين شيخ الإسلام لبس الحق بالباطل وكيف يكون (٣) يقول:" والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات، وحقائق وغير ذلك، لا بد أن تشتمل (٤) على لبس حق بباطل وكتمان، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعا إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك"
...
( ص 289)
وكثيرا ما يقرن شيخ الإسلام بين الأحداث التاريخية والبدع التي صاحبتها، والشواهد على ذلك من كتابات شيخ الإسلام كثيرة، ففي إحدى رسائله يتحدث بشكل موسع عن ظهور البدع، وتاريخها، فيذكر أنه في آخر خلافة علي - رضي الله عنه - ظهرت بدعة الخوارج والرافضة لأنها متعلقة بالإمامة والخلافة، ثم حدثت فتنة أهل الحرة، وقصة ابن الزبير بمكة، وظهور المختار بن أبي عبيد بالعراق، وذلك في أواخر عهد الصحابة فحدثت بدعة القدرية والمرجئة، وتكلموا في مسائل القدر ومسائل الإيمان والوعد والوعيد، أما نفي الصفات فلم يحدث
....
( ص 290)
لا في أواخر عصر صغار التابعين، وذلك في أواخر عهد الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، وكيف أنه لما تولى الأعاجم، وعربت الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والروم، حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف. وحدث التجهم ونفي الصفات، وبإزائه التمثيل، وكان جمهور الرأي في الكوفة، وجمهور الكلام والتصوف في البصرة، ويذكر أول دويرة بنيت للصوفية في البصرة. وهكذا - بهذا الأسلوب - يستمر في عرض أحوال البلاد الإسلامية وانتشار البدع فيها (١) . والمعرفة التاريخية أوصلت شيخ الإسلام إلى استنتاجات وتحليلات مهمة، فمثلا: أحاديث السفر لزيارة القبور والمشاهد أول من أحدثها أهل البدع من الروافض (٢) ، ونسبة رسائل إخوان الصفا إلى جعفر الصادق ليست صحيحة، ويرى أنها صنفت بعد المئة الثالثة (٣) ، وأحيانا ينقد متون بعض الروايات التاريخية من خلال الاستقراء والمعرفة بالتاريخ
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة
( ص 291 )
ولما عرض لمسألة: أفعال العباد، وهل هي قديمة قال:" ولم يقل قط أحد لا من أصحاب أحمد المعروفين، ولا من غيرهم من العلماء المعروفين: إن أفعال العباد قديمة، وإنما رأيت هذا [قولا] لبعض المتأخرين بأرض العجم وأرض مصر من المنتسبين إلى مذهب الشافعي وأحمد فرأيت بعض المصريين يقولون: إن أفعال العباد من خير وشر قديمة، ويقولون: ليس مرادنا بالأفعال نفس الحركات ولكن الثواب الذي يكون عليها" (٢) . وكثيرا ما يمحص الأقوال التي تنسب إلى الخوارج (٣) ، أو بعض طوائف النصارى (٤) ، بل قال عن الزبور:" وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - باسمه ورأيت نسخة أخرى "من الزبور" (٥) ، فلم أر ذلك فيها، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس في أخرى" (٦) . ومن علمه بحال الخصوم معرفته بالبلدان التي يكثر فيها الكفر والشرك والأحوال الشيطانية والتي يقل فيها ذلك
شار في الوصية الكبرى إلى جوامع من أصول أهل الباطل فقال:" وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنة وقد مرق منها وصار من أكابر الظالمين، وهي فصول: الفصل الأول: أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان، بل كفر شنيع ... فصل: وكذلك الغلو في بعض المشايخ ... فصل: وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله ... " (١) ، ويقول عن أهل البدع: إنهم على عكس منهج الرسل، فالرسل" يأمرون بالغايات المطلوبة من الإيمان بالله ورسوله وتقواه، ويذكرون من طرق ذلك وأسبابه ما هو أقوى وأنفع، وأما أهل البدع المخالفون لهم فبالعكس يأمرون بالبدايات والأوائل، ويذكرون من ذلك ما أضعف وأضر، فمتبع الأنبياء لا يضل ولا يشقى، ومتبع هؤلاء ضال شقي ... " (٢) . ومن منهج أهل الباطل أنهم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، وهؤلاء أصناف (٣) .
ويذكر شيخ الإسلام أن من منهج أهل الباطل التلبيس على أتباعهم والتدرج بهم، حيث يبدأون بالألفاظ المتشابهة ثم يؤلفون أقوالهم ويعظمونها في النفوس ويهولونها، حتى يستجيب لهم من يدعونه ولو لم يكن مقتنعا بأقوالهم، ويشبه هذا ما تفعله القرامطة من التدرج في دعوتهم، يقول شيخ الإسلام:" ولكن هؤلاء عمدوا إلى ألفاظ مجملة مشتبهة تحتمل في لغات الأمم معاني متعددة، وصاروا يدخلون فيها من المعاني ما ليس هو المفهوم منها في لغات الأمم، ثم ركبوها، وألفوها تأليفا طويلا بنوا بعضه على بعض، وعظموا قولهم وهولوه في نفوس من لم يفهمه
.......
( ص 205)
يقول شيخ الإسلام:" ولابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك
....
( ص 304 )
رده على ابن سينا والفلاسفة الملاحدة
لما تكلم ابن سينا في أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ووصفهم بأنهم أهل الوبر، وأنهم لا يستطيعون فهم المعاني الغامضة التي تحتاج من هو أفضل منهم من المبرزين المتفلسفة إلى مزيد إيضاح وشرح لفهمها؛ هجم عليه شيخ الإسلام هجوما شديدا لأن هذا استخفاف بأفضل الخلق بعد الرسل وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" فإذا قدرت بعض الناقصين من ذلك القرن، فقابله بإخوانك القرامطة الباطنية وعوام الفلاسفة الدهرية، وأمثالهم من عوام النصيرية والإسماعلية وأمثالهم فإنك تجد بين أدنى أولئك وخيار هؤلاء في الذهن والعلم من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق، أليس أصحابك هم المستجيبين لدعوة بني عبيد، الذين راج عليهم مكرهم وكيدهم في الدنيا والدين، حتى اعتقدوا فيمن هو أكفر الناي وأكذبهم أنه أمام معصوم، يعلم علم الأولين والآخرين، بل عوام النصارى مع فرط جهلهم وضلالهم أحذق وأذكى من عوام أصحابك المستجيبين لمثل هؤلاء المنقادين لهم، وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة؟ أو لم تكن أئمتكم اليونان - كأرسطو وأمثاله - مشركين يعبدون الأوثان، ويشركون بالرحمن، الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطانا من الشياطين ويصوم له ويصلي....وأما أئمتكم البارعون - كأرسطو وذويه - فغايته أن يكون مشركا سحارا وزيرا لملك مشرك سحار ... " (٢) ، ثم يقول شيخ الإسلام:" وهذا الكلام وأمثاله
إنما قيل للمقابلة لما في كلام هؤلاء من الاستخفاف بأتباع الأنبياء، وأما أئمة العرب وغيرهم من أتباع الأنبياء - عليهم الصلاة -، كفضلاء الصحابة مثل: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عباس، ومن لا يحصى عدده إلا الله تعالى، فهل سمع في الأولين والآخرين بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بقوم كانوا أتم عقولا، وأكمل أذهانا، وأصح معرفة، وأحسن علما من هؤلاء؟ " (١) ، ثم يقول:" ثم يقال لهذا الأحمق ... " (٢) . وفي مناسبة أخرى يقول عن مذهبه:" وكل ذلك فضيحة من الفضائح" (٣) . ويقول في معرض مناقشته لابن رشد وأقواله:" قلت: ليتأمل اللبيب كلام هؤلاء الذين يدعون من الحذق والتحقيق ما يدفعون به ما جاءت به الرسل، كيف يتكلمون في غاية حكمتهم ونهاية فلسفتهم بما يشبه كلام المجانين ...
.....
( ص 206 )
وفي معرض رده على الطوسي الذي رد على ابن سينا
وفي رده على الطوسي الذي رد على ابن سينا وما رضي برجوعه إلى إثبات الصفات:" قلت: فليتدبر العاقل - الذي هداه الله تعالى وفهمه ما جاءت به الرسل، وما قاله غيرهم - كلام هذا الذي هو رئيس طائفته في وقته، وما قرر به كلام سلفه الملحدين في علم الله تعالى، لما كان ابن سينا - وهو أفضل متأخريهم - قد قال في ذلك بعض الحق الذي يقتضيه العقل الصريح مع موافقته للنقل الصحيح، فأراد هذا الطوسي أن يرد ما قاله ابن سينا من الحق انتصارا لطائفته الملاحدة، فقال في الكلام الذي عظم قدره وتبجح به ما يظهر لمن فهمه أنه من أفسد أقوال الآدمين وأشبه الأشياء، بأقوال المجانين، ولا ريب أن هذه عقول كادها باريها، لما ألحدت في صفات الله تعالى، وأرادت نصر التعطيل وقعت في هذا الجهل الطويل ..
......
( ص 206)
تقرير شيخ الإسلام حول مسألة الإنصاف
ومعلوم أن الحكم بين الناس في عقائدهم وأقوالهم أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم وأموالهم " (١) . ثم هو يقسم الطوائف إلى طبقات فالفلاسفة والصوفية وأتباع الفلاسفة، هم أبعد عن الحق من المعتزلة، والمعتزلة أقرب منهم، ومتكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية أقرب من المعتزلة، والسلف وأهل الحديث أقرب الطوائف إلى الحق
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / فوائد ومقتطفات علمية من كتاب " موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة "
( ص 309 )
ننتقل الآن إلى ذكر نماذج من إنصافه لخصومه، والفلاسفة هم أشد خصوم ابن تيمية ومع ذلك يقول فيهم "نعم، لهم في " الطبيعيات" كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها ذلك، وهم يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد، لكن جهال بالعلم الالهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ
......
ويعترف للمعتزلة ويميزهم عن غيرهم من أهل البدع فيقول: " ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة والخوارج، فإن المعتزلة تقر بخلافة الخلفاء الأربعة ... ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج، لا يختلقون الكذب كالرافضة ولا يرون أيضا اتخاذ دار الاسلام كالخوارج، ولهم كتب في التفسير القرآن ونصر الرسول، ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض ... ) (٣) ، ويرى أنه لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول لكنهم احتجوا بحجج عقلية أدت الى هذا (٤) .
أما الشيعة فيرى أنه "ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم، ولكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها " (٥) ، ولما ذكر تفضيل الخوارج والمعتزلة عليهم ذكر " أن الزيدية من الشيعة خير منهم [أي من الرافضة] ، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم)
....
( ص 310)
إذا انتقلنا إلى إنصافه للأفراد، فابن سينا الذى رد عليه كثيرا وذكر عبارات قاسية في الرد عليه يقول عنه: إنه أفضل متأخرى الفلاسفة (٣) ، ولما نقل من كلامه في الإشارات والتنبيهات حول مقامات العارفين، ذكر أن فيه حقا وباطلا، وأن ما فيه من حق يقبل، ولما نقل كلامه قال: إنه كلام صحيح (٤) . ولما خالف ابن سينا بقية الفلاسفة في مسألة علم الله مدحه شيخ الإسلام وقال:
" وكون ابن سينا خالفهم في هذا هو من محاسنه وفضائله، التي علم فيها ببعض الحق، والحجة معه عليهم، كما أن أبا البركات كان أكثر إحسانا منه في هذا الباب فكل من أعطى الأدلة حقها، وعرف من الحق ما لم يعرفه غيره كان ذلك مما يفضل ويمدح " (٥) ويذكر أن "الصواب في هذا الباب أن يقرر ما ذكره ابن سينا من الطريق الدال على كونه عالما بالمخلوقات فإنها طريق صحيحة ... " (٦) . ويمدح أبا البركات البغدادي (٧) صاحب المعتبر ونحوه ويرى أنهم " كانوا بسبب عدم تقليدهم لأولئك [أى الفلاسفة] ، وسلوكهم طريقة النظر العقلي
...
( ص 312)
وابن عربى- الصوفي- يرى أنه أقرب الاتحادية إلى الاسلام " لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى، والله أعلم بما مات عليه " (٣) ، ويرى أنه أقرب إلى الإسلام لأنه " يفرق بين الظاهر والمظاهر، فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه" (٤) ومع ذلك فقد رد عليه وبين ما في كلامه وأقواله من الكفر.
والطوسى لما بين مخازيه، وتآمره مع هولاكو ضد أهل الإسلام قال:"ومع هذا فقد قيل: إنه كان آخر عمره يحافظ على الصلوات ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات والله تعالى يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: ٥٣] " (٥) .
هذه نماذج لمواقفه من خصومه وإنصافه لهم، وهنا يرد السؤال الذى يطرحه بعض من يترجم لابن تيمية وهو: كيف يوجه شدة ابن تيمية على " خصومه في مواضع، ثم رفقه بهم في مواضع أخرى؟.
.....
وابن عربى- الصوفي- يرى أنه أقرب الاتحادية إلى الاسلام " لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى، والله أعلم بما مات عليه " (٣) ، ويرى أنه أقرب إلى الإسلام لأنه " يفرق بين الظاهر والمظاهر، فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه" (٤) ومع ذلك فقد رد عليه وبين ما في كلامه وأقواله من الكفر.
والطوسى لما بين مخازيه، وتآمره مع هولاكو ضد أهل الإسلام قال:"ومع هذا فقد قيل: إنه كان آخر عمره يحافظ على الصلوات ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك، فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات والله تعالى يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: ٥٣] " (٥) .
هذه نماذج لمواقفه من خصومه وإنصافه لهم، وهنا يرد السؤال الذى يطرحه بعض من يترجم لابن تيمية وهو: كيف يوجه شدة ابن تيمية على " خصومه في مواضع، ثم رفقه بهم في مواضع أخرى؟.
.....
( ص 315)
ويرى أن بعض المسائل الفرعية التى وقع فيها الخلاف لا ينبغي مفاتحة عوام المسلمين فيها وامتحانهم حولها، ومن ذلك مسألة رؤية الكفار لله، فهو يقول في رسالته إلى أهل البحرين حول هذه المسألة وغيرها " وهنا آداب تجب مراعاتها ... ومنها،: " وكذلك لا يفاتحوا فيها عوام المسلمين، الذين هم في عافية وسلام من الفتن، ولكن إذا سئل الرجل عنها، أو رأى من هو أهل لتعريفه ذلك ألقى إليه مما عنده من العلم ما يرجو النفع به، بخلاف الايمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، فإن الإيمان بذلك فرض واجب، لما قد تواتر فيها عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وسلف الأمة
...( ص 314 )
ولذلك لما ذكر مناظرة الإمام أحمد للجهمية حين سألوا عن كلام الله أهو الله أو غير الله، فقال لهم أحمد: ما تقولون في علم الله، أهو الله أو غيره فعارضه أحمد بالعلم فسكت مناظرة- قال ابن تيمية- معلقا: " وهذا من حسن معرفة أبي عبد الله بالمناظرة-رحمه الله- فإن المبتدع الذي بنى مذهبه على أصل فاسد، فينبغي إذا كان المناظر مدعيا أن الحق معه، أن يبدأ بهدم ما عنده، فإذا انكسر وطلب الحق فأعطه إياه، والا فما دام معتقدا نقيض الحق لم يدخل الحق إلى قلبه، كاللوح الذي كتب فيه كلام باطل، امحه أولا، ثم اكتب فيه الحق، وهؤلاء كان قصدهم الاحتجاج لبدعتهم فذكر لهم الإمام أحمد -رحمه الله- من المعارضة ما يبطلها " (٢) . وهذا يدل على براعة علماء السلف - رحمهم الله تعالى
....
( ص 315 )
و ومن قواعد شيخ الإسلام مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك فيما إذا ولد الأمر بالمعروف ترك معروف اكبر، أو ولد النهي عن المنكر منكرا اكبر، وبني ذلك على مسألة المصالح والمفاسد اذا تعارضت، أو تزاحمت الحسنات والسيئات، "فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهي- وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد: اكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الانسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام.
وعلى هذا: إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا ينهوا عن منكر، بل ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه: أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله.
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان: لم يأمر بهما، ولم ينه عنهما.
فتارة يصلح الأمر، وتارة لا يصلح لا أمر ولانهى، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة، وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا" ، ويمثل لذلك في مكان آخر فيقول: " ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب، أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب، وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر عظيم مما هم عليه من ذلك- ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة،-لم ينهوا عنه" .
وهذه مسألة مهمة، ينبغي دراستها بعمق، ودراسة أصولها الشرعية لئلا يؤدي الأمر إلى نوع من الافراط أو التفريط في هذه المسألة التي اعتبرها بعض العلماء من أصول الدين
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( 330 ص )
يتطرق المؤلف في الفصل الثالث
" عصر الأشاعرة "
ثم ذكر الفئة والطائفة السائدة في عصر الخلافة "
قال[H1] :
كما كان للحنابلة أحيانا نفوذ في بغداد، وكانت تقع بينهم وبين غيرهم بعض الفتن (٢) ، وفي سنة ٣٢٣ هـ كان لهم نفوذ عظيم في عهد عالمهم البربهاري- أبو محمد الحسن بن على بن خلف الذي توفي سنة ٣٢٨ هـ (٣) - ثم خرج توقيع الخليفة الراضى ضدهم بتهمة التشبيه حتى اختفى واستتر شيخهم وتوفى وهو مستتر (٤) .
هذا عصر الأشعري الذي عاش فيه، وهو يدل على قوة أهل السنة بأعلامهم الكبار، الذي كان لهم نفوذ كبير وصل إلى أن يصدر الأمر من المعتضد إلى الوراقين ببغداد- سنة ٢٧٩ هـ- أن يحلفوا أن لا يبيعوا كتب الكلام والفلسفة، وأن لا يمكن أحد من القصاص والطرقية والمنجمين ومن أشبههم من الجلوس في المساجد ولا في الطرقات
........
( ص 350 )
والكلام حول كتاب " الإبانة " لأبي الحسن الأشعري
إذا كان ابن فورك قد توفي سنة ٤٠٦ هـ فإن تلميذه الذى يروى عن شيخه ابن فورك في أسانيدهـ الإمام الحافظ أبا بكر البيهقي المولود سنة ٣٨٤ هـ- أثبت نسبة الإبانة للأشعرى ونقل عنه في بعض - والبيهقي- المحدث الفقيهـ أجل من ابن فورك الذي غلب عليه علم الكلام
ولابن تيمية كلام مهم حول هذا الموضوع- نثبته هنا لعلاقته بكتاب الإبانة ونسبته إلى الأشعري، فإنه قال بعد ذكره للعلماء الذين أثبتوه ونقلوا عنه - " فإن قيل: فابن فورك وأتباعه لم يذكروا هذا؟، قيل له سببان:
أحدها: أن هذا الكتاب ونحوه صنفه ببغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره في السنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح به فيه وفي أمثاله وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول وبين القول بالعدم ... ثم نقل ابن تيمية ماذكره ابن عساكر عن ابن فورك وماذكره من مؤلفات الأشعري وتعقب ابن عساكر له،....
السبب الثاني: أن ابن فورك وذويه كانوا يميلون الى النفي في مسألة الاستواء ونحوها، وقد ذكرنا فيما نقله هو من ألفاظ ابن كلاب- وهو من
......
( ص 358)
ويرى الدكتور فاروق دسوقي أن الأشعري، رجع مرة واحدة الي مذهب السلف، ولم يتغير موقفه ولا منهجه، ولا فرق بين الإبانة واللمع، انظر: رأيه وحججه بالتفصيل في كتابه القضاء والقدر (٢/٢٨٦-٣٠٤) ، وهو رأي الدكتورة فوقية محمود، الإبانة- الدراسة- (ص: ٩١) .
(٢) من الذين نصوا على أن الأشعري مر بثلانة أطوار آخرها الرجوع الي مذهب السلف ابن كثير كما نقل عنه الزبيدى في إتحاف السادة المتقين (٢/٤) ، والشيخ محب الدين الخطيب في حواشيه عل الروض الباسم (ص: ١٧٤) ، ومعارج القبول (١/٣٤٦) ، والمنتقي (ص: ٤١، ٤٣) ، والشيخ أحمد بن حجر أبو طامي في العقائد السلفية (١/١٤٣) ، والشيخ محمد الصالح العثيمين في القواعد المثلى (ص: ٨٠-٨١) ، ومصطفي حلمي في ابن تيمية والتصوف (ص: ١٦) وفي قواعد المنهج السلفي - ط الثانية (ص: ٣٠) وغيرهم، ومن الباحثين: هادى طالبي في رسالته أبو الحسن الأشعري بين المعتزلة والسلف (ص: ٣٩) ومابعدها، وخليل إبراهيم الموصلى في رسالته بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين اليه في العقيدة (ص: ٣٩) ومابعدها، ومحمد باكريم باعبد الله في مقدمة تحقيقه لكتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي (ص: ٨) من الدراسة ومابعدها.
......
( ص 359)
هذه أهم الأقوال الواردة في مسألة رجوع الأشعري-رحمه الله- ويمكن تلخيصها كما يلي:
١- إن الأشعري تحول عن الاعتزال إلى التوسط، أو ما يسمي بمذهب الأشعري، وان ما رجع إليه هو الحق.
٢- أنه رجع الى مذهب السلف والقول الحق- الذي هو مذهب الإمام أحمد -ولم تختلف أقواله ولا كتبه.
٣- أنه رجع الى المذهب الحق لكنه تابع ابن كلاب وبقيت عليه بقايا اعتزالية.
٤- أنه رجع أولا إلى التوسط ومتابعة ابن كلاب، ثم رجع إلى مذهب السلف رجوعا كاملا..
٥- أنه رجع أولا إلى مذهب السلف، ثم انتقل إلى التوسط واست
....
( 381 )
ا رواه ابن عساكر عن ابن عذرة في قصة رجوع الأشعري وفيها:
" فبعد ذلك خرج إلى الجامع فصعد المنبر وقال: يا معشر الناس: إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق علي باطل، ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني الى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ئوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب "اللمع" وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب " كشف الأسرار وهتك الأستار وغيرهما" (٣) ، فهذا دليل على تقدم اللمع على الإبانة.
.....
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع / موقف شيخ الإسلام من الأشاعرة
.......
( ص 4
لما عرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنشأة المذهب الكلابي في كلام الله ربطه بابن كلاب ومدرسه، فقال: " وكان ... قد نبغ في آواخر عصر أبي عبد الله [أحمد ابن حنبل] من الكلابية ونحوهم؛ أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد ابن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيه نوع من البدع، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية - نفاة الصفات والعلو - من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذاهب
فاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيرا وتخليصا من شبههم لكثير من أولي الألباب، حتى صار قدوة وإماما لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها، وإن كانوا قد شاركوهم في بعض أصولهما الفاسدة، التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول ".
" وكان ممن اتبعه الحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي، ثم أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسن بن مهدي الطبري، وأبو العباس الصبغي، وأبو سليمان الدمشقي، وأبو حاتم البستي، وغير هؤلاء، المثبتين للصفات المنتسبين إلى السنة والحديث، المتلقبين بنظار أهل الحديث ".
" وسلك طريقة ابن كلاب - في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة، والصفات الاختيارية، وإن الرب يقوم به الأول دون الثاني - كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتيميين أبي الحسن التيمي، وابنه أبي الفضل التيمي، وابن ابنه رزق الله التيمي، وعلى عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد بن الاعتقاد".
" وكذلك سلك طريقة ابن كلاب هذه أبو الحسن بن سالم وأتباعه " السالمية" والقاضي أبو يعلي وأتباعه كابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني، وهي طريقة أبي المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم، لكنهم افترقوا في القرآن، وفي بعض المسائل على قولين - بعد اشتراكهم في الفرق الذي قرره ابن كلاب -" (١) .
فالأصل الذي قرره ابن كلاب قال به هؤلاء كلهم، وفيه الأشاعرة وغيرهم ممن لا ينسب إليهم كالسالمية وبعض الحنابلة.
ومع مرور الزمن بدأت تنقرض النسبة إلى ابن كلاب لتحل محلها النسبة
الى الأشعري
.....
( ص 496)
والمفاجأة إذا وقعت بهذا المستوى ينسي الناس معها تفاصيل الأمور، من مثل أن الأشعري لم يكن رجوعه إلى مذهب السلف كاملا، وأن لديه بعض البقايا من أصول المعتزلة - وتنحصر القضية في رد العدو الأكبر " المعتزلة " ولا شك أن الرد عليهم وكشف ضلالاتهم في ذلك الوقت جهاد وأي جهاد، يقول ابن عساكر - فيما رواه عن ابن عذرة - في قصة رجوع الأشعري وصعوده المنبر وإعلان ذلك على الملأ: " ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب اللمع وكتاب أظهر فيها عوار المعتزلة سماه بكتاب " كشف الأسرار وهتك الأستار " وغيرها، فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها، وانتحلوه، واعتقدوا تقدمه، واتخذوه إماما، حتى نسب مذهبهم إليه، قال لي أبو بكر - أي ابن عذرة - فصار عند المعتزلة ككتابي أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدي الخلق إلى أهل الذمة، وكذلك الأشعري أعدي الخلق إلى المعتزلة، فهم يشنعون عليه من الأشانيع ونيسبون إليه الأباطيل
....
( ص 499)
أهم أسباب انتشار مذهب الأشاعرة في العالم الإسلامي فيمكن تلخيصها في الأمور التالية:
١- أفول نجم المعتزلة، مع ظهور المذهب الأشعري كخصم لمذهبهم (٢) .
٢- نشأة المذهب في حاضرة الخلافة العباسية " بغداد "، ولا شك أن أنظار الناس في شتى الأقطار تتجه في الغالب إلى دار الخلافة، ففيها الفقهاء والمحدثون والمقرئون، كما أنها من أهم البلدان التي يرحل إليها العلماء ليسمعوا الروايات أو يحدثوا فيها بمروياتهم، فلما نشأ المذهب الأشعري في بغداد وهي على هذه الحالة كثر المتلقون لهذا المذهب، الناقلون له إلى كل مكان، وهذا - مثلا - بخلاف مذهب الماتريدي الذي نشأ في زمن الأشعري لكنه كان في بلاد ما وراء النهر فلم ينتشر كانتشار المذهب الأشعري (٣) .
٣- تبني بعض الأمراء والوزراء لمذهب الأشاعرة واحتضان رجالهم له، ومن أبرز هؤلاء:
- الوزير نظام الملك (٤) ، الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة، فتولى الوزارة لالب أرسلان وملكشاة مدة ثلاثين سنة، من سنة ٤٥٥-٤٨٥هـ،
السلاجقة جاءوا على أثر البويهيين الشيعة الذين كانوا يوالون الدولة الفاطمية الباطنية، ولما استولى السلاجقة على بغداد وقضوا عليهم سنة ٤٤٧هـ لم تمض سنوات قليلة حتى حدثت فتنة البساسيري - أحد القواد الأتراك الموالين لبني بويه - وكان ذلك سنة ٤٥٠ هـ، وكان من آثارها أن احتل بغداد وأعلن الخطبة للخليفة المستنصر بالله العلوي العبيدي، وأمر بأن يؤذن بحي على خير العمل، وعزل الخليفة العباسي القائم بأمر الله وكتب عليه عهدا أن لا حق له في الخلافة ولا لبني العباس وأرسل العهد إلى الخليفة الفاطمي في القاهرة، وقد استمرت فتنة البسايري سنة كاملة حتى قضي عليها السلاجقة وأعيد الخليفة العباسي. لذلك جاءت دولة السلاجقة لتنصر أهل السنة ضد أهل الرفض والبدعة، والوزير نظام الملك من اعظم وزرائهم أثرا وخطرا وكانت له جهود عظيمة في حرب الحركات الباطنية والإسماعلية وتحدث عنها طويلا في كتابه المشهور سياست تامة أو سير الملوك (١) ،
ومن أهم آثاره المدارس النظامية التي أنشئت في مدن عديدة منها: البصرة، أصفهان، وبلخ، وهراة، ومرو، والموصل، وأهمها وأكبرها المدرسة النظامية في نيسابور وفي بغداد، وقد جعلهما مع أوقافهما وقفا على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا (٢) ، وكان نظام الملك معظما للصوفية وللقشيري والجويني وغيرهما من أعلام الأشعرية، وقد كان هؤلاء يلقون دروسهم في هذه المدارس على المذهب الشافعي، ويدرسون أصول العقيدة الأشعرية، فكان لذلك دور عظيم في نشرها (٣) .
- المهدي بن تومرت، مهدي الموحدين، توفي سنة ٥٢٤ هـ، فقد دعا إلى المذهب الأشعري وتبناه وكان له دور عظيم في نشره (٤) .
.....
( ص 500 )
نور الدين محمود بن زنكي، الذي جاهد الصلبيين، وقد ولد سنة ٥١١ هـ وتوفي سنة ٥٦٩هـ (١) ، وكان من آثاره أنه بنى أكبر دار للحديث في دمشق ووكل مشيختها إلى ابن عساكر صاحب " تبيين كذب المفتري" (٢) ، كذلك أنشأ في حلب سنة ٥٤٤هـ المدرسة النفرية النورية، وكانت للشافعية، وتولى التدريس فيها قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري (٣) ، وكان أحد أساتذة المدرسة النظامية في نيسابور، وكان أحد أعلام أهل الكلام على المذهب الأشعري، وفي عهد نور الدين بدأت صلة قطب الدين مسعود بصلاح الدين الأيوبي، وتوثقت فيما بعد - كما سيأتي -.
ولا شك أن لهذه المدارس، والمدارس النظامية (٤) ، متمثلة بأولئك العلماء الذين درسوا فيها أثرا عظيما في مقاومة التيار الباطني الإسماعيلي، ومعلوم أن من أعظم آثار نور الدين وصلاح الدين القضاء على الدولة الفاطمية الباطنية في مصر، حيث حلت محلها دولة سنية حكمها صلاح الدين الأيوبي نائبا لنور الدين ثم مستقلا بعد وفاته - رحمهم الله -.
د- صلاح الدين الأيوبي: يقول المقريزي: " وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري تلميذ أبي علي الجبائي، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعي من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية" (٥) ،ثم يقول عن المذهب الأشعري: " فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح
الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني (١) ، على هذا المذهب قد نشأ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك (٢) ، وإذا كان قطب الدين مسعود قد ألف لصلاح الدين عقيدة (٣) ، فإن الفخر الرازي قد ألف كتابه المشهور " أساس التقديس " - الذي نقضه شيخ الإسلام ابن تيمية- للملك العادل محمد بن أيوب بن شادي أخو صلاح الدين. المتوفى سنة ٦١٥ هـ (٤) ،
أما ابنه الأشرف بن العادل فقد مال إلى الحنابلة وأهل السنة في العقيدة، وجرت بينه وبي العز بن عبد السلام- وهو أشعري - مناقشة ومحنة طويلة (٥) .
٤- ومن أسباب انتشار المذهب الأشعري أن جمهرة من العلماء اعتمدوه ونصروه، وخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخيرن (٦) ، والأعلام الذين تبنوه: الباقلاني، وابن فورك، والبيهقي، والإسفراييني، والشيرازي،
والجويني، والقشيري، والبغدادي، والغزالي، والرازي، والآمدي، والعز ابن عبد السلام، وبدر الدين ابن جماعة، والسبكي، وغيرهم كثير، ولم يكن هؤلاء أشاعرة فقط، بل كانوا مؤلفين ودعاة إلى هذا المذهب، ولذلك ألفوا الكتب العديدة، وتخرج على أيديهم عدد كبير من التلاميذ.
كما انتشر في أنحاء عديدة بواسطة هؤلاء، ففي الحجاز انتقل إليه المذهب الأشعري بواسطة أبي ذر الهروي (١) ، كما انتقل عن طريقه إلى المغرب عن طريق المغاربة الذين كانوا يأتون إلى الحج، وكان ممن له أثر في نشره في المغرب بين المالكية أبو بكر الأبهري، والباقلاني وتلامذته (٢) ، والباجي وابن العربي (٣) ، وغيرهم، كما دافع كل من ابن أبي زيد القيرواني، وأبي الحسن القابس عن الأشعري (٤) .
ويذكر المقريزي أنه قد انتشر في العراق نحو سنة ٣٨٠هـ وانتقل منه إلى الشام (٥) ، وممن انتشر على يديه في الشام أبو الحسن عبد العزيز بن محمد الطبري المعروف بالدمل (٦) .
وفي العصور المتأخرة كان لتبني كثير من دور العلم والجامعات عقيدة ومذهب الأشاعرة دور في نشره، ومن أهمها الجامع الأزهر في مصر مع ماله من مكانة علمية في العالم الإسلام
.....
انتهى الجزء الأول
ويليه الجزؤ الثاني
من كتاب
موقف شيخ الإلام ابن تيمية من الأشاعرة
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
........
( ج2/ ص 506)
اهم ما ورد من عقيدة الأشعري
وأبرز سمات عقيدته:
١- إثبات أن الله موجود واحد، أزلي، وأن العالم حادث.
٢- إثبات صفات الله تعالى، دون تفريق بين الخبرية والعقلية، ومن ذلك إثبات صفات السمع والبصر، والحياة، والإرادة، والكلام، والقدرة، والعلم، واليدين والوجه، والعين، والاستواء والنزول، والعلو والمجيء، وغيرها مما هو ثابت في الكتاب أو السنة.
٣- أما الصفات الإختيارية فلا يثبتها صفات قائمة بالله تتعلق بمشيئته واختياره، بل إما أن يؤولها أو يثبتها أزلية وذلك خوفا من حلول الحوادث بذات الله.
٤- الإيمان بكلام الله، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن الكلام -عنده - أزلي، لا يتعلق بمشيئته وإرادته.
٥- إثبات الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
٦- الإيمان بالقدر، مع القول بالكسب، وأن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل.
......
( ص 515)
وكان الباقلاني ذا شهرة واسعة، ولذلك استقدمه عضد الدولة البويهي إلى شيراز وناظر المعتزلة في مجلسه، كما أرسله سنة ٣٧١هـ، رئيساً للبعثة التي أوفدها إلى ملك الروم، وجرت له أمور كثيرة
....
( ص 529)
وأهم كتبه الكلامية الباقلاني - التي دعم فيها المذهب الأشعري-:
1- التمهيد: ويسمى تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، وقد ألفه لابن عضد الدولة وولي عهده لما طلب منه أن يعلمه مذهب أهل السنة.
.....
والتمهيد من أهم كتب الأشاعرة، وقد ركز فيه الباقلاني على الحجاج العقلي، ولذلك تضمن الردود الطويلة على المنجمين، والثنوية، والديصانية، والمجوس، والبراهمة، واليهود، والنصارى، وغيرهم.. مع أبواب أخرى في تفصيل مسائل الصفات والقدر وغيرها على وفق مذهب الأشاعرة.
والكتاب طبع في القاهرة وبيروت، وكل واحدة من الطبعتين ناقصة، وإحداهما تكمل الأخرى، وقد طبع أخيراً في بيروت طبعة تجمع بين الطبعتين، ولكن الذي سمى نفسه محققاً لهذه الطبعة وهو الشيخ عماد الدين حيدر ارتكب خطأ علمياً شنيعاً حين حذف من الكتاب نصاً للباقلاني يتعلق بإثباته للعلو والاستواء والرد على من أوله بالاستيلاء، وهو خطأ مقصود لأن الذي حذفه لا يناسب اعتقاده خاصة وأن له تعليقات يهاجم فيها المثبتة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية
( ص 530
رسالة الحرة، وقد طبع باسم " الإنصاف فيما يحب اعتقاده ولا يجوز الجهل به" وهذا الاسم خطأ، بل الاسم الصحيح "الحرة" وقد ذكره في مقدمة كتابه فقال: " أما بعد فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الدينية.." (٢) ، وبهذا الاسم ذكره القاضي عياض (٣) ، ونقل عنه ابن القيم (٤) ، ورسالة الحرة رسالة جامعة ذكر فيها الباقلاني مسائل العقيدة أولاً بإجمال ثم فصلها، وتوسع كثيراً في مسألة القرآن وكلام الله وما يتعلق بذلك [ص:٧١-١٤٣] ، كما توسع في مسائل القدر والكسب [ص: ١٤٤-١٦٨] ، ثم ذكر مسائل الشفاعة والرؤية.
( ص 531)
٣- كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر والنارنجات، وهو في إثبات النبوات، والفرق بين معجزات الأنبياء وخوارق السحرة والكهان وغيرهم، وهو من أوسع ما كتب في هذا الباب.
وقد طبع الكتاب بتحقيق مكارثي، وذكر أنه طبعه على المخطوط الوحيد المعروف لهذا الكتاب (١) ، ولما كان المخطوط ناقصاً رجح أن الباقلاني لم يتمه لأنه ربما ألفه في آخر عمره (٢) ، أما كونه من آواخر كتبه فهو صحيح لأن الباقلاني في كتابه هذا يشير إلى كتبه الأخرى مثل التمهيد وأصول الديانات وكتبه في أصول الفقه، كما أشار إلى أنه قد ألف منذ سنين حول هذا الموضوع - المعجزات والفرق بينها وبين الكرامات والسحر - وأنه قد انتسخ في الحرم (٣) ، وهذا يدل على أنه قد بلغ من الشهرة مبلغاً، أما دعوى مكارثي أن الباقلاني لم يتم كتابه هذا، لأن المخطوط انتهى عند قوله: " يتلوه إن شاء الل باب القول في الإبانة عن وجود الشياطين وذكر الأدلة على ذلك.." (٤) ، فهي دعوى غير صحيحة لأن شيخ الإسلام ابن تيمية نقل نصوصاً من هذا الكتاب في كتابه " النبوات "، ومنها نصوص ليست موجودة في المطبوعة من البيان (٥) ، مما يدل على أنه قد اعتمد على نسخة كاملة وأن الباقلاني قد أتمه.
وكتاب النبوات رد على الباقلاني في كتابه هذا.
٤- كتاب هداية المسترشدين والمقنع في معرفة أصول الدين، وهو كتاب كبير بقي منه مجلد واحد من الجزء السادس إلى الجزء السابع عشر بتجزئة
....
( ص 533)
دقائق الكلام والرد على من خالف الحق من الأوائل ومنتحلي الإسلام وهي في الرد على الفلاسفة والمنجمين، وقد أشار إليه ابن تيمية في درء التعارض (٥) .
٦- الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة، وقد نقل منه ابن تيمية نصاً حول الصفات في الفتوى الحموية (٦) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش (٧) ، كما أشار إليه ابن تيمية في درء التعارض (٨) .
٧- شرح اللمع لأبي الحسن الأشعري، ولم يصل إلينا هذا الكتاب، لكن نقل منه شيخ الإسلام نصوصاً كثيرة في درء التعارض، وكتاب (٩) ، " اللمع " للأشعري يحمل مكانة عند الأشاعرة، ولذلك لما قدم الباقلاني إلى شيراز لمقابلة عضد الدولة البويهي استقبله فيها عبد الله بن خفيف - أحد تلامذة الأشعري - في جماعة من الصوفية وأهل السنة، يقول الباقلاني: " فلما جلسنا في موضع كان ابن خفيف يدارس فيه أصحابه اللمع للشيخ أبي الحسن الأشعري، فقلت له: تماد على التدريس كما كنت، فقال لي: أصلحك الله، إنما أنا بمنزلة المتيمم عند عدم الماء
.....
ارجو تثبيت الموضوع
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
ونشير الى بعض معتقدات بعض الأشاعرة الكبار
من معتقدهم وأهم ما جرى في حياتهم والأمور العقدية
ابن فورك
وفي آواخر عمره أنهى إلى السلطان محمود بن سبكتكين أنه يعتقد أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس نبياً اليوم، وأن رسالته انقطعت بموته، وقد امتحن وجرت له مناظرات مع محمود بن سبكتكين، وممن نسب إليه هذا القول ابن حزم حيث قال في الفصل: [حدثت (٦) ] فرقة مبتدعة تزعم أن محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب - صلى الله عليه وسلم - ليس هو الآن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه كان رسول الله، وهذا قول ذهب إليه الأشعرية، وأخبرني سليمان بن خلف الباجي - وهو من مقدميهم اليوم - أن محمد بن الحسن ابن فورك الأصبهاني على هذه المسألة قتله
بالسم محمود بن سبكتكين، صاحب ما دون وراء النهر من خراسان -رحمه الله- " (١) ، ثم ذكر ابن حزم السبب الذي أدى إلى هذه المقالة (٢) ، وقد نفى السبكي بشدة نسبة هذه المقالة وشنع على ابن حزم والذهبي بسبها، وقال إن ابن فورك لما سأله ابن سبكتكين كذب الناقل، وإن السلطان عندما وضح له الأمر أمر بإعزازه وإكرامه، فلما أيست الكرامية دست له السم (٣) ، وقول ابن حزم سبق نقله قريباً وقد نسبه إلى الباجي، أما الذهبي فقال: " ونقل أبو الوليد الباجي أن السلطان محموداً سأله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا، فأمر بقتله بالسم " (٤) ، وهذه المسألة من المسائل التي كانت سبباً في محنة الأشعرية زمن القشيري والجويني، وقد رد القشيري نسبتها إلى الأشعرية وبين بطلان نسبتها إليهم (٥) .
والذي يظهر أنه قد وقعت بين ابن فورك وابن سبكتكين مناظرات في موضوعات متعددة ولذلك ذكر ابن رجب مناظرة بينهما حول العلو، فروى في أثناء ترجمته لأبي الحسن العكبري أنه قال: " سمعت أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فتناظرا، قال ابن فورك لمحمود، لا يجوز أن تصف الله بالفوقية، لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية، لأنه من جاز أن يكون له فوق جاز أن يكون له تحت. فقال محمود: ليس أنا وصفته بالفوقية، فتلزمني أن أصفه بالتحتية، وإنما هو وصف نفسه بذلك، قال: فبهت
.....
( ص 580 )
البيهقي: مجدد المذهب الشافعي في الفقه، وأحد أعلام المحدثين، كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي، ثم في دعم الأشاعرة من خلال حرصه على الحديث وروايته، ولبيان أن ذلك لا يخالف منهج الأشاعرة الكلامي.
ب - والقشيري أدخل التصوف في منهج وعقائد الأشاعرة.
جـ - والجويني خطا خطوات بالمذهب نحو الاعتزال.
والبيهقي هو أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، الخسروجردي، البيهقي
قال الذهبي ممن " بورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة" (٢) ، وقال: " تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غريزة الفوائد، قل من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر" (٣) ، وقال فيه إمام الحرمين: " ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه" (٤) ،
قال الذهبي معلقاً: " قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيه الحديث
.....
( ص 583 )
عقيدة البيهقي
إذا كان البيهقي من المبرزين في الحديث والفقه فلماذا اهتم بالعقيدة، والتأليف فيها، ثم تأويل النصوص الواردة في الصفات؟، وإذا كان قد ألف
في إثبات عذاب القبر، والرؤية، وما يتعلق بالبعث من الشفاعة والميزان والحوض، وهذه الأمور مما أنكرته أو أوّلته المعتزلة - والرد عليهم من سمات أهل السنة -، فلماذا حرص على التأليف في الأسماء والصفات واستقصاء جميع ما ورد في ذلك من الألفاظ والروايات وغالبها مما يؤول الأشاعرة؟ لقد ذكر البيهقي في ثنايا كتابه " الأسماء والصفات " إشارة إلى سبب تأليفه إذ قال:- في معرض تأويله الصورة- " ومعنى هذا فيما كتب إليّ الأستاذ أبو منصور محمد بن الحسن ابن ايوب الأصولي -رحمه الله- الذي كان يحثني على تصنيف هذا الكتاب، لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة، ولم يقدر في أيام حياته لاشتغالي بتخريج الأحاديث في الفقهيات على مبسوط أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي -رحمه الله- الذي أخرجه على ترتيب مختصر أبي ابراهيم المزني -رحمه الله- ولكل أجل كتاب " (١) ،
وهذا الذي أوصى البيهقي بتأليف كتاب في الأسماء والصفات هو أحد أعلام الأشاعرة، كان من أخص تلاميذ ابن فورك حتى أنه زوجه من ابنته الكبرى ومما قيل في ترجمته أنه: " الأستاذ الإمام، حجة الدين، صاحب البيان، والحجة والبرهان، واللسان الفصيح، والنظر الصحيح، أنظر من كان في عصره، ومن تقدمه، ومن بعده على مذهب الأشعري، واتفق له أعداد من التصانيف المشهورة المقبولة عند أئمة الأصول مثل تخليص الدلائل، تتلمذ للأستاذ أبي بكر بن فورك في صباه، وتخرج به، ولزم طريقته، وجد واجتهد في فقر وقلة من ذات اليد ... وكان أنفذ من الاستاذ وأشجع منه، توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة " (٢) ، وعلى هذا فالبيهقي ألف كتابه استجابة لطلب أستاذه خدمة للمذهب الأشعري - الذي كان أحد أعلامه - ولذلك حشاه بالنقول من أقوالهم وتأويلاتهم إضافة إلى تأويلاته هو، وما أدري
.......
(ج2/520)
رجوع الجويني في النظامية.
اشتهر عن الجويني أنه رجع في النظامية وأبرز ما رجع فيه مسألتان:
أ - مسألة القدرة الحادثة وقوله: إنه مؤثرة بعد أن كان يرى أنها غير مؤثرة - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك -.
ب - مسألة الصفات الخبرية، فإنه قال: " اختلفت مسالك العلماء في الظواهرالتي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في أي الكتاب وما يصح من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقلاً أتباع سلف الأمة، فالأولى الأتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي
.....
(ج2/ 523 )
أما أشهر مؤلفات الغزالي الأشعرية فهي:
١- الأربعين في أصول الدين، وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من كتابه الآخر " جواهر القرآن ".
٢- قواعد العقائد - وكتابه العقيدة القدسية جزء منه - وقد ضم الغزالي قواعد العقائد إلى كتابه الآخر " إحياء علوم الدين " وهو ضمن المجلد الأول منه.
٣- الاقتصاد في الاعتقاد.
٤- تهافت الفلاسفة، نقض فيه أقوال الفلاسفة من منطلق أشعري.
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
( ج2/ ص 532 )
الغزالي
الباطنية (١) ، والقسطاس المستقيم (٢) - الذي هو عبارة عن مناقشة ومحاورة بينه وبين أحد دعاة التعليم من الباطنية -، وهو بهذا الكتاب يحيل على كتابيه المنطقيين " محك النظر" و " معيار العلم" (٣) .
فالغزالي ينطلق في ذلك من منطلق عقيدة العوام التي هي عقيدة الأشاعرة، ولذلك يقول في جواهر القرآن عن علم محاجة الكفار ومجادلتهم: " ومنه يتشعب علم الكلام المقصود لرد الضلالات والبدع وإزالة الشبهات، ويتكفل به المتكلمون، وهذا العلم شرحناه على طبقتين: سمينا الطبقة القريبة منهما الرسالة القدسية، والطبقة التي فوقها الاقتصاد في الاعتقاد، ومقصود هذا العلم حراسة عقيدة العوام من تشويش المبتدعة، ولا يكون هذا العلم ملياً (٤) بكشف الحقائق، وبجنسه يتعلق الكتاب الذي صنفناه في تهافت الفلاسفة، والذي أوردناه في الرد على الباطنية في الكتاب الملقب بالمستظهري وفي كتاب حجة الحق، وقواصم الباطنية، وكتاب مفصل الخلاف في أصول الدين، ولهذا العلم آلة يعرف بها طريق المجادلة، بل طرق المحاجة بالبرهان الحقيقي، وقد أودعناه كتاب " محك النظر "، وكتاب معيار العلم على وجه لا يلفي مثله للفقهاء والمتكلمين ولا يثق بحقيقة الحجة والشبهة من لم يحظ بهما علماً"
ميزان العمل من كتب الغزالي الصوفية - يقول في آخره: " لعلك تقول: كلامك في هذا الكتاب انقسم إلى ما يطابق مذهب الصوفية، وإلى ما يطابق مذهب الأشعرية وبعض المتكلمين، ولا يفهم الكلام إلا على مذهب واحد، فما الحق من هذه المذاهب؟ فإن كان الكل حقاً فكيف يتصور هذا؟ وإن كان بعضه حقاً فما ذلك الحق؟ فيقال لك: إذا عرفت حقيقة المذهب لا تنفعك قط
وكثرت المقارانات بينه وبين ديكارت (٢) ، صاحب الفلسفة المعروفة التي قال فيها: " أنا أفكر، إذن فأنا موجود " (٣) ، بل أثبت أحد الباحثين أن ديكارت قد اطلع على كتاب الغزالي "المنقذ من الضلال" وأنه اقتبس منه فكرة الشك (٤) ، والكلام حول شك الغزالي وكنهه وإلى أي مدى كان يطول، ولكن الثابت أن منهج الشك عند الغزالي تمثل في أمرين:
أحدهما: عملي، وهو ما عايشه وسطره بوضوح في كتابه المنقذ من الضلال (٥) ، ويلاحظ هنا أن الغزالي يشرح ما جرى له، ولذلك سماه داءً ومرضاً.
والثاني: شك منهجي، وهو الذي أشار إليه في بعض كتبه، ومن ذلك قوله: " ولو لم يكن في مجاري هذه الكلمات إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث، لتنتدب للطلب، فناهيك به نفعاً، إذ الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال، نعوذ بالله من ذلك " (١) ، وهذا الشك هو الذي يذكر في أول واجب على المكلف، هل هو النظر أو القصد إلى النظر أو الشك، وإذا كان الأول والثاني قد أخذ به بعض الأشاعرة فإن الثالث - وهو الشك- إنما يؤثر القول به عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي
إن هناك من يدافع عن الغزالي، ويرى أن تصوفه تصوف سني، وأنه هاجم الفلاسفة والمتكلمين لنصرة طريق الصوفية (٢) ، ولكن المطلع على كتبه - وما ألفه منها للخاصة - كمشكاة الأنوار، والمعارف العقلية، وميزان العمل، ومعارج القدس، وروضة الطالبين، والمقصد الأسني، وجواهر القرآن، والمضنون به على غير أهله، يرى شيئاً آخر غير التصوف المعروف.
ويقول في كتابه مشكاة الأنوار وهو من كتبه التي ألفها للمخاصة ولذلك يقول في مقدمته: " أما بعد فقد سألتني أيها الأخ الكريم.. أن أثبت إليك أسرار الأنوار الإلهية، مقرونة بتأويل ما يشير إليه ظواهر الآيات المتلوة والأخبار المروية "، ثم يقول: " ولقد ارتقيت بسؤالك مرتقى صعباً تنخفض دون أعاليه أعين الناظرين، وقرعت باباً مغلقاً لا يفتح إلا للعلماء الراسخين، ثم ليس كل سر يكشف ويفشى، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، ولقد قال بعض العارفين: إفشاء سر الربوبية كفر ... " (٣) ، وبعد أن يذكر تأويلات باطنية وفلسفية عجيبة يقسم الناس - في آخر الكتاب - إلى أصناف، ومنهم المحجوبون بمحض الأنوار، وهؤلاء أيضاً أصناف وبعد أن يذكر الصنف الأول والثاني يقول: " والصنف الثالث ترقوا عن هؤلاء وقالوا: إن تحريك الأجسام بطريق المباشرة ينبغي أن يكون خدمة لرب العالمين، وعبادة له وطاعة من عبد من عباده يسمى: ملكاً، نسبته إلى الأنوار الإلهية المحضة نسبة القمر في الأنوار المحسوسة
....
(ج2/ ص 535
وفي معارج القدس - وهو من كتبه الفلسفية الخاصة - ينهج فيه نهج الفلاسفة في بحوثهم عن النفس الإنسانية، ويذكر خصائص النبوة، وأنها ثلاث: قوة التخيل وقوة العقل، وقوة النفس (٣) - وهذا نفسه هو كلام الفلاسفة الذين يقولون: إن النبوة مكتسبة -، ويفسر الغزالي آية النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} (النور:٣٥) ، بقوله: " فالمشكاة مثل العقل الهيولاني، فكما أن المشكاة مستعدة لأن يوضع فيها النور فكذلك النفس بالفطرة مستعدة لأن يفيض عليها نور العقل ... ثم إذا حصلت له المعقولات فهو نور على نور، نور العقل المستفاد على نور العقل الفطري، ثم هذه الأنوار مستفادة من سبب هذه الأنوار بالنسبة إليه كالسرج بالنسبة إلى نار عظيمة طبقت الأرض، فتلك النار هي العقل الفعال المفيض لأنوار المعقولات على الأنفس البشرية " (٤) ، وهذا لا يحتاج إلى تعليق، ومنها يتضح ما يقصده الغزالي بالأسرار، والتي يقول فيها في كتابه المعارف العقلية: " وهذا القدر الذي كتبنا وذكرنا في هذه الأوراق نخبة أسرار غير مكتوبة، وإشارات مكنونة ورموز مستورة.. ولا يحل أن يوضع الورد بين الحمير، ويطرح الدر في فم الخنزير" (٥) ، وقد صرح في كتابه هذا بأمور غريبة وعجيبة حقاً (٦) .
٤- ويقول الغزالي في كتابه - جواهر القرآن - " وهذه العلوم الأربعة أعني علم الذات والصفات والأفعال وعلم المعاد أودعنا من أوائله ومجامعه القدر
.....
( ج2/ 535)
هناك جمهرة من العلماء المائلين إلى المذهب الأشعري ردوا على الغزالي في كتبه، خاصة الإحياء، كما ردوا عليه بسبب ميله إلى الفلاسفة، ومن هؤلاء: محمد بن علي بن حمدين المتوفى سنة ٥٠٨ هـ، الذي اطلع على كتاب الإحياء فسعي إلى الأمير علي بن يوسف تاشفين فأمر بإحراقه، فتم ذلك في سنة ٥٠٣هـ، بل وأصدر أمراً إلى سائر البلاد بالأمر وإحراقه، وقد ألف ابن حمدين كتاباً في الرد على الغزالي، انظر في ترجمته: (الصلة لابن بشكوال ٢/٥٧٠، وسير أعلام النبلاء ١٩/٤٢٢) ، وفي مسألة الإحراق الحال الموشية ص: ١٠
ومن العلماء الذين ردوا على الغزالي: أبو بكر الطرطوشي المتوفى سنة ٥٢٠هـ، حيث كتب رسالة حط فيها من الغزالي وبرر قصة إحراق كتابه، (انظر: هذه الرسالة في المعيار المعرب ١٢/١٨٦-١٨٧، وانظر سير أعلام النبلاء ١٩/٤٩٠) ، ترجمة الطرطوشي، وفي (ص: ٤٩٥) ، ذكر الذهبي عنه أنه قال عن إحياء علوم الدين: " وهو لعمرو الله أشبه شيء بإماتة علوم الدين"، ومن العلماء أيضاً: الإمام المازري المتوفى سنة ٥٣٦هـ، الذي رد على الغزالي وألف كتاباً سماه: الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء، وقال عن الغزالي: إنه: " قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في فن أصول الدين، فكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني، وتسهيلاً للهجوم على الحقائق "، ثم إن له عكوفاً على رسائل إخوان الصفا، وإنه يعول على كتب ابن سينا (انظر: طبقات السبكي ٦/٢٤١، وانظر: كتاب: المازري، الفقيه والمتكلم وكتابه المعلم، لمحمد الشاذلي النيفر ص: ٦٧ وما بعدها) ، ومنهم ابن صلاح كما في سير أعلام النبلاء ١٩/٣٢٩، ومنهم القاضي عياض كما في السير أيضاً (١٩/٣٢٧) ، ومنهم أبو بكر بن العربي
المصادر والمراجع
تبيين كذب المفتري (ص: ٢٤٩) ، وانظر في ترجمته أيضاً سير: أعلام النبلاء (١٧/٥٧٣) ، واسمه فيهما محمد بن الحسن، وانظر: طبقات السبكي (٤/١٤٧) ، والوافي (٣/١٠) ، ومعجم المؤلفين (٩/٢٣٥) ، وهو فيها كلها: محمد بن الحسين
.....
( ج2/ 545)
[أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي]
- ابن تومرت ت ٥٢٤هـ.
- أبو بكر بن العربي ت ٥٣٤هـ.
- الشهرستاني ت ٥٤٨هـ.
- ابن عساكر ت ٥٧١هـ
....
( ج2/ ص 546)
ما ابن تومرت (١) فشهرته جاءت كمؤسس لدولة الموحدين، التي قامت على أنقاض دولة المرابطين - التي كانت دولة سنية -، وحادثة إحراق كتب الغزالي، وعلى رأسها الإحياء - مشهورة (٢) ، وسبب إحراقها ما حوته من تأويل وأقوال مخالفة لمذهب السلف، فلما جاء ابن تومرت- الذي ذكر أنه لقي بعض الأشاعرة في رحلته إلى المشرق ومنهم الغزالي (٣) - وبدأ ثورته
ضد المرابطين أخذ يستخدم في حربهم أساليب متعددة منها رميهم بالتجسيم، وألف عقيدته المسماة المرشدة، ونجح في تأسيس دولة الموحدين فاشتهر على أنه أحد أعلام الأشاعرة، والظاهر أن تصنيفه كأحد الأعلام الذين نشروا المذهب الأشعري جاء لسببين:
أحدهما: حربه للمرابطين السنة، وكان من الأشياء التي حاربهم بها اتهامه لهم بالتجسيم والتشبيه، فهو بهذا فتح الباب لدخول التأويل الكلامي لبلاد المغرب، ولم يقتصر الأمر على هذا بل تبنى - بصفته إماماً مطاعاً - هذا الجانب، فكان لسلطته الدور الأكبر في انحسار مذهب السلف، وفشو مذاهب المتكلمين.
الثاني: تأليفه للمرشدة (١) ، وهي عقيدة - مختصرة - مستقاة من مذهب الأشاعرة، ولم يقتصر الأمر على هذا بل كان يفرض هذه العقيدة على الناس، بحيث تدرس للعوام، مما جعلها تشتهر بسرعة.
وفيما عدا ذلك فابن تومرت يبدو أقرب ما يكون إلى مذهب المعتزلة، ومذهب الشيعة (٢) ، وقد كان أحد أتباعه لما كتب تاريخ ابن تومرت لا يسميه إلا الإمام المعصوم (٣) وليس قربه من هؤلاء بأقل من قربه من الأشاعرة
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
تابع ./ موقف شيخ الاسلام من الاشاعرة
( 555)
.....
الذين انتقدوه فكثيرون جداً، منهم ابن جبير الذي قال عنه في رحلته - كما نقل الصفدي -: " دخلت الري فوجدت ابن خطيبها قد التفت عن السنة وشغلهم بكتب ابن سينا وأرسطو " ، ونقل أبو شامة أن الشناعات عليه قائمة بأشياء منها " أنه كان يقول: قال محمد التازي يعني العربي: يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال محمد الرازي، يعني نفسه، ومنها أنه كان يقرر في مسائل كثيرة مذاهب الخصوم وشبههم بأتم عبارة فإذا جاء إلى الأجوبة اقتنع بالإشارة " ، ثم مدحه ودافع عنه، وقال في بعض المغاربة: " يورد الشبه نقداً، ويحلها نسيئة " ، وقال الطوفي الصرصري المتوفى سنة ٧١٦هـ: " وأجمع ما رأيته من التفاسير لغالب علم التفسير كتاب القرطبي، وكتاب مفاتيح الغيب، ولعمري كم فيه من زلة وعيب، وحكى لي الشيخ شرف الدين
لمالكي صنف كتاب المآخذ على مفاتيح الغيب، وبين ما فيه من البهرج والزيف في نحو مجلدين، وكان ينقم عليه كثيراً، خصوصاً إيراده شبه المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من القوة وإيراد جواب أهل الحق منها على غاية ما يكون من الوحي (٣) ، ولعمري إن هذا لدأبه في غالب كتبه الكلامية والحكمية، كالأربعين، والمحصل، والنهاية، والمعالم، والمباحث المشرقية، ونحوها، وبعض الناس يتهمه في هذا وينسبه إلى أنه ينصر بهذا الطريق ما يعتقده ولا يجسر على التصريح به، ولعمري إن هذا ممكن، لكنه خلاف ظاهر حاله، فإنه ما كان يخاف من قول يذهب إليه، أو اختيار ينصره، ولهذا تناقضت آراؤه في سائر كتبه، وإنما سببه عندي، أنه كان شديد الاشتياق إلى الوقوف على الحق كما صرح به في وصيته التي أملاها عند موته، فلهذا كان يستفرغ وسعه ويكد قريحته في تقرير شبه الخصوم، حتى لا يبقى لهم بعد ذلك مقال، فتضعف قريحته عن جوابها على الوجه، لاستفراغه قوتها في تقرير الشبه ... " (٤) ، وقال الذهبي عنه - وقد ترجم له في الميزان في حرف الفاء باسم الفخر -: " رأس في الذكاء والعقليات لكنه عرى عن الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح، فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى " (٥) .
أما الشهرزوري المتوفى سنة ٣٨٧هـ، تقريباً - فقد نقده نقداً لاذعاً - من منطلق فلسفي إشراقي (٦) وقال عنه " له مصنفات في أكثر العلوم
الفلسفة الإشراقية تجمع بين الفلسفة والتصوف، وكان على رأسها السهروردي المقتول سنة ٥٨٧هـ، وأشهر كتبه كتابه حكمة الأشراف الذي شرحه الشهرزوري - محمد بن محمود- انظر في نشأة فلسفة الإشراق وترجمة الشهرزوري، مقدمة تحقيق نزهة الأرواح (ج- ١ص: د- كز) وأصول الفلسفة الإشراقية، محمد على أبو ريان، والأعلام للزركلي (٧/٨٧)
إلا أنه لا يذكر في زمرة الجكماء المحققين، ولا يعد في الرعيل الأول من المدققين، أورد على الحكماء شكوكاً وشبهاً كثيرة وما قدر أن يتخلص منها، وأكثر من جاء بعده ضل بسببها، وما قدر على التخلص منها" (١) ، ويقول عنه أيضاً: " هو شيخ مسكين، متحير في مذاهبه التي يخبط فيها خبط عشواء
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
عز الدين بن عبد السلام (٤) : ت ٦٦٠هـ.
الإمام العلم المشهور، وهو أحد تلامذة الآمدي، ويلاحظ أن وفاته كانت قبل ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية بسنة واحدة تقريباً، وقد تميز العز بن عبد السلام بكونه من أعلام العلماء العاملين المجاهدين، الذين يقتدى بهم فئات عظيمة من الناس من العلماء وغيرهم، ولذلك فدفاعه عن مذهب الأشاعرة وتقريره له في كتبه له أثره في الناس، وقد كانت إحدى محنة الكبار بسبب مسألة الحرف والصوت، وقد ألف في ذلك عقيدته المسماة "الملحة في اعتقاد أهل الحق" قرر فيها مذهب الأشاعرة في كلام الله وإنكارالحرف والصوت وشنع على مخالفيه من الحنابلة، ووصفهم بالحشو وأغلظ عليهم، وقد أفرد ولده عبد اللطيف ما جرى له في رسالة (٥) ، ونقلها السبكي، الذي نقل أيضاً
الملحة " بكاملها (١) ، ومما تجدر ملاحظته أن شيخ الإسلام رد على العز في رسالته هذه -وأغلظ عليه أحياناً - مع أنه مدحه في أول الجواب عن الفتوى (٢) .
والأدلة على أشعرية العز واضحة، وقد سجل خلاصة لعقيدته في كتابه المشهور قواعد الأحكام (٣) ، أما تأويله لبعض الصفات، فواضح في كتابه الإشارة إلى الإيجاز فقد أول صفات المجيئ، والقبضة، واليدين، والنزول، والضحك، والفرح، والعجب، والاستواء، والمحبة، والغضب، والسخط وغيرها (٤) ، وهو ممن ينفي العلو والفوقية ويتأولهما (٥) ، كما أن الشيخ له ميل إلى التصوف، فقد ذكر في كتابه القواعد أنواع العلوم التي يمنحها الأنبياء والأولياء فذكر منها: " الضرب الثاني: علوم إلهامية، يكشف بها عما في القلوب، فيرى أحدهم من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله..
قال ابن تيمية في نقض المنطق (ص: ١٤) ، [وهو في مجموع الفتاوي ٤/١٥) ، " وكذلك رأيت في فتاوي الفقيه أبي محمد فتوى طويله فيها أشياء حسن ... " ثم رد عليه في (ص: ٧٤) ، وكونه مع الجويني يعيبون بتسميتهم حشوية، وفي (ص: ١١٨) ، نقل نصاً من " الملحمة " ورد عليه إلى (ص: ١٣٥) ، - من نقض المنطق - والمقصود بأبي محمد العزّ بن عبد السلام وليس أبا محمد الجويني، والد إمام الحرمين - كما ظن البعض، لأن ابن تيمية أشار (ص: ١٥) ، إلى الفتنة القشيرية والتي وقعت سنة ٤٦٩هـ، وأن اللعن للأشعرية انتشر بعدها، وأبو محمد الجويني توفي سنة ٤٣٨هـ، إضافة إلى أن شيخ الإسلام أعاد ذكره في (ص: ٥٤) ، بقوله " الفقيه أبو محمد بن عبد السلام "، وفي (ص: ٧٤) ، ذكر أن أبا محمد كان يتبع أبا المعالي في فقهه وكلامه، وهذا دليل قاطع، مع أنه ذكره بقوله " أبو محمد" فقط بدون الفقيه، إضافة إلى أن مترجمي الجويني لم يذكروا له فتاوي جمعت له، أما العز فله عدة فتاوي لها نسخ خطية موجودة، وقد طبع بعضها، والله أعلم.
......
ص 587)
صفي الدين الهندي (٢) : ت ٧١٥هـ
وقد سمى كتابه " الرسالة التسعينية في الأصول الدينية" لأنها مشتملة على تسعين مسألة، وقد أشار في أولها إلى ما جرى بين ابن تيمية والأشاعرة (٣) ، وقد حذا في رسالته هذه حذو الرازي (٤) ، وذكر القانون الكلي الذي يقدم فيه العقل على النقل عند التعارض (٥) ، كما أوّل حديث الجارية " أين الله " بتأويل عجيب (٦) ، وفي مسألة حلول الحوادث رد على الرازي حين قال إن أكثر العقلاء قالوا به (٧) ، وفي مسألة حوادث لا أول لها ناقشها وكأنه يعرض بشيخ الإسلام ابن تيمية (٨) ، كما أنه رد على الرازي في قوله في الرؤية: وإنها حالة انكشاف بنوع من العلم (٩) ، وفي الجملة فليس في هذه الرسالة جديد لا في الأدلة ولا في العرض، ويغلب عليه فيها المنهج العقلي
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
" حقيقة موقف الرازي من السحر والتنجيم وانكار ابن تيمية عليه
للباحث / سلطان العميري
....
مقدمة الكتاب
قال العميري في مقدمة كتابه :
" فقد اشتهر عن ابي عمر الرازي انه الف كتابا يتعلق بموضوع السحر والنجوم اسماه " السر المكتوم في مخاطبة النجوم "
وقد اختلف الناس كثيرا في نسبة هذا الكتاب اليه فمنهم من جزم بانه له ومنهم من تردد في ذلك ومنهم من جزم بأنه ليس له
والصحيح ان الكتاب ثابت النسبة الى الرازي وقد اثبت نسبته اليه عدد كبير منهم نسبته اليه عدد كبير من المؤرخين والباحثين ومن اقوى الأدلة على ذلك انه ذكر تأليفه لهذا الكتاب في مواطن متعددة من كتتبه واحال اليه ونبه على انه حقق ببعض المسائل فيه
وممن جزم بأنه للرازي واغلظ الانكار عليه ابن تيمية بل وصفه بالردة والشرك
افتتح الرازي كتابه :
اما بعد فهذا كتاب يجمع فيه ما وصل الينا من علم الطلسمات والسحريات والعزائم ودعوة الكواكب مع التبري عن كل ما يخالف الدين وسلم اليقين
يتناول الكتاب موضوع السحر والتنجيم، وقد تمسّك الرازي بتقديم آراء تعتبر السحر نوعاً من العلوم المفيدة، مشيراً إلى تأثير النجوم على الأحداث الأرضية، مما أثار جدلاً كبيراً، خاصة من ابن تيمية الذي اعتبر ذلك ردة عن الإسلام. يهدف البحث إلى تحقيق موقف الرازي من السحر، وتحديد موقف ابن تيمية منه، مع استعراض الأدلة والشهادات المتعلقة بالموضوع. يبرز العميري أن الكتاب يحتوي على تبريرات للعلماء الذين انتقدوا السحر، ليظهر كيفية تباين الآراء حول هذا الموضوع
:
يبدأ الرازي الكتاب بالتأكيد على أنه يتبرأ من كل ما يخالف الدين.
يمدح الرازي علم السحر ويعتبره ذا فوائد، مع ذكر قصص وأحداث تدعم ذلك.
يبرز تأثيرات النجوم والكواكب على الأحداث الأرضية، ويشدد على ضرورة معرفة هذه التأثيرات لتحقيق الأهداف.
ابن تيمية وانتقاداته:
يتناول الباحث موقف ابن تيمية الذي اعتبر آراء الرازي في السحر ردة عن الإسلام.
يصف ابن تيمية الكتاب بأنه يدعو إلى عبادة الكواكب، وينتقد الرازي بشدة، مشدداً على أن ذلك يتعارض مع العقيدة الإسلامية.
دفاع الأشاعرة:
يناقش الكتاب محاولات بعض الأشاعرة المعاصرين للدفاع عن الرازي، مثل سعيد فودة، حيث اعتبروا أن ابن تيمية قد بالغ في انتقاداته.
تحليل الموقف:
يقدم العميري تحليلاً للموقف العلمي للرازي، ويشدد على أهمية عدم تعميم الأحكام على جميع الأشاعرة بناءً على آراء الرازي
وتناول الرازي في الفصل الرابع:
السحر المبني على تصفية النفس حتى يسهل عليها الاتصال بالقوى السماوية وقدم فيها توصيات كثيرة لاجل البلوغ الى تلك المنزلة وقال : " من أراد ان تصير العلاقة بين نفسه وبين الأرواح العلوية الخارجية مستحكمة وجب عليها في اول الأمر النفور عن الشواغل الخارجية بأقصى الوجوه
وذكر انه يجب على المشتغل بعلم الطلسمات ان يحرص على احكام العلاقة بينه وبين الأرواح الفلكية ونقل عن ابن وحشية ان صاحب الطلسمات لا بد ان يمدح صنم الشمس وعطارد وان يصلي لها ثم عقب الرازي على نقله مباشرة بقوله " إن هذه الصنعة لا تتم إلا تعلق الفكر والوهم بروح ذلك الكوكب المعين بحيث يصير ذلك ملكة مستقرة
ثم نقل عن طمطم الهندي كلاما يوضح فيه كيفية التعلق بالارواح السماوية وعلق عليه الرازي مباشرة بقوله " أقول هذا فصل نفيس ... ومجموعه يدل على ان مزوال هذه الصنعة لا بد ان يترك شيئا من ....
ومدح الرازي لكلام هذا المنجم مع انه متضمن للشرك بالله دليل واضح على انه متبن لرأيه وانه ليس مجرد ناقل للاقوال فحسب وهي دعوة صريحة الى التعلق بالكواكب والاستعانة بها
ولم يكتف الرازي بذلك وإنما اخذ في توضيح الاعمال واللآداب التي ينبغي ان يقوم بها من يريد التعلق بالارواح الفلكية حتى يكون تعلقه اكثر ففاعلية وذكر أنواعا من الرقى والعقد والكتابة والاعتقاد في تأثير الكواكب
وقال في الفصل الآخر ( ص 8 )
في الدلائل الاعتبارية التي تدل على ان النجوم مؤثرة في هذا العالم وقال " فمن أراد ان يعمل عملا مخصوصا فلا بد ان يكون محيطا بطبائع هذه الكواكب وافرادها ومركباتها حتى لا يخيب عمله ولا يضيع سعيه " .
والرازي في كتابه لا يتحدث عن حكم تعلم السحر أو علم التنجيم ونحوه وإنما يتحدث عن تحسين علم السحر ذاته ويقرر تأثير النجوم وارتباط كل الحوادث الأرضية بها ويدعو الى التعلق بها والخضوع لها والتسبيح باسمها ويدافع عن ذلك كله .
وقال المختصر ( ص 11 )
وهذا كلها دلائل قوية تؤكد على ان الرازي يرى صحة ما أورده في كتابه وانه لم يكن مجرد ناقل لكلام غيره فقط وإنما يقرر قوله ومذهبه
ومما يقوي ذلك ان تقرير هذا ليس غريبا على الرازي فإن موقفه من السحر والتنجيم ظاهر المخالفة للشريعة في عدد من كتبه
يقول الرازي في جزء النبوات من كتاب " المطالبة العالية " مقدمة في بيان أنواع السحر النوع الأول وهو اعظمها واشدها تأثيرا على ما يقال : السحر المبني على مقتضيات أحكام النجوم ان مبادى حدوث الحوادث في هذا العالم هو الاشكال الفلكية والاتصالات الكوكبية ثم ان التجارب المعتبرة في علم الاحكام انضافت الى تلك الدلائل فقويت تلك المقدمة جدا ثم ان التجارب النجومية دلت على اختصاص كل واحد من هذه الكواكب السيارة باشياء معينة في هذا العالم السفلي
ثم ذكر النوع الخامس من السحر فقال : السحر المبني على الاستعانة بالارواح الفلكية فإنا قد بينا ان اكثر فرق اهل العلم مطبقون على اثبات هذه الأرواح وعلى ان لها تأثيرا عظيمة في هذا العالم يمكن الاستعانة بهم بطرق مخصوصة وإن حصل ذلك الاتصال فقد حصلت القدرة على خوارق العادات
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
.............................. .......
" موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب " السر المكتوم " للرازي
قال الباحث ( ص 13 )
الذي يتتبع كلام ابن تيمية حول كتاب السر المكتوم يدرك بانه اطلع على الكتاب وانه على علم بما فيه وقال رحمه الله " ( وقد صنف من صنف في مخاطبة الكواكب والسحر على مذهبهم مثل كتاب السر المكتوم ومخاطبة النجوم ونحو ذلك مما يذكر فيه مذهب الكذابين والكشدانيين وكانوا مع بنائهم هياكل النجوم
وأشار الى ان الرازي في كتابه اباحة التعبد لغير الله بالسجود ونحو ذلك وذكر مقارنة بينه وبين كتاب الرسائل السماوية فقال : " والرازي صنف الاختيارات لهذا الملك وذكر فيه الاختيار لشرب الخمر وغير ذلك كما ذكر في " السر المكتوم " في عبادة الكواكب ودعوتها مع السجود بها ...
وذكر انه بصنيعه ذلك ارتد عن الإسلام حيث يقول " من العجب ان يذكر عن ابي معشر ما يذم به عبادة الاوثان وهو الذي اتخذ أبا معشر احد الائمة الذين اقتدى بهم في
الامر بعبادة الاوثان لما ارتد عن دين الإسلام وامر اباشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والاوثان في كتابه الذي سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم "
واما رجوع الرازي وتوبته فقد تنوع فيها كلام ابن تيمية فتارة يذكر
يذكر ذلك على سبيل الاحتمال كما في النص السابق وتارة يذكر رجوعه على جهة التأكيد والجزم حيث يقول " وقد صنف على مذهب الدهرية المشركين والصابئين كتبا حتى قد صنف في السحر وعبادة الاصنام وهو الجبت والطاغوت وإن كان قد اسلم من هذا الشرك وتاب من هذه الأمور فهذه الموالاة والمعاداة لعلها في تلك الأوقات ومن كان بتلك الأحوال فهو قبل الإسلام والتوبة "
والجزم بتوبة الرازي ورجوعه الى الإسلام وثبوت حكم الإسلام له هو الموقف الذي استقر عليه رأي ابن تيمية فإنه كثيرا ما يكرر ان الرازي قد تاب وانواناب وترحم عليه واستغفر له ..
( ص 17 ) :
وممن ذهب الى ذلك الذهبي في ترجمة الرازي " رأس في الذكاء والعقليات لكنه عري عن الاثار وله تشكيكات على مسائل دعائم الدين تورث الحيرة نسأل الله ان يثبت الايمان في قلوبنا وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم سحر صريح فلعله تاب من تأليفه ان شاء الله
( ص 18 ) :
وممن نسب الى الرازي أنه الف كتابه على معتقد اهل الشرك والسحر ابن قاضي شهبة حيق يقول عن الرازي " ومن تصانيفه على ما قيل : كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقده ومنهم من انكر ان يكون من مصنفاته "
( ص 19 )
قال حاجي خليفة : لكن المفهوم من كتاب السر المكتوم للفخر الرازي
جواز ذلك في الشرع "
وقد رد الشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي على الرازي في كتاب أسماه " انقضاض البازي في انفضاض الرازي " ولا ندري عن الموضوعات التي انتقد فيها الملطي الرازي ولكنها في الاغلب راجعة الى ما في الكتاب من مخالفة الشريعة لآنها هي الأظهر في الكتاب
دفاعات الاشاعرة عن الرازي :
وقد اختلفت مواقف الاشاعرة عن الرازي في التعامل مع تلك الآثار على ثلاثة مواقف وهي :
انكار نسبة الكتاب الى الرازي ومن اول من قال بذلك السيكي الابن حيث قال : واما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح انه له بل قيل : إ إنه مختلق عليه :
انه قال في " شرح الإشارات " : " ثم ارجع الى السر المكنون ان كنت راغبا في التحرير "
( ص 20 )
الموقف الثالث : الادعاء بأن الرازي لم يكن يتبنى ما في كتابه من سحر وتنجيم بل أنه اكد على انه لا يقول به
وهذا القول قال به بعض المعاصرين كالاستاذ سيعد فودة وغيره وبالغوا في التشنيع على ابن تيمية واعتمد على أدلة كثيرة .
( ص 22 ) :
ثم على التسليم بان الرازي له اقوال أخرى صريحة يقرر فيها ما يوافق فيها
حكم الإسلام في السحر والتنجيم فإن هذا لا ينفي عنه ما قرره في كتابه السر المكتوم " وغاية ما في الامر ان الرازي له مواقف مختلفة في هذه القضية وهذا ليس غريبا على الرازي فما اكثر تناقضاته في أصول الدين الكبرى
( ص 23 )
و بد من التأكيد على ان ابن تيمية من اشد الناس توسعا في الاعذار بالجهل والتاويل ونصوصه المقررة لذلك كثيرة جدا وكذلك تعاملاته مع المسلمين الذين وقعوا في الشرك والكفر بالتأويل والجهل دالة على ذلك بوضوح .
ولم يكن ابن تيمية يكفر تقي الدين السبكي الذي اجتهد في بيان كون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم جائزة وعقد لبيان ذلك بابا
( ص 25 )
ولم يكن ابن تيمية يكفر تقي الدين السبكي الذي اجتهد في بيان كون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم جائزة وعقد لبيان ذلك بابا قال فيه " الباب الثامن في التوسل والاستغاثة به " وقرر فيه جواز الاستغاثة به بعد موته بتفصيل مطول بل قال عن نفسه : " عن الله يعلم ان كل خيرا انا فيه ومن علي به فهو بسبب النبي صلى الله عليه وسلم والتجائي اليه واعتمادي في توسلي
فهو وسيلتي في الدنيا والآخرة ومع هذا كله لم يكن ابن تيمية يحكم عليه بالكفر بل كان يعامله معاملة المسلم وكان يجله ويقدمه ويثني عليه كثيرا ويعده من كبار الإسلام ولم يكن يعظم أحدا من اهل عصره كتعظيمه للسبكي
وكتاب شفاء السقام للسبكي ( 153-158 ) الظاهر ان السبكي الف هذا الكتاب في حياة ابن تيمية ويدل على هذا ما ذكره في قصيدته التي ابدى فيها ملاحظات على منهاج السنة فقد تمنى ان يكون ابن تيمية حيا حتى يرد عليه كما رد على فتواه في زيارة القبور بكتاب شفاء السقام وذكر ابن عبد الهادي ان السبكي الف شفاء السقام قبل ان يلي القضاء بوقت طويل بل ذكر ابنه انه الف كتابه بعد حجه سنة ست عشرة وسبع مائة أي قبل وفاة ابن تيمية بعشر سنين "
( ص 27)
وقد كرر كثير من الفقهاء ان من اعتقد اباحة السحر فهو كافر بل بعضهم نقل الاجماع على ذلك قال النووي " ويحرم فعل السحر بالاجماع ومن اعتقد اباحته فهو كافر واذا قال : غنسان تعلمت السحر او أحسنه استوصف فإذا وصفه بما هو كفر فهو كافر بأن يعتقد التقرب الى الكواكب السبعة "
ويقول ابن حيان " واما حكم السحر فما كان منه يعظم به غير الله من الكواكب والشياطين وإضافة ما يحدثه الله اليها فهو كفر اجماعا
( ص 27 )
والصنف الأخر الذ اخطأ في موقف ابن تيمية من الرازي وهم من غلطوا في باب التكفير وشروطه فإنهم ادعوا ان موقف ابن تيمية ذلك يدل على انه لا يعذر بالجهل ولا بالتاويل في مسائل الشرك والمسائل الظاهرة اذ لو كان يعذر بذلك لما حكم على الرازي بالردة والشرك
وقولهم هذا غلط ظاهر وذلك ان عدم اعذار ابن تيمية للرازي ليس راجعا الى انه لا يعد الجهل عذرا من حيث الأصل في باب الشرك وغيره وإنما يرى ان الرازي ليس ممن يعذر فقط وهناك فرق كبير بين المقامين
فكثير من العلمااء قد يحكم بكفر بعض المعينين لكونه يرى انه ممن لا يعذر بالجهل لا لآنه يرى المنع من الاعذار به من حيث الأصل وقد نبه ابن تيمية نفسه على ضرورة التفريق بين المقامات في كتبه .
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول
اسم الكتاب " النصيرية طغاة الشام "
أو
العلويين كما سماهم الفرنسيون
لشيخ الإسلام ان تيمية رحمه الله
..........
سبب اختياري للكتاب
بسبب ما ارتكبته هذه الطائفة النصيرية العلوية في حق الشعب الأعزل في هذا العصر القرن الحادي والعشرين من القمع السياسي من بين ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب وارتكبت المجازر ضد المدنيين مثل مجزرة حماة 1982 حيث قتل الالف من الناس وهذه الطائفة بطبعها طائفية التمييز في كل مناصب الدولة من خدمات وغيرها ضد اهل السنة وقامت بعدة انتهاكات لحقوقهم من تهجير وعمليات عسكرية وقتل وتشريد وتخويف وتجويع وتدمير بنية تحتية وقمع واسع على نطاق واسع وزج بالسجون لآي معارض والاختفاء المعاكس القسري والاعتقالات الجماعية ونحوها بشكل مباشر وغير مباشر واستخدامات مفرطة لا يمكن للمرء ان يصف حالها وما خفي اعظم من ارتكاب مجازر جماعية بحق المدنيين من هذه الطائفة العلوية النصيرية .
........
اهم ما يميز هذه الطائفة :
بإن إلههم الذي خلق السموات والأرض هو علي بن ابي طالب رضي الله عنه فهو عندهم الإمام في السماء والإمام في الأرض فكانت الحكمة في ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم ان يؤنس خلقه وعبيده لعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه بأن النصيري عندهم لا يصير نصيريا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على اسرارهم ويزوجونه من نسائهم حتي يخاطبه معلمه ...
......
وقال في ( ص 8 )
حقيقة الخطاب عندهم ان يحلفوه على كتما دينه ومعرفة مشايخه واكبر اهل مذهبه
وعلى ان لا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من اهل دينه وعلى ان يعف ربه وإمامه بظهوره في انواره وادوراه فيعرف انتقال الاسم والمعنى في كل حين وزمان
.....
ص 10 )
يعدون الأنبياء والمرسلين واحدا وحدا على هذا اسم ومعنى على هذا النمط الى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون محمد هو الاسم وعلي هو المعنى ويوصلون العدد على هذا الترتيب في كل زمان الى وقتنا هذا فمن حقيقة الخطب في الدين عندهم ان عليا هو الرب وان محمدا هو الحجاب وان سلمان هو الباب واشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلاءهم لنفسه في شهور سنة سبعمائة فقال :
شهد إن لا إله الا حيدرة ...
......
( ص 12 )
يقولون : إن ابليس الآبالسة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويليه في رتبة الإبليسية أبو بكر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن اقوال الملحدين انتحال أنواع الضالين والمفسدين فلا يزالون موجودين في كل وقت دائما حسبما ذكر على الترتيب
ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع الى هذه الأصول المذكورة
....
( ص 13 )
وهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب وقد حقق احوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا في هذا الزمان لان احوالهم كانت مستورة على اكثر الناس وقت استيلاء الافرنج المخذولين على البلاد الساحلية فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم والابتلاء بهم كثير جدا
( ص 16 )
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على سؤال وجه له
ونترك السؤال ونأتي بالإجابة
فأجاب
الحمد لله رب العالمين هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على امة محمد صلى الله عليه وسلم اعظم من ضرر الكفار المحاربين ثل كفار التتار والفرنج وغيرهم فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة اهل البيت
وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر او نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المسلمين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل ولا بدين من الأديان السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها يدعون لها علم الباطن من جنس ما ذكره السائل
-
رد: السلسلة العلمية ) الجزء الاول