-
كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/22.jpg
الكتاب: الأم
المؤلف: الشافعي
الناشر: دار المعرفة - بيروت
الطبعة: بدون طبعة
سنة النشر: 1410هـ/1990م
عدد الأجزاء: 8
عن الكتاب:
أملى الشافعي كتابه الأم على تلاميذه في مصر بما وصل إليه رأيه في آخر حياته ويعبر عن المسائل بأنها مذهب الشافعي الجديد, وكتاب الأم قمة مؤلفات الشافعي في الفقه, ويفتتح فيه الكتب والأبواب بآية أو حديث ليعتبره أصلا لما سيذكره من أحكام ثم يسرد أحكام المذهب بما يتسم بالجزالة والعمق ويسير على طريق وسط بين أصحاب الرأي وأهل الحديث. ويجعل الأصل في استنباط الأحكام الكتاب والسنة, فإن لم يجد دليلا لجأ إلى القياس والاجتهاد, وجعل الشافعي كتابه الرسالة كالمقدمة للأم ثم ألحق بالأم جملة كتب في الخلاف والفقه المقارن, وطبع على هامشها مختصر المزني - وكتاب اختلاف الحديث.
وجاء في موقع الوراق، ما يلي:
كتاب الأم أو (المبسوط برواية الربيع) كما يسميه ابن النديم، كتاب جمع بين دفتيه تراث الشافعي برمته، حسب رواية الربيع، بما في ذلك (الرسالة) كما يذكر ابن النديم، حيث عدها في مقدمة الكتب التي اشتمل عليها (الأم) . وما من شك في أن للشافعي كتبا لم يروها الربيع، ومنها الكتب التي بقيت في حوزة حرملة التُجيبي = الذي نزل الشافعي ضيفا عليه لما أتى مصر، حسب بعض الروايات= منها: كتاب (الشروط) وهو ثلاثة أجزاء، وكتاب السنن، وهو عشرة أجزاء، وكتاب (ألوان الإبل والغنم وصفاتها وأسنانها) و (كتاب النكاح) وكتب كثيرة، انفرد حرملة بروايتها، انظر تفصيل ذلك في ترجمته في كتب (طبقات الشافعية) وكانت وفاة حرملة سنة (243هـ) عن (78) عاما. وقد وصلتنا نسخ كثيرة من مخطوطات كتاب (الأم) وفي بعضها خلاف يسير في عدد الكتب وترتيبها. وطبع لأول مرة بمطبعة بولاق بمصر سنة (1321هـ) في سبعة أجزاء، في أربعة مجلدات كبار، على نفقة المرحوم الأستاذ أحمد بك الحسيني المحامي (ت 1332هـ 1914م) وبتصحيحه، وهو الذي ألف كتاب "مرشد الأنام -خ" في شرح قسم العبادات من كتاب الأم للشافعي، ويقع في (24) مجلداً، صدّره بمقدمة كبيرة في تراجم الشافعية، قال الزركلي: (رأيت قسماً منها مخطوطاً انتهى فيه إلى وفيات سنة 1326 هـ، وأخذت عنه) وجعل على هامش الأجزاء الخمسة الأولى من نشرته (مختصر المزني) وعلى هامش الجزأين الأخيرين (مسند الإمام الشافعي) و (اختلاف الحديث) للشافعي، وافتتح الجزء الأول بكتاب الرسالة في أصول الفقه، ووقعت في (72) صفحة من نشرته، ولكنه نص على أن ذلك من تصرفاته، ولم تكن في أصل المخطوطة. وفي مقدمة نشرته قوله: ((اعلم أنه قد حصلت لنا عدة نسخ من الأم، ومنها بعض أجزاء عتيقة بخط ابن النقيب، منقولة من نسخة بخط سراج الدين البلقيني، تفردت بزيادات مترجمة معزوة لبعض مؤلفات الشافعي رحمه الله، مثل كتاب (اختلاف الحديث) وكتاب (اختلاف مالك والشافعي) ونحوهما، وربما كان في هذه الزيادات تكرار بعض ما اتفقت عليه النسخ، ولكنها مع ذلك لا تخلو من فوائد، من فروع وتوجيهات للإمام رحمه الله، ولهذا أثبتنا تلك الزيادات بهامش المطبوع، إن اتسع ذلك، وإلا جعلناها في الصلب بعد عبارة (الأم) مفصولا بينها، والله المستعان) وأعيد طبع هذه النشرة سنة (1326هـ) ثم تكررت طبعاته. فكان منها ما صدر في عشرة مجلدات ضخمة، مثل نشرة دار قتيبة (1991م) . وهو في كل طبعاته يفتقر إلى الترتيب في الكتب والأبواب، وقد سبق إلى ترتيبه جماعة، منهم: الأمير سنجر الجالوي (ت 745هـ) وابن اللبان محمد بن أحمد (ت 749هـ) وسراج الدين البلقيني عمر بن رسلان (ت 805هـ) وله عدة مختصرات، منها (مختصر البويطي) و (مختصر حرملة) وأهمها: (مختصر المزني: ط) وهو أشهر المختصرات، طبع في كثير من طبعات الأم (ملحقا بها) قال الإمام أبو العباس ابن سريج فيما نقله ابن خلكان: (يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفض، وهو أصل الكتب المصنفة في المذهب الشافعي، وعلى مثاله رتبوا، ولكلامه فسروا وشرحوا) وكانت وفاة المزني في رمضان سنة (264هـ) عن (89) عاما. ومن أهم ما وضع على كتاب الأم كتاب (الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي) تأليف أبي منصور الأزهري (ت 370هـ) صاحب (تهذيب اللغة) وقد طبع بتحقيق د. عبد المنعم طوعي بشنّاتي (دار البشائر الإسلامية: بيروت: 1419هـ 1998م) ويعرف أيضا بشرح ألفاظ مختصر المزني. وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه، كما قال ابن خلكان. ويضم كتاب (الأم) حسب تسمية ابن النديم لمحتواه: (105) كتب، وحسب تسمية ياقوت (129) كتابا، وفي كل من القائمتين ما ليس في الأخرى، ويضم حسب النسخة المطبوعة ما يزيد على (140) كتابا. وهو في حقيقته العلمية: التعديل الأخير لكتاب الحجة الذي ألفه الإمام الشافعي في بغداد، وسماه ابن النديم (كتاب المبسوط برواية الزعفراني) وكان الشافعي قد افتتح حياته العلمية بكتاب سماه: (الزعفران) على اسم الغلام الذي كان سبب تأليفه، وهو غلام اقتدى به الشافعي مرة في الصلاة في أحد مساجد بغداد، فسها الزعفران في صلاته، ولم يعلم كيف يصنع، فخرج من الصلاة وقد أفسدها، فألف الشافعي بسبب هذه القصة كتاب (الصلاة) وسماه: (الزعفران) ورواه عنه الإمام الزعفراني (ت 259هـ) الذي اكتسب هذه النسبة من روايته للكتاب، شأن بلدته (الزعفرانية) . ثم شرع الشافعي في تطوير كتاب (الزعفران) شيئا فشيئا، حتى انتهى من كل أبواب الفقه، واشتهر عمله هذا بكتاب الحجة، أو (العمل البغدادي) أو (القول القديم) أو: (المبسوط برواية الزعفراني) فلما قصد الشافعي مصر عام (199هـ) للحد من غلو أتباع شيخه: (الإمام مالك) كما يقول - وكلفته هذه المغامرة حياته كما سيأتي - خاض معهم سلسلة طويلة من حوار المذاهب، أسفرت عن تعديلات جمة لكتاب الحجة، باستثناء (13) كتابا، من أصل (140) كتابا، لم يطرأ عليها أي تعديل، كما يذكر الشيخ محمد أبو زهرة، وقد سماها ياقوت الحموي في ترجمة الشافعي ومنها: (كتاب الصيام والحدود والرهن الصغير، والإجارة والجنائز) قال: ثم أمر بتحريق ما غير اجتهاده فيه، وربما تركه -ولم يحرقه- اكتفاء بما نبه عليه. قال ابن النديم في الفهرست في ترجمة الزعفراني: (وروى المبسوط عن الشافعي على ترتيب ما رواه الربيع، وفيه خلف يسير، وليس يرغب الناس فيه، ولا يعملون عليه، وإنما يعمل الفقهاء على ما رواه الربيع) انظر (أبو زهرة: الشافعي حياته وعصره/ ص 157) . والمقصود بالربيع: أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي (بالولاء) أول من أملى الحديث بمسجد ابن طولون بمصر. قال ياقوت: (مات سنة سبعين ومائتين، - ومولده عام 174 - وقبره غربي الخندق مما يلي الفقاعي، وهو آخر من روى بمصر عن الشافعي وكان جليلاً مصنفاً، حدث بكتب الشافعي كلها ونقلها الناس عنه) وفي اعتنائه بكتب الشافعي أخبار يشوبها التهويل، كقول الطرايفي: (حضرت الربيع بن سليمان يوما، وقد حط على باب داره سبعمائة راحلة في سماع كتب الشافعي) وهو غير تلميذ الشافعي: أبي محمد الربيع بن سليمان الجيزي الأزدي بالولاء. الذي ساهم برواية مسألتين فقط من تراث الشافعي، كما ذكر السبكي في ترجمته في الطبقات (1/ 259) ووفاته عام (256هـ) . قال المرحوم محمد أبو زهرة (الشافعي حياته وعصره: ص179) : بعدما ذكر اضطراب قول الشافعي في المسألة الواحدة: (والحق أن التردد عند تعارض الأقيسة ليس دليل نقص في الاجتهاد، ولكنه دليل الكمال في العقل.... وكلما رأيت باحثا يحقق ويردد ولا يريد أن يكون أسير فكرة قبل أن يأسره الدليل فاعلم أنه العالم ... إلخ) قال: (وقد عقد فخر الدين الرازي في كتابه (مناقب الشافعي) فصلا لاختلاف الأقوال عند الشافعي ... وقسمها إلى خمسة أقسام..إلخ) . وكان الدكاترة زكي مبارك قد طلع على الناس عام (1934م) ببحوث على صفحات جريدة البلاغ، أنكر فيها نسبة كتاب الأم للشافعي، ولاحاه العلماء في ذلك، وطالت الملاحاة زهاء ثلاثة أشهر، فجمع وقائعها في كتيب سماه (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي: كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي) وأهدى عمله هذا إلى ماسنيون. وقال في مقدمته (الغنيمة القيمة لطالب العلم هي أن يصحح غلطة تلبس ثوب الصواب، أو ينشئ نظرية، أو يوجه الناس إلى حق مجهول.... وملك الدنيا بأسرها لا يساوي عندي تصحيح هذه الغلطة التي درج عليها الناس منذ أجيال، وهي نسبة كتاب الأم إلى الشافعي، مع أن الشافعي لم يؤلف ذلك الكتاب، ولم يعرفه على الإطلاق) . قال (ص23) : (وكنا نسمر في منزل الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق - شيخ الأزهر- في إحدى ليالي رمضان، وكان بالمجلس الأستاذ أحمد أمين، وجرى ذكر المعارك التي قامت حول رأينا.. فقال: هناك فروض ثلاثة: الأول أن يكون الشافعي جلس على (شلتة) وصنف كتاب الأم. والثاني: أن يكون جلس على دكة وأملاه كله في حلقة الدرس. والثالث: أن يكون كتب بعضه وأملى بعضه، ثم نظمه البويطي أو الربيع بن سليمان. ثم استبعد الفرض الأول والثاني ورجح الثالث) . وكان لرأي زكي مبارك على عفويته، أثره البالغ في كل المحاولات التي تقدم بها الأخصائيون في سبيل تأصيل الكتاب، حتى إن الشيخ محمد أبو زهرة قال (ص 172) في صدد حديثه عن نسبة الكتاب إلى الشافعي: (إن للمسألة ثلاثة فروض: الفرض الأول أن الشافعي قد كتب هذا الكتاب أو أملاه....والفرض الثاني: أن يكون الشافعي قد دون مسائل مختلفة بقلمه وأملى بعضها بعبارته ... والفرض الثالث: أن يكون (الأم) ليس من تأليف الشافعي، بل هو جمع لأقواله المدونة التي كتبها أو أملاها بعبارته. قال: وهذا الفرض مردود لإجماع العلماء على نسبة كتاب الأم للشافعي. ثم رد على زكي مبارك، من غير أن يسميه، فقال (ص 163) بعدما ذكر إجماع العلماء على نسبة (الأم) إلى الشافعي: (ولم يشذ عن هذا الإجماع أحد، ولكن جاء في كتاب تصوف اسمه (قوت القلوب) عبارة في باب الأخوة سيقت استطرادا، ومنها ما يفيد أن البويطي هو الذي صنف كتاب الأم وأعطاه الربيع....ثم ناقش كلمة صاحب (قوت القلوب) وهو (أبو طالب المكي المتوفى سنة 386هـ) ثم قال (ص 168) : (ولقد أثار بعض المتقدمين ذلك، فقد جاء في التهذيب لابن حجر: قال أبو الحسين الرازي: أخبرني علي بن محمد أبي حسان الزيادي بحمص قال: سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول: (سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت، وإنما أخذ أكثر الكتاب من آل البويطي بعد موت البويطي) قال أبو الحسين الرازي: وهذا لا يقبل من أبي يزيد، بل البويطي كان يقول: (الربيع أثبت في الشافعي مني، وقد سمع أبو زرعة الرازي كتب الشافعي كلها من الربيع قبل موت البويطي بأربع سنين) قال أبو زهرة: (ولقد قال الراوي عن الربيع كما جاء في كتاب (الأم) (طبعة مصر ج2 ص 93) (أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله) وهذا بعد موت الشافعي بثلاث سنين، وقبل موت البويطي بأربع وعشرين سنة. والخلاصة أن الربيع بن سليمان هو الذي روى كتب الشافعي، ودون آخر آرائه فيها. بل كان مشهورا بين العلماء أن الربيع لم يسمع كل كتب (الأم) على الشافعي، وسمى ياقوت هذه الكتب التي لم يسمعها الربيع، وهي (13) كتابا، من أصل (140) كتابا. وصرح بذلك الربيع بقوله في (غسل الميت) : (لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي، وإنما أقرؤه على المعرفة) وقوله في كتاب إحياء الموات: (ولم أسمع هذا الكتاب، وإنما أقرؤه على معرفة أنه من كلامه) . وكان الغزالي قد استعار كل فصول (قوت القلوب) وضمها إلى كتابه (الإحياء) ومن هنا قال في (الإحياء) في الحق السابع من الباب الثاني من كتاب (آداب الأخوة والإلفة) وهو حق (الوفاء والإخلاص) : (وآثر البويطي الزهد والخمول ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة واشتغل بالعبادة وصنف "كتاب الأم" الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به، وإنما صنفه البويطي ولكن لم يذكر نفسه فيه ولم ينسبه إلى نفسه، فزاد الربيع فيه وتصرف وأظهره) . واعتمد حاجي خليفة رأي الغزالي في التعريف بكتاب الأم فقال: (كتاب الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 أربع ومائتين جمعه البويطي ولم يذكر اسمه، وقد نسب إلى ربيع بن سليمان بوبه الإمام أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي المؤذن بمصر فنسب إليه دون من صنفه وهو البويطي فإنه لم يذكر نفسه فيه ولا نسبه إلى نفسه كما قال الغزالي في الإحياء. قال في (المهمات) وهو نحو خمسة عشر مجلداً متوسطاً) ... وخير ما قيل في كتاب زكي مبارك قول الشيخ أحمد شاكر في مقدمة نشرته للرسالة (ص9) : (أحسن ما في هذا الكتاب أنه مكتوب بقلم كاتب بليغ، والحجج على نقض كتابه متوافرة في كتب الشافعي نفسها، ولو صدقت رواية أبي طالب المكي لارتفعت الثقة بكل كتب العلماء ... إلخ) . والبويطي المذكور هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي، البويطي: نسبة إلى (بويط) قرية من أعمال بني سويف في مصر الوسطى، وكانت وفاته سجينا ببغداد عام (231هـ) في محنة خلق القرآن، قال الربيع بن سليمان: (رأيت البويطي على بغل، وفي عنقه غل، وفي رجله قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد، فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه الخلق ب (كن) فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقا خلق مخلوقا، فوالله لأموتن في حديدي) .!. وأما كتب الخلاف التي اشتمل عليها كتاب (الأم) والتي تجدها في المجلدين الأخيرين من معظم طبعات الكتاب، فهي
1- كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى عن أبي يوسف، ويعرف باختلاف العراقيين.
2- كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود، وسماه ابن النديم (ما خالف العراقيون علياً وعبد الله) وهو الصواب لمن تأمل الكتاب.
3- (اختلاف مالك والشافعي) وموضوعه الرد على الإمام مالك في مسألة أصولية وهي: (عمل أهل المدينة)
4- جماع العلم: وهو أهم آثار الشافعي على الإطلاق، رد به على منكري السنة، بما لا زيادة عليه، إلا أنه لم يسم الرجل الذي حاوره، واشتمل الحوار على أكثر من (400) فقرة، بين سؤال وجواب.
5- كتاب إبطال الاستحسان، وهو الخروج بالمسألة عن حكم نظائرها في الكتاب والسنة، لعلة خفية غير ظاهرة.
6- كتاب الرد على محمد بن الحسن الشيباني فيما خالف فيه الإمام مالكا وفقهاء أهل المدينة، ومعظم مسائله تدور حول الجنايات.
7- كتاب سير الأوزاعي، قال البيهقي: (وهو كتاب في السير، أصله لأبي حنيفة، فرد عليه الأوزاعي، فرد أبو يوسف على الأوزاعي، فرد الشافعي على أبي يوسف) .
وكان الكتاب الثالث من هذه الكتب وهو (اختلاف مالك والشافعي) سبب مقتل الإمام الشافعي كما ذكر ياقوت في ترجمة الإمام الشافعي، (6/ 395) وكان الذي تصدى للرد على الشافعي فقيه من أتباع مالك يسمى فتيان بن أبي السمح المالكي المصري (ت 205هـ) فلما رأى تلاميذ فتيان ظهور الشافعي على شيخهم (هجموا عليه وضربوه ضربا موجعا، ضرب النذالة والحقد والوحشية، فحُمل إلى منزله، ولم يزل فيه عليلا حتى مات) وكان موته كما هو مشهور ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، آخر يوم رجب، سنة (204هـ) وعمره (54) سنة. وقد أشار إلى هذه القصة أبو حيان الأندلسي في يائيته في (سيرة الشافعي) فقال:
(ولما أتى مصر انبرى لإذائه ... أناس طووا كشحا على بغضه طيا)
(أتى ناقدا ما حصلوه وهادما ... لما أصلوا إذ كان بنيانهم وهيا) (فدسوا عليه عندما انفردوا به ... شقيا لهم شل الإله له يديا)
(فشج بمفتاح الحديد جبينه ... فراح قتيلا لا بواء ولا نعيا)
انظر القصيدة في ختام كتاب (مناقب الشافعي) للحافظ ابن حجر. ومن طريف أخبار الشافعي في مصر أنه دخلها كدخول جمال الدين الأفغاني، - وكلاهما من قريش - فأحدث فيها ضجة صار معها حديث الفقهاء، وتبعه إلى مصر تلامذته الذين خلفهم في الحجاز، وكان قبل ذلك قد اتهم بتعصبه للعلوية، والعمل سرا مع الإمام يحيى بن عبد الله - أخي محمد النفس الزكية، وتجد أخباره مفصلة وبيعة الشافعي له في (شرح البسامة) لابن الزحيف وكتاب: الإمام الشافعي: داعية ثورة ص112 ? 130 - وأنه لم يرو في كتابه (قتال أهل البغي) إلا عن علي بن أبي طالب، واقتيد من الحجاز في عشرة من شيوخ قريش، وزج به في السجن، وحكم عليه بالإعدام، فشفع له محمد بن الحسن الشيباني، كما تذكر الروايات المتناقضة، التي ينص بعضها على اعتقاله في اليمن سنة (184هـ) وليس في الحجاز. وأنه نزل عند رغبة صديقه بشر ابن أبي كبار البلوي في رسالته التي بعث بها إلى الشافعي، يحذره فيها من والي اليمن (عبد الله بن مصعب) انظرها في كتاب (صفة جزيرة العرب) .. فلما أتى مصر برفقة تلميذيه الربيع المرادي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، نزل حسب بعض الروايات على كبير المالكية في مصر: عبد الله بن عبد الحكم، وكان صديقا له - ولما مات الشافعي دفنه عبد الله في تربة آبائه بني عبد الحكم - وأمر ابنه محمدا بملازمته وقال له: (الزم هذا الرجل يا بني، فإنك لو جاوزت هذا البلد، فتكلمت في مسألة فقلت فيها: قال أشهب، لقيل لك: من أشهب؟) قال محمد: (فما زال كلام والدي في قلبي حتى خرجت إلى العراق، فكلمني القاضي بحضرة جلسائه في مسألة، فقلت: قال أشهب عن مالك، فقال: ومن أشهب؟ ما أعرف أشهب ولا أبلق) وانفرد محمد برواية كتاب (الوصايا) عن الشافعي، وكان يحتفظ بنسخة منه بخط الشافعي، وكان عمره لما توفي الشافعي (22) سنة، فرجع فيما يقال بعد موته إلى مذهب مالك. وتوفي عام (268هـ) عن (82) عاما. وقبر الإمام الشافعي كما يصفه ياقوت كان على مصطبة تجمع ثلاثة قبور، هي قبر الشافعي، وقبر عبد الله بن عبد الحكم، وقبر ابنه عبد الرحمن صاحب كتاب (فتوح مصر) . وقد حاول نظام الملك أن ينقل جثمان الشافعي إلى مدرسته (النظامية) التي بناها ببغداد سنة (474هـ) وبذل في ذلك أموالا طائلة فكانت فتنة كادت تودي بعرش مصر، انظر تفاصيل ذلك في كتاب (المواعظ والاعتبار) وأولها: (ومن أبدع ما حكي في مناقبه) وذكر المقريزي أنه في يوم الأحد 7/ جمادى الأولى/ 608هـ أقيمت قبة على ضريح الشافعي، ووضع على القبة سفينة، وبلغت النفقة عليها خمسين ألف دينار مصرية، وتبارى الشعراء في وصف السفينة، فمن ذلك قول البوصيري صاحب البردة:
(بقبة قبر الشافعي سفينة ... رست من بناء محكم فوق جلمود)
(وإذ غاض طوفان العلوم بقبره ... استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودي) .
وذكر المقريزي أن القبور التي كانت تجاوره، نقلت إلى القرافة، ولم يدفن تحت القبة غير سلطان مصر الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين، وأمه (شمسة) . ولا صحة لقول من قال: (كان قبر الشافعي رمزا لدولة بني أيوب، ولما قبض صلاح الدين على الوزير شاور السعدي، ذبحه على قبر الشافعي) فقد حدث ذلك صدفة كما يفهم من رواية ابن شداد وابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء وابن العديم والنويري وابن خلكان وكل من روى قصة مقتل شاور. وانظر في الوراق تسمية ابن النديم لما اشتمل عليه كتاب الأم، وأولها: (ويحتوي هذا الكتاب على) وتسمية ياقوت وأولها: (وهذا فهرست كتب الشافعي) .
عن الكاتب:
الشافعي (150 - 204هـ، 767 - 820م).
محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي بن عبد المطلب بن عبد مناف وينسب إلى شافع فيقال له الشافعي، كما ينسب إلى عبد المطلب فيقال المطلبي، كما ينسب إلى مكة لأنها موطن آبائه وأجداده فيقال له المكي، إلا أن النسبة الأولى قد غلبت عليه. ولد بمدينة غزة بفلسطين، حيث خرج والده إدريس من مكة إليها في حاجة له، فمات بها وأمه حامل به، فولدته فيها ثم عادت به بعد سنتين إلى مكة. حفظ القرآن بها في سن السابعة وحفظ موطأ مالك في سن العاشرة. اختلط بقبائل هذيل الذين كانوا من أفصح العرب فاستفاد منهم وحفظ أشعارهم وضرب به المثل في الفصاحة. تلقى الشافعي فقه مالك على يد مالك. وتفقه بمكة على شيخ الحرم ومفتيه مسلم بن خالد الزنجي، المتوفى سنة 180هـ، وسفيان بن عيينة الهلالي، المتوفى سنة 198هـ وغيرهما من العلماء. ثم رحل إلى اليمن ليتولى منصبًا جاءه به مصعب بن عبد الله القرشي قاضي اليمن. ثم رحل إلى العراق سنة 184هـ، واطلع على ما عند علماء العراق وأفادهم بما عليه علماء الحجاز، وعرف محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وتلقى منه فقه أبي حنيفة، وناظره في مسائل كثيرة ورفعت هذه المناظرات إلى الخليفة هارون الرشيد فسُرَّ منه. ثم رحل الشافعي بعدها إلى مصر والتقى بعلمائها وأعطاهم وأخذ منهم. ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ في خلافة الأمين. وقد أصبح الشافعي في هذه الفترة إمامًا له مذهبه المستقل ومنهجه الخاص به. واستمر بالعراق مدة سنتين عاد بعدها إلى الحجاز بعد ما ألّف كتابه الحجة الذي رواه عنه أربعة من تلاميذه في العراق وهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي، ثم عاد مرة ثالثة إلى العراق سنة 198هـ وأقام بها أشهرًا ثم رحل إلى مصر سنة 199هـ أو سنة 200هـ على قول بعض المؤرخين، ونزل ضيفًا عزيزًا على عبد الله بن الحكم، بمدينة الفسطاط، وبعد أن خالط المصريين وعرف ما عندهم من تقاليد وأعراف وعادات تخالف ما عند أهل العراق والحجاز. فكرَّ في إعادة النظر فيما أملاه البويطي، والمزني، والربيع المرادي بالعراق. وظل بمصر إلى أن توفي بها سنة 204هـ وضريحه بها مشهور. وقد رتب الشافعي أصول مذهبه كالآتي:
كتاب الله أولاً وسنة الرسول ثانيًا، ثم الإجماع والقياس والعرف والاستصحاب. وقد دون مذهبه بنفسه. فقد ألّف في مذهبه القديم كتاب الحجة، وهذا الكتاب لم يصل إلينا بعينه، حيث أعاد النظر فيه وجاء منه ببعض المسائل في مذهبه الجديد في كتاب الأم الذي أملاه على تلاميذه في مصر. ولم يصل إلينا كتاب الأم إلا برواية الربيع المرادي. فهي المطبوعة الآن في سبعة أجزاء.
يعد الشافعي أول من ألّف في علم أصول الفقه، ويتضح ذلك في كتابه المسمى الرسالة وقد كتبها في مكة وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي ـ حاكم العراق حينذاك ـ مع الحارث بن شريح الخوارزمي البغدادي، الذي سمي بالنقال بسبب نقله هذه الرسالة. ولما رحل الشافعي إلى مصر، أملاها مرة أخرى على الربيع بن سليمان المرادي. وما أملاه على الربيع يسمى بالرسالة الجديدة وما أرسله إلى عبد الرحمن بن مهدي يسمى بالرسالة القديمة. وقد ذهبت الرسالة القديمة، وما بين أيدينا هو الرسالة الجديدة، التي أملاها على الربيع، وقد انتشر مذهب الشافعي في الحجاز والعراق ومصر والشام وفلسطين وعدن وحضرموت، وهو المذهب الغالب في إندونيسيا وسريلانكا ولدى مسلمي الفلبين وجاوه والهند الصينية وأستراليا.
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://a7.pnghunt.com/preview/844/2...-thumbnail.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (2)
صــــــــــ 16 الى صـــــــــــ25
[كِتَاب الطَّهَارَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ " أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غَسْلَهُمْ إنَّمَا كَانَ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ وَكَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ وَذِكْرُ الْمَاءِ عَامًّا فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ مِنْ جَمِيعِهِ وَالْأُجَاجُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ يُطَهِّرُ مَنْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ مَاءُ بَحْرٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ رَجُلٌ مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ خَبَّرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هِنْدٍ الْفِرَاسِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْبَحْرُ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكُلُّ الْمَاءِ طَهُورٌ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ وَلَا طَهُورَ إلَّا فِيهِ أَوْ فِي الصَّعِيدِ، وَسَوَاءٌ كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ أُذِيبَ وَمَاءٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ طَهَارَةُ النَّارِ وَالنَّارُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فَيَغْتَسِلُ بِهِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ.(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَكْرَهُ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا يُنَجَّسُ إلَّا بِنَجَسٍ خَالَطَهُ وَالشَّمْسُ وَالنَّارُ لَيْسَا بِنَجَسٍ إنَّمَا النَّجِسُ الْمُحَرَّمُ، فَأَمَّا مَا اعْتَصَرَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ مَاءِ شَجَرِ أَوْ وَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ طَهُورًا وَكَذَلِكَ مَاءُ أَجْسَادِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لَا يَكُونُ طَهُورًا؛
لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَا اسْمُ مَاءٍ إنَّمَا يُقَالُ لَهُ: مَاءٌ بِمَعْنَى مَاءِ وَرْدٍ وَمَاءِ شَجَرِ كَذَا وَمَاءِ مَفْصِلِ كَذَا وَجَسَدِ كَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ نَحَرَ جَزُورًا وَأَخَذَ كِرْشَهَا فَاعْتَصَرَ مِنْهُ مَاءً لَمْ يَكُنْ طَهُورًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ يُقَالُ مَاءُ كِرْشٍ وَمَاءُ مَفْصِلٍ كَمَا يُقَالُ مَاءُ وَرْدٍ وَمَاءُ شَجَرِ كَذَا وَكَذَا فَلَا يَجْزِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا.
[الْمَاءُ الَّذِي يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لَا يَنْجُسُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : الْمَاءُ مَاءَانِ: مَاءٌ جَارٍ وَمَاءٌ رَاكِدٌ، فَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ مُحَرَّمٌ مِنْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَاحِيَةٌ يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ فَتِلْكَ النَّاحِيَةُ مِنْهُ خَاصَّةً مَاءٌ رَاكِدٌ يَنْجُسُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي فِيهِ الْمَيْتَةُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ نَجُسَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَا يَقِفُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِذَا مَرَّتْ الْجِيفَةُ أَوْ مَا خَالَطَهُ فِي الْجَارِي تَوَضَّأَ بِمَا يَتْبَعُ مَوْضِعَ الْجِيفَةِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا يَتْبَعُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْمَاءِ غَيْرُ مَوْضِعِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا فِيهِ جِيفَةٌ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ مِمَّا حَوْلَ الْجِيفَةِ لَمْ يُجْزِهِ إذَا مَا كَانَ حَوْلَهَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ كَالْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيَتَوَضَّأُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَنَّ كُلَّ مَا مَضَى مِنْهُ غَيْرُ مَا حَدَثَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدًا يَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَإِذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ نَجُسَ، وَلَوْلَا مَا وَصَفْت وَكَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا فَخَالَطَتْ النَّجَاسَةُ مِنْهُ مَوْضِعًا فَجَرَى، نَجُسَ الْبَاقِي مِنْهُ إذَا كَانَا إذَا اجْتَمَعَا مَعًا يَحْمِلَانِ النَّجَاسَةَ، وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت كُلُّ شَيْءٍ جَاءَ مِنْهُ غَيْرُ مَا مَضَى، وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِمَا مَضَى وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ كُلُّهُ فَيَقِفُ فَيَصِيرُ مَا حَدَثَ فِيهِ مُخْتَلِطًا بِمَا كَانَ قَبْلَهُ لَا يَنْفَصِلُ فَيَجْرِي بَعْضُهُ قَبْلَ بَعْضٍ كَمَا يَنْفَصِلُ الْجَارِي.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ كَانَ نَجِسًا، وَإِنْ مَرَّتْ جَرْيَتُهُ بِشَيْءٍ مُتَغَيِّرٍ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ فَتَغَيَّرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ جَرْيَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ فَالْجَرْيَةُ الَّتِي غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ طَاهِرَةٌ، وَالْمُتَغَيِّر َةُ نَجِسَةٌ
(قَالَ) : وَإِذَا كَانَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ فَرَكَدَ فِيهِ الْمَاءُ، وَكَانَ زَائِلًا عَنْ سَنَنِ جَرْيَتِهِ بِالْمَاءِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ فَكَانَ يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ فَخَالَطَهُ حَرَامٌ نَجُسَ؛ لِأَنَّهُ رَاكِدٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْجَارِي يَدْخُلُهُ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُ مِنْهُ مَا لَا يُكْثِرُهُ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّهُ خَمْسَ قِرَبٍ، وَلَا يَجْرِي بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي سَنَنِ الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ فَوَقَعَ فِيهِ مُحَرَّمٌ، وَكَانَ الْمَاءُ يَجْرِي بِهِ فَهُوَ جَارٍ كُلُّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْجَارِي وَإِذَا صَارَ الْمَاءُ الْجَارِي إلَى مَوْضِعٍ يَرْكُدُ فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ مَاءٌ رَاكِدٌ يُنَجِّسُهُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ.
[الْمَاءُ الرَّاكِدُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ مَاءَانِ مَاءٌ لَا يَنْجُسُ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْنُهُ فِيهِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ قَاتِمًا وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِأَحَدِ مَا وَصَفْنَا تَنَجَّسَ كُلُّهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ
(قَالَ) : وَسَوَاءٌ إذَا وُجِدَ الْمُحَرَّمُ فِي الْمَاءِ جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا
(قَالَ) : وَمَاءٌ يَنْجُسُ بِكُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْحُجَّةُ فِي فَرْقٍ بَيْنَ مَا يَنْجُسُ وَمَا لَا يَنْجُسُ،
وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قِيلَ: السُّنَّةُ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا أَوْ خَبَثَا» أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» ،
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كَانَ مُسْلِمٌ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِرْبَةِ أَوْ نِصْفِ الْقِرْبَةِ فَيَقُولُ: خَمْسُ قِرَبٍ هُوَ أَكْثَرُ مَا يَسَعُ قُلَّتَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ الْقُلَّتَانِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ، وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ يَحْمِلُ النَّجَسَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّةُ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا فِي جَرَيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي لَا يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إلَّا بِقِرَبٍ كِبَارٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ مَيْتَةٌ نَجُسَ، وَنَجُسَ كُلُّ وِعَاءٍ كَانَ فِيهِ فَأُهْرِيقَ، وَلَمْ يَطْهُرْ الْوِعَاءُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ فِيهِ نَجَّسَتْهُ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَتَّى يَصِيرَ هُوَ بِاَلَّذِي صُبَّ عَلَيْهِ خَمْسَ قِرَبٍ فَأَكْثَرَ طَهُرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَبَّ هُوَ عَلَى الْمَاءِ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءَانِ مَعًا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ لَمْ يُنَجِّسْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَإِذَا صَارَا خَمْسَ قِرَبٍ فَطَهُرَا ثُمَّ فُرِّقَا لَمْ يَنْجُسَا بَعْدَ مَا طَهُرَا إلَّا بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِمَا.وَإِذا وَقَعَتْ الْمَيْتَةُ فِي بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأُخْرِجَتْ فِي دَلْوٍ أَوْ غَيْرِهِ طُرِحَتْ وَأُرِيقَ الْمَاءُ الَّذِي مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ مُنْفَرِدًا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غُسِلَ الدَّلْوُ فَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ وَرُدَّ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، طَهَّرَهُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَلَمْ يُنَجِّسْ هُوَ الْمَاءَ الْكَثِيرَ
(قَالَ) : وَالْمُحَرَّمُ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا وَقَعَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ نَجَّسَهُ.ولو وَقَعَ حُوتٌ مَيِّتٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ لَمْ يَنْجُسْ؛ لِأَنَّهُمَا حَلَالٌ مَيِّتَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، وَمِمَّا لَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَنْجُسُ مَيِّتًا نَجَّسَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، مِثْلُ الذُّبَابِ، وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْ هَذَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذِهِ مَيْتَةٌ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهَا لَا تَنْجُسُ؟ قِيلَ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ بِحَالٍ،
وَلَا نَفْسَ لَهَا فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: نَعَمْ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ أَنْ يُغْمَسَ فِيهِ» ، وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِهِ فِي الطَّعَامِ وَقَدْ يَمُوتُ بِالْغَمْسِ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِهِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَهُوَ يُنَجِّسُهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدُ إفْسَادِهِمَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا يَنْجُسُ نَجُسَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ يَأْمُرُ بِغَمْسِهِ لِلدَّاءِ الَّذِي فِيهِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا أَنْ يُؤْكَلَ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ نَجَّسَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْخُنْفُسَاءِ وَالْجُعَلِ وَالذُّبَابِ وَالْبُرْغُوثِ، وَالْقَمْلَةِ وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
(قَالَ) : وَذُرَقُ الطَّيْرِ كُلِّهِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ نَجَّسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْطُبُ بِرُطُوبَةِ الْمَاءِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) وَعَرَقُ النَّصْرَانِيَّ ةِ وَالْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيِّ وَعَرَقُ كُلِّ دَابَّةٍ طَاهِرٌ وَسُؤْرُ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا طَاهِرٌ إلَّا الْكَلْبَ، وَالْخِنْزِيرَ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِذا وَضَعَ الْمَرْءُ مَاءً فَاسْتَنَّ بِسِوَاكٍ وَغَمَسَ السِّوَاكَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي السِّوَاكِ رِيقُهُ، وَهُوَ لَوْ بَصَقَ أَوْ تَنَخَّمَ أَوْ امْتَخَطَ فِي مَاءٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَالدَّابَّةُ نَفْسُهَا تَشْرَبُ فِي الْمَاءِ، وَقَدْ يَخْتَلِطُ بِهِ لُعَابُهَا فَلَا يُنَجِّسُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا. .
(قَالَ) :وَكَذَلِكَ لَوْ عَرِقَ فَقَطَرَ عَرَقُهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ؛ لِأَنَّ عَرَقَ الْإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَسَوَاءٌ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْعَرَقُ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ.وَإِذا كَانَ الْحَرَامُ مَوْجُودًا فِي الْمَاءِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ أَبَدًا بِشَيْءٍ يُنْزَحُ مِنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ مِنْهُ عَدَمًا لَا يُوجَدُ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قَائِمٌ فَإِذَا صَارَ الْحَرَامُ فِيهِ عَدَمًا طَهُرَ الْمَاءُ وَذَلِكَ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ أَوْ يَكُونَ مَعِينًا فَتَنْبُعُ الْعَيْنُ فِيهِ فَيَكْثُرُ، وَلَا يُوجَدُ الْمُحَرَّمُ فِيهِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا طَهُرَ وَإِنْ لَمْ يُنْزَحْ مِنْهُ شَيْءٌ.
(قَالَ) : وَإِذَا نَجُسَ الْإِنَاءُ فِيهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ أَوْ الْأَرْضُ أَوْ الْبِئْرُ ذَاتُ الْبِنَاءِ فِيهَا الْمَاءُ الْكَثِيرُ بِحَرَامٍ يُخَالِطُهُ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِيهِ وَكَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا فَنَجُسَ فَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ حَتَّى صَارَ مَاءً لَا يَنْجُسُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرَامٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَالْإِنَاءُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي الْمَاءُ فِيهِمَا طَاهِرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا نَجُسَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، فَإِذَا صَارَ حُكْمُ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا مَسَّهُ الْمَاءُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَوَّلَ حُكْمُ الْمَاءِ، وَلَا يُحَوَّلُ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَاءِ يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهِ، وَيَنْجُسُ بِنَجَاسَتِهِ.
وإذا كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا فِي إنَاءٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ أُرِيقَ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غُسِلَ ثَلَاثًا، فَإِنْ غُسِلَ وَاحِدَةً تَأْتِي عَلَيْهِ طَهُرَ، وَهَذَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِيهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا غَسَلَهُنَّ سَبْعًا جَعَلَ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ تُرَابًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِذَلِكَ،
فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ لَا يَجِدُ فِيهِ تُرَابًا فَغَسَلَهُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ تُرَابٍ فِي التَّنْظِيفِ مِنْ أُشْنَانٍ أَوْ نُخَالَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُمَاسَّهُ التُّرَابَ وَالْآخَرُ يَطْهُرُ بِمَا يَكُونُ خَلَفًا مِنْ التُّرَابِ وَأَنْظَفَ مِنْهُ مِمَّا وَصَفْت كَمَا تَقُولُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ .وَإِذَا نَجَّسَ الْكَلْبُ أَوْ الْخِنْزِيرُ بِشُرْبِهِمَا نَجَّسَا مَا مَاسَّا بِهِ الْمَاءَ مِنْ أَبْدَانِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ،
وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْجُسْ بِشُرْبِهِ فَإِذَا أَدْخَلَ فِي الْمَاءِ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يُنَجِّسْهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قَذَرٌ فَيُنَجِّسُ الْقَذَرُ الْمَاءَ لَا جَسَدُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ جَعَلْت الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا شَرِبَا فِي إنَاءٍ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَجَعَلْت الْمَيْتَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ أَوْ الدَّمَ طَهَّرَتْهُ مَرَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَثَرٌ فِي الْإِنَاءِ؟ قِيلَ لَهُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقُلْنَا فِي الْكَلْبِ بِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الْخِنْزِيرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَرٍّ مِنْ حَالِهِ لَمْ يَكُنْ فِي خَيْرٍ مِنْهَا فَقُلْنَا بِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَقُلْنَا فِي النَّجَاسَةِ سِوَاهُمَا بِمَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ سَمِعْت جَدَّتِي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إحْدَانَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا: «إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضَةِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِيهِ شَيْئًا وَكَانَ اسْمُ الْغُسْلِ يَقَعُ عَلَى غَسْلِهِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَأَجْزَأَتْ مَرَّةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُسْلِ
(قَالَ) : فَكَانَتْ الْأَنْجَاسُ كُلُّهَا قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْحَيْضَةِ لِمُوَافَقَتِهِ مَعَانِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ وَلَمْ نَقِسْهُ عَلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، وَأَنَّ الْإِنَاءَ يُنَقَّى بِوَاحِدَةٍ وَبِمَا دُونَ السَّبْعِ، وَيَكُونُ بَعْدَ السَّبْعِ فِي مُمَاسَّةِ الْمَاءِ مِثْلَ قَبْلِ السَّبْعِ. .
(قَالَ) : وَلَا نَجَاسَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْيَاءِ مَاسَّتْ مَاءً قَلِيلًا بِأَنْ شَرِبَتْ مِنْهُ أَوْ أَدْخَلَتْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ أَعْضَائِهَا إلَّا الْكَلْبُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَإِنَّمَا النَّجَاسَةُ فِي الْمَوْتَى أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَعْرَقُ الْحِمَارُ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَيَحِلُّ مَسُّهُ؟
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» .(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ أَوْ أَبِي حَبِيبَةَ " شَكَّ الرَّبِيعُ " عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَمِيدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ «عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وُضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ قَالَتْ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقِسْنَا عَلَى مَا عَقَلْنَا مِمَّا وَصَفْنَا وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَبَيْنَ مَا سِوَاهُمَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ إلَّا لِمَعْنًى، وَالْكَلْبُ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ لَا لِمَعْنَى وَجَعَلَ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِ مَنْ اتَّخَذَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى كُلَّ يَوْمٍ - قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ مَعَ مَا يَتَفَرَّقُ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفَضْلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ حَلَالٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ. .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِلَا حَرَامٍ خَالَطَهُ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهِ إنْسَانٌ فَلَمْ يَدْرِ أَخَالَطَهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الرِّيحِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الطَّعْمِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ لَا يُسْتَقَى مِنْهُ فَيَتَغَيَّرُ، وَيُخَالِطُهُ الشَّجَرُ وَالطُّحْلُبُ فَيُغَيِّرُهُ.
(قَالَ) : وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ حَلَالٌ فَغَيَّرَ لَهُ رِيحًا أَوْ طَعْمًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْبَانُ أَوْ الْقَطْرَانُ فَيَظْهَرُ رِيحُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ.وإن أَخَذَ مَاءً فَشِيبَ بِهِ لَبَنٌ أَوْ سَوِيقٌ أَوْ عَسَلٌ فَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا مَاءُ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مَشُوبٌ وَإِنْ طُرِحَ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ يَكُونُ مَا طُرِحَ فِيهِ مِنْ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ، وَيَكُونُ لَوْنُ الْمَاءِ الظَّاهِرُ وَلَا طَعْمَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فِيهِ تَوَضَّأَ بِهِ، وَهَذَا مَاءٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا خَالَطَ الْمَاءَ مِنْ طَعَامٍ، وَشَرَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِي الْأَرْضِ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْمَ لَهُ دُونَ الْمَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا خُلِطَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ.وَلَوْ صَبَّ عَلَى الْمَاءِ مَاءَ وَرْدٍ فَظَهَرَ رِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ لَا مَاءُ الْوَرْدِ
(قَالَ) : وَكَذَلِكَ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ قَطْرَانٌ فَظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَانَ وَمَاءَ الْوَرْدِ يَخْتَلِطَانِ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَمَيَّزَانِ مِنْهُ.وَلَوْ صُبَّ فِيهِ دُهْنٌ طَيِّبٌ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ عَنْبَرٌ أَوْ عُودٌ أَوْ شَيْءٌ ذُو رِيحٍ لَا يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ فَظَهَرَ رِيحُهُ فِي الْمَاءِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ مِنْهُ يُسَمَّى الْمَاءُ مَخُوضًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ صُبَّ فِيهِ مِسْكٌ أَوْ ذَرِيرَةٌ أَوْ شَيْءٌ يَنْمَاعُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ مِنْهُ فَظَهَرَ فِيهِ رِيحٌ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَخُوضٌ بِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مَاءُ مِسْكٍ مَخُوضَةٍ، وَذَرِيرَةٍ مَخُوضَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ مَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ الْمَأْكُولِ مِنْ سَوِيقٍ أَوْ دَقِيقٍ وَمَرَقٍ وَغَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الطَّعْمُ وَالرِّيحُ مِمَّا يَخْتَلِطُ فِيهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إلَى مَا خَالَطَهُ مِنْهُ.
[فَصْلٌ الْجُنُبُ وَغَيْرُهُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْقَدَحِ، وَهُوَ الْفَرْقُ وَكُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا قُلْت لَهُ أَبْقِ لِي أَبْقِ لِي»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ الْقَاسِمِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ وَعَائِشَةَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْيَدِ وَلَيْسَ يَنْجُسُ الْمُؤْمِنُ إنَّمَا هُوَ تَعَبُّدٌ بِأَنْ يُمَاسَّ الْمَاءَ فِي بَعْضِ حَالَتِهِ دُونَ بَعْضٍ.
[مَاء النَّصْرَانِيّ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءِ نَصْرَانِيَّةٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْمُشْرِكِ وَبِفَضْلِ وُضُوئِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ نَجَاسَةً؛ لِأَنَّ لِلْمَاءِ طَهَارَةً عِنْدَ مَنْ كَانَ وَحَيْثُ كَانَ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ خَالَطَتْهُ.
[بَابُ الْآنِيَةِ الَّتِي يُتَوَضَّأُ فِيهَا وَلَا يُتَوَضَّأُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ قَدْ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَهَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيِّتَةٌ فَقَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَمِعَ ابْنَ وَعْلَةَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَيُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ كُلِّهَا إذَا دُبِغَتْ وَجُلُودِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ قِيَاسًا عَلَيْهَا إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالدَّبَّاغِ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا حَيًّا. وَالدِّبَاغُ بِكُلِّ مَا دَبَغَتْ بِهِ الْعَرَبُ مِنْ قَرْظٍ، وَشَبٍّ وَمَا عَمِلَ عَمَلَهُ مِمَّا يَمْكُثُ فِيهِ الْإِهَابُ حَتَّى يُنَشِّفَ فُضُولَهُ وَيُطَيِّبَهُ وَيَمْنَعَهُ الْفَسَادَ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَلَا يَطْهُرُ إهَابُ الْمَيْتَةِ مِنْ الدِّبَاغِ إلَّا بِمَا وَصَفْت، وَإِنْ تَمَعَّطَ شَعْرُهُ فَإِنَّ شَعْرَهُ نَجِسٌ، فَإِذَا دُبِغَ وَتُرِكَ عَلَيْهِ شَعْرُهُ فَمَاسَّ الْمَاءُ شَعْرَهُ نَجُسَ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي بَاطِنِهِ وَكَانَ شَعْرُهُ ظَاهِرًا لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ إذَا لَمْ يُمَاسَّ شَعْرَهُ، فَأَمَّا جِلْدُ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ وَيَتَوَضَّأَ فِيهِ إنْ لَمْ يُدْبَغْ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الذَّكَاةِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا طَهُرَ الْإِهَابُ صُلِّيَ فِيهِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَجُلُودُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ ذَكِيُّهُ وَمَيِّتُهُ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُحِلُّهَا فَإِذَا دُبِغَتْ كُلُّهَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعَانِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَطْهُرَانِ بِحَالٍ أَبَدًا (قَالَ) : وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَشْرَبُ فِي عَظْمِ مَيْتَةٍ وَلَا عَظْمِ ذَكِيٍّ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِثْلِ عَظْمِ الْفِيلِ وَالْأَسَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ وَالْغُسْلَ لَا يُطَهِّرَانِ الْعَظْمَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَهَّنَ فِي مُدْهُنٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَنْ تَوَضَّأَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَغَسَلَ مَا مَسَّهُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ فِيهِ.
[الْآنِيَةُ غَيْرُ الْجُلُودِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَكْرَهُ إنَاءً تُوُضِّئَ فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنِّي أَكْرَهُ الْوُضُوءَ فِيهِمَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدٌ فِيهَا أَوْ شَرِبَ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ آمُرْهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَمْ أَزْعُمْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي شَرِبَ وَلَا الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ فِيهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِنْ الشُّرْبِ فِيهَا مَعْصِيَةً، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهَا وَلَا يَحْرُمُ الْمَاءُ فِيهَا؟ قِيلَ لَهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَى عَنْ الْفِعْلِ فِيهَا لَا عَنْ تِبْرِهَا وَقَدْ فُرِضَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَتَمَوَّلَهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسًا لَمْ يَتَمَوَّلْهَا أَحَدٌ وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا وَلَا شِرَاؤُهَا.
[بَابُ الْمَاءِ يَشُكُّ فِيهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ فَتَنَجَّسَ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ فَالْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ مُخَالَطَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَشَكَّ أَفَعَلَ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَهْرَاقَهُ وَأَبْدَلَ غَيْرَهُ، وَإِذَا قَلَّتْ فِي الْمَاءِ فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَهُ؛ لِأَنَّ فِي الشُّرْبِ ضَرُورَةَ خَوْفِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى التُّرَابَ طَهُورًا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ مَاءً يَكُونُ طَهُورًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ وَمَعَهُ مَاءَانِ اسْتَيْقَنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرَ لَمْ يَنْجُسْ فَأَهْرَاقَ النَّجِسَ مِنْهُمَا عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ تَوَضَّأَ بِالْآخَرِ، وَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ حَبَسَ الَّذِي الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ بِغَيْرِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ وَاسْتَيْقَنَ الطَّهَارَةَ فِي غَيْرِهِ فَلَا نُفْسِدُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةَ إلَّا بِيَقِينِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَاَلَّذِي تَأَخَّى فَكَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَمْكُنُ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ النَّجَاسَةَ، فَإِنْ قَالَ فَقَدْ نَجَّسْتَ عَلَيْهِ الْآخَرَ بِغَيْرِ يَقِينِ نَجَاسَةٍ قِيلَ لَا إنَّمَا نَجَّسْتُهُ عَلَيْهِ بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَأَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَلَمْ أَقُلْ فِي تَنْجِيسِهِ إلَّا بِيَقِينِ رَبِّ الْمَاءِ فِي نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَالْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا النَّجِسَ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدُ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ النَّجِسُ وَاَلَّذِي تَرَكَ الطَّاهِرُ غَسَلَ كُلَّ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَأَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهَذَا الَّذِي كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ حَتَّى اسْتَيْقَنَ طَهَارَتَهُ.ولو اشْتَبَهَ الْمَاءَانِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا النَّجِسُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِمَا أَغْلَبُ، قِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَجِدْ مَاءً غَيْرَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْأَغْلَبِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَتَيَمَّمَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَانِ أَعْمَى لَا يَعْرِفُ مَا يَدُلُّهُ عَلَى الْأَغْلَبِ وَكَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُصَدِّقُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْأَغْلَبَ عِنْدَ الْبَصِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُصَدِّقُهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ لَا يَدْرِي أَيَّ الْإِنَاءَيْنِ نَجِسٌ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَيُّهُمَا نَجِسٌ تَأَخَّى الْأَغْلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَيِّهِمَا نَجِسٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُصَدِّقُهُ تَأَخَّى عَلَى أَكْثَرِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَتَوَضَّأُ،
وَلَا يَتَيَمَّمُ وَمَعَهُ مَاءَانِ: أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ، وَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُطَهِّرُ نَجَاسَةً إنْ مَاسَّتْهُ مِنْ الْمَاءِ، وَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ.ولو تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ نَجِسٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وُضُوءًا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ نَجِسٌ غَسَلَ كُلَّ مَا أَصَابَ الْمَاءُ مِنْهُ وَاسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ الْمَاءَ النَّجِسَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ فَمَاسَّ مَاءً نَجِسًا أَوْ مَاسَّ رَطْبًا مِنْ الْأَنْجَاسِ ثُمَّ صَلَّى غَسَلَ مَا مَاسَّ مِنْ النَّجَسِ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ.وإن مَاسَّ النَّجَسَ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ الْمُمَاسَّةَ لِلْأَبْدَانِ. .
(قَالَ) : فَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ فِي بِئْرٍ أَوْ فِي وَقْرِ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجَدَهُ شَدِيدَ التَّغَيُّرِ لَا يَدْرِي أَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ بَوْلِ دَوَابَّ أَوْ غَيْرِهِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَتَغَيَّرُ بِلَا حَرَامٍ خَالَطَهُ فَإِذَا أَمْكَنَ هَذَا فِيهِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ.
(قَالَ) : وَلَوْ رَأَى مَاءً أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَاسْتَيْقَنَ أَنَّ ظَبْيًا بَالَ فِيهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ مُتَغَيِّرًا أَوْ رِيحَهُ مُتَغَيِّرًا كَانَ نَجِسًا وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ تَغَيُّرَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَيْقَنَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ وَوَجَدَ التَّغَيُّرَ قَائِمًا فِيهِ، وَالتَّغَيُّرُ بِالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ يَخْتَلِفُ
https://i.pinimg.com/474x/48/ca/41/4...6ea8f063fe.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (3)
صــــــــــ 26 الى صـــــــــــ31
[كِتَاب الطَّهَارَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي خَاصٍّ فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ
(قَالَ) : وَأَحْسَبُ مَا قَالَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ فِي السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ مُضْطَجَعٍ.
(قَالَ) : وَالنَّوْمُ غَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ، فَمَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُضْطَجِعٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ النَّائِمِ، وَالنَّائِمُ يَتَحَرَّكُ الشَّيْءُ فَيَنْتَبِهُ، وَيَنْتَبِهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكِ الشَّيْءِ، وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ يُحَرَّكُ فَلَا يَتَحَرَّكُ
(قَالَ) : وَإِذَا نَامَ الرَّجُلُ قَاعِدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ
(قَالَ) : وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ أَحْسَبُهُ قَالَ قُعُودًا حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ. .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا مُسْتَوِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدِي الْوُضُوءُ؛ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الْآثَارِ وَإِنْ مَعْلُومًا إنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي النَّائِمِينَ أَنَّ النَّائِمَ مُضْطَجِعٌ وَأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ نَائِمٌ فَلَا يَتَوَهَّمُ إلَّا مُضْطَجِعًا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّوْمِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَنَائِمٌ قَاعِدًا بِمَعْنَى أَنْ يُوصَلَ فَيُقَالَ نَامَ قَاعِدًا كَمَا يُقَالُ نَامَ عَنْ الشَّيْءِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مِنْ الرَّأْيِ لَا نَوْمَ الرُّقَادِ، وَإِنَّ النَّائِمَ مُضْطَجِعًا فِي غَيْرِ حَالِ النَّائِمِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَثْقِلُ فَيَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْغَلَبَةِ عَلَى عَقْلِ النَّائِمِ جَالِسًا وَأَنَّ سَبِيلَ الْحَدَثِ مِنْهُ فِي سُهُولَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَخَفَائِهِ عَلَيْهِ غَيْرُ سَبِيلِهِ مِنْ النَّائِمِ قَاعِدًا.
(قَالَ) : وَإِنْ زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقُعُودِ نَائِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ جَالِسًا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا يَنْتَبِهُ وَإِذَا زَالَ كَانَ فِي حَدِّ الْمُضْطَجِعِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَدَثُ.
(قَالَ) : وَإِذَا نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْحَدَثُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِ مِنْ الْمُضْطَجِعِ. .
(قَالَ) : وَمَنْ نَامَ قَائِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ وَأَنْ يُقَاسَ عَلَى الْمُضْطَجِعِ بِأَنَّ كُلًّا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِالنَّوْمِ - أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْقَاعِدِ الَّذِي إنَّمَا سُلِّمَ فِيهِ لِلْآثَارِ وَكَانَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ.
(قَالَ) : وَالنَّوْمُ الَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ كَائِنًا ذَلِكَ مَا كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ مُضْطَجِعٍ وَغَيْرِ مَا طُرِقَ بِنُعَاسٍ أَوْ حَدِيثِ نَفْسٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ
(قَالَ) : وَسَوَاءٌ الرَّاكِبُ السَّفِينَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّابَّةَ وَالْمُسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ مَتَى زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ قَاعِدًا أَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي نَوْمٍ وَخَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ لَمْ يَدْرِ أَرُؤْيَا أَمْ حَدِيثُ نَفْسٍ فَهُوَ غَيْرُ نَائِمٍ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ النَّوْمَ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ الرُّؤْيَا وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ النَّوْمَ فَهُوَ نَائِمٌ وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلِّهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَعَلَيْهِ فِي الرُّؤْيَا وَيَقِينِ النَّوْمِ وَإِنْ قَلَّ - الْوُضُوءُ
[الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْغَائِطِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ مِنْ مَضْجَعِ النَّوْمِ وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ طَهَارَةِ الْجُنُبِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُلَامَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبْلَةَ غَيْرَ الْجَنَابَةِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِيَدِهِ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ بِبَعْضِ جَسَدِهِ إلَى بَعْضِ جَسَدِهَا لَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمَسَتْهُ هِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيُّ بَدَنَيْهِمَا أَفْضَى إلَى الْآخَرِ إذَا أَفْضَى إلَى بَشَرَتِهَا، أَوْ أَفْضَتْ إلَى بَشَرَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَشَرَتِهَا فَإِنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى شَعْرِهَا وَلَمْ يُمَاسَّ لَهَا بَشَرًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَا يَشْتَهِيهَا وَلَا يَمَسُّهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَلَا مَعْنَى لِلشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْقَلْبِ، إنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْفِعْلِ، وَالشَّعْرُ مُخَالِفٌ لِلْبَشَرَةِ
(قَالَ) : وَلَوْ احْتَاطَ فَتَوَضَّأَ إذَا لَمَسَ شَعْرَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.وَلَوْ مَسَّ بِيَدِهِ مَا شَاءَ فَوْقَ بَدَنِهَا مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ خَامٍ أَوْ بَتٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَفِيقٍ مُتَلَذِّذًا أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَفَعَلَتْ هِيَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءٌ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا لَمْ يَلْمِسْ صَاحِبَهُ إنَّمَا لَمَسَ ثَوْبَ صَاحِبِهِ قَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ اللَّمْسُ بِالْكَفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى ... وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي
فَلَا أَنَا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى ... أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَذَّرْتُ مَا عِنْدِي
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (4)
صــــــــــ 31 الى صـــــــــــ37
[الْوُضُوءُ مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْغَائِطَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ الْخَلَاءُ فَمَنْ تَخَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «شُكِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْفَتِلْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَمَّا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَنْصَرِفُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالرِّيحِ كَانَتْ الرِّيحُ مِنْ سَبِيلِ الْغَائِطِ وَكَانَ الْغَائِطُ أَكْثَرَ مِنْهَا أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ فَتَيَمَّمَ» ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ قَالَ الْمِقْدَادُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِمَاءٍ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ وَالْبَوْلِ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا خَرَجَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ سَبِيلُ الْحَدَثِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَسَوَاءٌ مَا دَخَلَ ذَلِكَ مِنْ سِبَارٍ أَوْ حُقْنَةِ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ يَخْلِطُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ كُلِّهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ، قَالَ وَكَذَلِكَ الدُّودُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَالْحَصَاةُ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوجِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ وَكَذَلِكَ الرِّيحُ تَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ أَوْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ فِيهَا الْوُضُوءُ كَمَا يَكُونُ الْوُضُوءُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ،
قَالَ: وَلَمَّا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْ الْفُرُوجِ حَدَثًا رِيحًا أَوْ غَيْرَ رِيحٍ فِي حُكْمِ الْحَدَثِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي الْبُصَاقِ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ، وَالْمُخَاطِ وَالنَّفَسِ يَأْتِي مِنْ الْأَنْفِ، وَالْجُشَاءِ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ يَأْتِي مِنْ، الْفَمِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا وُضُوءَ فِي قَيْءٍ وَلَا رُعَافٍ وَلَا حِجَامَةٍ وَلَا شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ الْجَسَدِ وَلَا أُخْرِجَ مِنْهُ غَيْرِ الْفُرُوجِ الثَّلَاثَةِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عَلَى نَجَاسَةِ مَا يَخْرُجُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ وَلَا تُنَجِّسُ شَيْئًا فَيَجِبُ بِهَا الْوُضُوءُ كَمَا يَجِبُ بِالْغَائِطِ، وَأَنَّ الْمَنِيَّ غَيْرُ نَجَسٍ وَالْغُسْلُ يَجِبُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ تَعَبُّدٌ،
قَالَ: وَإِذَا قَاءَ الرَّجُلُ غَسَلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَ الْقَيْءُ مِنْهُ لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا رَعَفَ غَسَلَ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْ أَنْفِهِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَهَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ جَسَدِهِ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَسِ، وَلَا يُنَجِّسُ عَرَقُ جُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبٍ وَلَا مَأْبِضٍ وَلَا مَوْضِعٍ مُتَغَيِّرٍ مِنْ الْجَسَدِ وَلَا غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُنَجِّسُ عَرَقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؟ قِيلَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَائِضَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ ثَوْبِهَا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِغَسْلِ الثَّوْبِ كُلِّهِ» وَالثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ دَمُ الْحَيْضِ الْإِزَارُ وَلَا شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْعَرَقِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْرَقَانِ فِي الثِّيَابِ وَهُمَا جُنُبَانِ ثُمَّ يُصَلِّيَانِ فِيهَا وَلَا يَغْسِلَانِهَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْت الْمُنْذِرِ قَالَتْ سَمِعْت جَدَّتِي «أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ ثُمَّ صَلِّي فِيهِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ.
.(قَالَ) : وَمَنْ تَوَضَّأَ وَقَدْ قَاءَ فَلَمْ يَتَمَضْمَضْ أَوْ رَعَفَ فَلَمْ يَغْسِلْ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْهُ أَعَادَ بَعْدَ مَا يُمَضْمِضُ وَيَغْسِلُ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا لِأَنَّ وُضُوءَهُ انْتَقَضَ.
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْت عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْت صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ » أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَوَضَّأْ » أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ » وَزَادَ ابْنُ نَافِعٍ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ يَرْوِيهِ وَلَا يَذْكُرُ فِيهِ جَابِرًا
(قَالَ) : وَإِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِبَطْنِ كَفِّهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سِتْرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ بِالْعَمْدِ أَوْجَبَهُ بِغَيْرِ الْعَمْدِ قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ مَا مَاسَّ ذَكَرَهُ وَكَثِيرُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَّ دُبُرَهُ أَوْ مَسَّ قُبُلَ امْرَأَتِهِ أَوْ دُبُرَهَا أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ صَبِيٍّ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، فَإِنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ أَلْيَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَسَوَاءٌ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، وَإِنْ مَسَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا مِنْ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ لَهُمْ حُرْمَةٌ وَعَلَيْهِمْ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَ لِلْبَهَائِمِ وَلَا فِيهَا مِثْلُهَا، وَمَا مَاسَّ مِنْ مُحَرَّمٍ مِنْ رَطْبٍ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ غَيْرِهِ غَسَلَ مَا مَاسَّ مِنْهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ.
وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ أَوْ ذِرَاعِهِ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِ بَطْنِ كَفِّهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ مَا وَصَفْت؟
قِيلَ: الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِبَطْنِهَا كَمَا تَقُولُ أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا أَوْ إلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ إذَا أَفْضَى بِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَكَرَهُ يُمَاسُّ فَخِذَيْهِ وَمَا قَارَبَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جَسَدِهِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ - وُضُوءًا فَكُلُّ مَا جَاوَزَ بَطْنَ الْكَفِّ كَمَا مَاسَّ ذَكَرَهُ مِمَّا وَصَفْت، وَإِذَا كَانَ مُمَاسَّتَانِ تُوجِبُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تُوجِبُ بِالْأُخْرَى وُضُوءًا كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ وُضُوءٌ مِمَّا لَمْ يَمَسَّا؛ لِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا مَاسَّ مَا هُوَ أَنْجَسُ مِنْ الذَّكَرِ لَا يَتَوَضَّأُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ «عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ: حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَمِ الْحَيْضِ أَنْ يُغْسَلَ بِالْيَدِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ فَالدَّمُ أَنْجَسُ مِنْ الذَّكَرِ
(قَالَ) : وَكُلُّ مَا مَاسَّ مِنْ نَجَسٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ وُضُوءٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النَّجَسِ فَمَا لَيْسَ بِنَجَسٍ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ وُضُوءًا إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ
(قَالَ) : وَإِذَا مَاسَّ نَجَسًا رَطْبًا أَوْ نَجَسًا يَابِسًا وَهُوَ رَطْبٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا مَاسَّهُ مِنْهُ، وَمَا مَاسَّهُ مِنْ نَجَسٍ لَيْسَ بِرَطْبٍ وَلَيْسَ مَا مَاسَّ مِنْهُ رَطْبًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَيَطْرَحُهُ عَنْهُ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنَّ الرِّيحَ لَتُسْفِي عَلَيْنَا الرَّوْثَ وَالْخَرْءَ الْيَابِسَ فَيُصِيبُ وُجُوهَنَا وَثِيَابَنَا فَنَنْفُضُهُ أَوْ قَالَ فَنَمْسَحُهُ ثُمَّ لَا نَتَوَضَّأُ وَلَا نَغْسِلُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ مَا قُلْتُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الرَّجُلِ فِي ذَكَرِهِ أَوْجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا أَوْ مَسَّتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا كَالرَّجُلِ لَا يَخْتَلِفَانِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " قَالَ الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ.
(قَالَ) : وَإِذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ مَا كَانَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ فِيهِ رَقَّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ صَفَقَ.
[بَابٌ لَا وُضُوءَ مِمَّا يَطْعَمُ أَحَدٌ]ٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَنْ أَكَلَ شَيْئًا مَسَّتْهُ نَارٌ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ مِنْهُ أَكَلَهَا نِيئَةً أَوْ نَضِيجَةً وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ وَفَاهُ وَمَا مَسَّتْ الْمَيْتَةُ مِنْهُ لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ غَسَلَهُ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ أَكْلِهَا وَقَبْلَ غَسْلِهِ مَا مَاسَّتْ الْمَيْتَةُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُحَرَّمٍ أَكْلُهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَغْسِلَ مَا مَاسَّ مِنْهُ مِنْ يَدَيْهِ وَفِيهِ وَشَيْءٍ أَصَابَهُ،
غَيْرِهِمَا وَكُلُّ حَلَالٍ أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ فَلَا وُضُوءَ مِنْهُ كَانَ ذَا رِيحٍ أَوْ غَيْرَ ذِي رِيحٍ شَرِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَبَنًا وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ قَالَ: مَا بَالَيْتُهُ بَالَةً.
[بَابُ الْكَلَامِ وَالْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا وُضُوءَ مِنْ كَلَامٍ وَإِنْ عَظُمَ وَلَا ضَحِكٍ فِي صَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا
(قَالَ) وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ وُضُوءًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا وُضُوءَ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي أَذَى أَحَدٍ وَلَا قَذْفٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَبِيلِ الْأَحْدَاثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَرَوَى الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا مِنْ الشَّوَارِبِ وَغَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ وُضُوءٍ وَهَذَا زِيَادَةُ نَظَافَةٍ وَطَهَارَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَدَّ وَلَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَلَالٍ أَكْلُهُ - لَهُ رِيحٌ أَوْ لَا رِيحَ لَهُ - وَشُرْبُهُ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاسَّ ذَلِكَ الْحَلَالُ جَسَدَهُ وَثَوْبَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَسْلُهُ قَدْ شَرِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَبَنًا وَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً.
[بَابٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَكَانَ مَذْهَبُنَا أَنَّ ذَلِكَ إذَا قَامَ النَّائِمُ مِنْ نَوْمِهِ
(قَالَ) : وَكَانَ النَّائِمُ يَقُومُ مِنْ نَوْمِهِ لَا مُحْدِثًا خَلَاءً وَلَا بَوْلًا فَكَانَ الْوُضُوءُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْدِثْ غَائِطًا وَلَا بَوْلًا دُونَ مَنْ أَحْدَثَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ يُمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ
(قَالَ) : وَلَا اسْتِنْجَاءَ عَلَى أَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ فَيَسْتَنْجِيَ بِالْحِجَارَةِ أَوْ الْمَاءِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الرِّمَّةُ الْعَظْمُ الْبَالِي قَالَ الشَّاعِرُأَمَّ ا عِظَامُهَا فَرِمٌّ ... وَأَمَّا لَحْمُهَا فَصَلِيبُأَخْبَ رَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو وَجْزَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَحْجَارُ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَنْ تَخَلَّى أَوْ بَالَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّحَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ آجُرَّاتٍ أَوْ مَقَابِسَ أَوْ مَا كَانَ طَاهِرًا نَظِيفًا مِمَّا أَنْقَى نَقَاءَ الْحِجَارَةِ إذَا كَانَ مِثْلَ التُّرَابِ وَالْحَشِيشِ وَالْخَزَفِ وَغَيْرِهَا.
(قَالَ) : وَإِنْ وَجَدَ حَجَرًا أَوْ آجُرَّةً أَوْ صِوَانَةً لَهَا بِثَلَاثِ وُجُوهٍ فَامْتَسَحَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا امْتِسَاحَةً كَانَتْ كَثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ امْتَسَحَ بِهَا فَإِنْ امْتَسَحَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَبْقَى أَثَرًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الِامْتِسَاحِ عَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُبْقِ أَثَرًا قَائِمًا فَأَمَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إنْقَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهِدَ لَمْ يُنَقِّهِ بِغَيْرِ مَاءٍ.
(قَالَ) : وَلَا يَمْتَسِحُ بِحَجَرٍ عَلِمَ أَنَّهُ امْتَسَحَ بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَصَابَهُ مَاءٌ طَهَّرَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ طُهْرَهُ بِمَاءٍ لَمْ يُجْزِهِ الِامْتِسَاحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلَ بِمَاءِ الشَّجَرِ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ الِامْتِسَاحُ بِهِ وَلَا يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَنْجَاسَ.
(قَالَ) : وَلَا يَسْتَنْجِي بِرَوْثَةٍ لِلْخَبَرِ فِيهِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ؛ لِأَنَّهَا رَجِيعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ رَجِيعٍ نَجِسٍ وَلَا بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فِيهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَجِسٍ فَلَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِي مَعْنَى الْعَظْمِ إلَّا جِلْدَ ذَكِيٍّ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ.
(قَالَ) : وَيَسْتَنْجِي الرَّقِيقُ الْبَطْنِ وَالْغَلِيظُ بِالْحِجَارَةِ وَمَا قَامَ مَقَامَهَا مَا لَمْ يَعْدُ الْخَلَاءُ مَا حَوْلَ مَخْرَجِهِ مِمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَتَيْنِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحِجَارَةِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيمَا انْتَشَرَ فَخَرَجَ عَنْهُمَا إلَّا الْمَاءُ وَلَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ أَهْلُ رِقَّةِ بُطُونٍ وَغِلَظِهَا وَأَحْسَبُ رِقَّةَ الْبَطْنِ كَانَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ أَكْثَرَ لِأَكْلِهِمْ التَّمْرَ وَكَانُوا يَقْتَاتُونَهُ وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِنْجَا ءِ.
(قَالَ) : وَالِاسْتِنْجَا ءُ مِنْ الْبَوْلِ مِثْلُهُ مِنْ الْخَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ وَإِذَا انْتَشَرَ الْبَوْلُ عَلَى مَا أَقْبَلَ عَلَى الثُّقْبِ أَجْزَأَهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَإِذَا انْتَشَرَ حَتَّى تَجَاوَزَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ فِيمَا جَاوَزَ ذَلِكَ إلَّا الْمَاءُ. وَيَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ مِنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ وَيُقِيمَ سَاعَةً قَبْلَ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَنْثُرَ ذَكَرَهُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ.
(قَالَ) : وَإِذَا اسْتَنْجَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يُجْزِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَإِنْ أَنْقَى وَالِاسْتِنْجَا ءُ كَافٍ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَيُقَالَ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ} [التوبة: 108] .وَإِذَا اقْتَصَرَ الْمُسْتَنْجِي عَلَى الْمَاءِ دُونَ الْحِجَارَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَى مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِذَا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ فَلَا عَدَدَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَنْقَى كُلَّ مَا هُنَالِكَ وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ يَكُونُ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ
(قَالَ) : وَإِنْ كَانَتْ بِرَجُلٍ بَوَاسِيرُ وَقُرُوحٌ قُرْبَ الْمَقْعَدَةِ أَوْ فِي جَوْفِهَا فَسَالَتْ دَمًا أَوْ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا لَمْ يُجْزِهِ فِيهِ إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يَجْزِيهِ الْحِجَارَةُ وَالْمَاءُ طَهَارَةُ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا وَالرُّخْصَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ فِي مَوْضِعِهَا لَا يُعَدَّى بِهَا مَوْضِعَهَا وَكَذَلِكَ الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ إذَا عَدَّوْا مَوْضِعَهُمَا فَأَصَابُوا غَيْرَهُ مِنْ الْجَسَدِ لَمْ يُطَهِّرْهُمَا إلَّا الْمَاءُ وَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ فِي الْوُضُوءِ مَنْ يَجِدُ الْمَاءَ وَمَنْ لَا يَجِدُهُ.
وَإِذَا تَخَلَّى رَجُلٌ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ التَّيَمُّمُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ ثُمَّ التَّيَمُّمُ وَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ اسْتَنْجَى لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ " قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ " وَإِذَا كَانَ قَدْ اسْتَنْجَى بَعْدَهُ لَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلَا دُبُرَهُ بِيَدِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ الْغُسْلُ لَمْ يُجْزِهِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا الْغُسْلُ
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://i.imgur.com/KEejGZB.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (5)
صــــــــــ 37 الى صـــــــــــ45
[بَابُ السِّوَاكِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَبِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشُقَّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَاسْتُحِبَّ السِّوَاكُ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْفَمُ وَعِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ وَالْأَزْمِ وَأَكْلِ كُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ وَشُرْبِهِ وَعِنْدَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَمَنْ تَرَكَهُ وَصَلَّى فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ.
[بَابُ غُسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فَبَدَأَ فِيهِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا دُونَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّط ِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ لَمْ يُحْدِثْ خَلَاءً وَلَا بَوْلًا وَأُحِبُّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ لِلْوُضُوءِ لِلسُّنَّةِ لَا لِلْفَرْضِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا وَهُوَ لَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ مَاسَّهَا لَمْ يَفْسُدْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَكَّ أَنْ يَكُونَ مَاسَّهَا فَإِنْ كَانَ الْيَدُ قَدْ مَاسَّتْهُ نَجَاسَةٌ فَأَدْخَلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَسَدَ الْمَاءُ فَأَهْرَاقَهُ وَغَسَلَ مِنْهُ الْإِنَاءَ وَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ وَتَوَضَّأَ وَطَهُرَتْ يَدُهُ بِدُخُولِهَا الْمَاءَ إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَا أَثَرَ لَهَا وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَهَا أَثَرٌ أَخْرَجَهَا وَغَسَلَهَا حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ.
[بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَا قِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ - مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغْسِلَ عَيْنَيْهِ وَلَا أَنْ يَنْضَحَ فِيهِمَا فَكَانَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَا قُ أَقْرَبَ إلَى الظُّهُورِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَلَمْ أَعْلَمْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَا قَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فَرْضًا وَلَمْ أَعْلَمْ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا يَأْخُذَ بِكَفِّهِ غَرْفَةً لِفِيهِ وَأَنْفِهِ وَيُدْخِلَ الْمَاءَ أَنْفَهُ وَيَسْتَبْلِغَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِخَيَاشِيمِهِ وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجْعَلَهُ كَالسَّعُوطِ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا رَفَقَ بِالِاسْتِنْشَا قِ لِئَلَّا يَدْخُلَ رَأْسَهُ وَإِنَّمَا أَكَّدْت الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَا قَ دُونَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَأَنَّ الْفَمَ يَتَغَيَّرُ وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ وَأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ مِنْ تَغَيُّرِهِمَا وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْعَيْنَانِ وَإِنْ تَرَكَ مُتَوَضِّئٌ أَوْ جُنُبٌ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَا قَ وَصَلَّى لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ لِمَا وَصَفْت وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَدَعَهُمَا وَإِنْ تَرَكَهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ
[بَابُ غُسْلِ الْوَجْهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَلَيْسَ مَا جَاوَزَ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْأَغَمِّ مِنْ النَّزْعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ أَصْلَعُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَتْ صَلْعَتُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَ النَّزْعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ شَيْءٌ
فَإِذَا خَرَجَتْ لِحْيَةُ الرَّجُلِ فَلَمْ تَكْثُرْ حَتَّى تُوَارِيَ مِنْ وَجْهِهِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ غُسْلُ الْوَجْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ فَإِذَا كَثُرَتْ حَتَّى تَسْتُرَ مَوْضِعَهَا مِنْ الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَلَا أَعْلَمُهُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَإِنَّمَا قُلْت لَا أَعْلَمُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَعَمِّ مِمَّنْ لَقِيت وَحُكِيَ لِي عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِأَنَّ الْوَجْهَ نَفْسَهُ مَا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ إلَّا شَعْرُ الْحَاجِبِ وَأَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ وَالشَّارِبُ وَالْعَنْفَقَةُ .أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَجْهٌ دُونَ مَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ وَجْهٌ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مُوَاجِهٌ وَإِنَّمَا كَانَ مَا وَصَفْت مِنْ حَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ وَجْهًا مِنْ أَنَّ كُلَّهُ مَحْدُودٌ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ مَكْشُوفٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ مَكْشُوفًا لَا يُغْسَلُ وَلَا أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ فَهُوَ وَاحِدٌ مُنْقَطِعًا أَسْفَلُهُ وَأَعْلَاهُ وَجَنْبَاهُ وَجْهٌ وَمَا بَيْنَ هَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ وَاللِّحْيَةُ فَهِيَ شَيْئَانِ فَعَذَارُ اللِّحْيَةِ الْمُتَّصِلُ بِالصُّدْغَيْنِ الَّذِي مِنْ وَرَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ وَالْوَاصِلُ بِهِ الْقَلِيلُ الشَّعْرِ فِي حُكْمِ الْحَاجِبَيْنِ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغُسْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالْوَجْهِ كَمَا وَصَفْت وَأَنَّ شَعْرَهُ لَا يَكْثُرُ عَنْ أَنْ يَنَالَهُ الْمَاءُ كَمَا يَنَالَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْن ِ وَالْعَنْفَقَةَ وَهِيَ عَلَى الذَّقَنِ وَمَا وَالَى الذَّقَنَ مِنْ اللَّحْيَيْنِ فَهَذَا مُجْتَمَعُ اللِّحْيَةِ بِمُنْقَطِعِ اللِّحْيَةِ فَيُجْزِئُ فِي هَذَا أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ شَعْرِهِ مَعَ غَسْلِ شَعْرِ الْوَجْهِ وَلَا يُجْزِئُ تَرْكُهُ مِنْ الْمَاءِ وَلَا أَرَى مَا تَحْتَ مَنَابِتِ مُجْتَمَعِ اللِّحْيَةِ وَاجِبَ الْغُسْلِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لَمْ يَجِبْ تَخْلِيلُهُ، وَيُمِرُّ الْمَاءَ عَلَى ظَهْرِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ كَمَا يُمِرُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَمَا مَسَحَ مِنْ مَظَاهِرِ شَعْرِ الرَّأْسِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إبِطًا أَوْ كَانَ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ لِحْيَتِهِ مُنْقَطِعًا بَادِيًا مِنْ الْوَجْهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ قَلِيلًا كَشَعْرِ الْعَنْفَقَةِ وَالشَّارِبِ وَعِذَارِ اللِّحْيَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ كُلُّهَا قَلِيلًا لَاصِقَةً كَهِيَ حِينَ تَنْبُتُ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إذَا كَثُرَتْ فَكَانَتْ إذَا أَسْبَغَ الْمَاءَ عَلَى اللِّحْيَةِ حَالَ الشَّعْرُ لِكَثْرَتِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ فَإِذَا كَانَتْ هَكَذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ مُجْتَمَعِ اللِّحْيَةِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهَا بَالِغًا مِنْهَا حَيْثُ بَلَغَ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْوَجْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُمِرَّ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ مَا سَقَطَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَمْرُهُ عَلَى مَا عَلَى الْوَجْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَجْزِيهِ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تَنْزِلُ وَجْهًا وَالْآخَرُ يَجْزِيهِ إذَا أَمَرَّهُ عَلَى مَا عَلَى الْوَجْهِ مِنْهُ.
[بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرَافِقَ مِمَّا يُغْسَلُ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ مَعْنَاهَا فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلَا يَجْزِي فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُؤْتَى عَلَى مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلَا يَجْزِي إلَّا أَنْ يُؤْتَى بِالْغُسْلِ عَلَى ظَاهِرِ الْيَدَيْنِ وَبَاطِنِهِمَا وَحُرُوفِهِمَا حَتَّى يَنْقَضِيَ غَسْلُهُمَا وَإِنْ تُرِكَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يَجُزْ وَيَبْدَأُ بِالْيُمْنَى مِنْ يَدَيْهِ قَبْلَ الْيُسْرَى فَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى كَرِهْت ذَلِكَ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ إعَادَةً.
وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ غَسَلَ مَا بَقِيَ حَتَّى يَغْسِلَ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ شَيْءٌ فَقَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ فَرْضُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَمَسَّ أَطْرَافَ مَا بَقِيَ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ غَسْلًا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ.
[بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ بِأَيِّ رَأْسِهِ شَاءَ إنْ كَانَ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَبِأَيِّ شَعْرِ رَأْسِهِ شَاءَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْضِ أُصْبُعٍ أَوْ بَطْنِ كَفِّهِ أَوْ أَمَرَ مَنْ يَمْسَحُ بِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إنْ مَسَحَ نَزْعَتَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ بَعْضَهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَأْسِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسِرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أَوْ قَالَ نَاصِيَتَهُ بِالْمَاءِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَوْ قَالَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَسْحِ الرَّأْسِ «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَمًّا فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ» فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ دُونَهَا وَأُحِبُّ لَوْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ مَعَ الرَّأْسِ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ دُونَ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى بُرْقُعٍ أَوْ قُفَّازَيْنِ دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْن ِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَا جُمَّةٍ فَمَسَحَ مِنْ شَعْرِ الْجُمَّةِ مَا سَقَطَ عَنْ أُصُولِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الرَّأْسِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى نَفْسِ الرَّأْسِ لَا السَّاقِطِ عَنْ الرَّأْسِ وَلَوْ جَمَعَ شَعْرَهُ فَعَقَدَهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ فَمَسَحَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَكَانَ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ الشَّعْرَ السَّاقِطَ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ مَسَحَ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّعْرِ عَلَى مَنَابِتِ الرَّأْسِ بَعْدَمَا أُزِيلَ عَنْ مَنْبَتِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَعْرٌ عَلَى غَيْرِ مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ وَلَا يَجْزِي الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ حَتَّى يَمْسَحَ عَلَى الشَّعْرِ فِي مَوْضِعِ مَنَابِتِهِ فَتَقَعُ الطَّهَارَةُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَعُ عَلَى الرَّأْسِ نَفْسِهِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ فَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ مَعًا يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَهَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ «عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ؟ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ نَعَمْ وَدَعَا بِوُضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً تُجْزِئُهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ الرَّأْسِ وَيَأْخُذَ بِأُصْبُعَيْهِ الْمَاءَ لِأُذُنَيْهِ فَيُدْخِلَهُمَا فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْفُرْجَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الصِّمَاخِ وَلَوْ تَرَكَ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ الْوَجْهِ غُسِلَتَا مَعَهُ أَوْ مِنْ الرَّأْسِ مُسِحَتَا مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُمَا أَجْزَأَتَا مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُونَا هَكَذَا فَلَمْ يُذْكَرَا فِي الْفَرْضِ وَلَوْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ كَفَى مَاسِحَهُمَا أَنْ يَمْسَحَ بِالرَّأْسِ كَمَا يَكْفِي مِمَّا يَبْقَى مِنْ الرَّأْسِ.
[بَابُ غُسْلِ الرِّجْلَيْنِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَنَحْنُ نَقْرَؤُهَا وَأَرْجُلَكُمْ عَلَى مَعْنَى اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ الْمَرْءَ إلَّا غُسْلُ ظَاهِرِ قَدَمَيْهِ وَبَاطِنِهِ وَعُرْقُوبَيْهِ مَا وَكَعْبَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَوْظِفَ كُلَّ مَا أَشْرَفَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ عَنْ أَصْلِ السَّاقِ فَيَبْدَأُ فَيَنْصِبُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَمِينِهِ أَوْ يَصُبُّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ عَلَى مَا بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُ تَرْكُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْنَاهُ فَلَمْ نُصَادِفْهُ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَتَتْنَا بِقِنَاعٍ فِيهِ تَمْرٌ وَالْقِنَاعُ الطَّبَقُ فَأَكَلْنَا وَأَمَرَتْ لَنَا بِحَرِيرَةٍ فَصُنِعَتْ فَأَكَلْنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلْ أَكَلْتُمْ شَيْئًا هَلْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ فَإِذَا سَخْلَةٌ تَيْعَرُ قَالَ هِيهِ يَا فُلَانُ مَا وَلَدَتْ قَالَ بَهْمَةً قَالَ فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً ثُمَّ انْحَرَفَ إلَيَّ وَقَالَ لِي لَا تَحْسَبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِك ذَبَحْنَاهَا لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ فَإِذَا وَلَدَ الرَّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي امْرَأَةً فِي لِسَانِهَا شَيْءٌ يَعْنِي الْبَذَاءَ قَالَ طَلِّقْهَا إذًا قُلْت إنَّ لِي مِنْهَا وَلَدًا وَإِنَّ لَهَا صُحْبَةً قَالَ فَمُرْهَا يَقُولُ عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَعْقِلُ وَلَا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَك كَضَرْبِك أَمَتَك قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» .(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ فِي أَصَابِعِهِ شَيْءٌ خُلِقَ مُلْتَصِقًا غَلْغَلَ الْمَاءَ عَلَى عُضْوَيْهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا ظَهَرَ مِنْ جِلْدِهِ لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتُقَ مَا خُلِقَ مُرْتَتِقًا مِنْهُمَا
[بَابُ مَقَامِ الْمُوَضِّئِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ يُوَضِّئُ رَجُلًا قَامَ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ مِنْ الْمَاءِ وَأَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ وَإِنْ قَامَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ حَيْثُ قَامَ إذَا صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ لَا فِي مَقَامِ الْمُوَضِّئِ.
[بَابُ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُضُوءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ وَبَعْضُ نِسَائِهِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ النَّاسُ مَعًا فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ فِيمَا يَطْهُرُ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ الْمَاءِ إلَّا الْإِتْيَانُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَسْلٍ وَمَسْحٍ وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَسَلَ الِاثْنَانِ مَعًا فَإِذَا أَتَى الْمَرْءُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ غَسْلٍ وَمَسْحٍ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَلَّ الْمَاءُ أَوْ كَثُرَ وَقَدْ يُرْفِقُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي فِيمَا أُمِرَ بِغَسْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْمَاءَ ثُمَّ يُجْرِيَهُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَمَرَّ بِهِ عَلَى يَدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِتَحْرِيكٍ لَهُ بِالْيَدَيْنِ كَانَ أَنْقَى وَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مِشْقٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَصْبُغُ الْجَسَدَ فَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَذْهَبْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِ الْعُضْوِ إذَا أَجْرَى الْمَاءَ عَلَيْهِ فَقَدْ جَاءَ بِأَقَلَّ مَا يَلْزَمُهُ وَأَحَبَّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَهُ حَتَّى يَذْهَبَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِلْكٌ أَوْ شَيْءٌ ثَخِينٌ فَيَمْنَعُ الْمَاءَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجِلْدِ لَمْ يُجْزِهِ وُضُوءُ ذَلِكَ الْعُضْوِ حَتَّى يُزِيلَ عَنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُزِيلَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ مَاسَّ مَعَهُ الْجِلْدَ كُلَّهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ فَأَمَّا الرَّأْسُ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمَاءِ بِمَا شَاءَ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ أَوْ شَعْرَهُ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَيْضًا دُونَ مَا يَمْسَحُ مِنْ شَعْرِهِ حَائِلٌ لَمْ يُجْزِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دُونَ الرَّأْسِ حَائِلٌ وَلَا شَعْرَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْحَائِلَ فَيُبَاشِرَ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ أَوْ شَعْرَهُ وَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ نَاقِعٍ لَا يَنْجُسُ - انْغِمَاسَةً تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ بِهَا أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَلَسَ تَحْتَ مَصَبِّ مَاءٍ أَوْ سِرْبٍ لِلْمَطَرِ أَوْ مَطَرٍ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ فَيَأْتِي الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ أَجْزَأَهُ.
وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَيَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَنْوِي طَهَارَةً مِنْ حَدَثٍ أَوْ طَهَارَةً لِصَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ مِمَّا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا طَاهِرٌ.
(قَالَ) : وَلَوْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى فِي الْبَاقِي لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ لِلَّذِي وَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ فَيُحْدِثَ لَهُ نِيَّةً يُجْزِئُهُ بِهَا الْوُضُوءُ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا قَدَّمَ النِّيَّةَ مَعَ أَخْذِهِ فِي الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ فَإِنْ قَدَّمَهَا قَبْلُ ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِذَا تَوَضَّأَ وَهُوَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَبِيحُ بِهَا الْوُضُوءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةَ أَنْ يَتَبَرَّدَ بِالْمَاءِ أَوْ يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ لَا يَتَطَهَّرَ بِهِ وَإِذَا وَضَّأَ وَجْهَهُ يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ نَوَى بِغُسْلِ يَدَيْهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ التَّنْظِيفَ أَوْ التَّبْرِيدَ لَا الطَّهَارَةَ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَعُودَ لِغَسْلِ أَعْضَائِهِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا غَيْرَ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ فَإِذَا وَضَّأَ نَفْسَهُ أَوْ وَضَّأَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ.
وَيَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِلْآخَرِ وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ بَلَلِ وُضُوءِ يَدَيْهِ أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَاءٌ جَدِيدٌ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِلَا نِيَّةِ طَهَارَةٍ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ بَعْدُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْوَجْهِ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ وَغَسَلَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا غَسَلَ لَا يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُضُوءُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ غَسَلَ وَجْهَهُ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لَا يَنْوِي الطَّهَارَةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ الَّذِي لَمْ يَنْوِ بِهِمَا طَهَارَةً.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَمَسَ فِيهِ ثَوْبًا لَيْسَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لَمْ يَخْلِطْهُ شَيْءٌ يَصِيرُ إلَيْهِ مُسْتَهْلِكًا فِيهِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ بِهِ.وَلَوْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ رَجُلٌ لَا نَجَاسَةَ عَلَى أَعْضَائِهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَدْ تُوَضِّئ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ اغْتَسَلَ فِيهِ رَجُلٌ وَالْمَاءُ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ أَوْ أَكْثَرَ فَانْغَمَسَ فِيهِ رَجُلٌ لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْسِدُهُ، وَإِنَّمَا قُلْت لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَكُونُ مَغْسُولًا إلَّا بِأَنْ يُبْتَدَأَ لَهُ مَاءٌ فَيُغْسَلَ بِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ فِي الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ مِنْ أَنْ يَبْتَدِئَ لَهُ مَاءً فَيَغْسِلَهُ بِهِ وَلَوْ أَعَادَ عَلَيْهِ الْمَاءَ الَّذِي غَسَلَ بِهِ الْوَجْهَ كَأَنْ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلَا يَكُونُ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ كَمَا ابْتَدَأَ لِوَجْهِهِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ مَاءً جَدِيدًا.وَلَوْ أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ عَلَى الْبَدَنِ ثَوْبَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَغْسِلْ مِنْهُ الثَّوْبَ وَصَلَّى عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا؟ قِيلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ الْوُضُوءِ مَا يُصِيبُ ثِيَابَهُ وَلَمْ نَعْلَمْهُ غَسَلَ ثِيَابَهُ مِنْهُ وَلَا أَبْدَلَهَا وَلَا عَلِمْت فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَعْقُولًا إذَا لَمْ يُمَاسَّ الْمَاءَ نَجَاسَةٌ لَا يَنْجُسُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا قِيلَ: لِمَا وَصَفْنَا وَإِنَّ عَلَى النَّاسِ تَعَبُّدًا فِي أَنْفُسِهِمْ بِالطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ تُمَاسَّ أَبْدَانَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى ثَوْبٍ وَلَا عَلَى أَرْضٍ تَعَبُّدٌ وَلَا أَنْ يُمَاسَّهُ مَاءٌ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ.
https://i.pinimg.com/474x/48/ca/41/4...6ea8f063fe.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (6)
صــــــــــ 45 الى صـــــــــــ52
[بَابُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَمُتَابَعَتِهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
(قَالَ) : وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ فَأَشْبَهَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فَمَنْ بَدَأَ بِيَدِهِ قَبْلَ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ قَبْلَ رَأْسِهِ كَانَ عَلَيْهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدَ حَتَّى يَغْسِلَ كُلًّا فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَبْلَ الَّذِي بَعْدَهُ لَا يَجْزِيهِ عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ صَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ.فَإِذَا نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ حَتَّى غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَادَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قُلْت يُعِيدُ كَمَا قُلْت وَقَالَ غَيْرِي فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّفَا وَقَالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ أَلْغَى طَوَافًا حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهُ بِالصَّفَا وَكَمَا قُلْنَا فِي الْجِمَارِ إنْ بَدَأَ بِالْآخِرَةِ قَبْلَ الْأُولَى أَعَادَ حَتَّى تَكُونَ بَعْدَهَا وَإِنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَعَادَ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَوْكَدَ مِنْ بَعْضِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(قَالَ) : وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْوُضُوءَ وَلَا يُفَرِّقَهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِهِ مُتَتَابِعًا؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَاءُوا بِالطَّوَافِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ الْأَعْمَالِ مُتَتَابِعَةً، وَلَا حَدَّ لِلتَّتَابُعِ إلَّا مَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ فِيهِ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَاطِعًا لَهُ حَتَّى يُكْمِلَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَالْعُذْرُ أَنْ يَفْزَعَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ مِنْ سَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ فَيَمْضِيَ فِيهِ عَلَى وُضُوئِهِ أَوْ يَقِلُّ بِهِ الْمَاءُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ ثُمَّ يَمْضِي عَلَى وُضُوئِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ جَفَّ وُضُوءُهُ - كَمَا يَعْرِضُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ الرُّعَافُ وَغَيْرُهُ - فَيَخْرُجُ ثُمَّ يَبْنِي وَكَمَا يَقْطَعُ بِهِ الطَّوَافَ لِصَلَاةٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ انْتِقَاضِ وُضُوءٍ فَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يَبْنِي
(قَالَ الرَّبِيعُ) ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا بَعْدُ وَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ مِنْ رُعَافٍ.وَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إنَّهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ رُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ
(قَالَ الرَّبِيعُ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ إذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ مِنْ رُعَافٍ وَغَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ تَحَوَّلَ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لِنَظَافَتِهِ أَوْ لِسَعَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَضَى عَلَى وُضُوءِ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَوَّلَ لِاخْتِيَارِهِ لَا لِضَرُورَةٍ كَانَتْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَإِنْ قَطَعَ الْوُضُوءَ فِيهِ فَذَهَبَ لِحَاجَةٍ أَوْ أَخَذَ فِي غَيْرِ عَمَلِ الْوُضُوءِ حَتَّى تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِهِ جَفَّ الْوُضُوءُ أَوْ لَمْ يَجِفَّ فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ اسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ وُضُوءٍ وَإِنْ طَالَ تَرْكُهُ لَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَ ظَهَرَانِي وُضُوئِهِ فَيَنْتَقِضُ مَا مَضَى مِنْ وُضُوئِهِ؛ وَلِأَنِّي لَا أَجِدُ فِي مُتَابَعَتِهِ الْوُضُوءَ مَا أَجِدُ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فَهَذَا مُغْتَسِلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ وَلَا أَحْسَبُهُ يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلَ هَذَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالسُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا.
(قَالَ) : وَهَذَا غَيْرُ مُتَابَعَةٍ لِلْوُضُوءِ وَلَعَلَّهُ قَدْ جَفَّ وُضُوءُهُ وَقَدْ يَجِفُّ فِيمَا أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَأَجِدُهُ حِينَ تَرَكَ مَوْضِعَ وُضُوئِهِ وَصَارَ إلَى الْمَسْجِدِ آخِذًا فِي عَمَلٍ غَيْرِ الْوُضُوءِ وَقَاطِعًا لَهُ
(قَالَ) : وَفِي مَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثُمَّ الْآخِرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى أَعَادَ الْوُسْطَى وَالْآخِرَةَ حَتَّى يَكُونَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَلَمْ يُعِدْ الْأُولَى وَهُوَ دَلِيلٌ فِي قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّ تَقْطِيعَ الْوُضُوءِ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَجْزِيَ عَنْهُ كَمَا قَطَعَ الَّذِي رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى رَمْيَهَا إلَى الْآخِرَةِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ تَجْزِيَ عَنْهُ الْوُسْطَى.
[بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنْ سَهَا سَمَّى مَتَى ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْوُضُوءَ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لَمْ يَفْسُدْ وُضُوءُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[بَابُ عَدَدِ الْوُضُوءِ وَالْحَدِّ فِيهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَاسْتَنْشَقَ وَتَمَضْمَضَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ مَرَّةً فَالْكَمَالُ وَالِاخْتِيَارُ ثَلَاثٌ وَوَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فَأُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُوَضِّئَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا وَيَعُمَّ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّأْسِ عَلَى مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا شَاءَ مِنْ يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ مَرَّةً وَبَعْضَهَا اثْنَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً إذَا أَجْزَأَتْ فِي الْكُلِّ أَجْزَأَتْ فِي الْبَعْضِ مِنْهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»
(قَالَ) : وَلَا أُحِبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ وَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا وَضَّأَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ.
[بَابُ جِمَاعِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِي نَ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّ مَسْحُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُمَا عَلَى مَنْ لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ إذَا هُوَ لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ كَمَا دَلَّ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا أَنَّ الْمَسْحَ خِلَافٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا الْوُضُوءَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافٍ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِلَالٌ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ خَرَجَا قَالَ أُسَامَةُ فَسَأَلْت بِلَالًا مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِلَالٌ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ تَبُوكَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْت مَعَهُ إدَاوَةً قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلْت أُهْرِيقَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ وَهُوَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُحْسِرُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كَمَا جُبَّتِهِ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَقْبَلْت مَعَهُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يُصَلِّي لَهُمْ فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ وَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ أَحْسَنْتُمْ أَوْ قَالَ أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِنَحْوٍ مِنْ حَدِيثِ عَبَّادٍ «قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَرَدْت تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي حَدِيثِ بِلَالٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ بِئْرَ جَمَلٍ فِي الْحَضَرِ قَالَ فَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ مَعًا.
[بَابُ مَنْ لَهُ الْمَسْحُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُسَيْنٍ وَزَكَرِيَّا وَيُونُسَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ نَعَمْ إنِّي أَدْخَلَتْهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَنْ لَمْ يُدْخِلْ وَاحِدَةً مِنْ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ إلَّا وَالصَّلَاةُ تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّهُ كَامِلُ الطَّهَارَةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَجُلٌ فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَبْتَدِئَ بَعْدَ إكْمَالِهِ إدْخَالَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ رِجْلَهُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَإِنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ أَوْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا الْخُفَّيْنِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُ الصَّلَاةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إنْ أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يُوَضِّئَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَيَغْسِلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُدْخِلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ يَغْسِلَ الْأُخْرَى فَيُدْخِلَهَا الْخُفَّ فَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ الْخُفَّ وَهُوَ غَيْرُ كَامِلِ الطَّهَارَةِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّيْنِ وَيَتَوَضَّأَ فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ فَأَكْمَلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَفَّفَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَهُ الْأُخْرَى فِي سَاقِ الْخُفِّ فَلَمْ تَقَرَّ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ حَتَّى أَحْدَثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ مُتَخَفِّفًا حَتَّى يُقِرَّ قَدَمَهُ فِي قَدَمِ الْخُفِّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ وَيَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ.
وَإِذَا وَارَى الْخُفُّ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنْ يُوَارِيَ الْكَعْبَيْنِ فَلَا يُرَيَانِ مِنْهُ كَانَ لِمَنْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا خُفَّانِ وَإِنْ كَانَ الْكَعْبَانِ أَوْ مَا يُحَاذِيهِمَا مِنْ مُقَدَّمِ السَّاقِ أَوْ مُؤَخَّرِهَا يُرَى مِنْ الْخُفِّ لِقِصَرِهِ أَوْ لِشِقٍّ فِيهِ أَوْ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ لَبِسَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْخُفَّيْنِ خَرْقٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فِي بَطْنِ الْقَدَمِ أَوْ ظَهْرِهَا أَوْ حُرُوفِهَا أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْقَدَمِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ هَذَانِ الْخُفَّانِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ لِمَنْ تَغَطَّتْ رِجْلَاهُ بِالْخُفَّيْنِ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بَارِزَةً بَادِيَةً فَلَيْسَتَا بِمُتَغَطِّيَتَ يْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عَلَيْهِ الْفَرْضُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ بَارِزًا وَلَا يُغْسَلَ وَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقَدَمِ وَجَبَ عَلَيْهَا كُلِّهَا.وَإِنْ كَانَ فِي الْخُفِّ خَرْقٌ وَجَوْرَبٌ يُوَارِي الْقَدَمَ فَلَا نَرَى لَهُ الْمَسْحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَيْسَ بِجَوْرَبٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ أَنْ يَلْبَسَ دُونَ الْخُفِّ جَوْرَبًا رُئِيَ بَعْضُ رِجْلَيْهِ.
(قَالَ) : وَإِنْ انْفَتَقَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ وَبِطَانَتُهُ صَحِيحَةٌ لَا يُرَى مِنْهَا قَدَمٌ كَانَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ خُفٌّ وَالْجَوْرَبُ لَيْسَ بِخُفٍّ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أُلْصِقَ بِالْخُفِّ فَهُوَ مِنْهُ.وَلَوْ تَخَفَّفَ خُفًّا فِيهِ خَرْقٌ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ آخَرَ صَحِيحًا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَإِذَا كَانَ الْخُفُّ الَّذِي عَلَى قَدَمِهِ صَحِيحًا مَسَحَ عَلَيْهِ دُونَ الَّذِي فَوْقَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ فِي الْخُفِّ فَتْقٌ كَالْخَرْقِ الَّذِي مِنْ قِبَلِ الْخَرَزِ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْخُفُّ الَّذِي يَمْسَحُ عَلَيْهِ الْخُفُّ الْمَعْلُومُ سَاذِجًا كَانَ أَوْ مُنَعَّلًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ تَخَفَّفَ وَاحِدًا غَيْرَهُ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ مِنْ جُلُودِ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ خَشَبٍ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُلُودِ الْغَنَمِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا كَانَ الْخُفَّانِ مِنْ لُبُودٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طُفًى فَلَا يَكُونَانِ فِي مَعْنَى الْخُفِّ حَتَّى يُنَعَّلَا جِلْدًا أَوْ خَشَبًا أَوْ مَا يَبْقَى إذَا تُوبِعَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كُلُّ مَا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا صَفِيقًا لَا يَشِفُّ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَشِفُّ وَغَيْرُ مُنَعَّلٍ فَهَذَا جَوْرَبٌ أَوْ يَكُونَ مُنَعَّلًا وَيَكُونَ يَشِفُّ فَلَا يَكُونُ هَذَا خُفًّا إنَّمَا الْخُفُّ مَا لَمْ يَشِفَّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ مُنَعَّلًا وَمَا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ صَفِيقًا لَا يَشِفَّ وَمَا فَوْقَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَشِفُّ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ شَيْءٌ يَشِفُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ جَوْرَبَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ خُفَّانِ فَلَبِسَهُمَا أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِمَا جُرْمُوقَيْنِ آخَرَيْنِ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يُعِدْ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوْقَهُمَا وَلَا عَلَى الْجُرْمُوقَيْن ِ مَسْحًا.وَلَوْ تَوَضَّأَ فَأَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا جُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ الْجُرْمُوقَيْن ِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْرَحَ الْجُرْمُوقَيْن ِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يُعِيدَ الْجُرْمُوقَيْن ِ إنْ شَاءَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْن ِ وَدُونَهُمَا خُفَّانِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ وَلَا الصَّلَاةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ لَبِسَ جَوْرَبَيْنِ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ خُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ الْقَدَمَيْنِ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ خَرْقًا وَلَفَائِفَ مُتَظَاهِرَةً عَلَى الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَلَّمَا يُلْبَسُ الْخُفَّانِ إلَّا وَدُونُهُمَا وِقَايَةٌ مِنْ جَوْرَبٍ أَوْ شَيْءٍ يَقُومُ مَقَامَهُ يَقِي الْقَدَمَيْنِ مِنْ خَرَزِ الْخُفِّ وَحُرُوفِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ الْخُفَّانِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُمَا نَجِسًا لَمْ تَحِلَّ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ سَبُعٍ فَدُبِغَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا شَعْرٌ فَإِنْ بَقِيَ فِيهِمَا شَعْرٌ فَلَا يُطَهِّرُ الشَّعْرَ الدِّبَاغُ وَلَا يُصَلِّي فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ أَوْ سَبُعٍ لَمْ يُدْبَغَا لَمْ تَحِلَّ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيٌّ حَلَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُدْبَغَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَجْزِي الْمَسْحُ مِنْ طَهَارَةِ الْوُضُوءِ فَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ وَجَبَ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَكَذَلِكَ يَجْزِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ فِي الْوُضُوءِ وَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ وَجَبَ غَسْلُ مَا هُنَالِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ الْبَدَنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ دَمِيَتْ الْقَدَمَانِ فِي الْخُفَّيْنِ أَوْ وَصَلَتْ إلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ وَجَبَ خَلْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةُ تَعَبُّدِ وُضُوءٍ لَا طَهَارَةُ إزَالَةِ نَجَسٍ.
[بَابُ وَقْتِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُهَاجِرُ أَبُو مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقَالَ لِي: مَا جَاءَ بِك؟ فَقُلْت: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فَقَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ. قُلْت: حَاكَ فِي نَفْسِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَكُنْت امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُك أَسْأَلُك هَلْ سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ نَعَمْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا لَبِسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ وَهُوَ طَاهِرٌ لِلصَّلَاةِ صَلَّى فِيهِمَا، فَإِذَا أَحْدَثَ عَرَفَ الْوَقْتَ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ إلَّا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ إلَى أَنْ يَقْطَعَ الْمَسْحَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فِيهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ صَلَّى بِالْمَسْحِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَإِنْ انْتَقَضَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ أَيْضًا حَتَّى السَّاعَةَ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا مِنْ غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَإِذَا فَعَلَ وَتَوَضَّأَ كَانَ عَلَى وُضُوئِهِ وَمَتَى لَبِسَ خُفَّيْهِ فَأَحْدَثَ مَسَحَ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَالظُّهْرَ إنْ قَدَّمَهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا فَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِمَسْحٍ وَإِنْ قَدَّمَهَا فَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى يَدْخُلَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ بِانْتِقَاضِ مَسْحِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ بِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ كُلَّمَا لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ كَانَ هَكَذَا أَبَدًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَصْنَعُ هَكَذَا فِي السَّفَرِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنّ َ يَمْسَحُ فِي الْيَوْمُ الثَّالِثِ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا فَيُصَلِّي فِي الْحَضَرِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مَرَّةً وَسِتًّا مَرَّةً أُخْرَى بِمَسْحٍ وَفِي السَّفَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً مَرَّةً وَسِتَّةَ عَشَرَ أُخْرَى عَلَى مِثْلِ مَا حَكَيْت إذَا صَلَّاهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى خَمْسَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ انْتَقَضَ الْمَسْحُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى بِالْمَسْحِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ طَهَارَةِ مَسْحِهِ كَانَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ فَلَمْ يُصَلِّ صَلَاةً حَتَّى يَخْرُجَ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ الَّذِي كَانَ فِي الْحَضَرِ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِ فِي الْحَضَرِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ فَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى خَرَجَ إلَى السَّفَرِ صَلَّى بِمَسْحِهِ فِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ وَلَمْ يُحْدِثْ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ لَمْ يُصَلِّ بِذَلِكَ الْمَسْحِ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَسْحِهِ مَعْنًى إذَا مَسَحَ وَهُوَ طَاهِرٌ لِمَسْحِهِ فِي الْحَضَرِ فَكَانَ مَسْحُهُ ذَلِكَ كَمَا لَمْ يَكُنْ إذَا لَمْ يَكُنْ يُطَهِّرُهُ غَيْرُ التَّطْهِيرُ الْأَوَّلُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ بَلَدًا يُقِيمُ بِهِ أَرْبَعًا وَنَوَى الْمُقَامَ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّ بِمَسْحِ السَّفَرِ بَعْدَ مُقَامِهِ إلَّا لِإِتْمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا ثَلَاثًا فَلَمَّا انْتَقَضَ سَفَرُهُ كَانَ حُكْمُ مَسْحِهِ إذْ صَارَ مُقِيمًا كَابْتِدَاءِ مَسْحِ الْمُقِيمِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ اسْتَكْمَلَ فِي سَفَرِهِ بِأَنْ صَلَّى بِمَسْحِ السَّفَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْمُقَامُ أَوْ قَدِمَ بَلَدًا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِمَسْحِ السَّفَرِ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَوَى الْمُقَامَ قَبْلَ تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُضُوءًا ثُمَّ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ.
وَلَوْ سَافَرَ فَلَمْ يَدْرِ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يُصَلِّ مِنْ حِينِ اسْتَيْقَنَ بِالْمَسْحِ أَنَّهُ كَانَ وَشَكَّ أَكَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ، إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَوْ صَلَّى بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَسَحَ مُسَافِرًا صَلَّى بِهِ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ شَكَّ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا فَصَلَّى وَهُوَ مُسَافِرٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ مُسَافِرًا أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ زَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَهُوَ لَا يَرَاهُ طَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِوُضُوءٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمَسْحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنّ َ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا شَكَّ فِي أَوَّلِ مَا مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَلَمْ يَدْرِ أَمَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ فَصَلَّى ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَشَكَّ أَصَلَّى الرَّابِعَةَ أَمْ لَا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ صَلَّى بِالْمَسْحِ الرَّابِعَةَ حَتَّى لَا يُصَلِّيَ بِمَسْحٍ وَهُوَ يَشُكُّ أَنَّهُ مَسَحَ أَمْ لَا وَلَا يَكُونُ لَهُ تَرْكُ الصَّلَاةِ الرَّابِعَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ صَلَّاهَا.
[بَابُ مَا يَنْقُضُ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي وَقْتِهِ مَا كَانَا عَلَى قَدَمَيْهِ فَإِذَا أَخْرَجَ إحْدَى قَدَمَيْهِ مِنْ الْخُفِّ أَوْ هُمَا بَعْدَ مَا مَسَحَ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ إنْ تَخَفَّفَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعَلَيْهِ الْخُفَّانِ مَسَحَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ إذَا زَالَتْ إحْدَى قَدَمَيْهِ أَوْ بَعْضُهَا مِنْ مَوْضِعِهَا مِنْ الْخُفِّ فَخَرَجَا حَتَّى يُظْهِرَ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْهَا انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَإِذَا أَزَالَهَا مِنْ مَوْضِعِ قَدَمِ الْخُفِّ وَلَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَدَمَيْنِ شَيْئًا أَحْبَبْت أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ وَلَا يَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
(قَالَ) : وَكَذَلِكَ لَوْ انْفَتَقَ الْخُفُّ حَتَّى يُرَى بَعْضُ مَا عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَدَمَيْنِ انْتَقَضَ الْمَسْحُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ إنْ انْفَتَقَ الْخُفُّ وَعَلَيْهِ جَوْرَبٌ يُوَارِي الْقَدَمَ حَتَّى بَدَا مِنْ الْجَوْرَبِ مَا لَوْ كَانَتْ الْقَدَمُ بِلَا جَوْرَبٍ رُئِيَتْ فَهُوَ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْقَدَمِ يُنْتَقَضُ بِهِ الْمَسْحُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ الْخُفُّ بِشَرَجٍ فَإِنْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَلَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ مِنْ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَدَمِ فَكَانَ فِيهِ خَلَلٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرَجِ خَلَلٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرَجُهُ يُفْتَحُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ فَتَحَ شَرَجَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَشَى فِيهِ أَوْ تَحَرَّكَ انْفَرَجَ حَتَّى يُرَى
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ مِنْ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَدَمِ فَكَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَلَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَهُ.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (7)
صــــــــــ 52 الى صـــــــــــ60
[باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
فأوجب الله عز وجل الغسل من الجنابة فكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق وكذلك ذلك في حد الزنا وإيجاب المهر وغيره وكل من خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا
(قال الربيع)
يريد أنه لم ينزل ودلت السنة على أن الجنابة أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يواري حشفته أو أن يرمي الماء الدافق وإن لم يكن جماعا
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة - رضي الله عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل»
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت «جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم إذا هي رأت الماء»
.
(قال الشافعي) :
فمن رأى الماء الدافق متلذذا أو غير متلذذ فعليه الغسل وكذلك لو جامع فخرج منه ماء دافق فاغتسل ثم خرج منه ماء دافق بعد الغسل أعاد الغسل وسواء كان ذلك قبل البول أو بعد ما بال إذا جعلت الماء الدافق علما لإيجاب الغسل وهو قبل البول وبعده سواء
(قال الشافعي) :
والماء الدافق الثخين الذي يكون منه الولد والرائحة التي تشبه رائحة الطلع.
(قال الشافعي) :
وإن كان الماء الدافق من رجل وتغير لعلة به أو خلقة في مائه بشيء خرج منه الماء الدافق الذي نعرفه أوجبت عليه الغسل.
(قال الشافعي) :
وإذا غيب الرجل ذكره في فرج امرأة متلذذا أو غير متلذذ ومتحركا بها أو مستكرها لذكره أو أدخلت هي فرجه في فرجها وهو يعلم أو هو نائم لا يعلم أوجب عليه وعليها الغسل وكذلك كل فرج أو دبر أو غيره من امرأة أو بهيمة وجب عليه الغسل إذا غيب الحشفة فيه مع معصية الله تعالى في إتيان ذلك من غير امرأته وهو محرم عليه إتيان امرأته في دبرها عندنا وكذلك لو غيبه في امرأته وهي ميتة وإن غيبه في دم أو خمر أو غير ذات روح من محرم أو غيره لم يجب عليه غسل حتى يأتي منه الماء الدافق.
(قال الشافعي) :
وهكذا إن استمنى فلم ينزل لم يجب عليه غسل؛ لأن الكف ليس بفرج وإذا ماس به شيئا من الأنجاس غسله ولم يتوضأ وإذا ماس ذكره توضأ للمسه إياه إذا أفضى إليه فإن غسله وبينه وبين يديه ثوب أو رقعة طهر ولم يكن عليه وضوء.
(قال الشافعي) :
ولو نال من امرأته ما دون أن يغيبه في فرجها ولم ينزل لم يوجب ذلك غسلا ولا نوجب الغسل إلا أن يغيبه في الفرج نفسه أو الدبر فأما الفم أو غير ذلك من جسدها فلا يوجب غسلا إذا لم ينزل ويتوضأ من إفضائه ببعضه إليها ولو أنزلت هي في هذه الحال اغتسلت وكذلك في كل حال أنزل فيها فأيهما أنزل بحال اغتسل.
(قال الشافعي) :
ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالإنزال والاحتياط أن يغتسل.
(قال الشافعي) :
ولو وجد في ثوبه ماء دافقا ولا يذكر أنه جاء منه ماء دافق باحتلام ولا بغيره أحببت أن يغتسل ويعيد الصلاة ويتأخى فيعيد بقدر ما يرى أن ذلك الاحتلام كان أو ما كان من الصلوات بعد نوم رأى فيه شيئا يشبه أن يكون احتلم فيه.
(قال الشافعي) :
ولا يبين لي أن يجب هذا عليه وإن كان رأى في المنام شيئا ولم يعلم أنه أنزل إلا أن يكون لا يلبس ثوبه غيره فيعلم أن الاحتلام كان منه فإذا كان هكذا وجب عليه الغسل في الوقت الذي لا يشك أن الاحتلام كان قبله وكذلك إن أحدث نومة نامها، فإن كان صلى بعده صلاة أعادها وإن كان لم يصل بعده صلاة اغتسل لما يستقبل
(قال الشافعي)
أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن زبيد بن الصلت أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذن وأقام الصلاة ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر بن الخطاب وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب ثم ذكر نحو هذا الحديث.
(قال الشافعي) :
ولا أعلمه يجب الغسل من غير الجنابة وجوبا لا تجزئ الصلاة إلا به. وأولى الغسل عندي أن يجب بعد غسل الجنابة من غسل الميت ولا أحب تركه بحال ولا ترك الوضوء من مسه مفضيا إليه.ثم الغسل للجمعة ولا يبين أن لو تركهما تارك ثم صلى اغتسل وأعاد، إنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلا لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلى يومي هذا على ما يقنعني فإن وجدت من يقنعني من معرفة ثبت حديثه أوجبت الوضوء من مس الميت مفضيا إليه فإنهما في حديث واحد
(قال الشافعي) :
فأما غسل الجمعة فإن الدلالة عندنا أنه إنما أمر به على الاختيار
(قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال دخل رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب فقال عمر أية ساعة هذه؟
فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر: والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل؟
(قال الشافعي)
أخبرنا الثقة قال أخبرنا معمر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب بمثله وسمى الداخل أنه عثمان بن عفان.
(قال الشافعي) :
وإذا أسلم المشرك أحببت له أن يغتسل ويحلق شعره فإن لم يفعل ولم يكن جنبا أجزأه أن يتوضأ ويصلي.
(قال الشافعي) :
وقد قيل قلما جن إنسان إلا أنزل فإن كان هذا هكذا اغتسل المجنون للإنزال وإن شك فيه أحببت له الاغتسال احتياطا ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الإنزال
[باب من خرج منه المذي]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا دنا الرجل من امرأته فخرج منه المذي وجب عليه الوضوء؛ لأنه حدث خرج من ذكره ولو أفضى إلى جسدها بيده وجب عليه الوضوء من الوجهين وكفاه منه وضوء واحد وكذلك من وجب عليه وضوء لجميع ما يوجب الوضوء ثم توضأ بعد ذلك كله وضوءا واحدا أجزأه ولا يجب عليه بالمذي الغسل.
[باب كيف الغسل]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
فكان فرض الله الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه والله أعلم كيفما جاء به وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه
(قال الشافعي) :
كذلك دلت السنة،
فإن قال قائل: فأين دلالة السنة؟ قيل لما «حكت عائشة أنها كانت تغتسل والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد» كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف لو كان فيه وقت غير ما وصفت ما أشبه أن يغتسل اثنان يفرغان من إناء واحد عليهما وأكثر ما حكت عائشة غسله وغسلها فرق
(قال) :
والفرق ثلاثة آصع
(قال الشافعي)
وروي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك» ولم يحك أنه وصف له قدرا من الماء إلا إمساس الجلد والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله» .
(قال الشافعي) :
فإذا كانت المرأة ذات شعر تشد ضفرها فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان يكفيها في كل ما يكفيها في كل
(قال الشافعي)
أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين أو قال فإذا أنت قد طهرت» وإن حست رأسها فكذلك
(قال الشافعي) :
وكذلك الرجل يشد ضفر رأسه أو يعقصه فلا يحله ويشرب الماء أصول شعره
(قال الشافعي) :
فإن لبد رأسه بشيء يحول بين الماء وبين أن يصل إلى شعره وأصوله كان عليه غسله حتى يصل إلى بشرته وشعره وإن لبده بشيء لا يحول دون ذلك فهو كالعقص والضفر الذي لا يمنع الماء الوصول إليه وليس عليه حله ويكفيه أن يصل الماء إلى الشعر والبشرة.
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات» .
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغرف على رأسه من الجنابة ثلاثا» .
(قال الشافعي) :
ولا أحب لأحد أن يحفن على رأسه في الجنابة أقل من ثلاث وأحب له أن يغلغل الماء في أصول شعره حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله وبشرته قال وإن صب على رأسه صبا واحدا يعلم أنه قد تغلغل الماء في أصوله وأتى على شعره وبشرته أجزأه وذلك أكثر من ثلاث غرفات يقطع بين كل غرفة منها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فإن كان شعره ملبدا كثيرا فغرف عليه ثلاث غرفات وكان يعلم أن الماء لم يتغلغل في جميع أصول الشعر ويأت على جميع شعره كله فعليه أن يغرف على رأسه ويغلغل الماء حتى يعلم علما مثله أن قد وصل الماء إلى الشعر والبشرة
(قال الشافعي) :
وإن كان محلوقا أو أصلع أو أقرع يعلم أن الماء يأتي على باقي شعره وبشرته في غرفة عامة أجزأته وأحب له أن يكون ثلاثا وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة بثلاث للضفر وأنا أرى أنه أقل ما يصير الماء إلى بشرتها وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا لمة يغرف عليها الماء ثلاثا وكذلك كان وضوءه في عامة عمره ثلاثا للاختيار - صلى الله عليه وسلم - وواحدة سابغة كافية في الغسل والوضوء؛ لأنه يقع بها اسم غسل ووضوء إذا علم أنها قد جاءت على الشعر والبشر.
[باب من نسي المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا أحب لأحد أن يدع المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وإن تركه أحببت له أن يتمضمض فإن لم يفعل لم يكن عليه أن يعود لصلاة إن صلاها.
(قال الشافعي) :
وليس عليه أن ينضح في عينيه الماء ولا يغسلهما؛ لأنهما ليستا ظاهرتين من بدنه؛ لأن دونهما جفونا.
(قال الشافعي) :
وعليه أن يغسل ظاهر أذنيه وباطنهما؛ لأنهما ظاهرتان ويدخل الماء فيما ظهر من الصماخ وليس عليه أن يدخل الماء فيما بطن منه.
(قال الشافعي) :
وأحب له أن يدلك ما يقدر عليه من جسده فإن لم يفعل وأتى الماء على جسده أجزأه.
(قال الشافعي) :
وكذلك إن انغمس في نهر أو بئر فأتى الماء على شعره وبشره أجزأه إذا غسل شيئا إن كان أصابه وكذلك إن ثبت تحت ميزاب حتى يأتي الماء على شعره وبشره
(قال) :
وكذلك إن ثبت تحت مطر حتى يأتي الماء على شعره وبشره.
(قال الشافعي) :
ولا يطهر بالغسل في شيء مما وصف إلا أن ينوي بالغسل الطهارة وكذلك الوضوء لا يجزئه إلا أن ينوي به الطهارة وإن نوى بالغسل الطهارة من الجنابة والوضوء الطهارة مما أوجب الوضوء ونوى به أن يصلي مكتوبة أو نافلة على جنازة أو يقرأ مصحفا فكله يجزئه؛ لأنه قد نوى بكله الطهارة.
(قال) :
ولو كان من وجب عليه الغسل ذا شعر طويل فغسل ما على رأسه منه وجميع بدنه وترك ما استرخى منه فلم يغسله لم يجزه؛ لأن عليه طهارة شعره وبشره ولو ترك لمعة من جسده تقل أو تكثر إذا احتاط أنه قد ترك من جسده شيئا فصلى أعاد غسل ما ترك من جسده ثم أعاد الصلاة بعد غسله.ولو توضأ ثم اغتسل فلم يكمل غسله حتى أحدث مضى على الغسل كما هو وتوضأ بعد الصلاة.
(قال) :
ولو بدأ فاغتسل ولم يتوضأ فأكمل الغسل أجزأه من وضوء الساعة للصلاة. والطهارة بالغسل أكثر منها بالوضوء أو مثلها.ولو بدأ برجليه في الغسل قبل رأسه أو فرق غسله فغسل منه الساعة شيئا بعد الساعة غيره أجزأه وليس هذا كالوضوء الذي ذكره الله عز وجل فبدأ ببعضه قبل بعض.ويخلل المغتسل والمتوضئ أصابع أرجلهما حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى ما بين الأصابع ولا يجزئه إلا أن يعلم أن الماء قد وصل إلى ما بينهما ويجزئه ذلك وإن لم يخللهما
(قال) :
وإن كان بينهما شيء ملتصق ذا غضون أدخل الماء الغضون ولم يكن عليه أن يدخله حيث لا يدخل من الملتصق وكذلك إن كان ذا غضون في جسده أو رأسه فعليه أن يغلغل الماء في غضونه حتى يدخله.
[باب علة من يجب عليه الغسل والوضوء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر} [المائدة: 6] الآية
(قال الشافعي) :
فلم يرخص الله في التيمم إلا في الحالين السفر والإعواز من الماء أو المرض فإن كان الرجل مريضا بعض المرض تيمم حاضرا أو مسافرا أو واجدا للماء أو غير واجد له
(قال) :
والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح.
(قال) :
والقرح دون الغور كله مثل الجراح؛ لأنه يخاف في كله إذا ماسه الماء أن ينطف فيكون من النطف التلف والمرض المخوف وأقله ما يخاف هذا فيه فإن كان جائفا خيف في وصول الماء إلى الجوف معاجلة التلف جاز له أن يتيمم وإن كان القرح الخفيف غير ذي الغور الذي لا يخاف منه إذا غسل بالماء - التلف ولا النطف لم يجز فيه إلا غسله؛ لأن العلة التي رخص الله فيها بالتيمم زائلة عنه ولا يجزي التيمم مريضا أي مرض كان إذا لم يكن قريحا في شتاء ولا غيره وإن فعل أعاد كل صلاة صلاها بالتيمم وكذا لا يجزي رجلا في برد شديد فإذا كان الرجل قريحا في رأسه وجميع بدنه غسل ما أصابه من النجاسة لا يجزئه غيره ويتيمم للجنابة وكذلك كل نجاسة أصابته فلا يجزئه فيها إلا غسلها وإن كانت على رجل قروح فإن كان القرح جائفا يخاف التلف إن غسلها فلم يغسلها أعاد كل صلاة صلاها وقد أصابته النجاسة فلم يغسلها وإن كان القروح في كفيه دون جسده لم يجزه إلا غسل جميع جسده ما خلا كفيه ثم لم يطهر إلا بأن يتيمم؛ لأنه لم يأت بالغسل كما فرض الله عز وجل عليه ولا بالتيمم.
(قال) :
وإن تيمم وهو يقدر على غسل شيء من جسده بلا ضرر عليه لم يجزه وعليه أن يغسل جميع ما قدر عليه من جسده ويتيمم لا يجزئه أحدهما دون الآخر وإن كان القرح في مقدم رأسه دون مؤخره لم يجزه إلا غسل مؤخره وكذلك إن كان في بعض مقدم رأسه دون بعض غسل ما لم يكن فيه وترك ما كان فيه فإن كان القرح في وجهه، ورأسه سالم وإن غسله فاض الماء على وجهه لم يكن له تركه وكان عليه أن يستلقي ويقنع رأسه ويصب الماء عليه حتى ينصب الماء على غير وجهه وهكذا حيث كان القرح من بدنه فخاف إذا صب الماء على موضع صحيح منه أن يفيض على القرح أمس الماء الصحيح إمساسا لا يفيض وأجزأه ذلك إذا بل الشعر والبشر وإن كان يقدر على أن يفيض الماء ويحتال حتى لا يفيض على القروح أفاضه.
(قال) :
وإن كان القرح في ظهره فلم يضبط هذا منه ومعه من يضبطه منه برؤيته فعليه أن يأمره بذلك وكذلك إن كان أعمى وكان لا يضبط هذا في شيء من بدنه إلا هكذا وإن كان في سفر فلم يقدر على أحد يفعل هذا به غسل ما قدر عليه وتيمم وصلى وعليه إعادة كل صلاة صلاها؛ لأنه قد ترك ما يقدر على غسله بحال وكذلك إن كان أقطع اليدين لم يجزه إلا أن يأمر من يصب عليه الماء؛ لأنه يقدر عليه ومتى لم يقدر وصلى أمرته أن يأمر من يغسله إذا قدر وقضى ما صلى بلا غسل وإن كان القرح في موضع من الجسد فغسل ما بقي منه فإنما عليه أن ييمم وجهه ويديه فقط وليس عليه أن ييمم موضع القرح؛ لأن التيمم لا يكون طهارة إلا على الوجه واليدين فكل ما عداهما فالتراب لا يطهره.وإن كان القرح في الوجه واليدين يمم الوجه واليدين إلى المرفقين وغسل ما يقدر عليه بعد من بدنه وإن كان القرح الذي في موضع التيمم من الوجه والذراعين قرحا ليس بكبير أو كبيرا لم يجزه إلا أن يمر التراب عليه كله؛ لأن التراب لا يضره وكذلك إن كانت له أفواه مفتحة أمر التراب على ما انفتح منه؛ لأن ذلك ظاهر، وأفواهه وما حول أفواهه وكل ما يظهر له لا يجزئه غيره؛ لأن التراب لا يضره. وإذا أراد أن يلصق على شيء منه لصوقا يمنع التراب لم يكن له إلا أن ينزع اللصوق عند التيمم؛ لأنه لا ضرر في ذلك عليه، ولو رأى أن أعجل لبرئه أن يدعه وكذلك لا يلطخه بشيء له ثخانة تمنع مماسة التراب البشرة إلا أن يكون ذلك في البشرة الذي يواريه شعر اللحية فإنه ليس عليه أن يماس بالتراب بشعر اللحية للحائل دونها من الشعر ويمر على ما ظهر من اللحية التراب لا يجزئه غيره وإذا كان هكذا لم يكن له أن يربط الشعر من اللحية حتى يمنعها أن يصل إليه التراب وكذلك إن كانت به قرحة في شيء من جسده فألصق عليها خرقة تلف موضع القرحة لم يجزه إلا إزالة الخرقة حتى يماس الماء كل ما عدا القرحة فإن كان القرح الذي به كسرا لا يرجع إلا بجبائر فوضع الجبائر على ما ماسته ووضع على موضع الجبائر غيرها إن شاء إذا ألقيت الجبائر وما معها ماس الماء والتراب أعضاء الوضوء وضعه وكان عليه إذا أحدث طرحه وإمساسه الماء والتراب إن ضره الماء لا يجزيه غير ذلك بحال وإن كان ذلك أبعد من برئه وأقبح في جبره لا يكون له أن يدع ذلك إلا بأن يكون فيه خوف تلف ولا أحسب جبرا يكون فيه تلف إذا نحيت الجبائر عنه ووضئ أو يمم ولكنه لعله أبطأ للبرء وأشفق على الكسر وإن كان يخاف عليه إذا ألقيت الجبائر وما معها ففيها قولان أحدهما أن يمسح بالماء على الجبائر ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها إذا قدر على الوضوء. والآخر لا يعيد ومن قال يمسح على الجبائر قال لا يضعها إلا على وضوء فإن لم يضعها على وضوء لم يمسح عليها كما يقول في الخفين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (8)
صــــــــــ 60 الى صـــــــــــ68
(قال الشافعي) :
لا يعدو بالجبائر أبدا موضع الكسر إذا كان لا يزيلها
(قال الشافعي) :
وقد روي حديث «عن علي - رضي الله عنه - أنه انكسر إحدى زندي يديه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمسح بالماء على الجبائر» ولو عرفت إسناده بالصحة قلت به.
(قال الربيع)
أحب إلى الشافعي أن يعيد متى قدر على الوضوء أو التيمم؛ لأنه لم يصل بوضوء بالماء ولا يتيمم وإنما جعل الله تعالى التيمم بدلا من الماء فلما لم يصل إلى العضو الذي عليه الماء والصعيد كان عليه إذا قدر أن يعيده وهذا مما استخير الله فيه
(قال الشافعي) :
والقول في الوضوء إذا كان القرح والكسر - القول في الغسل من الجنابة لا يختلفان إذا كان ذلك في مواضع الوضوء فأما إذا لم يكن في مواضع الوضوء فذلك ليس عليه غسله.
(قال الشافعي) :
والحائض تطهر مثل الجنب في جميع ما وصفت وهكذا لو وجب على رجل غسل بوجهه غسل، أو امرأة كان هكذا.
(قال الشافعي) :
وإذا كان على الحائض أثر الدم وعلى الجنب النجاسة فإن قدرا على ماء اغتسلا وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره.
(قال الشافعي) :
ولا يجزئ مريضا غير القريح ولا أحدا في برد شديد يخاف التلف إن اغتسل أو ذا مرض شديد يخاف من الماء إن اغتسل ولا ذا قروح أصابته نجاسة إلا - غسل النجاسة والغسل إلا أن يكون الأغلب عنده أنه يتلف إن فعل ويتيمم في ذلك الوقت ويصلي ويغتسل ويغسل النجاسة إذا ذهب ذلك عنه ويعيد كل صلاة صلاها في الوقت الذي قلت لا يجزيه فيه إلا الماء وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره
(قال الشافعي) :
وكذلك كل نجاسة أصابتهما مغتسلين أو متوضئين فلا يطهر النجاسة إلا الماء فإذا لم يجد من أصابته نجاسة من حائض وجنب ومتوضئ ماء تيمم وصلى وإذا وجد الماء غسل ما أصاب النجاسة منه واغتسل إن كان عليه غسل وتوضأ إن كان عليه وضوء وأعاد كل صلاة صلاها والنجاسة عليه؛ لأنه لا يطهر النجاسة إلا الماء. .
(قال الشافعي) :
وإن وجد ما ينقي النجاسة عنه من الماء وهو مسافر فلم يجد ما يطهره لغسل إن كان عليه أو وضوء غسل أثر النجاسة عنه وتيمم وصلى ولا إعادة عليه؛ لأنه صلى طاهرا من النجاسة وطاهرا بالتيمم من بعد الغسل والوضوء الواجب عليه.
(قال) :
وإذا وجد الجنب ماء يغسله وهو يخاف العطش فهو كمن لم يجد ماء وله أن يغسل النجاسة إن أصابته عنه ويتيمم ولا يجزيه في النجاسة إلا ما وصفت من غسلها فإن خاف إذا غسل النجاسة العطش قبل الوصول إلى الماء مسح النجاسة وتيمم وصلى ثم أعاد الصلاة إذا طهر النجاسة بالماء، لا يجزيه غير ذلك
(قال الشافعي) :
فإن كان لا يخاف العطش وكان معه ماء لا يغسله إن غسل النجاسة ولا النجاسة إن أفاضه عليه غسل النجاسة ثم غسل بما بقي من الماء معه ما شاء من جسده؛ لأنه تعبد بغسل جسده لا بعضه فالغسل على كله فأيها شاء غسل أعضاء الوضوء أو غيرها وليست أعضاء الوضوء بأوجب في الجنابة من غيرها ثم يتيمم ويصلي وليس عليه إعادة إذا وجد الماء؛ لأنه صلى طاهرا
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل لم لم يجزه في النجاسة تصيبه إلا غسلها بالماء وأجزأ في الجنابة والوضوء أن يتيمم؟ قيل له: أصل الطهارة الماء إلا حيث جعل الله التراب طهارة وذلك في السفر والإعواز من الماء أو الحضر أو السفر والمرض فلا يطهر بشر ولا غيره ماسته نجاسة إلا بالماء إلا حيث جعل الله الطهارة بالتراب وإنما جعلها حيث تعبده بوضوء أو غسل والتعبد بالوضوء والغسل فرض تعبد ليس بإزالة نجاسة قائمة والنجاسة إذا كانت على شيء من البدن أو الثوب فهو متعبد بإزالتها بالماء حتى لا تكون موجودة في بدنه ولا في ثوبه إذا كان إلى إخراجها سبيل وهذا تعبد لمعنى معلوم
(قال الشافعي) :
ولم يجعل التراب بدلا من نجاسة تصيبه وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل دم الحيض من الثوب وهو نجاسة فكانت النجاسة عندنا على أصلها لا يطهرها إلا الماء والتيمم يطهر حيث جعل ولا يتعدى به حيث رخص الله تعالى فيه وما خرج من ذلك فهو على أصل حكم الله في الطهارة بالماء.
(قال الشافعي) :
إذا أصابت المرأة جنابة ثم حاضت قبل أن تغتسل من الجنابة لم يكن عليها غسل الجنابة وهي حائض؛ لأنها إنما تغتسل فتطهر بالغسل وهي لا تطهر بالغسل من الجنابة وهي حائض فإذا ذهب الحيض عنها أجزأها غسل واحد وكذلك لو احتلمت وهي حائض أجزأها غسل واحد لذلك كله ولم يكن عليها غسل وإن كثر احتلامها حتى تطهر من الحيض فتغتسل غسلا واحدا.
(قال الشافعي) :
والحائض في الغسل كالجنب لا يختلفان إلا أني أحب للحائض إذا اغتسلت من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتتبع به آثار الدم فإن لم يكن مسك فطيب ما كان اتباعا للسنة والتماسا للطيب فإن لم تفعل فالماء كاف مما سواه
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن منصور الحجبي عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة قالت «جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله عن الغسل من الحيض فقال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت: كيف أتطهر بها؟ قال تطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله، واستتر بثوبه تطهري بها فاجتذبتها وعرفت الذي أراد وقلت لها تتبعي بها أثر الدم» يعني الفرج.
(قال الشافعي) :
والرجل المسافر لا ماء معه والمعزب في الإبل له أن يجامع أهله ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره وغسلت المرأة ما أصاب فرجها أبدا حتى يجدا الماء فإذا وجدا الماء فعليهما أن يغتسلا
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عباد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل» وأخبرنا بحديث «النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لأبي ذر إن وجدت الماء فأمسسه جلدك» .
[جماع التيمم للمقيم والمسافر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] الآية وقال في سياقها {وإن كنتم مرضى أو على سفر} [النساء: 43] إلى {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]
(قال الشافعي) :
فدل حكم الله عز وجل على أنه أباح التيمم في حالين: أحدهما السفر والإعواز من الماء والآخر للمريض في حضر كان أو في سفر ودل ذلك على أن للمسافر طلب الماء لقوله: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره يقع عليه اسم السفر قصر السفر أم طال ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض وكان ظاهر القرآن أن كل مسافر سفرا بعيدا أو قريبا يتيمم
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة
(قال الشافعي) :
والجرف قريب من المدينة.
[باب متى يتيمم للصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
جعل الله تعالى المواقيت للصلاة فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها وإنما أمرنا بالقيام إليها إذا دخل وقتها، وكذلك أمره بالتيمم عند القيام إليها والإعواز من الماء فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها وطلب الماء لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم وإنما له أن يصليها إذا دخل وقتها الذي إذا صلاها فيه أجزأت عنه، وطلب الماء فأعوزه
(قال الشافعي) :
فإذا دخل وقت الصلاة فله أن يتيمم ولا ينتظر آخر الوقت؛ لأن كتاب الله تعالى يدل على أن يتيمم إذا قام إلى الصلاة فأعوزه الماء وهو إذا صلى حينئذ أجزأ عنه
(قال الشافعي) :
ولو تلوم إلى آخر الوقت كان ذلك له ولست أستحبه كاستحبابي في كل حال تعجيل الصلاة إلا أن يكون على ثقة من وجود الماء وأحب أن يؤخر التيمم إلى أن يؤيس منه أو يخاف خروج الوقت فيتيمم.
(قال الشافعي) :
ولو تيمم وليس معه ماء قبل طلب الماء أعاد التيمم بعد أن يطلبه حتى يكون تيمم بعد أن يطلبه ولا يجده، وطلب الماء أن يطلبه وإن كان على غير علم من أنه ليس معه شيء فإذا علم أنه ليس معه طلبه مع غيره وإن بذله غيره بلا ثمن أو بثمن مثله وهو واجد لثمن مثله في موضعه ذلك غير خائف إن اشتراه الجوع في سفر لم يكن له أن يتيمم وهو يجده بهذه الحال إن امتنع عليه من أن يعطاه متطوعا له بإعطائه أو باعه إلا بأكثر من ثمنه لم يكن عليه أن يشتريه ولو كان موسرا وكانت الزيادة على ثمنه قليلا.
(قال الشافعي) :
وإن كان واجدا بئرا ولا حبل معه فإن كان لا يقدر على أن يصل إليها حلا أو حبلا أو ثيابا فلا حل حتى يصل أن يأخذ منها بإناء أو رام شنا أو دلوا فإن لم يقدر دلى طرف الثوب ثم اعتصره حتى يخرج منه ماء ثم أعاده فيفعل ذلك حتى يصير له من الماء ما يتوضأ به لم يكن له أن يتيمم وهو يقدر على هذا أن يفعله بنفسه أو بمن يفعله له
(قال الشافعي) :
وإن كان لا يقدر على هذا وكان يقدر على نزولها بأمر ليس عليه فيه خوف نزلها فإن لم يقدر على ذلك إلا بخوف لم يكن عليه أن ينزلها.
(قال الشافعي) :
وإن دل على ماء قريب من حيث تحضره الصلاة فإن كان لا يقطع به صحبة أصحابه ولا يخاف على رحله إذا وجه إليه ولا في طريقه إليه ولا يخرج من الوقت حتى يأتيه فعليه أن يأتيه وإن كان يخاف ضياع رحله وكان أصحابه لا ينتظرونه أو خاف طريقه أو فوت وقت إن طلبه فليس عليه طلبه وله أن يتيمم.
(قال الشافعي) :
فإن تيمم وصلى ثم علم أنه كان في رحله ماء أعاد الصلاة وإن علم أن بئرا كانت منه قريبا يقدر على مائها لو علمها لم يكن عليه إعادة ولو أعاد كان احتياطا
(قال الشافعي) :
والفرق بين ما في رحله والبئر لا يعلم واحدا منهما أن ما في رحله شيء كعلمه أمر نفسه وهو مكلف في نفسه الإحاطة وما ليس في ملكه فهو شيء في غير ملكه وهو مكلف في غيره الظاهر لا الإحاطة.
(قال الشافعي) :
فإن كان في رحله ماء فحال العدو بينه وبين رحله أو حال بينه وبينه سبع أو حريق حتى لا يصل إليه تيمم وصلى وهذا غير واجد للماء إذا كان لا يصل إليه وإن كان في رحله ماء فأخطأ رحله وحضرت الصلاة طلب ماء فلم يجده تيمم وصلى ولو ركب البحر فلم يكن معه ماء في مركبه فلم يقدر على الاستقاء من البحر للشدة بحال ولا على شيء يدليه يأخذ به من البحر بحال تيمم وصلى ولا يعيد وهذا غير قادر على الماء.
[باب النية في التيمم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يجزي التيمم إلا بعد أن يطلب الماء فلم يجده فيحدث نية التيمم
(قال الشافعي) :
ولا يجزي التيمم إلا بعد الطلب وإن تيمم قبل أن يطلب الماء لم يجزه التيمم وكان عليه أن يعود للتيمم بعد طلبه الماء وإعوازه
(قال الشافعي) :
وإذا نوى التيمم ليتطهر لصلاة مكتوبة صلى بعدها النوافل وقرأ في المصحف وصلى على الجنائز وسجد سجود القرآن وسجود الشكر فإذا حضرت مكتوبة غيرها ولم يحدث لم يكن له أن يصليها إلا بأن يطلب لها الماء بعد الوقت فإذا لم يجد استأنف نية يجوز له بها التيمم لها.
(قال الشافعي) :
فإن أراد الجمع بين الصلاتين فصلى الأولى منهما وطلب الماء فلم يجده أحدث نية يجوز له بها التيمم ثم تيمم ثم صلى المكتوبة التي تليها وإن كان قد فاتته صلوات استأنف التيمم لكل صلاة منها كما وصفت لا يجزيه غير ذلك فإن صلى صلاتين بتيمم واحد أعاد الآخرة منهما؛ لأن التيمم يجزيه للأولى ولا يجزيه للآخرة.
(قال الشافعي) :
وإن تيمم ينوي نافلة أو جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له أن يصلي به مكتوبة حتى ينوي بالتيمم المكتوبة.
(قال) :
وكذلك إن تيمم فجمع بين صلوات فائتات أجزأه التيمم للأولى منهن ولم يجزه لغيرها وأعاد كل صلاة صلاها بتيمم لصلاة غيرها ويتيمم لكل واحدة منهن.
(قال الشافعي) :
وإن تيمم ينوي بالتيمم المكتوبة فلا بأس أن يصلي قبلها نافلة وعلى جنازة وقراءة مصحف ويسجد سجود الشكر والقرآن فإن قال قائل: لم لا يصلي بالتيمم فريضتين ويصلي به النوافل قبل الفريضة وبعدها؟ قيل له: إن شاء الله تعالى إن الله عز وجل لما أمر القائم إلى الصلاة إذا لم يجد الماء أن يتيمم دل على أنه لا يقال له لم يجد الماء إلا وقد تقدم قبل طلبه الماء والإعواز منه نية في طلبه وإن الله إنما عنى فرض الطلب لمكتوبة فلم يجز - والله تعالى أعلم - أن تكون نيته في التيمم لغير مكتوبة ثم يصلي به مكتوبة وكان عليه في كل مكتوبة ما عليه في الأخرى فدل على أن التيمم لا يكون له طهارة إلا بأن يطلب الماء فيعوزه فقلنا لا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد؛ لأن عليه في كل واحدة منهما ما عليه في الأخرى وكانت النوافل أتباعا للفرائض لا لها حكم سوى حكم الفرائض.
(قال الشافعي) :
ولم يكن التيمم إلا على شرط ألا ترى أنه إذا تيمم فوجد الماء فعليه أن يتوضأ وهكذا المستحاضة ومن به عرق سائل وهو واجد للماء لا يختلف هو والمتيمم في أن على كل واحد منهم أن يتوضأ لكل صلاة مكتوبة؛ لأنها طهارة ضرورة لا طهارة على كمال فإن قال قائل فإن كان بموضع لا يطمع فيه بماء قيل: ليس ينقضي الطمع به قد يطلع عليه الراكب معه الماء والسيل ويجد الحفيرة والماء الظاهر والاختباء حيث لا يمكنه.
(قال الشافعي) :
وإذا كان للرجل أن يتيمم فتيمم فلم يدخل في الصلاة حتى وجد الماء قبل أن يكبر للمكتوبة لم يكن له أن يصلي حتى يتوضأ فإن كان طلع عليه راكب بماء فامتنع عليه أن يعطيه منه أو وجد ماء فحيل بينه وبينه أو لم يقدر عليه بوجه لم يجزه التيمم الأول وأحدث بعد إعوازه من الماء الذي رآه نية في التيمم للمكتوبة يجوز له بها الصلاة بعد تيممه.
(قال الشافعي) :
إن تيمم فدخل في نافلة أو في صلاة على جنازة ثم رأى الماء مضى في صلاته التي دخل فيها ثم إذا انصرف توضأ إن قدر للمكتوبة فإن لم يقدر أحدث نية للمكتوبة فتيمم لها
(قال الشافعي) :
وهكذا لو ابتدأ نافلة فكبر ثم رأى الماء مضى فصلى ركعتين لم يكن له أن يزيد عليهما وسلم ثم طلب الماء.
(قال) :
وإذا تيمم فدخل في المكتوبة ثم رأى الماء لم يكن عليه أن يقطع الصلاة وكان له أن يتمها فإذا أتمها توضأ لصلاة غيرها ولم يكن له أن يتنقل بتيممه للمكتوبة إذا كان واجدا للماء بعد خروجه منها.ولو تيمم فدخل في مكتوبة ثم رعف فانصرف ليغسل الدم عنه فوجد الماء لم يكن له أن يبني على المكتوبة حتى يحدث وضوءا وذلك أنه قد صار في حال ليس له فيها أن يصلي وهو واجد للماء
(قال الشافعي) :
ولو كان إذا رعف طلب الماء فلم يجد منه ما يوضئه ووجد ما يغسل الدم عنه غسله واستأنف تيمما؛ لأنه قد كان صار إلى حال لا يجوز له أن يصلي ما كانت قائمة فكانت رؤيته الماء في ذلك الحال توجب عليه طلبه فإذا طلبه فأعوزه منه كان عليه استئناف نية تجيز له التيمم فإن قال قائل: ما الفرق بين أن يرى الماء قبل أن يدخل في الصلاة ولا يكون له الدخول فيها حتى يطلبه فإن لم يجده استأنف نية وتيمما وبين دخوله في الصلاة فيرى الماء جاريا إلى جنبه وأنت تقول إذا أعتقت الأمة وقد صلت ركعة تقنعت فيما بقي من صلاتها لا يجزيها غير ذلك قيل له - إن شاء الله تعالى - إني آمر الأمة بالقناع فيما بقي من صلاتها والمريض بالقيام إذا أطاقه فيما بقي من صلاته؛ لأنهما في صلاتهما بعد وحكمهما في حالهما فيما بقي من صلاتهما أن تقنع هذه حرة ويقوم هذا مطيقا ولا أنقض عليهما فيما مضى من صلاتهما شيئا؛ لأن حالهما الأولى غير حالهما الأخرى والوضوء والتيمم عملان غير الصلاة فإذا كانا مضيا وهما يجزيان حل للداخل الصلاة وكانا منقضين مفروغا منهما وكان الداخل مطيعا بدخوله في الصلاة وكان ما صلى منها مكتوبا له فلم يجز أن يحبط عمله عنه ما كان مكتوبا له فيستأنف وضوءا وإنما أحبط الله الأعمال بالشرك به فلم يجز أن يقال له توضأ وابن على صلاتك فإن حدثت حالة لا يجوز له فيها ابتداء التيمم وقد تيمم فانقضى تيممه وصار إلى صلاة والصلاة غير التيمم فانفصل لصلاة بعمل غيرها وقد انقضى وهو يجزي أن يدخل به في الصلاة لم يكن للمتيمم حكم إلا أن يدخل في الصلاة فلما دخل فيها به كان حكمه منقضيا والذي يحل له أول الصلاة يحل له آخرها.
[باب كيف التيمم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله عز وجل {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن الأعرج عن ابن الصمة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تيمم فمسح وجهه وذراعيه»
(قال الشافعي) :
ومعقول: إذا كان التيمم بدلا من الوضوء على الوجه واليدين أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما وإن الله عز وجل إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل
(قال الشافعي) :
ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمم وجهه وذراعيه إلى المرفقين ويكون المرفقان فيما ييمم فإن ترك شيئا من هذا لم يمر عليه التراب قل أو كثر كان عليه أن ييممه وإن صلى قبل أن ييممه أعاد الصلاة وسواء كان ذلك مثل الدرهم أو أقل منه أو أكثر كل ما أدركه الطرف منه أو استيقن أنه تركه وإن لم يدركه طرفه واستيقن أنه ترك شيئا فعليه إعادته وإعادة كل صلاة صلاها قبل أن يعيده
(قال) :
وإذا رأى أن قد أمس يديه التراب على وجهه وذراعيه ومرفقيه ولم يبق شيئا أجزأه
(قال الشافعي) :
ولا يجزئه إلا أن يضرب ضربة لوجهه وأحب إلي أن يضربها بيديه معا فإن اقتصر على ضربها بإحدى يديه وأمرها على جميع وجهه أجزأه وكذلك إن ضربها ببعض يديه إنما أنظر من هذا إلى أن يمرها على وجهه وكذلك إن ضرب التراب بشيء فأخذ الغبار من أداته غير يديه ثم أمره على وجهه وكذلك إن يممه غيره بأمره وإن سفت عليه الريح ترابا عمه فأمر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه؛ لأنه لم يأخذه لوجهه ولو أخذ ما على رأسه لوجهه فأمره عليه أجزأه وكذلك لو أخذ ما على بعض بدنه غير وجهه وكفيه.
(قال الشافعي) :
ويضرب بيديه معا لذراعيه لا يجزيه غير ذلك إذا يمم نفسه؛ لأنه لا يستطيع أن يمسح يدا إلا باليد التي تخالفها فيمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى
(قال الشافعي) :
ويخلل أصابعه بالتراب ويتتبع مواضع الوضوء بالتراب كما يتتبعها بالماء
(قال) :
وكيفما جاء بالغبار على ذراعيه أجزأه أو أتى به غيره بأمره كما قلت في الوجه
(قال الشافعي) :
ووجه التيمم ما وصفت من ضربه بيديه معا لوجهه ثم يمرهما معا عليه وعلى ظاهر لحيته ولا يجزيه غيره ولا يدع إمراره على لحيته ويضرب بيديه معا لذراعيه ثم يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى ثم يمر بطن راحته على ظهر ذراعه ويمر أصابعه على حرف ذراعه وأصبعه الإبهام على بطن ذراعه ليعلم أنه قد استوظف وإن استوظف في الأولى كفاه من أن يقلب يده فإذا فرغ من يمنى يديه يمم يسرى ذراعيه بكفه اليمنى
(قال) :
وإن بدأ بيديه قبل وجهه أعاد فيمم وجهه ثم ييمم ذراعيه وإن بدأ بيسرى ذراعيه قبل يمناها لم يكن عليه إعادة وكرهت ذلك له كما قلت في الوضوء وإن كان أقطع اليد أو اليدين يمم ما بقي من القطع وإن كان أقطعهما من المرفقين يمم ما بقي من المرفقين وإن كان أقطعهما من المنكبين فأحب إلي أن يمر التراب على المنكبين وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأنه لا يدين له عليهما فرض وضوء ولا تيمم وفرض التيمم من اليدين على ما عليه فرض الوضوء.ولو كان أقطعهما من المرفقين فأمر التراب على العضدين كان أحب إلي احتياطا وإنما قلت بهذا؛ لأنه اسم اليد وليس بلازم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمم ذراعيه فدل على أن فرض الله عز وجل في التيمم على اليدين كفرضه على الوضوء.
(قال الشافعي) :
فإذا كان أقطع فلم يجد من ييممه فإن قدر على أن يلوث يديه بالتراب حتى يأتي به عليهما أو يحتال له بوجه إما برجله أو غيرها أجزأه وإن لم يقدر على ذلك لاث بوجهه لوثا رفيقا حتى يأتي بالغبار عليه وفعل ذلك بيديه وصلى وأجزأته صلاته فإن لم يقدر على لوثهما معا لاث إحداهما وصلى وأعاد الصلاة إذا قدر على من ييممه أو يوضئه.
(قال الشافعي) :
وإذا وجد الرجل المسافر ماء لا يطهر أعضاءه كلها لم يكن عليه أن يغسل منها شيئا
(قال الربيع)
وله قول آخر أنه يغسل بما معه من الماء بعض أعضاء الوضوء ويتيمم بعد ذلك
(قال الربيع)
؛ لأن الطهارة لم تتم فيه كما لو كان بعض أعضاء الوضوء جريحا غسل ما صح منه وتيمم؛ لأن الطهارة لم تكمل فيه أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم
(قال الشافعي) :
لا يجزيه في التيمم إلا أن يأتي بالغبار على ما يأتي عليه بالوضوء من وجهه ويديه إلى المرفقين.
[باب التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به وكل ما حال عن اسم صعيد لم يتيمم به ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار
(قال الشافعي) :
فأما البطحاء الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد وإذا ضرب المتيمم عليه بيديه فعلقهما غبار أجزأه التيمم به وإذا ضرب بيديه عليه أو على غيره فلم يعلقه غبار ثم مسح به لم يجزه وهكذا كل أرض سبخها ومدرها وبطحاؤها وغيره فما علق منه إذا ضرب باليد غبار فتيمم به أجزأه وما لم يعلق به غبار فتيمم به لم يجزه وهكذا إن نفض المتيمم ثوبه أو بعض أداته فخرج عليه غبار تراب فتيمم به أجزأه إذا كان التراب دقعاء فضرب فيه المتيمم بيديه فعلقهما منه شيء كثير فلا بأس أن ينفض شيئا إذا بقي في يديه غبار يماس الوجه كله وأحب إلي لو بدأ فوضع يديه على التراب وضعا رفيقا ثم يتيمم به وإن علق بيديه تراب كثير فأمره على وجهه لم يضره وإن علقه شيء كثير فمسح به وجهه لم يجزه أن يأخذ من الذي على وجهه فيمسح به ذراعيه ولا يجزيه إلا أن يأخذ ترابا غيره لذراعيه فإن أمره على ذراعيه عاد فأخذ ترابا آخر ثم أمره على ذراعيه فإن ضرب على موضع من الأرض فيمم به وجهه ثم ضرب عليه أخرى فيمم به ذراعيه فجائز وكذلك إن تيمم من موضعه ذلك جاز؛ لأن ما أخذ منه في كل ضربة غير ما يبقى بعدها.
(قال) :
وإذا حت التراب من الجدار فتيمم به أجزأه وإن وضع يديه على الجدار وعلق بهما غبار تراب فتيمم به أجزأه فإن لم يعلق لم يجزه وإن كان التراب مختلطا بنورة أو تبن رقيق أو دقيق حنطة أو غيره لم يجز التيمم به حتى يكون ترابا محضا.
(قال الشافعي) :
وإذا حال التراب بصنعة عن أن يقع عليه اسم تراب أو صعيد فتيمم به لم يجز وذلك مثل أن يطبخ قصبة أو يجعل آجرا ثم يدق وما أشبه هذا.
(قال) :
ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا زرنيخ وكل هذا حجارة وكذلك إن دقت الحجارة حتى تكون كالتراب أو الفخار أو خرط المرمر حتى يكون غبارا لم يجز التيمم به وكذلك القوارير تسحق واللؤلؤ وغيره والمسك والكافور والأطياب كلها وما يسحق حتى يكون غبارا مما ليس بصعيد فأما الطين الأرمني والطين الطيب الذي يؤكل فإن دق فتيمم به أجزأه وإن دق الكذان فتيمم به لم يجزه؛ لأن الكذان حجر خوار ولا يتيمم بشب ولا ذريرة ولا لبان شجرة ولا سحالة فضة ولا ذهب ولا شيء غير ما وصفت من الصعيد ولا يتيمم بشيء من الصعيد علم المتيمم أنه أصابته نجاسة بحال حتى يعلم أن قد طهر بالماء كما وصفنا من التراب المختلط بالتراب الذي لا جسد له قائم مثل البول وما أشبهه أن يصب عليه الماء حتى يغمره ومن الجسد القائم بأن يزال ثم يصب عليه الماء على موضعه أو يحفر موضعه حتى يعلم أنه لم يبق منه شيء ولا يتيمم بتراب المقابر لاختلاطها بصديد الموتى ولحومهم وعظامهم ولو أصابها المطر لم يجز التيمم بها؛ لأن الميت قائم فيها لا يذهبه الماء إلا كما يذهب التراب وهكذا كل ما اختلط بالتراب من الأنجاس مما يعود فيه كالتراب وإذا كان التراب مبلولا لم يتيمم به؛ لأنه حينئذ طين ويتيمم بغبار من أين كان فإن كانت ثيابه ورجله مبلولة استجف من الطين شيئا على بعض أداته أو جسده فإذا جف حته ثم يتيمم به لا يجزيه غير ذلك وإن لطخ وجهه بطين لم يجزه من التيمم؛ لأنه لا يقع عليه اسم صعيد وهكذا إن كان التراب في سبخة ندية لم يتيمم بها؛ لأنها كالطين لا غبار لها وإن كان في الطين ولم يجف له منه شيء حتى خاف ذهاب الوقت صلى ثم إذا جف الطين تيمم وأعاد الصلاة ولم يعتد بصلاة صلاها لا بوضوء ولا تيمم.وإذا كان الرجل محبوسا في المصر في الحش أو في موضع نجس التراب ولا يجد ماء أو يجده ولا يجد موضعا طاهرا يصلي عليه ولا شيئا طاهرا يفرشه يصلي عليه صلى يومئ إيماء وأمرته أن يصلي وأن يعيد صلاته ههنا وإنما أمرته بذلك؛ لأنه يقدر على الصلاة بحال فلم أره يجوز عندي أن يمر به وقت صلاة لا يصلي فيها كما أمكنه وأمرته أن يعيد؛ لأنه لم يصل كما يجزيه وهكذا الأسير يمنع والمستكره، ومن حيل بينه وبين تأدية الصلاة صلى كما قدر جالسا أو موميا وعاد فصلى مكملا للصلاة إذا قدر ولو كان هذا المحبوس يقدر على الماء لم يكن له إلا أن يتوضأ وإن كان لا تجزيه به صلاته وكذلك لو قدر على شيء يبسطه ليس بنجس لم يكن له إلا أن يبسطه وإن لم يقدر على ما قال فأتى بأي شيء قدر على أن يأتي به جاء به مما عليه وإن كان عليه البدل وهكذا إن حبس مربوطا على خشبة وهكذا إن حبس مربوطا لا يقدر على الصلاة أومأ إيماء ويقضي في كل هذا إذا قدر وإن مات قبل أن يقدر على القضاء رجوت له أن لا يكون عليه مأثم؛ لأنه حيل بينه وبين تأدية الصلاة وقد علم الله تعالى نيته في تأديتها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (9)
صــــــــــ 68 الى صـــــــــــ74
[باب ذكر الله عز وجل على غير وضوء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر «أن رجلا مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاوزه ناداه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول إني سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم علي فإنك إن تفعل لا أرد عليك» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال «مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم مسح يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي» أخبرنا إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بئر جمل لحاجته ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار ثم رد عليه السلام»
(قال الشافعي) :
والحديثان الأولان ثابتان، وبهما نأخذ وفيهما وفي الحديث بعدهما دلائل منه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فإذا رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل التيمم وبعد التيمم في الحضر والتيمم لا يجزي المرء وهو صحيح في الوقت الذي لا يكون التيمم فيه طهارة للصلاة دل ذلك على أن ذكر الله عز وجل يجوز والمرء غير طاهر للصلاة
(قال) :
ويشبه - والله تعالى أعلم - أن تكون القراءة غير طاهر كذلك؛ لأنها من ذكر الله تعالى
(قال) :
ودليل على أنه ينبغي لمن مر على من يبول أو يتغوط أن يكف عن السلام عليه في حالته تلك ودليل على أن رد السلام في تلك الحال مباح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد في حالته تلك وعلى أن ترك الرد حتى يفارق تلك الحال ويتيمم مباح ثم يرد وليس ترك الرد معطلا لوجوبه ولكن تأخيره إلى التيمم
(قال) :
وترك رد السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد التيمم اختيارا على الذكر قبله وإن كانا مباحين لرد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل التيمم وبعده (قال) :
فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول لما تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - رد السلام؛ لأنه قد جاز له قلنا بالتيمم للجنازة والعيدين إذا أراد الرجل ذلك وخاف فوتهما قلنا والجنازة والعيد صلاة والتيمم لا يجوز في المصر لصلاة فإن زعمت أنهما ذكر جاز العيد بغير تيمم كما جاز في السلام بغير تيمم.
[باب ما يطهر الأرض وما لا يطهرها]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال «دخل أعرابي المسجد فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد تحجرت واسعا قال فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم عجلوا عليه فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأهريق عليه ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - علموا ويسروا ولا تعسروا» (قال الشافعي) : أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنس بن مالك يقول «بال أعرابي في المسجد فعجل الناس عليه فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه وقال صبوا عليه دلوا من ماء» (قال الشافعي) : فإذا بيل على الأرض وكان البول رطبا مكانه أو نشفته الأرض وكان موضعه يابسا فصب عليه من الماء ما يغمره حتى يصير البول مستهلكا في التراب، والماء جاريا على مواضعه كلها مزيلا لريحه فلا يكون له جسد قائم ولا شيء في معنى جسد من ريح ولا لون فقد طهر وأقل قدر ذلك ما يحيط العلم أنه كالدلو الكبير على بول الرجل وإن كثر وذلك أكثر منه أضعافا لا أشك في أن ذلك سبع مرات أو أكثر لا يطهره شيء غيره.
(قال) :
فإن بال على بول الواحد آخر لم يطهره إلا دلوان، وإن بال اثنان معه لم يطهره إلا ثلاثة وإن كثروا لم يطهر الموضع حتى يفرغ عليه من الماء ما يعلم أن قد صب مكان بول كل رجل دلو عظيم أو كبير
(قال الشافعي) :
وإذا كان مكان البول خمرا صب عليه كما يصب على البول لا يختلفان في قدر ما يصب عليه من الماء فإذا ذهب لونه وريحه من التراب فقد طهر التراب الذي خالطه
(قال) :
وإذا ذهب لونه ولم يذهب ريحه ففيها قولان: أحدهما لا تطهر الأرض حتى يذهب ريحه وذلك أن الخمر لما كانت الرائحة قائمة فيه فهي كاللون والجسد فلا تطهر الأرض حتى يصب عليها من الماء قدر ما يذهبه فإن ذهبت بغير صب ماء لم تطهر حتى يصب عليها من الماء قدر ما يطهر به البول، والقول الثاني أنه إذا صب على ذلك من الماء قدر ما يطهرها وذهب اللون والريح ليس بجسد ولا لون فقد طهرت الأرض وإذا كثر ما يصب من الخمر على الأرض فهو ككثرة البول يزاد عليه من الماء كما وصفته يزاد على البول إذا كثر وكل ما كان غير جسد في هذا المعنى لا يخالفه فإن كانت جيفة على وجه الأرض فسال منها ما يسيل من الجيف فأزيل جسدها صب على ما خرج منها من الماء كما وصفته يصب على البول والخمر فإذا صب الماء فلم يوجد له عين ولا لون ولا ريح فهكذا
(قال) :
وهكذا إذا كانت عليها عذرة أو دم أو جسد نجس فأزيل.
(قال) :
وإذا صب على الأرض شيئا من الذائب كالبول والخمر والصديد وما أشبهه ثم ذهب أثره ولونه وريحه فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلا أن يصب عليه الماء وإن أتى على الأرض مطر يحيط العلم أنه يصيب موضع البول منه أكثر من الماء الذي وصفت أنه يطهره كان لها طهورا وكذلك إن أتى عليها سيل يدوم عليها قليلا حتى تأخذ الأرض منه مثل ما كانت آخذة مما صب عليها ولا أحسب سيلا يمر عليها إلا أخذت منه مثل أو أكثر مما كان يطهرها من ماء يصب عليها فإن كان العلم يحيط بأن سيلا لو مسحها مسحة لم تأخذ منه قدر ما كان يطهرها لم تطهر حتى يصب عليها ما يطهرها وإن صب على الأرض نجسا كالبول فبودر مكانه فحفر حتى لا يبقى في الأرض منه شيء رطب ذهبت النجاسة كلها وطهرت بلا ماء وإن يبس وبقي له أثر فحفرت حتى لا يبقى يرى له أثر لم تطهر؛ لأن الأثر لا يكون منه إلا الماء طهر حيث تردد إلا أن يحيط العلم أن قد أتى بالحفر على ما يبلغه البول فيطهره فأما كل جسد ومستجسد قائم من الأنجاس مثل الجيفة والعذرة والدم وما أشبهها فلا تطهر الأرض منه إلا بأن يزول عنها ثم يصب على رطب إن كان منه فيها ما يصب على البول والخمر فإن ذهبت الأجساد في التراب حتى يختلط بها فلا يتميز منها كانت كالمقابر لا يصلى فيها ولا تطهر؛ لأن التراب غير متميز من المحرم المختلط وهكذا كل ما اختلط بما في الكراييس وما أشبهه.وإذا ذهبت جيفة في الأرض فكان عليها من التراب ما يواريها ولا يرطب برطوبة إن كانت منها كرهت الصلاة على مدفنها وإن صلى عليها مصل لم آمره بإعادة الصلاة وهكذا ما دفن من الأنجاس مما لم يختلط بالتراب وإذا ضرب اللبن مما فيه بول لم يصل عليه حتى يصب عليه الماء كما يصب على ما يبل عليه من الأرض وأكره أن يفرش به مسجد أو يبنى به فإن بني به مسجد أو كان منه جدرانه كرهته وإن صلى إليها مصل لم أكرهه ولم يكن عليه إعادة وكذلك إن صلى في مقبرة أو قبر أو جيفة أمامه وذلك أنه إنما كلف ما يماسه من الأرض وسواء إن كان اللبن الذي ضرب بالبول مطبوخا أو نيئا لا يطهر اللبن بالنار ولا تطهر شيئا ويصب عليه الماء كله كما وصفت لك وإن ضرب اللبن بعظام ميتة أو لحمها أو بدم أو بنجس مستجسد من المحرم لم يصل عليه أبدا طبخ أو لم يطبخ غسل أو لم يغسل؛ لأن الميت جزء قائم فيه ألا ترى أن الميت لو غسل بماء الدنيا لم يطهر ولم يصل عليه إذا كان جسدا قائما ولا تتم صلاة أحد على الأرض ولا شيء يقوم عليه دونها حتى يكون جميع ما يماس جسده منها طاهرا كله فإن كان منها شيء غير طاهر فكان لا يماسه وما ماسه منها طاهر فصلاته تامة وأكره له أن يصلي إلا على موضع طاهر كله وسواء ماس من يديه أو رجليه أو ركبتيه أو جبهته أو أنفه أو أي شيء ماس منه وكذلك سواء ما سقطت عليه ثيابه منه إذا ماس من ذلك شيئا نجسا لم تتم صلاته وكانت عليه الإعادة والبساط وما صلى عليه مثل الأرض إذا قام منه على موضع طاهر وإن كان الباقي منه نجسا أجزأته صلاته وليس هكذا الثوب لو لبس بعض ثوب طاهر وكان بعضه ساقطا عنه والساقط عنه منه غير طاهر لم تجزه صلاته؛ لأنه يقال له لابس لثوب ويزول فيزول بالثوب معه إذا كان قائما على الأرض فحظه منها ما يماسه وإذا زال لم يزل بها وكذلك ما قام عليه سواها.وإذا استيقن الرجل بأن قد ماس بعد الأرض نجاسة أحببت أن يتنحى عنه حتى يأتي موضعا لا يشك أنه لم تصبه نجاسة وإن لم يفعل أجزأ عنه حيث صلى إذا لم يستيقن فيه النجاسة وكذلك إن صلى في موضع فشك أصابته نجاسة أم لا أجزأته صلاته والأرض على الطهارة حتى يستيقن فيها النجاسة.
[باب ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43]
(قال الشافعي) :
فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عز وجل {ولا جنبا إلا عابري سبيل} [النساء: 43] قال لا تقربوا مواضع الصلاة وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد فلا بأس أن يمر الجنب في المسجد مارا ولا يقيم فيه لقول الله عز وجل {ولا جنبا إلا عابري سبيل} [النساء: 43] .
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عثمان بن أبي سليمان أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد. منهم جبير بن مطعم، قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام فإن الله عز وجل يقول {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] فلا ينبغي لمشرك أن يدخل الحرم بحال
(قال) :
وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام فكذلك المسلم فإن ابن عمر يروي أنه كان يبيت في المسجد زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعزب ومساكين الصفة.
(قال) :
ولا تنجس الأرض بممر حائض ولا جنب ولا مشرك ولا ميتة؛ لأنه ليس في الأحياء من الآدميين نجاسة وأكره للحائض تمر في المسجد وإن مرت به لم تنجسه.
[باب ما يوصل بالرجل والمرأة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا كسر للمرأة عظم فطار فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا وكذلك إن سقطت سنة صارت ميتة فلا يجوز له أن يعيدها بعد ما بانت فلا يعيد سن شيء غير سن ذكي يؤكل لحمه وإن رقع عظمه بعظم ميتة، أو ذكي لا يؤكل لحمه أو عظم إنسان فهو كالميتة فعليه قلعه وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه فإن لم يقلعه جبره السلطان على قلعه فإن لم يقلع حتى مات لم يقلع بعد موته؛ لأنه صار ميتا كله والله حسيبه وكذلك سنة إذا ندرت فإن اعتلت سنة فربطها قبل أن تندر فلا بأس؛ لأنها لا تصير ميتة حتى تسقط
(قال) :
ولا بأس أن يربطها بالذهب؛ لأنه ليس لبس ذهب وإنه موضع ضرورة وهو يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهب ما هو أكثر من هذا يروى «أن أنف رجل قطع بالكلاب فاتخذ أنفا من فضة فشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نتنه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفا من ذهب»
(قال) :
وإن أدخل دما تحت جلده فنبت عليه فعليه أن يخرج ذلك الدم ويعيد كل صلاة صلاها بعد إدخاله الدم تحت جلده
(قال) :
ولا يصلي الرجل والمرأة واصلين شعر إنسان بشعورهما ولا شعره بشعر شيء لا يؤكل لحمه ولا شعر شيء يؤكل لحمه إلا أن يؤخذ منه شعره وهو حي فيكون في معنى الذكي كما يكون اللبن في معنى الذكي، أو يؤخذ بعدما يذكى ما يؤكل لحمه فتقع الذكاة على كل حي منه وميت فإن سقط من شعرهما شيء فوصلاه بشعر إنسان، أو شعورهما لم يصليا فيه فإن فعلا فقد قيل: يعيدان. وشعور الآدميين لا يجوز أن يستمتع من الآدميين كما يستمتع به من البهائم بحال؛ لأنها مخالفة لشعور ما يكون لحمه ذكيا، أو حيا
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت «أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله: إن بنتا لي أصابتها الحصبة فتمزق شعرها أفأصل فيه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعنت الواصلة والموصولة»
(قال الشافعي) :
فإذا ذكي الثعلب والضبع صلي في جلودهما وعلى جلودهما شعورهما؛ لأن لحومهما تؤكل وكذلك إذا أخذ من شعورهما وهما حيان صلى فيهما وكذلك جميع ما أكل لحمه يصلى في جلده إذا ذكي وفي شعره وريشه إذا أخذ منه وهو حي فأما ما لا يؤكل لحمه فما أخذ من شعره حيا، أو مذبوحا فصلي فيه أعيدت الصلاة من قبل أنه غير ذكي في الحياة وأن الذكاة لا تقع على الشعر؛ لأن ذكاته وغير ذكاته سواء وكذلك إن دبغ لم يصل له في شعر ذي شعر منه ولا ريش ذي ريش؛ لأن الدباغ لا يطهر شعرا ولا ريشا ويطهر الإهاب؛ لأن الإهاب غير الشعر والريش، وكذلك عظم ما لا يؤكل لحمه لا يطهره دباغ ولا غسل ذكيا كان، أو غير ذكي.
[باب طهارة الثياب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله عز وجل {وثيابك فطهر} [المدثر: 4] فقيل: يصلي في ثياب طاهرة وقيل: غير ذلك والأول أشبه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب فكل ثوب جهل من ينسجه أنسجه مسلم، أو مشرك أو وثني، أو مجوسي أو كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء، أو صبي فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة وكذلك ثياب الصبيان؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص وهي صبية عليها ثوب صبي والاختيار أن لا يصلى في ثوب مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء حتى يغسل من غير أن يكون واجبا وإذا صلى رجل في ثوب مشرك، أو مسلم، ثم علم أنه كان نجسا أعاد ما صلى فيه وكل ما أصاب الثوب من غائط رطب أو بول أو دم أو خمر، أو محرم ما كان فاستيقنه صاحبه وأدركه طرفه، أو لم يدركه فعليه غسله وإن أشكل عليه موضعه لم يجزه إلا غسل الثوب كله ما خلا الدم والقيح والصديد وماء القرح فإذا كان الدم لمعة مجتمعة وإن كانت أقل من موضع دينار، أو فلس وجب عليه غسله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسل دم الحيض، وأقل ما يكون دم الحيض في المعقول لمعة وإذا كان يسيرا كدم البراغيث وما أشبهه لم يغسل؛ لأن العامة أجازت هذا
(قال الشافعي) :
والصديد والقيح وماء القرح أخف منه ولا يغسل من شيء منه إلا ما كان لمعة وقد قيل: إذا لزم القرح صاحبه لم يغسله إلا مرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب المني]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
بدأ الله عز وجل خلق آدم من ماء وطين وجعلهما معا طهارة وبدأ خلق ولده من ماء دافق فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ذلك
(قال الشافعي) أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن «عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»
(قال الشافعي) :
والمني ليس بنجس فإن قيل: فلم يفرك أو يمسح؟ قيل: كما يفرك المخاط، أو البصاق، أو الطين والشيء من الطعام يلصق بالثوب تنظيفا لا تنجيسا فإن صلى فيه قبل أن يفرك، أو يمسح فلا بأس ولا ينجس شيء منه من ماء ولا غيره أخبرنا الربيع بن سليمان قال
(قال الشافعي) :
إملاء كل ما خرج من ذكر من رطوبة بول، أو مذي أو ودي أو ما لا يعرف، أو يعرف فهو نجس كله ما خلا المني والمني الثخين الذي يكون منه الولد الذي يكون له رائحة كرائحة الطلع ليس لشيء يخرج من ذكر رائحة طيبة غيره وكل ما مس ما سوى المني مما خرج من ذكر من ثوب أو جسد، أو غيره فهو ينجسه وقليله وكثيره سواء فإن استيقن أنه أصابه غسله ولا يجزئه غير ذلك فإن لم يعرف موضعه غسل الثوب كله وإن عرف الموضع ولم يعرف قدر ذلك غسل الموضع وأكثر منه إن صلى في الثوب قبل أن يغسله عالما، أو جاهلا فسواء إلا في المأثم فإنه يأثم بالعلم ولا يأثم في الجهل وعليه أن يعيد صلاته ومتى قلت يعيد فهو يعيد الدهر كله؛ لأنه لا يعدو إذا صلى أن تكون صلاته مجزئة عنه فلا إعادة عليه فيما أجزأ عنه في وقت ولا غيره، أو لا تكون مجزئة عنه بأن تكون فاسدة وحكم من صلى صلاة فاسدة حكم من لم يصل فيعيد في الدهر كله وإنما قلت في المني إنه لا يكون نجسا خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعقولا فإن قال قائل: ما الخبر؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن «عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه»
(قال الشافعي)
أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أو الأسود " شك الربيع " عن «عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه»
(قال الربيع)
وحدثنا يحيى بن حسان
(قال الشافعي)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبر عن عطاء عن ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب أمطه عنك قال أحدهما بعود، أو إذخرة وإنما هو بمنزلة البصاق، أو المخاط.
(قال الشافعي)
أخبرنا الثقة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال أخبرني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان إذا أصاب ثوبه المني إن كان رطبا مسحه وإن كان يابسا حته ثم صلى فيه.
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل فما المعقول في أنه ليس بنجس فإن الله عز وجل بدأ خلق آدم من ماء وطين وجعلهما جميعا طهارة، الماء، والطين في حال الإعواز من الماء طهارة، وهذا أكثر ما يكون في خلق أن يكون طاهرا وغير نجس وقد خلق الله تبارك وتعالى بني آدم من الماء الدافق فكان جل ثناؤه أعز وأجل من أن يبتدئ خلقا من نجس مع ما وصفت مما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخبر عن عائشة وابن عباس وسعد بن أبي وقاص مع ما وصفت مما يدركه العقل من أن ريحه وخلقه مباين خلق ما يخرج من ذكر وريحه فإن قال قائل فإن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر فكنا نغسله بغير أن نراه نجسا ونغسل الوسخ والعرق وما لا نراه نجسا ولو قال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه نجس لم يكن في قول أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ما وصفنا مما سوى ما وصفنا من المعقول وقول من سمينا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل فقد يؤمر بالغسل منه قلنا: الغسل ليس من نجاسة ما يخرج إنما الغسل شيء تعبد الله به الخلق - عز وجل - فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أرأيت الرجل إذا غيب ذكره في الفرج الحلال ولم يأت منه ماء فأوجبت عليه الغسل، وليست في الفرج نجاسة وإن غيب ذكره في دم خنزير، أو خمر، أو عذرة وذلك كله نجس أيجب عليه الغسل؟ فإن قال: لا قيل: فالغسل إن كان إنما يجب من نجاسة كان هذا أولى أن يجب عليه الغسل مرات ومرات من الذي غيبه في حلال نظيف ولو كان يكون لقذر ما يخرج منه كان الخلاء والبول أقذر منه ثم ليس يجب عليه غسل موضعهما الذي خرجا منه ويكفيه من ذلك المسح بالحجارة ولا يجزئه في وجهه ويديه ورجليه ورأسه إلا الماء ولا يكون عليه غسل فخذيه ولا أليتيه سوى ما سميت ولو كان كثرة الماء إنما تجب لقذر ما يخرج كان هذان أقذر وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي لم يخرجا منه ولكن إنما أمرنا بالوضوء لمعنى تعبد ابتلى الله به طاعة العباد لينظر من يطيعه منهم ومن يعصيه لا على قذر ولا نظافة ما يخرج فإن قال قائل فإن عمرو بن ميمون روى عن أبيه عن سليمان بن يسار «عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» قلنا: هذا إن جعلناه ثابتا فليس بخلاف لقولها كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه كما لا يكون غسله قدميه عمره خلافا لمسحه على خفيه يوما من أيامه وذلك أنه إذا مسح علمنا أنه تجزئ الصلاة بالمسح وتجزئ الصلاة بالغسل وكذلك تجزئ الصلاة بحته وتجزئ الصلاة بغسله لا أن واحدا منهما خلاف الآخر مع أن هذا ليس بثابت عن عائشة هم يخافون فيه غلط عمرو بن ميمون إنما هو رأي سليمان بن يسار كذا حفظه عنه الحفاظ أنه قال غسله أحب إلي وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول ولم يسمع سليمان علمناه من عائشة حرفا قط ولو رواه عنها كان مرسلا
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه -
وإذا استيقن الرجل أن قد أصابت النجاسة ثوبا له فصلى فيه ولا يدري متى أصابته النجاسة فإن الواجب عليه إن كان يستيقن شيئا أن يصلي ما استيقن وإن كان لا يستيقن تأخى حتى يصلي ما يرى أنه قد صلى كل صلاة صلاها وفي ثوبه النجس، أو أكثر منها ولا يلزمه إعادة شيء إلا ما استيقن والفتيا والاختيار له كما وصفت والثوب والجسد سواء ينجسهما ما أصابهماوالخف والنعل ثوبان فإذا صلى فيهما وقد أصابتهما نجاسة رطبة ولم يغسلها أعاد فإذا أصابتهما نجاسة يابسة لا رطوبة فيها فحكهما حتى نظفا وزالت النجاسة عنهما صلى فيهمافإن كان الرجل في سفر لا يجد الماء إلا قليلا فأصاب ثوبه نجس غسل النجس وتيمم إن لم يجد ما يغسل النجاسة تيمم وصلى وأعاد إذا لم يغسل النجاسة من قبل أن الأنجاس لا يزيلها إلا الماء فإن قال قائل: فلم طهره التراب من الجنابة ومن الحدث ولم يطهر قليل النجاسة التي ماست عضوا من أعضاء الوضوء أو غير أعضائه قلنا: إن الغسل والوضوء من الحدث والجنابة ليس؛ لأن المسلم نجس ولكن المسلم متعبد بهما وجعل التراب بدلا للطهارة التي هي تعبد ولم يجعل بدلا في النجاسة التي غسلها لمعنى لا تعبدا إنما معناها أن تزال بالماء ليس أنها تعبد بلا معنىولو أصابت ثوبه نجاسة ولم يجد ماء لغسله صلى عريانا ولا يعيد ولم يكن له أن يصلي في ثوب نجس بحال وله أن يصلي في الإعواز من الثوب الطاهر عريان
ا(قال) :
وإذا كان مع الرجل الماء وأصابته نجاسة لم يتوضأ به وذلك أن الوضوء به إنما يزيده نجاسةوإذا كان مع الرجل ماءان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يخلص النجس من الطاهر تأخى وتوضأ بأحدهما وكف عن الوضوء من الآخر وشربه إلا أن يضطر إلى شربه فإن اضطر إلى شربه شربه وإن اضطر إلى الوضوء به لم يتوضأ به؛ لأنه ليس عليه في الوضوء وزر ويتيمم وعليه في خوف الموت ضرورة فيشربه إذا لم يجد غيرهولو كان في سفر أو حضر فتوضأ من ماء نجس، أو كان على وضوء فمس ماء نجسا لم يكن له أن يصلي وإن صلى كان عليه أن يعيد بعد أن يغسل ما ماس ذلك الماء من جسده وثيابه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (10)
صــــــــــ 75 الى صـــــــــــ81
[كتاب الحيض]
اعتزال الرجل امرأته حائضا وإتيان المستحاضة أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الله تبارك وتعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] الآية
(قال الشافعي) :
وأبان عز وجل أنها حائض غير طاهر وأمر أن
لا تقرب حائض حتى تطهر ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء وتكون ممن تحل لها الصلاة ولا يحل لامرئ كانت امرأته حائضا أن يجامعها حتى تطهر فإن الله تعالى جعل التيمم طهارة إذا لم يوجد الماء أو كان المتيمم مريضا ويحل لها الصلاة بغسل إن وجدت ماء، أو تيمم إن لم تجده
(قال الشافعي) :
فلما أمر الله تعالى باعتزال الحيض وأباحهن بعد الطهر والتطهير ودلت السنة على أن المستحاضة تصلي دل ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها إن شاء الله تعالى؛ لأن الله أمر باعتزالهن وهن غير طواهر وأباح أن يؤتين طواهر.
[باب ما يحرم أن يؤتى من الحائض]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- قال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عز وجل {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 222] أن تعتزلوهن يعني من مواضع الحيض
(قال الشافعي) :
وكانت الآية محتملة لما قال ومحتملة أن اعتزالهن اعتزال جميع أبدانهن
(قال الشافعي) :
ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اعتزال ما تحت الإزار منها وإباحة ما سوى ذلك منها.
[باب ترك الحائض الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله عز وجل {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] الآية
(قال الشافعي) :
فكان بينا في قول الله عز وجل حتى يطهرن بأنهن حيض في غير حال الطهارة وقضى الله على الجنب أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل وكان بينا أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل وأن لا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ثم الاغتسال لقول الله عز وجل {حتى يطهرن} [البقرة: 222] وذلك بانقضاء الحيض فإذا تطهرن يعني بالغسل فإن السنة تدل على أن طهارة الحائض بالغسل ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيان ما دل عليه كتاب الله تعالى من أن لا تصلي الحائض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن «عائشة قالت قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن «عائشة قالت خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه لا نراه إلا الحج حتى إذا كنا بسرف، أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي فقال ما بالك أنفست؟ قلت: نعم قال إن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فاقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»
(قال الشافعي)
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر، فدل على أن لا تصلي حائضا؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما وكذلك قال الله عز وجل: {حتى يطهرن} [البقرة: 222] .باب أن لا تقضي الصلاة حائض
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]
(قال الشافعي) :
فلما لم يرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن تؤخر الصلاة في الخوف وأرخص أن يصليها المصلي كما أمكنه راجلا، أو راكبا وقال {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103]
(قال الشافعي) :
وكان من عقل الصلاة من البالغين عاصيا بتركها إذا جاء وقتها وذكرها وكان غير ناس لها وكانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة مطيقة لها فكان حكم الله عز وجل لا يقربها زوجها حائضا ودل حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض حرم عليها أن تصلي كان في هذا دلائل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها وهي ذاكرة عاقلة مطيقة لم يكن عليها قضاء الصلاة وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها بزوال فرضه عنها،
(قال) :
وهذا مما لا أعلم فيه مخالفا
(قال الشافعي) :
والمعتوه والمجنون لا يفيق والمغمى عليه في أكثر من حال الحائض من أنهم لا يعقلون وفي أن الفرائض عنهم زائلة ما كانوا بهذه الحال كما الفرض عنها زائل ما كانت حائضا ولا يكون على واحد من هؤلاء قضاء الصلاة ومتى أفاق واحد من هؤلاء، أو طهرت حائض في وقت الصلاة فعليهما أن يصليا؛ لأنهما ممن عليه فرض الصلاة.
[باب المستحاضة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت «قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني لا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي» . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه «حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب فقلت يا رسول الله إن لي إليك حاجة وإنه لحديث ما منه بد وإني لأستحيي منه قال: فما هو يا هنتاه قالت إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها فقد منعتني
الصلاة والصوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإني أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر من ذلك قال: فتلجمي. قالت هو أكثر من ذلك قال: فاتخذي ثوبا قالت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأك عن الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم قال لها إنما هي ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله تعالى ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها، أو ثلاثا وعشرين وأيامها وصومي فإنه يجزئك وهكذا افعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن» ومن غير هذا الكتاب «وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتغتسلي حتى تطهري، ثم تصلي الظهر والعصر، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الفجر» .
(قال الشافعي) :
هذا يدل على أنها تعرف أيام حيضها ستا، أو سبعا فلذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلي حتى تطهري، ثم تصلي الظهر والعصر جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلي وتجمعي بين المغرب والعشاء فافعلي وتغتسلين عند الفجر، ثم تصلين الصبح وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك وقال هذا أحب الأمرين إلي» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا فعلت ذلك فلتغتسل ولتستثفر، ثم تصلي»
(قال الشافعي) :
فبهذه الأحاديث الثلاثة نأخذ وهي عندنا متفقة فيما اجتمعت فيه وفي بعضها زيادة على بعض ومعنى غير معنى صاحبه وحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن فاطمة بنت أبي حبيش كان دم استحاضتها منفصلا من دم حيضها لجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه قال: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي» .
(قال الشافعي) :
فنقول إذا كان الدم ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا ثخينا محتدما وأياما رقيقا إلى الصفرة أو رقيقا إلى القلة فأيام الدم الأحمر القانئ المحتدم الثخين أيام الحيض وأيام الدم الرقيق أيام الاستحاضة
(قال الشافعي) :
ولم يذكر في حديث عائشة الغسل عند تولي الحيضة وذكر غسل الدم فأخذنا بإثبات الغسل من قول الله عز وجل {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} [البقرة: 222] الآية
(قال الشافعي) :
فقيل: والله تعالى أعلم - يطهرن من الحيض فإذا تطهرن بالماء، ثم من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الطهارة بالماء الغسل وفي حديث حمنة بنت جحش فأمرها في الحيض أن تغتسل إذا رأت أنها طهرت ثم أمرها في حديث حمنة بالصلاة فدل ذلك على أن لزوجها أن يصيبها؛ لأن الله تبارك وتعالى أمر باعتزالها حائضا وأذن في إتيانها طاهرا فلما حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - للمستحاضة حكم الطهارة في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على أن لزوجها أن يأتيها
(قال) :
وليس عليها إلا الغسل الذي حكمه الطهر من الحيض بالسنة وعليها الوضوء لكل صلاة قياسا على السنة في الوضوء بما خرج من دبر، أو فرج مما له أثر، أو لا أثر له
(قال الشافعي) :
وجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة في المستحاضة يدل على أن المرأة التي سألت لها أم سلمة كانت لا ينفصل دمها فأمرها أن تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها.
(قال الشافعي) :
وفي هذا دليل على أن لا وقت للحيضة إذا كانت المرأة ترى حيضا مستقيما وطهرا مستقيما وإن كانت المرأة حائضا يوما، أو أكثر فهو حيض وكذلك إن جاوزت عشرة فهو حيض؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ولم يقل إلا أن يكون كذا وكذا أي تجاوز كذا
(قال الشافعي) :
وإذا ابتدأت المرأة ولم تحض حتى حاضت فطبق الدم عليها فإن كان دمها ينفصل فأيام حيضها أيام الدم الثخين الأحمر القانئ المحتدم وأيام استحاضتها أيام الدم الرقيق فإن كان لا ينفصل ففيها قولان: أحدهما - أن تدع الصلاة ستا، أو سبعا، ثم تغتسل وتصلي كما يكون الأغلب من حيض النساء
(قال) :
ومن ذهب إلى جملة حديث حمنة بنت جحش وقال لم يذكر في الحديث عدد حيضها فأمرت أن يكون حيضها ستا، أو سبعا والقول الثاني - أن تدع الصلاة أقل ما علم من حيضهن وذلك يوم وليلة، ثم تغتسل وتصلي ولزوجها أن يأتيها ولو احتاط فتركها وسطا من حيض النساء، أو أكثر كان أحب إلي ومن قال بهذا قال إن حمنة وإن لم يكن في حديثها ما نص أن حيضها كان ستا، أو سبعا فقد يحتمل حديثها ما احتمل حديث أم سلمة من أن يكون فيه دلالة أن حيضها كان ستا، أو سبعا؛ لأن فيه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فتحيضي ستا، أو سبعا ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت فصلي» فيحتمل إذا رأت أنها قد طهرت بالماء واستنقت من الدم الأحمر القانئ
(قال) :
وإن كان يحتمل طهرت واستنقت بالماء.
(قال) :
فقد علمنا أن حمنة كانت عند طلحة وولدت له وأنها حكت حين استنقت ذكرت أنها تثج الدم ثجا وكان العلم يحيط أن طلحة لا يقربها في هذه الحال ولا تطيب هي نفسها بالدنو منه وكان مسألتها بعدما كانت زينب عنده دليلا محتملا على أنه أول ما ابتليت بالاستحاضة وذلك بعد بلوغها بزمان فدل على أن حيضها كان يكون ستا، أو سبعا فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - وشكت أنه كان ستا، أو سبعا فأمرها إن كان ستا أن تتركه ستا وإن كان سبعا أن تتركه سبعا وذكرت الحديث فشكت وسألته عن ست فقال لها ست، أو عن سبع فقال لها سبع وقال كما تحيض النساء إن النساء يحضن كما تحيضين
(قال الشافعي) :
قول - صلى الله عليه وسلم - تحيضي ستا، أو سبعا في علم الله يحتمل أن علم الله ست، أو سبع تحيضين
(قال) :
وهذا أشبه معانيه - والله تعالى أعلم -
(قال) :
وفي حديث «حمنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها إن قويت فاجمعي بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل وصلي الصبح بغسل» وأعلمها أنه أحب الأمرين إليه لها وأنه يجزيها الأمر الأول من أن تغتسل عند الطهر من المحيض، ثم لم يأمرها بغسل بعده فإن قال قائل فهل روى هذا أحد أنه أمر المستحاضة بالغسل سوى الغسل الذي تخرج به من حكم الحيض فحديث حمنة يبين أنه اختيار وأن غيره يجزي منه.
(قال الشافعي) :
وإن روي في المستحاضة حديث مستغلق ففي إيضاح هذه الأحاديث دليل على معناه والله تعالى أعلم فإن قال قائل فهل يروى في المستحاضة شيء غير ما ذكرت قيل له: نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عمرة عن عائشة أن «أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستفتته فيه قالت عائشة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست تلك الحيضة وإنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي قالت عائشة فكانت تجلس في مركن فيعلو الماء حمرة الدم، ثم تخرج فتصلي» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرني الزهري عن عمرة عن عائشة «أن أم حبيبة استحيضت فكانت لا تصلي سبع سنين فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إنما هو عرق وليست بالحيضة فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي فكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلوه الدم» .فإن قال فهذا حديث ثابت فهل يخالف الأحاديث
التي ذهبت إليها؟ قلت: لا إنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة فإن قال ذهبنا إلى أنها لا تغتسل لكل صلاة إلا وقد أمرها بذلك ولا تفعل إلا ما أمرها قيل له أفترى أمرها أن تستنقع في مركن حتى يعلو الماء حمرة الدم، ثم تخرج منه فتصلي، أو تراها تطهر بهذا الغسل قال ما تطهر بهذا الغسل الذي يغشى جسدها فيه حمرة الدم ولا تطهر حتى تغسله ولكن لعلها تغسله قلت أفأبين لك أن استنقاعها غير ما أمرت به قال: نعم، قلت: فلا تنكر أن يكون غسلها ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها ألا ترى أنه يسعها أن تغتسل ولو لم تؤمر بالغسل قال بلى
(قال الشافعي) :
وقد روى غير الزهري هذا الحديث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل لكل صلاة» ولكن رواه عن عمرة بهذا الإسناد والسياق والزهري أحفظ منه وقد روى فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط قال تترك الصلاة قدر أقرائها وعائشة تقول الأقراء الأطهار قال أفرأيت لو كان تثبت الروايتان فإلى أيهما تذهب؟ قلت إلى حديث حمنة بنت جحش وغيره مما أمرن فيه بالغسل عند انقطاع الدم ولو لم يؤمرن به عند كل صلاة.
(قال الشافعي) :
فإن قال فهل من دليل غير الخبر؟ قيل: نعم قال الله عز وجل {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} [البقرة: 222] إلى قوله - {فإذا تطهرن} [البقرة: 222] فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الطهر هو الغسل وأن الحائض لا تصلي والطاهر تصلي وجعلت المستحاضة في معنى الطاهر في الصلاة فلم يجز أن تكون في معنى طاهر وعليها غسل بلا حادث حيضة ولا جنابة
(قال) :
أما إنا فقد روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة قلت نعم قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان محفوظا عندنا كان أحب إلينا من القياس.
[باب الخلاف في المستحاضة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فقال لي قائل تصلي المستحاضة ولا يأتيها زوجها وزعم لي بعض من يذهب مذهبه أن حجته فيه أن الله تبارك وتعالى قال {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} [البقرة: 222] الآية وأنه قال في الأذى إنه أمر باجتنابها فيه فأثم فيها فلا يحل له إصابتها
(قال الشافعي) :
فقيل: له حكم الله عز وجل في أذى المحيض أن تعتزل المرأة ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن حكم الله عز وجل أن الحائض لا تصلي فدل حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الوقت الذي أمر الزوج باجتناب المرأة فيه للمحيض الوقت الذي أمرت المرأة فيه إذا انقضى المحيض بالصلاة قال: نعم فقيل له: فالحائض لا تطهر - وإن اغتسلت - ولا يحل لها أن تصلي ولا تمس مصحفا، قال: نعم فقيل له فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن حكم أيام الاستحاضة حكم الطهر وقد أباح الله للزوج الإصابة إذا تطهرت الحائض ولا أعلمك إلا خالفت كتاب الله في أن حرمت ما أحل الله من المرأة إذا تطهرت وخالفت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه حكم بأن غسلها من أيام المحيض تحل به الصلاة في أيام الاستحاضة وفرق بين الدمين بحكمه وقوله في الاستحاضة إنما ذلك عرق وليس بالحيضة قال هو أذى قلت فبين إذا فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمه فجعلها حائضا في أحد الأذيين يحرم عليها الصلاة وطاهرا في أحد الأذيين يحرم عليها ترك الصلاة وكيف جمعت ما فرق بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .
(قال الشافعي) :
وقيل له: أتحرم لو كانت خلقتها أن هنالك رطوبة وتغير ريح مؤذية غير دم قال لا وليس هذا أذى المحيض قلت ولا أذى الاستحاضة أذى المحيض
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (11)
صــــــــــ 82 الى صـــــــــــ89
[الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وخالفنا بعض الناس في شيء من المحيض والمستحاضة وقال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام فإن امرأة رأت الدم يوما، أو يومين، أو بعض يوم ثالث ولم تستكمله فليس هذا بحيض وهي طاهر تقضي الصلاة فيه ولا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام فما جاوز العشرة بيوم، أو أقل، أو أكثر فهو استحاضة ولا يكون بين حيضتين أقل من خمسة عشر
(قال الشافعي) :
فقيل لبعض من يقول هذا القول: أرأيت إذا قلت لا يكون شيء وقد أحاط العلم أنه يكون أتجد قولك لا يكون إلا خطأ عمدته فيجب أن تأثم به، أو تكون غباوتك شديدة ولا يكون لك أن تقول في العلم.
(قال) :
لا يجوز إلا ما قلت إن لم تكن فيه حجة، أو تكون
(قلت)
قد رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما ولا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن ولم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يوما وعن امرأة، أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة فكيف زعمت أنه لا يكون ما قد علمنا أنه يكون؟ ،
(قال الشافعي) :
فقال إنما قلته لشيء قد رويته عن أنس بن مالك فقلت له أليس حديث الجلد بن أيوب فقال بلى فقلت فقد أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أنه قال قرء المرأة، أو قرء حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر فقال لي ابن علية الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث، وقال لي قد استحيضت امرأة من آل أنس فسئل ابن عباس عنها فأفتى فيها وأنس حي فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه علم ونحن وأنت لا نثبت حديثا عن الجلد ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا وأنت تترك الرواية الثابتة عن أنس فإنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وعنده نساء فللبكر المتزوجة سبع وللثيب ثلاث وهو يوافق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتدع السنة وقول أنس وتزعم أنك قبلت قول ابن عباس على ما يعرف خلافه، قال أفيثبت عندك عن أنس؟ قلت: لا ولا عند أحد من أهل العلم بالحديث ولكني أحببت أن تعلم أني أعلم أنك إنما تتستر بالشيء ليست لك فيه حجة قال فلو كان ثابتا عن أنس بن مالك.
(قلت)
ليس بثابت فتسأل عنه قال فأجب على أنه ثابت. وليس فيه لو كان ثابتا حرف مما قلت قال: وكيف؟ قلت: لو كان إنما أخبر أنه قد رأى من تحيض ثلاثا وما بين ثلاث وعشر كان إنما أراد - إن شاء الله تعالى - أن حيض المرأة كما تحيض لا تنتقل التي تحيض ثلاثا إلى عشر ولا تنتقل التي تحيض عشرا إلى ثلاث، وأن الحيض كلما رأت الدم ولم يقل لا يكون الحيض أقل من ثلاث، ولا أكثر من عشر وهو - إن شاء الله كان أعلم - ممن يقول لا يكون خلق من خلق الله لا يدري لعله كان أو يكون (قال الشافعي) : ثم زاد الذي يقول هذا القول الذي لا أصل له وهو يزعم أنه لا يجوز أن يقول قائل في حلال، أو حرام إلا من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس على واحد من هذا فقال أحدهم لو: كان حيض امرأة عشرة معروفة لها ذلك فانتقل حيضها فرأت الدم يوما، ثم ارتفع عنها أياما، ثم رأته اليوم العاشر من مبتدأ حيضها كانت حائضا في اليوم الأول والثمان التي رأت فيها الطهر واليوم العاشر الذي رأت فيه الدم.
(قال الشافعي) :
ثم زاد فقال لو كانت المسألة بحالها إلا أنها رأت الحيض بعد اليوم العاشر خمسا، أو عشرا كانت في اليوم الأول والثمانية بعده حائضا ولا أدري أقال اليوم العاشر وفيما بعده مستحاضة طاهر، أو قال فيما بعد العاشر مستحاضة طاهر فعاب صاحبه قوله عليه فسمعته يقول: سبحان الله، ما يحل لأحد أخطأ بمثل هذا أن يفتي أبدا فجعلها في أيام ترى الدم طاهرا وأيام ترى الطهر حائضا وخالفه في المسألتين فزعم في الأولى أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية واليوم العاشر وزعم في الثانية أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية بعده حائض في اليوم العاشر وما بعده إلى أن تكمل عشرة أيام.ثم زعم أنها لو حاضت ثلاثا أولا ورأت الطهر أربعا، أو خمسا، ثم حاضت ثلاثا، أو يومين كانت حائضا أيام رأت الدم وأيام رأت الطهر، وقال إنما يكون الطهر الذي بين الحيضتين حيضا إذا كانت الحيضتان أكثر منه، أو مثله فإذا كان الطهر أكثر منهما فليس بحيض
(قال الشافعي) :
فقلت له لقد عبت معيبا وما أراك إلا قد دخلت في قريب مما عبت ولا يجوز أن تعيب شيئا، ثم تقول به (قال) :
إنما قلت إذا كان الدمان اللذان بينهما الطهر أكثر، أو مثل الطهر.
(قال الشافعي) :
فقلت له: فمن قال لك هذا
(قال) :
فبقول ماذا قلت لا يكون الطهر حيضا فإن قلته أنت قلت فمحال لا يشكل أفقلته بخبر قال لا قلت أفبقياس قال لا قلت فمعقول قال نعم إن المرأة لا تكون ترى الدم أبدا ولكنها تراه مرة وينقطع عنها أخرى
(قلت)
فهي في الحال التي تصفه منقطعا استدخلت
(قلت)
إذا استثفرت شيئا فوجدت دما وإن لم يكن يثج وأقل ذلك أن يكون حمرة، أو كدرة فإذا رأت الطهر لم تجد من ذلك شيئا لم يخرج مما استدخلت من ذلك إلا البياض
(قال) :
فلو رأت ما تقول من القصة البيضاء يوما، أو يومين ثم عاودها الدم في أيام حيضها
(قلت)
إذا تكون طاهرا حين رأت القصة البيضاء إلى أن ترى الدم ولو ساعة قال فمن قال هذا قلت ابن عباس قال إنه ليروى عن ابن عباس قلت نعم ثابتا عنه وهو معنى القرآن والمعقول قال وأين؟ .قلت أرأيت إذ أمر الله عز وجل باعتزال النساء في المحيض وأذن بإتيانهن إذا تطهرن عرفت، أو نحن المحيض إلا بالدم والطهر إلا بارتفاعه ورؤية القصة البيضاء. قال: لا قلت أرأيت امرأة كان حيضها عشرة كل شهر، ثم انتقل فصار كل شهرين، أو كل سنة، أو بعد عشر سنين، أو صار بعد عشر سنين حيضها ثلاثة أيام فقالت أدع الصلاة في وقت حيضي وذلك عشر في كل شهر قال ليس ذلك لها قلت والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم وغير حائض إذا لم تره. قال: نعم قلت: وكذلك المعقول قال: نعم قلت: فلم لا تقول بقولنا تكون قد وافقت القرآن والمعقول؟ فقال بعض من حضره: بقيت خصلة هي التي تدخل عليكم قلت وما هي قال أرأيت إذا حاضت يوما وطهرت يوما عشرة أيام أتجعل هذا حيضا واحدا، أو حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قلت بل حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قال وإن كانت مطلقة فقد انقضت عدتها في ستة أيام
(قال الشافعي) :
فقلت لقائل هذا القول: ما أدري أنت في قولك الأول أضعف حجة أم في هذا القول قال وما في هذا القول من الضعف؟ قلت: احتجاجك بأن جعلتها مصلية يوما وتاركة للصلاة يوما بالعدة وبين هذا فرق.قال فما تقول؟ قلت: لا ولا للصلاة من العدة سبيل قال فكيف ذلك؟ .قلت: أرأيت المؤيسة من الحيض التي لم تحض والحامل أليس يعتددن ولا يدعن الصلاة حتى تنقضي عدتهن أم لا تخلو عددهن حتى يدعن الصلاة في بعضها أياما كما تدعها الحائض قال بل يعتددن ولا يدعن الصلاة قلت: فالمرأة تطلق فيغمى عليها أو تجن، أو يذهب عقلها أليس تنقضي عدتها ولم تصل صلاة واحدة قال بلى قلت فكيف زعمت أن عدتها تنقضي ولم تصل أياما وتدع الصلاة أياما؟ قال من ذهاب عقلها وأن العدة ليست من الصلاة قلت أفرأيت المرأة التي تحيض حيض النساء وتطهر طهرهن إن اعتدت ثلاث حيض، ثم ارتابت في نفسها قال فلا تنكح حتى تستبرئ قلت: فتكون معتدة لا بحيض ولا بشهور ولكن باستبراء قال نعم إذا آنست شيئا تخاف أن يكون حملا. قلت: وكذلك التي تعتد بالشهور وإن ارتابت كفت عن النكاح قال نعم قلت؛ لأن البريئة إذا كانت مخالفة غير البريئة قال نعم والمرأة تحيض يوما وتطهر يوما أولى أن تكون مرتابة وغير بريئة من الحمل ممن سميت وقد عقلنا عن الله عز وجل أن في العدة معنيين: براءة وزيادة تعبد بأنه جعل عدة الطلاق ثلاثة أشهر، أو ثلاثة قروء وجعل عدة الحامل وضع الحمل وذلك غاية البراءة وفي ثلاثة قروء براءة وتعبد؛ لأن حيضتهن مستقيمة تبرئ فعقلنا أن لا عدة إلا وفيها براءة، أو براءة وزيادة؛ لأن العدة لم تكن أقل من ثلاثة أشهر، أو ثلاثة قروء، أو أربعة أشهر وعشر، أو وضع حمل والحائض يوما وطاهر يوما ليست في معنى براءة وقد لزمك بأن أبطلت عدة الحيض والشهور وباينت بها إلى البراءة إذا ارتابت كما زعمت أنه يلزمنا في التي تحيض يوما وتدع يوما.
[باب دم الحيض]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت «سمعت أسماء تقول سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه، ثم اقرصيه بالماء وانضحيه وصلي فيه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء مثل معناه إلا أنه قال تقرصه ولم يقل تقرصه بالماء
(قال الشافعي) :
وبحديث سفيان عن هشام بن عروة نأخذ وهو يحفظ فيه الماء ولم يحفظ ذلك وكذلك روى غيره عن هشام
(قال الشافعي) :
وفي هذا دليل على أن دم الحيض نجس وكذا كل دم غيره
(قال الشافعي) :
وقرصه فركه وقوله بالماء غسل بالماء وأمره بالنضح لما حوله
(قال الشافعي) :
فأما النجاسة فلا يطهرها إلا الغسل والنضح والله تعالى أعلم - اختيار أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن عجلان عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثوب يصيبه دم الحيض قال تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تصلي فيه» .
(قال الشافعي) :
وهذا مثل حديث أسماء بنت أبي بكر وبه نأخذ وفيه دلالة على ما قلنا من أن النضح اختيار؛ لأنه لم يأمر بالنضح في حديث أم سلمة وقد أمر بالماء في حديثها وحديث أسماء
(قال الربيع)
قال الشافعي وهو الذي نقول به قال الربيع وهو آخر قوليه يعني الشافعي إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وأقل الطهر خمسة عشر فلو أن امرأة أول ما حاضت طبق الدم عليها أمرناها أن تدع الصلاة إلى خمسة عشر فإن انقطع الدم في خمسة عشرة كان ذلك كله حيضا وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وأمرناها أن تدع الصلاة أول يوم وليلة وتعيد أربع عشرة؛ لأنه يحتمل أن يكون حيضها يوما وليلة ويحتمل أكثر فلما احتمل ذلك وكانت الصلاة عليها فرضا لم نأمرها بأن تدع الصلاة إلا بحيض يقين ولم تحسب طاهرة الأربعة عشر يوما في صيامها لو صامت؛ لأن فرض الصيام عليها بيقين أنها طاهرة فلما أشكل عليها أن تكون قد قضت فرض الصوم وهي طاهرة، أو لم تقضه لم أحسب لها الصوم إلا بيقين أنها طاهرة وكذلك طوافها بالبيت لست أحسبه لها إلا بأن يمضي لها خمسة عشر يوما؛ لأن أكثر ما حاضت له امرأة قط علمناه، ثم تطوف بعد ذلك؛ لأن العلم يحيط أنها من بعد خمسة عشر يوما طاهرة.وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما أمرناها أن تصلي في يوم الطهر بعد الغسل؛ لأنه يحتمل أن يكون طهرا فلا تدع الصلاة فإن جاءها الدم في اليوم الثالث علمنا أن اليوم الذي قبله الذي رأت فيه الطهر كان حيضا؛ لأنه يستحيل أن يكون الطهر يوما؛ لأن أقل الطهر خمسة عشر وكلما رأت الطهر أمرناها أن تغتسل وتصلي؛ لأنه يمكن أن يكون طهرا صحيحا وإذا جاءها الدم بعده من الغد علمنا أنه غير طهر حتى يبلغ خمس عشرة فإن انقطع بخمس عشرة فهو حيض كله وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فقلنا لها: أعيدي كل يوم تركت فيه الصلاة إلا أول يوم وليلة؛ لأنه يحتمل أن لا يكون حيضها إلا يوما وليلة فلا تدع الصلاة إلا بيقين الحيض وهذا للتي لا يعرف لها أيام وكانت أول ما يبتدئ بها الحيض مستحاضة فأما التي تعرف أيامها، ثم طبق عليها الدم فتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر فتدع الصلاة فيهن فإذا ذهب وقتهن اغتسلت وصلت وتوضأت لكل صلاة فيما تستقبل بقية شهرها فإذا جاءها ذلك الوقت من حيضها من الشهر الثاني تركت أيضا الصلاة أيام حيضها، ثم اغتسلت بعد وتوضأت لكل صلاة فهذا حكمها ما دامت مستحاضة وإن كانت لها أيام تعرفها فنسيت فلم تدر في أول الشهر، أو بعده بيومين، أو أقل، أو أكثر اغتسلت عند كل صلاة وصلت ولا يجزيها أن تصلي صلاة بغير غسل؛ لأنه يحتمل أن تكون في حين ما قامت تصلي الصبح أن يكون هذا وقت طهرها فعليها أن تغتسل فإذا جاءت الظهر احتمل هذا أيضا أن يكون حين طهرها فعليها أن تغتسل وهكذا في كل وقت تريد أن تصلي فيه فريضة يحتمل أن يكون هو وقت طهرها فلا يجزيها إلا الغسل ولما كانت الصلاة فرضا عليها احتمل إذا قامت لها أن يكون يجزيها فيه الوضوء.ويحتمل أن لا يجزيها فيه إلا الغسل فلما لم يكن لها أن تصلي إلا بطهارة بيقين لم يجزئها إلا الغسل؛ لأنه اليقين والشك في الوضوء ولا يجزيها أن تصلي بالشك ولا يجزئها إلا اليقين وهو الغسل فتغتسل لكل صلاة.
[كتاب الصلاة]
[باب أصل فرض الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] وقال {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5] الآية مع عدد أي فيه ذكر فرض الصلاة
(قال) :
«وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة فقال السائل: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع» .أول ما فرضت الصلاة
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر أن الله أنزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس
(قال) :
كأنه يعني قول الله عز وجل {يا أيها المزمل - قم الليل إلا قليلا - نصفه أو انقص منه قليلا} [المزمل: 1 - 3] الآية ثم نسخها في السورة معه بقول الله جل ثناؤه {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه} [المزمل: 20] إلى قوله {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] فنسخ قيام الليل أو نصفه، أو أقل، أو أكثر بما تيسر وما أشبه ما قال بما قال وإن كنت أحب أن لا يدع أحد أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته ويقال: نسخت ما وصفت من المزمل بقول الله عز وجل {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] ودلوكها زوالها {إلى غسق الليل} [الإسراء: 78] العتمة {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] الصبح {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيما ذكر من ليل، أو نهار ويقال في قول الله عز وجل {فسبحان الله حين تمسون} [الروم: 17] المغرب والعشاء {وحين تصبحون} [الروم: 17] الصبح {وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا} [الروم: 18] العصر {وحين تظهرون} [الروم: 18] الظهر وما أشبه ما قيل: من هذا بما قيل: والله تعالى أعلم
(قال) :
وبيان ما وصفت في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع»
(قال الشافعي) :
ففرائض الصلوات خمس وما سواها تطوع فأوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البعير ولم يصل مكتوبة علمناه على بعير وللتطوع وجهان صلاة جماعة وصلاة منفردة وصلاة الجماعة مؤكدة ولا أجيز تركها لمن قدر عليها بحال وهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء، فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه وأوكد صلاة المنفرد وبعضه، أوكد من بعض الوتر وهو يشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ولا أرخص لمسلم في ترك واحد منهما وإن لم أوجبهما عليه ومن ترك صلاة واحدة منهما كان أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل في الليل والنهار.عدد الصلوات الخمس
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أحكم الله تعالى فرض الصلاة في كتابه فبين على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - عددها وما على المرء أن يأتي به ويكف عنه فيها وكان نقل عدد كل واحدة منها مما نقله العامة عن العامة ولم يحتج فيه إلى خبر الخاصة وإن كانت الخاصة قد نقلتها لا تختلف هي من وجوه هي مبينة في أبوابها فنقلوا الظهر أربعا لا يجهر فيها بشيء من القراءة والعصر أربعا لا يجهر فيها بشيء من القراءة والمغرب ثلاثا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في الثالثة والعشاء أربعا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في اثنتين والصبح ركعتين يجهر فيهما معا بالقراءة
(قال) :
ونقل الخاصة ما ذكرت من عدد الصلوات وغيره مفرقا في مواضعه.
[فيمن تجب عليه الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق الآية {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} [النور: 59] وقال عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح وفرض الله عز وجل الجهاد فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به على من استكمل خمس عشرة سنة بأن «أجاز ابن عمر عام الخندق ابن خمس عشرة سنة ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة» فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما، أوجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة وجبت عليهما الصلاة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأؤدبهما على تركها أدبا خفيفا ومن غلب على عقله بعارض مرض أي مرض كان ارتفع عنه الفرض في قول الله عز وجل {واتقون يا أولي الألباب} [البقرة: 197] وقوله {إنما يتذكر أولو الألباب} [الرعد: 19] وإن كان معقولا لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما.
[صلاة السكران والمغلوب على عقله]
قال الله تعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يقال: نزلت قبل تحريم الخمر وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر، أو بعده فمن صلى سكران لم تجز صلاته لنهي الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل وإمساك في مواضع مختلفة ولا يؤدي هذا إلا من أمر به ممن عقله وعليه إذا صلى سكران أن يعيد إذا صحا ولو صلى شارب محرم غير سكران كان عاصيا في شربه المحرم ولم يكن عليه إعادة صلاة؛ لأنه ممن يعقل ما يقول والسكران الذي لا يعقل ما يقول، وأحب إلي لو أعاد وأقل السكر أن يكون يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب ومن غلب على عقله بوسن ثقيل فصلى وهو لا يعقل أعاد الصلاة إذا عقل وذهب عنه الوسن ومن شرب شيئا ليذهب عقله كان عاصيا بالشرب ولم تجز عنه صلاته وعليه وعلى السكران إذا أفاقا قضاء كل صلاة صلياها وعقولهما ذاهبة وسواء شربا نبيذا لا يريانه يسكر، أو نبيذا يريانه يسكر فيما وصفت من الصلاة وإن افتتحا الصلاة يعقلان فلم يسلما من الصلاة حتى يغلبا على عقولهما أعادا الصلاة؛ لأن ما أفسد أولها أفسد آخرها وكذلك إن كبرا ذاهبي العقل ثم أفاقا قبل أن يفترقا فصليا جميع الصلاة إلا التكبير مفيقين كانت عليهما الإعادة؛ لأنهما دخلا الصلاة وهما لا يعقلان وأقل ذهاب العقل الذي يوجب إعادة الصلاة أن يكون مختلطا يعزب عقله في شيء وإن قل ويثوب.الغلبة على العقل في غير المعصيةأخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا غلب الرجل على عقله بعارض جن أو عته، أو مرض ما كان المرض ارتفع عنه فرض الصلاة ما كان المرض بذهاب العقل عليه قائما؛ لأنه منهي عن الصلاة حتى يعقل ما يقول وهو ممن لا يعقل ومغلوب بأمر لا ذنب له فيه بل يؤجر عليه ويكفر عنه به إن شاء الله تعالى إلا أن يفيق في وقت فيصلي صلاة الوقت وهكذا إن شرب دواء فيه بعض السموم وإلا غلب منه أن السلامة تكون منه لم يكن عاصيا بشربه؛ لأنه لم يشربه على ضر نفسه ولا إذهاب عقله وإن ذهب ولو احتاط فصلى كان أحب إلي؛ لأنه قد شرب شيئا فيه سم ولو كان مباحا ولو أكل أو شرب حلالا فخبل عقله أو وثب وثبة فانقلب دماغه، أو تدلى على شيء فانقلب دماغه فخبل عقله إذا لم يرد بشيء مما صنع ذهاب عقله لم يكن عليه إعادة صلاة صلاها لا يعقل، أو تركها بذهاب العقل فإن وثب في غير منفعة، أو تنكس ليذهب عقله فذهب كان عاصيا وكان عليه إذا ثاب عقله إعادة كل ما صلى ذاهب العقل، أو ترك من الصلاة وإذا جعلته عاصيا بما عمد من إذهاب عقله، أو إتلاف نفسه جعلت عليه إعادة ما صلى ذاهب العقل، أو ترك من الصلوات وإذا لم أجعله عاصيا بما صنع لم تكن عليه إعادة إلا أن يفيق في وقت بحال وإذا أفاق المغمى عليه وقد بقي عليه من النهار قدر ما يكبر فيه تكبيرة واحدة أعاد الظهر والعصر ولم يعد ما قبلهما لا صبحا ولا مغربا ولا عشاء وإذا أفاق وقد بقي عليه من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء وإذا أفاق الرجل قبل أن تطلع الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح وإذا طلعت الشمس لم يقضها وإنما قلت هذا؛ لأن هذا وقت في حال عذر، جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر في السفر في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء فلما جعل الأولى منهما وقتا للآخرة في حال والآخرة وقتا للأولى في حال كان وقت إحداهما وقتا للأخرى في حال وكان ذهاب العقل عذرا وبالإفاقة عليه أن يصلي العصر وأمرته أن يقضي؛ لأنه قد أفاق في وقت بحال وكذلك آمر الحائض والرجل يسلم كما آمر المغمى عليه من أمرته بالقضاء فلا يجزيه إلا أن يقضي أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل في المسير جمع بين المغرب والعشاء» .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (12)
صــــــــــ 89 الى صـــــــــــ96
[صلاة المرتد]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
: إذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم أسلم كان عليه قضاء كل صلاة تركها في ردته وكل زكاة وجبت عليه فيها فإن غلب على عقله في ردته لمرض، أو غيره قضى الصلاة في أيام غلبته على عقله كما يقضيها في أيام عقله فإن قيل: فلم لم تجعله قياسا على المشرك يسلم فلا تأمره بإعادة الصلاة قيل: فرق الله عز وجل بينهما فقال {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] وأسلم رجال فلم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضاء صلاة ومن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المشركين وحرم الله دماء أهل الكتاب ومنع أموالهم بإعطاء الجزية ولم يكن المرتد في هذه المعاني بل أحبط الله تعالى عمله بالردة وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عليه القتل إن لم يتب بما تقدم له من حكم الإيمان وكان مال الكافر غير المعاهد مغنوما بحال ومال المرتد موقوفا ليغنم إن مات على الردة، أو يكون على ملكه إن تاب ومال المعاهد له عاش، أو مات فلم يجز إلا أن يقضي الصلاة والصوم والزكاة وكل ما كان يلزم مسلما؛ لأنه كان عليه أن يفعل فلم تكن معصيته بالردة تخفف عنه فرضا كان عليه فإن قيل: فكيف يقضي وهو لو صلى في تلك الحال لم يقبل عمله؟ قيل؛ لأنه لو صلى في تلك الحال صلى على غير ما أمر به فكانت عليه الإعادة إذا أسلم ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت وهو مسلم أعاد والمرتد صلى قبل الوقت الذي تكون الصلاة مكتوبة له فيه؛ لأن الله عز وجل قد أحبط عمله بالردة وإن قيل: ما أحبط من عمله قيل: أجر عمله لا أن عليه أن يعيد فرضا أداه من صلاة ولا صوم ولا غيره قبل أن يرتد؛ لأنه أداه مسلما فإن قيل: وما يشبه هذا؟ قيل: ألا ترى أنه لو أدى زكاة كانت عليه، أو نذر نذرا لم يكن عليه إذا أحبط أجره فيها أن يبطل فيكون كما لم يكن، أو لا ترى أنه لو أخذ منه حدا، أو قصاصا، ثم ارتد، ثم أسلم لم يعد عليه وكان هذا فرضا عليه ولو حبط بهذا المعنى فرض منه حبط كله.
[جماع مواقيت الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أحكم الله عز وجل كتابه أن فرض الصلاة موقوت والموقوت - والله أعلم - الوقت الذي يصلي فيه وعددها فقال عز وجل " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها ونحن ذاكرون الوقت. أخبرنا سفيان عن الزهري قال أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة فقال له عروة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «نزل جبريل فأمني فصليت معه ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه حتى عد الصلوات الخمس» فقال عمر بن عبد العزيز اتق الله يا عروة وانظر ما تقول فقال عروة أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أمني جبريل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفيء مثل الشراك، ثم
صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله وصلى المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى المرة الآخرة الظهر حين كان كل شيء قدر ظله قدر العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب القدر الأول لم يؤخرها، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين»
(قال الشافعي) :
وبهذا نأخذ وهذه المواقيت في الحضر فاحتمل ما وصفته من المواقيت أن يكون للحاضر والمسافر في العذر وغيره واحتمل أن يكون لمن كان في المعنى الذي صلى فيه جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الحضر وفي غير عذر فجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة غير خائف فذهبنا إلى أن ذلك في مطر وجمع مسافرا فدل ذلك على أن تفريق الصلوات كل صلاة في وقتها إنما هو على الحاضر في غير مطر فلا يجزئ حاضرا في غير مطر أن يصلي صلاة إلا في وقتها ولا يضم إليها غيرها إلا أن ينسى فيذكر في وقت إحداهما، أو ينام فيصليها حينئذ قضاء ولا يخرج أحد كان له الجمع بين الصلاتين من آخر وقت الآخرة منهما ولا يقدم وقت الأولى منهما، والوقت حد لا يجاوز ولا يقدم ولا تؤخر صلاة العشاء عن الثلث الأول في مصر ولا غيره، حضر ولا سفر.
[وقت الظهر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأول وقت الظهر إذا استيقن الرجل بزوال الشمس عن وسط الفلك، وظل الشمس في الصيف يتقلص حتى لا يكون لشيء قائم معتدل نصف النهار ظل بحال وإذا كان ذلك فسقط للقائم ظل، ما كان الظل فقد زالت الشمس وآخر وقتها في هذا الحين إذا صار ظل كل شيء مثله فإذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان فقد خرج وقتها ودخل وقت العصر لا فصل بينهما إلا ما وصفت والظل في الشتاء والربيع والخريف مخالف له فيما وصفت من الصيف وإنما يعلم الزوال في هذه الأوقات بأن ينظر إلى الظل ويتفقد نقصانه فإنه إذا تناهى نقصانه زاد فإذا زاد بعد تناهي نقصانه فذلك الزوال وهو أول وقت الظهر، ثم آخر وقتها إذا علم أن قد بلغ الظل مع خلافه ظل الصيف قدر ما يكون ظل كل شيء مثله في الصيف وذلك أن تعلم ما بين زوال الشمس وأول وقت الظهر أقل مما بين أول وقت العصر والليل فإن برز له منها ما يدله وإلا توخى حتى يرى أنه صلاها بعد الوقت واحتاط
(قال الشافعي) :
فإن كان الغيم مطبقا راعى الشمس واحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف دخول وقت العصر فإذا توخى فصلى على الأغلب عنده فصلاته مجزئة عنه وذلك أن مدة وقتها متطاول حتى يكاد يحيط إذا احتاط بأن قد زالت وليست كالقبلة التي لا مدة لها إنما عليها دليل لا مدة وعلى هذا الوقت دليل من مدة وموضع وظل فإذا كان هكذا فلا إعادة عليه حتى يعلم أن قد صلى قبل الزوال فإذا علم ذلك أعاد وهكذا إن توخى بلا غيم (قال) : وعلمه بنفسه، وإخبار غيره ممن يصدقه أنه صلى قبل الزوال إذا لم ير هو أو هم يلزمه أن يعيد الصلاة فإن كذب من أعلمه أنه صلى قبل الزوال لم يكن عليه إعادة والاحتياط له أن يعيدوإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدق خبره في الوقت والاقتداء بالمؤذنين فيه وإن كان محبوسا في موضع مظلم، أو كان أعمى ليس قربه أحد توخى وأجزأت صلاته حتى يستيقن أنه صلى قبل الوقت والوقت يخالف القبلة؛ لأن في الوقت مدة فجعل مرورها كالدليل وليس ذلك في القبلة فإن علم أنه صلى بعد الوقت أجزأه وكان أقل أمره أن يكون قضاء
(قال الشافعي) :
وإذا كان كما وصفت محبوسا في ظلمة، أو أعمى ليس قربه أحد لم يسعه أن يصليها بلا تأخ على الأغلب عنده من مرور الوقت من نهار وليل وإن وجد غيره تأخى به وإن صلى على غير تأخ أعاد كل صلاة صلاها على غير تأخ ولا يفوت الظهر حتى يجاوز ظل كل شيء مثله فإذا جاوزه فهو فائت وذلك أن من أخرها إلى هذا الوقت جمع أمرين، تأخيرها عن الوقت المقصود، وحلول وقت غيرها.تعجيل الظهر وتأخيرها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وتعجيل الحاضر الظهر إماما ومنفردا في كل وقت إلا في شدة الحر فإذا اشتد الحر أخر إمام الجماعة الذي ينتاب من البعد الظهر حتى يبرد بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم. وقد اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من حرها وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها» أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم»
(قال الشافعي) :
ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليهما جميعا معا ولكن الإبراد ما يعلم أنه يصليها متمهلا وينصرف منها قبل آخر وقتها ليكون بين انصرافه منها وبين آخر وقتها فصل فأما من صلاها في بيته، أو في جماعة بفناء بيته لا يحضرها إلا من بحضرته فليصلها في أول وقتها؛ لأنه لا أذى عليهم في حرها
(قال الشافعي) :
ولا تؤخر في الشتاء بحال وكلما قدمت كان ألين على من صلاها في الشتاء ولا يؤخرها إمام جماعة ينتاب إلا ببلاد لها حر مؤذ كالحجاز، فإذا كانت بلاد لا أذى لحرها لم يؤخرها؛ لأنه لا شدة لحرها يرفق على أحد بتنحية الأذى عنه في شهودها.
[وقت العصر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ووقت العصر في الصيف إذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان وذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر وبلغني عن بعض أصحاب ابن عباس أنه قال معنى ما وصفت وأحسبه ذكره عن ابن عباس وأن ابن عباس أراد به صلاة العصر في آخر وقت الظهر على هذا المعنى أنه صلاها حين كان ظل كل شيء مثله يعني حين تم ظل كل شيء مثله ثم جاوز ذلك بأقل ما يجاوزه وحديث ابن عباس محتمل له وهو قول عامة من حفظت عنه وإذا كان الزمان الذي لا يكون الظل فيه هكذا قدر الظل ما كان ينقص فإذا زاد بعد نقصانه فذلك زواله، ثم قدر ما لو كان الصيف بلغ الظل أن يكون مثل القائم فإذا جاوز ذلك قليلا فقد دخل أول وقت العصر ويصلي العصر في كل بلد وكل زمان وإمام جماعة ينتاب من بعد وغير بعد ومنفرد في - أول وقتها لا أحب أن يؤخرها عنهوإذا كان الغيم مطلقا، أو كان محبوسا في ظلمة، أو أعمى ببلد لا أحد معه فيها صنع ما وصفت يصنعه في الظهر لا يختلف في شيء ومن أخر العصر حتى تجاوز ظل كل شيء مثليه في الصيف وقدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز عليه أن يقال: قد فاته وقت العصر مطلقا كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله مطلقا؛ لما وصفت من أنه تحل له صلاة العصر في ذلك الوقت وهذا لا يحل له صلاة الظهر في هذا الوقت وإنما قلت لا يتبين عليه ما وصفت من أن مالكا أخبرنا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بشر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»
(قال الشافعي) :
فمن لم يدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد فاتته العصر والركعة ركعة بسجدتين وإنما أحببت تقديم العصر؛ لأن محمد بن إسماعيل أخبرنا عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس صاحية، ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة» أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن نوفل بن معاوية الديلي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله.»
[وقت المغرب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
لا وقت للمغرب إلا واحد وذلك حين تجب الشمس وذلك بين في حديث إمامة جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي غيره، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي نعيم عن جابر قال: «كنا نصلي المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نخرج نتناضل حتى نبلغ بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الإسفار» أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن القعقاع بن حكيم قال دخلنا على جابر بن عبد الله «فقال جابر كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ننصرف فتأتي بني سلمة فنبصر مواقع النبل» أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن زيد بن خالد الجهني قال: «كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم ننصرف فنأتي السوق ولو رمي بنبل لرئي مواقعها»
(قال الشافعي) :
وقد قيل: لا تفوت حتى يدخل أول وقت صلاة العشاء قيل: يصلي منها ركعة كما قيل: في العصر ولكن لا يجوز؛ لأن الصبح تفوت بأن تطلع الشمس قيل يصلي منها ركعة فإن قيل فتقيسها على الصبح قيل: لا أقيس شيئا من المواقيت على غيره وهي على الأصل والأصل حديث إمامة جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما جاء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة دلالة، أو قاله عامة العلماء لم يختلفوا فيه
(قال الشافعي) :
ولو قيل: تفوت المغرب إذا لم تصل في وقتها كان - والله تعالى أعلم - أشبه بما قال ويتأخاها المصلي في الغيم والمحبوس في الظلمة والأعمى كما وصفت في الظهر ويؤخرها حتى يرى أن قد دخل وقتها، أو جاوز دخوله.
[وقت العشاء]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هي العشاء إلا أنهم يعتمون بالإبل»
(قال الشافعي) :
فأحب أن لا تسمى إلا العشاء كما سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول وقتها حين يغيب الشفق والشفق الحمرة التي في المغرب فإذا ذهبت الحمرة فلم ير منها شيء حل وقتها ومن افتتحها وقد بقي عليه من الحمرة شيء أعادها وإنما قلت: الوقت في الدخول في الصلاة فلا يكون لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد دخول وقتها وإن لم يعمل فيها شيء إلا بعد الوقت ولا التكبير؛ لأن التكبير هو مدخله فيها فإذا أدخله التكبير فيها قبل الوقت أعادها وأخر وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل الأول فلا أراها إلا فائتة؛ لأنه آخر وقتها ولم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها شيء يدل على أنها لا تفوت إلا بعد ذلك الوقت
(قال) :
المواقيت كلها كما وصفت لا تقاس ويصنع المتأخي لها في الغيم وفي الحبس المظلم والأعمى ليس معه أحد كما وصفته يصنعه في الظهر والتأخي في الليل أخف من التأخي لصلاة النهار لطول المدة وشدة الظلمة وبيان الليل.
[وقت الفجر]
قال الله تبارك وتعالى {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] وقال - صلى الله عليه وسلم - «من أدرك ركعة من الصبح» والصبح الفجر فلها اسمان الصبح والفجر لا أحب أن تسمى إلا بأحدهما وإذا بان الفجر الأخير معترضا حلت صلاة الصبح ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضا أعاد ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضا حتى يخرج منها مغلسا
(قال الشافعي)
وأخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: «إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس» ولا تفوت حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة والركعة ركعة بسجودها فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح»
[اختلاف وقت الصلاة]
اختلاف الوقت
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فلما أم جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحضر لا في مطر وقال ما بين هذين وقت لم يكن لأحد أن يعمد أن يصلي الصلاة في حضر ولا في مطر إلا في هذا الوقت ولا صلاة إلا منفردة كما صلى جبريل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مقيما في عمره ولما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة آمنا مقيما لم يحتمل إلا أن يكون مخالفا لهذا الحديث، أو يكون الحال التي جمع فيها حالا غير الحال التي فرق فيها فلم يجز أن يقال: جمعه في الحضر مخالف لإفراده في الحضر من: وجهين - أنه يوجد لكل واحد منهما وجه وأن الذي رواه منهما معا واحد وهو ابن عباس فعلمنا أن لجمعه في الحضر علة فرقت بينه وبين إفراده فلم يكن إلا المطر - والله تعالى أعلم - إذا لم يكن خوف ووجدنا في المطر علة المشقة كما كان في الجمع في السفر علة المشقة العامة فقلنا إذا كانت العلة من مطر في حضر جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
(قال) :
ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه فإن صلى إحداهما، ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر، ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر، ثم انقطع المطر مضى على صلاته؛ لأنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامها.
(قال) :
ويجمع من قليل المطر وكثيره ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى مسجد يجمع فيه، قرب المسجد، أو كثر أهله، أو قلوا، أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد وإن صلى رجل الظهر في غير مطر ثم مطر الناس لم يكن له أن يصلي العصر؛ لأنه صلى الظهر وليس له جمع العصر إليها وكذلك لو افتتح الظهر ولم يمطر، ثم مطر بعد ذلك لم يكن له جمع العصر إليها ولا يكون له الجمع إلا بأن يدخل في الأولى ينوي الجمع وهو له فإذا دخل فيها وهو يمطر ودخل في الآخرة وهو يمطر فإن سكنت السماء فيما بين ذلك كان له الجمع؛ لأن الوقت في كل واحدة منهما الدخول فيها والمغرب والعشاء في هذا وقت كالظهر والعصر لا يختلفان وسواء كل بلد في هذا؛ لأن بل المطر في كل موضع أذى.وإذا جمع بين صلاتين في مطر جمعهما في وقت الأولى منهما لا يؤخر ذلك ولا يجمع في حضر في غير المطر من قبل أن الأصل أن يصلي الصلوات منفردات والجمع في المطر رخصة لعذر وإن كان عذر غيره لم يجمع فيه؛ لأن العذر في غيره خاص وذلك المرض والخوف وما أشبهه وقد كانت أمراض وخوف فلم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع، والعذر بالمطر عام ويجمع في السفر بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدلالة على المواقيت عامة لا رخصة في ترك شيء منها ولا الجمع إلا حيث رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ولا رأينا من جمعه الذي رأيناه في المطر والله تعالى أعلم.
[وقت الصلاة في السفر]
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه «عن جابر بن عبد الله وهو يذكر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فراح النبي - صلى الله عليه وسلم - من منزله» وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا» أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر بن واثلة «أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا» .
(قال الشافعي) :
وهذا وهو نازل غير سائر؛ لأن قوله دخل، ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا وسائرا أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب الأسدي قال «خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى فغربت الشمس فهبنا أن نقول له: انزل فصل فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاثا ثم سلم، ثم صلى ركعتين ثم سلم، ثم التفت إلينا فقال هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل»
(قال الشافعي) :
فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إن شاء في وقت الأولى منهما وإن شاء في وقت الآخرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر وجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء فلما حكى ابن عباس ومعاذ الجمع بينهما جد به السير، أو لم يجد سائرا ونازلا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما بعرفة غير سائر إلا إلى الموقف إلى جنب المسجد وبالمزدلفة نازلا ثانيا وحكى عنه معاذ أنه جمع ورأيت حكايته على أن جمعه وهو نازل في سفر غير سائر فيه فمن كان له أن يقصر فله أن يجمع لما وصفت من دلالة السنة وليس له أن يجمع الصبح إلى صلاة ولا يجمع إليها صلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمعها ولم يجمع إليها غيرها.وليس للمسافر أن يجمع بين صلاتين قبل وقت الأولى منهما فإن فعل أعاد كما يعيد المقيم إذا صلى قبل الوقت وله أن يجمعهما بعد الوقت؛ لأنه حينئذ يقضي ولو افتتح المسافر الصلاة قبل الزوال، ثم لم يقرأ حتى تزول الشمس، ثم مضى في صلاته فصلى الظهر والعصر معا كانت عليه إعادتهما معا أما الظهر فيعيدها؛ لأن الوقت لم يدخل حين الدخول في الصلاة فدخل فيها قبل وقتها وأما العصر فإنما كان له أن يصليها قبل وقتها إذا أجمع بينها وبين الظهر وهي مجزئة عنه ولو افتتح الظهر وهو يرى أن الشمس لم تزل، ثم استيقن أن دخوله فيها كان بعد الزوال صلاها والعصر أعاد؛ لأنه حين افتتحها افتتحها ولم تحل عنده فليست مجزئة عنه وكان في معنى من صلاها لا ينويها وفي أكثر من حاله، ولو أراد الجمع فبدأ بالعصر، ثم الظهر أجزأت عنه الظهر ولا تجزئ عنه العصر لا تجزئ عنه مقدمة عن وقتها حتى تجزئ عنه الظهر التي قبلها ولو افتتح الظهر على غير وضوء، ثم توضأ للعصر فصلاها أعاد الظهر والعصر لا تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها حتى تجزئ عنه الظهر قبلها وهكذا لو أفسد الظهر بأي فساد ما كان لم تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها ولو كان هذا كله في وقت العصر حتى لا يكون العصر إلا بعد وقتها أجزأت عنه العصر وكانت عليه إعادة الظهر ولو افتتح الظهر وهو يشك في وقتها فاستيقن أنه لم يدخل فيها إلا بعد دخول وقتها لم تجزئ عنه صلاته وكذلك لو ظن أن صلاته فاتته استفتح صلاة على أنها إن كانت فائتة فهي التي افتتح، ثم علم أن عليه صلاة فائتة لم تجزه.ولا يجزئ شيء من هذا حتى يدخل فيه على نية الصلاة وعلى نية أن الوقت دخل فإنا إذا دخل على الشك فليست النية بتامة ولو كان مسافرا فأراد الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر فسها، أو عمد فبدا بالعصر لم يجزه ولا يجزه العصر قبل وقتها إلا أن يصلي الظهر قبلها فتجزئ عنه وكذلك لو صلى الظهر في وقتها فأفسدها فسها عن إفساده إياها، ثم صلى العصر بعدها في وقت الظهر أعاد الظهر، ثم العصر.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (13)
صــــــــــ 97 الى صـــــــــــ104
الرجل يصلي وقد فاتته قبلها صلاة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي: من فاتته الصلاة فذكرها وقد دخل في صلاة غيرها مضى على صلاته التي هو فيها ولم تفسد عليه إماما كان أو مأموما فإذا فرغ من صلاته صلى الصلاة الفائتة وكذلك لو ذكرها ولم يدخل في صلاة فدخل فيها وهو ذاكر للفائتة أجزأته الصلاة التي دخل فيها وصلى الصلاة المكتوبة الفائتة له وكان الاختيار له إن شاء أتى بالصلاة الفائتة له قبل الصلاة التي ذكرها قبل الدخول فيها إلا أن يخاف فوت التي هو في وقتها فيصليها، ثم يصلي التي فاتته أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري.
(قال الشافعي) :
وسواء كانت الصلوات الفائتات صلاة يوم، أو صلاة سنة وقد أثبت هذا في غير هذا الموضع وإنما قلته «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام عن الصبح فارتحل عن موضعه» فأخر الصلاة الفائتة وصلاتها ممكنة له فلم يجز أن يكون قوله «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها» على معنى أن وقت ذكره إياها وقتها لا وقت لها غيره؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يؤخر الصلاة عن وقتها فلما لم يكن هذا معنى قوله لم يكن له معنى إلا أن يصليها إذا ذكرها فإنها غير موضوعة الفرض عنه بالنسيان إذا كان الذكر الذي هو خلاف النسيان وأن يصليها أي ساعة كانت منهيا عن الصلاة فيها، أو غير منهي
(قال الربيع)
قال الشافعي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فليصلها إذا ذكرها» يحتمل أن يكون وقتها حين يذكرها ويحتمل أن يكون يصليها إذا ذكرها لا أن ذهاب وقتها يذهب بفرضها قلما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوادي صلاة الصبح فلم يصلها حتى قطع الوادي علمنا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فليصلها إذا ذكرها» أي وإن ذهب وقتها ولم يذهب فرضها فإن قيل: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما خرج من الوادي فإنه واد فيه شيطان فقيل: لو كانت الصلاة لا تصلح في واد فيه شيطان فقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخنق الشيطان فخنقه أكثر من صلاة في واد فيه شيطان
(قال الشافعي) :
فلو أن مسافرا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فبدأ بالظهر فأفسدها، ثم صلى العصر أجزأه العصر وإنما أجزأته؛ لأنها صليت في وقتها على الانفراد الذي لو صليت فيه وحدها أجزأت ثم يصلي الظهر بعدها.(قال الشافعي) : ولو بدأ فصلى العصر، ثم صلى الظهر أجزأت عنه العصر؛ لأنه صلاها في وقتها على الانفراد وكان عليه أن يصلي الظهر وأكره هذا له وإن كان مجزئا عنه
(قال الشافعي) :
وإذا كان الغيم مطبقا في السفر فهو كإطباقه في الحضر يتأخى فإن فعل فجمع بين الظهر والعصر، ثم تكشف الغيم فعلم أنه قد كان افتتح الظهر قبل الزوال أعاد الظهر والعصر معا؛ لأنه صلى كل واحدة منهما غير مجزئة الظهر قبل وقتها والعصر في الوقت الذي لا نجزئ عنه فيه إلا أن تكون الظهر قبلها مجزئة
(قال الشافعي)
ولو كان تأخى فصلاهما فكشف الغيم فعلم أنه صلاها في وقت العصر أجزأتا عنه؛ لأنه كان له أن يصليهما عامدا في ذلك الوقت
(قال الشافعي) :
ولو تكشف الغيم فعلم أنه صلاهما بعد مغيب الشمس أجزأتا عنه؛ لأن أقل أمرهما أن يكونا قضاء مما عليه
(قال الشافعي) :
ولو كان تأخى فعلم أنه صلى إحداهما قبل مغيب الشمس والأخرى بعد مغيبها أجزأتا عنه وكانت إحداهما مصلاة في وقتها وأقل أمر الأخرى أن تكون قضاء
(قال الشافعي) :
وهكذا القول في المغرب والعشاء يجمع بينهما
(قال الشافعي) :
ولو كان مسافرا فلم يكن له في يوم سفره نية في أن يجمع بين الظهر والعصر وأخر الظهر ذاكرا لا يريد بها الجمع حتى يدخل وقت العصر كان عاصيا بتأخيرها لا يريد الجمع بها؛ لأن تأخيرها إنما كان له على إرادة الجمع فيكون ذلك وقتا لها فإذا لم يرد به الجمع كان تأخيرها وصلاتها تمكنه معصية وصلاتها قضاء والعصر في وقتها وأجزأتا عنه وأخاف المأثم عليه في تأخير الظهر.
(قال الشافعي) :
ولو صلى الظهر ولا ينوي أن يجمع بينها وبين العصر فلما أكمل الظهر، أو كان وقتها كانت له نية في أن يجمع بينهما كان ذلك له؛ لأنه إذا كان له أن ينوي ذلك على الابتداء كان له أن يحدث فيه نية في الوقت الذي يجوز له فيه الجمع ولو انصرف من الظهر وانصرافه أن يسلم ولم ينو قبلها ولا مع انصرافه الجمع ثم أراد الجمع لم يكن له؛ لأنه لا يقال له إذا انصرف جامع وإنما يقال هو مصل صلاة انفراد فلا يكون له أن يصلي صلاة قبل وقتها إلا صلاة جمع لا صلاة انفراد
(قال الشافعي) :
ولو كان أخر الظهر بلا نية جمع وانصرف منها في وقت العصر كان له أن يصلي العصر؛ لأنها وإن صليت صلاة انفراد فإنما صليت في وقتها لا في وقت غيرها وكذلك لو أخر الظهر عامدا لا يريد بها الجمع إلى وقت العصر فهو آثم في تأخيرها عامدا ولا يريد بها الجمع
(قال الشافعي) :
وإذا صليت الظهر والعصر في وقت الظهر ووالى بينهما قبل أن يفارق مقامه الذي صلى فيه وقبل أن يقطع بينهما بصلاة فإن فارق مقامه الذي صلى فيه، أو قطع بينهما بصلاة لم يكن له الجمع بينهما؛ لأنه لا يقال أبدا: جامع إلا أن يكونا متواليين لا عمل بينهما ولو كان الإمام والمأموم تكلما كلاما كثيرا كان له أن يجمع.وإن طال ذلك به لم يكن له الجمع وإذا جمع بينهما في وقت الآخرة كان له أن يصلي في وقت الأولى وينصرف ويصنع ما بدا له؛ لأنه حينئذ يصلي الآخرة في وقتها وقد روي في بعض الحديث أن بعض من صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بجمع صلى معه المغرب، ثم أناخ بعضهم أباعرهم في منازلهم، ثم صلوا العشاء فيما يرى حيث صلوا وإنما صلوا العشاء في وقتها
(قال الشافعي)
فالقول في الجمع بين المغرب والعشاء كالقول في الجمع بين الظهر والعصر لا يختلفان في شيء
(قال الشافعي) :
ولو نوى أن يجمع بين الظهر والعصر فصلى الظهر، ثم أغمي عليه ثم أفاق قبل خروج وقت الظهر لم يكن له أن يصلي العصر حتى يدخل وقتها؛ لأنه حينئذ غير جامع بينهما وكذلك لو نام، أو سها، أو شغل، أو قطع ذلك بأمر يتطاول
(قال الشافعي) :
وجماع هذا أن ينظر إلى الحال التي لو سها فيها في الصلاة فانصرف قبل إكمالها هل يبني لتقارب انصرافه فله إذا صنع مثل ذلك أن يجمع وإذا سها فانصرف فتطاول ذلك لم يكن له أن يبني وكان عليه أن يستأنف فكذلك ليس له أن يجمع في وقت ذلك إن كان في مسجد أن لا يخرج منه يطيل المقام قبل توجهه إلى الصلاة وإن كان في موضع مصلاه لا يزايله ولا يطيل قبل أن يعود إلى الصلاة.
[باب صلاة العذر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يكون لأحد أن يجمع بين صلاتين في وقت الأولى منهما إلا في مطر ولا يقصر صلاة بحال خوف ولا عذر غيره إلا أن يكون مسافرا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالخندق محاربا فلم يبلغنا أنه قصر
(قال الشافعي) :
وكذلك لا يكون له أن يصلي قاعدا إلا من مرض لا يقدر معه على القيام وهو يقدر على القيام إلا في حال الخوف التي ذكرت ولا يكون له بعذر غيره أن يصلي قاعدا إلا من مرض لا يقدر على القيام
(قال الشافعي) :
وذلك أن الفرض في المكتوبة استقبال القبلة والصلاة قائما فلا يجوز غير هذا إلا في المواضع التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها ولا يكون شيء قياسا عليه وتكون الأشياء كلها مردودة إلى أصولها والرخص لا يتعدى بها مواضعها.
[باب صلاة المريض]
قال الله عز وجل {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] فقيل: والله سبحانه وتعالى أعلم قانتين مطيعين وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قائما
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى
- وإذا خوطب بالفرائض من أطاقها فإذا كان المرء مطيقا للقيام في الصلاة لم يجزه إلا هو إلا عندما ذكرت من الخوف
(قال الشافعي) :
وإذا لم يطق القيام صلى قاعدا وركع وسجد إذا أطاق الركوع والسجود أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خفة فجاء فقعد إلى جنب أبي بكر فأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وهو قاعد وأم أبو بكر الناس وهو قائم» أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد يقول حدثني ابن أبي مليكة أن عبيد بن عمير الليثي حدثه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس الصبح وأن أبا بكر كبر فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الخفة فقام يفرج الصفوف قال وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم ذلك المقام المقدم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخنس وراءه إلى الصف فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه وأبو بكر قائم حتى إذا فرغ أبو بكر قال أي رسول الله أراك أصبحت صالحا وهذا يوم بنت خارجة فرجع أبو بكر إلى أهله فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه وجلس إلى جنب الحجر يحذر الناس الفتن وقال إني والله لا يمسك الناس علي شيئا إني والله لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله وصفية عمة رسول الله اعملا لما عند الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا»
(قال الشافعي) :
ويصلي الإمام قاعدا ومن خلفه قياما إذا أطاقوا القيام ولا يجزي من أطاق القيام أن يصلي إلا قائما وكذلك إذا أطاق الإمام القيام صلى قائما ومن لم يطق القيام ممن خلفه صلى قاعدا
(قال الشافعي) :
وهكذا كل حال قدر المصلي فيها على تأدية فرض الصلاة كما فرض الله تعالى عليه صلاها وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيقفإن لم يطق المصلي القعود وأطاق أن يصلي مضطجعا صلى مضطجعا وإن لم يطق الركوع والسجود صلى مومئا وجعل السجود أخفض من إيماء الركوع
(قال الشافعي) :
فإذا كان بظهره مرض لا يمنعه القيام ويمنعه الركوع لم يجزه إلا أن يقوم وأجزأه أن ينحني كما يقدر في الركوع فإن لم يقدر على ذلك بظهره حتى رقبته فإن لم يقدر على ذلك إلا بأن يعتمد على شيء اعتمد عليه مستويا، أو في شق، ثم ركع ثم رفع، ثم سجد وإن لم يقدر على السجود جلس أومأ إيماءوإن قدر على السجود على صدغه ولم يقدر عليه على جبهته طأطأ رأسه ولو في شق، ثم سجد على صدغه وكان أقرب ما يقدر عليه من السجود مستويا، أو على أي شقيه كان لا يجزيه أن يطيق أن يقارب السجود بحال إلا قاربه
(قال الشافعي) :
ولا يرفع إلى جبهته شيئا ليسجد عليه؛ لأنه لا يقال له ساجد حتى يسجد بما يلصق بالأرض فإن وضع وسادة على الأرض فسجد عليها أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن يونس عن الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسجد على وسادة من أدم من رمد بها
(قال الشافعي) :
ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم لاصقة بالأرض كرهته له ولم أر عليه أن يعيد كما لو سجد على ربوة من الأرض أرفع من الموضع الذي يقوم عليه لم يعد
(قال الشافعي) :
وإن قدر المصلي على الركوع ولم يقدر على القيام كان في قيامه راكعا وإذا ركع خفض عن قدر قيامه ثم يسجد وإن لم يقدر على أن يصلي إلا مستلقيا صلى مستلقيا يومئ إيماء
(قال الشافعي) :
وكل حال أمرته فيها أن يصلي كما يطيق فإذا أصابها ببعض المشقة المحتملة لم يكن له أن يصلي إلا كما فرض الله عليه إذا أطاق القيام ببعض المشقة قام فأتى ببعض ما عليه في القيام من قراءة أم القرآن وأحب أن يزيد معها شيئا وإنما آمره بالقعود إذا كانت المشقة عليه غير محتملة، أو كان لا يقدر على القيام بحال وهكذا هذا في الركوع والسجود لا يختلف ولو أطاق أن يأتي بأم القرآن وقل هو الله أحد وأم القرآن في الركعة الأخرى وإنا أعطيناك الكوثر منفردا قائما ولم يقدر على صلاة الإمام لا يقرأ بأطول مما وصفت إلا جالسا، أمرته أن يصلي منفردا وكان له عذر بالمرض في ترك الصلاة مع الإمامولو صلى مع الإمام فقدر على القيام في بعض ولم يقدر عليه في بعض صلى قائما ما قدر وقاعدا ما لم يقدر وليست عليه إعادةولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم فإن كان قرأ بما يجزيه جالسا لم يكن عليه إذا قام أن يعيد قراءة وإن بقي عليه من قراءته شيء قرأ بما بقي منها قائما، كأن قرأ بعض أم القرآن جالسا، ثم برئ فلا يجزيه أن يقرأ جالسا وعليه أن يقرأ ما بقي قائما ولو قرأه ناهضا في القيام لم يجزه ولا يجزيه حتى يقرأه قائما معتدلا إذا قدر على القيام وإذا قرأ ما بقي قائما، ثم حدث له عذر فجلس قرأ ما بقي جالسا فإن حدثت له إفاقة قام وقرأ ما بقي قائما ولو قرأ قاعدا أم القرآن وشيئا معها، ثم أفاق فقام لم يكن له أن يركع حتى يعتدل قائما فإن قرأ قائما كان أحب إلي وإن لم يقرأ فركع بعد اعتداله قائما أجزأته ركعته وإذا ركع قبل أن يعتدل قائما وهو يطيق ذلك وسجد ألغى هذه الركعة والسجدة وكان عليه أن يقوم فيعتدل قائما، ثم يركع ويسجد وليس عليه إعادة قراءة فإن لم يفعل حتى يقوم فيقرأ، ثم يركع ثم يسجد لم يعتد بالركعة التي قرأ فيها وسجد فكان السجود للركعة التي قبلها وكانت سجدة وسقطت عنه إحدى الركعتين، ولو فرغ من صلاته واعتد بالركعة التي لم يعتدل فيها قائما، فإن ذكر وهو في الوقت الذي له أن يبني لو سها فانصرف قبل أن يكمل صلاته كبر وركع وسجد وسجد للسهو وأجزأته صلاته، وإن لم يذكر ذلك حتى يخرج من المسجد، أو يطول ذلك استأنف الصلاة وهكذا هذا في كل ركعة وسجدة وشيء من صلب الصلاة أطاقه فإن لم يأت به كما أطاقهولو أطاق سجدة فلم يسجدها وأومأ إيماء سجدها ما لم يركع الركعة التي بعدها وإن لم يسجدها وأومأ بها وهو يطيق سجودها، ثم قرأ بعد ما ركع لم يعتد بتلك الركعة وسجدها، ثم أعاد القراءة والركوع بعدها لا يجزيه غير ذلك وإن ركع وسجد سجدة فتلك السجدة مكان التي أطاقها وأومأ بها فقام فقرأ وركع ولم يعتد بتلك الركعة وكذلك لو سجد سجدتين كانت إحداهما مكانها ولم يعتد بالثانية؛ لأنها سجدة قبل ركوع وإنما تجزي عنه سجدة مكان سجدة قبلها تركها، أو فعل فيها ما لا يجزيه إذا سجد السجدة التي بعدها على أنها من صلب الصلاةفأما لو ترك سجدة من صلب الصلاة وأومأ بها وهو يقدر عليها، ثم سجد بعدها سجدة من سجود القرآن، أو سجدة سهو، لا يريد بها صلب الصلاة لم تجز عنه من السجدة التي ترك، أو، أومأ بها
(قال الشافعي) :
وهكذا أم الولد والمكاتبة والمدبرة والأمة يصلين معا بغير قناع، ثم يعتقن قبل أن يكملن الصلاة عليهن أن يتقنعن ويتممن الصلاة فإن تركن القناع بعد ما يمكنهن أعدن تلك الصلاة ولو صلين بغير قناع وقد عتقن لا يعلمن بالعتق أعدن كل صلاة صلينها بلا قناع من يوم عتقن؛ لأنهن يرجعن إلى أن يحطن بالعتق فيرجعن إلى اليقين
(قال الشافعي) :
ولو كانت منهن مكاتبة عندها ما تؤدي وقد حلت نجومها فصلت بلا قناع كرهت ذلك لها وأجزأتها صلاتها؛ لأنها لا تعتق إلا بالأداء وليس بمحرم عليها أن تبقى رقيقا وإنما أرى أن محرما عليها المطل وهي تجد الأداء وكذلك إن قال لأمة له: أنت حرة إن دخلت في يومك هذه الدار فتركت دخولها وهي تقدر على الدخول حتى صلت بلا قناع، ثم دخلت، أو لم تدخل لم تعد صلاتها؛ لأنها صلتها قبل أن تعتق وكذلك لو قال لها أنت حرة إن شئت فصلت وتركت المشيئة ثم أعتقها بعد لم تعد تلك الصلاةوإن أبطأ عن الغلام الحلم فدخل في صلاة فلم يكملها حتى استكمل خمس عشرة سنة من مولده فأتمها أحببت له أن يستأنفها من قبل أنه صار ممن يلزمه جميع الفرائض في وقت صلاة فلم يصلها بكمالها بالغا ولو قطعها واستأنفها أجزأت عنه ولو أهل بالحج في هذه الحالة فاستكمل خمس عشرة سنة بعد فوت عرفة، أو احتلم مضى في حجه وكان عليه أن يستأنف حجا؛ لأنه لم يكن ممن أدرك الحج يعمل عمله وهو من أهل الفرائض كلها ولو صام يوما من شهر رمضان فلم يكمله حتى احتلم، أو استكمل خمس عشرة أحببت أن يتم ذلك اليوم، ثم يعيده؛ لما وصفت ولا يعود لصوم قبله لأنه لم يبلغ حتى مضى ذلك اليوم وكذلك لا يعود لصلاة صلاها قبل بلوغه؛ لأنها قد مضت قبل بلوغه وكل صلاة غير التي تليها.وكذلك كل صوم يوم غير الذي يليه ولا يبين أن هذا عليه في الصلاة ولا في الصوم فأما في الحج فبين.
[باب جماع الأذان]
قال الله تبارك وتعالى {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا} [المائدة: 58] وقال {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] فذكر الله عز وجل الأذان للصلاة وذكر يوم الجمعة فكان بينا - والله تعالى أعلم - أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة بل حفظ الزهري عنه «أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول الصلاة جامعة ولا أذان إلا لمكتوبة» وكذلك لا إقامة فأما الأعياد والخسوف وقيام شهر رمضان فأحب إلي أن يقال فيه «الصلاة جامعة» وإن لم يقل ذلك فلا شيء على من تركه إلا ترك الأفضل والصلاة على الجنائز وكل نافلة غير الأعياد والخسوف بلا أذان فيها ولا قول: الصلاة جامعة.
[باب وقت الأذان للصبح]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن سالم بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال: له أصبحت أصبحت»
(قال الشافعي) :
فالسنة أن يؤذن للصبح بليل ليدلج المدلج ويتنبه النائم فيتأهب لحضور الصلاة وأحب إلي لو أذن مؤذن بعد الفجر ولو لم يفعل لم أر بأسا أن يترك ذلك؛ لأن وقت أذانها كان قبل الفجر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤذن لصلاة غير الصبح إلا بعد وقتها؛ لأني لم أعلم أحدا حكى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أذن له لصلاة قبل وقتها غير الفجر ولم يزل المؤذنون عندنا يؤذنون لكل صلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر ولا أحب أن يترك الأذان لصلاة مكتوبة انفرد صاحبها، أو جمع ولا الإقامة في مسجد جماعة كبر ولا صغر ولا يدع ذلك الرجل في بيته ولا سفره وأنا عليه في مساجد الجماعة العظام أحظ.وإذا أراد الرجل أن يكمل الأذان لكل صلاة غير الصبح بعد دخول وقتها فإن أذن لها قبل دخول وقتها أعاد إذا دخل الوقت وإن افتتح الأذان قبل الوقت ثم دخل الوقت عاد فاستأنف الأذان من أوله وإن أتم ما بقي من الأذان ثم عاد إلى ما مضى منه قبل الوقت لم يجزئه ولا يكمل الأذان حتى يأتي به على الولاء وبعد وقت الصلاة إلا في الصبح ولو ترك من الأذان شيئا عاد إلى ما ترك ثم بنى من حيث ترك لا يجزيه غيره وكذلك كل ما قدم منه، أو أخر فعليه أن يأتي به في موضعه فلو قال في أول الأذان الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله، ثم أكمل الأذان أعاد فقال الله أكبر أكبر التي ترك ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حتى يكمل الأذان، ثم يجهر بشيء من الأذان ويخافت بشيء منه لم تكن عليه إعادة ما وصفت به؛ لأنه قد جاء بلفظ الأذان كاملا فلا إعادة عليه كما لا يكون عليه إعادة ما خافت من القرآن فيما يجهر بالقرآن فيه.
(قال الشافعي) :
ولو كبر، ثم قال حي على الصلاة عاد فتشهد، ثم أعاد حي على الصلاة حتى يأتي على الأذان كله فيضع كل شيء منه موضعه وما وضعه في غير موضعه أعاده في موضعه.
[باب عدد المؤذنين وأرزاقهم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أحب أن يقتصر في المؤذنين على اثنين؛ لأنا، إنما حفظنا أنه أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان ولا يضيق أن يؤذن أكثر من اثنين فإن اقتصر في الأذان على واحد أجزأه ولا أحب للإمام إذا أذن المؤذن الأول أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده ولكنه يخرج ويقطع من بعده الأذان بخروج الإمام
(قال الشافعي) :
وواجب على الإمام أن يتفقد أحوال المؤذنين ليؤذنوا في أول الوقت ولا ينتظرهم بالإقامة وأن يأمرهم فيقيموا في الوقت وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا.وإن كان مسجدا كبيرا له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين وليس للإمام أن يرزقهم ولا واحدا منهم وهو يجد من يؤذن له متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوعا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز له أن يرزقه من غيره من الفيء؛ لأن لكله مالكا موصوفا
(قال الشافعي) :
ولا يجوز له أن يرزقه من الصدقات شيئا ويحل للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت أن يرزق ولا يحل له أخذه من غيره بأنه رزق
(قال الشافعي) :
ولا يؤذن إلا عدل ثقة للإشراف على عورات الناس وأماناتهم على المواقيتوإذا كان المقدم من المؤذنين بصيرا بالوقت لم أكره أن يكون معه أعمى وإن كان الأعمى مؤذنا منفردا ومعه من يعلمه الوقت لم أكره ذلك له فإن لم يكن معه أحد كرهته؛ لأنه لا يبصرولا أحب أن يؤذن أحد إلا بعد البلوغ وإن أذن قبل البلوغ مؤذن أجزأ ومن أذن من عبد ومكاتب وحر، أجزأ. وكذلك الخصي المجبوب والأعجمي إذا أفصح بالأذان وعلم الوقت وأحب إلي في هذا كله أن يكون المؤذنون خيار الناسولا تؤذن امرأة ولو أذنت لرجال لم يجز عنهم أذانها وليس على النساء أذان وإن جمعن الصلاة وإن أذن فأقمن فلا بأس.ولا تجهر المرأة بصوتها تؤذن في نفسها وتسمع صواحباتها إذا أذنت وكذلك تقيم إذا أقامت وكذلك إن تركت الإقامة لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال وإن كنت أحب أن تقيموأذان الرجل في بيته وإقامته سواء كهو في غير بيته في الحكاية وسواء أسمع المؤذنين حوله، أو لم يسمعهم ولا أحب له ترك الأذان ولا الإقامة وإن دخل مسجدا أقيمت فيه الصلاة أحببت له أن يؤذن ويقيم في نفسه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (14)
صــــــــــ 105 الى صـــــــــــ112
[باب استقبال القبلة بالأذان]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا أحب أن يكون المؤذن في شيء من أذانه إلا مستقبل القبلة لا تزول قدماه ولا وجهه عنها؛ لأنه إيذان بالصلاة وقد وجه الناس بالصلاة إلى القبلة فإن زال عن القبلة ببدنه كله، أو صرف وجهه في الأذان كله، أو بعضه كرهته له ولم ولا إعادة عليه وأحب أن يكون المؤذن على طهارة الصلاة فإن أذن جنبا، أو على غير وضوء كرهته له ولم يعد وكذلك آمره في الإقامة باستقبال القبلة وأن يكون طاهرا فإن كان في الحالين كلاهما غير طاهر كرهته له وهو في الإقامة أشد؛ لأنه يقيم فيصلي الناس وينصرف عنهم فيكون أقل ما صنع أن عرض نفسه للتهمة بالاستخفاف وأكره أذانه جنبا؛ لأنه يدخل المسجد ولم يؤذن له في دخوله إلا عابر سبيل والمؤذن غير عابر سبيل مجتاز ولو ابتدأ بالأذان طاهرا ثم انتقضت طهارته بنى على أذانه ولم يقطعه ثم تطهر إذا فرغ منه وسواء ما انتقضت به طهارته في أن يبني جنابة، أو غيرها فإن قطعه، ثم تطهر ثم رجع بنى على أذانه ولو استأنف كان أحب إلي.
[باب الكلام في أثناء الأذان]
باب الكلام في الأذان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأحب المؤذن أن لا يتكلم حتى يفرغ من أذانه فإن تكلم بين ظهراني أذانه فلا يعيد ما أذن به قبل الكلام كان ذلك الكلام ما شاء
(قال الشافعي) :
وما كرهت له من الكلام في الأذان كنت له في الإقامة أكره وإن تكلم في الإقامة لم يعد الإقامة ولو كان بين كلامه في كل واحدة منهما سكات طويل أحببت له أن يستأنف وإن لم يفعل فليس ذلك عليه وكذلك لو سكت في كل واحدة منهما سكاتا طويلا أحببت له استئنافه ولم أوجب عليه الاستئناف ولو أذن بعض الأذان ثم نام، أو غلب على عقله ثم انتبه، أو رجع إليه عقله أحببت أن يستأنف تطاول ذلك، أو قصر وإن لم يفعل بنى على أذانه وكذلك لو أذن في بعض الأذان فذهب عقله ثم رجع أحببت أن يستأنف وإن بنى على أذانه كان له ذلك وإن كان الذي يؤذن غيره في شيء من هذه الحالات استأنف ولم يبن على أذانه قرب ذلك، أو بعد، فإن بنى على أذانه لم يجزه البناء عليه ولا يشبه هذا الصلاة يبني الإمام فيها على صلاة إمام قبله؛ لأنه يقوم في الصلاة فيتم ما عليه وهذا لا يعود فيتم الأذان بعد فراغه؛ ولأن ما ابتدأ من الصلاة كان أول صلاته ولا يكون بأول الأذان شيء غير التكبير، ثم التشهد ولو أذن بعض الأذان، أو كله، ثم ارتد أحببت أن لا يترك يعود لأذان ولا يصلى بأذانه ويؤم غيره فيه فيؤذن أذانا مستأنفا
[باب الرجل يؤذن ويقيم غيره]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة بشيء يروى فيه أن من أذن أقام وذلك والله تعالى أعلم أن المؤذن إذا عني بالأذان دون غيره فهو أولى بالإقامة وإذا أقام غيره لم يكن يمتنع من كراهية ذلك وإن أقام غيره أجزأه إن شاء الله تعالى.
[باب الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه «عن جابر بن عبد الله في حجة الإسلام قال فراح النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال، ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الثانية ففرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخطبة وبلال من الأذان، ثم أقام بلال وصلى الظهر، ثم أقام وصلى العصر» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل، أو عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن «أبي سعيد الخدري قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} [الأحزاب: 25] فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا قال وذلك قبل أن ينزل الله تعالى في صلاة الخوف {فرجالا أو ركبانا} [البقرة: 239] »
(قال الشافعي) :
وبهذا كله نأخذ، وفيه دلالة على أن كل من جمع بين صلاتين في وقت الأولى منهما أقام لكل واحدة منهما وأذن للأولى وفي الآخرة يقيم بلا أذان، وكذلك كل صلاة صلاها في غير وقتها كما وصفت
(قال الشافعي) :
وفي أن المؤذن لم يؤذن له - صلى الله عليه وسلم - حين جمع بالمزدلفة والخندق دليل على أن لو لم يجزئ المصلي أن يصلي إلا بأذان لم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر بالأذان وهو يمكنه (قال) : وموجود في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان هذا في الأذان وكان الأذان غير الصلاة أن يكون هذا في الإقامة هكذا؛ لأنها غير الصلاة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» ومن أدرك آخر الصلاة فقد فاته أن يحضر أذانا وإقامة ولم يؤذن لنفسه ولم يقم ولم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج الإمام من الصلاة كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة فإن ترك رجل الأذان والإقامة منفردا، أو في جماعة كرهت ذلك له وليست عليه إعادة ما صلى بلا أذان ولا إقامة وكذلك ما جمع بينه وفرق من الصلوات.
[باب اجتزاء المرء بأذان غيره وإقامته وإن لم يقم له]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عمارة بن غزية عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن عمر بن الخطاب قال: «سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يؤذن للمغرب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قال فانتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرجل وقد قامت الصلاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: انزلوا فصلوا فصلى المغرب بإقامة ذلك العبد الأسود»
(قال الشافعي)
فبهذا نأخذ ونقول يصلي الرجل بأذان الرجل لم يؤذن له وبإقامته وأذانه وإن كان أعرابيا، أو أسود، أو عبدا، أو غير فقيه إذا أقام الأذان والإقامة وأحب أن يكون المؤذنون كلهم خيار الناس لإشرافهم على عوراتهم وأمانتهم على الوقت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم» وذكر معها غيرها واستحب الأذان لما جاء فيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين» .
[باب رفع الصوت بالأذان]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه «أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك، أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع مدى صوتك جن ولا إنس إلا شهد لك يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»
(قال الشافعي) :
فأحب رفع الصوت للمؤذن وأحب إذا اتخذ المؤذن أن يتخذ صيتا وأن يتحرى أن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع من لا يسمعه ضعيف الصوت وحسن الصوت أرق لسامعه والترغيب في رفع الصوت يدل على ترتيل الأذان؛ لأنه لا يقدر أحد على أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلا وذلك أنه إذا حذف ورفع انقطع فأحب ترتيل الأذان وتبينه بغير تمطيط ولا تغن في الكلام ولا عجلة وأحب في الإقامة أن تدرج إدراجا ويبينها مع الإدراج (قال) : وكيفما جاء بالأذان والإقامة أجزآ، غير أن الاحتياط ما وصفت
[باب الكلام في الأذان بما ليست فيه للناس منفعة]
باب الكلام في الأذان
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات ريح يقول ألا صلوا في الرحال»
(قال الشافعي) :
وأحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه وإن قاله في أذانه فلا بأس عليه وإذا تكلم بما يشبه هذا خلف الأذان من منافع الناس فلا بأس ولا أحب الكلام في الأذان بما ليست فيه للناس منفعة وإن تكلم لم يعد أذانا وكذلك إذا تكلم في الإقامة كرهته ولم يكن عليه إعادة إقامة.
[باب في القول مثل ما يقول المؤذن]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مجمع بن يحيى قال أخبرني أبو أمامة عن ابن شهاب أنه سمع معاوية يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال أشهد أن محمدا رسول الله قال وأنا، ثم سكت» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمه عيسى بن طلحة قال سمعت معاوية يحدث مثله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن يحيى المازني أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص قال «إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولما قال حي على الفلاح قال معاوية لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك» . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وبحديث معاوية نقول وهو يوافق حديث أبي سعيد الخدري وفيه تفسير ليس في حديث أبي سعيد
(قال الشافعي) :
فيجب لكل من كان خارجا من الصلاة من قارئ أو ذاكر أو صامت أو متحدث أن يقول كما يقول المؤذن، وفي حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله ومن كان مصليا مكتوبة، أو نافلة فأحب إلي أن يمضي فيها وأحب إذا فرغ أن يقول ما أمرت من كان خارجا من الصلاة أن يقوله وإن قاله مصل لم يكن مفسدا للصلاة إن شاء الله تعالى والاختيار أن لا يقوله.
[باب جماع لبس المصلي]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- قال الله عز وجل {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]
(قال الشافعي) : فقيل - والله سبحانه وتعالى أعلم -:
إنه الثياب وهو يشبه ما قيل، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» فدل على أن ليس لأحد أن يصلي إلا لابسا إذا قدر على ما يلبس وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل دم الحيض من الثوب، والطهارة إنما تكون في الصلاة فدل على أن على المرء لا يصلي إلا في ثوب طاهر وإذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتطهير المسجد من نجس؛ لأنه يصلى فيه وعليه فما يصلى فيه أولى أن يطهر وقد تأول بعض أهل العلم قول الله عز وجل وثيابك فطهر قال طهر ثيابك للصلاة وتأولها غيرهم على غير هذا المعنى والله تعالى أعلم
(قال) :
ولا يصلي الرجل والمرأة إلا متواريي العورة
(قال) :
وكذلك إن صليا في ثوب غير طاهر أعادا فإن صليا وهما يقدران على مواراة عورتهما غير متواريي العورة أعادا علما حين صليا، أو لم يعلما في الوقت، أو غير الوقت، من أمرته بالإعادة أبدا أمرته بها بكل حال
(قال الشافعي) :
وكل ما وارى العورة غير نجس أجزأت الصلاة فيه
(قال الشافعي) :
وعورة الرجل ما دون سرته إلى ركبتيه ليس سرته ولا ركبتاه من عورته وعلى المرأة أن تغطي في الصلاة كل بدنها ما عدا كفها ووجهها ومن صلى وعليه ثوب نجس، أو يحمل شيئا نجسا أعاد الصلاة وإن صلى يحمل كلبا، أو خنزيرا أو خمرا أو دما أو شيئا من ميتة، أو جلد ميتة لم يدبغ أعاد الصلاة وسواء قليل ذلك، أو كثيره وإن صلى وهو يحمل حيا لا يؤكل لحمه غير كلب، أو خنزير لم يعد حية كان، أو غير حية وإن كان ميتة أعاد والثياب كلها على الطهارة حتى يعلم فيها نجاسة وإن كانت ثياب الصبيان الذين لا يتوقون النجاسة ولا يعرفونها، أو ثياب المشركين كلها، أو أزرهم وسراويلاتهم وقمصهم ليس منها شيء يعيد من صلى فيه الصلاة حتى يعلم أن فيه نجاسة وهكذا البسط والأرض على الطهارة حتى تعلم نجاسة وأحب إلي لو توقى ثياب المشركين كلها، ثم ما يلي سفلتهم منها مثل الأزر والسراويلات فإن قال قائل ما دل على ما وصفت
(قال الشافعي)
أخبرنا مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص»
(قال الشافعي) : وثوب أمامة ثوب صبي.
[باب كيفية لبس الثياب في الصلاة]
باب كيف لبس الثياب في الصلاة
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء»
(قال الشافعي) :
فاحتمل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» أن يكون اختيارا واحتمل أن يكون لا يجزيه غيره فلما حكى جابر ما وصفت وحكت ميمونة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي في ثوب واحد بعضه عليه وبعضه عليها» دل ذلك على أنه صلى فيما صلى فيه من ثوبها مؤتزرا به؛ لأنه لا يستره أبدا إلا مؤتزرا به إذا كان بعضه على غيره
(قال الشافعي) :
فعلمنا أن نهيه أن يصلى في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء اختيارا وأنه يجزي الرجل والمرأة كل واحد أن يصلي متواريي العورة، وعورة الرجل ما وصفت وكل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها وظهر قدميها عورة فإذا انكشف من الرجل في صلاته شيء مما بين سرته وركبته ومن المرأة في صلاتها شيء من شعرها قل، أو كثر ومن جسدها سوى وجهها وكفيها وما يلي الكف من موضع مفصلها ولا يعدوه، علما أم لم يعلما أعادا الصلاة معا إلا أن يكون تنكشف بريح، أو سقطة، ثم يعاد مكانه لا لبث في ذلك فإن لبث بعدها قدر ما يمكنه إذا عاجله مكانه إعادته أعاد وكذلك هي
(قال) :
ويصلي الرجل في السراويل إذا وارى ما بين السرة والركبة، والإزار أستر وأحب منه
(قال) :
وأحب إلي أن لا يصلي إلا وعلى عاتقه شيء عمامة، أو غيرها ولو حبلا يضعه.
[باب الصلاة في القميص الواحد]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
أخبرنا العطاف بن خالد المخزومي وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال «قلت: يا رسول الله إنا نكون في الصيد أفيصلي أحدنا في القميص الواحد؟
قال: نعم وليزره ولو بشوكة ولو لم يجد إلا أن يخله بشوكة»
(قال الشافعي) :
وبهذا نقول وثياب القوم كانت صفاقا فإذا كان القميص صفيقا لا يشف عن لابسه صلى في القميص الواحد وزره، أو خله بشيء، أو ربطه لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب عورته، أو يراها غيره فإن صلى في قميص، أو ثوب معمول عمل القميص من جبة، أو غيرها غير مزرور أعاد الصلاة
(قال الشافعي) :
وهو يخالف الرجل يصلي متوشحا، التوشح مانع للعورة أن ترى ويخالف المرأة تصلي في الدرع والخمار والمقنعة، والخمار والمقنعة ساتران عورة الجيب فإن صلى الرجل في قميص غير مزرور وفوقه عمامة، أو رداء، أو إزار يضم موضع الجيب حتى يمنعه من أن ينكشف، أو ما دونه إلى العورة حتى لو انكشف لم تر عورته أجزأته صلاته وكذلك إن صلى حازما فوق عورته بحبل، أو خيط؛ لأن ذلك يضم القميص حتى يمنع عورة الجيب وإن كان القميص مزرورا ودون الجيب، أو حذاءه شق له عورة كعورة الجيب لم تجزه الصلاة فيه إلا كما تجزيه في الجيب وإن صلى في قميص فيه خرق على شيء من العورة وإن قل لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص فيه خرق على غير العورة ليس بواسع ترى منه العورة أجزأته الصلاة وإن كانت العورة ترى منه لم تجزه الصلاة فيه وهكذا الخرق في الإزار يصلي فيه وأحب أن لا يصلي في القميص إلا وتحته إزار، أو سراويل، أو فوقه سترة فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة، والمرأة في ذلك أشد حالا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلي أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع.
[باب ما يصلى عليه مما يلبس ويبسط]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نمرة والنمرة صوف فلا بأس أن يصلى في الصوف والشعر والوبر ويصلى عليه
(قال الشافعي) :
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أيما إهاب دبغ فقد طهر» فلا بأس أن يصلى في جلود الميتة والسباع وكل ذي روح إذا دبغ إلا الكلب والخنزير ويصلى في جلد كل ذكي يؤكل لحمه وإن لم يكن مدبوغا فأما ما لا يؤكل لحمه فذكاته وغير ذكاته سواء لا يطهره إلا الدباغ وجلد الذكي يحل أكله وإن كان غير مدبوغ
(قال) :
وما قطع من جلد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه فهو ميتة لا يطهره إلا الدباغ، وأنهى الرجال عن ثياب الحرير فمن صلى فيها منهم لم يعد؛ لأنها ليست بنجسة وإنما تعبدوا بترك لبسها لا أنها نجسة؛ لأن أثمانها حلال وإن النساء يلبسنها ويصلين فيها وكذلك أنهاهم عن لبس الذهب خواتيم وغير خواتيم ولو لبسوه فصلوا فيه كانوا مسيئين باللبس عاصين إن كانوا علموا بالنهي ولم يكن عليهم إعادة صلاة؛ لأنه ليس من الأنجاس ألا ترى أن الأنجاس على الرجال والنساء سواء والنساء يصلين في الذهب.
[باب صلاة العراة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا غرق القوم فخرجوا عراة كلهم، أو سلبوا في طريق ثيابهم، أو احترقت فيه فلم يجد أحد منهم ثوبا وهم رجال ونساء، صلوا فرادى وجماعة رجالا وحدهم، قياما يركعون ويسجدون ويقوم إمامهم وسطهم ويغض بعضهم عن بعض، وتنحى النساء فاستترن إن وجدن سترا عنهم فصلين جماعة أمتهن إحداهن وتقوم وسطهن ويغض بعضهم عن بعض، ويركعن ويسجدن، ويصلين قياما كما وصفت فإن كانوا في ضيق لا ستر بينهم من الأرض ولين وجوههن عن الرجال حتى إذا صلوا ولى الرجال وجوههم عنهن حتى يصلين كما وصفت وليس على واحد منهم إعادة إذا وجد ثوبا في وقت ولا غيره وإن كان مع أحدهم ثوب أمهم إن كان يحسن يقرأ فإن لم يكن يحسن يقرأ صلى وحده ثم أعار لمن بقي ثوبه وصلوا واحدا واحدا فإن امتنع من أن يعيرهم ثوبه فقد أساء وتجزيهم الصلاة وليس لهم مكابرته عليه وإن كان معه نساء فإن يعيره للنساء، أوجب عليه ويبدأ بهن فإذا فرغن أعار الرجال فإذا أعارهم إياه لم يسع واحدا منهم أن يصلي وانتظر صلاة غيره لا يصلي حتى يصلي لابسا فإن صلى وقد أعطاه إياه عريانا أعاد، خاف ذهاب الوقت، أو لم يخفه، وإن كان معهم، أو مع واحد منهم ثوب نجس لم يصل فيه وتجزيه الصلاة عريانا إذا كان ثوبه غير طاهر وإذا وجد ما يواري به عورته من ورق وشجر يخصفه عليه، أو جلد، أو غيره مما ليس بنجس لم يكن له أن يصلي بحال إلا متواري العورة وكذلك إن لم يجد إلا ما يواري ذكره ودبره لم يكن له أن يصلي حتى يواريهما معا وكذلك إن لم يجد إلا ما يواري أحدهما لم يكن له أن يصلي حتى يواري ما وجد إلى مواراته سبيلا وإذا كان ما يواري أحد فرجيه دون الآخر يواري الذكر دون الدبر؛ لأنه لا حائل دون الذكر يستره ودون الدبر حائل من أليتيه وكذلك المرأة في قبلها ودبرها وإذا كان هو وامرأته عريانين أحببت إن وجد ما يواريها به أن يواريها؛ لأن عورتها أعظم حرمة من عورته وإن استأثر بذلك دونها فقد أساء وتجزئها صلاتها وإن مس ذكره ليستره، أو مست فرجها لتستره أعادا الوضوء معا ولكن ليباشرا من وراء شيء لا يفضيان إليه:
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (15)
صــــــــــ 112 الى صـــــــــــ119
[باب جماع ما يصلى عليه ولا يصلى من الأرض]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»
(قال الشافعي) :
وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما منقطع والآخر عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي)
: وبهذا نقول ومعقول أنه كما جاء في الحديث ولو لم يبينه؛ لأنه ليس لأحد أن يصلي على أرض نجسة؛ لأن المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم وذلك ميتة وإن الحمام ما كان مدخولا يجري عليه البول والدم والأنجاس
(قال الشافعي) :
والمقبرة الموضع الذي يقبر فيها العامة وذلك كما وصفت مختلطة التراب بالموتى وأما صحراء لم يقبر فيها قط قبر فيها قوم مات لهم ميت، ثم لم يحرك القبر فلو صلى رجل إلى جنب ذلك القبر، أو فوقه كرهته له ولم آمره يعيد؛ لأن العلم يحيط بأن التراب طاهر لم يختلط فيه شيء وكذلك لو قبر فيه ميتان، أو موتى فإن غاب أمرها عن رجل لم يكن له أن يصلي فيها؛ لأنها على أنها مقبرة حتى يعلم أنها ليست بمقبرة وأن يكون يحيط العلم أنه لم يدفن فيها قط قبل من دفن فيها ولم ينبش أحد منهم لأحد والذي ينجس الأرض شيئان: شيء يختلط بالتراب لا يتميز منه شيء وشيء يتميز من التراب وما لا يختلط من التراب ولا يتميز منه متفرق فإذا كان جسدا يختلط بالتراب ويعقل أنه جسد قائم فيه كلحوم الموتى وعظامهم وعصبهم وإن كان غير موجود لغلبة التراب عليه وكينونته كهو في الأرض التي يختلط بها هذا لا يطهر وإن أتى عليه الماء وكذلك الدم والخلاء وما في معانيهما مما لو انفرد كان جسدا قائما ومما يزال إن كان مستجسدا فيزول وينحى فيخلو الموضع منه ما كان تحته من تراب، أو غيره بحاله وشيء يكون كالماء إذا خالط التراب نشفه، أو الأرض تنشفه وذلك مثل البول والخمر وما في معناه
(قال الشافعي) :
والأرض تطهر من هذا بأن يصب عليه الماء حتى يصير لا يوجد ولا يعقل فيها منه جسد ولا لون.
[باب الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبيد الله بن طلحة بن كريز عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جن، من جن خلقت ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بآنافها وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة»
(قال الشافعي) :
وبهذا نأخذ ومعناه عندنا - والله أعلم - على ما يعرف من مراح الغنم وأعطان الإبل أن الناس يريحون الغنم في أنظف ما يجدون من الأرض؛ لأنها تصلح على ذلك والإبل تصلح على الدقع من الأرض فمواضعها التي تختار من الأرض أدقعها وأوسخها
(قال الشافعي) :
والمراح والعطن اسمان يقعان على موضع من الأرض وإن لم يعطن ولم يروح إلا اليسير منها فالمراح ما طابت تربته واستعملت أرضه واستذرى من مهب الشمال موضعه والعطن قرب البئر التي تسقى منها الإبل تكون البئر في موضع والحوض قريبا منها فيصب فيه فيملأ فتسقى الإبل ثم تنحى عن البئر شيئا حتى تجد الواردة موضعا فذلك عطن ليس أن العطن مراح الإبل التي تبيت فيه نفسه ولا المراح مراح الغنم التي تبيت فيه نفسه دون ما قاربه وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جن، من جن خلقت» دليل على أنه إنما نهى عنها كما «قال - صلى الله عليه وسلم - حين نام عن الصلاة: اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان» فكره أن يصلي في قرب الشيطان فكان يكره أن يصلي قرب الإبل؛ لأنها خلقت من جن لا لنجاسة موضعها.وقال في الغنم هي من دواب الجنة فأمر أن يصلى في مراحها يعني - والله تعالى أعلم - في الموضع الذي يقع عليه اسم مراحها الذي لا بعر فيه ولا بول
(قال) :
ولا يحتمل الحديث معنى غيرهما وهو مستغن بتفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والدلائل عنه عن بعض هذا الإيضاح
(قال) :
فمن صلى على موضع فيه بول، أو بعر الإبل أو غنم أو ثلط البقر أو روث الخيل أو الحمير فعليه الإعادة؛ لأن هذا كله نجس ومن صلى قربه فصلاته مجزئة عنه وأكره له الصلاة في أعطان الإبل وإن لم يكن فيها قذر لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فإن صلى أجزأه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد لسانه على يده فلم يفسد ذلك صلاته وفي هذا دليل على أن نهيه أن يصلى في أعطان الإبل؛ لأنها جن لقوله: «اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان» اختيار وليس يمتنع من أن تكون الجن حيث شاء الله من المنازل ولا يعلم ذلك أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
مع أن الإبل نفسها إنما تعمد في البروك إلى أدقع مكان تجده وإن عطنها - وإن كان غير دقع - فحصته بمباركها وتمرغها حتى تدقعه، أو تقربه من الإدقاع وليس ما كان هكذا من مواضع الاختيار من النظافة للمصليات فإن قال قائل: فلعل أبوال الإبل وما أكل لحمه وأبعاره لا تنجس فلذلك أمر بالصلاة في مراح الغنم.قيل: فيكون إذا نهيه عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأن أبوالها وأبعارها تنجس ولكنه ليس كما ذهبت إليه ولا يحتمله الحديث
(قال الشافعي) :
فإن ذهب ذاهب إلى أن أبوال الغنم ليست بنجسة؛ لأن لحومها تؤكل قيل: فلحوم الإبل تؤكل وقد نهى عن الصلاة في أعطانها فلو كان معنى أمره - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة في مراحها على أن أبوالها حلال لكانت أبوال الإبل وأبعارها حراما ولكن معناه إن شاء الله عز وجل على ما وصفنا.
[باب استقبال القبلة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] وقال {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16] وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 150] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فنصب الله عز وجل لهم البيت والمسجد فكانوا إذا رأوه فعليهم استقبال البيت؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى مستقبله والناس معه حوله من كل جهة ودلهم بالعلامات التي خلق لهم والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام وقصد المسجد الحرام وهو قصد البيت الحرام فالفرض على كل مصلي فريضة، أو نافلة، أو على جنازة، أو ساجد لشكر، أو سجود قرآن أن يتحرى استقبال البيت إلا في حالين أرخص الله تعالى فيهما سأذكرهما إن شاء الله تعالى.
[كيفية استقبال البيت]
كيف استقبال البيت
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
واستقبال البيت وجهان فكل من كان يقدر على رؤية البيت ممن بمكة في مسجدها، أو منزل منها أو سهل أو جبل فلا تجزيه صلاته حتى يصيب استقبال البيت؛ لأنه يدرك صواب استقباله بمعاينته وإن كان أعمى وسعه أن يستقبل به غيره البيت ولم يكن له أن يصلي وهو لا يرى البيت بغير أن يستقبله به غيره فإن كان في حال لا يجد أحدا يستقبله به صلى وأعاد الصلاة؛ لأنه على غير علم من أنه أصاب استقبال القبلة إذا غاب عنه بالدلائل التي جعلها الله من النجوم والشمس والقمر والجبال والرياح وغيرها مما يستدل به أهل الخبرة على التوجه إلى البيت وإن كان بصيرا وصلى في ظلمة واجتهد في استقبال القبلة فعلم أنه أخطأ استقبالها لم يجزه إلا أن يعيد الصلاة؛ لأنه يرجع من ظن إلى إحاطة وكذلك إن كان أعمى فاستقبل به رجل القبلة، ثم علم بخبر من يثق به أنه أخطأ به استقبال القبلة أعاد الصلاة وإن صلى في ظلمة حائلة دون رؤية البيت فاستقبل القبلة في ظلمة، أو استقبل به وهو أعمى، ثم شكا أنهما قد أخطآ الكعبة لم يكن عليهما إعادة، وهما على الصواب إذا حيل دون رؤية البيت حتى يعلما أن قد أخطآ فيعيدان معا
(قال الشافعي) :
ومن كان في موضع من مكة لا يرى منه البيت، أو خارجا عن مكة فلا يحل له أن يدع كلما أراد المكتوبة أن يجتهد في طلب صواب الكعبة بالدلائل من النجوم والشمس والقمر والجبال ومهب الريح وكل ما فيه عنده دلالة على القبلة وإذا كان رجال خارجون من مكة فاجتهدوا في طلب القبلة فاختلف اجتهادهم لم يسع واحدا منهم أن يتبع اجتهاد صاحبه وإن رآه أعلم بالاجتهاد منه حتى يدله صاحبه على علامة يرى هو بها أنه قد أخطأ باجتهاده الأول يرجع إلى ما رأى هو لنفسه آخر إلى اتباع اجتهاد غيره ويصلي كل واحد منهم على جهته التي رأى أن القبلة فيها ولا يسع واحدا منهم أن يأتم بواحد إذا خالف اجتهاده اجتهاده
(قال) :
فإذا كان فيهم أعمى لم يسعه أن يصلي إلى حيث رأى أن قد أصاب القبلة؛ لأنه لا يرى شيئا ووسعه أن يصلي حيث رأى له بعضهم فإن اختلفوا عليه تبع آمنهم عنده وأبصرهم وإن خالفه غيره
(قال) :
وإن صلى الأعمى برأي نفسه، أو منفردا كان في السفر وحده، أو هو وغيره كانت عليه إعادة كل ما صلى برأي نفسه؛ لأنه لا رأي له
(قال الشافعي) :
وكل من دله على القبلة من رجل، أو امرأة، أو عبد من المسلمين وكان بصيرا وسعه أن يقبل قوله إذا كان يصدقه وتصديقه أن لا يرى أنه كذبه
(قال) :
ولا يسعه أن يقبل دلالة مشرك وإن رأى أنه قد صدقه؛ لأنه ليس في موضع أمانة على القبلة
(قال الشافعي) :
وإذا أطبق الغيم ليلا، أو نهارا لم يسع رجلا الصلاة إلا مجتهدا في طلب القبلة إما بجبل وإما ببحر، أو بموضع شمس إن كان يرى شعاعا، أو قمر إن كان يرى له نورا، أو موضع نجم، أو مهب ريح، أو ما أشبه هذا من الدلائل وأي هذا كان إذا لم يجد غيره أجزأه فإن غمي عليه كل هذا فلم يكن له فيه دلالة صلى على الأغلب عنده وأعاد تلك الصلاة إذا وجد دلالة وقلما يخلو أحد من الدلالة وإذا خلا منها صلى على الأغلب عنده وأعاد الصلاة وهكذا إن كان أعمى منفردا، أو محبوسا في ظلمة، أو دخل في حال لا يرى فيها دلالة صلى على الأغلب عنده وكانت عليه الإعادة ولا تجزيه صلاة إلا بدلالة على وقت وقبلة من نفسه، أو غيره إن كان لا يصل إلى رؤية الدلالة.
[استبان الخطأ بعد الاجتهاد في القبلة]
فيمن استبان الخطأ بعد الاجتهاد. أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة»
(قال الشافعي) :
وإذا غاب المرء عن البيت والمسجد الحرام الذي فيه البيت فاجتهد فرأى القبلة في موضع فلم يدخل في الصلاة حتى رآها في موضع آخر صلى حيث رأى آخرا ولم يسعه أن يصلي حيث رأى أولا وعليه اجتهاده حتى يدخل في الصلاة
(قال) :
ولو افتتح الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غيره فهذان وجهان: أحدهما إن كانت قبلته مشرقا فغمت السماء سحابة، أو أخطأ بدلالة ريح، أو غيره ثم تجلت الشمس، أو القمر، أو النجوم فعلم أنه صلى مشرقا، أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل القبلة على ما بان له؛ لأنه على يقين من الخطأ في الأمر الأول فإن الكعبة في خلاف الموضع الذي صلى إليه فهو إن لم يرجع إلى يقين صواب عين الكعبة فقد رجع إلى يقين صواب جهتها وتبين خطأ جهته التي صلى إليها فحكمه حكم من صلى حيث يرى البيت مجتهدا، ثم علم أنه أخطأ
(قال) :
وكذلك إذا ترك الشرق كله واستقبل ما بين المشرق والمغرب وعلى كل من أخطأ يقينا أن يرجع إليه ويقين الخطأ يوجد بالجهة وليس على من أخطأ غير يقين عين أن يرجع إليهومن رأى أنه تحرف وهو مستيقن الجهة فالتحرف لا يكون يقين خطأ وذلك أن يرى أنه قد أخطأ قريبا: مثل أن تكون قبلته شرقا فاستقبل الشرق، ثم رأى قبلته منحرفة عن جهته التي استقبل يمينا، أو يسارا وتلك جهة واحدة مشرقة لم يكن عليه إن صلى أن يعيد ولا إن كان في صلاة أن يلغي ما مضى منها وعليه أن ينحرف إلى اجتهاده الآخر فيكمل صلاته؛ لأنه لم يرجع من يقين خطأ إلى يقين صواب جهة ولا عين وإنما رجع من اجتهاده بدلالة إلى اجتهاد بمثلها يمكن فيه أن يكون اجتهاده الأول أصوب من الآخر غير أنه إنما كلف أن يكون في كل صلاته حيث يدله اجتهاده على القبلة
(قال) :
وهكذا إن رأى بعد الاجتهاد الثاني وهو في الصلاة أنه انحرف قليلا ينحرف إلى حيث يرى تكمل صلاته واعتد بما مضى فإن كان معه أعمى انحرف الأعمى بتحرفه ولا يسعه غير ذلك وكذلك في الموضع الذي تنتقض فيه صلاته بيقين خطأ القبلة تنتقض صلاة الأعمى معه إذا أعلمه فإن لم يعلمه ذلك في مقامه فأعلمه إياه بعد أعاد الأعمىوإن اجتهد بصير فتوجه، ثم عمي بعد التوجه فله أن يمضي على جهته فإن استدار عنها بنفسه، أو أداره غيره قبل أن تكمل صلاته فعليه أن يخرج من صلاته ويستقبل لها اجتهادا بغيره فإن لم يجد غيره صلاها وأعادها متى وجد مجتهدا بصيرا غيرهوإن اجتهد مجتهد، أو جماعة فرأوا القبلة في موضع فصلوا إليها جماعة وأبصر من خلف الإمام أن قد أخطأ وأن القبلة منحرفة عن موضعه الذي توجه إليه انحرافا قريبا انحرف إليه فصلى لنفسه فإن كان يرى أن الرجل إذا كان خلف الإمام، ثم خرج من إمامة الإمام قبل أن يكمل الإمام صلاته وصار إماما لنفسه فصلاته مجزية عنه بنى على صلاته وإن كان يرى أنه مذ خرج إلى إمامة نفسه قبل فراغ الإمام من الصلاة فسدت صلاته عليه استأنف والاحتياط أن يقطع الصلاة ويستقبل حيث رأى القبلة
(قال) :
وهكذا كل من خلفه من أول صلاته وآخرها ما لم يخرجوا من الصلاة فإن كان الإمام رأى القبلة منحرفة عن حيث توجه توجه إلى حيث رأى ولم يكن لأحد ممن وراءه أن يتوجه بتوجهه إلا أن يرى مثل رأيه فمن حدث له منهم مثل رأيه توجه بتوجهه ومن لم ير مثل رأيه خرج من إمامته وكان له أن يبني على صلاته منفردا وإنما خالف بين هذا والمسألة الأولى أن الإمام أخرج نفسه في هذه المسألة من إمامتهم فلا يفسد ذلك صلاتهم بحال ألا ترى أنه لو أفسد صلاة نفسه، أو انصرف لرعاف، أو غيره بنوا؛ لأنه مخرج نفسه من الإمامة لا هم وفي المسألة الأولى مخرجون أنفسهم من إمامته لا هو قال والقياس أن لا يكون للأولين بكل حال أن يبنوا على صلاتهم معه؛ لأن عليهم أن يفعلوا ما فعلوا وعليه أن يفعل ما فعل فثبوته على ما فعل قد يكون إخراجا لنفسه من الإمامة وبه أقولوإذا اجتهد الرجل في القبلة فدخل في الصلاة، ثم شك ولم ير القبلة في غير اجتهاده الأول مضى على صلاته؛ لأنه على قبلة ما لم ير غيرها والإمام والمأموم في هذا سواء وإذا اجتهد بالأعمى فوجهه للقبلة فرأى القبلة في غير الجهة التي وجه لها لم يكن له أن يستقبل حيث رأى؛ لأنه لا رأي له وإن قال له غيره قد أخطأ بك الذي اجتهد لك فصدقه انحرف إلى حيث يقول له غيره وما مضى من صلاته مجزئ عنه؛ لأنه اجتهد به من له قبول اجتهاده
(قال) :
وإذا حبس الرجل في ظلمة وحيث لا دلالة بوجه من الوجوه ولا دليل يصدقه فهو كالأعمى يتأخى ويصلي على أكثر ما عنده ويعيد كل صلاة صلاها بلا دلالة وقد قيل: يسع البصير إذا عميت عليه الدلالة اجتهاد غيره فإن أخطأ به المجتهد له القبلة فدله على جهة مشرقة والقبلة مغربة أعاد كل ما صلى وإن رأى أنه أخطأ به قريبا منحرفا أحببت أن يعيد وإن لم يفعل فليس عليه إعادة؛ لأن اجتهاده في حاله تلك له إذا صدقه كاجتهاده كان لنفسه إذا لم يكن له سبيل إلى دلالة
(قال الشافعي) :
وهو يفارق الأعمى في هذا الموضع فلو أن بصيرا اجتهد لأعمى، ثم قال له غيره قد أخطأ بك فشرق، والقبلة مغربة فلم يدر لعله صدق لم يكن عليه إعادة؛ لأن خبر الأول كخبر الآخر إذا كانا عنده من أهل الصدق وأيهما كان عنده من أهل الكذب لم يقبل منه
(قال) :
والبصير إنما يصلي بيقين، أو اجتهاد نفسه ولو صلى رجل شاك لا يرى القبلة في موضع بعينه أعاد ولا تجزئه الصلاة حتى يصلي وهو يرى القبلة في موضع بعينه وكذلك لو اشتبه عليه موضعان فغلب عليه أن القبلة في أحدهما دون الآخر فصلى حيث يراها فإن صلى ولا يغلب عليه واحد منهما أعاد وكذلك لو افتتح على هذا الشك، ثم رآها حيث افتتح فمضى على صلاته أعاد لا تجزئه حتى يفتتحها حيث يراها.
[باب الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة قال الله عز وجل {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] إلى {فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: 102] الآية قال فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة وقال الله عز وجل {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] إلى ركبانا فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف غير الحال الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا فعلمنا أن الخوفين مختلفان وأن الخوف الآخر الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا لا يكون إلا أشد من الخوف الأول وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال، وقعودا على الدواب وقياما على الأقدام، ودلت على ذلك السنة أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة، ثم قص الحديث وقال ابن عمر في الحديث فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال مالك قال نافع ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه.
(قال الشافعي) :
ولا يجوز في صلاة مكتوبة استقبال غير القبلة إلا عند إطلال العدو على المسلمين وذلك عند المسايفة وما أشبهها ودنو الزحف من الزحف فيجوز أن يصلوا الصلاة في ذلك الوقت رجالا وركبانا فإن قدروا على استقبال القبلة، وإلا صلوا مستقبلي حيث يقدرون وإن لم يقدروا على ركوع ولا سجود، أومئوا إيماء، وكذلك إن طلبهم العدو فأطلوا عليهم صلوا متوجهين على دوابهم يومئون إيماء ولا يجوز لهم في واحد من الحالين أن يصلوا على غير وضوء ولا تيمم ولا ينقصون من عدد الصلاة شيئا ويجوز لهم أن يصلوا بتيمم وإن كان الماء قريبا؛ لأنه محول بينهم وبين الماء وسواء أي عدو أطل عليهم أكفار أم لصوص أم أهل بغي أم سباع أم فحول إبل؛ لأن كل ذلك يخاف إتلافه وإن طلبهم العدو فنأوا عن العدو حتى يمكنهم أن ينزلوا بلا خوف أن يرهقوا لم يكن إلا النزول والصلاة بالأرض إلى القبلة وإن خافوا الرهق صلوا ركبانا وإن صلوا ركبانا يومئون ببعض الصلاة، ثم أمنوا العدو كان عليهم أن ينزلوا فيصلوا ما بقي من الصلاة مستقبلي القبلة، وأحب إلي لو استأنفوا الصلاة بالأرض وليس لهم أن يقصروا الصلاة في شيء من هذه الحالات إلا أن يكونوا في سفر يقصر في مثله الصلاة فإن كان المسلمون طالبي العدو فطلبوهم طلبا لم يأمنوا رجعة العدو عليهم فيه صلوا هكذا، وإن كانوا إذا وقفوا عن الطلب، أو رجعوا أمنوا رجعتهم لم يكن لهم إلا أن ينزلوا فيصلوا ويدعوا الطلب فلا يكون لهم أن يطلبوهم ويدعوا الصلاة بالأرض إذا أمكنهم؛ لأن الطلب نافلة فلا تترك لها الفريضة وإنما يكون ما وصفت من الرخصة في الصلاة في شدة الخوف ركبانا وغير مستقبلي القبلة إذا كان الرجل يقاتل المشركين، أو يدفع عن نفسه مظلوما ولا يكون هذا لفئة باغية ولا رجل قاتل عاص بحال وعلى من صلاها كذا وهو ظالم بالقتال إعادة كل صلاة صلاها بهذه الحال وكذلك إن خرج يقطع سبيلا، أو يفسد في الأرض فخاف سبعا، أو جملا صائلا صلى يومئ وأعاد إذا أمن ولا رخصة عندنا لعاص إذا وجد السبيل إلى أداء الفريضة بحال:الحال الثانية التي يجوز فيها استقبال غير القبلة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن للمسافر إذا تطوع راكبا أن يصلي راكبا حيث توجه
(قال) :
وإذا كان الرجل مسافرا متطوعا راكبا صلى النوافل حيث توجهت به راحلته وصلاها على أي دابة قدر على ركوبها حمارا، أو بعيرا، أو غيره وإذا أراد الركوع، أو السجود، أومأ إيماء وجعل السجود أخفض من الركوع وليس له أن يصلي إلى غير القبلة مسافرا ولا مقيما إذا كان غير خائف صلاة وجبت عليه بحال مكتوبة في وقتها، أو فائتة، أو صلاة نذر، أو صلاة طواف، أو صلاة على جنازة
(قال) :
وبهذا فرقنا بين الرجل يوجب على نفسه الصلاة قبل الدخول فيها فقلنا لا يجزيه فيها إلا ما يجزيه في المكتوبات من القبلة وغيرها وبين الرجل يدخل في الصلاة متطوعا ثم زعمنا أنه غلط من زعم أنه إذا دخل فيها بلا إيجاب لها فحكمها حكم الواجب وهو يزعم كما نزعم أنه لا يصلي واجبا لنفسه إلا واجبا، أوجبه على نفسه مسافرا إلا إلى القبلة وأن المتطوع يصلي إلى غير القبلة.أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به» أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر»
(قال الشافعي) :
يعني النوافل أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة» أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق» وإذا كان المسافر ماشيا لم يجزه أن يصلي حتى يستقبل القبلة فيكبر ثم ينحرف إلى جهته فيمشي فإذا حضر ركوعه لم يجزه في الركوع ولا في السجود إلا أن يركع ويسجد بالأرض؛ لأنه لا مؤنة عليه في ذلك كهي على الراكب
(قال) :
وسجود القرآن والشكر والوتر وركعتا الفجر نافلة فللراكب أن يومئ به إيماء وعلى الماشي أن يسجد به إذا أراد السجود ولا يكون للراكب في مصر أن يصلي نافلة إلا كما يصلي المكتوبة إلى قبلة وعلى الأرض وما تجزيه الصلاة عليه في المكتوبة؛ لأن أصل فرض المصلين سواء إلا حيث دل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أرخص لهم
(قال) :
وسواء قصير السفر وطويله إذا خرج من المصر مسافرا يصلي حيث توجهت به راحلته متطوعا كما يكون له التيمم في قصير السفر وطويله؛ لأنه يقع على كل اسم سفر وكذلك لو ركب محملا، أو حمارا، أو غيره كان له أن يصلي حيث توجهت به مركبه وإن افتتح الصلاة متطوعا راكبا مسافرا ثم دخل المصر لم يكن له أن يمضي على صلاته بعد أن يصير إلى مصره ولا موضع مقام له فكان عليه أن ينزل فيركع ويسجد بالأرض وكذلك إذا نزل في قرية، أو غيرها لم يكن له أن يمضي على صلاته وإن مر بقرية في سفره ليست مصره ولا يريد النزول بها فهي من سفره وله أن يمضي فيها مصليا على بعيره وإن نزل في سفره منزلا في صحراء، أو قرية فسواء ولا يكون له أن يصلي إلا على الأرض كما يصلي المكتوبة وإن افتتح الصلاة على الأرض ثم أراد الركوب لم يكن له ذلك إلا أن يخرج من الصلاة التي افتتح بإكمالها بالسلام فإن ركب قبل أن يكملها فهو قاطع لها ولا يكون متطوعا على البعير حتى يفتتح على البعير صلاة بعد فراقه النزول وكذلك إذا خرج ماشيا وإن افتتح الصلاة على الأرض مسافرا فأراد ركوب البعير لم يكن ذلك له حتى يركع ويسجد ويسلم فإن فعل قبل أن يصلي ويسلم قطع صلاته وكذلك لو فعل، ثم ركب فقرأ ثم نزل فسجد بالأرض كان قاطعا لصلاته؛ لأن ابتداء الركوب عمل يطول ليس له أن يعمله في الصلاة ولو افتتح الصلاة راكبا فأراد النزول قبل أن يكمل الصلاة وأن يكون في صلاته كان ذلك له؛ لأن النزول أخف في العمل من الركوب وإذا نزل ركع على الأرض وسجد لا يجزيه غيره فإذا نزل، ثم ركب قطع الصلاة بالركوب كما وصفت بأنه كان عليه إذا نزل أن يركع ويسجد على الأرض وإذا افتتح الصلاة راكبا، أو ماشيا فإن انحرفت به طريقه كان له أن ينحرف وهو في الصلاة وإن انحرفت عن جهته حتى يوليها قفاه كله بغير طريق يسلكها فقد أفسد صلاته إلا أن تكون القبلة في الطريق التي انحرف إليها ولو غبته دابته، أو نعس فولى طريقه قفاه إلى غير قبلة فإن رجع مكانه بنى على صلاته وإن تطاول ساهيا، ثم ذكر مضى على صلاته وسجد للسهو وإن ثبت وهو لا يمكنه أن ينحرف ذاكرا؛ لأنه في صلاة فلم ينحرف فسدت صلاته وإذا ركب فأراد افتتاح الصلاة حيث توجهت به راحلته لم يكن عليه تأخي القبلة؛ لأن له أن يتعمد أن يجعل قبلته حيث توجه مركبه فإن افتتح الصلاة، وبعيره واقف قبل القبلة منحرفا عن طريقه افتتحها على القبلة ومضى على بعيره وإن افتتحها وبعيره واقف على غير القبلة لم يكن له ذلك ولا يفتتحها إلا وبعيره متوجه إلى قبلة، أو إلى طريقه حين يفتتحها، فأما وهو واقف على غير القبلة فلا يكون له أن يفتتح الصلاةوليس لراكب السفينة ولا الرمث ولا شيء مما يركب في البحر أن يصلي نافلة حيث توجهت به السفينة ولكن عليه أن ينحرف إلى القبلة وإن غرق فتعلق بعود صلى على جهته يومئ إيماء، ثم أعاد كل مكتوبة صلاها بتلك الحال إذا صلاها إلى غير قبلة ولم يعد ما صلى إلى قبلة بتلك الحال فإن قال قائل كيف يومئ ولا يعيد للضرورة ويصلي منحرفا عن القبلة للضرورة فيعيد قيل؛ لأنه جعل للمريض أن يصلي كيف أمكنه ولم يجعل له أن يصلي إلى غير قبلة مكتوبة بحال.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (16)
صــــــــــ 119 الى صـــــــــــ127
[باب الصلاة في الكعبة]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة ومعه بلال وأسامة وعثمان بن طلحة قال ابن عمر فسألت بلالا ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة قال جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، ثم صلى قال وكان البيت على ستة أعمدة يومئذ»
(قال الشافعي) :
فيصلي في الكعبة النافلة والفريضة وأي الكعبة استقبل الذي يصلي في جوفها فهو قبلة كما يكون المصلي خارجا منها إذا استقبل بعضها كان قبلته ولو استقبل بابها فلم يكن بين يديه شيء من بنيانها يستره لم يجزه وكذلك إن صلى وراء ظهرها فلم يكن بين يديه من بنيانها شيء يستره لم يجزه حينئذ؛ لأن بناء الكعبة ليس بين يديه شيء يستره وإن بني فوقها ما يستر المصلي فصلى فوقها أجزأته صلاته وإذا جاز أن يصلي الرجل فيها نافلة جاز أن يصلي فريضة ولا موضع أطهر منها ولا أولى بالفضل، إلا أنا نحب أن يصلي في الجماعة، والجماعة خارج منها فأما الصلاة الفائتة فالصلاة فيها أحب إلي من الصلاة خارجا منها وكل ما قرب منها كان أحب إلي مما بعد
[باب النية في الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فرض الله عز وجل الصلوات وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد كل واحدة منهن ووقتها وما يعمل فيهن وفي كل واحدة منهن وأبان الله عز وجل منهن نافلة وفرضا فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79] ، ثم أبان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان بينا والله تعالى أعلم إذا كان من الصلاة نافلة وفرض وكان الفرض منها مؤقتا أن لا تجزي عنه صلاة إلا بأن ينويها مصليا
(قال الشافعي) :
وكان على المصلي في كل صلاة واجبة أن يصليها متطهرا وبعد الوقت ومستقبلا للقبلة وينويها بعينها ويكبر فإن ترك واحدة من هذه الخصال لم تجزه صلاته
(قال الشافعي) :
والنية لا تقوم مقام التكبير ولا تجزيه النية إلا أن تكون مع التكبير لا تتقدم التكبير ولا تكون بعده فلو قام إلى الصلاة بنية، ثم عزبت عليه النية بنسيان، أو غيره، ثم كبر وصلى لم تجزه هذه الصلاة وكذلك لو نوى صلاة بعينها ثم عزبت عنه نية الصلاة التي قام لها بعينها وثبتت نيته على أداء صلاة عليه في ذلك الوقت إما صلاة في وقتها وإما صلاة فائتة لم تجز هذه الصلاة؛ لأنه لم ينوها بعينها وهي لا تجزيه حتى ينويها بعينها لا يشك فيها ولا يخلط بالنية سواها وكذلك لو فاتته صلاة لم يدر أهي الظهر، أو العصر فكبر ينوي الصلاة الفائتة لم تجز عنه؛ لأنه لم يقصد بالنية قصد صلاة بعينها
(قال الشافعي) :
ولهذا قلنا إذا فاتت الرجل صلاة لم يدر أي صلاة هي بعينها صلى الصلوات الخمس ينوي بكل واحدة منهن الصلاة الفائتة لهولو فاتته صلاتان يعرفهما فدخل في إحداهما بنية، ثم شك فلم يدر أيتهما نوى وصلى لم تجزه هذه الصلاة عن واحدة منها ولا تجزيه الصلاة حتى يكون على يقين من التي نوى
(قال الشافعي) :
ولو دخل في صلاة بعينها بنية، ثم عزبت عنه النية فصلى الصلاة أجزأته؛ لأنه دخلها والنية مجزئة له وعزوب النية لا يفسدها إذا دخلها وهي مجزئة عنه إذا لم يصرف النية عنهاولو أن رجلا دخل في صلاة بنية، ثم صرف النية إلى صلاة غيرها، أو صرف النية إلى الخروج منها وإن لم يخرج منها، ثم أعاد النية إليها فقد فسدت عليه وساعة يصرف النية عنها تفسد عليه ويكون عليه إعادتها وكذلك لو دخلها بنية، ثم حدث نفسه أيعمل فيها أم يدع؟ فسدت عليه إذا أزال نيته عن المضي عليها بحال وليس كالذي نوى، ثم عزبت نيته ولم يصرفها إلى غيره؛ لأنه ليس عليه ذكر النية في كل حين فيها إذا دخل بهاولو كان مستيقنا أنه دخلها بنية، ثم شك هل دخلها بنية أم لا، ثم تذكر قبل أن يحدث فيها عملا أجزأته والعمل فيها قراءة، أو ركوع، أو سجود ولو كان شكه هذا وقد سجد فرفع رأسه فسجد فيها كان هذا عملا وإذا عمل شيئا من عملها وهو شاك في نيته أعاد الصلاة وإن ذكر قبل أن يعمل بعملها شيئا أجزأته الصلاةولو دخل الصلاة بنية، ثم صرف النية إلى صلاة غيرها نافلة، أو فريضة فتمت نيته على الصلاة التي صرفها إليها لم تجز عنه الصلاة الأولى التي دخل فيها ينويها؛ لأنه صرف النية عنها إلى غيرها ولا تجزيه الصلاة التي صرف إليها النية؛ لأنه لم يبتدئها وإن نواها ولو كبر ولم ينو صلاة بعينها ثم نواها لم تجزه؛ لأنه قد دخل في صلاة لم يقصد قصدها بالنيةولو فاتته ظهر وعصر فدخل في الظهر ينوي بها الظهر والعصر لم تجزه صلاته عن واحدة منهما؛ لأنه لم يخص النية للظهر ولا العصرولو فاتته صلاة لا يدري أي صلاة هي فكبر ينويها لم تجزه حتى ينويها بعينها.
[باب ما يدخل به في الصلاة من التكبير]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان بن سعيد الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي ابن الحنفية عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم»
(قال الشافعي) :
فمن أحسن التكبير لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير نفسه، والتكبير الله أكبر ولا يكون داخلا بغير التكبير نفسه ولو قال الله الكبير الله العظيم، أو الله الجليل، أو الحمد لله، أو سبحان الله، أو ما ذكر الله به لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير نفسه وهو الله أكبر، ولو قال الله أكبر من كل شيء وأعظم والله أكبر كبيرا فقد كبر وزاد شيئا فهو داخل في الصلاة بالتكبير والزيادة نافلة وكذلك إن قال الله الأكبر وهكذا التكبير وزيادة الألف واللام لا تحيل معنى التكبير ومن لم يحسن التكبير بالعربية كبر بلسانه ما كان وأجزأه وعليه أن يتعلم التكبير والقرآن والتشهد بالعربية فإن علم لم تجزه صلاته إلا بأن يأتي به بالعربية
(قال الشافعي) :
ولو أن رجلا عرف العربية وألسنة سواها فأتى بالتكبير نفسه بغير العربية لم يكن داخلا في الصلاة إنما يجزيه التكبير بلسانه ما لم يحسنه بالعربية فإذا أحسنها لم يجزه التكبير إلا بالعربية
(قال الشافعي) :
فمن قال كلمة مما وصفت أنه لا يكون داخلا بها في الصلاة، أو أغفل التكبير فصلى فأتى على جميع عمل الصلاة منفردا، أو إماما، أو مأموما أعاد الصلاةوإن ذكر بعدما يصلي ركعة، أو ركعتين أنه لم يكبر ابتدأ التكبير مكانه ينوي به تكبيرة الافتتاح وألغى ما مضى من صلاته؛ لأنه لم يكن في صلاة وكان حين كبر داخلا في الصلاة ولا أبالي أن لا يسلم؛ لأنه لم يكن في صلاة وسواء كان يصلي وراء إمام، أو منفردا فإن كان منفردا فهو الاستئناف ولا يزول من موضعه إن شاء وإن زال فلا شيء عليه وإن كان مأموما فكذلك يبتدئ التكبير، ثم يكون داخلا في الصلاة من ساعته التي كبر فيها ولا يمضي في صلاة لم يدخل فيها إذا لم يكبر للدخول فيها
(قال الشافعي) :
فإن كان مأموما فأدرك الإمام قبل أن يركع، أو راكعا فكبر تكبيرة واحدة فإن نوى بها تكبيرة الافتتاح أجزأته وكان داخلا في الصلاة وإن نوى بها تكبيرة الركوع لم يكن داخلا في الصلاة وإن كبر لا ينوي واحدة منهما فليس بداخل في الصلاة وإن كبر ينوي تكبيرة الافتتاح وجعل النية مشتركة بين التكبير الذي يدخل به في الصلاة وغيره فإذا ذكر فيما ذكرت أنه ليس بداخل به في الصلاة فاستأنف فكبر تكبيرة ينوي بها الافتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة؛ لأنه لم يكن في صلاة وإن ذكر فيما قلت هو فيه داخلا في نافلة وكبر ينوي المكتوبة لم يكن له مكتوبة؛ لأنه في صلاة حتى يسلم منها، ثم يدخل في المكتوبة بتكبير بعد الخروج من النافلةولو كبر ونوى المكتوبة وليس في صلاة وهو راكع لم يجزه ولا يجزيه حتى يكبر قائما فإن كان مع الإمام فأدركه قبل أن يرفع رأسه من ركوعه فقد أدرك الركعة وإن لم يدركه حتى يرفع رأسه من الركوع فقد فاتته تلك الركعة
(قال) :
ويكون عليه أن يكبر قائما ينوي المكتوبة ولا يكون داخلا في الصلاة المكتوبة إلا بما وصفت، وإن نقص من التكبير حرفا لم يكن داخلا في الصلاة إلا بإكماله التكبير قائماولو أبقى من التكبير حرفا أتى به وهو راكع، أو منحن للركوع، أو غير قائم لم يكن داخلا في الصلاة المكتوبة وكان داخلا في نافلة حتى يقطع بسلام، ثم يعود قائما فيكمل التكبير، وذلك مثل أن يقول: الله أكبر ولم ينطق بالراء من التكبير إلا راكعا، أو يحذف الراء فلم ينطق بها لم يكن مكملا للتكبير وإن قال الكبير الله لم أره داخلا في الصلاة بهذا وكذلك لو قرأ شيئا من القرآن لا تجزيه الصلاة إلا به قدم منه وأخر وأتى عليه رأيت أن يعيد حتى يأتي به متتابعا كما أنزل وإذا كان بالمصلي خبل لسان حركه بالتكبير ما قدر وبلغ منه أكثر ما يقدر عليه وأجزأه ذلك؛ لأنه قد فعل الذي قد أطاق منه وليس عليه أكثر منه وسواء في هذا الأخرس ومقطوع اللسان ومن بلسانه عارض ما كان، وهكذا يصنع هؤلاء في القراءة والتشهد والذكر في الصلاةوأحب للإمام أن يجهر بالتكبير ويبينه ولا يمططه ولا يحذفه وللمأموم ذلك كله إلا الجهر بالتكبير فإنه يسمعه نفسه ومن إلى جنبه إن شاء لا يجاوزه وإن لم يفعل ذلك الإمام ولا المأموم وأسمعاه أنفسهما أجزأهما وإن لم يسمعاه أنفسهما لم يجزهما ولا يكون تكبيرا مجزئا حتى يسمعاه أنفسهما وكل مصل من رجل، أو امرأة في التكبير سواء إلا أن النساء لا يجاوزن في التكبير استماع أنفسهن وإن أمتهن إحداهن أحببت أن تسمعهن وتخفض صوتا عليهن فإذا كبرن خفضن أصواتهن في التكبير في الخفض والرفع.
[باب من لا يحسن القراءة وأقل فرض الصلاة]
والتكبير في الخفض والرفعأخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن مالك أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله تعالى، ثم ليكبر فإن كان معه شيء من القرآن قرأ به وإن لم يكن معه شيء من القرآن فليحمد الله وليكبر، ثم ليركع حتى يطمئن راكعا، ثم ليرفع فليقم حتى يطمئن قائما، ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا، ثم ليرفع رأسه فليجلس حتى يطمئن جالسا فمن نقص من هذا فإنما ينقص من صلاته» أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال «جاء رجل يصلي في المسجد قريبا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعد صلاتك فإنك لم تصل، فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أعد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني يا رسول الله كيف أصلي؟ قال: إذا توجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وما شاء الله أن تقرأ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن ركوعك وامدد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن»
(قال الشافعي) :
وبهذا كله نأخذ فأمر من لم يحسن يقرأ أن يذكر الله تعالى فيحمده ويكبره ولا يجزيه إذا لم يحسن يقرأ إلا ذكر الله عز وجل وفي هذا دليل على أنه إنما خوطب بالقراءة من يحسنها وكذلك خوطب بالفرائض من يطيقها ويعقلها وإذ لم يحسن أم القرآن وأحسن غيرها لم يجزه أن يصلي بلا قراءة وأجزأه في غيرها بقدر أم القرآن لا يجزيه أقل من سبع آيات، وأحب إلي أن يزيد إن أحسن، وأقل ما أحب أن يزيد آية حتى تكون قدر أم القرآن وآية ولا يبين لي إن اقتصر على أم القرآن إن أحسنها، أو غيرها وقدرها إن لم يحسنها أن عليه إعادة فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات، أو أقل فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع آيات إذا أحسنهن وسواء كان الآي طوالا، أو قصارا لا يجزيه إلا بعدد آي أم القرآن وسواء كن في سورة واحدة، أو سور متفرقة لا يجزيه حتى يأتي بسبع آيات إذا أحسن سبعا، أو ثمانيا وكان أقل ما عليه أن يأتي بسبع آيات وإن لم يحسن سبعا ذكر الله عز وجل مع ما أحسن ولا يجزيه إلا أن يذكر الله العظيم فإذا جاء بشيء من ذكر الله تعالى أجزأه مع ما يحسن وإنما قلت هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جعل عليه أن يذكر الله حين لا يحسن أم القرآن وإن لم يأمره بصلاة بلا ذكر عقلت أنه إذا أحسن أم القرآن الذي هو سنة الصلاة كان عليه أوجب من الذكر غيره إن لم يحسن الرجل أم القرآن لم يجز أن يؤم من يحسن أم القرآن فإن أمه لم تجز للمأموم صلاته وأجزأت الإمام فإذا أحسن أم القرآن ولم يحسن غيرها لم أحب أن يؤم من يحسنها وأكثر منها وإن فعل فلا يبين لي أن يعيد من صلى خلفه؛ لأنها إن انتهى إليها فلا يبين لي أن يعيد من لم يزد عليها ولا أحب إلا أن يزاد معها آية، أو أكثر ويجوز أن يؤم من لا يحسن أم القرآن ولا شيئا من القرآن من لا يحسن ولا يجوز أن يؤم من لا يحسن أحدا يحسن شيئا من القرآن ومن أحسن شيئا من القرآن فهو أولى بأن يؤم ممن لا يحسن ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم، أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات، أو ثمان آيات وإن لم يفعل لم أر عليه إعادة ولا يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات، أو ثمان آيات من أحسنهن
(قال الشافعي) :
وفي حديث رفاعة بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الفرض عليه في الصلاة دون الاختيار فعلمه الوضوء وتكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولم يذكر أنه علمه القول بعد تكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولا التكبير في الخفض والرفع وقول سمع الله لمن حمده ولا رفع اليدين في الصلاة ولا التسبيح في الركوع والسجود وقد علمه القراءة فإن لم يحسن فالذكر وعلمه الركوع والسجود والاعتدال من الركوع والسجود والجلوس في الصلاة والقراءة فلهذا قلنا: من ترك افتتاح الصلاة بعد تكبيرة الافتتاح والتكبير في الخفض والرفع ورفع اليدين في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويجلس جلسة لم يأمره بها في الصلاة فقد ترك الاختيار وليست عليه إعادة صلاته وعلم رجلا في حديث ابن عجلان قراءة أم القرآن وقال ما شاء الله فجعل ذلك إلى القارئ فاحتمل أن يكون قراءة أم القرآن في الصلاة فرضا مع ما جاء فيها غير هذا مما يشبه أن يكون يدل على أنها تجزئ عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها وإن تركها وهو يحسن لم تجزه الصلاة وإن ترك غيرها كرهته له ولا يبين لي أن عليه إعادة الصلاة وهو قد يحتمل أن يكون الفرض على من أحسن القراءة قراءة أم القرآن وآية، أو أكثر؛ لأن أقل ما ينبغي أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وما شاء الله معها» فلا أحب لأحد أن يدع أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية وإن تركها كرهته له، ولا يبين لي أن عليه إعادة لما وصفت وإن حديث عبادة وأبي هريرة يدلان على فرض أم القرآن ولا دلالة له فيهما ولا في واحد منهما على فرض غيرها معها
(قال الشافعي) :
والعمد في ترك أم القرآن والخطأ سواء في أن لا تجزئ ركعة إلا بها، أو بشيء معها إلا ما يذكر من المأموم إن شاء الله تعالى ومن لا يحسن يقرؤها؛ ولهذا قلنا: إن من لم يحسن يقرأ أجزأته الصلاة بلا قراءة وبأن الفرض على من علمه ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجلوس للتشهد إنما ذكر الجلوس من السجود فأوجبنا التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أحسنه بغير هذا الحديث، فأقل ما على المرء في صلاته ما وصفنا، وأكمله ما نحن فيه ذاكرون إن شاء الله تعالى.
[باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى تحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين»
(قال الشافعي)
وقد روى هذا سوى ابن عمر اثنا عشر رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
وبهذا نقول فنأمر كل مصل إماما، أو مأموما، أو منفردا؛ رجلا، أو امرأة؛ أن يرفع يديه إذا افتتح الصلاة؛ وإذا كبر للركوع؛ وإذا رفع رأسه من الركوع ويكون رفعه في كل واحدة من هذه الثلاث حذو منكبيه؛ ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير كله ويكون مع افتتاح التكبير، ورد يديه عن الرفع مع انقضائه.ولا نأمره أن يرفع يديه في شيء من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاث فإن كان بإحدى يدي المصلي علة لا يقدر على رفعها معها حتى يبلغ حيث وصفت ويقدر على رفعها دون ذلك رفعها إلى حيث يقدر فإن كانت به علة لا يقدر على رفعها معها مجاوزا لمنكبيه ولا يقدر على الاقتصار برفعها على منكبيه ولا ما دونهما فلا يدع رفعهما وإن جاوز منكبيه
(قال الشافعي) :
وإن كانت به علة يقدر معها على أخذ رفعين إما رفع دون منكبيه وإما رفع فوق منكبيه، ولا يقدر على رفعهما حذو منكبيه رفعهما فوق منكبيه؛ لأنه قد جاء بالرفع كما أمر والزيادة شيء غلب عليه
(قال الشافعي) :
وإن كانت إحداهما صحيحة والأخرى عليلة صنع بالعليلة ما وصفت واقتصر بالصحيحة على حذو منكبيه وإن غفل فصلى بلا رفع اليدين حيث أمرته به وحتى تنقضي التكبيرة التي أمرته بالرفع فيها لم يرفعهما بعد التكبيرة ولا بعد فراغه من قول: سمع الله لمن حمده ولا في موضع غيره؛ لأنه هيئة في وقت فإذا مضى لم يوضع في غيره وإن أغفله عند ابتداء التكبير وذكره قبل أن يقضيه رفع وكل ما قلت يصنعه في التكبيرة الأولى والتكبيرة للركوع أمرته يصنعه في قوله " سمع الله لمن حمده " وفي قوله " ربنا ولك الحمد " وإن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير مرفوعتين قليلا فلا يضره ولا آمره به ورفع اليدين في كل صلاة نافلة وفريضة سواء
(قال الشافعي) :
ويرفع يديه في كل تكبيرة على جنازة خبرا وقياسا على أنه تكبير وهو قائم وفي كل تكبير العيدين والاستسقاء؛ لأن كل هذا تكبير وهو قائم وكذلك يرفع يديه في التكبير لسجود القرآن وسجود الشكر؛ لأنهما معا تكبير افتتاح وسواء في هذا كله صلى، أو سجد وهو قائم، أو قاعد، أو مضطجع يومئ إيماء في أن يرفع يديه؛ لأنه في ذلك كله في موضع قيام وإن ترك رفع اليدين في جميع ما أمرته به، أو رفعهما حيث لم آمره في فريضة، أو نافلة، أو سجود، أو عيد، أو جنازة كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة صلاة ولا سجود لسهو عمد ذلك، أو نسيه، أو جهله؛ لأنه هيئة في العمل وهكذا أقول في كل هيئة في عمل تركها
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (17)
صــــــــــ 128 الى صـــــــــــ136
[باب افتتاح الصلاة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد وغيرهما عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم كان إذا ابتدأ الصلاة وقال غيره منهم كان إذا افتتح الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وقال أكثرهم وأنا أول المسلمين قال ابن أبي رافع وشككت أن يكون أحدهم قال وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا يغفرها إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت أنا بك وإليك لا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة ثم كبر قال {وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79] وآيتين بعدها إلى قوله {وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 163] ثم يقول اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق ولا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت أنا بك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك»
(قال الشافعي) :
وبهذا كله أقول وآمر وأحب أن يأتي به كما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغادر منه شيئا ويجعل مكان: " وأنا أول المسلمين " " وأنا من المسلمين "
(قال) :
فإن زاد فيه شيئا، أو نقصه كرهته ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه عمد ذلك، أو نسيه، أو جهله
(قال الشافعي) :
وإن سها عنه حين يفتتح الصلاة ثم ذكر قبل أن يفتتح القراءة أحببت أن يقوله وإن لم يذكره حتى يفتتح القراءة لم يقله ولا يقوله إلا في أول ركعة ولا يقوله فيما بعدها بحال.وإن ذكره قبل افتتاح القراءة وقبل التعوذ أحببت أن يقوله
(قال الشافعي) :
وسواء في ذلك الإمام والمأموم إذا لم يفت المأموم من الركعة ما لا يقدر عليه فإن فاته منها ما يقدر على بعض هذا القول ولا يقدر على بعضه أحببت أن يقوله وإن لم يقله لم يقضه في ركعة غيرها وإن كان خلف الإمام فيما لا يجهر فيه ففاته من الركعة ما لو قاله لم يقرأ أم القرآن تركه.وإن قال غيرها من ذكر الله وتعظيمه لم يكن عليه فيه شيء إن شاء الله تعالى، وكذلك إن قاله حيث لا آمره أن يقوله ولا يقطع ذكر الله الصلاة في أي حال ذكره
(قال الشافعي) :
ويقول هذا في الفريضة والنافلة.
[باب التعوذ بعد الافتتاح]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله عز وجل {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد بن عثمان عن صالح بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعا صوته ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في المكتوبة وإذا فرغ من أم القرآن.
(قال الشافعي)
وكان ابن عمر يتعوذ في نفسه.
(قال الشافعي) :
وأيهما فعل الرجل أجزأه إن جهر، أو أخفى وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن وبذلك أقول وأحب أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأي كلام استعاذ به أجزأه ويقوله في أول ركعة وقد قيل إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن ولا آمر به في شيء من الصلاة أمرت به في أول ركعة وإن تركه ناسيا، أو جاهلا، أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو وأكره له تركه عامدا وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها وإنما منعني أن آمره أن يعيد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال كبر ثم اقرأ» (قال) : ولم يرو عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح فدل على أن افتتاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختيار وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه
[باب القراءة بعد التعوذ]
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى - وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ القارئ في الصلاة بأم القرآن ودل على أنها فرض على المصلي إذا كان يحسن يقرؤها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن ربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبي تميمة عن قتادة عن أنس قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين»
(قال الشافعي) :
يعني يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها والله تعالى أعلم لا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم
(قال الشافعي) :
فواجب على من صلى منفردا، أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها وأحب أن يقرأ معها شيئا آية، أو أكثر وسأذكر المأموم إن شاء الله تعالى
(قال الشافعي) :
وإن ترك من أم القرآن حرفا واحدا ناسيا، أو ساهيا لم يعتد بتلك الركعة؛ لأن من ترك منها حرفا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال
(قال الشافعي) :
بسم الله الرحمن الرحيم: الآية السابعة فإن تركها، أو بعضها لم تجزه الركعة التي تركها فيها
(قال الشافعي) :
وبلغني أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يقول «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح القراءة ب بسم الله الرحمن الرحيم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني أبي عن سعيد بن جبير " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " قال هي أم القرآن قال أبي وقرأها على سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال سعيد فقرأها على ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال ابن عباس فادخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح مولى التوأمة أن أبا هريرة كان يفتتح الصلاة ب " بسم الله الرحمن الرحيم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار أن يا معاوية سرقت صلاتك أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت فصلى بهم صلاة أخرى فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن معاوية والمهاجرين والأنصار مثله، أو مثل معناه لا يخالفه وأحسب هذا الإسناد أخفض من الإسناد الأول
(قال الشافعي) :
وفي الأولى أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولم يقرأها في السورة التي بعدها فذلك زيادة حفظها ابن جريج وقوله فصلى بهم صلاة أخرى يحتمل أن يكون أعاد ويحتمل أن تكون الصلاة التي تليها، والله تعالى أعلم.أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن وللسورة التي بعدها.
(قال للشافعي)
هذا أحب إلي؛ لأنه حينئذ مبتدئ قراءة القرآن
(قال الشافعي) :
وإن أغفل أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وقرأ من الحمد لله رب العالمين حتى يختم السورة كان عليه أن يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على السورة
(قال الشافعي) :
ولا يجزيه أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم بعد قراءة الحمد لله رب العالمين ولا بين ظهرانيها حتى يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم يبتدئ أم القرآن فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه وكذلك لو أغفل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] حتى يأتي على آخر السورة وعاد فقال الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على آخر السورة، وكذلك لو أغفل " الحمد " فقط فقال: {لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] عاد فقرأ " الحمد "، وما بعدها لا يجزيه غيره حتى يأتي بها كما أنزلت ولو أجزت له أن يقدم منها شيئا عن موضعه، أو يؤخره ناسيا أجزت له إذا نسي أن يقرأ آخر آية منها ثم التي تليها قبلها ثم التي تليها حتى يجعل بسم الله الرحمن الرحيم آخرها، ولكن لا يجزي عنه حتى يأتي بها بكمالها كما أنزلت ولو وقف فيها، أو تعايا، أو غفل فأدخل فيها آية، أو آيتين من غيرها رجع حتى يقرأ من حيث غفل، أو يأتي بها متوالية فإن جاء بها متوالية لم يقدم منها مؤخرا وإنما أدخل بينها آية من غيرها أجزأت؛ لأنه قد جاء بها متوالية، وإنما أدخل بينها ما له قراءته في الصلاة فلا يكون قاطعا لها به وإن وضعه غير موضعه ولو عمد أن يقرأ منها شيئا ثم يقرأ قبل أن يكملها من القرآن غيرها كان هذا عملا قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها لا يجزيه غيرها، ولو غفل فقرأ ناسيا من غيرها لم يكن عليه إعادة ما مضى منها؛ لأنه معفو له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال ولو نسي فقرأ ثم ذكر فتم على قراءة غيرها كان هذا قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها ولو قرأ منها شيئا ثم نوى أن يقطعها ثم عاد فقرأ ما بقي أجزأته ولا يشبه هذا نيته في قطع المكتوبة نفسها وصرفها إلى غيرها ولكنه لو نوى قطعها وسكت شيئا كان قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها وعمد القطع لها حتى يأخذ في غيرها، أو يصمت فأما ما يتابعه قطعها حديث نفس موضوع عنه
(قال الشافعي) :
ولو بدأ فقرأ في الركعة غيرها ثم قرأها أجزأت عنه
[باب التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ، قال ابن شهاب: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول آمين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال أخبرنا سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7] فقولوا آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا قال أحدكم: آمين وقالت الملائكة في السماء: آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر الله له ما تقدم من ذنبه»
(قال الشافعي) :
فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال: آمين، ورفع بها صوته ليقتدي به من كان خلفه فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم ولا أحب أن يجهروا بها فإن فعلوا فلا شيء عليهم وإن تركها الإمام قالها من خلفه وأسمعه لعله يذكر فيقولها ولا يتركونها لتركه كما لو ترك التكبير والتسليم لم يكن لهم تركه، فإن لم يقلها ولا من خلفه فلا إعادة عليهم ولا سجود للسهو وأحب قولها لكل من صلى رجل، أو امرأة، أو صبي في جماعة كان، أو غير جماعة. ولا يقال: آمين إلا بعد أم القرآن فإن لم يقل لم يقضها في موضع غيره
(قال الشافعي) :
وقول آمين يدل على أن لا بأس أن يسأل العبد ربه في الصلاة كلها في الدين والدنيا مع ما يدل من السنن على ذلك
(قال الشافعي) :
ولو قال مع: آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله كان حسنا لا يقطع الصلاة شيء من ذكر الله
[باب القراءة بعد أم القرآن]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأحب أن يقرأ المصلي بعد أم القرآن سورة من القرآن فإن قرأ بعض سورة أجزأه فإن اقتصر على أم القرآن ولم يقرأ بعدها شيئا لم يبن لي أن يعيد الركعة ولا أحب ذلك له وأحب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم القرآن في الركعتين الأوليين قدر أقصر سورة من القرآن مثل {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] وما أشبهها وفي الأخريين أم القرآن وآية وما زاد كان أحب إلي ما لم يكن إماما فيثقل عليه (قال) : وإذا أغفل من القرآن بعد أم القرآن شيئا، أو قدمه، أو قطعه لم يكن عليه إعادة وأحب أن يعود فيقرأه وذلك أنه لو ترك قراءة ما بعد أم القرآن أجزأته الصلاة وإذا قرأ بأم القرآن وآية معها أي آية كانت إن شاء الله تعالى
[باب كيف قراءة المصلي]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]
(قال الشافعي) :
وأقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة وكلما زاد على أقل الإبانة في القراءة كان أحب إلي ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطا.وأحب ما وصفت لكل قارئ في صلاة وغيرها وأنا له في المصلي أشد استحبابا منه للقارئ في غير صلاة فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من القراءة شيء إلا نطق به أجزأته قراءته ولا يجزئه أن يقرأ في صدره القرآن ولم ينطق به لسانه ولو كانت بالرجل تمتمة لا تبين معها القراءة أجزأته قراءته إذا بلغ منها ما لا يطيق أكثر منه وأكره أن يكون إماما وإن أم أجزأ إذا أيقن أنه قرأ ما تجزئه به صلاته، وكذلك الفأفاء أكره أن يؤم فإن أم أجزأه وأحب أن لا يكون الإمام أرت ولا ألثغ وإن صلى لنفسه أجزأه وأكره أن يكون الإمام لحانا؛ لأن اللحان قد يحيل معاني القرآن فإن لم يلحن لحنا يحيل معنى القرآن أجزأته صلاته.وإن لحن في أم القرآن لحانا يحيل معنى شيء منها لم أر صلاته مجزئة عنه ولا عمن خلفه وإن لحن في غيرها كرهته ولم أر عليه إعادة؛ لأنه لو ترك قراءة غير أم القرآن وأتى بأم القرآن رجوت أن تجزئه صلاته وإذا أجزأته أجزأت من خلفه إن شاء الله تعالى.وإن كان لحنه في أم القرآن وغيرها لا يحيل المعنى أجزأت صلاته وأكره أن يكون إماما بحال.
[باب التكبير للركوع وغيره]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر كلما خفض ورفع فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
ولا أحب لمصل منفردا ولا إماما ولا مأموما أن يدع التكبير للركوع والسجود والرفع والخفض؛ وقول سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد إذا رفع من الركوع ولو رفع رأسه من شيء مما وصفت، أو وضعه بلا تكبير لم يكن عليه أن يكبر بعد رفع الرأس ووضعه وإذا ترك التكبير في موضعه لم يقضه في غيره " قال أبو محمد الربيع بن سليمان: فاتني من هذا الموضع من الكتاب وسمعته من البويطي وأعرفه من كلام الشافعي ".
(قال الشافعي) :
وإذا أراد الرجل أن يركع ابتدأ بالتكبير قائما فكان فيه وهو يهوي راكعا وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع ابتدأ قوله: سمع الله لمن حمده رافعا مع الرفع ثم قال إذا استوى قائما وفرغ من قوله: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قائما ثم هوى مع ابتدائه حتى ينتهي إلى السجود وقد فرغ من آخر التكبير ولو كبر وأتم بقية التكبير ساجدا لم يكن عليه شيء واجب إلى أن لا يسجد إلا وقد فرغ من التكبير فإذا رفع رأسه من السجود ابتدأ التكبير حتى يستوي جالسا وقد قضاه فإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قاعدا وأتمه وهو يهوي للسجود ثم هكذا في جميع صلاته.ويصنع في التكبير ما وصفت من أن يبينه ولا يمططه ولا يحذفه فإذا جاء بالتكبير بينا أجزأه ولو ترك التكبير سوى تكبيرة الافتتاح وقوله سمع الله لمن حمده لم يعد صلاته وكذلك من ترك.
الذكر في الركوع والسجود وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب ثم السنة قال الله عز وجل {اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] ولم يذكر في الركوع والسجود عملا غيرهما فكانا الفرض فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع، أو سجود فقد جاء بالفرض عليه والذكر فيهما سنة اختيار وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه.
(قال الشافعي) :
«ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي صلاة لم يحسنها فأمره بالإعادة ثم صلاها فأمره بالإعادة فقال له يا رسول الله علمني فعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركوع والسجود والرفع والتكبير للافتتاح، وقال فإذا جئت بهذا فقد تمت صلاتك ولم يعلمه ذكرا في ركوع ولا سجود ولا تكبيرا سوى تكبيرة الافتتاح ولا قول سمع الله لمن حمده فقال له فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك وما نقصت منه فقد نقصت من صلاتك» فدل ذلك على أنه علمه ما لا تجزئ الصلاة إلا به وما فيه ما يؤديها عنه وإن كان الاختيار غيره
[باب القول في الركوع]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا البويطي قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وعظامي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله رب العالمين» أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد أحسبه عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربي خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين» أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة وإبراهيم بن محمد عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا، أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه» قال أحدهما من الدعاء وقال الآخر فاجتهدوا فإنه قمن أن يستجاب.
(قال الشافعي) :
ولا أحب لأحد أن يقرأ راكعا ولا ساجدا لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهما موضع ذكر غير القراءة وكذلك لا أحب لأحد أن يقرأ في موضع التشهد قياسا على هذا أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ركع أحدكم فقال سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه» .
(قال الشافعي) :
إن كان هذا ثابتا فإنما يعني والله تعالى أعلم أدنى ما ينسب إلى كمال الفرض والاختيار معا لا كمال الفرض وحده وأحب أن يبدأ الراكع في ركوعه أن يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا ويقول ما حكيت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله وكل ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركوع، أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه إماما كان، أو منفردا وهو تخفيف لا تثقيل " قال الربيع إلى ها هنا انتهى سماعي من البويطي ".أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وأقل كمال الركوع أن يضع كفيه على ركبتيه فإذا فعل فقد جاء بأقل ما عليه في الركوع حتى لا يكون عليه إعادة هذه الركعة وإن لم يذكر في الركوع لقول الله عز وجل {اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] فإذا ركع وسجد فقد جاء بالفرض، والذكر فيه سنة اختيار لا أحب تركها وما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل من الركوع والسجود ولم يذكر الذكر فدل على أن الذكر فيه سنة اختيار وإن كان أقطع، أو أشل إحدى اليدين أخذ إحدى ركبتيه بالأخرى وإن كانتا معا عليلتين بلغ من الركوع ما لو كان مطلق اليدين فوضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه، ولا يجزيه غير ذلك وإن كان صحيح اليدين فلم يضع يديه على ركبتيه فقد أساء ولا شيء عليه إذا بلغ من الركوع ما لو وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه إذا ترك وضع يديه على ركبتيه وشك في أنه لم يبلغ من الركوع ما لو وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه لم يعتد بهذه الركعة.
(قال الشافعي) :
وكمال الركوع أن يضع يديه على ركبتيه ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض عنقه عن ظهره ولا يرفعه ولا يجافي ظهره ويجتهد أن يكون مستويا في ذلك كله فإن رفع رأسه عن ظهره، أو ظهره عن رأسه، أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب كرهت ذلك له ولا إعادة عليه؛ لأنه قد جاء بالركوع والركوع في الظهر، ولو بلغ أن يكون راكعا فرفع يديه فلم يضعهما على ركبتيه ولا غيرهما لم تكن عليه إعادة ولو أن رجلا أدرك الإمام راكعا فركع قبل أن يرفع الإمام ظهره من الركوع اعتد بتلك الركعة، ولو لم يركع حتى يرفع الإمام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بها حتى يصير راكعا والإمام راكع بحاله، ولو ركع الإمام فاطمأن راكعا ثم رفع رأسه من الركوع فاستوى قائما، أو لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع ثم عاد فركع ليسبح فأدركه رجل في هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة؛ لأن الإمام قد أكمل الركوع أولا وهذا ركوع لا يعتد به من الصلاة.
(قال الربيع)
وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح ثم رفع رأسه ثم عاد فركع ليسبح فقد بطلت صلاته؛ لأن ركوعه الأول كان تماما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة أخرى ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى.
(قال الشافعي) :
وإذا ركع الرجل مع الإمام ثم رفع قبل الإمام فأحب أن يعود حتى يرفع الإمام رأسه ثم يرفع برفعه، أو بعده وإن لم يرفع وقد ركع مع الإمام كرهته له ويعتد بتلك الركعة ولو ركع المصلي فاستوى راكعا وسقط إلى الأرض كان عليه أن يقوم حتى يعتدل صلبه قائما ولم يكن عليه أن يعود لركوع؛ لأنه قد ركع ولو أدركه رجل بعد ما ركع وسقط راكعا باركا، أو مضطجعا، أو فيما بين ذلك لم يزل عن الركوع فركع معه لم يعتد بتلك الركعة؛ لأنه راكع في حين لا يجزئ فيه الركوع ألا ترى أنه لو ابتدأ الركوع في تلك الحال لم يكن راكعا؛ لأن فرضه أن يركع قائما لا غير قائم ولو عاد فقام راكعا كما هو فأدركه رجل فركع معه في تلك الحال لم تجزه تلك الركعة؛ لأنه قد خرج من الركوع الأول حين زايل القيام واستأنف ركوعا غير الأول قبل سجوده وإذا كان الرجل إماما فسمع حس رجل خلفه لم يقم راكعا له ولا يحبسه في الصلاة شيء انتظارا لغيره ولا تكون صلاته كلها إلا خالصا لله عز وجل لا يريد بالمقام فيها شيئا إلا هو عز وجل.
[باب القول عند رفع الرأس من الركوع]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ويقول الإمام والمأموم والمنفرد عند رفعهم رءوسهم من الركوع سمع الله لمن حمده فإذا فرغ منها قائلها أتبعها فقال ربنا ولك الحمد وإن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد ولو قال لك الحمد ربنا اكتفى والقول الأول اقتداء بما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي ولو قال من حمد الله سمع له لم أر عليه إعادة وأن يقول سمع الله لمن حمده اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن أبي داود ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع في الصلاة المكتوبة قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» وإن لم يزد على أن يركع ويرفع ولم يقل شيئا كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا سجود سهو.
[باب كيف القيام من الركوع]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عجلان عن علي بن يحيى عن رفاعة بن رافع «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن لركوعك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها» .
(قال الشافعي) :
ولا يجزي مصليا قدر على أن يعتدل قائما إذا رفع رأسه من الركوع شيء دون أن يعتدل قائما إذا كان ممن يقدر على القيام وما كان من القيام دون الاعتدال لم يجزئه.
(قال الشافعي) :
ولو رفع رأسه فشك أن يكون اعتدل ثم سجد، أو طرحه شيء عاد فقام حتى يعتدل ولم يعتد بالسجود حتى يعتدل قائما قبله وإن لم يفعل لم يعتد بتلك الركعة من صلاته ولو ذهب ليعتدل فعرضت له علة تمنعه الاعتدال فسجد أجزأت عنه تلك الركعة من صلاته؛ لأنه لم يكن ممن يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه قبل السجود فعليه أن يعود معتدلا؛ لأنه لم يدع القيام كله بدخوله في عمل السجود الذي يمنعه حتى صار يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع وإن فعل فعليه سجود السهو؛ لأنه زاد في صلاته ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول ثم يهوي ساجدا، أو يأخذ في التكبير فيهوي وهو فيه وبعد أن يصل إلى الأرض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك، أو كبر معتدلا، أو ترك التكبير كرهت ذلك له، ولا إعادة، ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عز وجل يدعو وساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو؛ لأن القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع وهذا الموضع موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا يوجب عليه سهوا، ولذلك لو أطال القيام ينوي به القنوت كان عليه سجود السهو؛ لأن القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه، أوجب عليه السهو.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (18)
صــــــــــ 136 الى صـــــــــــ141
[باب كيف السجود]
أخبرنا الربيع قال.
(قال الشافعي) :
وأحب أن يبتدئ التكبير قائما وينحط مكانه ساجدا ثم يكون أول ما يضع على الأرض منه ركبتيه ثم يديه ثم وجهه وإن وضع وجهه قبل يديه، أو يديه قبل ركبتيه كرهت ذلك ولا إعادة ولا سجود سهو عليه ويسجد على سبع وجهه وكفيه وركبتيه وصدور قدميه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد منه على سبع يديه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه وجبهته ونهى أن يكفت الشعر والثياب قال سفيان: وزادنا فيه ابن طاوس: فوضع يده على جبهته ثم أمرها على أنفه حتى بلغ طرف أنفه» وكان أبي يعد هذا واحدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا عمرو بن دينار سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يسجد منه على سبع ونهى أن يكفت شعره، أو ثيابه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه» .
(قال الشافعي) :
وكمال فرض السجود وسنته أن يسجد على جبهته وأنفه وراحتيه وركبتيه وقدميه وإن سجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له وأجزأه؛ لأن الجبهة موضع السجود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن يحيى بن علي بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة، أو عن رفاعة بن رافع بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا إذا سجد أن يمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله ثم يكبر فيرفع رأسه ويكبر فيستوي قاعدا يثني قدميه حتى يقيم صلبه ويخر ساجدا حتى يمكن وجهه بالأرض وتطمئن مفاصله فإذا لم يصنع هذا أحدكم لم تتم صلاته» .
(قال الشافعي) :
ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة؛ لأنه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه؛ لأن الجبهة موضع السجود وإنما سجد، والله أعلم على الأنف لاتصاله بها ومقاربته لمساويها ولو سجد على خده، أو على صدغه لم يجزه السجود؛ لأن الجبهة موضع السجود ولو سجد على رأسه ولم يمس شيئا من جبهته الأرض لم يجزه السجود وإن سجد على رأسه فماس شيئا من جبهته الأرض أجزأه السجود إن شاء الله تعالى ولو سجد على جبهته ودونها ثوب، أو غيره لم يجزه السجود إلا أن يكون جريحا فيكون ذلك عذرا ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرق فماس شيئا من جبهته على الأرض أجزأه ذلك؛ لأنه ساجد وشيء من جبهته على الأرض وأحب أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحر فإن لم يفعل وسترهما من حر، أو برد وسجد عليهما فلا إعادة عليه ولا سجود سهو.
(قال الشافعي) :
ولا أحب هذا كله في ركبتيه بل أحب أن تكون ركبتاه مستترتين بالثياب ولا أحب أن يخفف عن ركبتيه من الثياب شيئا لأني لا أعلم أحدا أمر بالإفضاء بركبتيه إلى الأرض وأحب إذا لم يكن الرجل متخففا أن يفضي بقدميه إلى الأرض ولا يسجد منتعلا فتحول النعلان بين قدميه والأرض فإن أفضى بركبتيه إلى الأرض، أو ستر قدميه من الأرض فلا شيء عليه؛ لأنه قد يسجد منتعلا متخففا ولا يفضي بقدميه إلى الأرض.
(قال الشافعي) :
وفي هذا قولان أحدهما أن يكون عليه أن يسجد على جميع أعضائه التي أمرته بالسجود عليها ويكون حكمها غير حكم الوجه في أن له أن يسجد عليها كلها متغطية فتجزيه؛ لأن اسم السجود يقع عليها وإن كانت محولا دونها بشيء فمن قال هذا قال إن ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر على إيقاعه الأرض فلم يسجد كما إذا ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر على ذلك فلم يسجد وإن سجد على ظهر كفيه لم يجزه؛ لأن السجود على بطونها وكذلك إن سجد على حروفها وإن ماس الأرض ببعض يديه أصابعهما، أو بعضهما، أو راحتيه، أو بعضهما، أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا هذا في القدمين والركبتين.
(قال الشافعي) :
وهذا مذهب يوافق الحديث، والقول الثاني أنه إذا سجد على جبهته، أو على شيء منها دون ما سواها أجزأه؛ لأنه إنما قصد بالسجود قصد الوجه تعبد الله تعالى «وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره» وأنه أمر بكشف الوجه ولم يأمر بكشف ركبة ولا قدم ولو أن رجلا هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض لم يعتد بهذا السجود؛ لأنه لم يرده ولو انقلب يريده فماست جبهته الأرض أجزأه السجود وهكذا لو هوى على وجهه لا يريد سجودا فوقع على جبهته لم يعتد بهذا له سجودا ولو هوى يريد السجود وكان على إرادته فلم يحدث إرادة غير إرادته السجود أجزأه السجود ولا يجزيه إذا سجد السجدة الأولى إلا أن يرفع رأسه ثم يستوي قاعدا حتى يعود كل عضو منه إلى مفصله ثم ينحط فيسجد الثانية فإن سجد الثانية قبل هذا لم يعدها سجدة لما وصفت من حديث رفاعة بن رافع وعليه في كل ركعة وسجدة من الصلاة ما وصفت وكذلك كل ركعة وقيام ذكرته في الصلاة فعليه فيه من الاعتدال والفعل ما وصفت.
[باب التجافي في السجود]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
روى عبد الله بن أبي بكر عن عباس بن سهل عن أبي حميد بن سعد الساعدي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى بين يديه» وروى صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يرى بياض إبطيه مما يجافي بدنه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن داود بن قيس الفراء، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي، عن أبيه قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاع من نمرة، أو النمرة شك الربيع ساجدا فرأيت بياض إبطيه» .
(قال الشافعي) :
وهكذا أحب للساجد أن يكون متخويا والتخوية أن يرفع صدره عن فخذيه وأن يجافي مرفقيه وذراعيه عن جنبيه حتى إذا لم يكن عليه ما يستر تحت منكبيه رأيت عفرة إبطيه ولا يلصق إحدى ركبتيه بالأخرى ويجافي رجليه ويرفع ظهره ولا يحدودب ولكنه يرفعه كما وصفت غير أن يعمد رفع وسطه عن أسفله وأعلاه.
(قال الشافعي) :
وقد أدب الله تعالى النساء بالاستتار وأدبهن بذلك رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأحب للمرأة في السجود أن تضم بعضها إلى بعض وتلصق بطنها بفخذيها وتسجد كأستر ما يكون لها وهكذا أحب لها في الركوع والجلوس وجميع الصلاة أن تكون فيها كأستر ما يكون لها وأحب أن تكفت جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة عليها لئلا تصفها ثيابها.
(قال الشافعي) :
فكل ما وصفت اختيار لهما كيفما جاءا معا بالسجود والركوع أجزأهما إذا لم يكشف شيء منهما.
[باب الذكر في السجود]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد قال اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» أخبرنا الربيع قال أخبرني الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال " أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل إذا كان ساجدا ألم تر إلى قوله عز ذكره {واسجد واقترب} [العلق: 19] يعني افعل واقرب.
(قال الشافعي) :
ويشبه ما قال مجاهد، والله تعالى أعلم ما قال وأحب أن يبدأ الرجل في السجود بأن يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يقول ما حكيت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله في سجوده ويجتهد في الدعاء فيه رجاء الإجابة ما لم يكن إماما فيثقل على من خلفه، أو مأموما فيخالف إمامه ويبلغ من هذا إماما ما لم يكن ثقلا ومأموما ما لم يخالف الإمام.
(قال الشافعي) :
وإن ترك هذا تارك كرهته له ولا إعادة عليه ولا سجود سهو عليه والرجل والمرأة في الذكر والصلاة سواء ولكن آمرها بالاستتار دونه في الركوع والسجود بأن تضم بعضها إلى بعض وإذا أخذ الرجل في رفع رأسه من السجود ووضعه إذا أخذ في التكبير، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية أخذ في التكبير وانحط فيكون منحطا للسجود مكبرا حتى يكون انقضاء تكبيره مع سجوده ثم إذا أراد القيام من السجدة الثانية كبر مع رفع رأسه حتى يكون انقضاء تكبيره مع قيامه وإذا أراد الجلوس للتشهد قبل ذلك حذف التكبير حتى يكون انقضاؤه مع استوائه جالسا وإن ترك التكبير في الرفع والخفض والتسبيح والدعاء في السجود والقول الذي أمرته به عند رفع رأسه من السجود ترك فضلا ولا إعادة عليه ولا سهو عليه؛ لأنه قد جاء بالركوع والسجود.
[باب الجلوس إذا رفع من السجود بين السجدتين]
والجلوس من الآخرة للقيام والجلوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة أنه سمع عباس بن سهل الساعدي يخبر عن أبي حميد الساعدي قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في السجدتين ثنى رجله اليسرى فجلس عليها ونصب قدمه اليمنى وإذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته الأرض ونصب وركه اليمنى» .أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله
(قال الشافعي) :
وبهذا كله نقول فنأمر كل مصل من الرجال والنساء أن يكون جلوسه في الصلوات ثلاث جلسات إذا رفع رأسه من السجود لم يرجع على عقبه وثنى رجله اليسرى وجلس عليها كما يجلس في التشهد الأول وإذا أراد القيام من السجود، أو الجلوس اعتمد بيديه معا على الأرض ونهض ولا أحب أن ينهض بغير اعتماد فإنه يروى «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعتمد على الأرض إذا أراد القيام» .
(قال الشافعي) :
وكذلك أحب إذا قام من التشهد ومن سجدة سجدها لسجود في القرآن وشكر، وإذا أراد الجلوس في مثنى جلس على رجله اليسرى مثنية يماس ظهرها الأرض ونصب رجله اليمنى ثانيا أطراف أصابعها وبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى وقبض أصابع يده اليمنى على فخذه اليمنى إلا المسبحة والإبهام وأشار بالمسبحة أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعافري قال رآني ابن عمر وأنا أعبث بالحصى فلما انصرف نهاني وقال: اصنع كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع فقلت: وكيف كان يصنع؟ قال «كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى» وإذا جلس في الرابعة أخرج رجليه معا من تحته وأفضى بأليتيه إلى الأرض وصنع بيديه كما صنع في الجلسة التي قبلها وإذا جلس في الصبح فلها جلسة واحدة وهي آخرة أولى فيجلسها الجلسة الأخيرة، أولى وإن فاتته منها ركعة جلس مع الإمام فيها جلستين فجلس الأولى جلوس الأولى والآخرة جلوس الآخرة وإذا فاته منه ركعة وأكثر وجلس مع الإمام في الصلاة جلستين وأكثر جلس في كل واحدة منهن جلوس الأولى وجلس في الآخرة جلوس الآخرة وكيفما جلس عامدا عالما، أو جاهلا، أو ناسيا فلا إعادة عليه ولا سجود للسهو والاختيار له ما وصفت وإذا كانت به علة فاستطاع أن يقارب في الجلوس الأول والثاني ما وصفت أحببت له مقاربته.
[باب القيام من الجلوس]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال «جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا وقال والله إني لأصلي وما أريد الصلاة ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فذكر أنه يقوم من الركعة الأولى وإذا أراد أن ينهض قلت كيف قال مثل صلاتي هذه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة مثله، غير أنه قال: وكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى فاستوى قاعدا قام واعتمد على الأرض.
(قال الشافعي) :
وبهذا نأخذ فنأمر من قام من سجود، أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على الأرض بيديه معا اتباعا للسنة فإن ذلك أشبه للتواضع وأعون للمصلي على الصلاة وأحرى أن لا ينقلب، ولا يكاد ينقلب وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه ولا سجود سهو؛ لأن هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع والإقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو
[باب التشهد والصلاة على النبي]
- صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله» .
(قال الربيع)
وحدثناه يحيى بن حسان.
(قال الشافعي) :
وبهذا نقول وقد رويت في التشهد أحاديث مختلفة كلها فكان هذا أحبها إلي؛ لأنه أكملها أخبرنا الربيع قال:
(قال الشافعي) :
فرض الله عز وجل الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56] .
(قال الشافعي) :
فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع، أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما وصفت من أن الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرض في الصلاة والله تعالى أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن «عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك يعني في الصلاة قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون علي» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» .
(قال الشافعي) :
فلما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم التشهد في الصلاة وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز والله تعالى أعلم أن نقول: التشهد واجب والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واجبة والخبر فيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة فرض القرآن.
(قال الشافعي) :
فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض أن يتعلم التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ويصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها وإن تشهد ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتشهد فعليه الإعادة حتى يجمعهما جميعا وإن كان لا يحسنهما على وجههما أتى بما أحسن منهما ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أحسنهما فأغفلهما، أو عمد تركهما فسدت وعليه الإعادة فيهما جميعا والتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان تشهد أول وتشهد آخر، إن ترك التشهد الأول والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه ومن ترك التشهد الآخر ساهيا، أو عامدا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون تركه إياه قريبا فيتشهد هذا كله واحد لا تجزي أحدا صلاة إلا به سها عنه، أو عمده ويغني التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر الصلاة عن التشهد قبله ولا يكون على صاحبه إعادة ولا يغني عنه ما كان قبله من التشهد ولو فاتته ركعة من المغرب وأدرك الإمام يتشهد في ثانية فتشهد معه ثم تشهد معه في ثالثة ثم تشهد لنفسه في الثالثة فكان قد تشهد في المغرب ثلاث مرات ثم ترك التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر صلاته لم يجزه ما مضى من التشهدين وإنما فرقت بين المتشهدين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الأول في أن ليس لأحد قيام منه إلا الجلوس.
(قال الشافعي) :
ولو لم يزد رجل في التشهد على أن يقول: التحيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وصلى على رسول الله كرهت له ذلك ولم أر عليه إعادة؛ لأنه قد جاء باسم تشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى عباد الله والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف وكذلك من فاتته ركعة مع الإمام تشهد مع الإمام كما تشهد وإن كان موضع تركه من صلاته ولا يترك التشهد في حال وإذا أدرك الإمام جالسا تشهد بما قدر عليه وقام حين يقوم الإمام وإن سها عن التشهد مع الإمام في جميع تشهد الإمام وتشهد في آخر صلاته فلا إعادة عليه وكذلك لو ترك التشهد مع الإمام منفردا وتشهد في آخر صلاته أجزأته ومعنى قولي يجزئه التشهد بأن يجزئه التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجزيه أحدهما دون الآخر وإن اقتصرت في بعض الحالات فذكرت التشهد منفردا.ولو أدرك الصلاة مع الإمام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الإمام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم مع الإمام ساهيا وخرج بعد مخرجه أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (19)
صــــــــــ 142 الى صـــــــــــ150
[باب القيام من اثنتين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة قال «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد.
ذلك» .
(قال الشافعي) :
فبهذا قلنا إذا ترك المصلي التشهد الأول لم يكن عليه إعادة وإذا أراد الرجل القيام من اثنتين ثم ذكر جالسا تم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو فإن قام من الجلوس الآخر عاد فجلس فتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شيء من الصلاة أتمه وسجد للسهو رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة ولو جلس مثنى ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف فيبعد أعاد الصلاة؛ لأن الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم يجزه القيام ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم، أو راكع، أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشهد حتى يأتي بهما جميعا
[باب قدر الجلوس في الركعتين الأوليين والأخريين]
والسلام في الصلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين كأنه على الرضف» قلت حتى يقوم قال ذاك يريد.
(قال الشافعي) :
ففي هذا والله تعالى أعلم دليل على أن لا يزيد في الجلوس الأول على التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبذلك آمره فإني كرهته ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه.(قال) : وإذا وصف إخفافه في الركعتين الأوليين ففيه والله تعالى أعلم دليل على أنه كان يزيد في الركعتين الأخريين على قدر جلوسه في الأوليين فلذلك أحب لكل مصل أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الله وتحميده ودعاءه في الركعتين الأخيرتين وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماما في الركعتين الآخرتين أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه قليلا للتخفيف عمن خلفه.
(قال) :
وأرى أن يكون جلوسه إذا كان وحده أكثر من ذلك ولا أكره ما أطال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو، أو يخاف به سهوا وإن لم يزد في الركعتين الأخيرتين على التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كرهت ذلك له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه.(قال) : وأرى في كل حال للإمام أن يزيد التشهد والتسبيح والقراءة، أو يزيد فيها شيئا بقدر ما يرى أن من وراءه ممن يثقل لسانه قد بلغ أن يؤدي ما عليه، أو يزيد وكذلك أرى له في القراءة وفي الخفض والرفع أن يتمكن ليدركه الكبير والضعيف والثقيل وإن لم يفعل فجاء بما عليه بأخف الأشياء كرهت ذلك له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه.
[باب السلام في الصلاة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني غير واحد من أهل العلم عن إسماعيل بن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن عبد الوهاب بن بخت عن واثلة بن الأسقع «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا أبو علي أنه سمع عباس بن سهل يحدث عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن يمينه وعن يساره» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه ويساره» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن ابن حبان عن عمه واسع قال: مرة عن عبد الله بن عمر ومرة عن عبد الله بن زيد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال «كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سلم قال أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله السلام عليكم السلام عليكم وأشار بيده عن يمينه وعن.
شماله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بالكم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس أولا يكفي، أو: إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله» .
(قال الشافعي) :
وبهذه الأحاديث كلها نأخذ فنأمر كل مصل أن يسلم تسليمتين إماما كان، أو مأموما، أو منفردا ونأمر المصلي خلف الإمام إذا لم يسلم الإمام تسليمتين أن يسلم هو تسليمتين ويقول في كل واحدة منهما السلام عليكم ورحمة الله ونأمر الإمام أن ينوي بذلك من عن يمينه في التسليمة الأولى وفي التسليمة الثانية من عن يساره ونأمر بذلك المأموم وينوي الإمام في أي الناحيتين كان وإن كان بحذاء الإمام نواه في الأولى التي عن يمينه وإن نواه في الآخرة لم يضره وإن عزبت عن الإمام، أو المأموم النية وسلما السلام عليكم على الحفظة والناس وسلما لقطع الصلاة فلا يعيد واحد منهما سلاما ولا صلاة ولا يوجب ذلك عليه سجود سهو وإن اقتصر رجل على تسليمة فلا إعادة عليه وأقل ما يكفيه من تسليمه. أن يقول السلام عليكم فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم وإن لم يفعل حتى قام عاد فسجد للسهو ثم سلم وإن بدأ فقال: عليكم السلام، كرهت ذلك له، ولا إعادة في الصلاة عليه؛ لأنه ذكر الله وإن ذكر الله عز وجل لا يقطع الصلاة.
[الكلام في الصلاة]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال «كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد، فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله عز وجل أن لا تتكلموا في الصلاة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى اثنتين آخرتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده، أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده، أو أطول ثم رفع» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول: «صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم من ركعتين فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال أصدق ذو اليدين؟ فقالوا نعم فأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال «سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضبا يجر رداءه فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم» .
(قال الشافعي) :
فبهذا كله نأخذ فنقول إن حتما أن لا يعمد أحد للكلام في الصلاة وهو ذاكر؛ لأنه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها لحديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ما لم أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم.
(قال الشافعي) :
ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها، أو نسي أنه في صلاة فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو ولحديث ذي اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذي اليدين، وحديث ابن مسعود في الكلام جملة ودل حديث ذي اليدين على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الكلام العامد والناسي؛ لأنه في صلاة، أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة الخلاف في الكلام في الصلاة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها حججا ما جمعها علينا في شيء غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين.
(قال الشافعي) :
فسمعته يقول حديث ذي اليدين حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء قط أشهر منه ومن حديث «العجماء جبار» وهو أثبت من حديث «العجماء جبار» ولكن حديث ذي اليدين منسوخ فقلت: ما نسخه؟ قال حديث ابن مسعود ثم ذكر الحديث الذي بدأت به الذي فيه: «إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة» .
(قال الشافعي) :
فقلت له والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما قال نعم فقلت له: أولست تحفظ في حديث ابن مسعود هذا «أن ابن مسعود مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قال: فوجدته يصلي في فناء الكعبة» وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا؟ قال بلى (قال الشافعي) : فقلت له فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم كان عمران بن حصين يروي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى جذعا في مؤخر مسجده» أليس تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته من مكة؟ قال: بلى، قلت: فحديث عمران بن حصين يدلك على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ لحديث ذي اليدين، وأبو هريرة يقول: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فلا أدري ما صحبة أبي هريرة، فقلت: له قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذي لا يشكل عليك، وأبو هريرة إنما صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر «وقال أبو هريرة صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ثلاث سنين، أو أربعا» قال الربيع أنا شككت " وقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل أن يصحبه أبو هريرة، أفيجوز أن يكون حديث ابن مسعود ناسخا لما بعده؟ قال: لا
(قال الشافعي) :
وقلت له: ولو كان حديث ابن مسعود مخالفا حديث أبي هريرة وعمران بن الحصين كما قلت وكان عمد الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة، أو نسيت الصلاة كان حديث ابن مسعود منسوخا وكان الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز الكلام في الصلاة على الذكر أن المتكلم في الصلاة وإذا كان هكذا تفسد الصلاة، وإذا كان النسيان والسهو، وتكلم وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة، أو نسي أنه فيها لم تفسد الصلاة.
(قال محمد بن إدريس)
فقال وأنتم تروون أن ذا اليدين قتل ببدر.
(قلت) :
فاجعل هذا كيف شئت أليست صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في حديث عمران بن الحصين والمدينة إنما كانت بعد حديث ابن مسعود بمكة قال: بلى
(قلت) :
وليست لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد كانت بدر بعد مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بستة عشر شهرا.
(قال) ::
أفذو اليدين الذي رويتم عنه المقتول ببدر
(قلت) :
لا عمران يسميه الخرباق ويقول قصير اليدين، أو مديد اليدين والمقتول ببدر ذو الشمالين ولو كان كلاهما ذو اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الأسماء.
(قال الشافعي) :
فقال بعض من يذهب مذهبه فلنا حجة أخرى قلنا: وما هي؟ قال: «أن معاوية بن الحكم حكي أنه تكلم في الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام بني آدم» .
(قال الشافعي) :
فقلت له فهذا عليك ولا لك إنما يروى مثل قول ابن مسعود سواء والوجه فيه ما ذكرت.
(قال) :
فإن قلت هو خلافه.
(قلت)
فليس ذلك لك ونكلمك عليه فإن كان أمر معاوية قبل أمر ذي اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غيرها وإن كان معه، أو بعده فقد تكلم فيما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل معنى حديث ذي اليدين، أو أكثر؛ لأنه تكلم عامدا للكلام في حديثه إلا أنه حكي أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة.
(قال) :
هذا في حديثه كما ذكرت
(قلت)
فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا
(قال) :
فما تقول
(قلت) :
أقول: إنه مثل حديث ابن مسعود وغير مخالف حديث ذي اليدين
(قال محمد بن إدريس)
فقال: فإنكم خالفتم حين فرعتم حديث ذي اليدين
(قلت) :
فخالفناه في الأصل قال: لا ولكن في الفرع (قلت) : فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ حالا ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع قال نعم وكل غير معذور.
(قال محمد) :
فقلت له: فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من فرعه ولا من أصله حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه ما لم نخالفه
(قال) :
فأسألك حتى أعلم أخالفته أم لا
(قلت) :
فسل
(قال) :
ما تقول في إمام انصرف من اثنتين فقال له بعض من صلى معه قد انصرفت من اثنتين فسأل آخرين فقالوا صدق
(قلت) :
أمأموم الذي أخبره والذين شهدوا أنه صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة.
(قال) :
فأنت رويت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى وتقول قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث قلت: أجل
(قال) :
فقد خالفته
(قلت) :
لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(قال) :
فأين افتراق حاليهما في الصلاة والإمامة.
(قال محمد بن إدريس)
فقلت له إن الله عز وجل كان ينزل فرائضه على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف بعض فرضه قال: أجل
(قلت) :
ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة قال: أجل
(قلت) :
فلما فعل لم يدر ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله عز وجل أم نسي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال: أقصرت الصلاة أم نسيت، قال: أجل
(قلت)
ولم يقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذي اليدين إذ سأل غيره قال: أجل
(قال) :
ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رد عليه، فلما لم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رد عليه كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يستدل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بقول، ولم يدر أقصرت الصلاة أم نسي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابه ومعناه من معنى ذي اليدين من أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبروه فقبل قولهم ولم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم.
(قال الشافعي) :
ولما قبض الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - تناهت فرائضه فلا بدل فيها ولا ينقص منها أبدا قال نعم.
(قال الشافعي) :
فقلت هذا فرق بيننا وبينه فقال من حضره هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه ووضوحه
(قال الشافعي) :
فقال: إن من أصحابكم من قال: ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة لم يفسد صلاته
(قال الشافعي) :
فقلت له إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا (قال الشافعي) : وقال قد كلمت غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال العمل على هذا.
(قال محمد بن إدريس)
فقلت له قد أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا قال: أجل فقلت فدع ما لا حجة لك فيه.
(قال محمد بن إدريس) :
وقلت له لقد أخطأت في خلافك حديث ذي اليدين مع ثبوته وظلمت نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولا هم من هذا شيئا قط وقد زعمت أن المصلي إذا سلم قبل أن تكمل الصلاة وهو ذاكر؛ لأنه لم يكملها فسدت صلاته؛ لأن السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (20)
صــــــــــ 150 الى صـــــــــــ157
[باب كلام الإمام وجلوسه بعد السلام]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال: أخبرتني هند بنت الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكانه يسيرا» قال ابن شهاب فترى مكثه ذلك والله أعلم لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن «ابن عباس قال كنت: أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير» قال عمرو بن دينار، ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال لم أحدثكه قال عمرو قد حدثتنيه قال وكان من أصدق موالي ابن عباس.
(قال الشافعي) :
كأنه نسيه بعدما حدثه إياه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عقبة عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» .
(قال الشافعي) :
وهذا من المباح للإمام وغير المأموم قال: وأي إمام ذكر الله بما وصفت جهرا، أو سرا، أو بغيره فحسن وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يجب أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه، ثم يسر فإن الله عز وجل يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] يعني والله تعالى أعلم الدعاء ولا تجهر ترفع ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك، وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم - وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه.
(قال الشافعي) :
وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم الناس منه وذلك؛ لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر وذكرت أم سلمة مكثه ولم يذكر جهرا وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكرا غير جهر فإن قال قائل: ومثل ماذا؟ قلت: مثل أنه صلى على المنبر يكون قيامه وركوعه عليه وتقهقر حتى يسجد على الأرض وأكثر عمره لم يصل عليه ولكنه فيما أرى أحب أن يعلم من لم يكن يراه ممن بعد عنه كيف القيام والركوع والرفع يعلمهم أن في ذلك كله سعة واستحب أن يذكر الإمام الله شيئا في مجلسه قدر ما يتقدم من انصرف من النساء قليلا كما قالت أم سلمة، ثم يقوم وإن قام قبل ذلك، أو جلس أطول من ذلك فلا شيء عليه وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام، أو معه أحب إلي له وأستحب للمصلى منفردا وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة
[باب انصراف المصلي إماما أو غير إمام عن يمينه وشماله]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر الحارثي قال: سمعت أبا هريرة يقول: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينحرف من الصلاة عن يمينه وعن يساره» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن مهران عن عمارة عن الأسود عن عبد الله قال «لا يجعلن أحدكم للشيطان من صلاته جزءا يرى أن حقا عليه أن لا ينفتل إلا عن يمينه فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر ما ينصرف عن يساره» .(قال الشافعي) : فإذا قام المصلي من صلاته إماما، أو غير إمام فلينصرف حيث أراد إن كان حيث يريد يمينا، أو يسارا، أو مواجهة وجهه، أو من ورائه انصرف كيف أراد لا اختيار في ذلك أعلمه لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف عن يمينه وعن يساره وإن لم يكن له حاجة في ناحية، وكان يتوجه ما شاء أحببت له أن يكون توجهه عن يمينه لما «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن» غير مضيق عليه في شيء من ذلك ولا أن ينصرف حيث ليست له حاجة أين كان انصرافه
[باب سجود السهو]
وليس في التراجم وفيه نصوص فمنها في باب القيام من الجلوس نص على أنه لا يسجد للسهو بترك الهيئات فقال لما ذكر أن السنة لمن قام من جلوسه أن يعتمد على الأرض بيديه وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه ولا سجود سهو؛ لأن هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها، وذلك مثل الجلوس والخشوع والإقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو وكرر ذلك في أبواب الصلاة كثيرا مما سبق.ومنها نصه في باب التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال من ترك التشهد الأول والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول ساهيا فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه.
(قال الشافعي) :
وإنما فرقت بين التشهدين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الأول في أن ليس لأحد قيام منه إلا بالجلوس.ومنها نصه في آخر الترجمة المذكورة الدال على أن من ارتكب منهيا عنه يبطل عمده الصلاة فإنه يسجد إذا فعله سهوا ولم تبطل الصلاة بسهوه فقال: ولو أدرك الصلاة مع الإمام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الإمام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم مع الإمام ساهيا وخرج وبعد مخرجه أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر، ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم.ومنها ما ذكره في القيام من اثنتين وهو مذكور قبل هذه الترجمة بأربع تراجم فنقلناه إلى هنا وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك» .
(قال الشافعي) :
فبهذا قلنا إذا ترك المصلي التشهد الأول لم يكن عليه إعادة، وكذا إذا أراد الرجل القيام من اثنتين، ثم ذكر جالسا أتم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو فإن قام من الجلوس الآخر. عاد فجلس للتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شيء من الصلاة أتمه وسجد رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة، أو جلس فنسي ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف ويبعد أعاد الصلاة؛ لأن الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم يجزه القيام ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم، أو راكع، أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشهد حتى يأتي بهما جميعا.ومن النصوص المتعلقة بسجود السهو ما سبق في باب كيف القيام من الركوع وهو قول الشافعي - رحمه الله - وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع فإن فعل فعليه سجود السهو؛ لأنه زاد في الصلاة ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول، ثم يهوي ساجدا، أو يأخذ في التكبير فيهوي وهو فيه وبعد أن يصل الأرض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك، أو كبر معتدلا، أو ترك التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عز وجل يدعو، أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو؛ لأن القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع، وهذا موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا توجب عليه سهوا وكذلك لو أطال القيام ينوي به القنوت كان عليه سجود السهو؛ لأن القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه، أوجب عليه السهو.وفي مختصر المزني نصوص في سجود السهو لم نرها في الأم قال المزني.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا فعليه أن يبني على ما استيقن وكذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فرغ من صلاته بعد التشهد سجد سجدتين للسهو قبل السلام، واحتج في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبحديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام في جمع الجوامع.
(قال الشافعي) :
سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ والآخر من الأمرين ولعل مالكا لم يعلم الناسخ والمنسوخ من هذا وقاله في القديم فمن سجد قبل السلام أجزأه التشهد الأول ولو سجد للسهو بعد السلام تشهد، ثم سلم هذا نقل جمع الجوامع، ثم ذكر رواية البويطي ونحن نذكرها مع غيرها في مختصر البويطي وكل سهو في الصلاة نقصا كان، أو زيادة سهوا واحدا كان أم اثنين أم ثلاثة فسجدتا السهو تجزئ من ذلك كله قبل السلام وفيهما تشهد وسلام وقد روي «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قام من اثنتين فسجد قبل السلام» وهذا نقصان وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل السلام» وهذا زيادة وقال في ترجمة بعد ذلك «ومن لم يدر كم صلى واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثا، أو أربعا فليبن على يقينه، ثم يسجد سجدتين قبل السلام» ، ولسجدتي السهو تشهد وسلام وما ذكره البويطي من التشهد لسجدتي السهو أنهما قبل السلام ظاهره أنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام، ثم يتشهد، ثم يسلم ولم أر أحدا من الأصحاب ذكر هذا إلا فيما إذا سجد بعد السلام في صوره المعروفة فإن حمل كلام البويطي على صوره بعد السلام كان ممكنا.وفي آخر سجود السهو من مختصر المزني سمعت الشافعي يقول: إذا كانت سجدتا السهو بعد السلام تشهد لهما وإذا كانتا قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وقد سبق عن القديم مثل هذا وحكى الشيخ أبو حامد ما ذكره المزني وأنه في القديم وقال: إنه أجمع أصحاب الشافعي أنه إذا سجد بعد السلام للسهو تشهد، ثم سلم وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي، وجماعة أصحابه الفقهاء؛ قال: وقال بعض أصحابنا إن كان يرى سجود السهو بعد السلام تشهد وسلم بل يسجد سجدتين لا غير قال الماوردي وهذا غير صحيح لرواية عمران بن الحصين - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من ثلاث من العصر ناسيا حتى أخبره الخرباق فصلى ما بقي وسلم وسجد سجدتين وتشهد، ثم سلم» وما ذكره الماوردي من حديث عمران بن الحصين بهذه السياقة غريب وإنما جاءت عنه رواية تفرد بها أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد بعد، ثم سلم» روى ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وما حسنه الترمذي يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون سجود السهو قبل السلام، أو بعده فيحتج به لما ذكره البويطي لما سبق وقلنا إنه غريب لم نر أحدا من الأصحاب قال به والذي صححه جمع من الأصحاب أن الذي يسجد بعد السلام لا يتشهد أيضا والمذهب المعتمد ما تقدم في نقل المزني والقديم وقطع به الشيخ أبو حامد وجرى عليه غيره.وفي مختصر المزني في باب سجود السهو: وإن ذكر أنه في الخامسة سجد، أو لم يسجد قعد في الرابعة، أو لم يقعد فإنه يجلس في الرابعة ويتشهد ويسجد للسهو، وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من أولى بعد ما اعتدل قائما فإنه يسجد للأولى حتى تتم قبل الثانية وإن ذكر بعد أن يفرغ من الثانية أنه ناس لسجدة من الأولى كان عمله في الثانية كلا عمل فإذا سجد فيها كانت من حكم الأولى وتمت الأولى بهذه السجدة وسقطت الثانية فإن ذكر في الرابعة أنه نسي سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة، وعمله في الثانية كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الأولى وتمت الأولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة ثانية فلما قام في ثالثة قبل أن يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانية فتمت الثانية وبطلت الثالثة التي كانت رابعة عنده، ثم يقوم فيبني ركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد وقبل التسليم وعلى هذا الباب كله، وقياسه.وإن شك هل سها أم لا فلا سهو عليه وإن استيقن السهو، ثم شك هل سجد للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة، أو سجدتين سجد أخرى وإن سها سهوين، أو أكثر فليس عليه إلا سجدتا السهووإذا ذكر سجدتي السهو بعد أن يسلم فإن كان قريبا أعادهما وسلم وإن تطاول لم يعد.ومن سها خلف إمامه فلا سجود عليه وإن سها إمامه سجد معه فإن لم يسجد إمامه سجد من خلفه بأن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لإمامه لا لما يبقى من صلاته.
(قال الشافعي) :
السهو في الصلاة يكون من وجهين أحدهما أن يدع ما عليه من عمل الصلاة وذلك مثل أن يقوم في مثنى فلا يجلس، أو مثل أن ينصرف قبل أن يكمل وما أشبهه والآخر أن يعمل في الصلاة ما ليس عليه وهو أن يركع ركعتين قبل أن يسجد، أو يسجد أكثر من سجدتين ويجلس حيث له أن يقوم، أو يسجد قبل أن يركع وإن ترك القنوت في الفجر سجد للسهو؛ لأنه من عمل الصلاة وقد تركه، وإن تركه في الوتر لم يجب عليه إلا في النصف الآخر من شهر رمضان فإنه إن تركه سجد للسهو والسهو في الفريضة والنافلة سواء وعلى الرجل والمرأة والمصلي والجماعة والمنفرد سواء.وهذا الآخر هو مقتضى إطلاق نصوص الأم وغيرها ولكن للتصريح به نظر
(قال الشافعي) :
وأرى والله أعلم أن ما كان يعمله ساهيا وجبت عليه سجدتا السهو إذا كان مما لا ينقض الصلاة فإذا فعله عامدا سجد فيه.وإن تطوع ركعتين، ثم وصل الصلاة حتى تكون أربعا، أو أكثر سجد للسهو وإن فعلها ولم يسجد حتى دخل في صلاة أخرى فلا يسجدهما قاله في القديم، كذا في جمع الجوامع فإن كان المراد أنه سلم وتطاول الفصل فكذلك في الجديد أيضا.ومن أدرك سجدتي السهو مع الإمام سجدهما فإن كان مسافرا والإمام مقيم صلى أربعا وإن أدرك أحدهما سجد ولم يقض الآخر وبنى على صلاة الإمام وإن كان الإمام مسافرا فسها سجدوا معه، ثم قضوا ما بقي عليهم.ومن سها عن سجدتي السهو حتى يقوم من مجلسه، أو عمد تركهما ففيه قولان: أحدهما: يسجد متى ذكرهما، والآخر: لا يعود لهما قاله في القديم، قاله في جمع الجوامع وهذا الثاني إن كان مع طول الفصل، أو كان قد سلم عامدا فإنه لا يعود إلى السجود في الصورتين على الجديد وفي رواية البويطي وإن تركوا سجود السهو عامدين، أو جاهلين لم يبن أن يكون عليهم إعادة الصلاة وأحب إن كانوا قريبا عادوا لسجدتي السهو وإن تطاولت فليس عليهم إعادة التطاول عنده ما لم يخرج من المسجد ويكون قدر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسألته.وإن أحدث الإمام بعد التسليم وقبل سجدتي السهو فكالصلاة إن تقارب رجوعه أشار إليهم أن امكثوا ويتوضأ ويسجد للسهو وإن لم يتقارب أشار إليهم ليسجدوا قاله في القديم.ومن شك في السهو فلا سجود عليه هذا كله نقل جمع الجوامع وفيه في باب الشك في الصلاة وما يلغى منها وما يجب عن الشافعي فإن نسي أربع سجدات لا يدري من أيتهن هن نزلناها على الأشد فجعلناه ناسيا السجدة من الأولى وسجدتين من الثانية وتمت الثالثة ونسي من الرابعة سجدة فأضف إلى الأولى من الثالثة سجدة فتمت له ركعة وبطلت السجدة التي بقيت من الثالثة ونضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها فكأنه تم له ثانية ويأتي بركعتين بسجودهما وسجود السهو.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (21)
صــــــــــ 157 الى صـــــــــــ166
[باب سجود التلاوة والشكر]
وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - وفي اختلاف الحديث وفي اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله تعالى مرتين.أما الأول ففيه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي هشيم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود {الم - تنزيل} [السجدة: 1 - 2] {والنجم} [النجم: 1] ، و {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي هشيم عن أبي عبد الله الجعفي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه - قال كان يسجد في الحج سجدتين وبهذا نقول وهذا قول العامة قبلنا: ويروى عن عمر وابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - وهم ينكرون السجدة الآخرة في الحج وهذا الحديث عن علي - رضي الله عنه -
يخالفونه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي
قال: أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن محمد بن قيس عن أبي موسى أن عليا - رضي الله عنه - لما رمى بالمجدح خر ساجدا ونحن نقول: لا بأس بسجدة الشكر ونستحبها ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها، وعن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهم ينكرونها يكرهونها ونحن نقول لا بأس بالسجدة لله تعالى في الشكر
وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث ففيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين قال أراد الشهرة» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن يزيد عن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن «زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجم فلم يسجد فيها» .
(قال الشافعي) :
وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك.
(قال الشافعي) :
وفي النجم سجدة ولا أحب أن يدع شيئا من سجود القرآن وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض فإن قال قائل: ما دل على أنه ليس بفرض؟ قيل: السجود صلاة قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] فكان الموقوت يحتمل مؤقتا بالعدد ومؤقتا بالوقت فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الله عز وجل فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول الله هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع» فلما كان سجود القرآن خارجا من الصلوات المكتوبات كانت سنة اختيار فأحب إلينا أن لا يدعه ومن تركه ترك فضلا لا فرضا وإنما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النجم؛ لأن فيها سجودا في حديث أبي هريرة وفي سجود النبي - صلى الله عليه وسلم - في النجم دليل على ما وصفت؛ لأن الناس سجدوا معه إلا رجلين، والرجلان لا يدعان الفرض إن شاء الله ولو تركاه أمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعادته.
(قال الشافعي) :
وأما حديث «زيد أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد» فهو والله أعلم أن زيدا لم يسجد وهو القارئ فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن عليه فرضا فيأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به.أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رجلا قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدة فسجد. فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت عندك السجدة فلم تسجد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كنت إماما فلو سجدت سجدت معك» .
(قال الشافعي) :
إني لأحسبه زيد بن ثابت؛ لأنه يحكى أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد وإنما روى الحديثين معا عطاء بن يسار.
(قال الشافعي) :
فأحب أن يبدأ الذي يقرأ السجدة فيسجد وأن يسجد من سمعه فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر قيل فلا يدعي أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لأحد أن يدعي أن ترك السجود منسوخ والسجود ناسخ، ثم يكون، أولى؛ لأن السنة السجود لقول الله عز وجل {فاسجدوا لله واعبدوا} [النجم: 62] ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من جهة المباح.وأما الثالث: وهو الذي في اختلاف الحديث مالك والشافعي - رضي الله عنهما - ففيه سألت الشافعي عن السجود في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] قال فيها سجدة فقلت له وما الحجة أن فيها سجدة فقال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن «أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قرأ لهم {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها» أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ " والنجم إذا هوى " فسجد فيها، ثم قام فقرأ سورة أخرى أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن مالك أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] أخبرنا الربيع سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت: وما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في سورة الحج سجدتين، أخبرنا مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر سجد في الحج سجدتين، ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي فإنا نقول اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء فقال الشافعي: إنه يجب عليكم أن لا تقولوا اجتمع الناس إلا لما إذا لقي أهل العلم فقيل لهم اجتمع الناس على ما قلتم إنهم اجتمعوا عليه قالوا: نعم وكان أقل أقوالهم لك أن يقولوا لا نعلم من أهل العلم له مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه وأما أن تقولوا: اجتمع الناس وأهل العلم معكم يقولون: ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمران أسأتم بهما النظر لأنفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع الناس إلى رد قولكم ولا سيما إذا كنتم إنما أنتم مقصورون على علم مالك رحمنا الله وإياه وكنتم تروون عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها وأنتم قد تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا من أصول العلم فتقولون: كان لا يحلف الرجل المدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم بها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه؛ لقول عمر، ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] ومعه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأي أبي هريرة ولم تسموا أحدا خالف هذا وهذا عندكم العمل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، ثم أبو هريرة في الصحابة، ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم بقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأن عمر أمر بالسجود فيها وأن عمر بن الخطاب سجد في النجم، ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وهذا من علماء التابعين فقال: قولكم اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم بين في قولكم أن ليس كما قلتم، ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم، ثم لا تروون عن غيره خلافه، ثم رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون ليس فيها إلا واحدة وتزعمون أن الناس أجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة، ثم تقولون أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون وهذا لا يعذر أحد بأن يجهله ولا يرضى أحد أن يكون مأخوذا عليه فيه لما فيه مما لا يخفى عن أحد يعقل إذا سمعه أرأيتم إذا قيل لكم أي الناس اجتمع على أن لا سجود في المفصل وأنتم تروون عن أئمة الناس السجود فيه ولا تروون عن غيرهم مثلهم خلافهم أليس أن تقولوا أجمع الناس أن في المفصل سجودا، أولى بكم من أن تقولوا اجتمع الناس على أن لا سجود في المفصل فإن قلتم لا يجوز إذا لم نعلمهم أجمعوا أن نقول اجتمعوا فقد قلتم اجتمعوا ولم ترووا عن أحد من الأئمة قولكم ولا أدري من الناس عندكم أخلقا كانوا فما اسم واحد منهم وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا الإجماع إلا إجماعهم فأحسنوا النظر لأنفسكم واعلموا أنه لا يجوز أن تقولوا أجمع الناس بالمدينة حتى لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم، ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه أخبرنا كذا كذا ولا تدعوا الإجماع فدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه فما أعلمه يؤخذ على أحد يتثبت على علم أقبح من هذا.
(قلت)
للشافعي أفرأيت إن كان قولي اجتمع الناس عليه أعني من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين؟ فقال الشافعي أرأيتم إن قال من يخالفكم ويذهب إلى قول من يخالفكم قول من أخذت بقوله اجتمع الناس أيكون صادقا؟ فإن كان صادقا وكان بالمدينة قول ثالث يخالفكما اجتمع الناس على قوله فإن كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الإجماع هو ضد الخلاف فلا يقال إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة.قلت هذا هو الصدق المحض فلا تفارقه ولا تدعوا الإجماع أبدا إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف وهو لا يوجد بالمدينة إلا ويوجد بجميع البلدان عند أهل العلم متفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا فيما اختلف فيه أهل المدينة بينهم.
(وقال لي الشافعي)
واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا لك لا على ما سواه إذا أردت أن تقول أجمع الناس فإن كانوا لم يختلفوا فقله وإن كانوا اختلفوا فلا تقله فإن الصدق في غيره.
(وترجم مرة أخرى في سجود القرآن)
وفيها سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال: فيها سجدتان فقلت: وما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين، ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين.
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ابن صفية أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين.
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في سورة الحج سجدتين فقلت للشافعي فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة فقال الشافعي فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة فكيف تتخذون قول ابن عمر وحده حجة وقول عمر حجة وحده حتى تردوا بكل واحد منهما السنة، وتبتنون عليها عددا من الفقه، ثم تخرجون من قولهما لرأي أنفسكم هل تعلمونه مستدركا على أحد قولا العورة فيه أبين منها فيما وصفنا من أقاويلكم.
[باب صلاة التطوع] وليس في التراجم وفيه نصوص وكلام منثور فمن ذلك اختلاف علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي دبر كل صلاة ركعتين إلا العصر والصبح» .
(قال الشافعي) :
وهذا يخالف الحديث الأول يعني الذي رواه قبل هذا عن علي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة» وسنذكر هذا بتمامه في باب الساعات التي تكره فيها الصلاة، ومن ذلك في اختلاف علي وابن مسعود أيضا في سنة الجمعة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال ابن مهدي عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عليا - رضي الله عنه - قال: من كان مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات، ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول يصلي أربعا ومن ذلك في اختلاف مالك والشافعي - رضي الله عنهما - في باب القراءة في العيدين والجمعة ردا على من قال لا نبالي بأي سورة قرأ.
(قال الشافعي) :
أورأيتم إذا استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب لو قال قائل لا أبالي أن لا أفعل من هذا شيئا هل الحجة عليه إلا أن يقول: قولكم: لا أبالي جهالة وترك للسنة ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل حال.
[باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة]
ومن ذلك فيما يتعلق بالوتر، وقد ذكره في أبواب منها في اختلاف مالك والشافعي. باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شيء فقال: نعم، والذي أختار أن صل عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في أن الوتر يجوز بواحدة؟ فقال: الحجة فيه السنة والآثار أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» أخبرنا مالك عن أبي شهاب عن عروة عن عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة» أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بركعة أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته.
(قال الشافعي)
وكان عثمان يحيي الليل بركعة وهي وتره، وأوتر معاوية بواحدة فقال ابن عباس أصاب فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لأحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم من الركعتين،
والركعة من الوتر فقال الشافعي:
لست أعرف لما تقولون وجها، والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم تكرهون أن يصلي ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها، ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة؛ لأن من سلم من صلاة فقد فصلها عما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلي النافلة بركعات يسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم بينهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التي قبلها وبعدها؛ لخروجه من كل صلاة بالسلام، وإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلي واحدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر منها وإنما يستحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وإن كان أراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال صلاة الليل مثنى مثنى فأقل مثنى مثنى أربع فصاعدا وواحدة غير مثنى وقد، أوتر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن» ، فقلت للشافعي فما معنى هذا؟ فقال هذه نافلة تسع أن يوتر بواحدة وأكثر ونختار ما وصفت من غير أن نضيف غيره وقولكم: والله يغفر لنا ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا قولكم خارج من كل شيء من هذا وأقاويل الناس إما أن تقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض الشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن كي لا يكون الوتر واحدة وإما أن لا تكرهوا الوتر بواحدة وكيف تكرهون الوتر بواحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها؟ وإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوتر بواحدة ليس قبلها شيء فلم يوتر النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليس فيهن شيء فقد استحسنتم أن توتروا بثلاث، ومنها في اختلاف مالك والشافعي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (22)
صــــــــــ 166 الى صـــــــــــ175
باب في الوتر.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع قال: كنت مع ابن عمر ليلة والسماء متغيمة فخشي ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة، ثم تكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة،
قال لي الشافعي: وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضوعين فتقولون لا: يوتر بواحدة ومن،
أوتر بواحدة لم يشفع وتره قال: ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال: لا يشفع وتره فقلت للشافعي: فما تقول أنت في هذا فقال بقول ابن عمر: إنه كان يوتر بركعة قال: أفتقول يشفع بوتره فقلت لا: فقال فما حجتك فيه فقلت: روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال: إذا أوترت من أول الليل فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر ومنها في اختلاف علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - في باب الوتر والقنوت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الرحيم عن زاذان أن عليا - رضي الله عنه - كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم يقولون نقرأ بسبح اسم ربك الأعلى.والثانية {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] ، والثالثة نقرأ فاتحة الكتاب و {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] وأما نحن فنقول يقرأ فيها ب " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق "، و " قل أعوذ برب الناس "، ويفصل بين الركعتين والركعة بالتسليم ومنها في اختلاف الحديث في باب الوتر.
(قال الشافعي) :
وقد سمعت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتر أول الليل وآخره في حديث يثبت مثله وحديث دونه وذلك فيما وصفت من المباح له أن يوتر في الليل كله ونحن نبيح له في المكتوبة أن يصلي في أول الوقت وآخره وهذا في الوتر، أوسع منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو يعفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت: «من كل الليل قد، أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهى وتره إلى السحر» .وفي مختصر المزني في باب صلاة التطوع
(قال الشافعي) ::
التطوع وجهان أحدهما صلاة جماعة مؤكدة فلا أجيز تركها لمن قدر عليها وهي صلاة العيدين وخسوف الشمس والقمر والاستسقاء وصلاة منفرد وبعضها، أوكد من بعض فآكد من ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد، ثم ركعتا الفجر، قال ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما وإن، أوجبهما ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلي عشرون؛ لأنه روي عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث.
(قال المزني)
ولا أعلم الشافعي ذكر موضع القنوت من الوتر ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ولما كان قول من رفع رأسه بعد الركوع سمع الله لمن حمده وهو دعاء كان هذا الموضع للقنوت الذي هو دعاء أشبه ولأن من قال يقنت قبل الركوع يأمره يكبر قائما، ثم يدعو وإنما حكم من يكبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس.
وفي كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: قال هشيم عن عطاء بن السائب: إن عليا كان يقنت في الوتر بعد الركوع وهم لا يأخذون بهذا يقولون: يقنت قبل الركوع وإن لم يقنت قبل الركوع لم يقنت بعده وعليه سجدتا السهو.
(قال الشافعي) :
وآخر الليل أحب إلي من أوله إن جزأ الليل أثلاثا فالأوسط أحب إلي أن يقومه فإن فاته الوتر حتى يصلي الصبح لم يقض قال ابن مسعود الوتر ما بين العشاء والفجر وإن فاتت ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض؛ لأن أبا هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وفي اختلاف علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أبي هارون الغنوي عن خطاب بن عبد الله قال قال علي - رضي الله عنه - الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح، وإن شاء أوتر آخر الليل.وهم يكرهون أن ينقض الرجل وتره ويقولون إذا، أوتر صلى مثنى مثنى أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال يزيد بن هارون عن حماد عن عاصم عن أبي عبد الرحمن أن عليا - رضي الله عنه - حين ثوب المؤذن فقال أين السائل عن الوتر نعم ساعة الوتر هذه، ثم قرأ {والليل إذا عسعس - والصبح إذا تنفس} [التكوير: 17 - 18] وهم لا يأخذون بهذا ويقولون ليست هذه من ساعات الوتر.
(قال الشافعي)
هشيم عن حصين قال حدثنا ابن ظبيان قال: كان علي - رضي الله عنه - يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول: الصلاة الصلاة فإذا قام الناس قال نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين فأقيمت الصلاة وفي البويطي يقرأ في ركعتي الفجر {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] و " قل هو الله أحد " أحب إلي وإن قرأ غير هذا مع أم القرآن أجزأه.وفيه في آخر ترجمة طهارة الأرض ومن دخل مسجدا فليركع فيه قبل أن يجلس فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك وقال: «تحية المسجد ركعتان»
[باب الساعات التي تكره فيها الصلاة]
وهو مذكور في اختلاف الحديث أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس» ،
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» ، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت إلى الغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات» .
(قال الشافعي) :
وروي عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام عن الصبح فصلاها بعد أن طلعت الشمس، ثم قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] » أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم في سفر فعرس فقال: ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله قال فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا بلال، فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صلى ركعتي الفجر، ثم اقتادوا رواحلهم شيئا، ثم صلى الفجر» .
(قال الشافعي)
وهذا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلا من حديث أنس وعمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويزيد أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من نسي الصلاة، أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» ويزيد الآخر أي حين ما كانت أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «يا: بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل، أو نهار» ، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، أو مثل معناه لا يخالفه وزاد عطاء: يا بني عبد المطلب يا بني هاشم، أو يا بني عبد مناف أخبرنا الربيع قال: أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد قال: سمعت أبا سلمة قال «قدم معاوية المدينة قال فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعتين بعد العصر قال أبو سلمة: فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا قال اذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين قال فجاءها فسألها فقالت له عائشة لا علم لي ولكن اذهب إلى أم سلمة فسلها قال فذهبنا معه إلى أم سلمة فقالت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال: إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وإنه قدم علي وفد بني تميم، أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان» ، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جده قيس قال: «رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي ركعتين بعد الصبح فقال: ما هاتان الركعتان يا قيس؟ فقلت لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -» .(قال الشافعي) : وليس بعد هذا اختلاف في الحديث بل بعض هذه الأحاديث يدل على بعض فجماع نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعدما تبدو حتى تبرز عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد مغيب بعضها حتى يغيب كلها وعن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ليس على كل صلاة لزمت المصلي بوجه من الوجوه، أو تكون الصلاة مؤكدة فآمر بها وإن لم تكن فرضا، أو صلاة كان الرجل يصليها فأغفلها، وإذا كانت واحدة من هذه الصلوات صليت في هذه الأوقات بالدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر.
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل: فأين الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل في قوله «من نسي صلاة، أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» فإن الله عز وجل يقول {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] وأمره أن لا يمنع أحد طاف بالبيت وصلى أي ساعة شاء وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر.
(قال الشافعي) :
وفيما روت أم سلمة من «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في بيتها ركعتين بعد العصر كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما بالوفد فصلاهما بعد العصر؛ لأنه كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما» قال: وروى «قيس جد يحيى بن سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه يصلي ركعتين بعد الصبح فسأله، فأخبره بأنهما ركعتا الفجر فأقره» ؛ لأن ركعتي الفجر مؤكدتان مأمور بهما فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفت من كل صلاة لا تلزم فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها، أو شغل عنها وكل صلاة أكدت وإن لم تكن فرضا كركعتي الفجر والكسوف فيكون نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما سوى هذا ثابتا.(قال الشافعي) : والنهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار مثله إذا غاب حاجب الشمس وبرز لا اختلاف فيه؛ لأنه نهي واحد وهذا مثل نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة؛ لأن من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة إلى خروج الإمام.(قال) : وهذا مثل الحديث في «نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام اليوم قبل شهر رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه» .باب الخلاف في هذا البابحدثنا الربيع قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا وغيره فقال: يصلى على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع وما لم تتغير الشمس واحتج في ذلك بشيء رواه عن ابن عمر يشبه بعض ما قال.
(قال الشافعي) ::
وابن عمر إنما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي أن يتحرى أحد فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها ولم أعلمه روي عنه النهي عن الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح فذهب ابن عمر إلى أن النهي مطلق على كل شيء فنهى عن الصلاة على الجنائز؛ لأنها صلاة في هذين الوقتين وصلى عليها بعد الصبح وبعد العصر؛ لأنا لم نعلمه روى النهي عن الصلاة في هذه الساعات.
(قال الشافعي) :
فمن علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح والعصر كما نهى عنها عند طلوع الشمس وعند غروبها لزمه أن يعلم ما قلنا من أنه إنما نهى عنها فيما لا يلزم ومن روى يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد العصر ركعتين كان يصليهما بعد الظهر شغل عنهما وأقر قيسا على ركعتين بعد الصبح لزمه أن يقول نهى عنها فيما لا يلزم ولم ينه الرجل عنه فيما اعتاد من صلاة النافلة وفيما تؤكد منها عليه ومن ذهب هذا عليه وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فلا يجوز له أن يقول إلا بما قلنا به، أو ينهى عن الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر بكل حال.
(قال الشافعي) :
وذهب أيضا إلى أن لا يصلي أحد للطواف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس واحتج بأن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح، ثم نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (23)
صــــــــــ 176 الى صـــــــــــ183
(قال الشافعي) :
فإن كان عمر كره الصلاة في تلك الساعة فهو مثل مذهب ابن عمر وذلك أن يكون علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فرأى نهيه مطلقا فترك الصلاة في تلك الساعة حتى طلعت الشمس ويلزم من قال هذا أن يقول: لا صلاة في جميع الساعات التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فيها لطواف ولا على جنازة وكذلك يلزمه أن لا يصلي فيها صلاة فائتة وذلك من حين يصلي الصبح إلى أن تبرز الشمس وحين يصلي العصر إلى أن يتتام مغيبها ونصف النهار إلى أن تزول الشمس.
(قال الشافعي) :
وفي هذا المعنى «أن أبا أيوب الأنصاري سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن تستقبل القبلة، أو بيت المقدس لحاجة الإنسان» قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله وعجب ابن عمر ممن يقول لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس لحاجة الإنسان وقال «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته» .
(قال الشافعي) :
علم أبو أيوب النهي فرآه مطلقا، وعلم ابن عمر استقبال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجته ولم يعلم النهي ومن علمهما معا قال النهي عن استقبال القبلة وبيت المقدس في الصحراء التي لا ضرورة على ذاهب فيها ولا ستر فيها لذاهب؛ لأن الصحراء ساحة يستقبله المصلي، أو يستدبره فترى عورته إن كان مقبلا، أو مدبرا وقال: لا بأس بذلك في البيوت لضيقها وحاجة الإنسان إلى المرفق فيها وسترها وإن أحدا لا يرى من كان فيها إلا أن يدخل، أو يشرف عليه.
(قال الشافعي) :
وفي هذا المعنى أن أسيد بن حضير وجابر بن عبد الله صليا مريضين قاعدين بقوم أصحاء فأمراهم بالقعود معهما وذلك أنهما والله أعلم علما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأمرهم بالجلوس فأخذا به وكان الحق عليهما ولا أشك أن قد عزب عنهما «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرضه الذي مات فيه جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما والناس من ورائه قياما» فنسخ هذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجلوس وراءه إذا صلى شاكيا وجالسا وواجب على كل من علم الأمرين معا أن يصير إلى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآخر إذا كان ناسخا للأول، أو إلى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الدال بعضه على بعض.
(قال الشافعي)
وفي مثل هذا المعنى «أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خطب الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث» وكان يقول به؛ لأنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن واقد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهما فلما روت عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه عند الدافة، ثم قال كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا» وروى جابر بن عبد الله عن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال كلوا وتزودوا وتصدقوا» كان يجب على من علم الأمرين معا أن يقول نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه لمعنى، وإذا كان مثله فهو منهي عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه، أو يقول نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت، ثم أرخص فيه من بعد والآخر من أمره ناسخ للأول.
(قال الشافعي) :
وكل قال بما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى، أو نسخه فعلم الأول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه صار إليه إن شاء الله
(قال الشافعي) :
ولهذا أشباه غيره في الأحاديث وإنما وضعت هذه الجملة عليه لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه أن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والأمانة من يعزب عنه من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء علمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم خاص لمن فتح الله عز وجل له علمه لا أنه عام مشهور شهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الأمر فيما وصفت من هذا وأشباهه كما وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يرد؛ لأن عمل بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عملا خالفه؛ لأن لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين كلهم حاجة إلى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روي عنه ووافقه يزيد قوله: شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة؛ لأن قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل صح الحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم عن بعض أصحابه لخلافه؛ لأن كلا روى خاصة ومعا وإن بينهما مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجز لأحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا رأيا له ما لم يقله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان هكذا لم يجز أن يعارض بقول أحد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو قال قائل: لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد أخذ من قوله وترك لقول غيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل فاذكر لي في هذا ما يدل على ما وصفت فيه قيل له: ما وصفت في هذا الباب وغيره متفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والثقة والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه؛ لأن قوله حكم يلزم حتى كان يقضي بين المهاجرين والأنصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره، أو كتب إليه «الضحاك بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضي أن في الإبهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفي التي تلي الخنصر تسعا وفي الخنصر ستا حتى وجد كتابا عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي - صلى الله عليه وسلم - «وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل» فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ففعلوا في ترك أمر عمر لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك الذي، أوجب الله عز وجل عليه وعليهم وعلى جميع خلقه.
(قال الشافعي) :
وفي هذا دلالة على أن حاكمهم كان يحكم برأيه فيما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على أن علم خاص الأحكام خاص كما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض.
(قال الشافعي) :
وقسم أبو بكر حتى لقي الله عز وجل فسوى بين الحر والعبد ولم يفضل بين أحد بسابقة ولا نسب، ثم قسم عمر فألغى العبيد وفضل بالنسب والسابقة، ثم قسم علي فألغى العبيد وسوى بين الناس وهذا أعظم ما يلي الخلفاء وأعمه وأولاه أن لا يختلفوا فيه وإنما جعل الله عز وجل في المال ثلاثة أقسام: قسم الفيء، وقسم الغنيمة، وقسم الصدقة فاختلف الأئمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا علي وفي هذا دلالة على أنهم يسلمون لحاكمهم، وإن كان رأيهم خلاف رأيه، وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم لا أن جميع أحكامهم من جهة الإجماع منهم وعلى أن من ادعى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم يردوه عليه فلا يكون إلا وقد رأوا رأيه قيل: إنهم لو رأوا رأيه فيه لم يخالفوه بعده فإن قال قائل قد رأوه في حياته، ثم خلافه بعده قيل له: فيدخل عليك في هذا إن كان كما قلت أن إجماعهم لا يكون حجة عندهم إذا كان لهم أن يجمعوا على قسم أبي بكر، ثم يجمعوا على قسم عمر، ثم يجمعوا على قسم علي.وكل واحد منهم يخالف صاحبه فإجماعهم إذا ليس بحجة عندهم أولا ولا آخرا وكذلك لا يجوز إذا لم يكن عندهم حجة أن يكون على من بعدهم حجة فإن قال قائل: فكيف تقول قلت: لا يقال لشيء من هذا إجماع ولكن ينسب كل شيء منه إلى فاعله فينسب إلى أبي بكر فعله، وإلى عمر فعله، وإلى علي فعله، ولا يقال لغيرهم ممن أخذ منهم موافقة لهم ولا مخالفة ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب إلى كل قوله وعمله، وفي هذا ما يدل على أن ادعاء الإجماع في كثير من خاص الأحكام ليس كما يقول من يدعيه فإن قال قائل أفتجد مثل هذا؟ قلنا: إنما بدأنا به؛ لأنه أشهر ما صنع الأئمة وأولى أن لا يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة ونحن نجد كثيرا من ذلك أن أبا بكر جعل الجد أبا، ثم طرح الإخوة معه، ثم خالفه فيه عمر وعثمان وعلي.ومن ذلك أن أبا بكر رأى على بعض أهل الردة فداء وسبيا وحبسهم لذلك فأطلقهم عمر وقال: لا سبي ولا فداء مع غير هذا مما سكتنا عنه ونكتفي بهذا منه أخبرنا الربيع: قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال: توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلا بحملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال له عمر: لأنت الرجل لا يأتي بخير، فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر فقال: أحبلت؟ فقالت: نعم من مرعوش بدرهمين وإذا هي تستهل بذلك ولا تكتمه قال وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال أشيروا علي قال: وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال: علي وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد فقال أشر علي يا عثمان فقال: قد أشار عليك أخواك فقال أشر أنت علي قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه فقال عمر: صدقت صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه فجلدها عمر مائة وغربها عاما.
(قال الشافعي) :
فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يحدها حدها عندهما وهو الرجم قال: وخالف عثمان أن لا يحدها بحال وجلدها مائة وغربها عاما فلم يرو عن أحد منهم من خلافه بعد حده إياها حرف ولم يعلم خلافهم له إلا بقولهم المتقدم قبل فعله.
(قال) :
وقال بعض من يقول ما لا ينبغي له إذ قبل حد عمر مولاة حاطب كذا لم يكن عمر ليحدها إلا بإجماع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهالة بالعلم وجرأة على قول ما لا يعلم فمن اجترأ على أن يقول: إن قول رجل، أو عمله في خاص الأحكام ما لم يحك عنه وعنهم قال عندنا ما لم يعلم.
(قال الشافعي) :
وقضى عمر بن الخطاب في أن لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي وقضى عمر في الضرس بجمل وخالفه غيره فجعل الضرس سنا فيها خمس من الإبل وقال عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وغيرهم: للرجل على امرأته الرجعة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وخالفهم غيرهم فقال: إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقطعت رجعته عنها مع أشياء كثيرة أكثر مما وصفت فدل ذلك على أن قائل السلف يقول برأيه ويخالفه غيره ويقول برأيه ولا يروى عن غيره فيما قال به شيء فلا ينسب الذي لم يرو عنه شيء إلى خلافه ولا موافقته؛ لأنه إذا لم يقل لم يعلم قوله ولو جاز أن ينسب إلى موافقته جاز أن ينسب إلى خلافه ولكن كلا كذب إذا لم يعرف قوله ولا الصدق فيه إلا أن يقال ما يعرف إذا لم يقل قولا وفي هذا دليل على أن بعضهم لا يرى قول بعض حجة تلزمه إذا رأى خلافها، وأنهم لا يرون اللازم إلا الكتاب، أو السنة وأنهم لم يذهبوا قط إن شاء الله إلى أن يكون خاص الأحكام كلها إجماعا كإجماعهم على الكتاب والسنة وجمل الفرائض وأنهم كانوا إذا وجدوا كتابا، أو سنة اتبعوا كل واحد منهما وإذا تأولوا ما يحتمل فقد يختلفون ولذلك إذا قالوا فيما لم يعلموا فيه سنة اختلفوا.
(قال الشافعي) :
وهي حجة على أن دعوى الاجتماع في كل الأحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه وجملته أنه لم يدع، الإجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفتها العامة أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين ولا القرن الذين من بعدهم، ولا القرن الذين يلونهم، ولا عالم علمته على ظهر الأرض ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حديثا من الزمان فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله.
(قال الشافعي) :
ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر بالبلدان على شيء، أو عامة قبلهم قيل يحفظ عن فلان وفلان كذا ولم نعلم لهم مخالفا ونأخذ به ولا نزعم أنه قول الناس كلهم؛ لأنا لا نعرف من قاله من الناس إلا من سمعناه منه، أو عنه قال وما وصفت من هذا قول من حفظت عنه من أهل العلم نصا واستدلالا.
(قال الشافعي) ::
والعلم من وجهين اتباع، أو استنباط والاتباع اتباع كتاب فإن لم يكن فسنة فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفا، فإن لم يكن فقياس على كتاب الله عز وجل، فإن لم يكن فقياس على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يكن فقياس على قول عامة من سلف لا مخالف له ولا يجوز القول إلا بالقياس وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا أن يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاده بخلافه، والله أعلم
[صلاة الجماعة]
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس المطلبي قال: ذكر الله تبارك اسمه الأذان بالصلاة فقال عز وجل {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا} [المائدة: 58] وقال {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: 9] فأوجب الله - والله أعلم - إتيان الجمعة وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان للصلوات المكتوبات فاحتمل أن يكون، أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة كما أمر بإتيان الجمعة وترك البيع واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى لوقتها وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسافرا ومقيما خائفا وغير خائف وقال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: 102] الآية والتي بعدها
(قال الشافعي) :
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أتى الصلاة أن يأتيها وعليه السكينة ورخص في ترك إتيان الجماعة في العذر بما سأذكره إن شاء الله تعالى في موضعه، وأشبه ما وصفت من الكتاب والسنة أن لا يحل ترك أن يصلي كل مكتوبة في جماعة حتى لا يخلوا جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن يصلى فيهم صلاة جماعة أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال يتأخرون فأحرق عليهم بيوتهم فوالذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن حرملة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما» أو نحو هذا.
(قال الشافعي) :
فيشبه ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من همه أن يحرق على قوم بيوتهم أن يكون قاله في قوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق والله تعالى أعلم فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد صلاها منفردا لم يكن عليه إعادتها صلاها قبل صلاة الإمام، أو بعدها إلا صلاة الجمعة، فإن على من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام إعادتها؛ لأن إتيانها فرض عين والله - تعالى - أعلم.وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته، أو في مسجد صغير، أو كبير قليل الجماعة، أو كثيرها أجزأت عنه والمسجد الأعظم وحيث كثرت الجماعة أحب إلي، وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلي، وإن لم يأته وصلى في مسجد منفردا فحسن وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا، أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم
(قال الشافعي) :
وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة وفيهما المكروه.وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن، فأما مسجد بني على ظهر الطريق، أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه المارة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره وإن صلى جماعة في مسجد له إمام، ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم.
[فضل الجماعة والصلاة معهم]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال:«صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا»
(قال الشافعي) :
والثلاثة فصاعدا إذا أمهم أحدهم جماعة، وأرجو أن يكون الاثنان يؤم أحدهما الآخر جماعة، ولا أحب لأحد ترك الجماعة ولو صلاها بنسائه، أو رقيقه، أو أمه، أو بعض ولده في بيته وإنما منعني أن أقول صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال تفضيل النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم متفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين ولا بأس أن يخرجوا إلى موضع فيجمعوا فيه وإنما صلاة الجماعة بأن يأتم المصلون برجل فإذا ائتم واحد برجل فهي صلاة جماعة وكلما كثرت الجماعة مع الإمام كان أحب إلي وأقرب إن شاء الله تعالى من الفضل.
[العذر في ترك الجماعة]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال،
ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات ريح ألا صلوا في رحالكم» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم أنه كان يؤم أصحابه يوما فذهب لحاجته،
ثم رجع فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم أنه خرج إلى مكة فصحبه قوم فكان يؤمهم فأقام الصلاة وقدم رجلا وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط»
(قال الشافعي) :
وإذا حضر الرجل - إماما كان، أو غير إمام - وضوء بدأ بالوضوء ولم أحب له أن يصلي وهو يجد من الوضوء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبدأ بالوضوء وما أمر به من الخشوع في الصلاة وإكمالها وإن من شغل بحاجته إلى وضوء أشبه أن لا يبلغ من الإكمال للصلاة والخشوع فيها ما يبلغ من لا شغل له وإذا حضر عشاء الصائم، أو المفطر، أو طعامه وبه إليه حاجة أرخصت له في ترك إتيان الجماعة وأن يبدأ بطعامه إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه وإن لم تكن نفسه شديدة التوقان إليه ترك العشاء وإتيان الصلاة أحب إلي.وأرخص له في ترك الجماعة بالمرض لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض فترك أن يصلي بالناس أياما كثيرة، وبالخوف وبالسفر وبمرض وبموت من يقوم بأمره، وبإصلاح ما يخاف فوت إصلاحه من ماله، ومن يقوم بأمره، ولا أرخص له في ترك الجماعة إلا من عذر والعذر ما وصفت من هذا وما أشبه، أو غلبة نوم، أو حضور مال إن غاب عنه خاف ضيعته، أو ذهاب في طلب ضالة يطمع في إدراكها ويخاف فوتها في غيبته.
[الصلاة بغير أمر الوالي]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم الصلاة قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة - فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، ثم استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس فلما انصرف قال: يا: أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لي أراكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» .
(قال الشافعي) :
ويجزئ رجلا أن يقدم رجلا، أو يتقدم فيصلي بقوم بغير أمر الوالي الذي يلي الصلاة أي صلاة حضرت من جمعة، أو مكتوبة، أو نافلة إن لم يكن في أهل البلد وال، وكذلك إن كان للوالي شغل، أو مرض، أو نام، أو أبطأ عن الصلاة فقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلح بين بني عمرو بن عوف فجاء المؤذن إلى أبي بكر فتقدم للصلاة وذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك لحاجته فتقدم عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم ركعة من الصبح وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدرك معه الركعة الثانية فصلاها خلف عبد الرحمن بن عوف، ثم قضى ما فاته ففزع الناس لذلك فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أحسنتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال: يعني أول وقتها إلى هنا
(قال الشافعي) :
وأحب في هذا كله إن كان الإمام قريبا أن يستأمر وأحب للإمام أن يوكل من يصلي بالناس إذا أبطأ هو عن الصلاة وسواء في هذا كله أن يكون الزمان زمان فتنة، أو غير زمان فتنة إلا أنهم إذا خافوا في هذا شيئا من السلطان أحببت أن لا يعجلوا أمر السلطان حتى يخافوا ذهاب الوقت فإذا خافوا ذهابه لم يسعهم إلا الصلاة جماعة، أو فرادى وسواء في هذا الجمعة والأعياد وغيرها قد صلى علي بالناس العيد وعثمان محصور رحمة الله عليهما.إذا اجتمع القوم وفيهم الوالي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا دخل الوالي البلد يليه فاجتمع وغيره في ولايته فالوالي أحق بالإمامة ولا يتقدم أحد ذا سلطان في سلطانه في مكتوبة ولا نافلة ولا عيد ويروى أن ذا السلطان أحق بالصلاة في سلطانه فإن قدم الوالي رجلا فلا بأس وإنما يؤم حينئذ بأمر الوالي والوالي المطلق الولاية في كل من مر به ذو سلطان حيث مر وإن دخل الخليفة بلدا لا يليه وبالبلد وال غيره فالخليفة، أولى بالصلاة لأن واليه إنما ولي بسببه وكذلك إن دخل بلدا تغلب عليه رجل فالخليفة، أولى فإن لم يكن خليفة فالوالي بالبلد، أولى بالصلاة فيه فإن جاوز إلى بلد غيره لا ولاية له به فهو وغيره سواء.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (24)
صــــــــــ 183 الى صـــــــــــ191
[إمامة القوم لا سلطان فيهم]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا إبراهيم قال: أخبرني معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود قال: من السنة أن لا يؤمهم إلا صاحب البيت
(قال الشافعي) :
وروي أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا في بيت رجل منهم فحضرت الصلاة فقدم صاحب البيت رجلا منهم فقال تقدم فأنت أحق بالإمامة في منزلك فتقدم
(قال الشافعي) :
وأكره أن يؤم أحد غير ذي سلطان أحدا في منزله إلا أن يأذن له الرجل فإن أذن له فإنما أم بأمره فلا بأس إن شاء الله تعالى وإنما أكره أن يؤمه في منزله بغير أمره فأما بأمره فذلك ترك منه لحقه في الإمامة ولا يجوز لذي سلطان ولا صاحب منزل أن يؤم حتى يكون يحسن يقرأ ما تجزيه به الصلاة، فإن لم يكن يقرأ ما تجزيه به الصلاة لم يكن له أن يؤم وإن أم فصلاته تامة وصلاة من خلفه ممن يحسن هذا فاسدة وهكذا إذا كان السلطان، أو صاحب المنزل ممن ليس يحسن يقرأ لم تجزئ من ائتم به الصلاة.وإذا تقدم أحد ذا سلطان وذا بيت في بيته بغير إذن واحد منهما كرهته له ولم يكن عليه ولا على من صلى خلفه إعادة؛ لأن الفعل في التقدم إذا كان خطأ فالصلاة نفسها مؤداة كما تجزئ وسواء إمامة الرجل في بيته العبد والحر إلا أن يكون سيده حاضرا فالبيت بيت السيد ويكون، أولى بالإمامة وإذا كان السلطان في بيت رجل كان السلطان، أولى بالإمامة لأن بيته من سلطانه.وإذا كان مصر جامع له مسجد جامع لا سلطان به فأيهم أمهم من أهل الفقه والقرآن لم أكرهه أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع أن صاحب المقصورة جاء إلى ابن عمر.
[اجتماع القوم في منزلهم للصلاة]
اجتماع القوم في منزلهم سواء
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال: حدثنا أبو اليمان مالك بن الحويرث قال: قال: لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم»
(قال الشافعي) :
هؤلاء قوم قدموا معا فأشبهوا أن تكون قراءتهم وتفقههم سواء فأمروا أن يؤمهم أكبرهم وبذلك آمرهم وبهذا نأخذ فنأمر القوم إذا اجتمعوا في الموضع ليس فيهم وال وليسوا في منزل أحد أن يقدموا أقرأهم وأفقههم، وأسنهم فإن لم يجتمع ذلك في واحد فإن قدموا أفقههم إذا كان يقرأ القرآن فقرأ منه ما يكتفي به في صلاته فحسن وإن قدموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن.ويقدموا هذين معا على من هو أسن منهما وإنما قيل - والله تعالى أعلم - أن يؤمهم أقرؤهم أن من مضى من الأئمة كانوا يسلمون كبارا فيتفقهون قبل أن يقرءوا القرآن ومن بعدهم كانوا يقرءون القرآن صغارا قبل أن يتفقهوا فأشبه أن يكون من كان فقيها إذا قرأ من القرآن شيئا، أولى بالإمامة لأنه قد ينوبه في الصلاة ما يعقل كيف يفعل فيه بالفقه ولا يعلمه من لا فقه له وإذا استووا في الفقه والقراءة أمهم أسنهم وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمهم أسنهم فيما أرى - والله تعالى أعلم - أنهم كانوا مشتبهي الحال في القراءة والعلم فأمر أن يؤمهم أكبرهم سنا ولو كان فيهم ذو نسب فقدموا غير ذي النسب أجزأهم وإن قدموا ذا النسب اشتبهت حالهم في القراءة والفقه كان حسنا؛ لأن الإمامة منزلة فضل وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قدموا قريشا ولا تقدموها» فأحب أن يقدم من حضر منهم اتباعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان فيه لذلك موضع.
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن عطاء قال: كان يقال يؤمهم أفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم فإن كانوا في الفقه والقراءة سواء فأسنهم، ثم عاودته بعد ذلك في العبد يؤم فقلت يؤمهم العبد إذا كان أفقههم؟ قال: نعم
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة من المدينة ولابن عمر قريبا من ذلك المسجد أرض يعملها وإمام ذلك المسجد مولى له ومسكن ذلك المولى وأصحابه، ثم فلما سمعهم عبد الله بن عمر جاء ليشهد معهم الصلاة فقال له المولى صاحب المسجد تقدم فصل فقال له عبد الله أنت أحق أن تصلي في مسجدك مني فصلى المولى صاحب المسجد.
(قال الشافعي) :
وصاحب المسجد كصاحب المنزل فأكره أن يتقدمه أحد إلا السلطان ومن أم من الرجال ممن كرهت إمامته فأقام الصلاة أجزأت إمامته والاختيار ما وصفت من تقديم أهل الفقه والقرآن والسن والنسب وإن أم أعرابي مهاجرا، أو بدوي قرويا فلا بأس - إن شاء الله تعالى - إلا أني أحب أن يتقدم أهل الفضل في كل حال في الإمامة ومن صلى صلاة من بالغ مسلم يقيم الصلاة أجزأته ومن خلفه صلاتهم، وإن كان غير محمود الحال في دينه أي غاية بلغ يخالف الحمد في الدين.وقد صلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف من لا يحمدون فعاله من السلطان وغيره
(قال الشافعي) :
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع أن عبد الله بن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج بمنى فصلى مع الحجاج أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - كانا يصليان خلف مروان قال فقال: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال: لا والله ما كانا يزيدان على صلاة الأئمة.
[صلاة الرجل بصلاة الرجل لم يؤمه]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - وإذا افتتح الرجل الصلاة لنفسه لا ينوي أن يؤم أحدا فجاءت جماعة، أو واحد فصلوا بصلاته فصلاته مجزئة عنهم وهو لهم إمام ولا فرق بينه وبين الرجل ينوي أن يصلي لهم ولو لم يجز هذا لرجل لم يجز أن ينوي إمامة رجل، أو نفر قليل بأعيانهم لا ينوي إمامة غيرهم ويأتي قوم كثيرون فيصلون معهم، ولكن كل هذا جائز - إن شاء الله تعالى -، وأسأل الله - تعالى - التوفيق.
[كراهية الإمامة]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - روى صفوان بن سليم عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم»
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»
(قال الشافعي) :
فيشبه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى أعلم - إن أتموا فصلوا في أول الوقت وجاءوا بكمال الصلاة في إطالة القراءة والخشوع والتسبيح في الركوع والسجود وإكمال التشهد والذكر فيها؛ لأن هذه غاية التمام وإن أجزأ أقل منه فلهم ولكم ولا فعليهم ترك الاختيار بعمد تركه ولكم ما نويتم منه فتركتموه لاتباعه بما أمرتم باتباعهم في الصلاة فيما يجزئكم وإن كان غيره أفضل منه فعليهم التقصير في تأخير الصلاة عن أول الوقت والإتيان بأقل ما يكفيهم من قراءة وركوع وسجود دون أكمل ما يكون منها وإنما عليكم اتباعهم فيما أجزأ عنكم وعليهم التقصير من غاية الإتمام والكمال ويحتمل ضمناء لما غابوا عليه من المخافتة بالقراءة والذكر فأما أن يتركوا ظاهرا أكثر الصلاة حتى يذهب الوقت، أو لم يأتوا في الصلاة بما تكون منه الصلاة مجزئة فلا يحل لأحد اتباعهم ولا ترك الصلاة حتى يمضي وقتها ولا صلاتها بما لا يجزئ فيها.وعلى الناس أن يصلوا لأنفسهم، أو جماعة مع غير من يصنع هذا ممن يصلي لهم فإن قال قائل: ما دليل ما وصفت قيل: قال الله تبارك وتعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] ويقال نزلت في أمراء السرايا وأمروا إذا تنازعوا في شيء وذلك اختلافهم فيه أن يردوه إلى حكم الله عز وجل، ثم حكم الرسول فحكم الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتى بالصلاة في الوقت وبما تجزئ به وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أمركم من الولاية بغير طاعة الله فلا تطيعوه» فإذا أخروا الصلاة حتى يخرج وقتها، أو لم يأتوا فيها بما تكون به مجزئة عن المصلي فهذا من عظيم معاصي الله الذي أمر الله عز وجل أن ترد إلى الله والرسول وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يطاع وال فيها وأحب الأذان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اغفر للمؤذنين» ، وأكره الإمامة للضمان وما على الإمام فيها وإذا أم رجل انبغى له أن يتقي الله عز ذكره ويؤدي ما عليه في الإمامة فإذا فعل رجوت أن يكون خيرا حالا من غيره.
[ما على الإمام]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - وروي من وجه عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يصلي الإمام بقوم فيخص نفسه بدعوة دونهم» ، ويروى عن عطاء بن أبي رباح مثله، وكذلك أحب للإمام فإن لم يفعل وأدى الصلاة في الوقت أجزأه وأجزأهم وعليه نقص في أن خص نفسه دونهم، أو يدع المحافظة على الصلاة في أول الوقت بكمال الركوع والسجود.
[أم قوما وهم له كارهون]
من أم قوما وهم له كارهون
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يقال: لا تقبل صلاة من أم قوما وهم له كارهون، ولا صلاة امرأة وزوجها غائب عنها ولا عبد آبق حتى يرجع ولم أحفظ من وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله وإنما عني به والله تعالى أعلم الرجل غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للإمام ولا بأس به على المأموم يعني في هذا الحال؛ لأن المأموم لم يحدث شيئا كره له وصلاة المأموم في هذه الحال مجزئة ولا أعلم على الإمام إعادة؛ لأن إساءته في التقدم لا تمنعه من أداء الصلاة، وإن خفت عليه في التقدم وكذلك المرأة يغيب عنها زوجها وكذلك العبد يأبق أخاف عليهم في أفعالهم وليست على واحد منهم إعادة صلاة صلاها في تلك الحال وكذلك الرجل يخرج يقطع الطريق ويشرب الخمر، ويخرج في المعصية أخاف عليه في عمله وإذا صلى صلاة ففعلها في وقتها لم أوجب عليه أن يعيدها، ولو تطوع بإعادتها إذا ترك ما كان فيه ما كرهت ذلك له وأكره للرجل أن يتولى قوما وهم له كارهون وإن وليهم والأكثر منهم لا يكرهونه والأقل منهم يكرهونه لم أكره ذلك له إلا من وجه كراهية الولاية جملة، وذلك أنه لا يخلو أحد ولي قليلا أو كثيرا أن يكون فيهم من يكرهه وإنما النظر في هذا إلى العام الأكثر لا إلى الخاص الأقل وجملة هذا أني أكره الولاية بكل حال.فإن ولي رجل قوما فليس له أن يقبل ولايتهم حتى يكون محتملا لنفسه للولاية بكل حال آمنا عنده على من وليه أن يحابيه، وعدوه أن يحمل غير الحق عليه متيقظا، لا يخدع عفيفا عما صار إليه من أموالهم وأحكامهم مؤديا للحق عليه فإن نقص واحدة من هذا لم يحل له أن يلي ولا لأحد عرفه أن يوليه وأحب مع هذا أن يكون حليما على الناس وإن لم يكن فكان لا يبلغ به غيظه أن يجاوز حقا ولا يتناول باطلا لم يضره؛ لأن هذا طباع لا يملكه من نفسه ومتى ولي وهو كما أحب له فتغير وجب على الوالي عزله وعليه أن لا يلي له.ولو تولى رجل أمر قوم أكثرهم له كارهون لم يكن عليه في ذلك مأثم إن شاء الله تعالى إلا أن يكون ترك الولاية خيرا له أحبوه، أو كرهوه.
[ما على الإمام من التخفيف]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان أحدكم يصلي بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف فإذا كان يصلي لنفسه فليطل ما شاء»
(قال الشافعي) :
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه»
(قال الشافعي) :
روى شريك بن عبد الله بن أبي نمر وعمرو بن أبي عمرو عن العلاء بن عبد الرحمن عن «أنس بن مالك قال: ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»
(قال الشافعي) :
وأحب للإمام أن يخفف الصلاة ويكملها كما وصف أنس ومن حدث معه وتخفيفها وإكمالها مكتوب في كتاب قراءة الإمام في غير هذا الموضع وإن عجل الإمام عما أحببت من تمام الإكمال من التثقيل كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا على من خلفه إذا جاء بأقل ما عليه في الصلاة.
[باب صفة الأئمة]
وليس في التراجم وفيه ما يتعلق بتقديم قريش، وفضل الأنصار، والإشارة إلى الإمامة العظمى أخبرنا الربيع قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها، أو تعلموها» الشك من ابن أبي فديك
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن حكيم بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز وابن شهاب يقولان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أهان قريشا أهانه الله» أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز جل»
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش أنتم، أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم مع الحق إلا أن تعدلوا فتلحون كما تلحى هذه الجريدة» يشير إلى جريدة في يده
(قال الشافعي) :
أخبرنا يحيى بن سليم بن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة الأنصاري عن أبيه عن جده رفاعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى: «أيها الناس إن قريشا أهل إمامة من بغاها العواثير أكبه الله لمنخريه» يقولها ثلاث مرات حدثنا الشافعي قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قتادة بن النعمان وقع بقريش فكأنه نال منهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مهلا يا قتادة، لا تشتم قريشا فإنك لعلك ترى منها رجالا، أو يأتي منها رجال تحتقر عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله»
(قال الشافعي) :
أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسناد لا أحفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في قريش شيئا من الخير لا أحفظه وقال «شرار قريش خيار شرار الناس» أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة " قال «أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية» حدثنا الشافعي قال: حدثني عمي محمد بن العباس عن الحسن بن القاسم الأزرقي قال «وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثنية تبوك فقال ما ها هنا شام وأشار بيده إلى جهة الشام وما ها هنا يمن وأشار بيده إلى جهة المدينة» ، حدثنا الشافعي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: «جاء الطفيل بن عمرو والدوسي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ورفع يديه فقال الناس: هلكت دوس فقال: اللهم اهد دوسا وأت بهم» حدثنا الشافعي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو أن الناس سلكوا واديا، أو شعبا لسلكت وادي الأنصار، أو شعبهم» حدثنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني قال: حدثني ابن الغسيل عن رجل سماه عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» وقال غيره عن الحسن " ما لم يكن فيه حد " وقال الجرجاني في حديثه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار» وقال في حديثه «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج بهش إليه النساء والصبيان من الأنصار فرق لهم، ثم خطب» وقال هذه المقالة
(قال الشافعي) :
وحدثني بعض أهل العلم أن أبا بكر قال: ما وجدت أنا لهذا الحي من الأنصار مثلا إلا ما قال الطفيل الغنوي:أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي يلقون منا لملتهم خلطونا بالنفوس وألجئوا ... إلى حجرات أدفأت وأظلتجزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا بعلنا في الواطئين وزلت
قال الربيع: هذا البيت الأخير ليس في الحديث حدثنا الشافعي قال: حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال: ما من المهاجرين أحد إلا وللأنصار عليه منة ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا في الثمار وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة،
أخبرنا الشافعي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: بينا أنا أنزع على بئر أستقي»
(قال الشافعي) :
يعني في النوم ورؤيا الأنبياء وحي قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فجاء ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا، أو ذنوبين وفيهما ضعف والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربا فضرب الناس بعطن فلم أر عبقريا يفري فريه» وزاد مسلم بن خالد «فأروى الظمأة وضرب الناس بعطن»
(قال: الشافعي) :
قوله وفي نزعه ضعف يعني قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته وقوله في عمر " فاستحالت في يده غربا " والغرب الدلو العظيم الذي إنما تنزعه الدابة أو الزرنوق ولا ينزعه الرجل بيده لطول مدته وتزيده في الإسلام لم يزل يعظم أمره ومناصحته للمسلمين كما يمتح الدلو العظيم، أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه «أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع فقالت: يا رسول الله إن رجعت لم أجدك كأنها تعني الموت قال: فأتي أبا بكر» ،
أخبرنا الشافعي قال: حدثنا يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر خير خليفة الله، أرحمه وأحناه عليه.
[صلاة المسافر يؤم المقيمين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر» ،
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب مثله
(قال: الشافعي) :
وهكذا أحب للإمام أن يصلي مسافرا، أو مقيما ولا يوكل غيره ويأمر من وراءه من المقيمين أن يتموا إلا أن يكونوا قد فقهوا فيكتفي بفقههم - إن شاء الله تعالى -.وإذا اجتمع مسافرون ومقيمون فإن كان الوالي من أحد الفريقين صلى بهم مسافرا كان، أو مقيما وإن كان مقيما فأقام غيره فصلى بهم فأحب إلي إلى أن يأمر مقيما ولا يولي الإمامة إلا من ليس له أن يقصر فإن أمر مسافرا كرهت ذلك له إذا كان يصلي خلفه مقيم ويبني المقيم على صلاة المسافر ولا إعادة عليه فإن لم يكن فيهم وال فأحب إلي أن يؤمهم المقيم لتكون صلاتهم كلها بإمام ويؤخر المسافرون عن الجماعة وإكمال عدد الصلاة.فإن قدموا مسافرا فأمهم أجزأ عنهم وبنى المقيمون على صلاة المسافر إذا قصر وإن أتم أجزأتهم صلاتهم وإن أم المسافر المقيمين فأتم الصلاة أجزأته وأجزأت من خلفه من المقيمين والمسافرين صلاتهم.
[صلاة الرجل بالقوم لا يعرفونه]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو أن قوما في سفر، أو حضر، أو غيره ائتموا برجل لا يعرفونه فأقام الصلاة أجزأت عنهم صلاتهم ولو شكوا أمسلم هو، أو غير مسلم؟ أجزأتهم صلاتهم وهو إذا أقام الصلاة إمام مسلم في الظاهر حتى يعلموا أنه ليس بمسلم، ولو عرفوه بغير الإسلام وكانوا ممن يعرفونه المعرفة الذي الأغلب عليهم أن إسلامه لا يخفى عليهم ولو أسلم فصلى فصلوا وراءه في مسجد جماعة، أو صحراء لم تجزئهم صلاتهم معه إلا أن يسألوه فيقول: أسلمت قبل الصلاة، أو يعلمهم من يصدقون أنه مسلم قبل الصلاة.وإذا أعلمهم أنه أسلم قبل الصلاة فصلاتهم مجزئة عنهم، ولو صلوا معه على علمهم بشركه ولم يعلموا إسلامه قبل الصلاة ثم أعلمهم بعد الصلاة أنه أسلم قبلها لم تجزهم صلاتهم؛ لأنهم لم يكن لهم الائتمام به على معرفتهم بكفره وإن لم يعلموا إسلامه قبل ائتمامهم به وإذا صلوا مع رجل صلاة كثيرة ثم أعلمهم أنه غير مسلم، أو علموا من غيره أعادوا كل صلاة صلوها خلفه، وكذلك لو أسلم، ثم ارتد عن الإسلام وصلوا معه في ردته قبل أن يرجع إلى الإسلام أعادوا كل صلاة صلوها معه
[إمامة المرأة للرجال]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة؛ لأن الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن، أولياء وغير ذلك ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبدا وهكذا لو كان ممن صلى مع المرأة خنثى مشكل لم تجزه صلاته معها ولو صلى معها خنثى مشكل ولم يقض صلاته حتى بان أنه امرأة أحببت له أن يعيد الصلاة وحسبت أنه لا تجزئه صلاته؛ لأنه لم يكن حين صلى معها ممن يجوز له أن يأتم بها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (25)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ200
[إمامة المرأة وموقفها في الإمامة]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عمار الدهني عن امرأة من قومه يقال لها حجيرة أن أم سلمة أمتهن فقامت وسطا.
(قال الشافعي) :
روى الليث عن عطاء عن عائشة أنها صلت بنسوة العصر فقامت في وسطهن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم عن صفوان قال: إن «من السنة أن تصلي المرأة بالنساء تقوم في وسطهن»
(قال الشافعي) :
وكان علي بن الحسين يأمر جارية له تقوم بأهله في شهر رمضان وكانت عمرة تأمر المرأة أن تقوم للنساء في شهر رمضان.
(قال: الشافعي) :
وتؤم المرأة النساء في المكتوبة وغيرها وآمرها أن تقوم في وسط الصف وإن كان معها نساء كثير أمرت أن يقوم الصف الثاني خلف صفها وكذلك الصفوف وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن لا يخالفن الرجال في شيء من صفوفهن إلا أن تقوم المرأة وسطا وتخفض صوتها بالتكبير والذكر الذي يجهر به في الصلاة من القرآن وغيره فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن وأحب إلي أن لا يؤم النساء منهن إلا حرة؛ لأنها تصلي متقنعة فإن أمت أمة متقنعة، أو مكشوفة الرأس حرائر فصلاتها وصلاتهن مجزئة؛ لأن هذا فرضها وهذا فرضهن.وإمامة القاعد والناس خلفه قيام أكثر من إمامة أمة مكشوفة الرأس وحرائر متقنعات.
[إمامة الأعمى]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع «أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى قال: فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أين تحب أن نصلي؟ فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى.
(قال الشافعي) :
وسمعت عددا من أهل العلم يذكرون «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى فيصلي بالناس في عدد غزوات له»
(قال: الشافعي) :
وأحب إمامة الأعمى والأعمى إذا سدد إلى القبلة إلي كان أحرى أن لا يلهو بشيء تراه عيناه ومن أم صحيحا كان أو أعمى فأقام الصلوات أجزأت صلاته ولا أختار إمامة الأعمى على الصحيح؛ لأن أكثر من جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إماما بصيرا، ولا إمامة الصحيح على الأعمى؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجد عددا من الأصحاء يأمرهم بالإمامة أكثر من عدد من أمر بها من العمي.
[إمامة العبد]
(قال الشافعي) :
- رحمه الله تعالى - أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق قال: وكان إمام بني محمد بن أبي بكر وعروة.
(قال: الشافعي) :
والاختيار أن يقدم أهل الفضل في الإمامة على ما وصفت وأن يقدم الأحرار على المماليك وليس بضيق أن يتقدم المملوك الأحرار إماما في مسجد جماعة ولا في طريق ولا في منزل ولا في جمعة ولا عيد ولا غيره من الصلوات.فإن قال: قائل كيف يؤم في الجمعة وليست عليه؟ قيل ليست عليه على معنى ما ذهبت إليه إنما ليست عليه بضيق عليه أن يتخلف عنها كما ليس بضيق على خائف ولا مسافر، وأي هؤلاء صلى الجمعة أجزأت عنه وبين أن كل واحد من هؤلاء إذا كان إذا حضر أجزأت عنه وهي ركعتا الظهر التي هي أربع فصلاها بأهلها أجزأت عنه وعنهم.
[إمامة الأعجمي]
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرنا عطاء قال: سمعت عبيد بن عمير يقول اجتمعت جماعة فيما حول مكة قال: حسبت أنه قال في أعلى الوادي ها هنا وفي الحج قال: فحانت الصلاة فتقدم رجل من آل أبي السائب أعجمي اللسان قال: فأخره المسور بن مخرمة وقدم غيره فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة فلما جاء المدينة عرفه بذلك فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته فقال هنالك ذهبت بها فقلت: نعم فقال: قد أصبت
(قال الشافعي) :
وأحب ما صنع المسور وأقر له عمر من تأخير رجل أراد أن يؤم وليس بوال وتقديم غيره إذا كان الإمام أعجميا.وكذلك إذا كان غير رضي في دينه ولا عالم بموضع الصلاة وأحب أن لا يتقدم أحد حتى يكون حافظا لما يقرأ فصيحا به وأكره إمامة من يلحن؛ لأنه قد يحيل باللحن المعنى فإن أم أعجمي، أو لحان فأفصح بأم القرآن، أو لحن فيها لحنا لا يحيل معنى شيء منها أجزأته وأجزأتهم، وإن لحن فيها لحنا يحيل معنى شيء منها لم تجز من خلفه صلاتهم وأجزأته إذا لم يحسن غيره كما يجزيه أن يصلي بلا قراءة إذا لم يحسن القراءة.ومثل هذا إن لفظ منها بشيء بالأعجمية وهو لا يحسن غيره أجزأته صلاته ولم تجز من خلفه قرءوا معه، أو لم يقرءوا وإذا ائتموا به فإن أقاما معا أم القرآن، أو لحنا، أو نطق أحدهما بالأعجمية، أو لسان أعجمي في شيء من القرآن غيرها أجزأته ومن خلفه صلاتهم إذا كان أراد القراءة لما نطق به من عجمة ولحن، فإن أراد به كلاما غير القراءة فسدت صلاته، فإن ائتموا به فسدت صلاتهم وإن خرجوا من صلاته حين فسدت فقدموا غيره، أو صلوا لأنفسهم فرادى أجزأتهم صلاتهم.
[إمامة ولد الزنا]
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا كان يؤم ناسا بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز وإنما نهاه؛ لأنه كان لا يعرف أبوه
(قال: الشافعي) :
وأكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماما؛ لأن الإمامة موضع فضل وتجزي من صلى خلفه صلاتهم، وتجزيه إن فعل وكذلك أكره إمامة الفاسق والمظهر البدع ومن صلى خلف واحد منهم أجزأته صلاته ولم تكن عليه إعادة إذا أقام الصلاة.
[إمامة الصبي لم يبلغ]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا أم الغلام الذي لم يبلغ الذي يعقل الصلاة ويقرأ، الرجال البالغين فإذا أقام الصلاة أجزأتهم إمامته والاختيار أن لا يؤم إلا بالغ وأن يكون الإمام البالغ عالما بما لعله يعرض له في الصلاة.
[إمامة من لا يحسن القراءة]
إمامة من لا يحسن يقرأ ويزيد في القرآن قال وإذا أم الأمي، أو من لا يحسن أم القرآن وإن أحسن غيرها من القرآن ولم يحسن أم القرآن لم يجز الذي يحسن أم القرآن صلاته معه وإن أم من لا يحسن أن يقرأ أجزأت من لا يحسن يقرأ صلاته معه.وإن كان الإمام لا يحسن أم القرآن ويحسن سبع آيات، أو ثمان آيات ومن خلفه لا يحسن أم القرآن ويحسن من القرآن شيئا أكثر مما يحسن الإمام أجزأتهم صلاتهم معه؛ لأن كلا لا يحسن أم القرآن والإمام يحسن ما يجزيه في صلاته إذا لم يحسن أم القرآن وإن أم رجل قوما يقرءون فلا يدرون أيحسن يقرأ أم لا فإذا هو لا يحسن يقرأ أم القرآن ويتكلم بسجاعة في القرآن لم تجزئهم صلاتهم وابتدءوا الصلاة وعليهم إذا سجع ما ليس من القرآن أن يخرجوا من الصلاة خلفه وإنما جعلت ذلك عليهم وأن يبتدئوا صلاتهم أنه ليس يحسن القرآن وإن سجاعته كالدليل الظاهر على أنه لا يحسن يقرأ فلم يكن لهم أن يكونوا في شيء من الصلاة معه ولو علموا أنه يحسن يقرأ فابتدءوا الصلاة معه، ثم سجع أحببت لهم أن يخرجوا من إمامته ويبتدئوا الصلاة.فإن لم يفعلوا، أو خرجوا حين سجع من صلاته فصلوا لأنفسهم، أو قدموا غيره أجزأت عنهم كما تجزئ عنهم لو صلوا خلف من يحسن يقرأ فأفسد صلاته بكلام عمد، أو عمل ولا تفسد صلاتهم بإفساد صلاته إذا كان لهم على الابتداء أن يصلوا معه وإذا صلى لهم من لا يدرون يحسن يقرأ أم لا صلاة لا يجهر فيها أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة احتياطا، ولا يجب ذلك عليهم عندي؛ لأن الظاهر أن أحدا من المسلمين لا يتقدم قوما في صلاة إلا محسنا لما تجزئه به الصلاة إن شاء الله تعالى وإذا أمهم في صلاة يجهر فيها فلم يقرأ أعادوا الصلاة بترك القراءة ولو قال: قد قرأت في نفسي فإن كانوا لا يعلمونه يحسن القراءة أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة؛ لأنهم لم يعلموا أنه يحسن يقرأ ولم يقرأ قراءة يسمعونها.
[إمامة الجنب]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار أن امكثوا، ثم رجع وعلى جلده أثر الماء» أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه أخبرنا الثقة عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه وقال «إني كنت جنبا فنسيت» أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه
(قال: الشافعي) :
وبهذا نأخذ وهذا يشبه أحكام الإسلام؛ لأن الناس إنما كلفوا في غيرهم الأغلب فيما يظهر لهم وأن مسلما لا يصلي إلا على طهارة فمن صلى خلف رجل، ثم علم أن إمامه كان جنبا، أو على غير وضوء وإن كانت امرأة أمت نساء، ثم علمن أنها كانت حائضا أجزأت المأمومين من الرجال والنساء صلاتهم وأعاد الإمام صلاته.ولو علم المأمومون من قبل أن يدخلوا في صلاته أنه على غير وضوء، ثم صلوا معه لم تجزهم صلاتهم؛ لأنهم صلوا بصلاة من لا تجوز له الصلاة عالمين ولو دخلوا معه في الصلاة غير عالمين أنه على غير طهارة وعلموا قبل أن يكملوا الصلاة أنه على غير طهارة كان عليهم أن يتموا لأنفسهم وينوون الخروج من إمامته مع علمهم فتجوز صلاتهم فإن لم يفعلوا فأقاموا مؤتمين به بعد العلم، أو غير ناوين الخروج من إمامته فسدت صلاتهم وكان عليهم استئنافها لأنهم قد ائتموا بصلاة من لا تجوز لهم الصلاة خلفه عالمين وإذا اختلف علمهم فعلمت طائفة وطائفة لم تعلم فصلاة الذين لم يعلموا أنه على غير طهارة جائزة وصلاة الذين علموا أنه على غير طهارة فأقاموا مؤتمين به غير جائرة ولو افتتح الإمام طاهرا، ثم انتقضت طهارته فمضى على صلاته عامدا، أو ناسيا كان هكذا وعمد الإمام ونسيانه سواء إلا أنه يأثم بالعمد ولا يأثم بالنسيان إن شاء الله تعالى.
[إمامة الكافر]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو أن رجلا كافرا أم قوما مسلمين ولم يعلموا كفره، أو يعلموا لم تجزهم صلاتهم ولم تكن صلاته إسلاما له إذا لم يكن تكلم بالإسلام قبل الصلاة ويعزر الكافر وقد أساء من صلى وراءه وهو يعلم أنه كافر ولو صلى رجل غريب بقوم، ثم شكوا في صلاتهم فلم يدروا أكان كافرا، أو مسلما لم تكن عليهم إعادة حتى يعلموا أنه كافر؛ لأن الظاهر أن صلاته صلاة المسلمين لا تكون إلا من مسلم وليس من أم فعلم كفره مثل مسلم لم يعلم أنه غير طاهر؛ لأن الكافر لا يكون إماما في حال والمؤمن يكون إماما في الأحوال كلها إلا أنه ليس له أن يصلي إلا طاهرا وهكذا لو كان رجل مسلم فارتد، ثم أم وهو مرتد لم تجز من خلفه صلاته حتى يظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم فإذا أظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم أجزأتهم صلاتهم معه ولو كانت له حالان حال كان فيها مرتدا وحال كان فيها مسلما فأمهم فلم يدروا في أي الحالين أمهم أحببت أن يعيدوا ولا يجب ذلك عليهم حتى يعلموا أنه أمهم مرتدا ولو أن كافرا أسلم، ثم أم قوما، ثم جحد أن يكون أسلم فمن ائتم به بعد إسلامه وقبل جحده فصلاته جائزة ومن ائتم بعد جحده أن يكون أسلم لم تجزه صلاته حتى يجدد إسلامه، ثم يؤمهم بعده.
[إمامة من لا يعقل الصلاة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا أم الرجل المسلم المجنون القوم فإن كان يجن ويفيق فأمهم في إفاقته فصلاته وصلاتهم مجزئة وإن أمهم وهو مغلوب على عقله لم يجزهم ولا إياه صلاتهم ولو أمهم وهو يعقل وعرض له أمر أذهب عقله فخرجوا من إمامته مكانهم صلوا لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم.وإن بنوا على الائتمام شيئا قل، أو كثر معه بعد ما علموا أنه قد ذهب عقله لم تجزهم صلاتهم خلفه وإن أم سكران لا يعقل فمثل المجنون، وإن أم شارب يعقل أجزأته الصلاة وأجزأت من صلى خلفه فإن أمهم وهو يعقل، ثم غلب بسكر فمثل ما وصفت من المجنون لا يخالفه.
[موقف الإمام]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن «أنس قال صليت أنا ويتيم لنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأم سليم خلفنا»
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم بن دينار قال: سألوا سهل بن سعد من أي شيء منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أما بقي من الناس أحد أعلم به مني من أثل الغابة عمله له فلان مولى فلانة ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صعد عليه استقبل القبلة فكبر، ثم ركع ثم نزل القهقرى فسجد، ثم صعد فقرأ، ثم ركع ثم نزل القهقرى، ثم سجد أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن «ابن عباس أنه أخبره أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي قال: ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح» .
(قال الشافعي) :
فما حكيت من هذه الأحاديث يدل على أن الإمامة في النافلة ليلا ونهارا جائزة وأنها كالإمامة في المكتوبة لا يختلفان ويدل على أن موقف الإمام أمام المأمومين منفردا والمأمومان فأكثر خلفه وإذا أم رجل برجلين فقام منفردا أمامهما وقاما صفا خلفه وإن كان موضع المأمومين رجال ونساء وخناثى مشكلون وقف الرجال يلون الإمام والخناثى خلف الرجال، والنساء خلف الخناثى وكذلك لو لم يكن معه إلا خنثى مشكل واحد وإذا أم رجل رجلا واحدا أقام الإمام المأموم عن يمينه وإذا أم خنثى مشكلا، أو امرأة قام كل واحد منهما خلفه لا بحذائه وإذا أم رجل رجلا فوقف المأموم عن يسار الإمام، أو خلفه كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما وأجزأت صلاته وكذلك إن أم اثنين فوقفا عن يمينه ويساره، أو عن يساره معا، أو يمينه، أو وقف أحدهما عن جنبه والآخر خلفه، أو وقفا معا خلفه منفردين كل واحد منهما خلف الآخر كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما ولا سجود للسهو وإنما أجزت هذا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم ابن عباس فوقف إلى جنبه فإذا جاز أن يكون المأموم الواحد إلى جنب الإمام لم يفسد أن يكون إلى جنبه اثنان ولا جماعة ولا يفسد أن يكونوا عن يساره؛ لأن كل ذلك إلى جنبه وإنما أجزأت صلاة المنفرد وحده خلف الإمام؛ لأن العجوز صلت منفردة خلف أنس وآخر معه وهما خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمامهما «قال: أبو محمد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه واقف على موضع مرتفع فوقفت خلفه وهو يصلي قائما فوقفت خلفه لأصلي معه فأخذني بيده فأوقفني عن يمينه فنظرت خلف ظهره الخاتم بين كتفيه يشبه الحاجب المقوس ونقط سواد في طرف الخاتم ونقط سواد في طرفه الآخر فقمت إليه فقبلت الخاتم» .ولو وقف بعض المأمومين أمام الإمام يأتم به أجزأت الإمام ومن صلى إلى جنبه، أو خلفه صلاتهم ولم يجز ذلك من وقف أمام الإمام صلاته لأن السنة أن يكون الإمام أمام لمأموم، أو حذاءه لا خلفه وسواء قرب ذلك، أو بعد من الإمام إذا كان المأموم أمام الإمام وكذلك لو صلى خلف الإمام صف في غير مكة فتعوج الصف حتى صار بعضهم أقرب إلى حد القبلة، أو السترة ما كانت السترة من الإمام لم تجز الذي هو أقرب إلى القبلة منه صلاته وإن كان يرى صلاة الإمام ولو شك المأموم أهو أقرب إلى القبلة، أو الإمام أحببت له أن يعيد ولا يتبين لي أن يعيد حتى يستيقن أنه كان أقرب إلى القبلة من الإمام ولو أم إمام بمكة وهم يصلون بها صفوفا مستديرة يستقبل كلهم إلى الكعبة من جهته كان عليهم - والله تعالى أعلم - عندي أن يصنعوا كما يصنعون في الإمام وأن يجتهدوا حتى يتأخروا من كل جهة عن البيت تأخرا يكون فيه الإمام أقرب إلى البيت منهم وليس يبين لمن زال عن حد الإمام وقربه من البيت عن الإمام إذا لم يتباين ذلك تباين الذين يصلون صفا واحدا مستقبلي جهة واحدة فيتحرون ذلك كما وصفت ولا يكون على واحد منهم إعادة صلاة حتى يعلم الذين يستقبلون وجه القبلة مع الإمام أن قد تقدموا الإمام وكانوا أقرب إلى البيت منه فإذا علموا أعادوا فأما الذين يستقبلون الكعبة كلها من غير جهتها فيجتهدون كما يصلون أن يكونوا أنأى عن البيت من الإمام فإن لم يفعلوا وعلموا، أو بعضهم أنه أقرب إلى البيت من الإمام فلا إعادة عليه من قبل أنه والإمام.وإن اجتمعا أن يكون واحد منهما يستقبل البيت بجهته وكل واحد منهما في غير جهة صاحبه فإذا عقل المأموم صلاة الإمام أجزأته صلاته
(قال) :
ولم يزل الناس يصلون مستدبري الكعبة والإمام في وجهها ولم أعلمهم يتحفظون ولا أمروا بالتحفظ من أن يكون كل واحد منهم جهته من الكعبة غير جهة الإمام، أو يكون أقرب إلى البيت منه وقلما يضبط هذا حول البيت إلا بالشيء المتباين جدا وهكذا لو صلى الإمام بالناس فوقف في ظهر الكعبة، أو أحد جهتها غير وجهها لم يجز للذين يصلون من جهته إلا أن يكونوا خلفه فإن لم يعلموا أعادوا وأجزأ من صلى من غير جهته وإن صلى وهو أقرب إلى الكعبة منه والاختيار لهم أن يتحروا أن يكونوا خلفه ولو أن رجلا أم رجالا ونساء فقام النساء خلف الإمام والرجال خلفهن، أو قام النساء حذاء الإمام فائتممن به والرجال إلى جنبهن كرهت ذلك للنساء والرجال والإمام ولم تفسد على واحد منهم صلاته وإنما قلت هذا؛ لأن ابن عيينة أخبرنا عن الزهري عن عروة عن «عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة»
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن مالك بن مغول عن عون بن جحيفة عن أبيه قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح وخرج بلال بالعنزة فركزها فصلى إليها والكلب والمرأة والحمار يمرون بين يديه»
(قال: الشافعي) :
وإذا لم تفسد المرأة على الرجل المصلي أن تكون بين يديه فهي إذا كانت عن يمينه، أو عن يساره أحرى أن لا تفسد عليه والخصي المجبوب أو غير المجبوب رجل يقف موقف الرجال في الصلاة ويؤم وتجوز شهادته ويرث ويورث ويثبت له سهم في القتال وعطاء في الفيء وإذا كان الخنثى مشكلا فصلى مع إمام وحده وقف خلفه وإن صلى مع جماعة وقف خلف صفوف الرجال وحده وأمام صفوف النساء.
[صلاة الإمام قاعدا]
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد وصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين»
(قال الشافعي) :
أخبرنا يحيى بن حسان عن محمد بن مطر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
(قال الشافعي) :
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس ومن حدث معه في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه صلى بهم جالسا ومن خلفه جلوسا» - منسوخ بحديث عائشة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسا وصلوا خلفه قياما»فهذا مع أنه سنة ناسخة معقولا ألا ترى أن الإمام إذا لم يطق القيام صلى جالسا وكان ذلك فرضه وصلاة المأمومين غيره قياما إذا أطاقوه وعلى كل واحد منهم فرضه فكان الإمام يصلي فرضه قائما إذا أطاق وجالسا إذا لم يطق وكذلك يصلي مضطجعا وموميا إن لم يطق الركوع والسجود ويصلي المأمومون كما يطيقون فيصلي كل فرضه فتجزي كلا صلاته ولو صلى إمام مكتوبة بقوم جالسا وهو يطيق القيام ومن خلفه قياما كان الإمام مسيئا ولا تجزئه صلاته وأجزأت من خلفه؛ لأنهم لم يكلفوا أن يعلموا أنه يطيق القيام وكذلك لو كان يرى صحة بادية وجلدا ظاهرا؛ لأن الرجل قد يجد ما يخفى على الناس ولو علم بعضهم أنه يصلي جالسا من غير علة فصلى وراءه قائما أعاد لأنه صلى خلف من يعلم أن صلاته لا تجزي عنه ولو صلى أحد يطيق القيام خلف إمام قاعد فقعد معه لم تجز صلاته وكانت عليه الإعادة ولو صلى الإمام بعض الصلاة قاعدا، ثم أطاق القيام كان عليه حين أطاق القيام أن يقوم في موضع القيام ولا يجزئه غير ذلك وإن لم يفعل فعليه أن يعيد تلك الصلاة وصلاة من خلفه تامة.ولو افتتح الإمام الصلاة قائما، ثم مرض حتى لا يطيق القيام كان له أن يجلس ليتم ما بقي من صلاته جالسا والمرأة تؤم النساء والرجل يؤم الرجال والنساء في هذا سواء.وإن أمت أمة نساء فصلت مكشوفة الرأس أجزأتها وإياهن صلاتهن فإن عتقت فعليها أن تقنع فيما بقي من صلاتها ولو لم تفعل وهي عالمة أن قد عتقت وغير عالمة أعادت صلاتها تلك وكل صلاة صلتها مكشوفة الرأس.
[مقام الإمام ارتفعا والمأموم مرتفع]
ومقام الإمام بينه وبين الناس مقصورة وغيرهاأخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعد عن منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أي شيء هو وذكر الحديث أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن همام قال:: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع فسجد عليه فجبذه أبو مسعود فتابعه حذيفة فلما قضى الصلاة قال: أبو مسعود أليس قد نهي عن هذا؟ قال: حذيفة ألم ترني قد تابعتك؟
(قال: الشافعي) :
وأختار للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع ليراه من وراءه فيقتدون بركوعه وسجوده فإذا كان ما يصلي عليه منه متضايقا عنه إذا سجد، أو متعاديا عليه كتضايق المنبر وتعاديه بارتفاع بعض درجه على بعض أن يرجع القهقرى حتى يصير إلى الاستواء، ثم يسجد ثم يعود إلى مقامه وإن كان متضايقا، أو متعاديا، أو كان يمكنه أن يرجع القهقرى، أو يتقدم فليتقدم أحب إلي؛ لأن التقدم من شأن المصلين فإن استأخر فلا بأس وإن كان موضعه الذي يصلي عليه لا يتضايق إذا سجد ولا يتعادى سجد عليه ولا أحب أن يتقدم ولا يتأخر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رجع للسجود - والله تعالى أعلم - لتضايق المنبر وتعاديه وإن رجع القهقرى، أو تقدم، أو مشى مشيا غير منحرف إلى القبلة متباينا، أو مشى يسيرا من غير حاجة إلى ذلك كرهته له ولا تفسد صلاته ولا توجب عليه سجود سهو إذا لم يكن ذلك كثيرا متباعدا فإن كان كثيرا متباعدا فسدت صلاته وإن كان الإمام قد علم الناس مرة أحببت أن يصلي مستويا مع المأمومين؛ لأنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على المنبر إلا مرة واحدة وكان مقامه فيها سواها بالأرض مع المأمومين فالاختيار أن يكون مساويا للناس ولو كان أرفع منهم، أو أخفض لم تفسد صلاته ولا صلاتهم ولا بأس أن يصلي المأموم من فوق المسجد بصلاة الإمام في المسجد إذا كان يسمع صوته، أو يرى بعض من خلفه فقد رأيت بعض المؤذنين يصلي على ظهر المسجد الحرام بصلاة الإمام فما علمت أن أحدا من أهل العلم عاب عليه ذلك وإن كنت قد علمت أن بعضهم أحب ذلك لهم لو أنهم هبطوا إلى المسجد
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا صالح مولى التوأمة أنه رأى أبا هريرة يصلي فوق ظهر المسجد الحرام بصلاة الإمام في المسجد.
(قال الشافعي) :
وموقف المرأة إذا أمت النساء تقوم وسطهن فإن قامت متقدمة النساء لم تفسد صلاتها ولا صلاتهن جميعا وهي فيما يفسد صلاتهن ولا يفسدها ويجوز لهن من المواقف ولا يجوز كالرجال لا يختلفن هن ولا هم.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (26)
صــــــــــ 200 الى صـــــــــــ205
[اختلاف نية الإمام والمأموم]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا سفيان أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول «كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، أو العتمة،
ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة قال: فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم -
العشاء ذات ليلة قال فصلى معه معاذ قال: فرجع فأم قومه فقرأ بسورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده فقالوا له أنافقت؟
قال: لا ولكني آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فقال يا رسول الله إنك أخرت العشاء وإن معاذا صلى معك، ثم رجع فأمنا فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا»
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر مثله وزاد فيه أن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قال اقرأ ب {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] {والسماء والطارق} [الطارق: 1] ونحوها» قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير يقول قال: له اقرأ ب: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] {والسماء والطارق} [الطارق: 1] ، فقال عمرو هو هذا،
أو نحوه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد قال: أخبرني ابن جريج عن عمرو عن جابر قال: «كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم ينطلق إلى قومه فيصليها لهم هي له تطوع وهي لهم مكتوبة» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة» ، أخبرنا الثقة ابن علية، أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى لهم ركعتين، ثم سلم» (قال: الشافعي) : والآخرة من هاتين للنبي - صلى الله عليه وسلم -
نافلة وللآخرين فريضة أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال: وإن أدركت العصر بعد ذلك ولم تصل الظهر فاجعل التي أدركت مع الإمام الظهر وصل العصر بعد ذلك قال ابن جريج قال عطاء بعد ذلك وهو يخبر ذلك وقد كان يقال ذلك إذا أدركت العصر ولم تصل الظهر فاجعل الذي أدركت مع الإمام
الظهر أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أن عطاء كانت تفوته العتمة فيأتي والناس في القيام فيصلي معهم ركعتين ويبني عليها ركعتين وأنه رآه يفعل ذلك ويعتد به من العتمة
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء من نسي العصر فذكر أنه لم يصلها وهو في المغرب فليجعلها العصر فإن ذكرها بعد أن صلى المغرب فليصل العصر وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وعن رجل آخر من الأنصار مثل هذا المعنى ويروى عن أبي الدرداء وابن عباس قريبا منه وكان وهب بن منبه والحسن وأبو رجاء العطاردي يقولون جاء قوم إلى أبي رجاء العطاردي يريدون أن يصلوا الظهر فوجدوه صلى فقالوا ما جئنا إلا لنصلي معك فقال لا أخيبكم،
ثم قام فصلى بهم ذكر ذلك أبو قطن عن أبي خلدة عن أبي رجاء العطاردي أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال إنسان لطاوس وجدت الناس في القيام فجعلتها العشاء الآخرة قال: أصبت
(قال: الشافعي) :
وكل هذا جائز بالسنة وما ذكرنا، ثم القياس ونية كل مصل نية نفسه لا يفسدها عليه أن يخالفها نية غيره وإن أمه ألا ترى أن الإمام يكون مسافرا ينوي ركعتين فيجوز أن يصلي وراءه مقيم بنيته وفرضه أربع، أو لا ترى أن الإمام يسبق الرجل بثلاث ركعات ويكون في الآخرة فيجزي الرجل أن يصليها معه وهي أول صلاته أو لا ترى أن الإمام ينوي المكتوبة فإذا نوى من خلفه أن يصلي نافلة، أو نذرا عليه ولم ينو المكتوبة يجزي عنه أو لا ترى أن الرجل بفلاة يصلي فيصلى بصلاته فتجزئه صلاته ولا يدري لعل المصلي صلى نافلة أو لا ترى أنا نفسد صلاة الإمام ونتم صلاة من خلفه ونفسد صلاة من خلفه ونتم صلاته وإذا لم تفسد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام كانت نية الإمام إذا خالفت نية المأموم أولى أن لا تفسد عليه، وإن فيما وصفت من ثبوت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكفاية من كل ما ذكرت وإذا صلى الإمام نافلة فائتم به رجل في وقت يجوز له فيه أن يصلي على الانفراد فريضة ونوى الفريضة فهي له فريضة كما إذا صلى الإمام فريضة ونوى المأموم نافلة كانت للمأموم نافلة لا يختلف ذلك وهكذا إن أدرك الإمام في العصر وقد فاتته الظهر فنوى بصلاته الظهر كانت له ظهرا ويصلي بعدها العصر وأحب إلي من هذا كله أن لا يأتم رجل إلا في صلاة مفروضة يبتدئانها معا وتكون نيتهما في صلاة واحدة
[خروج الرجل من صلاة الإمام]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
وإذا ائتم الرجل بإمام فصلى معه ركعة، أو افتتح معه ولم يكمل الإمام الركعة، أو صلى أكثر من ركعة فلم يكمل الإمام صلاته حتى فسدت عليه استأنف صلاته وإن كان مسافرا والإمام مقيما فعليه أن يقضي صلاة مقيم؛ لأن عدد صلاة الإمام لزمه وإن صلى به الإمام شيئا من الصلاة، ثم خرج المأموم من صلاة الإمام بغير قطع من الإمام للصلاة ولا عذر للمأموم كرهت ذلك له وأحببت أن يستأنف احتياطا فإن بنى على صلاة لنفسه منفردا لم يبن لي أن يعيد الصلاة من قبل أن الرجل خرج من صلاته مع معاذ بعد ما افتتح الصلاة معه صلى لنفسه فلم نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالإعادة.
[الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس؟
فقال: نعم فصلى أبو بكر وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يده فحمد الله على ما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، ثم استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فصلى بالناس فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟
فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ثم قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء» .
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار عن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جلده أثر الماء» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معناه
(قال: الشافعي) :
والاختيار إذا أحدث الإمام حدثا لا يجوز له معه الصلاة من رعاف، أو انتقاض وضوء، أو غيره فإن كان مضى من صلاة الإمام شيء ركعة، أو أكثر أن يصلي القوم فرادى لا يقدمون أحدا وإن قدموا، أو قدم إمام رجلا فأتم لهم ما بقي من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو أحدث الإمام الثاني والثالث والرابع وكذلك لو قدم الإمام الثاني، أو الثالث بعض من في الصلاة، أو تقدم بنفسه ولم يقدمه الإمام فسواء وتجزيهم صلاتهم في ذلك كله؛ لأن أبا بكر قد افتتح للناس الصلاة ثم استأخر فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار أبو بكر مأموما بعد أن كان إماما وصار الناس يصلون مع أبي بكر بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد افتتحوا بصلاة أبي بكر وهكذا لو استأخر الإمام من غير حدث وتقدم غيره أجزأت من خلفه صلاتهم، وأختار أن لا يفعل هذا الإمام وليس أحد في هذا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن فعله وصلى من خلفه بصلاته فصلاتهم جائزة مجزية عنهم وأحب إذا جاء الإمام وقد افتتح الصلاة غيره أن يصلي خلف المتقدم إن تقدم بأمره، أو لم يتقدم قد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف عبد الرحمن بن عوف في سفره إلى تبوك فإن قيل فهل يخالف هذا استئخار أبي بكر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل هذا مباح وللإمام أن يفعل أي هذا شاء والاختيار أن يأتم الإمام بالذي يفتتح الصلاة ولو أن إماما كبر وقرأ، أو لم يقرأ إلا أنه لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة كان مخرجه، أو وضوءه، أو غسله قريبا فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع ويستأنف ويتمون هم لأنفسهم كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم فاستأنف لنفسه لأنه لا يعتد بتكبيره وهو جنب ويتمون لأنفسهم؛ لأنهم لو خرجوا من صلاته صلوا لأنفسهم بذلك التكبير فإن كان خروجه متباعدا وطهارته تثقل صلوا لأنفسهم بذلك التكبير لو أشار إليهم أن ينتظروه وكلمهم بذلك كلاما فخالفوه وصلوا لأنفسهم، أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم والاختيار عندي والله تعالى أعلم للمأمومين إذا فسدت على الإمام صلاته أن يتموا فرادى ولو أن إماما صلى ركعة، ثم ذكر أنه جنب فخرج فاغتسل وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليهم صلاتهم؛ لأنهم يأتمون به وهم عالمون أن صلاته فاسدة؛ لأنه ليس له أن يبني على صلاة صلاها جنبا ولو علم ذلك بعضهم ولم يعلمه بعض فسدت صلاة من علم ولم تفسد صلاة من لم يعلم
(قال: الشافعي) :
وإذا أم الرجل القوم فذكر أنه على غير طهر أو انتقضت طهارته فانصرف فقدم آخر، أو لم يقدمه فقدمه بعض المصلين خلفه، أو تقدم هو متطوعا بنى على صلاة الإمام وإن اختلف من خلف الإمام فقدم بعضهم رجلا وقدم آخرون غيره فأيهما تقدم أجزأهم أن يصلوا خلفه، وكذلك إن تقدم غيرهما ولو أن إماما صلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا قد فاتته تلك الركعة مع الإمام، أو أكثر فإن كان المتقدم كبر مع الإمام قبل أن يحدث الإمام مؤتما بالإمام فصلى الركعة التي بقيت على الإمام وجلس في مثنى الإمام، ثم صلى الركعتين الباقيتين على الإمام وتشهد فإذا أراد السلام قدم رجلا لم يفته شيء من صلاة الإمام فسلم بهم وإن لم يفعل سلموا هم لأنفسهم آخرا وقام هو فقضى الركعة التي بقيت عليه ولو سلم هو بهم ساهيا وسلموا لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم وبنى هو لنفسه وسجد للسهو.وإن سلم عامدا ذاكرا؛ لأنه لم يكمل الصلاة فسدت صلاته وقدموا هم رجلا فسلم بهم، أو سلموا لأنفسهم أي ذلك فعلوا أجزأتهم صلاتهم ولو قام بهم فقاموا وراءه ساهين، ثم ذكروا قبل أن يركعوا كان عليهم أن يرجعوا فيتشهدوا، ثم يسلموا لأنفسهم، أو يسلم بهم غيره، ولو اتبعوه فذكروا رجعوا جلوسا ولم يسجدوا وكذلك لو سجدوا إحدى السجدتين ولم يسجدوا الأخرى، أو ذكروا وهم سجود قطعوا السجود على أي حال ذكروا أنهم زائدون على الصلاة وهم فيها فارقوا تلك الحال إلى التشهد، ثم سجدوا للسهو وسلموا، ولو فعل هذا بعضهم وهو ذاكر لصلاته عالم بأنه لم يكمل عددها فسدت عليه صلاته؛ لأنه عمد الخروج من فريضة إلى صلاة نافلة قبل التسليم من الفريضة ولا خروج من صلاة إلا بسلام " قال: أبو يعقوب البويطي " ومن أحرم جنبا بقوم، ثم ذكر فخرج فتوضأ ورجع لم يجز له أن يؤمهم؛ لأن الإمام حينئذ إنما يكبر للافتتاح وقد تقدم ذلك إحرام القوم وكل مأموم أحرم قبل إمامه فصلاته باطلة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإذا كبر فكبروا» وليس كالمأموم يكبر خلف الإمام في آخر صلاة الإمام وقد كبر قوم خلف الإمام في أول صلاة الإمام فيحدث الإمام فيقدم الذي أحرم معه في آخر صلاته وقد تقدم إحرامه إحرام من أدرك أول صلاة الإمام من هذا بسبيل
(قال: الشافعي) :
من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة.
[الائتمام بإمامين معا]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو أن رجلين وقفا ليكون كل واحد منهما إماما لمن خلفه ولا يأتم واحد منهما بصاحبه كان أحدهما إمام الآخر، أو بحذائه قريبا، أو بعيدا منه فصلى خلفهما ناس يأتمون بهما معا لا بأحدهما دون الآخر كانت صلاة من صلى خلفهما معا فاسدة؛ لأنهم لم يفردوا النية في الائتمام بأحدهما دون الآخر، ألا ترى أن أحدهما لو ركع قبل الآخر فركعوا بركوعه كانوا خارجين بالفعل دون النية من إمامة الآخر إلى غير صلاة أنفسهم ولا إمام أحدثوه لم يكن لهم إماما قبل إحداثهم ولو أن الذي أخر الركوع الأول قدم الركوع الثاني فائتموا به كانوا قد خرجوا بالفعل دون النية من إمامته أولا ومن إمامة الذي قدم الركوع الأول بعده ولو ائتموا بهما معا ثم لم ينووا الخروج من إمامتهما معا والصلاة لأنفسهم لم تجزهم صلاتهم؛ لأنهم افتتحوا الصلاة بإمامين في وقت واحد وليس ذلك لهم فإن قيل فقد ائتم أبو بكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بأبي بكر قيل الإمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر مأموم علم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا ضعيف الصوت وكان أبو بكر قائما يرى ويسمع ولو ائتم رجل برجل وائتم الناس بالمأموم لم تجزهم صلاتهم؛ لأنه لا يصلح أن يكون إماما مأموما إنما الإمام الذي يركع ويسجد بركوع نفسه وسجوده لا بركوع غيره وسجوده ولو أن رجلا رأى رجلين معا واقفين معا فنوى أن يأتم بأحدهما لا بعينه فصليا صلاة واحدة لم تجزه صلاته؛ لأنه لم ينو ائتماما بأحدهما بعينه وكذلك لو صليا منفردين فائتم بأحدهما لم تجزه صلاته؛ لأنه لم ينو الائتمام بالذي صلى بصلاته بعينه ولم تجزئه صلاة خلف إمام حتى يفرد النية في إمام واحد فإذا أفردها في إمام واحد أجزأته وإن لم يعرفه بعينه ولم يره إذا لم تكن نيته مشتركة بين إمامين، أو مشكوكا فيها في أحد الإمامين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (27)
صــــــــــ 205 الى صـــــــــــ210
[ائتمام الرجلين أحدهما بالآخر وشكهما]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو أن رجلين صليا معا فائتم أحدهما بالآخر كانت صلاتهما مجزئة، ولو صليا معا وعلما أن أحدهما ائتم بالآخر وشكا معا فلم يدريا أيهما كان إمام صاحبه كان عليهما معا أن يعيدا الصلاة؛ لأن على المأموم غير ما على الإمام في الصلاة وكذلك على الإمام غير ما على المأموم، ولو شك أحدهما ولم يشك الآخر أعاد الذي شك وأجزأ الذي لم يشك صلاته، ولو صدق الذي شك الذي لم يشك كانت عليه الإعادة، وكل ما كلف عمله في نفسه من عدد الصلاة لم يجزه فيه إلا علم نفسه لا علم غيره، ولو شك فذكره رجل فذكر ذلك على نفسه لم تكن عليه إعادة؛ لأنه يدع الإعادة الآن بعلم نفسه لا بعلم غيره.ولو كانوا ثلاثة، أو أكثر فعلموا أن قد صلوا بصلاة أحدهم وشك كل واحد منهم، أكان الإمام، أو المأموم، أعادوا معا، ولو شك بعضهم ولم يشك بعضهم أعاد الذين شكوا ولم يعد الذين لم يشكوا وكانت كالمسألة قبلها، وكذلك لو كثر عددهم.
[باب المسبوق]
وليس في التراجم وفيه نصوص، فمنها في باب القول في الركوع الذي سبق في تراجم الصلاة وهو قوله - رضي الله عنه -: ولو أن رجلا أدرك الإمام راكعا فركع قبل أن يرفع الإمام ظهره من الركوع اعتد بتلك الركعة، ولو لم يركع حتى رفع الإمام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بها حتى يصير راكعا والإمام راكع بحاله، ولو ركع الإمام فاطمأن راكعا، ثم رفع رأسه من الركوع فاستوى قائما، أو لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع، ثم عاد فركع ليسبح فأدركه رجل في هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة؛ لأن الإمام قد أكمل الركوع أولا وهذا ركوع لا يعتد به من الصلاة (قال: الربيع) : وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح، ثم رفع رأسه، ثم عاد فركع ليسبح فقد بطلت صلاته؛ لأن ركوعه الأول كان تاما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة أخرى ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى.ومن النصوص في المسبوق ما ذكره في باب الصلاة من اختلاف العراقيين وإذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر معه، ثم لم يركع حتى رفع الإمام رأسه من الركوع فإن أبا حنيفة كان يقول يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ يعني أبا يوسف وكان ابن أبي ليلى يقول يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته (قال: الشافعي) : ومن أدرك الإمام راكعا فكبر ولم يركع حتى رفع الإمام رأسه سجد مع الإمام ولم يعتد بذلك السجود لأنه لم يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الإمام رأسه لم يعتد بتلك الركعة؛ لأنه لم يدركها مع الإمام ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه بقراءة ولا صلى مع الإمام فيما أدرك مع الإمام.ومنها في مختصر البويطي في باب الرجل يسبقه الإمام ببعض الصلاة
(قال: الشافعي) :
ومن سبقه الإمام بشيء من الصلاة لم يقم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين هذا نصه في البويطي، وفي جمع الجوامع في باب من سبقه الإمام بشيء حكي هذا الكلام أولا ولم ينسبه للبويطي ثم نقل عن الشافعي - رضي الله عنه -
أنه قال: وأحب لو مكث قليلا قدر ما يعلم أنه لو كان عليه سهو سجد فسجد معه ومن دخل المسجد فوجد الإمام جالسا في الركعة الآخرة فليحرم قائما وليجلس معه فإذا سلم قام بلا تكبير فقضى صلاته وإذا أدرك الإمام في الركعة فليقم إذا فرغ الإمام من صلاته بغير تكبير فإن أدركه في الثنتين فليجلس معه فإذا أراد أن يقوم بعد فراغ الإمام من الركعتين الآخرتين لقضاء ما عليه فليقم بتكبير ومن كان خلف الإمام قد سبقه بركعة فسمع نغمة فظن أن الإمام قد سلم فقضى الركعة التي بقيت عليه وجلس فسمع سلام الإمام فهذا سهو تحمله الإمام عنه ولا يعتد بها ويقضي الركعة التي عليه ولا يشبه هذا الذي خرج من صلاة فعاد فقضى لنفسه فإن سلم الإمام وهو راكع،
أو ساجد ألغى جميع ما عمل قبل سلام الإمام وابتدأ ركعة ثانية بقراءتها وركوعها وسجودها بعد سلام الإمام قال: في رواية البويطي وابن أبي الجارود وأحب لمن خلف الإمام أن لا يسبقه بركوع ولا سجود ولا عمل فإن كان فعل فركع الإمام وهو راكع، أو ساجد فذلك مجزئ عنه وإن سبقه فركع، أو سجد، ثم رفع قبله فقال بعض الناس يعود فيركع بعد ركوعه وسجوده حتى يكون إما راكعا وإما ساجدا معه وإما متبعا لا يجزئه إذا ائتم به في عمل الصلاة إلا ذلك وقال في كتاب " استقبال القبلة " وإن رفع رأسه قبل الإمام فأحب إلي أن يعود فإن لم يفعل كرهته واعتد بتلك الركعة وقال في الإملاء وإذا ترك أن يركع ويسجد مع الإمام فإن كان وراءه يعتد بتلك الركعة إذا ائتم به وإن سبقه الإمام بذلك فلا بأس أن يضع رأسه ساجدا ويقيم راكعا بعد ما سبقه الإمام إذا كان في واحدة منهما مع الإمام وإن قام قبله عاد حتى يقعد بقدر ما سبقه الإمام بالقيام فإن لم يفعل وقد جلس وكان في بعض السجود والركوع معه فهو كمن ركع وسجد، ثم رفع قبله فذلك يجزئ عنه وقد أساء في ذلك كله وإذا دخل مع الإمام وقد سبقه بركعة فصلى الإمام خمسا ساهيا واتبعه هو ولا يدري أنه سها أجزأت المأموم صلاته؛ لأنه قد صلى أربعا وإن سبقه وهو يعلم أنه قد سها بطلت صلاته.وما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته لا يجوز لأحد أن يقول عندي خلاف ذلك وإن فاتته مع الإمام ركعتان من الظهر وأدرك الركعتين الأخيرتين صلاهما مع الإمام فقرأ بأم القرآن وسورة إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكنه قرأ ما أمكنه، وإذا قام قضى ركعتين فقرأ في كل واحدة منها بأم القرآن وسورة وإن اقتصر على أم القرآن أجزأه وإن فاتته ركعة من المغرب وصلى ركعتين قضى ركعة بأم القرآن وسورة ولم يجهر وإن أدرك منها ركعة قام فجهر في الثانية وهي الأولى من قضائه ولم يجهر في الثالثة وقرأ فيها بأم القرآن وسورة هذا آخر ما نقله في جمع الجوامع من النصوص وظاهر هذا النص أن من أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة أتى بالثانية بعد سلام الإمام جهرا كما في الصبح وهكذا في العيد والاستسقاء وخسوف القمر وإنما يتوقف في الجواب في الجمعة بذلك؛ لأنها لا تسوغ للمنفرد وهذا قد صار منفردا بخلاف الصبح ونحوها، ولم تشرع للمنفرد وهذا التوقف ليس بمعتبر من أن حكم الجمعة ثابت له وانفراده بهذه الحالة لا يصيرها ظهرا وقد نص في الأم في صلاة الخوف في ترجمة تقدم الإمام في صلاة الخوف على شيء يدل على أن المسبوق يجهر في الركعة الثانية فقال في أواخر الترجمة المذكورة وإن كان خوف يوم الجمعة وكان محروسا إذا خطب بطائفة وحضرت معه طائفة الخطبة، ثم صلى بالطائفة التي حضرت الخطبة ركعة وثبت قائما فأتموا لأنفسهم بقراءة يجهرون فيها، ثم وقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل فصلت معه الركعة التي بقيت عليه من الجمعة وثبت جالسا فأتموا لأنفسهم،
ثم سلم بهم فقد صرح الشافعي بأن الطائفة الأولى تتم لأنفسها الركعة الباقية بقراءة يجهرون فيها وقد صرح بذلك القاضي أبو الطيب في تعليقه فقال: يصلون لأنفسهم ركعة يجهرون فيها بالقراءة لأن حكم المنفرد في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة كحكم الإمام في الركعة الثانية ولم يتعرض الشافعي لجهر الفرقة الثانية في الركعة الثانية؛
لأنها في حكم القدوة ومن كان مفتديا فإنه يسر وبذلك صرح القاضي أبو الطيب وغيره فإن قيل: إنما جهرت الفرقة الأولى من الركعة الثانية لبقاء حكم الجمعة بالنسبة إلى الإمام بخلاف المسبوق قلنا هذا تخيل له وجه ولكن الأرجح أنه لا فرق لأنهم منفردون في هذه الحالة كالمسبوق.وقد نقل هذا النص عن الأم الشيخ أبو حامد وغيره ولم يتعرضوا للجهر الذي ذكرناه وتعرض له ابن الصباغ في الشامل بعد نقل النص المذكور، وفي اختلاف العراقيين في أول باب الصلاة وإذا أتى الرجل إلى الإمام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة فسلم الإمام عند فراغه فإن أبا حنيفة كان يقول يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه؛ لأن التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ
(يعني أبا يوسف) :
وكان ابن أبي ليلى يقول يكبر ثم يقوم فيقضي.
(قال الشافعي) :
وإذا سبق الرجل بشيء من الصلاة في أيام التشريق فسلم الإمام فكبر لم يكبر المسبوق بشيء من الصلاة وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر، وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الإمام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة.
[باب صلاة المسافر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال: الله عز وجل {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] الآية،
قال: فكان بينا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه لا أن فرضا عليهم أن يقصروا كما كان قوله {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة: 236] رخصة لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال وكما كان قوله {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198] يريد والله تعالى أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما عليهم أن يتجروا وكما كان قوله {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} [النور: 60] وكما كان قوله {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا} [النور: 61] الآية لا أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم.
(قال: الشافعي) :
والقصر في الخوف والسفر بالكتاب،
ثم بالسنة والقصر في السفر بلا خوف سنة والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عز وجل لا أن حتما عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال: الله عز وجل {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فقال «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت كل ذلك «قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصر الصلاة في السفر وأتم» أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا،
أو قال: لم يصوموا»
(قال) :
فالاختيار والذي أفعل مسافرا وأحب أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفي السفر بلا خوف ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته جلس في مثنى قدر التشهد، أو لم يجلس وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة لم أكره له ذلك.
(قال) :
ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات: الظهر، والعصر،
والعشاء وذلك أنهن أربع فيصليهن ركعتين ولا قصر في المغرب ولا الصبح ومن سعة لسان العرب أن يكون أريد بالقصر بعض الصلاة دون بعض وإن كان مخرج الكلام فيها عاما فإن قال: قائل: قد كره بعض الناس أن أتم بعض أمرائهم بمنى قيل الكراهية وجهان فإن كانوا كرهوا ذلك اختيارا للقصر؛ لأنه السنة فكذلك نقول ونختار السنة في القصر وإن كرهوا ذلك أن قاصرا قصر؛ لأنه لا يرى القصر إلا في خوف وقد قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير خوف فهكذا قلنا نكره ترك شيء من السنن رغبة عنها ولا يجوز أن يكون أحد ممن مضى - والله تعالى أعلم -
كره ذلك إلا أن يترك رغبة عنه فإن قيل: فما دل على ذلك؟
قيل: صلاتهم مع من أتم أربعا وإذا صلوا وحدانا صلوا ركعتين وأن ابن مسعود ذكر إتمام الصلاة بمنى في منزله وعابه،
ثم قام فصلى أربعا فقيل له في ذلك فقال: الخلاف شر ولو كان فرض الصلاة في السفر ركعتين لم يتمها إن - شاء الله تعالى -
منهم أحد ولم يتمها ابن مسعود في منزله ولكنه كما وصفت ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم فإن قال: فقد قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -
فرضت الصلاة ركعتين قيل له: قد أتمت عائشة في السفر بعد ما كانت تقصر فإن قال قائل: فما وجه قولها؟ قيل له تقول فرضت لمن أراد من المسافرين وقد ذهب بعض أهل هذا الكلام إلى غير هذا المعنى فقال: إذا فرضت ركعتين في السفر وأذن الله تعالى بالقصر في الخوف فصلاة الخوف ركعة فإن قال: فما الحجة عليهم وعلى أحد إن تأول قولها غير ما قلت؟ قلنا ما لا حجة في شيء معه بما ذكرنا من الكتاب ثم السنة، ثم إجماع العامة على أن صلاة المسافرين أربع مع الإمام المقيم ولو كان فرض صلاتهم ركعتين ما جاز لهم أن يصلوها أربعا مع مقيم ولا غيره.
[جماع تفريع صلاة المسافر]
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: لا تختلف صلاة المكتوبة في الحضر والسفر إلا في الأذان والوقت والقصر فأما ما سوى ذلك فهما سواء ما يجهر، أو يخافت في السفر فيما يجهر فيه ويخافت في الحضر ويكمل في السفر كما يكمل في الحضر فأما التخفيف فإذا جاء بأقل ما عليه في السفر والحضر أجزأه لا أرى أن يخفف في السفر عن صلاة الحضر إلا من عذر ويأتي بما يجزيه والإمامة في السفر والحضر سواء ولا أحب ترك الأذان في السفر وتركه فيه أخف من تركه في الحضر وأختار الاجتماع للصلاة في السفر وإن صلت كل رفقة على حدتها أجزأها ذلك إن شاء الله تعالى وإن اجتمع مسافرون ومقيمون فإمامة المقيمين أحب إلي ولا بأس أن يؤم المسافرون المقيمين.ولا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية التي سافر منها كلها فإذا دخل أدنى بيوت القرية التي يريد المقام بها أتم أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن «أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين» أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه سمع أنس بن مالك يقول مثل ذلك إلا أنه قال: بذي الحليفة أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مثل ذلك قال وفي هذا دليل أن الرجل لا يقصر بنية السفر دون العمل في السفر فلو أن رجلا نوى أن يسافر فلم يثبت به سفره لم يكن له أن يقصر قال ولو أثبت به سفره، ثم نوى أن يقيم أتم الصلاة ونية المقام مقام؛ لأنه مقيم وتجتمع فيه النية وأنه مقيم.ولا تكون نية السفر سفرا لأن النية تكون منفردة ولا سفر معها إذا كان مقيما والنية لا يكون لها حكم إلا بشيء معها فلو أن رجلا خرج مسافرا يقصر الصلاة افتتح الظهر ينوي أن يجمع بينها وبين العصر، ثم نوى المقام في الظهر قبل أن ينصرف من ركعتين كان عليه أن يبني حتى يتم أربعا ولم يكن عليه أن يستأنف؛ لأنه في فرض الظهر لا في غيرها لأنه كان له أن يقصر إن شاء ولم يحدث نية في المقام وكذلك إذا فرغ من الركعتين ما لم يسلم فإذا سلم، ثم نوى أن يقيم أتم فيما يستقبل ولم يكن عليه أن يعيد ما مضى ولو كان نوى في صلاة الظهر المقام، ثم سلم من الركعتين استأنف الظهر أربعا ولو لم ينو المقام فافتتح ينوي أن يقصر، ثم بدا له أن يتم قبل أن يمضي من صلاته شيء، أو بعد كان ذلك له ولم تفسد عليه صلاته؛ لأنه لم يزد في صلاته شيئا ليس منها إنما ترك القصر الذي كان مباحا له وكان التمام غير محظور عليه ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ونوى أن يصلي ركعتين فلم يكمل الصلاة حتى نوى أن يتم الصلاة بغير مقام أو ترك الرخصة في القصر كان على المسافرين والمقيمين التمام ولم تفسد على واحد من الفريقين صلاته وكانوا كمن صلى خلف مقيم ولو فسدت على مسافر منهم صلاته وقد دخل معه كان عليه أن يصلي أربعا وكان كمسافر دخل في صلاة مقيم ففسدت عليه صلاته فعليه أن يصلي أربعا لأنه وجب عليه عدد صلاة مقيم في الصلاة التي دخل معه فيها قال ولو صلى مسافر خلف مسافر ففسدت عليه صلاته فانصرف ليتوضأ فعلم أن المسافر صلى ركعتين لم يكن عليه إلا ركعتان وإن علم أن المسافر صلى أربعا، أو لم يعلم صلى أربعا، أو اثنتين صلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو صلى مسافر خلف رجل لا يعلم مسافر هو، أو مقيم ركعة، ثم انصرف الإمام من صلاته، أو فسدت على المسافر صلاته، أو انتقض وضوءه كان عليه أن يصلي أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو أن مسافرا صلى بمسافرين ومقيمين فرعف فقدم مقيما كان على المسافرين والمقيمين والإمام الراعف أن يصلوا أربعا؛ لأنه لم يكمل لواحد من القوم الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ركعتين أتم المقيمون وقصر المسافرون إن شاءوا فإن نووا، أو واحد منهم أن يصلوا أربعا كانوا كالمقيمين يتمون بالنية وإنما يلزمهم التمام بالنية إذا نووا مع الدخول في الصلاة، أو بعده وقبل الخروج منها الإتمام فأما من قام من المسافرين إلى الصلاة ينوي أربعا فلم يكبر حتى نوى اثنتين، أو نوى أربعا بعد تسليمه من اثنتين فليس عليه أن يصلي أربعا ولو أن مسافرا أم مسافرين ومقيمين فكانت نيته اثنتين فصلى أربعا ساهيا فعليه سجود السهو وإن كان معه مقيمون صلوا بصلاته وهم ينوون بها فريضتهم فهي عنهم مجزئة؛ لأنه قد كان له أن يتم وتكون صلاتهم خلفه تامة وإن كان من خلفه من المسافرين نووا إتمام الصلاة لأنفسهم فصلاتهم تامة وإن كانوا لم ينووا إتمام الصلاة لأنفسهم إلا بأنهم رأوا أنه أتم لنفسه لا سهوا فصلاتهم مجزئة؛ لأنه قد كان لزمهم أن يصلوا أربعا خلف من صلى أربعا وإن كانوا صلوا الركعتين معه على غير شيء من هذه النية وعلى أنه عندهم ساه فاتبعوه ولم يريدوا الإتمام لأنفسهم فعليهم إعادة الصلاة، ولا أحسبهم يمكنهم أن يعلموا سهوه؛ لأن له أن يقصر ويتم فإذا أتم فعلى من خلفه اتباعه مسافرين كانوا، أو مقيمين فأي مسافر صلى مع مسافر، أو مقيم وهو لا يعرف أمسافر إمامه أم مقيم فعليه أن يصلي أربعا إلا أن يعلم أن المسافر لم يصل إلا ركعتين فيكون له أن يصلي ركعتين وإن خفي ذلك عليه كان عليه أن يصلي أربعا لا يجزيه غير ذلك؛ لأنه لا يدري لعل المسافر كان ممن يتم صلاته تلك، أو لا وإذا افتتح المسافر الصلاة بنية القصر ثم ذهب عليه أنوى عند افتتاحها الإتمام أو القصر؟ فعليه الإتمام فإذا ذكر أنه افتتحها ينوي القصر بعد نسيانه فعليه الإتمام؛ لأنه كان فيها في حال عليه أن يتم ولا يكون له أن يقصر عنها بحال ولو أفسدها صلاها تماما لا يجزيه غير ذلك ولو افتتح الظهر ينويها لا ينوي بها قصرا ولا إتماما كان عليه الإتمام ولا يكون له القصر.إلا أن تكون نيته مع الدخول في الصلاة لا تقدم نية الدخول ولا الدخول نية القصر فإذا كان هذا فله أن يقصر وإذا لم يكن هكذا فعليه أن يتم ولو افتتحها ونيته لقصر ثم نوى أن يتم، أو شك في نيته في القصر أتم في كل حال ولو جهل أن يكون له القصر في السفر فأتم كانت صلاته تامة ولو جهل رجل يقصر وهو يرى أن ليس له أن يقصر أعاد كل صلاة قصرها ولم يعد شيئا مما لم يقصر من الصلاة ولو كان رجل في سفر تقصر فيه الصلاة فأتم بعض الصلوات وقصر بعضها كان ذلك له كما لو وجب عليه الوضوء فمسح على الخفين صلاة ونزع وتوضأ وغسل رجليه صلاة كان ذلك له وكما لو صام يوما من شهر رمضان مسافرا وأفطر آخر كان له ذلك وإذا رقد رجل عن صلاة في سفر، أو نسيها فذكرها في الحضر صلاها صلاة حضر ولا تجزيه عندي إلا هي؛ لأنه إنما كان له القصر في حال فزالت تلك الحال فصار يبتدئ صلاتها في حال ليس له فيها القصر ولو نسي صلاة ظهر لا يدري أصلاة حضر أو سفر؟ لزمه أن يصليها صلاة حضر إن صلاها مسافرا، أو مقيما، ولو نسي ظهرا في حضر فذكرها بعد فوتها في السفر صلاها صلاة حضر لا يجزيه غير ذلك ولو ذكرها وقد بقي عليه من وقت الظهر شيء كان له أن يصليها صلاة سفر.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (28)
صــــــــــ 211 الى صـــــــــــ215
[السفر الذي تقصر في مثله الصلاة بلا خوف]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
«قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره إلى مكة وهي تسع، أو عشر» فدل قصره - صلى الله عليه وسلم - على أن يقصر في مثل ما قصر فيه وأكثر منه ولم يجز القياس على قصره إلا بواحدة من اثنتين أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه وفوقه فلما لم أعلم مخالفا في أن يقصر في أقل من سفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قصر فيه لم يجز أن نقيس على هذا الوجه كان الوجه الثاني أن يكون إذا قصر في سفر ولم يحفظ عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه اسم سفر كما يتيمم، ويصلي النافلة على الدابة حيث توجهت فيما وقع عليه اسم سفر ولم يبلغنا أن يقصر فيما دون يومين إلا أن عامة من حفظنا عنه لا يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي، ولا يقصر فيما دونها، وأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطا على نفسي،
وإن ترك القصر مباح لي فإن قال قائل: فهل في أن يقصر في يومين حجة بخبر متقدم؟
قيل: نعم عن ابن عباس وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه سئل أنقصر إلى عرفة فقال؟ :
لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف قال وأقرب هذا من مكة ستة وأربعون ميلا بالأميال الهاشمية وهي مسيرة ليلتين قاصدتين دبيب الأقدام وسير الثقل أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة أخبرنا مالك عن نافع عن سالم أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ركب إلى رئم فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال: مالك وذلك نحو من أربعة برد
(قال: الشافعي) :
وإذا أراد الرجل أقل سفر تقصر فيه الصلاة لم يقصر حتى يخرج من منزله الذي يسافر منه وسواء كان المنزل قرية، أو صحراء فإن كانت قرية لم يكن له أن يقصر حتى يجاوز بيوتها ولا يكون بين يديه منها بيت منفردا ولا متصلا وإن كان في صحراء لم يقصر حتى يجاوز البقعة التي فيها منزله فإن كان في عرض واد فحتى يقطع عرضه وإن كان في طول واد فحتى يبين عن موضع منزله وإن كان في حاضر مجتمع فحتى يجاوز مطال الحاضر ولو كان في حاضر مفترق فحتى يجاوز ما قارب منزله من الحاضر وإن قصر فلم يجاوز ما وصفت أعاد الصلاة التي قصرها في موضعه ذلك فإن خرج فقصد سفرا تقصر فيه الصلاة ليقيم فيه أربعا ثم يسافر إلى غيره قصر الصلاة إلى أن يبلغ الموضع الذي نوى المقام فيه فإن بلغه وأحدث نية في أن يجعله موضع اجتياز لا مقام أتم فيه فإذا خرج منه مسافرا قصر ويتم بنية المقام؛ لأن المقام يكون بنية ولا يقصر بنية السفر حتى يثبت به السير.ولو خرج يريد بلدا يقيم فيها أربعا ثم بلدا بعده فإن لم يكن البلد الذي نوى أن يأتيه أولا مما تقصر إليه الصلاة لم يقصرها إليه وإذا خرج منه فإن كان الذي يريد مما تقصر إليه الصلاة قصر من موضع مخرجه من البلد الذي نوى أن يقيم به أربعا قصر وإلا لم يقصر فإن رجع من البلد الثاني يريد بلده قاصدا وهو مما تقصر إليه الصلاة قصر ولو كانت المسألة بحالها فكانت نيته أن يجعل طريقه على بلد لا يعرجه عن الطريق ولا يريد به مقاما كان له أن يقصر إذا كانت غاية سفره إلى بلد تقصر إليه الصلاة؛ لأنه لم ينو بالبلد دونه مقاما ولا حاجة وإنما هو طريق وإنما لا يقصر إذا قصد في حاجة فيه وهو مما لا تقصر إليه الصلاة وإذا أراد بلدا تقصر إليه الصلاة فأثبت به سفره ثم بدا له قبل أن يبلغ البلد، أو موضعا تقصر إليه الصلاة الرجوع إلى بلده أتم، وإذا أتم فإن بدا له أن يمضي بوجهه أتم بحاله إلا أن يكون الغاية من سفره مما تقصر إليه الصلاة من موضعه الذي أتم إليه وإذا أراد رجل بلدا له طريقان القاصد منهما إذا سلك لم يكن بينه وبينه ما تقصر إليه الصلاة والآخر إذا سلك كان بينه وبينه ما تقصر إليه الصلاة فأي الطريقين سلك فليس له عندي قصر الصلاة إنما يكون له قصر الصلاة إذا لم يكن إليها طريق إلا مسافة قدر ما تقصر إليها الصلاة إلا من عدو يتخوف في الطريق القاصد، أو حزونة، أو مرفق له في الطريق الأبعد فإذا كان هكذا كان له أن يقصر إذا كانت مسافة طريقه ما يقصر إليه الصلاة
(قال الشافعي) :
وسواء في القصر المريض والصحيح والعبد والحر والأنثى والذكر إذا سافروا معا في غير معصية الله تعالى فأما من سافر باغيا على مسلم، أو معاهد، أو يقطع طريقا، أو يفسد في الأرض أو العبد يخرج آبقا من سيده، أو الرجل هاربا ليمنع حقا لزمه، أو ما في مثل هذا المعنى، أو غيره من المعصية فليس له أن يقصر فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها؛ لأن القصر رخصة وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصيا ألا ترى إلى قوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} [البقرة: 173] وهكذا لا يمسح على الخفين ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية وهكذا لا يصلي إلى غير القبلة نافلة ولا يخفف عمن كان سفره في معصية الله تعالى ومن كان من أهل مكة فحج أتم الصلاة بمنى وعرفة وكذلك أهل عرفة ومنى ومن قارب مكة ممن لا يكون سفره إلى عرفة مما تقصر فيه الصلاة وسواء فيما تقصر فيه الصلاة السفر المتعب والمتراخي، والخوف في السفر بطلب أو هرب، والأمن لأن القصر إنما هو في غاية لا في تعب ولا في رفاهية ولو جاز أن يكون بالتعب لم يقصر في السفر البعيد في المحامل وقصد السير، وقصر في السفر القاصد على القدمين والدابة في التعب والخوف فإذا حج القريب الذي بلده من مكة بحيث تقصر الصلاة فأزمع بمكة مقام أربع أتم وإذا خرج إلى عرفة وهو يريد قضاء نسكه لا يريد مقام أربع إذا رجع إلى مكة قصر؛ لأنه يقصر مقامه بسفر ويصلي بينه وبين بلده وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام أربع بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر وإذا ولى مسافر مكة بالحج قصر حتى ينتهي إلى مكة، ثم أتم بها وبعرفة وبمنى؛ لأنه انتهى إلى البلد الذي بها مقامه ما لم يعزل، وكذلك مكة وسواء في ذلك أمير الحاج والسوقة لا يختلفون وهكذا لو عزل أمير مكة فأراد السفر أتم حتى يخرج من مكة وكان كرجل أراد سفرا ولم يسافر.
[تطوع المسافر]
قال وللمسافر أن يتطوع ليلا ونهارا قصر، أو لم يقصر وثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتنفل ليلا وهو يقصر وروي عنه أنه كان يصلي قبل الظهر مسافرا ركعتين وقبل العصر أربعا وثابت عنه أنه تنفل عام الفتح بثمان ركعات ضحى وقد قصر عام الفتح.
[باب المقام الذي يتم بمثله الصلاة]
أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد قال: سأل عمر بن عبد العزيز جلساءه: ما سمعتم في مقام المهاجرين بمكة؟
قال السائب بن يزيد: حدثني العلاء بن الحضرمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا» فبهذا قلنا إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام ولياليهن ليس فيهن يوم كان فيه مسافرا فدخل في بعضه ولا يوم يخرج في بعضه أتم الصلاة واستدلالا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا» وإنما يقضي نسكه في اليوم الذي يدخل فيه والمسافر لا يكون دهره سائرا ولا يكون مقيما ولكنه يكون مقيما مقام سفر وسائرا قال فأشبه ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من مقام المهاجر ثلاثا حد مقام السفر وما جاوزه كان مقام الإقامة» وليس يحسب اليوم الذي كان فيه سائرا، ثم قدم ولا اليوم الذي كان فيه مقيما، ثم سار وأجلى عمر - رضي الله تعالى عنه - أهل الذمة من الحجاز وضرب لمن يقدم منهم تاجرا مقام ثلاث فأشبه ما وصفت من السنة وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى ثلاثا يقصر وقدم في حجته فأقام ثلاثا قبل مسيره إلى عرفة يقصر ولم يحسب اليوم الذي قدم فيه مكة؛ لأنه كان فيه سائرا ولا يوم التروية لأنه خارج فيه فلما لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيما في سفر قصر فيه الصلاة أكثر من ثلاث لم يجز أن يكون الرجل مقيما يقصر الصلاة إلا مقام مسافر؛ لأن المعقول أن المسافر الذي لا يقيم فكان غاية مقام المسافر ما وصفت استدلالا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقامه فإن قصر المجمع مقام أربع فعليه إعادة كل صلاة صلاها مقصورة وإذا قدم بلدا لا يجمع المقام به أربعا فأقام ببلد لحاجة، أو علة من مرض وهو عازم على الخروج إذا أفاق، أو فرغ ولا غاية لفراغه يعرفها قد يرى فراغه في ساعة ولا يدري لعله أن لا يكون أياما فكل ما كان في هذا غير مقام حرب ولا خوف حرب قصر فإذا جاوز مقام أربع أحببت أن يتم وإن لم يتم أعاد ما صلى بالقصر بعد أربع ولو قيل الحرب وغير الحرب في هذا سواء كان مذهبا ومن قصر كما يقصر في خوف الحرب لم يبن لي أن عليه الإعادة، وإن اخترت ما وصفت وإن كان مقامه لحرب أو خوف حرب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام عام الفتح لحرب هوازن سبع عشرة، أو ثمان عشرة يقصر ولم يجز في المقام للخوف إلا واحد من قولين إما أن يكون ما جاوز مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا العدد أتم فيه المقيم الصلاة وإما أن يكون له القصر أما كانت هذه، أو يقضي الحرب فلم أعلم في مذاهب العامة المذهب الآخر وإذا لم يكن مذهبا المذهب الآخر فالأول، أولى المذهبين وإذا أقام الرجل ببلد أثناءه ليس ببلد مقامه لحرب، أو خوف، أو تأهب لحرب قصر ما بينه وبين ثمان عشرة ليلة فإذا جاوزها أتم الصلاة حتى يفارق البلد تاركا للمقام به آخذا في سفره وهكذا إن كان محاربا، أو خائفا مقيما في موضع سفر قصر ثماني عشرة فإذا جاوزها أتم وإن كان غير خائف قصر أربعا فإذا جاوزها أتم فإذا أجمع في واحدة من الحالين مقام أربع أتم خائفا كان، أو غير خائف ولو سافر رجل فمر ببلد في سفره فأقام به يوما وقال إن لقيت فلانا أقمت أربعا، أو أكثر من أربع قصر حتى يلقى فلانا فإذا لقي فلانا أتم وإن لقي فلانا فبدا له أن لا يقيم أربعا أتم؛ لأنه قد نوى المقام بلقائه ولقيه والمقام يكون بالنية مع المقام لاجتماع النية والمقام.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (29)
صــــــــــ 216 الى صـــــــــــ220
وَنِيَّةُ السَّفَرِ لَا يَكُونُ لَهُ بِهَا الْقَصْرُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا سَفَرٌ فَتَجْتَمِعُ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ وَلَوْ قَدِمَ الْبَلَدَ فَقَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَقَمْت فَانْتَظَرَهُ أَرْبَعًا أَتَمَّ بَعْدَهَا فِي الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْت وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ فُلَانٌ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَنَازِلِ الْقَرْيَةِ قَصَرَ وَإِنْ سَافَرَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَالٌ، أَوْ أَمْوَالٌ، أَوْ مَاشِيَةٌ، أَوْ مَوَاشٍ فَنَزَلَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ مَا لَمْ يَجْمَعْ الْمُقَامَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَرْبَعًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ذُو قَرَابَةٍ، أَوْ أَصْهَارٌ، أَوْ زَوْجَةٌ وَلَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ أَرْبَعًا قَصَرَ إنْ شَاءَ قَدْ قَصَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَفِي حَجَّتِهِ وَفِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَلِعَدَدٍ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَقَرَابَاتٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ لَهُ بِمَكَّةَ دَارٌ وَقَرَابَةٌ وَعُمَرُ لَهُ بِمَكَّةَ دُورٌ كَثِيرَةٌ وَعُثْمَانُ لَهُ بِمَكَّةَ دَارٌ وَقَرَابَةٌ فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدًا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِتْمَامِ وَلَا أَتَمَّ وَلَا أَتَمُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُدُومِهِمْ مَكَّةَ بَلْ حُفِظَ عَمَّنْ حَفِظَ عَنْهُ مِنْهُمْ الْقَصْرُ بِهَا وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ يُرِيدُ لِقَاءَ رَجُلٍ، أَوْ أَخْذَ عَبْدٍ لَهُ، أَوْ ضَالَّةٍ بِبَلَدٍ مَسِيرَةَ أَقَلِّ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ،
أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَ إنْ: لَقِيت الْحَاجَةَ دُونَ الْبَلَدِ رَجَعْت لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ حَتَّى تَكُونَ نِيَّتُهُ بُلُوغَ الْبَلَدِ الَّذِي تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ دُونَهُ بِحَالٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ خَرَجَ يُرِيدُ بَلَدًا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ بِلَا نِيَّةٍ أَنْ يَبْلُغَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ لَعَلِيِّ أَبْلُغَهُ، أَوْ أَرْجِعَ عَنْهُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَنْوِيَ بِكُلِّ حَالَةٍ بُلُوغَهُ وَلَوْ خَرَجَ يَنْوِي بُلُوغَهُ لِحَاجَةٍ لَا يَنْوِي إنْ قَضَاهَا دُونَهُ الرُّجُوعَ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ فَمَتَى لَقِيَ الْحَاجَةَ دُونَهُ، أَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِلَا قَضَاءِ الْحَاجَةِ - وَكَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي بَلَغَ مِمَّا لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ - أَتَمَّ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي بَلَغَ مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لَوْ ابْتَدَأَ إلَيْهِ السَّفَرَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ قَصَرَ الصَّلَاةَ وَلَوْ بَدَا لَهُ الْمُقَامُ بِهِ أَتَمَّ حَتَّى يُسَافِرَ مِنْهُ ثُمَّ يَقْصُرَ إذَا سَافَرَ وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ يُرِيدُ بَلَدًا، ثُمَّ بَلَدًا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ الْأَدْنَى مِمَّا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ قَصَرَهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَقْصُرْهَا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَقْصُرْ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مِثْلَ مُبْتَدِئِ سَفَرِهِ كَابْتِدَائِهِ مِنْ أَهْلِهِ.وَإِذا رَجَعَ مِنْ الْبَلَدِ الْأَقْصَى فَإِنْ أَرَادَ بَلَدَهُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقْصُرُ وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ ثُمَّ بَلَدِهِ لَمْ يَقْصُرْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ إيَّاهَا طَرِيقًا فَيَقْصُرُ، وَإِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ قَصَرَ فَإِنْ خَافَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ بِعُسْفَانَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ بِهِ، أَوْ الْخُرُوجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ الْمَدِينَةِ لِيُقِيمَ، أَوْ يَرْتَادَ الْخَيْرَ بِهِ جَعَلْته إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ الْأُولَى مِنْ سَفَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ مُبْتَدِئًا السَّفَرَ مِنْ عُسْفَانَ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ الَّذِي يُرِيدُهُ مِنْ عُسْفَانَ عَلَى مَا لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ قَصَرَ، وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ مِنْهُ يُرِيدُ مَكَّةَ أَوْ بَلَدًا سِوَاهُ جَعَلْته مُبْتَدِئًا سَفَرًا مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ يُرِيدُ مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَقْصُرْ وَالْمُسَافِرُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ بِسَيْرِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بِسَيْرِ الْبَرِّ وَلَا الْخَيْلِ وَلَا نُجُبِ الرِّكَابِ وَلَا زَحْفَ الْمُقْعَدِ وَلَا دَبِيبَ الزَّمِنِ وَلَا سَيْرَ الْأَحْمَالِ الثِّقَالِ، وَلَكِنْ إذَا سَافَرَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَسِيرَةً يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ قُصِرَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْصُرُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِأَنَّهَا مَسِيرَةُ مَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ.
وَالْمقام فِي الْمَرَاسِي وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُقَامُ فِيهَا فِي الْأَنْهَارِ كَالْمُقَامِ فِي الْبِرِّ، لَا يَخْتَلِفُ فَإِذَا أَزْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فِي مَوْضِعٍ أَتَمَّ وَإِذَا لَمْ يُزْمِعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ قَصَرَ وَإِذَا حَبَسَهُ الرِّيحُ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُزْمِعْ مُقَامًا إلَّا لِيَجِدَ السَّبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ بِالرِّيحِ قَصَرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعٍ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعٌ أَتَمَّ كَمَا وَصَفْت فِي الِاخْتِيَارِ فَإِذَا أَثْبَتَ بِهِ مَسِيرَةً قَصَرَ فَإِنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ قَصَرَ حَتَّى يَجْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَيُتِمَّ حِينَ يَجْمَعُ بِالنِّيَّةِ مُقَامَ أَرْبَعٍ، أَوْ يُقِيمُ أَرْبَعًا إنْ لَمْ يُزْمِعْ مُقَامًا، فَيُتِمُّ بِمُقَامِ أَرْبَعٍ فِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلسَّفِينَةِ وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ وَكَانَ مَعَهُ فِيهَا أَهْلُهُ، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ مَعَهُ فِيهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتِمَّ وَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ إذَا سَافَرَ وَعَلَيْهِ حَيْثُ أَرَادَ مُقَامًا غَيْرَ مُقَامِ سَفَرٍ أَنْ يُتِمَّ وَهُوَ فِيهَا كَالْغَرِيبِ يَتَكَارَاهَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِيمَا لَهُ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَهَكَذَا أُجَرَاؤُهُ وَرُكْبَانُ مَرْكَبِهِ.
وَإِذا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَدَارُهُ حَيْثُ أَرَادَ الْمُقَامَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا دَارَ يَصِيرُ إلَيْهَا وَكَانَ سَيَّارَةً يَتَّبِعُ أَبَدًا مَوَاقِعَ الْقَطْرِ حَلَّ بِمَوْضِعٍ، ثُمَّ شَامَ بَرْقًا فَانْتَجَعَهُ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ بِبَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ قَصَرَ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَقْصُرْ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ بِبَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ إنْ مَرَّ بِمَوْضِعٍ مُخْصِبٍ أَوْ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَنْزِلِ دُونَهُ أَنْ يَنْزِلَ لَمْ يَقْصُرْ أَبَدًا مَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ حَمِدَ مِنْ الْأَرْضِ.وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا لَا عُرْجَةَ لَهُ عَنْهُ إلَّا عُرْجَةَ الْمَنْزِلِ وَيَبْلُغُ وَيَكُونُ السَّفَرُ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ بَلَدٍ يُرِيدُونَ بَلَدًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَنِيَّتُهُمْ إذَا مَرُّوا بِمَوْضِعٍ مُخْصِبٍ أَنْ يَرْتَعُوا فِيهِ مَا احْتَمَلَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُمْ أَنْ يَرْتَعُوا فِيهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَبْلُغُوا أَنْ يَنْوُوا فِي مُقَامِ أَرْبَعٍ فَلَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا، وَإِذَا مَرُّوا بِمَوْضِعٍ فَأَرَادُوا فِيهِ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمُّوا فَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا مُقَامَ أَرْبَعٍ وَأَقَامُوا أَرْبَعًا أَتَمُّوا بَعْدَ مُقَامِ الْأَرْبَعِ فِي الِاخْتِيَارِ.
[إيجَابُ الْجُمُعَةِ]ِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الْآيَةُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3]
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ " قَالَ: «شَاهِدٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَشْهُودٌ يَوْمُ عَرَفَةَ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِثْلَهُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَدَلَّتْ السُّنَّةُ مِنْ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْنُ الْآخَرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ»
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: بَائِدَ أَنَّهُمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «نَحْنُ الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ،
ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي الْجُمُعَةَ: فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ السَّبْتُ وَالْأَحَدُ»
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَالتَّنْزِيلُ، ثُمَّ السُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى إيجَابِ الْجُمُعَةِ وَعُلِمَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يَعْلَمُهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْجَمَاعَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمَاعَةٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَقَلُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ " عُرُوبَةٌ " قَالَ الشَّاعِرُ:
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمُو خَلَطُوا ... يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَزْوَادًا بِأَزْوَادٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخِطْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ
أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي وَائِلٍ يَقُولُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَمْلُوكًا»
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبَلَدٍ تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْ بَالِغٍ حُرٍّ لَا عُذْرَ لَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ،
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَالْعُذْرُ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِأَنْ يَزِيدَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ يَبْلُغَ بِهِ مَشَقَّةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ يَحْبِسَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِالْغَلَبَةِ، أَوْ يَمُوتَ بَعْضُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ ذِي آصِرَةٍ مِنْ صِهْرٍ، أَوْ مَوَدَّةٍ، أَوْ مَنْ يَحْتَسِبُ فِي وِلَايَةِ أَمْرِهِ الْأَجْرَ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ مَرِضَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَالِدٌ فَرَآهُ مَنْزُولًا بِهِ وَخَافَ فَوْتَ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِهِ وَكَانَ ضَائِعًا لَا قَيِّمَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَهُ قَيِّمٌ غَيْرُهُ لَهُ شُغْلٌ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ،
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دُعِيَ وَهُوَ يَسْتَحِمُّ لِلْجُمَعَةِ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَهُوَ يَمُوتُ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ،
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ أَصَابَهُ غَرَقٌ، أَوْ حَرْقٌ، أَوْ سُرِقَ وَكَانَ يَرْجُو فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ الْجُمُعَةِ دَفْعَ ذَلِكَ، أَوْ تَدَارُكَ شَيْءٍ فَلَتَ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ ضَلَّ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ مَالٌ مِنْ رَقِيقٍ، أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرَجَا فِي تَخَلُّفِهِ تَدَارُكَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
فَإِنْ كَانَ خَائِفًا إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَحْبِسَهُ السُّلْطَانُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْبِسُهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فِي دَمٍ، أَوْ حَدٍّ لَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَا الْهَرَبُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَرْجُو أَنْ يَدْفَعَ الْحَدَّ بِعَفْوٍ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ بِصُلْحٍ فَأَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ ذَلِكَ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ كَانَ تَغَيُّبُهُ عَنْ غَرِيمٍ لِعُسْرَةٍ وَسِعَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ خَوْفَ الْحَبْسِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ سَفَرًا لَمْ أُحِبَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الْفَجْرِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَدْ أَجْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَمِثْلُ الْمُقِيمِ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَلَا يُحْرَجُ عِنْدِي بِالتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَهُ أَنْ يَسِيرَ وَلَا يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ وَهُوَ يَقُولُ لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَاخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ.
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَمُرَّ بِبَلَدٍ جَمَعَهُ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَتَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَتْ فِي مُقَامِهِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْمَعَ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِينَ وَلَا عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الْعَبِيدِ جُمُعَةٌ وَأُحِبُّ لِلْعَبِيدِ إذَا أُذِنَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا وَلِلْعَجَائِزِ إذَا أُذِنَ لَهُمْ وَلِلْغِلْمَانِ وَلَا أَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا يُحْرَجُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ بِحَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَسَائِرُ الْعَبِيدِ فِي هَذَا سَوَاءٌ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِذَا أُعْتِقَ بَعْضُ الْعَبْدِ فَكَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي يَوْمِهِ الَّذِي يُتْرَكُ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ أَقُلْ لَهُ إنَّهُ يُحْرَجُ كَمَا يُحْرَجُ الْحُرُّ لَوْ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْحُرِّ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهَذَا قَدْ يَأْتِي عَلَيْهِ أَحْوَالٌ لَا تَلْزَمُهُ فِيهَا لِلرِّقِّ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَمَنْ قُلْت لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ لِلْعُذْرِ بِالْحَبْسِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْمَمَالِيكِ فَإِذَا شَهِدَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ الْجُمُعَةِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنَّمَا قِيلَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لَا يُحْرَجُونَ بِتَرْكِهَا كَمَا يَكُونُ الْمَرْءُ فَقِيرًا لَا يَجِدُ مَرْكَبًا وَزَادًا فَيَتَكَلَّفُ الْمَشْيَ وَالتَّوَصُّلَ بِالْعَمَلِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَسْأَلَةِ فَيَحُجُّ فَيَجْزِي عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ فَيَتَحَامَلُ عَلَى أَنْ يَرْبِطَ عَلَى دَابَّةٍ فَيَكُونُ لَهُ حَجٌّ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مُسَافِرًا، أَوْ مَرِيضًا مَعْذُورًا بِتَرْكِ الصَّوْمِ فَيَصُومُ فَيَجْزِي عَنْهُ لَيْسَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ مِنْ هَذَا فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْرَجُ بِتَرْكِهِ،
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَا أُحِبُّ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ مِنْ الْأَحْرَارِ لِلْعُذْرِ وَلَا مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْعَبِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، أَوْ يَتَوَخَّى انْصِرَافَهُ بِأَنْ يَحْتَاطَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ انْصَرَفَ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ إتْيَانُهَا خَيْرًا لَهُ وَلَا أَكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً حَيْثُ كَانُوا إذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ رَغْبَةٍ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ صَلُّوا جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ صَلُّوا جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى فَأَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّوْهَا وَهِيَ لَهُمْ نَافِلَةٌ.
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
فَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ صَلَّاهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا إذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ ظُهْرًا أَرْبَعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَكَانَ عَلَيْهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا فَاتَتْهُ صَلَّاهَا قَضَاءً وَكَانَ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى فَاتَهُ وَقْتُهَا وَيُصَلِّيَهَا قَضَاءً وَيَجْمَعَهَا وَلَا أَكْرَهُ جَمْعَهَا إلَّا أَنْ يَجْمَعَهَا اسْتِخْفَافًا بِالْجُمُعَةِ، أَوْ رَغْبَةً عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَآمُرُ أَهْلَ السِّجْنِ وَأَهْلَ الصِّنَاعَاتِ عَنْ الْعَبِيدِ بِأَنْ يَجْمَعُوا وَإِخْفَاؤُهُمْ الْجَمْعَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إعْلَانِهِ خَوْفًا أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ أَنَّهُمْ جَمَعُوا رَغْبَةً عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْأَئِمَّةِ.
[الْعَدَدُ الَّذِينَ إذَا كَانُوا فِي قَرْيَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ]ُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةً وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ بِلَا وَقْتِ عَدَدِ مُصَلِّينَ وَأَيْنَ كَانَ الْمُصَلِّي مِنْ مَنْزِلِ مُقَامٍ وَظَعْنٍ فَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي دَارِ مُقَامٍ وَلَمْ أَحْفَظْ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَقَدْ قَالَ: غَيْرُنَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ دَارِ مُقَامٍ إذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَكَانُوا أَهْلَ قَرْيَةٍ فَقُلْنَا بِهِ وَكَانَ أَقَلُّ مَا عَلِمْنَاهُ قِيلَ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ أَدَّعِ الْقَوْلَ بِهِ وَلَيْسَ خَبَرٌ لَازِمٌ يُخَالِفُهُ وَقَدْ يُرْوَى مِنْ حَيْثُ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا وَرُوِيَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَهْلِ قُرَى عُرَيْنَةَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَيْنِ بِأَهْلِ نَجران
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ فِيمَا بَيْنَ الشَّامِ إلَى مَكَّةَ جَمَعُوا إذَا بَلَغْتُمْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَالْقَرْيَةُ الْبِنَاءُ وَالْحِجَارَةُ وَاللَّبِنُ وَالسُّقُفُ وَالْجَرَائِدُ وَالشَّجَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءٌ كُلُّهُ وَتَكُونُ بُيُوتُهَا مُجْتَمِعَةً وَيَكُونُ أَهْلُهَا لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ مِثْلَ ظَعْنِ أَهْلِ الْقُرَى وَتَكُونُ بُيُوتُهَا مُجْتَمِعَةً اجْتِمَاعَ بُيُوتِ الْقُرَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْتَمِعَةً فَلَيْسُوا أَهْلَ قَرْيَةٍ وَلَا يَجْمَعُونَ وَيُتِمُّونَ إذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا رَأَيْت - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِذَا صَلُّوا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِذَا بَلَغُوا هَذَا الْعَدَدَ وَلَمْ يَحْضُرُوا الْجُمُعَةَ كُلُّهُمْ رَأَيْت أَنْ يُصَلُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ كَانُوا هَذَا الْعَدَدَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِ قَرْيَةٍ كَمَا وَصَفْت لَمْ يَجْمَعُوا وَإِنْ كَانُوا فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَنِسَائِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ مَارِّينَ بِهَا وَأَهْلُهَا لَا يَبْلُغُونَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْمَعُوا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا هَذَا الْعَدَدُ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ، أَوْ غَابُوا، أَوْ انْتَقَلَ مِنْهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ كَثُرَ مَنْ يَمُرُّ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسَافِرًا، أَوْ تَاجِرًا غَيْرَ سَاكِنٍ لَمْ يُجْمَعْ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُهَا أَرْبَعِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً كَمَا وَصَفْت فَتَهَدَّمَتْ مَنَازِلُهَا، أَوْ تَهَدَّمَ مِنْ مَنَازِلِهَا وَبَقِيَ فِي الْبَاقِي مِنْهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَإِنْ كَانَ أَهْلُهَا لَازِمِينَ لَهَا لِيُصْلِحُوهَا جَمَعُوا كَانُوا فِي مَظَالَّ، أَوْ غَيْرِ مَظَالَّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِذَا كَانَ أَهْلُهَا أَرْبَعِينَ، أَوْ أَكْثَرَ فَمَرِضَ عَامَّتُهُمْ حَتَّى لَمْ يُوَافِ الْمَسْجِدَ مِنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا صَلُّوا الظُّهْرَ،
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ كَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ قَوْمٍ مَارِّينَ، أَوْ تُجَّارٍ لَا يَسْكُنُونَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُقِيمِينَ بِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا وَأَكْثَرَ وَمِنْهُمْ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ وَلَيْسَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا صَحِيحًا بَالِغًا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ كُلُّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَخَطَبَهُمْ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَانْفَضَّ عَنْهُ بَعْضُهُمْ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَعَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَإِنْ ثَابُوا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ حَتَّى يَكُونُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى يُكَبِّرَ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَصَلُّوهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ انْفَضُّوا عَنْهُ فَانْتَظَرَهُمْ بَعْدَ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَعُودُوا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُعِيدَ خُطْبَةً أُخْرَى إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ مُهْلَةٌ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا جُمُعَةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَصْلٌ يَتَبَاعَدُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ خَطَبَ بِهِمْ وَهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ ثَابَ الْأَرْبَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَلَا أَرَاهَا تُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يَخْطُبَ بِأَرْبَعِينَ فَيَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِهِمْ إذَا كَبَّرَ
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَلَا أُحِبُّ فِي الْأَرْبَعِينَ إلَّا مَنْ وَصَفْت عَلَيْهِ فَرْضَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ حُرٍّ بَالِغٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ مُقِيمٍ لَا مُسَافِرٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
فَإِنْ خَطَبَ بِأَرْبَعِينَ، ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ،
ثُمَّ انْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ تَامَّةٍ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا وَهِيَ مُجْزِئَةٌ عَنْهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا أَجْزَأَتْهُ،
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ بِحَالٍ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ حِينَ يَدْخُلُ وَيُكْمِلُ الصَّلَاةَ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا عَبْدَانِ، أَوْ عَبْدٌ وَحُرٌّ، أَوْ مُسَافِرَانِ، أَوْ مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ صَلَّاهَا ظُهْرًا
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ اثْنَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فَصَلَّاهَا جُمُعَةً، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا مُسَافِرٌ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَعَادَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَمْ يُجْزِئُهُ جُمُعَةٌ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ حَتَّى يُكْمِلَ مَعَهُ الصَّلَاةَ اثْنَانِ مِمَّنْ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ فَإِنْ صَلَّى وَلَيْسَ وَرَاءَهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجُمُعَةِ كَانَتْ عَلَيْهِمْ ظُهْرًا أَرْبَعًا،
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَخَلْفَهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا صَلُّوهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا لَا يُجْزِئُهُمْ وَلَا الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ إلَّا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ إمَامَتَهُ زَالَتْ وَابْتَدَلَتْ بِإِمَامَةِ رَجُلٍ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُبْتَدِئًا فِي حَالِهِ تِلْكَ لَمْ يُجْزِئْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا ظُهْرًا أَرْبَعًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ جُمُعَةً ثُمَّ أَمَرْته أَنْ يَجْعَلَهَا ظُهْرًا أَجْزَأَهُ مَا صَلَّى مِنْهَا وَهُوَ يَنْوِي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الظُّهْرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَصْرُهَا فَلَمَّا حَدَثَ حَالٌ لَيْسَ لَهُ فِيهَا قَصْرُهَا أَتَمَّهَا كَمَا يَبْتَدِئُ الْمُسَافِرُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْوِي الْمُقَامَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَيُتِمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعًا وَلَا يَسْتَأْنِفَهَا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (30)
صــــــــــ 221 الى صـــــــــــ225
[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِمَسْكَنِهِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]
(قال: الشافعي) :
وإذا كان قوم ببلد يجمع أهلها وجبت الجمعة على من يسمع النداء من ساكني المصر، أو قريبا منه بدلالة الآية
(قال: الشافعي) :
وتجب الجمعة عندنا على جميع أهل المصر وإن كثر أهلها حتى لا يسمع أكثرهم النداء؛ لأن الجمعة تجب بالمصر والعدد، وليس أحد منهم، أولى بأن تجب عليه الجمعة من غيره إلا من عذر
(قال: الشافعي) :
وقولي: سمع النداء إذا كان المنادي صيتا وكان هو مستمعا، والأصوات هادئة فأما إذا كان المنادي غير صيت والرجل غافل والأصوات ظاهرة فقل من يسمع النداء.
(قال: الشافعي) :
ولست أعلم في هذا أقوى مما وصفت وقد كان سعيد بن زيد وأبو هريرة يكونان بالشجرة على أقل من ستة أميال فيشهدان الجمعة ويدعانها وقد كان يروى أن أحدهما كان يكون بالعقيق فيترك الجمعة ويشهدها ويروى أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان على ميلين من الطائف فيشهد الجمعة ويدعها
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن زيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: تجب الجمعة على من يسمع النداء
(قال الشافعي) :
وإذا كانت قرية جامعة وكان لها قرى حولها متصلة الأموال بها وكانت أكثر سوق تلك القرى في القرية الجامعة لم أرخص لأحد منهم في ترك الجمعة، وكذلك لا أرخص لمن على الميل والميلين وما أشبه هذا، ولا يتبين عندي أن يحرج بترك الجمعة إلا من سمع النداء ويشبه أن يحرج أهل المصر، وإن عظم بترك الجمعة
[من يصلى خلفه الجمعة]
والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب على بلدة وغير أمير مجزئة كما تجزئ الصلاة خلف كل من سلف
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدنا العيد مع علي - رضي الله عنه - وعثمان محصور.
(قال: الشافعي) :
وتجزئ الجمعة خلف العبد والمسافر كما تجزئ الصلاة غيرها خلفهما فإن قيل ليس فرض الجمعة عليهما، قيل ليس يأثمان بتركها وهما يؤجران على أدائها وتجزئ عنهما كما تجزئ عن المقيم وكلاهما عليه فرض الصلاة بكمالها ولا أرى أن الجمعة تجزئ خلف غلام لم يحتلم، والله تعالى أعلم.ولا تجمع امرأة بنساء؛ لأن الجمعة إمامة جماعة كاملة وليست المرأة ممن لها أن تكون إمام جماعة كاملة.
[الصلاة في مسجدين فأكثر]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا في موضع المسجد الأعظم وإن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا في واحد وأيها جمع فيه أولا بعد الزوال فهي الجمعة، وإن جمع في آخر سواه يعده لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة، وكان عليهم أن يعيدوا ظهرا أربعا
(قال الشافعي) :
وسواء الذي جمع أولا الوالي، أو مأمور، أو رجل، أو تطوع، أو تغلب، أو عزل فامتنع من العزل بمن جمع معه أجزأت عنه الجمعة، ومن جمع مع الذي بعده لم تجزه الجمعة وإن كان واليا وكانت عليه إعادة الظهر
(قال) :
وهكذا إن جمع من المصر في مواضع فالجمعة الأولى، وما سواها لا تجزئ إلا ظهرا.
(قال: الشافعي) :
وإن أشكل على الذين جمعوا أيهم جمع أولا أعادوا كلهم ظهرا أربعا
(قال: الشافعي) :
ولو أشكل ذلك عليهم فعادوا فجمعت منهم طائفة ثانية في وقت الجمعة أجزأهم ذلك؛ لأن جمعتهم الأولى لم تجز عنهم وهم أولا حين جمعوا أفسدوا، ثم عادوا فجمعوا في وقت الجمعة
(قال: الربيع) :
وفيه قول آخر أن يصلوا ظهرا لأن العلم يحيط أن إحدى الطائفتين قد صلت قبل الأخرى فكما جازت الصلاة للذين صلوا أولا وإن لم يعرفوها لم يجز لأحد أن يصلي الجمعة بعد تمام جمعة قد تمت.
الأرض تكون بها المساجد أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال وإذا اتسعت البلد وكثرت عمارتها فبنيت فيها مساجد كثيرة عظام وصغار لم يجز عندي أن يصلي الجمعة فيها إلا في مسجد واحد وكذلك إذا اتصلت بالبلد الأعظم منها قريات صغار لم أحب أن يصلي إلا في المسجد الأعظم وإن صلى في مسجد منها غيره صليت الظهر أربعا، وإن صليت الجمعة أعاد من صلاها فيها
(قال) :
وتصلى الجمعة في المسجد الأعظم فإن صلاها الإمام في مسجد من مساجدها أصغر منه كرهت ذلك له وهي مجزئة عنه
(قال) :
وإن صلى غير إمام في مسجدها الأعظم والإمام في مسجد أصغر فجمعة الإمام ومن معه مجزئة ويعيد الآخرون الجمعة.
(قال الشافعي) :
وإن وكل الإمام من يصلي فصلى وكيل الإمام في المسجد الأعظم، أو الأصغر قبل الإمام وصلى الإمام في مسجد غيره فجمعة الذين صلوا في المسجد الأعظم، أو الأصغر قبل الإمام مجزئة ويعيد الآخرون ظهرا
(قال: الشافعي) :
وهكذا إذا وكل الإمام رجلين يصلي أيهما أدرك فأيهما صلى الجمعة أولا أجزأه وإن صلى الآخر بعده فهي ظهر وإن كان وال يصلي في مسجد صغير وجاء وال غيره فصلى في مسجد عظيم فأيهما صلى أولا فهي الجمعة وإذا قلت: أيهما صلى أولا فهي الجمعة فلم يدر أيهما صلى أولا، فأعاد أحدهما الجمعة في الوقت أجزأت وإن ذهب الوقت أعادا معا فصليا معا أربعا أربعا
(قال: الربيع) :
يريد يعيد الظهر
(قال: الشافعي) :
والأعياد مخالفة الجمعة الرجل يصلي العيد منفردا ومسافرا وتصليه الجماعة لا يكون عليها جمعة؛ لأنها لا تحيل فرضا ولا أرى بأسا إذا خرج الإمام إلى مصلاه في العيدين، أو الاستسقاء أن يأمر من يصلي بضعفة الناس العيد في موضع من المصر، أو مواضع،
(قال) :
وإذا كانت صلاة الرجل منفردا مجزئة فهي أقل من صلاة جماعة بأمر وال وإن لم يأمر الوالي فقدموا واحدا أجزأ عنهم.
(قال: الشافعي) :
وهكذا لو قدموا في صلاة الخسوف في مساجدهم لم أكره من هذا شيئا بل أحبه ولا أكرهه في حال إلا أن يكون من تخلف عن الجماعة العظمى أقوياء على حضورها فأكره ذلك لهم أشد الكراهية ولا إعادة عليهم فأما أهل العذر بالضعف فأحب لهم ذلك قال: الشافعي) : والجمعة مخالفة لهذا كله
(قال) :
وإذا صلوا جماعة، أو منفردين صلوا كما يصلي الإمام لا يخالفونه في وقت ولا صلاة ولا بأس أن يتكلم متكلمهم بخطبة إذا كان بأمر الوالي فإن لم يكن بأمر الوالي كرهت له ذلك كراهية الفرقة في الخطبة ولا أكره ذلك في الصلاة كما لا أكرهه في المكتوبات غير الجمعة.
[وقت الجمعة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ووقت الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يكون آخر وقت الظهر قبل أن يخرج الإمام من صلاة الجمعة، فمن صلاها بعد الزوال إلى أن يكون سلامه منها قبل آخر وقت الظهر فقد صلاها في وقتها وهي له جمعة إلا أن يكون في بلد قد جمع فيه قبله.
(قال: الشافعي) :
ومن لم يسلم من الجمعة حتى يخرج آخر وقت الظهر تجزه الجمعة وهي له ظهر وعليه أن يصليها أربعا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة إذا فاء الفيء قدر ذراع، أو نحوه» ،
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يوسف بن ماهك قال قدم معاذ بن جبل على أهل مكة وهم يصلون الجمعة والفيء في الحجر فقال لا تصلوا حتى تفيء الكعبة من وجهها.
(قال: الشافعي) :
ووجهها الباب
(قال: الشافعي) :
يعني معاذا حتى تزول الشمس،
(قال: الشافعي) :
ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس،
(قال: الشافعي) :
ولا يجوز أن يبتدئ خطبة الجمعة حتى يتبين زوال الشمس
(قال: الشافعي) :
فإن ابتدأ رجل خطبة الجمعة قبل أن تزول الشمس ثم زالت الشمس فأعاد خطبته أجزأت عنه الجمعة وإن لم يعد خطبتين بعد الزوال لم تجز الجمعة عنه وكان عليه أن يصليها ظهرا أربعا، وإن صلى الجمعة في حال لا تجزي عنه فيه، ثم أعاد الخطبة والصلاة في الوقت أجزأت عنه وإلا صلاها ظهرا والوقت الذي تجوز فيه الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يدخل وقت العصر.
(قال الشافعي) :
ولا تجزئ جمعة حتى يخطب الإمام خطبتين ويكمل السلام منها قبل دخول وقت العصر.
(قال: الشافعي) :
فإن دخل أول وقت العصر قبل أن يسلم منها فعليه أن يتم الجمعة ظهرا أربعا فإن لم يفعل حتى خرج منها فعليه أن يستأنفها ظهرا أربعا
(قال: الشافعي) :
ولو أغفل الجمعة حتى يعلم أنه خطب أقل من خطبتين وصلى أخف من ركعتين لم يخرج من الصلاة حتى يدخل وقت العصر كان عليه أن يصلي ظهرا أربعا ولا يخطب
(قال: الشافعي) :
وإن رأى أنه يخطب أخف خطبتين ويصلي أخف ركعتين إذا كانتا مجزئتين عنه قبل دخول أول وقت العصر لم يجز له إلا أن يفعل فإن خرج من الصلاة قبل دخول العصر فهي مجزئة عنه، وإن لم يخرج منها حتى يدخل أول وقت العصر أتمها ظهرا أربعا فإن لم يفعل وسلم استأنف ظهرا أربعا لا يجزيه غير ذلك فإن خرج من الصلاة وهو يشك ومن معه، أدخل وقت العصر أم لا؟ فصلاتهم وصلاته مجزئة عنهم؛ لأنهم على يقين من الدخول في الوقت وفي شك من أن الجمعة لا تجزئهم، فهم كمن استيقن بوضوء وشك في انتفاضه،
(قال: الشافعي) :
وسواء شكوا أكملوا الصلاة قبل دخول الوقت بظلمة، أو ريح، أو غيرهما،
(قال: الشافعي) :
ولا يشبه الجمعة فيما وصفت الرجل يدرك ركعة قبل غروب الشمس كان عليه أن يصلي العصر بعد غروبها وليس للرجل أن يصلي الجمعة في غير وقتها؛ لأنه قصر في وقتها وليس له القصر إلا حيث جعل له.
[وقت الأذان للجمعة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يؤذن للجمعة حتى تزول الشمس
(قال: الشافعي) :
وإذا أذن لها قبل الزوال أعيد الأذان لها بعد الزوال فإن أذن لها مؤذن قبل الزوال وآخر بعد الزوال أجزأ الأذان الذي بعد الزوال ولم يعد الأذان الذي قبل الزوال،
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه خشب، أو جريد أو منبر، أو شيء مرفوع له، أو الأرض فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان فأذن به فثبت الأمر على ذلك.
(قال: الشافعي) :
وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول أحدثه معاوية، والله تعالى أعلم.
(قال: الشافعي) :
وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي
(قال: الشافعي) :
فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر كرهت ذلك له ولا يفسد شيء منه صلاته
(قال: الشافعي) :
وليس في الأذان شيء يفسد الصلاة؛ لأن الأذان ليس من الصلاة إنما هو دعاء إليها وكذلك لو صلى بغير أذان كرهت ذلك له ولا إعادة عليه.
[متى يحرم البيع يوم الجمعة]
متى يحرم البيع
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال: الله تبارك وتعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: 9]
(قال: الشافعي) :
والأذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده البيع الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك الأذان الذي بعد الزوال وجلوس الإمام على المنبر، فإن أذن مؤذن قبل جلوس الإمام على المنبر وبعد الزوال لم يكن البيع منهيا عنه كما ينهى عنه إذا كان الإمام على المنبر وأكرهه؛ لأن ذلك الوقت الذي أحب للإمام أن يجلس فيه على المنبر وكذلك إن أذن مؤذن قبل الزوال والإمام على المنبر لم ينه عن البيع إنما ينهى عن البيع إذا اجتمع أن يؤذن بعد الزوال والإمام على المنبر
(قال: الشافعي) :
وإذا تبايع من لا جمعة عليه في الوقت المنهي فيه عن البيع لم أكره البيع؛ لأنه لا جمعة عليهما، وإنما المنهي عن البيع المأمور بإتيان الجمعة
(قال: الشافعي) :
وإن بايع من لا جمعة عليه من عليه جمعة كرهت ذلك لمن عليه الجمعة لما وصفت ولغيره أن يكون معينا له على ما أكره له ولا أفسخ البيع بحال
(قال: الشافعي) :
ولا أكره البيع يوم الجمعة قبل الزوال ولا بعد الصلاة لأحد بحال وإذا تبايع المأموران بالجمعة في الوقت المنهي فيه عن البيع لم يبن لي أن أفسخ البيع بينهما؛ لأن معقولا أن النهي عن البيع في ذلك الوقت إنما هو لإتيان الصلاة لا أن البيع يحرم بنفسه وإنما يفسخ البيع المحرم لنفسه، ألا ترى لو أن رجلا ذكر صلاة ولم يبق عليه من وقتها إلا ما يأتي بأقل ما يجزئه منها فبايع فيه كان عاصيا بالتشاغل بالبيع عن الصلاة حتى يذهب وقتها، ولم تكن معصية التشاغل عنها تفسد بيعه والله تعالى أعلم.
[التبكير إلى الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة، والمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة، ثم الذي يليه كالمهدي كبشا، حتى ذكر الدجاجة والبيضة» ،
(قال: الشافعي) :
أخبرنا مالك عن سمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»
(قال: الشافعي) :
وأحب لكل من وجبت عليه الجمعة أن يبكر إلى الجمعة جهده فكلما قدم التبكير كان أفضل ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأن العلم يحيط أن من زاد في التقرب إلى الله تعالى كان أفضل
(قال: الشافعي) :
فإن قال: قائل: إنهم مأمورون إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة بأن يسعوا إلى ذكر الله فإنما أمروا بالفرض عليهم وأمرهم بالفرض عليهم لا يمنع فضلا قدموه عن نافلة لهم.
[المشي إلى الجمعة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: ما سمعت عمر قط يقرؤها إلا " فامضوا إلى ذكر الله ".
(قال: الشافعي) :
ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل قال: الله عز وجل {إن سعيكم لشتى} [الليل: 4] وقال {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] وقال عز ذكره {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها} [البقرة: 205]
(قال الشافعي) :
قال زهير:سعى بعهدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا(وزادني بعض أصحابنا في هذا البيت) :وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبلوهل يحمل الخطى إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن جده جابر بن عتيك صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا خرجت إلى الجمعة فامش على هينتك.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (31)
صــــــــــ 226 الى صـــــــــــ230
(قال الشافعي) :
وفيما وصفنا من دلالة كتاب الله عز وجل أن السعي العمل وفي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ما فاتكم فاقضوا»
(قال الشافعي) :
والجمعة صلاة كاف من أن يروى في ترك العدو على القدمين إلى الجمعة عن أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء وما علمت أحدا روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة أنه زاد فيها على مشيه إلى سائر الصلوات ولا عن أحد من أصحابه
(قال: الشافعي) :
ولا تؤتى الجمعة إلا ماشيا كما تؤتى سائر الصلوات وإن سعى إليها ساع، أو إلى غيرها من الصلوات لم تفسد عليه صلاته ولم أحب ذلك له.
[الهيئة للجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة» ،
(قال: الشافعي) :
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان منكم عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك»
(قال: الشافعي) :
فنحب للرجل أن يتنظف يوم الجمعة بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغير الريح من جميع جسده وسواك وكل ما نظفه وطيبه وأن يمس طيبا مع هذا إن قدر عليه ويستحسن من ثيابه ما قدر عليه ويطيبها اتباعا للسنة ولا يؤذي أحدا قاربه بحال، وكذلك أحب له في كل عيد وآمره به وأحبه في كل صلاة جماعة وآمره به وأحبه في كل أمر جامع للناس وإن كنت له في الأعياد من الجمع وغيرها أشد استحبابا للسنة وكثرة حاضرها،
(قال الشافعي) :
وأحب ما يلبس إلي البياض فإن جاوزه بعصب اليمن والقطري وما أشبهه مما يصبغ غزله ولا يصبغ بعد ما ينسج فحسن وإذا صلاها طاهرا متواري العورة أجزأه وإن استحببت له ما وصفت من نظافة وغيرها
(قال الشافعي) :
وهكذا أحب لمن حضر الجمعة من عبد وصبي وغيره إلا النساء فإني أحب لهن النظافة بما يقطع الريح المتغيرة وأكره لهن الطيب وما يشهرن به من الثياب بياض، أو غيره فإن تطيبن وفعلن ما كرهت لهن لم يكن عليهن إعادة صلاة وأحب للإمام من حسن الهيئة ما أحب للناس وأكثر منه، وأحب أن يعتم فإنه كان يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان يعتم ولو ارتدى ببرد فإنه كان يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتدي ببرد، كان أحب إلي.
[الصلاة نصف النهار يوم الجمعة]
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني إسحاق بن عبد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة»
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا ولم يتكلم أحد،
(قال الشافعي) :
وحدثني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال حدثني ثعلبة بن أبي مالك أن قعود الإمام يقطع السبحة وأن كلامه يقطع الكلام وأنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا.
(قال الشافعي) :
فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الإمام على المنبر فإذا صار على المنبر كف منهم من كان صلى ركعتين فأكثر تكلما حتى يأخذ في الخطبة فإذا أخذ فيها أنصت استدلالا بما حكيت ولا ينهى عن الصلاة نصف النهار من حضر يوم الجمعة.
[دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع]
من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: «دخل رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم -
يخطب فقال له: أصليت؟
قال لا قال: فصل ركعتين»
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله وزاد في حديث جابر وهو سليك الغطفاني
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله قال: رأيت أبا سعيد الخدري جاء ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبي أن يجلس حتى صلى الركعتين فلما أقضينا الصلاة أتيناه فقلنا يا أبا سعيد: كاد هؤلاء أن يفعلوا بك،
فقال: ما كنت لأدعها لشيء بعد شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة فقال " أصليت "؟
قال: لا،
قال: " فصل ركعتين " ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل منها ثوبين فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " أصليت "؟ قال: لا قال: " فصل ركعتين "، ثم حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال " خذه "، فأخذه،
ثم قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انظروا إلى هذا جاء تلك الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين فلما جاءت الجمعة وأمرت الناس بالصدقة فجاء فألقى أحد ثوبيه ".
(قال الشافعي) :
وبهذا نقول ونأمر من دخل المسجد والإمام يخطب والمؤذن يؤذن ولم يصل ركعتين أن يصليهما ونأمره أن يخففهما فإنه روي في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتخفيفهما
(قال: الشافعي) :
وسواء كان في الخطبة الأولى، أو في الآخرة فإذا دخل والإمام في آخر الكلام ولا يمكنه أن يصلي ركعتين خفيفتين قبل دخول الإمام في الصلاة فلا عليه أن لا يصليهما؛ لأنه أمر بصلاتهما حيث يمكنانه وحيث يمكنانه مخالف لحيث لا يمكنانه وأرى للإمام أن يأمره بصلاتهما ويزيد في كلامه بقدر ما يكملهما فإن لم يفعل الإمام كرهت ذلك له ولا شيء عليه وإن لم يصل الداخل في حال تمكنه فيه كرهت ذلك له ولا إعادة ولا قضاء عليه
(قال: الشافعي) :
وإن صلاهما وقد أقيمت الصلاة كرهت ذلك له وإن أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك الجمعة.
[تخطي رقاب الناس يوم الجمعة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأكره تخطي رقاب الناس يوم الجمعة قبل دخول الإمام وبعده لما فيه من الأذى لهم وسوء الأدب وبذلك أحب لشاهد الجمعة التبكير إليها مع الفضل في التبكير إليها وقد روي عن الحسن مرسلا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - آنيت وآذيت» وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
رواه أبو هريرة أنه قال: «ما أحب أن أترك الجمعة ولي كذا وكذا ولأن أصليها بظهر الحرة أحب إلي من أن أتخطى رقاب الناس» وإن كان دون مدخل رجل زحام وأمامه فرجة فكان تخطيه إلى الفرجة بواحد، أو اثنين رجوت أن يسعه التخطي وإن كثر كرهته له ولم أحبه إلا أنه لا يجد السبيل إلى مصلى يصلي فيه الجمعة إلا بأن يتخطى فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى.وإن كان إذا وقف حتى تقام الصلاة تقدم من دونه حتى يصل إلى موضع تجوز فيه الصلاة كرهت له التخطي وإن فعل ما كرهت له من التخطي لم يكن عليه إعادة صلاة وإن كان الزحام دون الإمام الذي يصلي الجمعة لم أكره له من التخطي ولا من أن يفرج له الناس ما أكره للمأموم؛ لأنه مضطر إلى أن يمضي إلى الخطبة والصلاة لهم.
[النعاس في المسجد يوم الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عمر يقول للرجل إذا نعس يوم الجمعة والإمام يخطب أن يتحول منه.
(قال: الشافعي) :
وأحب للرجل إذا نعس في المسجد يوم الجمعة ووجد مجلسا غيره ولا يتخطى فيه أحدا أن يتحول عنه ليحدث له القيام واعتساف المجلس ما يذعر عنه النوم وإن ثبت وتحفظ من النعاس بوجه يراه ينفي النعاس عنه فلا أكره ذلك له، ولا أحب إن رأى أنه يمتنع من النعاس إذا تحفظ أن يتحول وأحسب من أمره بالتحول إنما أمره حين غلب عليه النعاس فظن أن لن يذهب عنه النوم إلا بإحداث تحول وإن ثبت في مجلسه ناعسا كرهت ذلك له ولا إعادة عليه إذا لم يرقد زائلا عن حد الاستواء.
[مقام الإمام في الخطبة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقها فسكنت»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك؟
قال: نعم: فصنع له ثلاث درجات فهي للآتي أعلى المنبر فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم على المنبر فيخطب عليه فمر إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى انصدع وانشق فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده، ثم رجع إلى المنبر» فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وصار رفاتا
(قال: الشافعي) :
فبهذا قلنا لا بأس أن يخطب الإمام على شيء مرتفع من الأرض وغيرها ولا بأس أن ينزل عن المنبر للحاجة قبل أن يتكلم، ثم يعود إلى المنبر وإن نزل عن المنبر بعد ما تكلم استأنف الخطبة لا يجزئه غير ذلك؛ لأن الخطبة لا تعد خطبة إذا فصل بينها بنزول يطول، أو بشيء يكون قاطعا لها.
[الخطبة قائما]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال: الله تبارك وتعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} [الجمعة: 11] الآية
(قال: الشافعي) :
فلم أعلم مخالفا أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق يقال لها البطحاء، كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والغنم والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان لهم لهو إذا تزوج أحد من الأنصار ضربوا بالكبر فعيرهم الله بذلك فقال {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} [الجمعة: 11] »
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صالح مولى التوأمة عن عبد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين على المنبر قياما يفصلون بينهما بجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسا وخطب في الثانية قائما» .
(قال: الشافعي) :
فإذا خطب الإمام خطبة واحدة وصلى الجمعة عاد فخطب خطبتين وصلى الجمعة فإن لم يفعل حتى ذهب الوقت صلاها ظهرا أربعا ولا يجزئه أقل من خطبتين يفصل بينهما بجلوس فإن فصل بينهما ولم يجلس لم يكن له أن يجمع، ولا يجزيه أن يخطب جالسا فإن خطب جالسا من علة أجزأه ذلك وأجزأ من خلفه وإن خطب جالسا وهم يرونه صحيحا فذكر علة فهو أمين على نفسه وكذلك هذا في الصلاة وإن خطب جالسا وهم يعلمونه صحيحا للقيام لم تجزئه ولا إياهم الجمعة وإن خطب جالسا ولا يدرون أصحيح هو، أو مريض؟ فكان صحيحا أجزأتهم صلاتهم؛ لأن الظاهر عندهم أن لا يخطب جالسا إلا مريض وإنما عليهم الإعادة إذا خطب جالسا وهم يعلمونه صحيحا، فإن علمته طائفة صحيحا وجهلت طائفة صحته أجزأت الطائفة التي لم تعلم صحته الصلاة ولم تجز الطائفة التي علمت صحته وهذا هكذا في الصلاة،
(قال الشافعي) :
وإنما قلنا هذا في الخطبة أنها ظهر إلا أن يفعل فيها فاعل على فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خطبتين يفصل بينهما بجلوس فيكون له أن يصليها ركعتين فإذا لم يفعل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي على أصل فرضها.
[أدب الخطبة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال: «خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبتين وجلس جلستين» وحكى الذي حدثني قال:: «استوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الدرجة التي تلي المستراح قائما ثم سلم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان، ثم قام فخطب الخطبة الأولى، ثم جلس ثم قام فخطب الخطبة الثانية» وأتبع هذا الكلام الحديث فلا أدري أحدثه عن سلمة أم شيء فسره هو في الحديث
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يفعل الإمام ما وصفت وإن أذن المؤذن قبل ظهور الإمام على المنبر، ثم ظهر الإمام على المنبر فتكلم بالخطبة الأولى، ثم جلس، ثم قام فخطب أخرى أجزأه ذلك - إن شاء الله - لأنه قد خطب خطبتين فصل بينهما بجلوس
(قال) :
ويعتمد الذي يخطب على عصا، أو قوس، أو ما أشبههما؛ لأنه بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتمد على عصا» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: «قلت لعطاء: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على عصا إذا خطب؟
قال: نعم كان يعتمد عليها اعتمادا»
(قال: الشافعي) :
وإن لم يعتمد على عصا أحببت أن يسكن جسده ويديه إما بأن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يقرهما في موضعهما ساكنتين ويقل التلفت ويقبل بوجهه قصد وجهه ولا أحب أن يلتفت يمينا ولا شمالا ليسمع الناس خطبته؛ لأنه إن كان لا يسمع أحد الشقين إذا قصد بوجهه تلقاءه فهو لا يلتفت ناحية يسمع أهلها إلا خفي كلامه على الناحية التي تخالفها مع سوء الأدب من التلفت،
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يرفع صوته حتى يسمع أقصى من حضره إن قدر على ذلك وأحب أن يكون كلامه كلاما مترسلا مبينا معربا بغير الإعراب الذي يشبه العي وغير التمطيط وتقطيع الكلام ومده وما يستنكر منه ولا العجلة فيه عن الإفهام ولا ترك الإفصاح بالقصد وأحب أن يكون كلامه قصدا بليغا جامعا
(قال الشافعي) :
أخبرنا سعيد بن سالم ومالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر
(قال: الشافعي) :
وإذا فعل ما كرهت له من إطالة الخطبة، أو سوء الأدب فيها، أو في نفسه فأتى بخطبتين يفصل بينهما بجلوس لم يكن عليه إعادة وأقل ما يقع عليه اسم خطبة من الخطبتين أن يحمد الله تعالى ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ شيئا من القرآن في الأولى، ويحمد الله عز ذكره ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوصي بتقوى الله ويدعو في الآخرة؛ لأن معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض، هذا، أوجز ما يجمع من الكلام
(قال الشافعي) :
وإنما أمرت بالقراءة في الخطبة أنه لم يبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب في الجمعة إلا قرأ فكان أقل ما يجوز يقال قرأ آية من القرآن وأن يقرأ أكثر منها أحب إلي وإن جعلها خطبة واحدة عاد فخطب خطبة ثانية مكانه، فإن لم يفعل ولم يخطب حتى يذهب الوقت أعاد الظهر أربعا، فإن جعلها خطبتين لم يفصل بينهما بجلوس أعاد خطبته، فإن لم يفعل صلى الظهر أربعا وإن ترك الجلوس الأول حين يظهر على المنبر كرهته ولا إعادة عليه؛ لأنه ليس من الخطبتين، ولا فصل بينهما وهو عمل قبلهما لا منهما.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (32)
صــــــــــ 231 الى صـــــــــــ235
[القراءة في الخطبة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف «عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ب {ق} [ق: 1] وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو على المنبر من كثرة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني محمد بن أبي بكر بن حزم عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان مثله،
قال: إبراهيم: ولا أعلمني إلا سمعت أبا بكر بن حزم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر قال: إبراهيم: وسمعت محمد بن أبي بكر يقرأ بها وهو يومئذ قاضي المدينة على المنبر
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن عمر كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1] حتى يبلغ {علمت نفس ما أحضرت} [التكوير: 14] ثم يقطع السورة أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن هشام عن أبيه أن عمر بن الخطاب قرأ بذلك على المنبر.
(قال: الشافعي) :
وبلغنا أن عليا كرم الله وجهه كان يقرأ على المنبر {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] و {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] فلا تتم الخطبتان إلا بأن يقرأ في إحداهما آية فأكثر والذي أحب أن يقرأ ب {ق} [ق: 1] في الخطبة الأولى كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقصر عنها وما قرأ أجزأه إن شاء الله تعالى وإن قرأ على المنبر سجدة لم ينزل ولم يسجد فإن فعل وسجد رجوت أن لا يكون بذلك بأس؛ لأنه ليس يقطع الخطبة كما لا يكون قطعا للصلاة أن يسجد فيها سجود القرآن.
(قال الشافعي) :
وإذا سجد أخذ من حيث بلغ من الكلام وإن استأنف الكلام فحسن
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يقدم الكلام، ثم يقرأ الآية؛ لأنه بلغنا ذلك وإن قدم القراءة ثم تكلم فلا بأس وأحب أن تكون قراءته ما وصفت في الخطبة الأولى وأن يقرأ في الخطبة الثانية آية أو أكثر منها،
ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم،
(قال الشافعي) :
بلغني أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان إذا كان في آخر خطبة قرأ آخر النساء {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] إلى آخر السورة وحيث قرأ من الخطبة الأولى والآخرة فبدأ بالقراءة، أو بالخطبة، أو جعل القراءة بين ظهراني الخطبة، أو بعد الفراغ منها إذا أتى بقراءة أجزأه - إن شاء الله تعالى -.
[كلام الإمام في الخطبة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب
(قال الشافعي) :
وحديث جابر وأبي سعيد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: لرجل دخل المسجد وهو على المنبر فقال أصليت؟
فقال: لا فقال فصل ركعتين» وفي حديث أبي سعيد فتصدق الرجل بأحد ثوبيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " انظروا إلى هذا الذي.
(قال الشافعي) :
ولا بأس أن يتكلم الرجل في خطبة الجمعة وكل خطبة فيما يعنيه ويعني غيره بكلام الناس ولا أحب أن يتكلم فيما لا يعنيه ولا يعني الناس ولا بما يقبح من الكلام وكل ما أجزت له أن يتكلم به، أو كرهته فلا يفسد خطبته ولا صلاته.كيف استحب أن تكون الخطبة
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا عبد العزيز عن جعفر عن أبيه عن جابر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
خطب يوما فقال: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا عمرو «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فقال في خطبته ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» .
[ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم قال: «خطب رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اسكت فبئس الخطيب أنت،
ثم قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا تقل ومن يعصهما» ،
(قال: الشافعي) :
فبهذا نقول فيجوز أن تقول ومن يعص الله ورسوله فقد غوى؛ لأنك أفردت معصية الله وقلت " ورسوله " استئناف كلام وقد قال: الله تبارك وتعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] وهذا وإن كان في سياق الكلام استئناف كلام
(قال) :
ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله، ومن عصى رسوله فقد عصى الله؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد من عباده قام في خلق الله بطاعة الله وفرض الله تبارك وتعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده ومن قال: " ومن يعصهما " كرهت ذلك القول له حتى يفرد اسم الله عز وجل، ثم يذكر بعده اسم رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يذكره إلا منفردا.
(قال: الشافعي) :
«وقال رجل يا رسول الله: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمثلان؟ قل ما شاء الله ثم شئت»
(قال: الشافعي) :
وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية؛ لأن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعصيته تبع لطاعة الله تبارك وتعالى ومعصيته؛ لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله عز وجل فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاز أن يقال فيه من يطع الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله لما وصفت، والمشيئة إرادة الله تعالى
(قال: الشافعي) :
قال: الله عز وجل {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29] فأعلم خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله عز وجل فيقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله، ثم شئت، ويقال من يطع الله ورسوله على ما وصفت من أن الله تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطيع الله بطاعة رسوله.
(قال: الشافعي) :
وأحب أن يخلص الإمام ابتداء الخطبة بحمد الله والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - والعظة والقراءة ولا يزيد على ذلك،
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما الذي أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عمن بعد النبي - عليه الصلاة والسلام -؟ قال لا إنما أحدث إنما كانت الخطبة تذكيرا
(قال الشافعي) :
فإن دعا لأحد بعينه، أو على أحد كرهته ولم تكن عليه إعادة.
[الإنصات للخطبة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت»
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت»
(قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
مثل معناه إلا أنه قال: لغيت قال ابن عيينة لغيت لغة أبي هريرة،
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته قلما يدع ذلك إذا خطب " إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا له وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصت فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة "، ثم لا يكبر عثمان حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبروه أن قد استوت فيكبر.
(قال: الشافعي) :
وأحب لكل من حضر الخطبة أن يستمع لها وينصت ولا يتكلم من حين يتكلم الإمام حتى يفرغ من الخطبتين معا.
(قال: الشافعي) :
ولا بأس أن يتكلم والإمام على المنبر والمؤذنون يؤذنون وبعد قطعهم قبل كلام الإمام فإذا ابتدأ في الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الإمام الخطبة الآخرة فإن قطع الآخرة فلا بأس أن يتكلم حتى يكبر الإمام، وأحسن في الأدب أن لا يتكلم من حين يبتدئ الإمام الكلام حتى يفرغ من الصلاة وإن تكلم رجل والإمام يخطب لم أحب ذلك له، ولم يكن عليه إعادة الصلاة ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق على المنبر وكلموه وتداعوا قتله، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلم الذي لم يركع وكلمه وأن لو كانت الخطبة في حال الصلاة لم يتكلم من حين يخطب، وكان الإمام أولاهم بترك الكلام الذي إنما يترك الناس الكلام حتى يسمعوا كلامه،
(قال: الشافعي) :
فإن قيل: فما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لغوت؟ قيل - والله أعلم -: فأما ما يدل على ما وصفت من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلام من كلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكلامه فيدل على ما وصفت، وأن الإنصات للإمام اختيار، وأن قوله لغوت تكلم به في موضع الأدب فيه أن لا يتكلم والأدب في موضع الكلام أن لا يتكلم إلا بما يعنيه.وتخطي رقاب الناس يوم الجمعة في معنى الكلام فيما لا يعني الرجل،
(قال: الشافعي) :
ولو سلم رجل على رجل يوم الجمعة كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه بعضهم؛ لأن رد السلام فرض
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم عن هشام بن حسان قال: لا بأس أن يسلم ويرد عليه السلام والإمام يخطب يوم الجمعة وكان ابن سيرين يرد إيماء ولا يتكلم
(قال: الشافعي) :
ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه؛ لأن التشميت سنة
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن هشام عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة فشمته»
(قال: الشافعي) :
وكذلك إذا أراد أن يأتيه رجل فأومأ إليه فلم يأته فلا بأس أن يتكلم وكذلك لو خاف على أحد، أو جماعة لم أر بأسا إذا لم يفهم عنهم بالإيماء أن يتكلم والإمام يخطب
(قال: الشافعي) :
ولا بأس إن خاف شيئا أن يسأل عنه ويجيبه بعض من عرف إن سأل عنه وكل ما كان في هذا المعنى فلا بأس بذلك للإمام وغيره ما كان مما لا يلزم المرء لأخيه ولا يعنيه في نفسه فلا أحب الكلام به، وذلك أن يقول له أنصت، أو يشكو إليه مصيبة نزلت، أو يحدثه عن سرور حدث له، أو غائب قدم، أو ما أشبه هذا؛ لأنه لا فوت على واحد منهما في علم هذا ولا ضرر عليه في ترك إعلامه إياه
(قال: الشافعي) :
وإن عطش الرجل فلا بأس أن يشرب والإمام على المنبر فإن لم يعطش فكان يتلذذ بالشراب كان أحب إلي أن يكف عنه.من لم يسمع الخطبة
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ومن لم يسمع الخطبة أحببت له من الإنصات ما أحببته للمستمع،
(قال: الشافعي) :
وإذا كان لا يسمع من الخطبة شيئا فلا أكره أن يقرأ في نفسه ويذكر الله تبارك اسمه ولا يكلم الآدميين
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم عن هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يذكر الله في نفسه بتكبير وتهليل وتسبيح،
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم قال: لا أعلمه إلا أن منصور بن المعتمر أخبرني أنه سأل إبراهيم أيقرأ والإمام يخطب يوم الجمعة وهو لا يسمع الخطبة؟ فقال عسى أن لا يضره
(قال: الشافعي) :
ولو فعل هذا من سمع خطبة الإمام لم تكن عليه إعادة ولو أنصت للاستماع كان حسنا.
[الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة]
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال: الله تبارك وتعالى {إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة: 11]
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا»
(قال: الشافعي) :
وأكره للرجل من كان إماما، أو غير إمام أن يقيم رجلا من مجلسه، ثم يجلس فيه ولكن نأمرهم أن يتفسحوا.
(قال: الشافعي) :
ولا يجوز أن يقام الرجل إلا أن يجلس الرجل حيث يتيسر له إما في موضع مصلى الإمام وإما في طريق عامة فأما أن يستقبل المصلين بوجهه في ضيق المسجد وكثرة من المصلين ولا يحول بوجهه عن استقبال المصلين فإن كان ذلك ولا ضيق على المصلين فيه فلا بأس أن يستقبلهم بوجهه ويتنحون عنه، وأحسن في الأدب أن لا يفعل ومن فعل من هذا ما كرهت له فلا إعادة عليه للصلاة
(قال: الشافعي) :
وبهذا نأخذ فمن عرض له ما يخرجه، ثم عاد إلى مجلسه أحببت لمن جلس فيه أن يتنحى عنه،
(قال: الشافعي) :
وأكره للرجل أن يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة وغيره ويجلس فيه ولا أرى بأسا إن كان رجل إنما جلس لرجل ليأخذ له مجلسا أن يتنحى عنه؛ لأن ذلك تطوع من المجالس وكذلك إن جلس لنفسه، ثم تنحى عنه بطيب من نفسه وأكره ذلك للجالس إلا أن يكون يتنحى إلى موضع شبيه به في أن يسمع الكلام ولا أكرهه للجالس الآخر؛ لأنه بطيب نفس الجالس الأول ومن فعل من هذا ما كرهت له فلا إعادة للجمعة
عليه، (قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا قام أحدكم من مجلسه يوم الجمعة، ثم رجع إليه فهو أحق به» ،
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني أبي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يعمد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه، ثم يقعد فيه» ،
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل أفسحوا» .
[الاحتباء في المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرني من لا أتهم عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتبي والإمام يخطب يوم الجمعة
(قال الشافعي) :
والجلوس والإمام على المنبر يوم الجمعة كالجلوس في جميع الحالات إلا أن يضيق الرجل على من قاربه فأكره ذلك وذلك أن يتكئ فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس، ويمد رجليه أو يلقي يديه خلفه فأكره هذا لأنه يضيق إلا أن يكون برجله علة فلا أكره له من هذا شيئا، وأحب له إذا كانت به علة أن يتنحى إلى موضع لا يزدحم الناس عليه فيفعل من هذا ما فيه الراحة لبدنه بلا ضيق على غيره.
[القراءة في صلاة الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن أبي لبيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الجمعة بسورة الجمعة، والمنافقين»
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع «عن أبي هريرة أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة،
وإذا جاءك المنافقون فقال عبيد الله: فقلت له: قرأت بسورتين كان علي - رضي الله تعالى عنه - يقرأ بهما في الجمعة فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بهما»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني مسعر بن كدام عن معبد بن خالد عن سمرة بن جندب «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الجمعة {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] و {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1] »
(قال الشافعي) :
أحب أن يقرأ يوم الجمعة في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون لثبوت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بهما، وتواليهما في التأليف، وإذ كان من يحضر الجمعة بفرض الجمعة، وما نزل في المنافقين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (33)
صــــــــــ 236 الى صـــــــــــ240
(قال الشافعي) :
وما قرأ به الإمام يوم الجمعة، وغيرها من أم القرآن، وآية أجزأه، وإن اقتصر على أم القرآن أجزأه، ولم أحب ذلك له.
(قال الشافعي) :
وحكاية من حكى السورتين اللتين قرأ بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة تدل على أنه جهر بالقراءة، وأنه صلى الجمعة ركعتين، وذلك ما لا اختلاف فيه علمته فيجهر الإمام بالقراءة في الجمعة، ويصليها ركعتين إذا كانت جمعة فإن صلاها ظهرا خافت بالقراءة وصلى أربعا
(قال الشافعي) :
وإن خافت بالقراءة في الجمعة أو غيرها مما يجهر فيه بالقراءة أو جهر بالقراءة فيما يخافت فيه بالقراءة من الصلاة كرهت ذلك له، ولا إعادة، ولا سجود للسهو عليه
(قال الشافعي) :
وإن بدأ الإمام يوم الجمعة فقرأ بسورة المنافقين في الركعة الأولى قبل أم القرآن عاد فقرأ أم القرآن قبل أن يركع أجزأه أن يركع بها، ولا يعيد سورة المنافقين، ولو قرأ معها بشيء من الجمعة كان أحب إلي، ويقرأ في الركعة الثانية بسورة الجمعة.
[القنوت في الجمعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
حكى عدد صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة فما علمت أحدا منهم حكى أنه قنت فيها إلا أن تكون دخلت في جملة قنوته في الصلوات كلهن حين قنت على قتلة أهل بئر معونة، ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام
[من أدرك ركعة من الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة» (
قال الشافعي) :
فكان أقل ما في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فقد أدرك الصلاة» إن لم تفته الصلاة
(قال الشافعي) :
ومن لم تفته الصلاة صلى ركعتين
(قال الشافعي) :
، ومن أدرك ركعة من الجمعة بنى عليها ركعة أخرى، وأجزأته الجمعة، وإدراك الركعة أن يدرك الرجل قبل رفع رأسه من الركعة فيركع معه، ويسجد فإن أدركه، وهو راكع فكبر ثم لم يركع معه حتى يرفع الإمام رأسه من الركعة، ويسجد معه لم يعتد بتلك الركعة، وصلى الظهر أربعا.
(قال الشافعي) :
وإن ركع، وشك في أن يكون تمكن راكعا قبل أن يرفع الإمام رأسه لم يعتد بتلك الركعة وصلى الظهر أربعا إذا لم يدرك معه ركعة غيرها.
(قال الشافعي) :
وإن ركع مع الإمام ركعة، وسجد سجدتين ثم شك في أن يكون سجد سجدتين مع الإمام أو سجدة سجد سجدة، وصلى ثلاث ركعات حتى يكمل الظهر أربعا لأنه لا يكون مدركا لركعة بكمالها إلا بأن يسجد سجدتين وكذلك لو أدرك مع الإمام ركعة ثم أضاف إليها أخرى ثم شك في سجدة لا يدري أهي من الركعة التي كانت مع الإمام أم الركعة التي صلى لنفسه كان مصليا ركعة، وقاضيا ثلاثا، ولا يكون له جمعة حتى يعلم أن قد صلى مع الإمام ركعة بسجدتين
[الرجل يركع مع الإمام ولا يسجد معه يوم الجمعة وغيرها]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المأمومين أن يركعوا إذا ركع الإمام، ويتبعوه في عمل الصلاة فلم يكن للمأموم أن يترك اتباع الإمام في عمل الصلاة
(قال الشافعي) :
«وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بعسفان فركع، وركعوا، وسجد فسجدت طائفة، وحرسته أخرى حتى قام من سجوده ثم تبعته بالسجود مكانها حين قام»
(قال الشافعي) :
فكان بينا، والله تعالى أعلم في سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على المأموم اتباع الإمام ما لم يكن للمأموم عذر يمنعه اتباعه، وأن له إذا كان له عذر أن يتبعه في وقت ذهاب العذر
(قال الشافعي) :
فلو أن رجلا مأموما في الجمعة ركع مع الإمام ثم زحم فلم يقدر على السجود بحال حتى قضى الإمام سجوده تبع الإمام إذا قام الإمام فأمكنه أن يسجد سجد وكان مدركا للجمعة إذا صلى الركعة التي بقيت عليه، وهكذا لو حبسه حابس من مرض لم يقدر معه على السجود أو سهو أو نسيان أو عذر ما كان.
(قال الشافعي) :
وإن كان إدراكه الركعة الآخرة، وسلم الإمام قبل يمكنه السجود سجد وصلى الظهر أربعا لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة بكمالها.
(قال الشافعي) :
وإن أدرك الأولى، ولم يمكنه السجود حتى ركع الإمام الركعة الثانية لم يكن له أن يسجد للركعة الأولى إلا أن يخرج من إمامة الإمام فإن سجد خرج من إمامة الإمام لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سجدوا للركعة التي وقفوا عن السجود لها بالعذر بالحراسة قبل الركعة الثانية
(قال الشافعي) :
ويتبع الإمام فيركع معه، ويسجد، ويكون مدركا معه الركعة، ويسقط عنه واحدة، ويضيف إليها أخرى ولو ركع معه، ولم يسجد حتى سلم الإمام سجد سجدتين، وكان مصليا ركعة، ويبني عليها ثلاثا لأنه لم يأت مع الإمام بركعة بكمالها.
(قال الشافعي) :
فإن أمكنه أن يسجد على ظهر رجل فتركه بغير عذر خرج من صلاة الإمام فإن صلى لنفسه أجزأته ظهرا، وإن لم يفعل، وصلى مع الإمام أعاد الظهر، ولا يكون له أن يمكنه مع الإمام ركوع ولا سجود فيدعه بغير عذر ولا سهو إلا خرج من صلاة الإمام، ولو جاز أن يكون رجل خلف الإمام يمكنه الركوع، والسجود، ولا عذر له لم يكن به غير خارج من صلاة الإمام جاز أن يدع ذلك ثلاث ركعات، ويركع في الرابعة فيكون كمبتدئ الصلاة حين ركع، وسجد معه، ويدع ذلك أربع ركعات ثم يركع، ويسجد فيتبع الإمام في الركعة التي قبل سجوده.
(قال الشافعي) :
ولو سها عن ركعة اتبع الإمام ما لم يخرج الإمام من صلاته بالركوع والسجود أو يركع الإمام ثانية فإذا ركع ثانية ركعها معه، وقضى التي سها عنها، ولو خرج الإمام من صلاته، وسها عن ثلاث ركعات، وقد جهر الإمام في ركعتين ركع وسجد بلا قراءة،
واجتزأ بقراءة الإمام في ركعة في قول من قال: لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه الإمام ثم قرأ لنفسه فيما بقي ولم يجزه غير ذلك، ولو كان فيما يخافت فيه الإمام فإن كان قرأ اعتد بقراءته في ركعة وإن لم يكن قرأ لم يعتد بها، ويقرأ فيما بقي بكل حال لا يجزئه غير ذلك
[الرجل يرعف يوم الجمعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا دخل الرجل في صلاة الإمام يوم الجمعة حضر الخطبة أو لم يحضرها فسواء فإن رعف الرجل الداخل في صلاة الإمام بعد ما يكبر مع الإمام فخرج يسترعف فأحب الأقاويل إلي فيه أنه قاطع للصلاة، ويسترعف، ويتكلم فإن أدرك مع الإمام ركعة أضاف إليها أخرى، وإلا صلى الظهر أربعا، وهذا قول المسور بن مخرمة، وهكذا إن كان بجسده أو ثوبه نجاسة فخرج فغسلها، ولا يجوز أن يكون في حال لا تحل فيها الصلاة ما كان بها ثم يبني على صلاته، والله تعالى أعلم
(قال الشافعي) :
وإن رجع وبنى على صلاته رأيت أن يعيد، وإن استأنف صلاته بتكبيرة افتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة.
[رعاف الإمام وحدثه]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أصل ما نذهب إليه أن صلاة الإمام إذا فسدت لم تفسد صلاة من خلفه فإذا كبر الإمام يوم الجمعة ثم رعف أو أحدث فقدم رجلا أو تقدم الرجل بغير أمره بأمر الناس أو غير أمرهم، وقد كان المتقدم دخل في صلاة الإمام المحدث قبل أن يحدث كان الإمام المقدم الآخر يقوم مقام الإمام الأول، وكان له أن يصلي بهم ركعتين، وتكون له ولهم الجمعة.
(قال الشافعي) :
ولو دخل المتقدم مع الإمام في أول صلاته أو بعد ما صلى ركعة فرعف الإمام قبل الركوع أو بعده وقبل السجود فانصرف، ولم يقدموا أحدا فصلوا وحدانا فمن أدرك منهم مع الإمام ركعة بسجدتين أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة، ومن لم يدرك ركعة بسجدتين كاملتين صلى الظهر أربعا.
(قال الشافعي) :
ولو أن الإمام يوم الجمعة رعف فخرج، ولم يركع ركعة، وقدم رجلا لم يدرك التكبيرة فصلى بهم ركعتين أعادوا الظهر أربعا لأنه ممن لم يدخل معه في الصلاة حتى خرج الإمام من الإمامة، وهذا مبتدئ ظهرا أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ولو صلى الإمام بهم جنبا أو على غير وضوء الجمعة أجزأتهم، وكان عليه أن يعيد ظهرا أربعا لنفسه.
(قال الشافعي) :
ولو أعاد الخطبة ثم صلى بطائفة الجمعة لم يكن له ذلك، وكان عليه أن يعود فيصلي ظهرا أربعا،
(قال الشافعي) :
فإن فعل فذكر وهو في الصلاة أن عليه الظهر فوصلها ظهرا فقد دخلها بغير نية صلاة أربع فأحب إلي أن يبتدئ الظهر أربعا، وقد يخالف المسافر يفتتح ينوي القصر ثم يتم لأنه كان للمسافر أن يقصر، ويتم، والمسافر نوى الظهر بعينها فهو داخل في نية فرض الصلاة والمصلي الجمعة لم ينو الظهر بحال إنما نوى الجمعة التي فرضها ركعتان إذا كانت جمعة، والذي ليس له أن يصليها جمعة أربعا فإن أتمها ظهرا أربعا رجوت أن لا يضيق عليه إن شاء الله تعالى، وما أحب أن يفعل ذلك بحال، وإنما لم يتبين لي إيجاب الإعادة عليه لأن الرجل قد يدخل مع الإمام ينوي الجمعة، ولا يكمل له ركعة فتجري عليه أن يبني على صلاته مع الإمام ظهرا، وإن كان هذا قد يخالفه في أنه مأموم تبع الإمام لم يؤت من نفسه، والأول إمام عمد فعل نفسه، ولو أحدث الإمام الذي خطب بعد ما كبر فقدم رجلا كبر معه، ولم يدرك الخطبة فصلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا أدرك معه الركعة صلى ركعة ثانية فكانت له ولمن أدرك معه الركعة الأخيرة جمعة، وإن قدم رجلا لم يدرك معه الركعة الأولى، وقد كبر معه صلى بهم ركعة ثم تشهد، وقدم من أدرك أول الصلاة فسلم، وقضى لنفسه ثلاثا لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة حتى صار إمام نفسه وغيره.
(قال الشافعي) :
وإذا رعف الإمام أو أحدث أو ذكر أنه جنب أو على غير وضوء فخرج يسترعف أو يتطهر ثم رجع استأنف الصلاة، وكان كالمأموم غيره فإن أدرك مع الإمام المقدم بعده ركعة أضاف إليها أخرى، وكانت له جمعة، وإن لم يدرك معه ركعة صلى الظهر أربعا
[التشديد في ترك الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من ترك الجمعة من غير ضرورة كتب منافقا في كتاب لا يمحى، ولا يبدل» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد الضمري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: «لا يترك أحد الجمعة ثلاثا تهاونا بها إلا طبع الله على قلبه» (قال الشافعي) : في بعض الحديث ثلاثا ولاء
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح بن كيسان عن عبيدة بن سفيان قال: سمعت عمرو بن أمية الضمري يقول: لا يترك رجل مسلم الجمعة ثلاثا تهاونا بها لا يشهدها إلا كتب من الغافلين.
(قال الشافعي) : حضور الجمعة فرض فمن ترك الفرض تهاونا كان قد تعرض شرا إلا أن يعفو الله كما لو أن رجلا ترك صلاة حتى يمضي وقتها كان قد تعرض شرا إلا أن يعفو الله.
[ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
بلغنا عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإني أبلغ وأسمع» قال، ويضعف فيه الصدقة، وليس مما خلق الله من شيء فيما بين السماء والأرض يعني غير ذي روح إلا وهو ساجد لله تعالى في عشية الخميس ليلة الجمعة فإذا أصبحوا فليس من ذي روح إلا روحه روح في حنجرته مخافة إلى أن تغرب الشمس فإذا غربت الشمس أمنت الدواب، وكل شيء كان فزعا منها غير الثقلين
(قال الشافعي) :
وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أقربكم مني في الجنة أكثركم علي صلاة فأكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء، واليوم الأزهر» .
(قال الشافعي) :
يعني، والله تعالى أعلم يوم الجمعة
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا كان يوم الجمعة، وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة» (قال الشافعي) : وبلغنا أن من قرأ سورة الكهف وقي فتنة الدجال
(قال الشافعي) :
وأحب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حال، وأنا في يوم الجمعة، وليلتها أشد استحبابا، وأحب قراءة الكهف ليلة الجمعة، ويومها لما جاء فيها.
[ما جاء في فضل الجمعة]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني موسى بن عبيدة قال: حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول: «أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هذه؟ فقال هذه الجمعة فضلت بها أنت، وأمتك فالناس لكم فيها تبع اليهود، والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا جبريل، وما يوم المزيد؟
فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس، واديا أفيح فيه كثب مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، والصديقين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت، والزبرجد عليها الشهداء، والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله عز وجل أنا ربكم قد صدقتكم، وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول الله عز وجل قد رضيت عنكم، ولكم ما تمنيتم، ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك اسمه على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد عن أنس بن مالك شبيها به.وزاد عليه «، ولكم فيه خير من دعا فيه بخير هو له قسم أعطيه فإن لم يكن له قسم ذخر له ما هو خير منه» ، وزاد أيضا فيه أشياء. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد عن أبيه عن جده «أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقال: يا رسول الله أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خمس خلال فيه خلق آدم، وفيه أهبط الله عز وجل آدم - عليه السلام - إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله تعالى إياه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض، ولا جبل إلا وهو مشفق من يوم الجمعة»
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها إنسان مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يقللها» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله تبارك وتعالى آدم - عليه السلام -، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه» .
قال أبو هريرة قال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت له: وكيف تكون آخر ساعة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي "، وتلك ساعة لا يصلى فيها؟
فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟» قال: فقلت بلى قال: فهو ذلك.
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «سيد الأيام يوم الجمعة»
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبي أن ابن المسيب قال: أحب الأيام إلي أن أموت فيه ضحى يوم الجمعة.
[السهو في صلاة الجمعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
والسهو في صلاة الجمعة كالسهو في غيرها، فإن سها الإمام فقام في موضع الجلوس عاد فجلس، وتشهد، وسجد للسهو
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (34)
صــــــــــ 240 الى صـــــــــــ245
[كتاب صلاة الخوف]
، وهل يصليها المقيم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح} [النساء: 101] الآية
(قال الشافعي) :
فأذن الله عز وجل بالقصر في الخوف، والسفر وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان فيهم يصلي لهم صلاة الخوف أن يصلي فريق منهم بعد فريق فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر، والمقيم بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
فللمسافر، والمقيم إذا آن الخوف أن يصليها صلاة الخوف، وليس للمقيم أن يصليها إلا بكمال عدد صلاة المقيم، وللمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر، وإن أتم فصلاته جائزة، وأختار له القصر. .
[كيفية صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى} [النساء: 102] الآية، أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع «صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وطائفة، وجاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا، وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم»
(قال الشافعي) :
وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الحديث أو مثل معناه لا يخالفه
(قال الشافعي) :
فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن يصلي الإمام بطائفة فإذا سجد كانوا من ورائه، وجاءت طائفة أخرى لم يصلوا فصلوا معه، واحتمل قول الله عز وجل " فإذا سجدوا " إذا سجدوا ما عليهم من سجود الصلاة كله، ودلت على ذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع دلالة كتاب الله عز وجل فإنه ذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة، ولم يذكر على واحد منهما قضاء
(قال الشافعي) :
ورويت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف حديث صالح بن خوات أوفق ما يثبت منها لظاهر كتاب الله عز وجل فقلنا به
(قال الشافعي) :
فإذا صلى الإمام صلاة الخوف صلى كما وصفت بدلالة القرآن ثم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
فإذا صلى بهم صلاة الخوف مسافر فكل طائفة هكذا يصلي بالطائفة الأولى ركعة ثم يقوم فيقرأ فيطيل القراءة، وتقرأ الطائفة الأولى لأنفسها لا يجزيها غير ذلك لأنها خارجة من إمامته بأم القرآن وسورة إلى القصر، وتخفف ثم تركع، وتسجد، وتتشهد، وتكمل حدودها كلها وتخفف ثم تسلم فتأتي الطائفة الثانية فيقرأ الإمام بعد إتيانهم قدر أم القرآن وسورة قصيرة لا يضره أن لا يبتدئ أم القرآن إذا كان قد قرأ في الركعة التي أدركوها بعد أم القرآن ثم يركع، ويركعون معه، ويسجد فإذا انقضى السجود قاموا فقرءوا لأنفسهم بأم القرآن، وسورة قصيرة، وخففوا ثم جلسوا معه، وجلس قدر ما يعلمهم قد تشهدوا، ويحتاط شيئا حتى يعلم أن أبطأهم تشهدا قد أكمل التشهد أو زاد ثم يسلم بهم، ولو كان قرأ أم القرآن، وسورة قبل أن يدخلوا معه ثم ركع بهم حين يدخلون معه قبل أن يقرأ أو يقرءوا شيئا أجزأه، وأجزأهم ذلك، وكانوا كقوم أدركوا ركعة مع الإمام، ولم يدركوا قراءته، وأحب إلي أن يقرءوا بعدما يكبرون معه كما تقدم بأم القرآن، وسورة خفيفة فإذا كانت الصلاة التي يصليها بهم الإمام مما لا يجهر الإمام فيها بالقراءة لم يجز الطائفة الأولى إلا أن تقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن أو أم القرآن، وزيادة معها إذا أمكنهم أن يقرءوا، ولم يجز الطائفة الثانية إذا أدركت مع الإمام ما يمكنها فيه قراءة أم القرآن إلا أن تقرأ بأم القرآن أو أم القرآن وشيء معها بكل حال.
(قال الشافعي) :
وإذا كانت صلاة الخوف في الحضر لا يجهر فيها لم يجز واحدة من الطائفتين ركعة لا يقرأ فيها بأم القرآن إلا من أدرك الإمام في أول ركعة له في وقت لا يمكنه فيه أن يقرأ بأم القرآن
(قال الشافعي) :
وإذا كانت صلاة خوف أو غير خوف يجهر فيها بأم القرآن فكل ركعة جهر فيها بأم القرآن ففيها قولان: أحدهما لا يجزئ من صلى معه إذا أمكنه أن يقرأ إلا أن يقرأ بأم القرآن، والثاني يجزئه أن لا يقرأ، ويكتفي بقراءة الإمام، وإذا كانت الصلاة أربعا أو ثلاثا لم يجزه في واحد من القولين في الركعتين الآخرتين أو الركعة الآخرة إلا أن يقرأ بأم القرآن أو يزيد، ولا يكتفي بقراءة الإمام.
(قال الشافعي) :
وإذا صلى الإمام بالطائفة الأولى فقرأ السجدة فسجد، وسجدوا معه ثم جاءت الطائفة الثانية لم يسجدوا تلك السجدة لأنهم لم يكونوا في صلاة كما لو قرأ في الركعة الآخرة بسجدة فسجدت الطائفة الآخرة لم يكن على الأولى أن تسجد معهم لأنهم ليسوا معه في صلاة.انتظار الإمام الطائفة الثانية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا صلى الإمام مسافرا المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين فإن قام، وأتموا لأنفسهم فحسن، وإن ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم ثم قام فصلى الركعة الباقية عليه بالذين خلفه الذين جاءوا بعد فجائز إن شاء الله تعالى، وأحب الأمرين إلي أن يثبت قائما لأنه إنما حكي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبت قائما» ، وإنما اخترت أن يطيل في القراءة لتدرك الركعة معه الطائفة الثانية لأنه إنما حكيت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوف ركعتين، ولم تحك المغرب ولا صلاة خوف في حضر إلا بالخندق قبل أن تنزل صلاة الخوف فكان قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه في موضع قيام حين قضي السجود، ولم يكن له جلوس فيكون في موضع جلوس
(قال الشافعي) :
فإذا كان يصلي بالطائفة المغرب ركعتين ثم تأتي الأخرى فيصلي بها ركعة، وإنما قطعت الأولى إمامة الإمام، وصلاتهم لأنفسهم في موضع جلوس الإمام فيجوز أن يجلس كما جاز للإمام وكان عليه أن يقوم إذا قطعوا إمامته في موضع قيام.
(قال الشافعي) :
وهكذا إذا صلى بهم صلاة الخوف في حضر أو سفر أربعا فله أن يجلس في مثنى حتى يقضي من خلفه صلاتهم، ويكون في تشهد وذكر الله تعالى ثم يقوم فيتم بالطائفة الثانية
(قال الشافعي) :
ولو صلى المغرب فصلى بالطائفة الأولى ركعة، وثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم صلى بالثانية ركعتين أجزأه إن شاء الله تعالى، وأكره ذلك له لأنه إذا كان معه في الصلاة فرقتان صلاة إحداهما أكثر من صلاة الأخرى فأولاهما أن يصلي الأكثر مع الإمام الطائفة الأولى، ولو أن الإمام صلى صلاة عددها ركعتان في خوف فصلى بالأولى ركعة ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم ثم قام بالطائفة التي خلفه ركعة فإن كان جلوسه لسهو فصلاته وصلاة من خلفه تامة، ويسجد للسهو، وإن كان جلوسه لعلة فصلاتهم جائزة لا سجود للسهو عليه، وإن كان لغير علة، ولا سهو فجلس قليلا لم تفسد صلاته، وإن جلس فأطال الجلوس فعليه عندي إعادة الصلاة فإن جاءت الطائفة الأخرى، وهو جالس فقام، فأتم بهم، وهو قائم فمن كان منهم عالما بإطالة الجلوس لغير علة، ولا سهو ثم دخل معه فعليه عندي الإعادة لأنه عالم بأنه دخل معه، وهو عالم أن الإمام قد خرج من الصلاة، ولم يستأنف تكبير افتتاح يستأنف به الصلاة كما يكون على من علم أن رجلا افتتح الصلاة بلا تكبير أو صنع فيها شيئا يفسدها، وصلى وراءه أن يقضي صلاته،
ومن لم يعلم ما صنع ممن صلى وراءه من الطائفة فصلاته تامة كما يكون من صلى خلف رجل على غير وضوء أو مفسد لصلاته بلا علم منه تام الصلاة " قال أبو محمد: وفيها قول آخر إذا كان الإمام قد أفسد الصلاة عامدا فصلاة من خلفه، علم بإفسادها أو لم يعلم باطلة لأنا إنما أجزنا صلاته خلف الإمام لم يعمد فسادها لأن عمر قضى، ولم يقض الذين صلوا خلفه وعمر إنما قضى ساهيا "
(قال الشافعي) :
فإن قيل: وقد لا يكون عالما بأن هذا يفسد صلاة الإمام قيل: وكذلك لا يكون عالما بأن ترك الإمام التكبير للافتتاح وكلامه يفسد صلاته ثم لا يكون معذورا بأن يصلي وراءه إذا فعل بعض هذا
(قال الشافعي) :
ولا تفسد صلاة الطائفة الأولى لأنهم خرجوا من صلاة الإمام قبل أن يحدث ما يفسدها، ولو كان كبر قائما تكبيرة ينوي بها الافتتاح بعد جلوسه تمت صلاة الطائفة الأولى لأنهم خرجوا من صلاته قبل يفسدها، والطائفة الثانية لأنهم لم يدخلوا في صلاته حتى افتتح صلاة مجزئة عنه، وأجزأت عنه هذه الركعة، وعمن خلفه.
(قال الشافعي) :
ولو صلى إمام صلاة الخوف في الحضر ففرق الناس أربع فرق فصلى بفرقة ركعة، وثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم فرقة ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم فرقة ركعة، وثبت جالسا،
وأتموا لأنفسهم كان فيها قولان: أحدهما أنه أساء، ولا إعادة عليه، ولا على من خلفه والثاني أن صلاة الإمام تفسد، وتتم صلاة الطائفة الأولى لأنها خرجت من صلاته قبل تفسد صلاته، وكذلك صلاة الطائفة الثانية لأنها خرجت من قبل فساد صلاته لأن له في الصلاة انتظارا واحدا بعده آخر، وتفسد صلاة من علم من الطائفتين الأخريين ما صنع وأتم به بعد علمه، ولا تفسد صلاة من لم يعلم ما صنع، ولا يكون له أن ينتظر في الصلاة إلا انتظارين، الآخر منهما، وهو جالس فيسلم منه.
(قال الشافعي) :
وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات، وطائفة ركعة كرهت ذلك له، ولا تفسد صلاته، ولا صلاتهم لأنه إذا كان للطائفة الأولى أن تصلي معه ركعتين، وتخرج من صلاته كانت إذا صلت ثلاثا، وخرجت من صلاته قد خرجت بعدما زادت، وإن ائتمت به في ركعة من فرض صلاتها لم تفسد صلاة الإمام أنه انتظر انتظارا واحدا، وتمت صلاة الطائفة الآخرة، وعليه وعلى الطائفة الآخرة سجود السهو لأنه وضع الانتظار في غير موضعه.
(قال الشافعي) :
فالإمام يصلي بالطائفة الأولى في المغرب ركعة،
وبالثانية ركعتين قال: لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالطائفة الأولى في السفر صلاة المغرب ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالطائفة الثانية ركعة، وتشهد» فكان انتظاره الطائفة الثانية أكثر من انتظاره الطائفة الأولى.
[تخفيف القراءة في صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
، ويقرأ الإمام في صلاة الخوف بأم القرآن، وسورة قدر {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] ، وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب، وثقل السلاح، ولو قرأ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] في الركعة الأولى أو قدرها من القرآن لم أكره ذلك له، وإذا قام في الركعة الثانية، ومن خلفه يقضون قرأ بأم القرآن، وسورة طويلة، وإن أحب جمع سورا حتى يقضي من خلفه صلاتهم تفتتح الطائفة الأخرى خلفه، ويقرأ بعد افتتاحهم أقل ذلك قدر أم القرآن، ويحتاط إذا كان مما لا يجهر فيه ليقرءوا بأم القرآن، ولو زاد في قراءته ليزيدوا على أم القرآن كان أحب إلي
(قال الشافعي) :
فإن لم يفعل فافتتحوا معه وأدركوه راكعا كما أجزأه، وأجزأتهم صلاتهم وكانوا كمن أدرك ركعة في أول صلاته مع الإمام.
(قال الشافعي) :
ويقنت في صلاة الصبح في صلاة الخوف، ولا يقنت في غيرها لأنه لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في صلاة الخوف قنوته في غيرها، وإن فعل فجائز لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قنت في الصلوات عند قتل أهل بئر معونة»
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل كيف صارت الركعة الآخرة في صلاة الخوف أطول من الأولى، وليست كذلك في غير صلاة الخوف؟ قيل بدلالة كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتفريق الله عز وجل بين صلاة الخوف وغيرها من الصلوات فليس للمسألة عن خلاف الركعة الآخرة من صلاة الخوف الركعة الآخرة من غيرها إلا جهل من سأل عنها أو تجاهله وخلاف جميع صلاة الخوف لسائر الصلوات أكثر من خلاف ركعة منها لركعة من سائر الصلوات.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (35)
صــــــــــ 246 الى صـــــــــــ250
[السهو في صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
السهو في صلاة الخوف والشك كسهو في غيرها من الصلوات فيصنع ما يصنع في غير صلاة الخوف فإذا سها الإمام في الركعة الأولى انبغى أن يشير إلى من خلفه ما يفهمون به أنه سها فإذا قضوا الركعة التي بقيت عليهم، وتشهدوا سجدوا لسهو الإمام، وسلموا، وانصرفوا
(قال الشافعي) :
وإن أغفل الإشارة إليهم وعلموا سهوه، وسجدوا لسهوه، وإن أغفلها، ولم يعلموا فانصرفوا ثم علموا، فإن كان قريبا عادوا فسجدوا، وإن تباعد ذلك لم يعودوا للسجود
(قال الشافعي) :
وإن لم يعلموا حتى صفوا، وجاء العدو، وجاءت الطائفة الأخرى ليصلوا فقد بعد ذلك، وأحدثوا عملا بعد الصلاة بصفهم، وصاروا حرسا لغيرهم فلا يجوز لهم أن يخلوا بغيرهم،
ومن قال: يعيد من ترك سجود السهو، أمرهم بالإعادة، ولا أرى بينا أن واجبا على أحد ترك سجود السهو أن يعود للصلاة.
(قال الشافعي) :
ولو سها الإمام سهوا ثم سها بعده مرة أو مرارا أجزأتهم سجدتان لذلك كله، وإن تركوهما عامدين أو جاهلين لم يبن أن يكون عليهم أن يعيدوا الصلاة.
(قال الشافعي) :
وإن لم يسه الإمام وسهوا هم بعد الإمام سجدوا لسهوهم.
(قال الشافعي) :
وإذا سها الإمام في الركعة الأولى ثم صلت الطائفة الآخرة سجدوا معه للسهو حين يسجد ثم قاموا فأتموا لأنفسهم ثم عادوا، وسجدوا عند فراغهم من الصلاة لأن ذلك موضع لسجود السهو، وإن لم يفعلوا كرهت ذلك لهم، ولا يبين أن يكون على إمام، ولا مأموم، ولا على أحد صلى منفردا فترك سجود السهو ما كان السهو نقصا من الصلاة، وزيادة فيها إعادة صلاة لأنا قد عقلنا أن فرض عدد سجود الصلاة معلوم فيشبه أن يكون سجود السهو معه كالتسبيح في الركوع، والسجود، والقول عند الافتتاح، وسجود السهو كله سواء، يجب في بعضه ما يجب في كله.
[باب ما ينوب الإمام في صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأذن الله تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين: أحدهما الخوف الأدنى، وهو قول الله عز وجل {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [النساء: 102] الآية، والثاني الخوف الذي أشد منه، وهو قول الله تبارك وتعالى {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: 239] فلما فرق الله بينهما، ودلت السنة على افتراقهما لم يجز إلا التفريق بينهما والله تعالى أعلم لأن الله عز وجل فرق بينهما لافتراق الحالين فيهما
(قال الشافعي) :
وإذا صلى الإمام في الخوف الأول صلاة الخوف فصلى بهم صلاة لا يجوز لهم أن يعملوا فيها شيئا غير الصلاة لا يعملونه في صلاة غير الخوف فإن عملوا غير الصلاة ما يفسد صلاة غير صلاة الخوف لو عملوه فسدت عليهم صلاتهم.
(قال الشافعي) :
فإن صلى الإمام بطائفة ركعة وثبت قائما، وقاموا يتمون لأنفسهم فحمل عليهم عدو أو حدث لهم حرب فحملوا على العدو منحرفين عن القبلة بأبدانهم ثم أمنوا العدو بعد فقد قطعوا صلاتهم، وعليهم استئنافها، وكذلك لو فزعوا فانحرفوا عن القبلة لغير قتال، ولا خروج من الصلاة، وهم ذاكرون لأنهم في صلاة حتى يستدبروا القبلة استأنفوا
(قال الشافعي) :
ولو حملوا عليهم مواجهي القبلة قدر خطوة فأكثر كان قطعا للصلاة بنية القتال فيها وعمل الخطوة.
(قال الشافعي) :
وكذلك لو حمل العدو عليهم فتهيئوا بسلاح أو بترس أو ما أشبهه كان قطعا للصلاة بالنية مع العمل في دفع العدو، ولو حمل عليهم فخافوا فنووا الثبوت في الصلاة، وأن لا يقاتلوا حتى يكملوا أو يغشوا أو تهيئوا بالشيء الخفيف لم يكن هذا قطعا للصلاة لأنهم لم يحدثوا نية لقتال مع التهيؤ، والتهيؤ خفيف يجوز في الصلاة، ولا يكون قطعا لها، وإنما نووا إن كان قتال أن يحدثوا قتالا لا أن قتالا حضر، ولا خافوه فنووه مكانهم، وعملوا مع نيته شيئا.
(قال الشافعي) :
ولو أن عدوا حضر فتكلم أحدهم بحضوره، وهو ذاكر لأنه في صلاة كان قاطعا لصلاته، وإن كان ناسيا للصلاة فله أن يبني ويسجد للسهو.
(قال الشافعي) :
وإذا أحدثوا عند حادث أو غيره نية قطع الصلاة أو نية القتال مكانهم كانوا قاطعين للصلاة فأما أن يكونوا على نية الصلاة ثم ينوون إن حدث إطلال عدو أن يقاتلوه فلا يحدث إطلاله فلا يكون هذا قطعا للصلاة
(قال الشافعي) :
وأيهم أحدث شيئا مما وصفته يقطع الصلاة دون غيره كان قاطعا للصلاة دون من لم يحدثه فإن أحدث ذلك الإمام فسدت عليه صلاته، ومن ائتم به بعدما أحدث، وهو عالم بما أحدث ولم تفسد صلاة من ائتم به، وهو لا يعلم ما أحدث
(قال الشافعي) :
ولو قدموا إماما غيره فصلى بهم أجزأهم إن شاء الله تعالى وأن يصلوا فرادى أحب إلي، وكذلك هو أحب إلي في كل ما أحدثه الإمام
(قال الشافعي) :
وصلاة الخوف الذي هو أشد من هذا رجالا وركبانا، موضوع في غير هذا الموضع مخالف لهذه الصلاة في بعض أمره.إذا كان العدو وجاه القبلة
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا الثقة عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الخوف بعسفان، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، وهم بينه، وبين القبلة فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه فلما رفعوا سجد الآخرون مكانهم ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -»
(قال الشافعي) :
أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال: صلاة الخوف نحو مما يصنع أمراؤكم. يعني، والله تعالى أعلم هكذا
(قال الشافعي) :
الموضع الذي كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى هذه الصلاة والعدو صحراء ليس فيها شيء يواري العدو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان العدو مائتين على متون الخيل طليعة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في ألف وأربعمائة، وكان لهم غير خائف لكثرة من معه، وقلة العدو فكانوا لو حملوا أو تحرفوا للحمل لم يخف تحرفهم عليه، وكانوا منه بعيدا لا يغيبون عن طرفه، ولا سبيل لهم إليه يخفى عليهم فإذا كان هذا مجتمعا صلى الإمام بالناس هكذا، وهو أن يصف الإمام، والناس وراءه فيكبر، ويكبرون معا، ويركع، ويركعون معا ثم يرفع فيرفعون معا ثم يسجد فيسجدون معا إلا صفا يليه أو بعض صف ينظرون العدو لا يحمل أو ينحرف إلى طريق يغيب عنه، وهو ساجد فإذا رفع الإمام، ومن سجد معه من سجودهم كله ونهضوا سجد الذين قاموا ينظرون الإمام ثم قاموا معه ثم ركع، وركعوا معا، ورفع، ورفعوا معا، وسجد، وسجد معه الذين سجدوا معه أولا إلا صفا يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين جلسوا للتشهد فسجد الذين حرسوا ثم تشهدوا، وسلم الإمام، ومن خلفه معا.
(قال الشافعي) :
فإن خاف الذين يحرسون على الإمام فتكلموا أعادوا الصلاة، ولا بأس أن يقطع الإمام، وهم إن خافوا معا.
(قال الشافعي) :
وإن صلى الإمام هذه الصلاة فاستأخر الصف الذي حرسه إلى الصف الثاني وتقدم الصف الثاني فحرسه فلا بأس، وإن لم يفعلوا فواسع، ولو حرسه صف واحد في هذه الحال رجوت أن تجزئهم صلاتهم، ولو أعادوا الركعة الثانية كان أحب إلي
(قال الشافعي) :
وإذا كان ما وصفت مجتمعا من قلة العدو، وكثرة المسلمين، وما وصفت من البلاد، فصلى الإمام مثل صلاة الخوف يوم ذات الرقاع "، ومن معه كرهت ذلك له، ولم يبن أن على أحد ممن خلفه إعادة ولا عليه.
(قال الشافعي) :
وإن صلى الإمام صلاة الخوف فصلى بطائفة ركعة، وانحرفت قبل أن تتم فقامت بإزاء العدو ثم صلت الأخرى ركعة ثم انحرفت فوقفت بإزاء العدو قبل أن تتم، وهما ذاكرتان لأنهما في صلاة، كان فيها قولان، أحدهما أن يعيدا معا لانحرافهم عن القبلة قبل أن يكملا الصلاة
(قال الشافعي) :
ولو أن الطائفة الأخرى صلت مع الإمام ركعة ثم أتمت صلاتها وفسدت صلاة الأولى التي انحرفت عن القبلة قبل أن تكمل الصلاة في هذا القول، ومن قال هذا طرح الحديث الذي روي هذا فيه بحديث غيره
(قال الشافعي) :
والقول الثاني أن هذا كله جائز، وأنه من الاختلاف المباح فكيفما صلى الإمام، ومن معه على ما روي أجزأه، وإن اختار بعضه على بعض
(قال الشافعي) :
وكذلك لو كانت الطائفة الأولى أكملت صلاتها قبل أن تنحرف، ولم تكمل الثانية حتى انحرفت عن القبلة أجزأت الطائفة الأولى صلاتها، ولم تجزئ الطائفة الثانية التي انحرفت قبل أن تكمل في القول الأول
(قال الشافعي) :
ويجزئ الإمام في كل ما وصفت صلاته لأنه لم ينحرف عن القبلة حتى أكمل.
(قال الشافعي) :
ولو صلى الإمام كصلاة الخوف " يوم ذات الرقاع " فانحرف الإمام عن القبلة قبل أن يكمل الصلاة أو صلاها صلاة خوف أو غيره فانحرف عن القبلة، وهو ذاكر لأنه لم يكمل الصلاة استأنف الصلاة
(قال الشافعي) :
أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الظهر صلاة الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين، وسلم ثم صلى بأخرى ركعتين ثم سلم»
(قال الشافعي) :
وإن صلى الإمام صلاة الخوف هكذا، أجزأ عنه
(قال الشافعي) :
وهذا في معنى صلاة معاذ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العتمة ثم صلاها بقومه.
(قال الشافعي) : ويدل على أن نية المأموم أن صلاته لا تفسد عليه بأن تخالف نيته نية الإمام فيها، وإن صلى الإمام صلاة الخوف بطائفة ركعة ثم سلموا، ولم يسلم ثم صلى الركعة التي بقيت عليه بطائفة ركعة ثم سلم، وسلموا فصلاة الإمام تامة، وعلى الطائفتين معا الإعادة إذا سلموا ذاكرين لأنهم في صلاة " قال أبو يعقوب "، وإن رأوا أن قد أكملوا الصلاة بنى الآخرون، وسجدوا للسهو، وأعاد الأولون لأنه قد تطاول خروجهم من الصلاة.
(قال الشافعي) :، وعلى المأموم من عدد الصلاة ما على الإمام لا يختلفان فيما على
كل واحد منهما من عددها وليس يثبت حديث روي في صلاة الخوف بذي قرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي في الإملاء قال: ويصلي صلاة الخوف في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين فإذا صلاها في السفر، والعدو في غير جهة القبلة فرق الناس فرقتين فريقا بإزاء العدو في غير الصلاة وفريقا معه فيصلي بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما فيقرأ فيطيل القراءة، ويقرأ الذين خلفه لأنفسهم بأم القرآن وسورة ويركعون، ويسجدون، ويتشهدون، ويسلمون معا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثم يأتي أولئك فيدخلون مع الإمام، ويكبرون مع الإمام تكبيرة يدخلون بها معه في الصلاة ويقرأ الإمام بعد دخولهم معه قدر أم القرآن، وسورة من حيث انتهت قراءته لا يستأنف أم القرآن بهم، ويسجد، ويثبت جالسا يتشهد، ويذكر الله، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو، ويقومون هم إذا رفع رأسه من السجود فيقرءون بأم القرآن، وسورة ثم يركعون ويسجدون، ويجلسون مع الإمام، ويزيد الإمام في الذكر بقدر ما أن يقضوا تشهدهم ثم يسلم بهم، وإن صلى بهم صلاة المغرب صلى بهم الركعة الأولى ثم يثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، وجاءت الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، وثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم الركعة التي سبقوا بها ثم يسلم بهم، وصلاة المغرب، والصبح في الحضر والسفر سواء فإن صلى ظهرا أو عصرا أو عشاء صلاة خوف في حضر صنع هكذا إلا أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، ويثبت جالسا حتى يقضوا الركعتين اللتين بقيتا عليهم وتأتي الطائفة الأخرى فإذا جاءت فكبرت نهض قائما فصلى بهم الركعتين الباقيتين عليه وجلس حتى يتموا ليسلم بهم
(قال الشافعي) :
وإنما قلنا ثبت جالسا قياسا على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه لم يحك عنه في شيء من الحديث صلاة الخوف إلا في السفر فوجدت الحكاية كلها متوقفة على أن صلى بالطائفة الأولى ركعة، وثبت قائما، ووجدت الطائفة الأولى لم تأتم به خلفه إلا في ركعة لا جلوس فيها، والطائفة الأخرى ائتمت به في ركعة معها جلوس فوجدت الطائفة الأخرى مثل الأولى في أنها ائتمت به معه في ركعة وزادت أنها كانت معه في بعض جلوسه فلم أجدها في حال إلا مثل الأولى،
وأكبر حالا منها فلو كنت قلت: يتشهد بالأولى، ويثبت قائما حتى تتم الأولى زعمت أن الأولى أدركت مع الإمام مثل أو أكثر مما أدركت الأخرى، وأكثر فإنما ذهبت إلى أن يثبت قاعدا حتى تدركه الآخرة في قعوده، ويكون لها القعود الآخر معه لتكون في أكثر من حال الأولى فتوافق القياس على ما روي عنه
(قال الشافعي) :
فإن كان العدو بين الإمام والقبلة صلى هكذا أجزأه إذا كان في حال خوف منه، فإن كان في حال أمان منه بقلة العدو، وكثرة المسلمين، وبأنهم في صحراء لا حائل دونها، وليسوا حيث ينالهم النبل ولا الحسام، ولا يخفى عليهم حركة العدو صفوا جميعا خلف الإمام، ودخلوا في صلاته، وركعوا بركوعه، ورفعوا برفعه، وثبت الصف الذي يليه قائما، ويسجد ويسجد من بقي فإذا قام من سجوده تبعه الذين خلفه بالسجود ثم قاموا معه، وهكذا حكى أبو عياش الزرقي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم عسفان، وخالد بن الوليد بينه، وبين القبلة» ، وهكذا أبو الزبير عن جابر أن صلاة الخوف ما يصنع أمراؤكم هؤلاء.
(قال الشافعي) :
وهكذا يصنع الأمراء إلا الذين يقفون فلا يسجدون بسجوده حتى يعتدل قائما من قرب منهم من الصف الأول دون من نأى عن يمينه وشماله.
(قال الشافعي) :
وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدو حركة للقتال أن ترفع أصواتها ليسمع الإمام، وإن حوملت أن يحمل بعضها ويقف بعض يحرس الإمام وإن رأت كمينا من غير جهتها أن ينحرف بعضها إليه، وأحب للإمام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن و {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ، ويخفف الركوع والسجود، والجلوس في تمام، وإن حمل عليه أو رهق أن يصير إلى القتال، وقطع الصلاة هل يقضيها بعده، والسهو في صلاة الخوف كهو في غير صلاة الخوف إلا في خصلة فإن الطائفة الأولى إذا استيقنت أن الإمام سها في الركعة التي أمها فيها سجدت للسهو بعد التشهد وقبل سلامها، وليس سبقهم إياه بسجود السهو بأكثر من سبقهم إياه بركعة من صلب الصلاة فإذا أراد الإمام أن يسجد للسهو أخر سجوده حتى تأتي الطائفة الثانية معه بتشهدها ثم يسجد للسهو، ويسجدون معه ثم يسلم ويسلمون معه، ولو ذهب على الطائفة الأولى أنه سها في الركعة الأولى أو خاف الإمام أن يذهب ذلك عليهم أحببت له أن يشير إليهم ليسجدوا من غير أن يلتفت فإن لم يفعل، وفعلوا فسجدوا حتى انصرفوا أو انصرف هو فلا إعادة، ولا سجود عليهم لأن سجود السهو ليس من صلب الصلاة، وقد ذهب موضعه.
[الحال التي يجوز للناس أن يصلوا فيها صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يجوز لأحد أن يصلي صلاة الخوف إلا بأن يعاين عدوا قريبا غير مأمون أن يحمل عليه يتخوف حمله عليه من موضع أو يأتيه من يصدقه بمثل ذلك من قرب العدو منه أو مسيرهم جادين إليه فيكونون هم مخوفين فإذا كان واحد من هذين المعنيين فله أن يصلي صلاة الخوف، وإذا لم يكن واحد منهما لم يكن له ذلك.
(قال الشافعي) :
وإذا جاءه الخبر عن العدو فصلى صلاة الخوف ثم ذهب العدو لم يعد صلاة الخوف، وهذا كله إذا كان بإزاء العدو فإن كان في حصن لا يوصل إليه إلا بتعب أو غلبة على باب أو كان في خندق عميق عريض لا يوصل إليه إلا بدفن يطول لم يصل صلاة الخوف، وإن كان في قرية حصينة فكذلك، وإن كان في قرية غير ممتنعة من الدخول أو خندق صغير غير ممتنع صلى صلاة الخوف.
(قال الشافعي) :
وإن رأوا سوادا مقبلا، وهم ببلاد عدو أو بغير بلاد عدو فظنوه عدوا أحببت أن لا يصلوا صلاة الخوف، وكل حال أحببت أن لا يصلوا فيه صلاة الخوف إذا كان الخوف يسرع إليهم أمرت الإمام أن يصلي بطائفة فيكمل كما يصلي في غير خوف، وتحرسه أخرى فإذا فرغ من صلاته حرس، ومن معه الطائفة الأخرى، وأمر بعضهم فأمهم
(قال الشافعي) :
وهكذا آمر المسلحة في بلاد المسلمين تناظرا لمسلحة للمشركين أن تصنع إذا تراخى ما بين المسلحتين شيئا، وكانت المسلحتان في غير حصن أو كان الأغلب أنهم إنما يتناظرون بناظر الربيئة لا يتحاملون
(قال الشافعي) :
فإن صلوا صلاة الخوف كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع في حال كرهت لهم فيها صلاة الخوف أحببت للطائفة الأولى أن يعيدوا ولم أحب ذلك للإمام، ولا للطائفة الأخرى ولا يبين أن على الطائفة الأولى إعادة صلاة لأنها قد صلت بسبب من خوف، وإن لم يكن خوفا، وإن الرجل قد يصلي في غير خوف بعض صلاته مع الإمام، وبعضها منفردا فلا يكون عليه إعادة.
(قال الشافعي) :،
ومتى ما رأوا سوادا فظنوه عدوا ثم كان غير عدو، وقد صلى كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع "لم يعد الإمام، ولا واحدة من الطائفتين لأن كل منهما لم ينحرف عن القبلة حتى أكملت الصلاة، وقد صليت بسبب خوف، وكذلك إن صلى كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببطن نخل، وإن صلى كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان أحببت للحارسة أن تعيد، ولم أوجب ذلك عليها، ولا يعيد الإمام، ولا التي لم تحرس
(قال الشافعي) :
وإنما تقل المسائل في هذا الباب علينا أنا لا نأمر بصلاة خوف بحال إلا في غاية من شدة الخوف إلا صلاة لو صليت في غير خوف لم يتبين أن على مصليها إعادة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (36)
صــــــــــ 251 الى صـــــــــــ255
[كم قدر من يصلي مع الإمام صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا كانت مع الإمام في صلاة الخوف طائفة، والطائفة ثلاثة فأكثر أو حرسته طائفة، والطائفة ثلاثة فأكثر، لم أكره ذلك له غير أني أحب أن يحرسه من يمنع مثله إن أريد
(قال الشافعي) :
وسواء في هذا كثر من معه أو قل فتفرق الناس في صلاة الخوف حارسين، ومصلين على قدر ما يرى الإمام ممن تجزي حراسته، ويستظهر شيئا من استظهاره، وسواء قل من معه فيمن يصلي، وكثر ممن يحرسه أو قل من يحرسه وكثر من يصلي معه في أن صلاتهم مجزئة إذا كان معه ثلاثة فأكثر حرسه ثلاثة فإن حرسه أقل من ثلاثة أو كان معه في الصلاة أقل من ثلاثة كرهت ذلك له لأن أقل اسم الطائفة لا يقع عليهم فلا إعادة على أحد منهم بهذه الحال لأن ذلك إذا أجزأ الطائفة أجزأ الواحد، إن شاء الله تعالى.
[أخذ السلاح في صلاة الخوف]؟
قال الله عز وجل {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} [النساء: 102] الآية
(قال الشافعي) :
وأحب للمصلي أن يأخذ سلاحه في الصلاة ما لم يكن في سلاحه نجاسة، وإن كان فيه أو في شيء منه نجاسة وضعه فإن صلى فيه، وفيه نجاسة لم تجز صلاته.
(قال الشافعي) :،
ويأخذ من سلاحه ما لا يمنعه الصلاة، ولا يؤذي الصف أمامه وخلفه، وذلك السيف والقوس، والجعبة، والجفير، والترس، والمنطقة وما أشبه هذا
(قال الشافعي) :
ولا يأخذ الرمح فإنه يطول إلا أن يكون في حاشية ليس إلى جنبه أحد فيقدر على أن ينحيه حتى لا يؤذي به من أمامه، ولا من خلفه.
(قال الشافعي) :
وكذلك لا يلبس من السلاح ما يمنعه التحرف في الركوع والسجود مثل السنور، وما أشبهه.
(قال الشافعي) :
ولا أجيز له، وضع السلاح كله في صلاة الخوف إلا أن يكون مريضا يشق عليه حمل السلاح أو يكون به أذى من مطر فإنهما الحالتان اللتان أذن الله فيهما بوضع السلاح، وأمرهم أن يأخذوا حذرهم فيهما لقوله عز وعلا {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم} [النساء: 102]
(قال الشافعي) :
وإن لم يكن به مرض، ولا أذى من مطر أحببت أن لا يضع من السلاح إلا ما وصفت مما يمنعه من التحرف في الصلاة بنفسه أو ثقله فإن، وضع بعضه، وبقي بعض رجوت أن يكون جائزا له لأنه أخذ بعض سلاحه، ومن أخذ بعض سلاحه فهو متسلح.
(قال الشافعي) :
وإن، وضع سلاحه كله من غير مرض، ولا مطر أو أخذ من سلاحه ما يؤذي به من يقاربه كرهت ذلك له في كل، واحد من الحالين، ولم يفسد ذلك صلاته في، واحدة من الحالين لأن معصيته في ترك وأخذ السلاح ليس من الصلاة فيقال يفسد صلاته، ولا يتمها أخذه
[ما لا يجوز للمصلي في الحرب أن يلبسه مما ماسته النجاسة]
، وما يجوز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا أصاب السيف الدم فمسحه فذهب منه لم يتقلده في الصلاة وكذلك نصال النبل، وزج الرمح، والبيضة وجميع الحديد إذا أصابه الدم فإن صلى قبل أن يغسله بالماء أعاد الصلاة، ولا يطهر الدم ولا شيئا من الأنجاس إلا الماء على حديد كان أو غيره، ولو غسله بدهن لئلا يصدأ الحديد أو ماء غير الماء الذي هو الطهارة أو مسحه بتراب لم يطهر، وكذلك ما سوى ذلك من أداته لا يطهرها، ولا شيئا من الأنجاس إلا الماء
(قال الشافعي) :
ولو ضرب فأصاب سيفه فرث أو قيح أو غيره كان هكذا الآن هذا كله من الأنجاس.
(قال الشافعي) :
فإن شك أصاب شيئا من أداته نجاسة أو لم تصبه أحببت أن يتوقى حمل ما شك فيه للصلاة فإن حمله في الصلاة فلا إعادة عليه حتى يعلم أنه قد أصابه نجاسة فإذا علم، وقد صلى فيه أعاد.
(قال الشافعي) :،
وكل ما حمله متقلده أو متنكبه أو طارحه على شيء من بدنه أو في كمه أو ممسكه بيده أو بغيرها فسواء كله هو كما كان لابسه لا يجزيه فيه إلا أن يكون لم تصبه نجاسة أو تكون أصابته فطهر بالماء.
(قال الشافعي) :
وإن كان معه نشاب أو نبل قد أمر عليها عرق دابة أي دابة كانت غير كلب أو خنزير من أي موضع كان أو لعابها أو أحميت فسقيت لبنا أو سمت بسم شجر فصلى فيها فلا بأس لأنه ليس من هذا شيء من الأنجاس
(قال الشافعي) :
وإن كان من هذا شيء سم بسم حية أو ودك دابة لا تؤكل أو بودك ميتة فصلى فيه أعاد الصلاة إلا أن يطهر بالماء وسواء أحمي السيف أو أي حديدة حميت في النار ثم سم أو سم بلا إحماء إذا خالطه النجس محمي أو غير محمي لم يطهره إلا الماء
(قال الشافعي) :
وهكذا لو سمت، ولم تحم ثم أحميت بالنار فقيل قد ذاب كله بالنار أو أكلته النار، وكان السم نجسا لم تطهره النار، ولا يطهره شيء إلا الماء
(قال الشافعي) :
ولو أحمي ثم صب عليه شيء نجس أو غمس فيه فقيل قد شربته الحديدة ثم غسلت بالماء طهرت لأن الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف
(قال الشافعي) :
ولا يزيد إحماء الحديدة في تطهيرها، ولا تنجيسها لأنه ليس في النار طهور إنما الطهور في الماء، ولو كان بموضع لا يجد فيه ماء فمسحه بالتراب لم يطهره التراب لأن التراب لا يطهر الأنجاس.
[ما يجوز للمحارب أن يلبس مما يحول بينه وبين الأرض وما لا يجوز]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا كانت البيضة ذات أنف أو سابغة على رأس الخائف كرهت له في الصلاة لبسها لئلا يحول موضع السبوغ أو الأنف بينه، وبين إكمال السجود، ولا بأس أن يلبسها، فإذا سجد وضعها أو حرفها أو حسرها إذا ماست جبهته الأرض متمكنا
(قال الشافعي) :
وهكذا المغفر.
والعمامة، وغيرهما مما يغطي موضع السجود
(قال الشافعي) :
وإذا ماس شيء من مستوى جبهته الأرض كان ذلك أقل ما يجزئ به السجود، وإن كرهت له أن يدع أن يماس بجبهته كلها، وأنفه الأرض ساجدا.
(قال الشافعي) :
وأكره له أن يكون على كفيه من السلاح ما يمنعه أن تباشر كفاه الأرض، وأحب إن فعل أن يعيد الصلاة ولا يتبين أن عليه إعادة، ولا أكره ذلك له في ركبتيه، ولا أكره له منه في قدميه ما أكره له في كفيه.
(قال الشافعي) :
وإن صلى، وفي ثيابه أو سلاحه شيء من الدم، وهو لا يعلم ثم علم أعاد، ومتى قلت أبدا يعيد أعاد بعد زمان، وفي قرب الإعادة على كل حال، وهكذا إن صلى بعض الصلاة ثم اتضح عليه دم قبل أن يكملها فصلى من الصلاة شيئا إن كان في شيء من الصلاة قبل أن يكملها، ولم يطرح ما مسه دم مكانه أعاد الصلاة، وإن طرح الثوب عنه ساعة ماسه الدم، ومضى في الصلاة أجزأه، وإن تحرف فغسل الدم عنه كرهت ذلك له، وأمرته بأن يعيد
(قال الشافعي) :
وقد قيل: يجزيه أن يغسل الدم ثم يبني، ولا آمره بهذا القول، وآمره بالإعادة.
(قال الشافعي) :
فإن استيقن أن الدم أصاب بعض سلاحه أو ثيابه ولا يعلم تأخر، وترك الذي يرى أن الدم أصابه، وصلى في غيره، وأجزأه ذلك إن شاء الله تعالى فإن فعل فاستيقن أنه صلى في ثوب أو سلاح فيه نجاسة لم يطهرها قبل الصلاة أعاد كل ما صلاها فيه.
(قال الشافعي) :
وإن سلب مشركا سلاحا، أو اشترى منه وهو ممن يرى المشرك يمس سلاحه بنجس ما كان ولم يعلمه برؤية، ولا خبر فله أن يصلي فيه ما لم يعلم أن في ذلك السلاح نجاسة، ولو غسله قبل أن يصلي فيه أو توقى الصلاة فيه كان أحب إلي.
[ما يلبس المحارب مما ليس فيه نجاسة وما لا يلبس]
، والشهرة في الحرب أن يعلم نفسه بعلامة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو توقى المحارب أن يلبس ديباجا أو قزا ظاهرا كان أحب إلي، وإن لبسه ليحصنه فلا بأس إن شاء الله تعالى لأنه قد يرخص له في الحرب فيما يحظر عليه في غيره
(قال الشافعي) :
والحرير، والقز، ليس من الأنجاس إنما كره تعبدا، ولو صلى فيه رجل في غير حرب لم يعد
(قال الشافعي) :
ولو كان في نسج الثوب الذي لا يحصن قز، وقطن أو كتان فكان القطن الغالب لم أكره لمصل خائف، ولا غيره لبسه فإن كان القز ظاهرا كرهت لكل مصل محارب وغيره لبسه، وإنما كرهته للمحارب لأنه لا يحصن إحصان ثياب القز.
(قال الشافعي) :
وإن لبس رجل قباء محشوا قزا، فلا بأس لأن الحشو باطن وإنما أكره إظهار القز للرجال.
(قال الشافعي) :
فإن كانت درع حديد في شيء من نسجها ذهب أو كانت كلها ذهبا كرهت له لبسها إلا أن يضطر إليه فلا بأس أن يلبسها لضرورة، وإنما أكره له أن يبقيها عنده لأنه يجد بثمنها دروع حديد، والحديد أحصن، وليس في لبسه مكروه وإن فاجأته حرب، وهي عنده فلا أكره له لبسها.
(قال الشافعي) :
وهكذا إن كانت في سيفه حلية ذهب كرهت له أن لا ينزعها فإن فجأته حرب فلا بأس بأن يتقلده فإذا انقضت أحببت له نقضه، وهكذا هذا في ترسه، وجميع جنته حتى قبائه، وإن كانت فيه أزرار ذهب أو زر ذهب كرهته له على هذا المعنى، وكذلك منطقته، وحمائل سيفه لأن هذا كله جنة أو صلاح جنة
(قال الشافعي) :
ولو كان خاتمه ذهبا لم أر له أن يلبسه في حرب، ولا سلم بحال لأن الذهب منهي عنه وليس في الخاتم جنة
(قال الشافعي) :
وحيث كرهت له الذهب مصمتا في حرب، وغيرها كرهت الذهب مموها به، وكرهته مخوصا بغيره إذا كان يظهر للذهب لون، وإن لم يظهر للذهب لون فهو مستهلك، وأحب إلي أن لا يلبس، ولا أرى حرجا في أن يلبسه كما قلت في حشو القز.
(قال الشافعي) :
ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب، وأنه من زي النساء لا للتحريم، ولا أكره لبس ياقوت، ولا زبرجد إلا من جهة السرف أو الخيلاء.
(قال الشافعي) :
ولا أكره لمن يعلم من نفسه في الحرب بلاء أن يعلم ما شاء مما يجوز لبسه، ولا أن يركب الأبلق، ولا الفرس، ولا الدابة المشهورة قد أعلم حمزة يوم بدر، ولا أكره البراز قد بارز عبيدة، وحمزة، وعلي بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :،
ويلبس في الحرب جلد الثعلب، والضبع إذا كانا ذكيين وعليهما شعورهما فإن لم يكونا ذكيين، ودبغا لبسهما إن سمطت شعورهما عنهما، ويصلي فيهما، وإن لم نسمط شعورهما لم يصل فيهما لأن الدباغ لا يطهر الشعر
(قال الشافعي) :
وهكذا يلبس جلد كل مذكى يؤكل لحمه، ولا يلبس جلد ما يؤكل لحمه إذا لم يكن ذكيا إلا مدبوغا لا شعر عليه إلا أن يلبسه، ولا يصلي فيه.
(قال الشافعي) :
وهكذا لا يصلي في جلد دابة لا يؤكل لحمها ذكية كانت أو غير ذكية إلا أن يدبغه، ويمعط شعره فأما لو بقي من شعره شيء فلا يصلي فيه، ولا يصلي في جلد خنزير ولا كلب بحال نزعت شعورهما، ودبغا أو لم يدبغا.
(قال الشافعي) :
وكذلك لا يلبس الرجل فرسه شيئا من آلته جلد كلب أو خنزير بحال، ولا يستمتع من واحد منهما بغير ما يستمتع به من الكلب في صيد أو ماشية أو زرع فأما ما سواهما فلا بأس أن يلبسه الرجل فرسه أو دابته، ويستمتع به ولا يصلي فيه، وذلك مثل جلد القرد والفيل والأسد، والنمر، والذئب، والحية، وما لا يؤكل لحمه لأنه جنة للفرس، ولا تعبد للفرس ولا نهي عن إهاب جنة في غير الكلب، والخنزير.
(قال الشافعي) :
ولا بأس أن يصلي الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته فجذبها إليه جذبة أو جذبتين أو ثلاثا أو نحو ذلك، وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس، وإن كثرت مجاذبته إياها، وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته، وعليه استئنافها، وإن جذبته فانصرف، وجهه عن القبلة فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته، وإن طال انحرافه عن القبلة، ولا يمكنه الرجوع إليها انتقضت صلاته لأنه يقدر على أن يدعها إلى القبلة، وإن لم يطل، وأمكنه أن ينحرف إلى القبلة فلم ينحرف إليها فعليه أن يستأنف صلاته
(قال الشافعي) :
وإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها، وإذا تبعها على القبلة شيئا يسرا لم تفسد صلاته، وإن تبعها كثيرا فسدت صلاته وإن تبعها منحرفا عن القبلة قليلا أو كثيرا، فسدت صلاته.الوجه الثاني من صلاة الخوف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين - فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: 238 - 239]
(قال الشافعي) : فكان بينا في كتاب الله عز وجل فإن خفتم فرجالا أو ركبانا أن الحال التي أذن لهم فيها أن يصلوا رجالا أو ركبانا غير الحال التي أمر فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم - يصلي بطائفة ثم بطائفة فكان بينا لأنه لا يؤذن لهم بأن يصلوا رجالا أو ركبانا إلا في خوف أشد من الخوف الذي أمرهم فيه بأن يصلي بطائفة ثم بطائفة
(قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر صلاة الخوف فساقها ثم قال: فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها،
قال مالك: لا أراه يذكر ذلك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
أخبرنا محمد بن إسماعيل أو عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي) :
والخوف الذي يجوز فيه أن يصلوا رجالا وركبانا، والله تعالى أعلم إطلال العدو عليهم فيتراءون معا، والمسلمون في غير حصن حتى ينالهم السلاح من الرمي أو أكثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب فإن كان هذا هكذا، والعدو من وجه واحد، والمسلمون كثير يستقل بعضهم بقتال العدو حتى يكون بعض في شبيه بحال غير شدة الخوف منهم قاتلتهم طائفة، وصلت أخرى صلاة غير شدة الخوف، وكذلك لو كان العدو من وجهين أو ثلاثة أو محيطين بالمسلمين والعدو قليل، والمسلمون كثير تستقل كل طائفة، وليها العدو بالعدو حتى يكون من بين الطوائف التي يليها العدو في غير شدة الخوف منهم صلى هؤلاء الذين لا يلونهم صلاة غير شدة الخوف
(قال الشافعي) :
فإن قدر هؤلاء الذين صلوا أن يدخلوا بين العدو وبين الطوائف التي كانت تلي قتال العدو حتى يصير الذين كانوا يلون قتالهم في مثل حال هؤلاء في غير شدة الخوف منهم فعلوا، ولم يجز الذين يلون قتالهم إلا أن يصلوا صلاة غير شدة الخوف بالأرض، وإلى القبلة
(قال الشافعي) :
وإذا تعذر هذا بالتحام الحرب أو خوف إن ولوا عنهم أن يركبوا أكتافهم ويروها هزيمة أو هيبة الطائفة التي صلت بالدخول بينهم، وبين العدو أو منع العدو ذلك لها أو تضايق مدخلهم حتى لا يصلوا إلى أن يكونوا حائلين بينهم، وبين العدو كان للطائفة التي تليهم أن يصلوا كيفما أمكنهم مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها، وقعودا على دوابهم ما كانت دوابهم، وعلى الأرض قياما يومئون برءوسهم إيماء.
(قال الشافعي) :
وإن كان العدو بينهم، وبين القبلة فاستقبلوا القبلة ببعض صلاتهم ثم دار العدو عن القبلة داروا بوجوههم إليه، ولم يقطع ذلك صلاتهم إذا جعلت صلاتهم كلها مجزئة عنهم إلى غير القبلة إذا لم يمكنهم غير ذلك جعلتها مجزئة إذا كان بعضها كذلك، وبعضها أقل من كلها
(قال الشافعي) :
وإنما تجزئهم صلاتهم هكذا إذا كانوا غير عاملين فيها ما يقطع الصلاة، وذلك الاستدارة، والتحرف والمشي القليل إلى العدو، والمقام يقومونه فإذا فعلوا هذا أجزأتهم صلاتهم، وكذلك لو حمل العدو عليهم فترسوا عن أنفسهم أو دنا بعضهم منهم فضرب أحدهم الضربة بسلاحه أو طعن الطعنة أو دفع العدو بالشيء، وكذلك لو أمكنته للعدو غرة، ومنه فرصة فتناوله بضربة أو طعنة، وهو في الصلاة أجزأته صلاته فأما إن تابع الضرب أو الطعن أو طعن طعنة فرددها في المطعون أو عمل ما يطول فلا يجزيه صلاته، ويمضي فيها، وإذا قدر على أن يصليها لا يعمل فيها ما يقطعها، أعادها، ولا يجزيه غير ذلك
(قال الشافعي) :
ولا يدعها في هذه الحال إذا خاف ذهاب وقتها، ويصليها ثم يعيدها.
(قال الشافعي) :
وإذا عمد في شيء من الصلاة كلمة يحذر بها مسلما أو يسترهب بها عدوا وهو ذاكر أنه في صلاته فقد انتقضت صلاته، وعليه إعادتها متى أمكنه.
(قال الشافعي) :
وإن أمكنه صلاة شدة الخوف فصلاها، ولم يعمل فيها ما يفسدها أجزأته، وإن أمكنته صلاة غير شدة الخوف صلاها، وكذلك إن أمكنه غير صلاة الخوف صلاها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (37)
صــــــــــ 256 الى صـــــــــــ260
[إذا صلى بعض صلاته راكبا ثم نزل أو نازلا ثم ركب]
أو صرف عن القبلة وجهه أو تقدم من موضعه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإن دخل في الصلاة في شدة الخوف راكبا ثم نزل فأحب إلي أن يعيد، وإن لم ينقلب وجهه عن جهته لم يكن عليه إعادة لأن النزول خفيف وإن انقلب وجهه عن جهته حتى تولى جهة قفاه أعاد لأنه تارك قبلته
(قال الشافعي) :
ولو طرحته دابة أو ريح في هذه الحال لم يعد إذا انحرف إلى القبلة مكانه حين أمكنه
(قال الشافعي) :
وإن كان نازلا فركب فقد انتقضت صلاته لأن الركوب عمل أكثر من النزول، والنازل إلى الأرض أولى بتمام الصلاة من الراكب
(قال الشافعي) :
وإن لم يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاة صلاها، وهو مقاتل.
(قال الشافعي) :
وإن صلى صلاة شدة الخوف ثم أمكنه أن يصلي صلاة الخوف الأولى، بنى على صلاة شدة الخوف، ولم يجزه إلا أن يصلي صلاة الخوف الأولى كما إذا صلى قاعدا ثم أمكنه القيام لم يجزه إلا القيام.
(قال الشافعي) :
وإذا صلوا رجالا وركبانا في شدة الخوف لم يتقدموا فإن احتاجوا إلى التقدم لخوف تقدموا ركبانا ومشاة، وكانوا في صلاتهم بحالهم، وإن تقدموا بلا حاجة، ولا خوف فكان كتقدم المصلي إلى موضع قريب يصلي فيه فهم على صلاتهم، وإن كان إلى موضع بعيد ابتدءوا الصلاة، وكان هذا كالإفساد للصلاة، وهكذا إذا احتاجوا إلى ركوب ركبوا، وهم في الصلاة فإن لم يحتاجوا إليه وركبوا ابتدءوا الصلاة، ولو كانوا ركبانا فنزلوا من غير حاجة ليصلوا بالأرض لم تفسد صلاتهم لأن النزول عمل خفيف، وصلاتهم بالأرض أحب إلي من صلاتهم ركبانا
(قال الشافعي) :
وإذا كانت الجماعة كامنة للعدو أو متوارية عنه بشيء ما كان خندقا أو بناء أو سواد ليل فخافوا إن قاموا للصلاة رآهم العدو، فإن كانوا جماعة ممتنعين، لم يكن لهم أن يصلوا إلا قياما كيف أمكنتهم الصلاة فإن صلوا جلوسا فقد أساءوا، وعليهم إعادة الصلاة، وإن لم يكن بهم منعة، وكانوا يخافون إن قاموا أن يروا، فيصطلحوا صلوا قعودا، وكانت عليهم إعادة الصلاة، والله تعالى أعلم.
(قال الشافعي) :
وإن كان العدو يرونهم مطلين عليهم، ودونهم خندق أو حصن أو قلعة أو جبل لا يناله العدو إلا بتكلف لا يغيب عن أبصار المسلمين أو أبصار الطائفة التي تحرسهم لم يجزهم أن يصلوا جلوسا، ولا غير مستقبلي القبلة، ولا يومئون، ولا تجوز لهم الصلاة يومئون وجلوسا إلى غير القبلة إلا في حال مناظرة العدو، ومساواته، وإطلاله، وقربه حتى ينالهم سلاح إن أشرعها إليهم من الرمي والطعن، والضرب، ويكون حائل بينهم وبينه، ولا تمنعهم طائفة حارسة لهم فإذا كان هكذا جاز لهم أن يصلوها رجالا، وركبانا مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها، وهذا من أكبر الخوف.
(قال الشافعي) :
وإن أسر رجل فمنع الصلاة فقدر على أن يصليها موميا صلاها، ولم يدعها، وكذلك إن لم يقدر على الوضوء، وصلاها في الحضر صلاها متيمما وكذلك إن حبس تحت سقف لا يعتدل فيه قائما أو ربط فلم يقدر على ركوع، ولا على سجود صلاها كيف قدر، ولم يدعها، وهي تمكنه بحال وعليه في كل حال من هذه الأحوال قضاء ما صلى هكذا من المكتوبات، وكذلك إن منع الصوم فعليه قضاؤه متى أمكنه.
(قال الشافعي) :
وإن حمل على شرب محرم أو أكل محرم يخاف إن لم يفعله ففعله، فعليه إن قدر على أن يتقايأ أن يتقايأ.
[إذا صلى وهو ممسك عنان دابته]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا بأس أن يصلي الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته فجبذها إليه جبذة أو اثنتين أو ثلاثا أو نحو ذلك، وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس وإن كثرت مجابذته إياها، وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته، وعليه استئنافها، وإن جبذته فانصرف وجهه عن القبلة فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته، وإن طال انحرافه عن القبلة، ولا يمكنه الرجوع إليها انتقضت صلاته لأنه يقدر على أن يدعها، وإن لم يطل، وأمكنه أن ينحرف عن القبلة فلم ينحرف إليها فعليه أن يستأنف صلاته
(قال الشافعي) :
فإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها فإذا تبعها على القبلة شيئا يسيرا لم تفسد صلاته فإن تبعها كثيرا فسدت صلاته
[إذا صلوا رجالا وركبانا هل يقاتلون]
، وما الذي يجوز لهم من ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإن لم يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاة يصليها وهو مقاتل.
[من له من الخائفين أن يصلي صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يصلي صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولأن الله عز وجل أمر بها في قتال المشركين فقال في سياق الآية {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} [النساء: 102] الآية
(قال الشافعي) :
وكل جهاد كان مباحا يخاف أهله كان لهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لأن المجاهدين عليه مأجورون أو غير مأزورين، وذلك جهاد أهل البغي الذين أمر الله عز وجل بجهادهم وجهاد قطاع الطريق، ومن أراد من مال رجل أو نفسه أو حريمه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل دون ماله فهو شهيد»
(قال الشافعي) :
فأما من قاتل، وليس له القتال فخاف فليس له أن يصلي صلاة الخوف من شدة الخوف يومئ إيماء، وعليه إن فعل أن يعيدها، ولا له أن يصلي صلاة الخوف في خوف دون غاية الخوف إلا أن يصليها صلاة لو صلاها غير خائف أجزأت عنه
(قال الشافعي) :
وذلك من قاتل ظلما مثل أن يقطع الطريق أو يقاتل على عصبية أو يمنع من حق قبله أو أي وجه من وجوه الظلم قاتل عليه
[في أي خوف تجوز فيه صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا خافت الجماعة القليلة السبع أو السباع فصلوا صلاة الخوف كما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى، وأحب إلي أن تصلي منهم طائفة بإمام ثم أخرى بإمام آخر، وإذا خافوا الحريق على متاعهم أو منازلهم فأحب إلي أن يصلوا جماعة ثم جماعة أو فرادى، ويكون من لم يكن معهم في صلاة في إطفاء النار.
(قال الشافعي) :
وإن كانوا سفرا فغشيهم حريق فتنحوا عن سنن الريح لم يكن لهم أن يصلوا إلا كما يصلون في كل يوم، وكذلك إن كانوا حضورا فغشي الحريق لهم أهلا أو مالا أو متاعا.
(قال الشافعي) :
وإن غشيهم غرق تنحوا عن سننه، وكذلك إن غشيهم هدم تنحوا عن مسقطه لم يكن لهم إلا ذلك (قال الشافعي) : فإن صلوا في شيء من هذا صلاة خوف تجزئ عن خائف أجزأت الصلاة عنهم.
[في طلب العدو]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا طلب العدو المسلمين وقد تحرفوا لقتال أو تحيزوا إلى فئة.
فقاربوهم، كان لهم أن يصلوا صلاة الخوف ركبانا، ورجالا يومئون إيماء حيث توجهوا على قبلة كانوا أو على غير قبلة وكذلك لو كانوا على قبلة ثم رأوا طريقا خيرا لهم من جهة القبلة سلكوا عليها، وإن انحرفوا عن القبلة
(قال الشافعي) :
وإن رجع عنهم الطلب أو شغلوا أو أدركوا من يمتنعون به من الطلب، وقد افتتحوا الصلاة ركبانا، لم يجزهم إلا أن ينزلوا فيبنوا على صلاتهم مستقبلي القبلة كما وصفت في صلاة الخوف التي ليست بشدة الخوف، وإن كانوا يمتنعون ممن رأوا، ولا يأمنون طلبا أن يمتنعوا منه، كان لهم أن يتموا على أن يصلوا ركبانا.
(قال الشافعي) :
وهكذا لو تفرقوا هم والعدو فابتدءوا الصلاة بالأرض ثم جاءهم طلب كان لهم أن يركبوا ويتموا الصلاة ركبانا يومئون إيماء، وكذلك لهم إن قعدوا رجالة
(قال الشافعي) :
وهكذا أي عدو طلبهم من أهل البغي، وغيرهم إذا كانوا مظلومين
(قال الشافعي) :
وهكذا إن طلبهم سبع أو سباع
(قال الشافعي) :
وهكذا لو غشيهم سيل لا يجدون نجوة كان لهم أن يصلوا يومئون عدوا على أرجلهم، وركابهم فإن أمكنتهم نجوة لهم، ولركابهم ساروا إليها، وبنوا على ما مضى من صلاتهم قبل تمكنهم، وإن أمكنتهم نجوة لأبدانهم، ولا تمكنهم لركابهم كان لهم أن يمضوا، ويصلوا صلاة الخوف على وجوههم
(قال الشافعي) :
وإن أمكنهم نجوة يلتقي من ورائها، واديان فيقطعان الطريق كانت هذه كلا نجوة، وكان لهم أن يصلوا صلاة الخوف يومئون عدوا، وإنما لا يكون ذلك لهم إذا كان لهم طريق يتنكب عن السيل
(قال الشافعي) :
وإن غشيهم حريق كان هذا لهم ما لم يجدوا نجوة من جبل يلوذون به يأمنون به الحريق أو تحول ريح ترد الحريق أو يجدون ملاذا عن سنن الحريق فإذا وجدوا ذلك بنوا على صلاتهم مستقبلي القبلة بالأرض لا يجزيهم غير ذلك، فإن لم يفعلوا أعادوا الصلاة.
(قال الشافعي) :
وإن طلبه رجل صائل فهو مثل العدو والسبع، وكذلك الفيل، له أن يصلي في هذا كله يومئ إيماء حتى يأمنه
(قال الشافعي) : وكذلك إن طلبته حية أو عدو ما كان مما ينال منه قتلا أو عقرا، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف يومئ أين توجه
(قال الشافعي) :
فإذا تفرق العدو، ورجع بعض المسلمين إلى موضع فرأوا سوادا من سحاب أو غيره إبل أو جماعة ناس ليس بعدو أو غبار، وقرب منه حتى لو كان عدوا ناله سلاحه فظن أن كل ما رأى من هذا عدوا فصلى صلاة شدة الخوف يومئون إيماء ثم بان لهم أن لم يكن شيء منه عدوا، أعادوا تلك الصلاة.
(قال الشافعي) :
ولو صلى تلك الصلاة ثم لم يبن له شيء من عدو، ولم يدر أعدو هو أم لا؟ أعاد تلك الصلاة إنما يكون له أن يصليها على رؤية يعلم بعد الصلاة، وقبلها أنها حق أو خبر، وإن لم تكن رؤية يعلم أنه حق لأن الخبر عيان كعلمه أنه حق، فإما إذا شك فيعيد الصلاة لأنه على غير يقين من أن صلاته تلك مجزئة عنه.
(قال الشافعي) :
ولو جاء خبر عن عدو فصلى تلك الصلاة ثم ثبت عنده أن العدو قد كان يطلبه، ولم يقرب منه القرب الذي يخاف رهقه منه كان عليه أن يعيد، وكذلك أن يطلبه، وبينه وبين النجاة منه، والمصير إلى جماعة يمتنع منه بها أو مدينة يمتنع فيها الشيء القريب الذي يحيط العلم أن العدو لا يناله على سرعة العدو وإبطاء المغلوب حتى يصير إلى النجاة وموضع الامتناع أو يكون خرجت إليه جماعة تلقاه معينة له على عدوه فقرب ما بينه وبينها حتى يحيط العلم أن الطلب لا يدركه حتى يصير إلى تلك الجماعة الممتنعة أو تصير إليه فمن صلى في هذه الحال مومئا أعاده كله.
(قال الشافعي) :
وكذلك إن طلبه العدو، وبينه وبين العدو أميال لم يكن له أن يصلي مومئا وكان عليه أن يصلي بالأرض ثم يركب فينجو، وسواء كان العدو ينزل لصلاة أو لا ينزل لها.
(قال الشافعي) :
وإن كان المسلمون هم الطالبين لم يكن لهم أن يصلوا ركبانا، ولا مشاة يومئون إيماء إلا في حال واحدة أن يقل الطالبون عن المطلوبين وينقطع الطالبون عن أصحابهم فيخافون عودة المطلوبين عليهم فإذا كان هذا هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء، ولم يكن لهم الإمعان في الطلب فكان عليهم العودة إلى أصحابهم، وموضع منعتهم، ولم يكن لهم أن ينتقلوا بالطلب حتى يضطروا إلى أن يصلوا المكتوبة إيماء
(قال الشافعي) :
ومثله أن يكثروا، ويمعنوا حتى يتوسطوا بلاد العدو فيقلوا في كثرة العدو فيكون عليهم أن يرجعوا، ولهم أن يصلوا في هذه الحال مومئين إذا خافوا عودة العدو إن نزلوا، ولا يكون لهم أن يمعنوا في بلاد العدو، ولا طلبه إذا كانوا يضطرون إلى أن يومئوا إيماء، ولهم ذلك ما كانوا عند أنفسهم لا يضطرون إليه
(قال الشافعي) :
وإذا صلوا يومئون إيماء فعاد عليهم العدو من جهة، توجهوا إليهم، وهم في صلاتهم لا يقطعونها، وداروا معهم أين داروا
(قال الشافعي) :
ولا يقطع صلاتهم توجههم إلى غير القبلة، ولا أن يترس أحدهم عن نفسه أو يضرب الضربة الخفيفة أو رهقة عدو أو يتقدم التقدم الخفيف عليه برمح أو غيره فإن أعاد الضرب، وأطال التقدم قطع صلاته، وكان عليه إذا أمكنه أن يصلي غير مقاتل، ومتى لم يمكنه ذلك صلى وهو يقاتل، وأعاد الصلاة إذا أمكنه ذلك، ولا يدع الصلاة في حال يمكنه أن يصلي فيها.
(قال الشافعي) :
وإن كان المسلمون مطلوبين متحيزين إلى فئة أو متحرفين لقتال صلوا يومئون، ولم يعيدوا إذا قدروا على الصلاة بالأرض، وإن كانوا مولين المشركين أدبارهم غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة فصلوا يومئون أعادوا لأنهم حينئذ عاصون والرخصة عندنا لا تكون إلا لمطيع فأما العاصي فلا.
[قصر الصلاة في الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
والخوف في الحضر، والسفر سواء فيما يجوز من الصلاة، وفيه إلا أنه ليس للحاضر أن يقصر الصلاة وصلاة الخوف في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة كهو في الحضر، ولا تقصر بالخوف الصلاة دون غاية تقصر إلى مثلها الصلاة في سفر ليس صاحبه بخائف
(قال) :
وقد قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر بذي قرد، ولو ثبت هذا عندي لزعمت أن الرجل إذا جمع الخوف، وضربا في الأرض، قريبا أو بعيدا، قصر فإذا لم يثبت فلا يقصر الخائف إلا أن يسافر السفر الذي إن سافره غير خائف قصر الصلاة.
(قال الشافعي) :
وإذا أغار المسلمون في بلاد المشركين لم يقصروا إلا أن ينووا من موضعهم الذي أغاروا منه الإغارة على موضع تقصر إليه الصلاة، فإذا كانت نيته أن يغير إلى موضع تقصر فيه الصلاة فإذا وجد مغارة دونه أغار عليه، ورجع لم يقصر حتى يفرد النية لسفر تقصر فيه الصلاة
(قال الشافعي) :
وهكذا هو إذا غشينا
(قال الشافعي) :
وإذا فعل ما وصفت فبلغ في مغاره ما تقصر فيه الصلاة كان له قصر الصلاة راجعا إن كانت نيته العودة إلى عسكره أو بلده، وإن كان نيته مغارا حيث وجده فيما بينه، وبين الموضع الذي يرجع إليه لم يقصر راجعا، وكان كهو بادئا لا يقصر لأن نيته ليست قصد وجه واحد تقصر إليه الصلاة.
(قال الشافعي) :
ولو بلغ في مغاره موضعا تقصر فيه الصلاة من عسكره الذي يرجع إليه ثم عزم على الرجوع إلى عسكره كان له أن يقصر فإن سافر قليلا، وقصر أو لم يقصر ثم حدثت له نية في أن يقصد قصد مغار حيث وجده كان عليه أن يتم، ولا يكون القصر أبدا إلا أن يثبت سفره ينوي بلدا تقصر إلى مثله الصلاة.
(قال الشافعي) :
وإذا غزا الإمام العدو فكان سفره مما تقصر فيه الصلاة ثم أقام لقتال مدينة أو عسكر أو رد السرايا أو لحاجة أو عرجة في صحراء أو إلى مدينة أو في مدينة من بلاد العدو أو بلاد الإسلام، وكل ذلك سواء فإن أجمع مقام أربع أتم، وإن لم يجمع مقام أربع لم يتم فإن ألجأت به حرب أو مقام لغير ذلك فاستيقن مقام أربع أتم، وإن لم يستيقن قصر ما بينه وبين ثماني عشرة ليلة فإن جاوز ذلك أتم، فإذا شخص عن موضعه قصر. ثم هكذا كلما أقام، وسافر لا يختلف.
(قال الشافعي) :
وإذا غزا أحد من موضع لا تقصر فيه الصلاة أتم الصلاة، وإن كان الإمام مقيما فصلي صلاة الخوف بمسافرين، ومقيمين أتموا معا، وكذلك يتم من المسافرين من دخل معه قبل أن يسلم من الصلاة فإذا صلى صلاة خوف فصلى الركعة الأولى، وهو مسافر بمسافرين ومقيمين ثبت قائما يقرأ حتى يقضي المسافرون ركعة والمقيمون ثلاثا ثم ينصرفون، وتأتي الطائفة الأخرى، ويصلي لهم الركعة التي بقيت، ويثبت جالسا حتى يقضي المسافرون ركعة، والمقيمون ثلاثا، ولو سلم، ولم ينتظر الآخرين أجزأته صلاته، وأجزأتهم صلاتهم إذا قصر، وأكره ذلك له،، وصلاة الخوف في البر، والبحر سواء؛ لا تختلف في شيء.
[ما جاء في الجمعة والعيدين في الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يدع الإمام الجمعة، ولا العيد، ولا صلاة الخسوف إذ أمكنه أن يصليها ويحرس فيها، ويصليها كما يصلي المكتوبات في الخوف، وإذا كان شدة الخوف صلاها كما يصلي المكتوبات في شدة الخوف يومئ إيماء، ولا تكون الجمعة إلا بأن يخطب قبلها فإن لم يفعل صلاها ظهرا أربعا، وإذا صلى العيدين أو الخسوف خطب بعدهما فإن أعجل فترك الخطبة لم تكن عليه إعادة، وإن شغل بالحرب أحببت أن يوكل من يصلي، فإن لم يفعل حتى تزول الشمس في العيدين لم يقض وإن لم يفعل حتى تنجلي الشمس، والقمر في الكسوف لم يقض، وإن لم يفعل حتى يدخل، وقت العصر في الجمعة لم يقض، وصلى الظهر أربعا
(قال الشافعي) :
وهذا إذا كان خائفا بمصر تجمع فيه الصلاة، مقيما كان أو مسافرا، غير أنه إذا كان مسافرا فلم يصل الجمعة صلى الظهر ركعتين، وأتم أهل المصر لأنفسهم
(قال الشافعي) :
وإذا أجدب، وهو محارب فلا بأس أن يدع الاستسقاء وإن كان في عدد كثير ممتنع فلا بأس أن يستسقي، ويصلي في الاستسقاء صلاة الخوف في المكتوبات، وإن كانت شدة الخوف لم يصل في الاستسقاء لأنه يصلح له تأخيره، ويصلي في العيدين، والخسوف لأنه لا يصلح له تأخيرهما، وإذا كان الخوف خارجا من المصر في صحراء له تأخيره، ويصلي في العيدين، والخسوف لأنه لا يصلح له تأخيرهما، وإذا كان الخوف خارجا من المصر في صحراء تقصر فيها الصلاة أو لا تقصر فلا يصلون الجمعة، ويصلونها ظهرا وكذلك لا أحضهم على صلاة العيدين، وإن فعلوا لم أكرهه لهم، ولهم أن يستسقوا، ولا أرخص لهم في ترك صلاة الكسوف وإنما أمرتهم بصلاة الكسوف لأنه يصليها السفر، ولم أكره لهم صلاة العيدين لأنه يجوز أن يصليها المنفرد، وكذلك أيضا صلاة الاستسقاء فأما الجمعة فلا تجوز لأنها إحالة مكتوبة إلى مكتوبة إلا في مصر، وجماعة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (38)
صــــــــــ 261 الى صـــــــــــ265
[تقديم الإمام في صلاة الخوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا أحدث الإمام في صلاة الخوف فهو كحدثه في غير صلاة الخوف، وأحب إلي أن لا يستخلف أحدا، فإن كان أحدث في الركعة الأولى أو بعدما صلاها، وهو واقف في الآخر فقرأ، ولم تدخل معه الطائفة الثانية، قضت الطائفة الأولى ما عليهم من الصلاة، وأم الطائفة الأخرى إمام منهم أو صلوا فرادى، ولو قدم رجلا فصلى بهم أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى.
(قال الشافعي) :
وإذا أحدث الإمام، وقد صلى ركعة، وهو قائم يقرأ ينتظر فراغ التي خلفه، وقف الذي قدم كما يقف الإمام، وقرأ في وقوفه، فإذا فرغت الطائفة التي خلفه، ودخلت الطائفة التي وراءه قرأ بأم القرآن، وقدر سورة ثم ركع بهم، وكان في صلاتهم لهم كالإمام الأول لا يخالفه في شيء إذا أدرك الركعة الأولى مع الإمام الأول، وانتظرهم حتى يتشهدوا ثم يسلم بهم.
(قال الشافعي) :
وإن كان الإمام الذي قدمه المحدث مقيما، والذي قدم آخرا مسافرا فسواء، وعليه صلاة مقيم إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبل أن يحدث وإن كان الإمام الذي قدمه مسافرا، والرجل الذي قدمه مقيما، وقد صلى المحدث ركعة فعلى المقدم أن يتقدم فيصلي ركعة ثم يثبت جالسا، ويصلي من خلفه من المسافرين والمقيمين ركعتين ركعتين يتشهدون، ويسلمون لأنهم قد صاروا إلى صلاة مقيم فعليهم التمام، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين اللتين بقيتا من صلاته ويقومون فيقضون لأنفسهم ركعتين ثم يسلم بهم، ولا يجزيهم غير ذلك لأن كلا دخل مع إمام مقيم في صلاته.
(قال الشافعي) :
وإن كان الذي قدم الإمام لن يدخل في صلاة الإمام حتى أحدث الإمام فقدمه الإمام فإن كان الإمام المحدث لم يركع من الصلاة ركعة، وقد كبر المقدم معه قبل أن يحدث فله أن يتقدم، وعليه إذا تقدم أن يقرأ بأم القرآن، وأن يزيد معها شيئا أحب إلي ثم يصلي بالقوم فإن كان مقيما صلى أربعا وإن كان مسافرا صلى ركعتين لأنه مبتدئ الصلاة بهم فسواء كان الإمام الذي قدمه مقيما فعلى من أدرك معه الصلاة قبل أن يحدث من المسافرين أن يصلوا أربعا، وليس ذلك على من لم يدرك معه الصلاة قبل أن يحدث من المسافرين فأما المقيمون فيصلون أربعا بكل حال.
(قال الشافعي) :
وإن كان الإمام المحدث صلى ركعة من صلاته ثم قدم رجلا لم يدرك معه من الصلاة شيئا فليس له أن يتقدم، فإن تقدم فعليه استئناف الصلاة، وإن استأنفها فتبعه من خلف الإمام ممن أدرك صلاة الإمام قبل أن يخرج منها صلى معه الركعة أو لم يصلها فعليهم معا الإعادة لأن من أدرك معه الركعة يزيد في صلاته عامدين غير ساهين ولا ساه إمامه،، ومن صلى معه ممن لم يدرك الصلاة مع الإمام المحدث فصلاته عنه مجزئة
(قال الشافعي) :
وإن بنى هو على صلاة الإمام فصلاته فاسدة لأنه لا داخل مع الإمام في صلاته فيتبعها، ولا مبتدئ لنفسه فيعمل عمل المبتدئ، وكذلك صلاة من خلفه كلهم فاسدة لأنه رجل عمد أن يقلب صلاته.
(قال الشافعي) :
وإن كان كبر مع الإمام قبل أن يحدث الإمام، وقد صلى الإمام ركعة بنى على صلاة الإمام كأنه الإمام لا يخالفه إلا فيما سأذكره إن شاء الله تعالى حتى يتشهد في آخر صلاة الإمام، وذلك أن يكون الإمام أكمل ركعة، وثبت قائما ثم قدمه فيثبت قائما حتى تقضي الطائفة الأولى وتسلم، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعة التي بقيت على الإمام، ويجلس ويتشهد حتى تقضي الطائفة الأخرى فإذا قضوا التشهد قدم رجلا منهم فسلم بهم ثم قام هو، وبنى لنفسه حتى تكمل صلاته
(قال الشافعي) :
ولو لم يزد على أن يصلي ركعة ثم يجلس للتشهد فيسلم، ولا ينتظر الطائفة حتى تقضي فيسلم بها كرهت ذلك له ولا تفسد صلاته، ولا صلاتهم.
(قال الشافعي) :
ولو أن إماما ابتدأ صلاة الخوف ثم أحدث فقدم رجلا ممن خلفه فلم يقض من الصلاة شيئا حتى حدث لهم أمن، إما لجماعة كثرت، وقل العدو، وإما بتلف العدو أو غير ذلك من وجوه الأمن، صلى الإمام المقدم صلاة أمن بمن خلفه، وجاءت الطائفة فصلت معهم لأن الخوف قد ذهب فإن لم تفعل حتى صلى بها إمام غيره أو صلت فرادى، وكانوا كقوم لم يصلوا مع الجماعة الأولى لعذر.
(قال الشافعي) :
ولو كان خوف يوم الجمعة، وكان محروسا إذا خطب بطائفة، وحضرت معه طائفة الخطبة ثم صلى بالطائفة التي حضرت الخطبة ركعة، وثبت قائما فأتموا لأنفسهم بقراءة يجهرون فيها ثم، وقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل فصلت معه الركعة التي بقيت عليه من الجمعة، وثبت جالسا فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم، ولو انصرفت الطائفة التي حضرت الخطبة حين فرغ من خطبته فحرسوا الإمام، وجاءت الطائفة التي لم تحضر فصلى بهم لم يجزه أن يصليها بهم إلا ظهرا أربعا لأنه قد ذهب عنه من حضر الخطبة فصار كإمام خطب، وحده ثم جاءته جماعة قبل أن يصلي فصلى بهم
(قال الشافعي) :
ولو كان بقي معه أربعون رجلا ممن حضر الخطبة فصلى بهم وبالطائفة التي تحرسه ركعة، وثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم جاءت الطائفة التي كانت حاضرة خطبته ثم لم تدخل في صلاته حتى حرست العدو فصلى بهم ركعة أجزأتهم صلاته لأنه قد صلى بأربعين رجلا حضروا الخطبة، وزادت جماعة لم يحضروا الخطبة.
(قال الشافعي) :
ولو شغلوا بالعدو فلم يحضروا الخطبة ويدخل معه في الصلاة أربعون رجلا لم يكن له أن يصلي صلاة الجمعة، وكان عليه أن يصلي ظهرا أربعا صلاة الخوف الأولى إن أمكنه أو صلاته عند شدة الخوف إن لم يمكنه.
(قال الشافعي) :
ولو لم يمكنه صلاة الجمعة فصلى ظهرا أربعا ثم حدثت للعدو حال أمكنه فيها أن يصلي الجمعة لم يجب عليه، ولا على من صلى خلفه إعادة الجمعة، ووجب على من لم يصل معه إن كانوا أربعين أن يقدموا رجلا فيصلي بهم الجمعة فإن لم يفعلوا، وصلوا ظهرا كرهت لهم ذلك وأجزأت عنه
(قال الشافعي) :
ولو أعاد هو، ومن معه صلاة الجمعة مع إمام غيره لم أكره ذلك، وإن أعادها هو إماما، ومن معه مأمومين لم أكره ذلك للمأمومين، وكرهته للإمام، ولا إعادة على من صلاها خلفه ممن صلاها أو لم يصلها إذا صلى في، وقت الجمعة.
[كتاب صلاة العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك، وتعالى في سياق شهر رمضان {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185] ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه» يعني الهلال «فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»
(قال الشافعي) :
وإذا صام الناس شهر.
رمضان برؤية أو شاهدين عدلين على رؤية ثم صاموا ثلاثين يوما ثم غم عليهم الهلالأفطروا، ولم يريدوا شهودا.
(قال) :
وإن صاموا تسعا، وعشرين يوما ثم غم عليهم لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين.
(قال الشافعي) :
يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس، ومنفردين، ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين، ولا في مقطع حق لأن الله تعالى أمر بشاهدين وشرط العدل في الشهود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين.
(قال الشافعي) :
فإن شهد شاهدان في يوم ثلاثين أن الهلال كان بالأمس، أفطر الناس أي ساعة عدل الشاهدان، فإن عدلا قبل الزوال صلى الإمام بالناس صلاة العيدين وإن لم يعدلا حتى تزول الشمس لم يكن عليهم أن يصلوا يومهم بعد الزوال، ولا الغد لأنه عمل في، وقت فإذا جاوز ذلك الوقت لم يعمل في غيره،
فإن قال قائل: ولم لا يكون النهار وقتا له؟
قيل له: إن شاء الله تعالى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سن صلاة العيد بعد طلوع الشمس، وسن مواقيت الصلاة، وكان فيما سن دلالة على أنه إذا جاء، وقت صلاة مضى وقت التي قبلها فلم يجز أن يكون آخر وقتها إلا إلى وقت الظهر لأنها صلاة تجمع فيها، ولو ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس من الغد إلى عيدهم قلنا به، وقلنا أيضا فإن لم يخرج بهم من الغد خرج بهم من بعد الغد، وقلنا يصلي في يومه بعد الزوال إذا جاز أن يزول فيه ثم يصلي جاز في هذه الأحوال كلها، ولكنه لا يثبت عندنا والله تعالى أعلم.ولو شهد شاهدان أو أكثر فلم يعرفوا بعدل أو جرحوا فلهم أن يفطروا، وأحب لهم أن يصلوا صلاة العيد لأنفسهم جماعة، وفرادى مستترين، ونهيتهم أن يصلوها ظاهرين، وإنما أمرتهم أن يصلوا مستترين، ونهيتهم أن يصلوا ظاهرين لئلا ينكر عليهم، ويطمع أهل الفرقة في فراق عوام المسلمين.
(قال) :
وهكذا لو شهد، واحد فلم يعدل لم يسعه إلا الفطر، ويخفي فطره لئلا يسيء أحد الظن به، ويصلي العيد لنفسه ثم يشهد بعد إن شاء العيد مع الجماعة فيكون نافلة خيرا له، ولا يقبل فيه شهادة النساء العدول، ولا شهادة أقل من شاهدين عدلين، وسواء كانا قرويين أو بدويين.
(قال) :
وإن غم عليهم فجاءهم شاهدان بأن هلال شهر رمضان رئي عشية الجمعة نهارا بعد الزوال أو قبله فهو هلال ليلة السبت لأن الهلال يرى نهارا، وهو هلال الليلة المستقبلة لا الليلة الماضية، ولا يقبل فيه إلا رؤيته ليلة كذا فأما رؤيته بنهار فلا يدل على أنه رئي بالأمس، وإن غم عليهم فأكملوا العدة ثلاثين ثم ثبت عندهم بعدما مضى النهار في أول الليل أو آخره أنهم صاموا يوم الفطر إما بأن يكون قد رأوا هلال شهر رمضان رئي قبل رؤيتهم، وإما أن يكون قد رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين أفطروا من يومهم، وخرجوا للعيد من غدهم، وهم مخالفون للذين علموا الفطر قبل أن يكملوا الصوم لأن هؤلاء لم يعلموه إلا بعد إكمالهم الصوم فلم يكونوا مفطرين بشهادة أولئك علموه، وهم في الصوم فأفطروا بشهادة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون»
(قال الشافعي) :
فبهذا نأخذ، وإنما كلف العباد الظاهر، ولم يظهر على ما وصفت أن أفطر إلا يوم أفطرنا.
(قال) :
ولو كان الشهود شهدوا لنا على ما يدل أن الفطر يوم الخميس فلم يعدلوا أكملنا صومه فعدلوا ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، لم نخرج للعيد لأنا قد علمنا أن الفطر كان يوم الخميس قبل يكمل صومه، وإنما وقفناه على تعديل البينة فلما عدلت كان الفطر يوم الخميس بشهادتهم
(قال) :
ولو لم يعدلوا حتى تحل صلاة العيد صليناها، وإن عدلوا بعد ذلك لم يضرنا
(قال) :
وإذا عدلوا فإن كنا نقصنا من صوم شهر رمضان يوم بأنه خفي علينا أو صمنا يوم الفطر قضينا يوما.
(قال الشافعي) :،
والعيد يوم الفطر نفسه، والعيد الثاني يوم الأضحى نفسه، وذلك يوم عاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يلي يوم عرفة.
(قال) :
والشهادة في هلال ذي الحجة ليستدل على يوم عرفة، ويوم العيد، وأيام منى كهي في الفطر لا تختلف في شيء يجوز فيها ما يجوز فيها، ويرد فيها ما يرد فيها، ويجوز الحج إذا وقف بعرفة على الروية، وإن علموا بعد الوقوف بعرفة أن يوم عرفة يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج عنه قلت لعطاء رجل حج فأخطأ الناس يوم عرفة أيجزى عنه؟
قال: نعم أي لعمري إنها لتجزي عنه
(قال الشافعي) :
وأحسبه قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون» أراه قال: "، وعرفة يوم تعرفون ".
[العبادة ليلة العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء قال: " من قام ليلة العيد محتسبا لم يمت قلبه حين تموت القلوب ".
(قال الشافعي) :
وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العيد فيدعون ويذكرون الله حتى تمضي ساعة من الليل، وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة جمع، وليلة جمع هي ليلة العيد لأن صبيحتها النحر
(قال الشافعي) :
وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا.
[التكبير ليلة الفطر]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -:
قال الله تبارك وتعالى: في شهر رمضان {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185] قال فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن أن يقول لتكملوا العدة عدة صوم شهر رمضان وتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان
(قال الشافعي) :
وما أشبه ما قال بما قال، والله تعالى أعلم
(قال الشافعي) :
فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة، وفرادى في المسجد والأسواق، والطرق، والمنازل، ومسافرين، ومقيمين في كل حال، وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير، ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى، وبعد الغدو حتى يخرج الإمام للصلاة ثم يدعوا التكبير، وكذلك أحب في ليلة الأضحى لمن لم يحج فأما الحاج فذكره التلبية أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة أنه سمع ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن يكبرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة عن عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما كانا يجهران بالتكبير حين يغدوان إلى المصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني يزيد بن الهاد أنه سمع نافع بن جبير يجهر بالتكبير حين يغدو إلى المصلى يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني ابن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا إلى المصلى يوم العيد كبر فيرفع صوته بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى يوم العيد ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير.
[الغسل للعيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - كان يغتسل يوم العيد ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وإذا أراد أن يحرم.
(قال الشافعي) :
وأستحب هذا كله،
وليس من هذا شيء أوكد من غسل الجمعة وإن توضأ رجوت أن يجزئه ذلك إن شاء الله تعالى: إذا صلى على طهارة (قال) :، وليس لأحد أن يتيمم في المصر لعيد ولا جنازة، وإن خاف فوتهما،
ولا له أن يكون فيهما إلا طاهرا كطهارته للصلاة المكتوبة لأن كلا صلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع أنه كان يغتسل يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا صالح بن محمد بن زائدة عن عروة بن الزبير قال: السنة أن يغتسل يوم العيدين، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: الغسل في العيدين سنة
(قال الشافعي) :
كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه أحسن وأعرف، وأنظف، وأن قد فعله قوم صالحون لا أنه حتم بأنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني المطلب بن السائب عن ابن أبي وداعة عن سعيد بن المسيب أنه كان يغتسل يوم العيدين إذا غدا إلى المصلى.
[وقت الغدو إلى العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني أبو الحويرث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم، وهو بنجران أن عجل الغدو إلى الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة أن الحسن قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغدو إلى العيدين الأضحى والفطر حين تطلع الشمس فيتم طلوعها»
(قال الشافعي) :
يغدو إلى الأضحى قدر ما يوافي المصلى حين تبرز الشمس، وهذا أعجل ما يقدر عليه، ويؤخر الغدو إلى الفطر عن ذلك قليلا غير كثير
(قال) :
والإمام في ذلك في غير حال الناس أما الناس فأحب أن يتقدموا حين ينصرفون من الصبح ليأخذوا مجالسهم ولينتظروا الصلاة فيكونوا في أجرها إن شاء الله تعالى ما داموا ينتظرونها، وأما الإمام فإنه إذا غدا لم يجعل، وجهه إلا إلى المصلى فيصلي، وقد غدا قوم حين صلوا الصبح، وآخرون بعد ذلك، وكل ذلك حسن
(قال الشافعي) :
وإن غدا الإمام حين يصلي الصبح، وصلى بعد طلوع الشمس لم يعد، ولو صلى قبل الشمس أعاد لأنه صلى قبل، وقت العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ابنه، وهو عامل على المدينة " إذا طلعت الشمس يوم العيد فاغد إلى المصلى "، وكل هذا واسع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن نسطاس أنه رأى ابن المسيب في يوم الأضحى، وعليه برنس أرجوان، وعمامة سوداء غاديا في المسجد إلى المصلى يوم العيد حين صلى الصبح بعدما طلعت الشمس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن حرملة أنه رأى سعيد بن المسيب يغدو إلى المصلى يوم العيد حين يصلي الصبح
(قال الشافعي) :
وكل هذا واسع إذا وافى الصلاة، وأحبه إلي أن يتمهل ليأخذ مجلسا. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (39)
صــــــــــ 266 الى صـــــــــــ270
[الأكل قبل العيد في يوم الفطر]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل قبل الغدو في يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال كان الناس يؤمرون بالأكل قبل الغدو يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأمر بالأكل قبل الخروج إلى المصلى يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن صفوان بن سليم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطعم قبل أن يخرج إلى الجبان يوم الفطر، ويأمر به»
(قال الشافعي) :
ونحن نأمر من أتى المصلى أن يطعم ويشرب قبل أن يغدو إلى المصلى، وإن لم يفعل أمرناه بذلك في طريقه، أو المصلى إن أمكنه، وإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه، ويكره له أن لا يفعل، ولا نأمره بهذا يوم الأضحى، وإن طعم يوم الأضحى فلا بأس عليه.
[الزينة للعيد]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن جده «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برد حبرة في كل عيد» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتم في كل عيد» أخبرنا الربيع قال قال الشافعي، وأحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد الجمعة والعيدين، ومحافل الناس، ويتنظف، ويتطيب إلا أني أحب أن يكون في الاستسقاء خاصة نظيفا متبذلا، وأحب العمامة في البرد والحر للإمام، وأحب للناس ما أحببت للإمام من النظافة، والتطيب، ولبس أحسن ما يقدرون عليه إلا أن استحبابي للعمائم لهم ليس كاستحبابها للإمام، ومن شهد منهم هذه الصلوات طاهرا تجوز له الصلاة، ولابسا مما يجوز به الصلاة من رجل وامرأة أجزأه.
(قال) :
وأحب إذا حضر النساء الأعياد والصلوات يحضرنها نظيفات بالماء غير متطيبات، ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة، وأن يلبسن ثيابا قصدة من البياض وغيره، وأكره لهن الصبغ كلها فإنها تشبه الزينة والشهرة أو هما.
(قال الشافعي) :
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكورا أو إناثا ويلبسون الحلي والصيغ، وإن حضرتها امرأة حائض لم تصل، ودعت، ولم أكره لها ذلك، وأكره لها أن تحضرها غير حائض إلا طاهرة للصلاة لأنها لا تقدر على الطهارة، وأكره حضورها إلا طاهرة إذا كان الماء يطهرها.
[الركوب إلى العيدين]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
بلغنا أن الزهري قال «ما ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيد، ولا جنازة قط»
(قال الشافعي) :
وأحب أن لا يركب في عيد، ولا جنازة إلا أن يضعف من شهدها من رجل أو امرأة عن المشي فلا بأس أن يركب، وإن ركب لغير علة فلا شيء عليه قال الربيع هذا عندنا على الذهاب إلى العيد، والجنازة فأما الرجوع منهما فلا بأس.
[الإتيان من طريق غير التي غدا منها في صلاة العيد]
الإتيان من طريق غير التي غدا منها أخبرنا الربيع قال قال الشافعي، وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو من طريق ويرجع من أخرى» فأحب ذلك للإمام، والعامة، وإن غدوا ورجعوا من طريق واحدة فلا شيء عليهم إن شاء الله تعالى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار بن ياسر» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني «معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن جده أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع من المصلى يوم عيد فسلك على التمارين من أسفل السوق حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي هو عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فج أسلم فدعا ثم انصرف»
(قال الشافعي) :
فأحب أن يصنع الإمام مثل هذا وأن يقف في موضع فيدعو الله عز وجل مستقبل القبلة، وإن لم يفعل فلا كفارة ولا إعادة عليه
[الخروج إلى الأعياد]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -
بلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة» وكذلك من كان بعده، وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة فإنه لم يبلغنا أن أحدا من السلف صلى بهم عيدا إلا في مسجدهم
(قال الشافعي) :
وأحسب ذلك، والله تعالى أعلم لأن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم (قال) : وإنما قلت هذا لأنه قد كان، وليست لهم هذه السعة في أطراف البيوت بمكة سعة كبيرة، ولم أعلمهم صلوا عيدا قط، ولا استسقاء إلا فيه.
(قال الشافعي) :
فإن عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنهم يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنه كان لا يسعهم فصلى بهم إمام فيه كرهت له ذلك، ولا إعادة عليهم.
(قال) :
وإذا كان العذر من المطر أو غيره أمرته بأن يصلي في المساجد ولا يخرج إلى صحراء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني جعفر بن محمد عن رجل أن أبان بن عثمان صلى بالناس في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر في يوم مطير ثم قال لعبد الله بن عامر حدثهم فأخذ يحكي عن عمر بن الخطاب فقال عبد الله صلى عمر بن الخطاب بالناس في المسجد في يوم مطير في يوم الفطر، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة أن عمر بن الخطاب صلى بالناس في يوم مطير في المسجد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[الصلاة قبل العيد وبعده]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم العيدين بالمصلى، ولم يصل قبلهما، ولا بعدهما شيئا ثم انفتل إلى النساء فخطبهن قائما،
وأمر بالصدقة قال: فجعل النساء يتصدقن بالقرط وأشباهه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عمرو بن أبي عمرو «عن ابن عمر أنه غدا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد إلى المصلى ثم رجع إلى بيته لم يصل قبل العيد ولا بعده» ،
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: وهكذا أحب للإمام لما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما أمرنا به أن يغدو من منزله قبل أن تحل صلاة النافلة ونأمره إذا جاء المصلى أن يبدأ بصلاة العيد ونأمره إذا خطب أن ينصرف
(قال الشافعي) :
وأما المأموم فمخالف للإمام لأنا نأمر المأموم بالنافلة قبل الجمعة وبعدها، ونأمر الإمام أن يبدأ بالخطبة ثم بالجمعة لا يتنفل، ونحب له أن ينصرف حتى تكون نافلته في بيته، وأن المأموم خلاف الإمام
(قال) :
ولا أرى بأسا أن يتنفل المأموم قبل صلاة العيد وبعدها في بيته وفي المسجد وطريقه والمصلى وحيث أمكنه التنفل إذا حلت صلاة النافلة بأن تبرز الشمس، وقد تنفل قوم قبل صلاة العيد، وبعدها، وآخرون قبلها، ولم يتنفلوا بعدها، وآخرون بعدها، ولم يتنفلوا قبلها وآخرون تركوا التنفل قبلها، وبعدها، وهذا كما يكون في كل يوم يتنفلون، ولا يتنفلون ويتنفلون فيقلون ويكثرون، ويتنفلون قبل المكتوبات وبعدها وقبلها، ولا يتنفلون بعدها، ويدعون التنفل قبلها، وبعدها لأن كل هذا مباح، وكثرة الصلوات على كل حال أحب إلينا
(قال) :
وجميع النوافل في البيت أحب إلي منها ظاهرا إلا في يوم الجمعة
(قال الشافعي) :
أخبرنا إبراهيم قال أخبرني سعد بن إسحاق عن عبد الملك بن كعب أن كعب بن عجرة لم يكن يصلي قبل العيد ولا بعده.
(قال الشافعي) :
وروي هذا عن ابن مسعود أو أبي مسعود وحذيفة وجابر وابن أبي أوفى وشريح وابن معقل وروي عن سهل بن سعد،
وعن رافع بن خديج أنهما كانا يصليان قبل العيد وبعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي ابن الحنفية عن أبيه قال: «كنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر والأضحى لا نصلي في المسجد حتى نأتي المصلى فإذا رجعنا مررنا بالمسجد فصلينا فيه»[من قال لا آذان للعيدين] أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري أنه قال لم يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام، فأحدثه الحجاج بالمدينة حين أمر عليها، وقال الزهري: «وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -
يأمر في العيدين المؤذن أن يقول: الصلاة جامعة»
(قال الشافعي) :
ولا أذان إلا للمكتوبة فإنا لم نعلمه أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا للمكتوبة، وأحب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد، وما جمع الناس له من الصلاة " الصلاة جامعة " أو إن الصلاة،
وإن قال
: هلم إلى الصلاة لم نكرهه،
وإن قال: حي على الصلاة فلا بأس، وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الأذان، وأحب أن يتوقى جميع كلام الأذان، ولو أذن أو قام للعيد كرهته له ولا إعادة عليه.
[أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب السختياني قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول سمعت «ابن عباس يقول: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى قبل الخطبة يوم العيد ثم خطب فرأى أنه لم يسمع من النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن، وأمرهن بالصدقة ومعه بلال قائل بثوبه هكذا فجعلت المرأة تلقي الخرص والشيء» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني أبو بكر بن عمرو بن عبد العزيز عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان يصلون في العيدين قبل الخطبة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أبا سعيد قال: أرسل إلي مروان،
والي رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى فذهب ليصعد فجبذته إلي فقال: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم،
قال أبو سعيد فهتفت ثلاث مرات فقلت: والله لا تأتون إلا شرا منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد الخطمي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية فقدم الخطبة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد أن أبا سعيد الخدري قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي يوم الفطر، والأضحى قبل الخطبة» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن وهب بن كيسان قال: رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم قال: كل سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غيرت حتى الصلاة.
(قال الشافعي) :
فبهذا نأخذ، وفيه دلائل منها أن لا بأس أن يخطب الإمام قائما على الأرض، وكذلك روى أبو سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بأس أن يخطب الإمام على راحلته، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني هشام بن حسان عن ابن سيرين «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على راحلته بعدما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر» .
(قال الشافعي) :
ولا بأس أن يخطب على منبر فمعلوم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب على المنبر يوم الجمعة، وقبل ذلك كان يخطب على رجليه قائما إلى جذع، ومنها أن لا بأس أن يخطب الرجل الرجال، وإن رأى أن النساء، وجماعة من الرجال لم يسمعوا خطبته لم أر بأسا أن يأتيهم فيخطب خطبة خفيفة يسمعونها، وليس بواجب عليه لأنه لم يرو ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة، وقد خطب خطبا كثيرة، وفي ذلك دلالة على أنه فعل وترك، والترك أكثر.
(قال) :،
ولا يخطب الإمام في الأعياد إلا قائما لأن خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت قائما إلا أن تكون علة فتجوز الخطبة جالسا كما تجوز الصلاة جالسا من علة.
(قال) :
ويبدأ في الأعياد بالصلاة قبل الخطبة، وإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة رأيت أن يعيد الخطبة بعد الصلاة، وإن لم يفعل لم يكن عليه إعادة صلاة، ولا كفارة، كما لو صلى ولم يخطب لم يكن عليه إعادة خطبة، ولا صلاة، ويخطب خطبتين بينهما جلوس كما يصنع في الجمعة.
[التكبير في صلاة العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني جعفر بن محمد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كبروا في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا، وصلوا قبل الخطبة، وجهروا بالقراءة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه كبر في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وجهر بالقراءة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني إسحاق بن عبد الله عن عثمان بن عروة عن أبيه أن أبا أيوب وزيد بن ثابت أمرا مروان أن يكبر في صلاة العيد سبعا،
وخمسا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع مولى ابن عمر قال: شهدت الفطر والأضحى مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة.
(قال الشافعي) :
وإذا ابتدأ الإمام صلاة العيدين كبر للدخول في الصلاة ثم افتتح كما يفتتح في المكتوبة فقال: وجهت وجهي، وما بعدها ثم كبر سبعا ليس فيها تكبيرة الافتتاح ثم قرأ وركع، وسجد فإذا قام في الثانية قام بتكبيرة القيام ثم كبر خمسا سوى تكبيرة القيام ثم قرأ، وركع، وسجد كما وصفت روي عن ابن عباس
(قال الشافعي) :
والأحاديث كلها تدل عليه لأنهم يشبهون أن يكونوا إنما حكوا من تكبيره ما أدخل في صلاة العيدين من التكبير مما ليس في الصلاة غيره، وكما لم يدخلوا التكبيرة التي قام بها في الركعة الثانية مع الخمس كذلك يشبه أن يكونوا لم يدخلوا تكبيرة الافتتاح في الأولى مع السبع بل هو أولى أن لا يدخل مع السبع لأنه لم يدخل في الصلاة إلا بها ثم يقول: وجهت وجهي ولو ترك التكبيرة التي يقوم بها لم تفسد صلاته.
(قال الشافعي) :
وإذا افتتح الصلاة ثم بدأ بالتكبيرة الأولى من السبعة بعد افتتاح الصلاة فكبرها ثم وقف بين الأولى والثانية قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة فيهلل الله عز وجل ويكبره، ويحمده ثم صنع هذا بين كل تكبيرتين من السبع والخمس ثم يقرأ بعد بأم القرآن، وسورة، وإن أتبع بعض التكبير بعضا، ولم يفصل بينه بذكر كرهت ذلك له، ولا إعادة عليه ولا سجود للسهو عليه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (40)
صــــــــــ 271 الى صـــــــــــ275
(قال) :
فإن نسي التكبير أو بعضه حتى يفتتح القراءة فقطع القراءة، وكبر ثم عاد إلى القراءة لم تفسد صلاته، ولا آمره إذا افتتح القراءة أن يقطعها ولا إذا فرغ منها أن يكبر، وآمره أن يكبر في الثانية تكبيرها، ولا يزيد عليه لأنه ذكر في موضع إذا مضى الموضع لم يكن على تاركه قضاؤه في غيره كما لا آمره أن يسبح قائما إذا ترك التسبيح راكعا أو ساجدا.
(قال) : ولو ترك التكبيرات السبع والخمس عامدا أو ناسيا لم يكن عليه إعادة، ولا سجود سهو عليه لأنه ذكر لا يفسد تركه الصلاة، وأنه ليس عملا يوجب سجود السهو.
(قال) :
وإن ترك التكبير ثم ذكره فكبر أحببت أن يعود لقراءة ثانية، وإن لم يفعل لم يجب عليه أن يعود، ولم تفسد صلاته.
(قال) :
فإن نفض مما أمرته به من التكبير شيئا كرهته له، ولا إعادة، ولا سجود سهو عليه إلا أن يذكر التكبير قبل أن يقرأ فيكبر ما ترك منه.
(قال) :
وإن زاد على ما أمرته به من التكبير شيئا كرهته له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه لأنه ذكر لا يفسد الصلاة، وإن أحببت أن يضع كلا موضعه.
(قال الشافعي) :
وإن استيقن أنه كبر في الأولى سبعا أو أكثر أو أقل، وشك هل نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لم تجزه صلاته، وكان عليه حين شك أن يبتدئ فينوي تكبيرة الافتتاح مكانه ثم يبتدئ الافتتاح والتكبير والقراءة ولا يجزئه حتى يكون في حاله تلك كمن ابتدأ الصلاة في تلك الحال.
(قال الشافعي) :
وإن استيقن أنه كبر سبعا أو أكثر أو أقل،
وأنه نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لا يدري أهي الأولى أو الثانية أو الآخرة من تكبيره افتتح تلك الصلاة بقول: وجهت وجهي، وما بعدها لأنه مستيقن لأنه قد كبر للافتتاح ثم ابتدأ تكبيره سبعا بعد الافتتاح ثم القراءة، وإن استيقن أنه قد كبر للافتتاح بين ظهراني تكبيره ثم كبر بعد الافتتاح لا يدري أواحدة أو أكثر؟ بنى على ما استيقن من التكبير بعد الافتتاح حتى يكمل سبعا.
(قال) :
وإن كبر لافتتاح الصلاة ثم ترك الاستفتاح حتى كبر للعيد ثم ذكر الاستفتاح لم يكن عليه أن يستفتح فإن فعل أحببت أن يعيد تكبيره للعيد سبعا حتى تكون كل واحدة منهن بعد الاستفتاح، فإن لم يفعل فلا إعادة ولا سجود للسهو عليه
[رفع اليدين في تكبير العيدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
«رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه حين افتتح الصلاة وحين أراد أن يركع، وحين رفع رأسه من الركوع ولم يرفع في السجود» فلما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ذكر تكبيرة، وقول سمع الله لمن حمده، وكان حين يذكر الله جل وعز رافعا يديه قائما أو رافعا إلى قيام من غير سجود فلم يجز إلا أن يقال يرفع المكبر في العيدين يديه عند كل تكبيرة كان قائما فيها تكبيرة الافتتاح، والسبع بعدها، والخمس في الثانية، ويرفع يديه عند قوله " سمع الله لمن حمده " لأنه الموضع الذي رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يديه من الصلاة فإن ترك ذلك كله عامدا أو ساهيا أو بعضه كرهت ذلك له، ولا إعادة للتكبير عليه، ولا سجود للسهو.(قال) : وكذلك يرفع يديه إذا كبر على الجنازة عند كل تكبيرة، وإذا كبر لسجدة سجدها شكرا أو سجدة لسجود القرآن كان قائما أو قاعدا لأنه مبتدئ بتكبير فهو في موضع القيام، وكذلك إن صلى قاعدا في شيء من هذه الصلوات يرفع يديه لأنه في موضع قيام وكذلك صلاة النافلة، وكل صلاة صلاها قائما أو قاعدا لأنه كل في موضع قيام.[القراءة في العيدين]أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ضمرة بن سعيد المازني عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله «أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟
فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ب {ق والقرآن المجيد} [ق: 1] ، و {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] »
(قال الشافعي) :
فأحب أن يقرأ في العيدين في الركعة الأولى ب {ق} [ق: 1] وفي الركعة الثانية ب {اقتربت الساعة} [القمر: 1] وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء {إنا أرسلنا نوحا} [نوح: 1] أحببت ذلك.
(قال) :
وإذا قرأ بأم القرآن في كل ركعة مما وصفت أجزأه ما قرأ به معها أو اقتصر عليها أجزأته إن شاء الله تعالى: من غيرها، ولا يجزيه غيرها منها.
(قال) :،
ويجهر بالقراءة في صلاة العيدين والاستسقاء، وإن خافت بها كرهت ذلك له، ولا إعادة عليه، وكذلك إذا جهر فيما يخافت فيه كرهت له، ولا إعادة عليه.
[العمل بعد القراءة في صلاة العيدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
والركوع والسجود والتشهد في صلاة العيدين كهو في سائر الصلوات لا يختلف، ولا قنوت في صلاة العيدين ولا الاستسقاء، وإن قنت عند نازلة لم أكره. وإن قنت عند غير نازلة كرهت له.
[الخطبة على العصا]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب اعتمد على عصا» ، وقد قيل خطب معتمدا على عنزة، وعلى قوس وكل ذلك اعتماد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن ليث عن عطاء «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب يعتمد على عنزته اعتمادا»
(قال الشافعي) :
وأحب لكل من خطب أي خطبة كانت أن يعتمد على شيء، وإن ترك الاعتماد أحببت له أن يسكن يديه وجميع بدنه، ولا يعبث بيديه إما أن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يسكنهما، وإن لم يضع إحداهما على الأخرى، وترك ما أحببت له كله أو عبث بهما أو، وضع اليسرى على اليمني كرهته له، ولا إعادة عليه.
[الفصل بين الخطبتين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس
(قال الشافعي) :
وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة
(قال) :
ويبدأ الإمام في هذا كله إذا ظهر على المنبر فيسلم، ويرد الناس عليه. فإن هذا يروى عاليا ثم يجلس على المنبر حين يطلع عليه جلسة خفيفة كجلوس الإمام يوم الجمعة للأذان ثم يقوم فيخطب ثم يجلس بعد الخطبة الأولى جلسة أخف من هذه أو مثلها ثم يقوم فيخطب ثم ينزل
(قال) :
فالخطب كلها سواء فيما وصفت وفي أن لا يدع الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بأبي وأمي هو " أول كلامه وآخره.
(قال) :
ويخطب الإمام على منبر وعلى بناء وتراب مرتفع وعلى الأرض وعلى راحلته كل ذلك واسع.
(قال الشافعي) :
وإن خطب في غير يوم الجمعة خطبة واحدة، وترك الخطبة أو شيئا مما أمرته به فيها فلا إعادة عليه، وقد أساء، وخطبة الجمعة تخالف هذا فإن تركها صلى ظهرا أربعا لأنها إنما جعلت جمعة بالخطبة فإذا لم تكن، صليت ظهرا، كل ما سوى الجمعة لا يحيل فرضا إلى غيره
[التكبير في الخطبة في العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة في التكبير يوم الأضحى والفطر على المنبر قبل الخطبة أن يبتدئ الإمام قبل أن يخطب، وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام ثم يخطب ثم يجلس جلسة ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام ثم يخطب، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني إسماعيل بن أمية أنه سمع أن التكبير في الأولى من الخطبتين تسع، وفي الآخرة سبع
(قال الشافعي) :
وبقول عبيد الله بن عبد الله نقول فنأمر الإمام إذا قام يخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن فإذا قام ليخطب الخطبة الثانية أن يكبر سبع تكبيرات تترى لا يفصل بينهن بكلام يقول الله أكبر الله أكبر حتى يوفي سبعا فإن أدخل بين التكبيرتين الحمد والتهليل كان حسنا، ولا ينقص من عدد التكبير شيئا، ويفصل بين خطبتيه بتكبير
(قال الشافعي) :
أخبرني الثقة من أهل المدينة أنه أثبت له كتاب عن أبي هريرة فيه تكبير الإمام في الخطبة الأولى يوم الفطر ويوم الأضحى إحدى أو ثلاثا وخمسين تكبيرة في فصول الخطبة بين ظهراني الكلام
(قال الشافعي) :
أخبرني من أثق به من أهل العلم من أهل المدينة قال أخبرني من سمع عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة يوم فطر فظهر على المنبر فسلم ثم جلس ثم قال " إن شعار هذا اليوم التكبير والتحميد " ثم كبر مرارا الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثم تشهد للخطبة ثم فصل بين التشهد بتكبيرة.
(قال الشافعي) :
وإن ترك التكبير أو التسليم على المنبر أو بعض ما أمرته به كرهته له، ولا إعادة عليه في شيء من هذا إذا كان غير خطبة الجمعة
[استماع الخطبة في العيدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأحب لمن حضر خطبة عيد أو استسقاء أو حج أو كسوف أن ينصت ويستمع، وأحب أن لا ينصرف أحد حتى يستمع الخطبة فإن تكلم أو ترك الاستماع أو انصرف كرهت ذلك له، ولا إعادة عليه ولا كفارة، وليس هذا كخطبة يوم الجمعة لأن صلاة يوم الجمعة فرض.
(قال) :
وكذلك أحب للمساكين إن حضروا أن يستمعوا الخطبة، ويكفوا عن المسألة حتى يفرغ الإمام من الخطبة أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد أن عمر بن عبد العزيز كان يترك المساكين يطوفون يسألون الناس في المصلى في خطبته الأولى يوم الأضحى والفطر، وإذا خطب خطبته الآخرة أمر بهم فأجلسوا
(قال الشافعي) :
وسواء الأولى والآخرة أكره لهم المسألة فإن فعلوا فلا شيء عليهم فيها إلا ترك الفضل في الاستماع.
[اجتماع العيدين]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا إبراهيم بن عقبة عن عمر بن عبد العزيز قال: «اجتمع عيدان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب فقال " إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له ".
(قال الشافعي) :
وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم، ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى
(قال الشافعي) :
ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة، وإن كان يوم عيد
(قال الشافعي) :
وهكذا إن كان يوم الأضحى لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلي العيد، ولا يصلي أهل منى صلاة الأضحى، ولا الجمعة لأنها ليست بمصر.
(قال الشافعي) :
وإن كسفت الشمس يوم جمعة، ووافق ذلك يوم الفطر بدأ بصلاة العيد ثم صلى الكسوف إن لم تنجل الشمس قبل أن يدخل في الصلاة.
(قال) :
وإذا كسفت الشمس والإمام في صلاة العيد أو بعده قبل أن يخطب صلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف معا خطبتين يجمع الكلام للكسوف، وللعيد فيهما، وإن كان تكلم لصلاة العيد ثم كسفت الشمس خفف الخطبتين معا، ونزل فصلى الكسوف ثم خطب للكسوف ثم أذن لمن أهله في غير المصر بالانصراف كما وصفت، ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر قدر على شهود الجمعة فإن وافق هذا يوم فطر وجمعة وكسوف وجدب فأراد أن يستسقي أخر صلاة الاستسقاء إلى الغد أو بعده، واستسقى في خطبته ثم خرج فصلى الاستسقاء ثم خطب " قال أبو يعقوب يبدأ بالكسوف ثم بالعيد ما لم تزل الشمس ثم بالجمعة إذا زالت الشمس لأن لكل هذا وقتا وليس للاستسقاء وقت ".
(قال الشافعي) :
ولا أحب أن يستسقي في يوم الجمعة إلا على المنبر لأن الجمعة أوجب من الاستسقاء، والاستسقاء يمنع من بعد منزله قليلا من الجمعة أو يشق عليه
(قال) :
وإن اتفق العيد، والكسوف في ساعة صلى الكسوف قبل العيد لأن وقت العيد إلى الزوال، ووقت الكسوف ذهاب الكسوف فإن بدأ بالعيد ففرغ من الصلاة قبل أن تنجلي الشمس صلى الكسوف، وخطب لهما معا، وإن فرغ من الصلاة، وقد تجلت الشمس خطب للعيد، وإن شاء ذكر فيه الكسوف. .
[من يلزمه حضور العيدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا أرخص لأحد في ترك حضور العيدين ممن تلزمه الجمعة، وأحب إلي أن يصلى العيدان والكسوف بالبادية التي لا جمعة فيها، وتصليها المرأة في بيتها، والعبد في مكانه لأنه ليس بإحالة فرض، ولا أحب لأحد تركها.
(قال) :
ومن صلاها صلاها كصلاة الإمام بتكبيره، وعدده
(قال الشافعي) :
وسواء في ذلك الرجال، والنساء،، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام، ووجد الإمام يخطب جلس فإذا فرغ الإمام صلى صلاة العيد في مكانه أو بيته أو طريقه كما يصليها الإمام بكمال التكبير والقراءة، وإن ترك صلاة العيدين من فاتته أو تركها من لا تجب عليه الجمعة كرهت ذلك له
(قال) :
ولا قضاء عليه وكذلك صلاة الكسوف.
(قال الشافعي) :
ولا بأس إن صلى قوم مسافرون صلاة عيد أو كسوف أن يخطبهم واحد منهم في السفر، وفي القرية التي لا جمعة فيها، وأن يصلوها في مساجد الجماعة في المصر، ولا أحب أن يخطبهم أحد في المصر إذا كان فيه إمام خوف الفرقة.
(قال) :
وإذا شهد النساء الجمعة، والعيدين، وشهدها العبيد والمسافرون فهم كالأحرار المقيمين من الرجال، ويجزئ كلا فيها ما يجزئ كلا
(قال) :
وأحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة، والأعياد، وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات
(قال) : وإذا أراد الرجل العيد فوافى المنصرفين فإن شاء مضى إلى مصلى الإمام فصلي فيه، وإن شاء رجع فصلى حيث شاء.
[التكبير في العيدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يكبر الناس في الفطر حين تغيب الشمس ليلة الفطر فرادى، وجماعة في كل حال حتى يخرج الإمام لصلاة العيد ثم يقطعون التكبير
(قال) :
وأحب أن يكون الإمام يكبر خلف صلاة المغرب والعشاء والصبح وبين ذلك، وغاديا حتى ينتهي إلى المصلى ثم يقطع التكبير، وإنما أحببت ذلك للإمام أنه كالناس فيما أحب لهم، وإن تركه الإمام كبر الناس.
(قال) :،
ويكبر الحاج خلف صلاة الظهر من يوم النحر إلى أن يصلوا الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطعون التكبير إذا كبروا خلف صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، ويكبر إمامهم خلف الصلوات فيكبرون معا، ومتفرقين ليلا ونهارا، وفي كل هذه الأحوال لأن في الحج ذكرين يجهر بهما التلبية، وهي لا تقطع إلا بعد الصبح من يوم النحر، والصلاة مبتدأ التكبير، ولا صلاة بعد رمي الجمرة يوم النحر قبل الظهر ثم لا صلاة: " منى " بعد الصبح من آخر أيام منى.
(قال) :،
ويكبر الناس في الآفاق والحضر والسفر كذلك، ومن يحضر منهم الجماعة، ولم يحضرها والحائض والجنب وغير المتوضئ في الساعات من الليل والنهار ويكبر الإمام، ومن خلفه خلف الصلوات ثلاث تكبيرات وأكثر، وإن ترك ذلك الإمام كبر من خلفه ويكبر أهل الآفاق كما يكبر أهل " منى "، ولا يخالفونهم في ذلك إلا في أن يتقدموهم بالتكبير فلو ابتدءوا بالتكبير خلف صلاة المغرب من ليلة النحر قياسا على أمر الله في الفطر من شهر رمضان بالتكبير مع إكمال العدة، وأنهم ليسوا محرمين يلبون فيكتفون بالتلبية من التكبير لم أكره ذلك، وقد سمعت من يستحب هذا، وإن لم يكبروا، وأخروا ذلك حتى يكبروا بتكبير أهل " منى " فلا بأس إن شاء الله تعالى، وقد روي عن بعض السلف أنه كان يبتدئ التكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة، وأسأل الله تعالى التوفيق.
(قال الشافعي) :
ويكبر الإمام خلف الصلوات ما لم يقم من مجلسه فإذا قام من مجلسه لم يكن عليه أن يعود إلى مجلسه فيكبر، وأحب أن يكبر ماشيا كما هو أو في مجلس إن صار إلى غير مجلسه
(قال) :
ولا يدع من خلفه التكبير بتكبيره، ولا يدعونه إن ترك التكبير، وإن قطع بحديث، وكان في مجلسه فليس عليه أن يكبر من ساعته، واستحب له ذلك فإذا سها لم يكبر حتى يسلم من سجدتي السهو.
(قال) :
وإذا فات رجلا معه شيء من الصلاة فكبر الإمام قام الذي فاته بعض الصلاة يقضي ما عليه، فإن كان عليه سهو سجد له؛ فإذا سلم كبر ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض، وعلى كل حال.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (41)
صــــــــــ 276 الى صـــــــــــ280
[كَيْفَة التَّكْبِيرُ فِي الْعِيد]
كَيْفَ التَّكْبِيرُ؟
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
وَالتَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَيَبْدَأُ الْإِمَامُ فَيَقُولُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ " حَتَّى يَقُولَهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ زَادَ تَكْبِيرًا فَحَسَنٌ،
وَإِنْ زَادَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " فَحَسَنٌ وَمَا زَادَ مَعَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَحْبَبْتُهُ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ نَسْقًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ بَدَأَ بِشَيْءٍ مِنْ الذِّكْرِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّكْبِيرِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
[كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ سُلَيْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ: تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 37 - 38] ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: 164] إلَى قَوْلِهِ " يَعْقِلُونَ " مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ فِي كِتَابِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا سُجُودًا إلَّا مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَمَرَ بِأَنْ لَا يُسْجَدَ لَهُمَا، وَأَمَرَ بِأَنْ يُسْجَدَ لَهُ فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ حَادِثٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى عَنْ السُّجُودِ لَهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُصَلَّى لِلَّهِ
عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يُؤْمَرَ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ بِهَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ صَلَاةً، وَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ حَالٍ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَغِبْطَةٌ لِمَنْ صَلَّاهَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَيُصَلِّي عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرِهِمَا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ،
وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ،
وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك قَدْ تَنَاوَلْتَ فِي مَقَامِك هَذَا شَيْئًا ثُمَّ رَأَيْنَاك كَأَنَّك تَكَعْكَعْت فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتَ أَوْ أُرِيتَ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا،
وَرَأَيْت أَوْ أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ فَقَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ؟
قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَةَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْك خَيْرًا قَطُّ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
فَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ بَعْدَهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ لِلسُّنَّةِ، وَالْخُطْبَةِ لِلْفَرْضِ فَقَدَّمَ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَخَّرَ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَذَلِكَ صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَذُكِرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالْفَزَعِ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي فَزِعَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ التَّذْكِيرُ فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
فَكَانَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِفَايَةٌ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فِعْلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ ثُمَّ ذَكَرَ سُفْيَانُ مَا يُوَافِقُ هَذَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِلَى الصَّلَاةِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ)
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا فِيهِمَا مَعًا بِالصَّلَاةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ الْقَمَرَ انْكَسَفَ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ: إنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَالَ،
وَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهُمَا كَاسِفًا فَلْيَكُنْ فَزَعُكُمْ إلَى اللَّهِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ)
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصَفَتْ صَلَاتَهُ.
رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَرُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا» ، وَفِي قَوْلٍ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْ بِغَيْرِهِ.
[وَقْتُ كُسُوفُ الشَّمْسِ]
، وَقْتُ كُسُوفُ الشَّمْسِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
فَمَتَى كَسَفَتْ الشَّمْسُ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ فَلَا وَقْتَ يَحْرُمُ فِيهِ صَلَاةٌ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَلَا الصَّلَاةِ لِلطَّوَافِ وَلَا الصَّلَاةِ يُؤَكِّدُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا فَيَشْتَغِلَ عَنْهَا أَوْ يَنْسَاهَا.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَدَرَ الْمُصَلِّي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَخْطُبَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَخَفَّفَ فِيهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَمَا أَشْبَهَهَا ثُمَّ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْكُسُوفَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَجَمَعَ فِيهَا الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْجُمُعَةِ، وَنَوَى بِهَا الْجُمُعَةَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَانَ أَخَّرَ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَأَخَفَّ مَا تَكُونُ صَلَاتُهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنْ يَخْطُبَ يَجْمَعُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَدَأَ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَتَتَامَّ تَجَلِّيهَا حَتَّى تَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْكُسُوفِ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ وَلَمْ يَقْضِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ الْوَقْتُ لَمْ يَعْمَلْ (قَالَ) : وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ اجْتَمَعَتْ وَالْكُسُوفُ فَخِيفَ فَوْتُهَا يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَة ِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ فِي الْخُطْبَةِ.
(قَالَ) :
وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَبَدَأَ بِالْكُسُوفِ فَإِنْ فَرَغَتْ الْجِنَازَةُ صَلَّى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا ثُمَّ صَلَّى الْعِيدَ، وَأَخَّرَ الِاسْتِسْقَاءَ إلَى يَوْمِ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (قَالَ) : وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْعِيدِ صَلَّى، وَخَفَّفَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ خَطَبَ لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِمِنًى " صَلَّوْا الْكُسُوفَ،
وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ: بِمِنًى " صَلَّاهَا بِمَكَّةَ.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِلْمَوْقِفِ، وَخَفَّفَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةِ
(قَالَ) :
وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَدَعَا، وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَ ةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُخَفِّفُ لِئَلَّا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدَرَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
إذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ يَخَافُ أَبَدًا فَوْتَ أَحَدِهِمَا، وَلَا يَخَافُ فَوْتَ الْآخَرِ بَدَأَ بِاَلَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الَّذِي لَا يَخَافُ فَوْتَهُ.
(قَالَ) :
وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلَاةِ الْقِيَامِ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْخُسُوفِ، وَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ صَلَاةُ انْفِرَادٍ فَيَبْدَأُ بِهِ قَبْلَهُمَا وَلَوْ فَاتَا.
(قَالَ) :
وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَغِيبَ كَاسِفَةً أَوْ مُتَجَلِّيَةً لَمْ يُصَلُّوا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَسَفَ الْقَمَرُ فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَجَلَّى أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلُّوا، وَإِنْ صَلَّوْا الصُّبْحَ، وَقَدْ غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا صَلَّوْا لِخُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَيُخَفِّفُونَ الصَّلَاةَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ فَلَمْ يَفْرُغُوا مِنْهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَتَمُّوهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
، وَيَخْطُبُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ صَلَاةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ خَوْفٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخُسُوفِ، وَصَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ إيمَاءً حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا، وَمَاشِيًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا يَضُرُّهُ.
(قَالَ) :
وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلَّوْهَا صَلَاةَ خَوْفٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلَّوْهَا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ لَا يَخْتَلِفُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَمَتَى غَفَلَ عَنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَتَّى تَجَلَّى الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ صَلَاتُهَا، وَلَا قَضَاؤُهَا.
(قَالَ) :
فَإِنْ غَفَلُوا عَنْهَا حَتَّى تَنْكَسِفَ كُلُّهَا ثُمَّ يَنْجَلِيَ بَعْضُهَا صَلَّوْا صَلَاةَ كُسُوفٍ مُتَمَكِّنِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا خَائِفِينَ، وَلَا مُتَفَاوِتِينَ، وَإِنْ انْجَلَتْ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْهَا، وَهِيَ كَاسِفَةٌ حَتَّى تَعُودَ بِحَالِهَا قَبْلَ أَنْ تَكْسِفَ.
(قَالَ) :
وَإِنْ انْكَسَفَتْ فَجَلَّلَهَا سَحَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ حَائِلٌ مَا كَانَ فَظَنُّوا أَنَّهَا تَجَلَّتْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْكُسُوفِ إذَا عَلِمُوا أَنَّهَا قَدْ كَسَفَتْ فَهِيَ عَلَى الْكُسُوفِ حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا بِتَجَلِّيهَا، وَلَوْ تَجَلَّى بَعْضُهَا فَرَأَوْهُ صَافِيًا لَمْ يَدَعُوا الصَّلَاةَ لِأَنَّهُمْ مُسْتَيْقِنُونَ بِالْكُسُوفِ، وَلَا يَدْرُونَ انْجَلَى الْمَغِيبُ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَنْجَلِ، وَقَدْ يَكُونُ الْكُسُوفُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَتَنْكَسِفُ كُلُّهَا فَيَتَجَلَّى بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَتَجَلَّى الْبَاقِي بَعْدَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَلَوْ طَلَعَتْ فِي طَخَافٍ أَوْ غَيَانَةٍ أَوْ غَمَامَةٍ فَتَوَهَّمُوهَا كَاسِفَةً لَمْ يُصَلُّوهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا كُسُوفَهَا.
(قَالَ) :
وَإِذَا تَوَجَّهَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّيَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْكُسُوفَ، وَإِنْ كَبَّرَ ثُمَّ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِكَمَالِهَا.
(قَالَ) :
وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَأَكْمَلَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ يَزِيدُ كُسُوفُهَا أَوْ لَا يَزِيدُ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ، وَخَطَبَ النَّاسَ لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي كُسُوفٍ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ كَصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا كَمَا يَجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْأَعْيَادِ، وَأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ لِأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَقَدْ سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ
[الْخُطْبَةُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ نَهَارًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ فِي الْأُولَى حِينَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَلَسَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ نَزَلَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَيَجْعَلُهَا كَالْخُطَبِ يَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضِّ النَّاسِ عَلَى الْخَيْرِ، وَأَمْرِهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَخْطُبُ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ، وَيُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا حَيْثُ يُصَلِّي الْأَعْيَادَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ بِالْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ خَطَبَ رَاكِبًا، وَفَصَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ كَالسَّكْتَةِ إذَا خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْمَعَ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ، وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَا ءِ، وَيُنْصِتُ لَهَا، وَإِنْ انْصَرَفَ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا أَوْ تَكَلَّمَ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
وَأُحِبُّ لِلْقَوْمِ بِالْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ، وَحَيْثُ لَا يَجْمَعُ فِيهِ الصَّلَاةَ أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ أَحَدُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ إذَا صَلَّوْا الْكُسُوفَ
(قَالَ) :
وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْطُبْنَ إذَا لَمْ يَكُنَّ مَعَ رِجَالٍ.
[الْأَذَانُ لِلْكُسُوفِ]ِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
وَلَا أَذَانَ لِكُسُوفٍ وَلَا لِعِيدٍ وَلَا لِصَلَاةٍ غَيْرِ مَكْتُوبَةٍ، وَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ يَصِيحُ " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " أَحْبَبْت ذَلِكَ لَهُ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَقُولَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (42)
صــــــــــ 281 الى صـــــــــــ285
[قدر صلاة الكسوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأحب أن يقوم الإمام في صلاة الكسوف فيكبر ثم يفتتح كما يفتتح المكتوبة ثم يقرأ في القيام الأول بعد الافتتاح بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن إن كان لا يحفظها ثم يركع فيطيل، ويجعل ركوعه قدر مائة آية من سورة البقرة ثم يرفع، ويقول سمع الله لمن حمده ربنا، ولك الحمد، ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول ثم يرفع، ويسجد ثم يقوم في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن، وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر قراءة خمسين آية من البقرة ثم يرفع ويسجد
(قال الشافعي) :
وإن جاوز هذا في بعض وقصر عنه في بعض أو جاوزه في كل أو قصر عنه في كل إذا قرأ أم القرآن في مبتدأ الركعة، وعند رفعه رأسه من الركعة قبل الركعة الثانية في كل ركعة أجزأه.
(قال الشافعي) :
وإن ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة، وصلى ركعة أخرى، وسجد سجدتي السهو كما إذا ترك أم القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها كأنه قرأ بأم القرآن عند افتتاح الصلاة ثم ركع فرفع فلم يقرأ بأم القرآن حتى رفع ثم يعود لأم القرآن فيقرؤها ثم يركع، وإن ترك أم القرآن حتى يسجد ألغى السجود، وعاد إلى القيام حتى يركع بعد أم القرآن.
(قال) :
، ولا يجزئ أن يؤم في صلاة الكسوف إلا من يجزئ أن يؤم في الصلاة المكتوبة فإن أم أمي قراء لم تجزئ صلاتهم عنهم، وإن قرءوا معه إذا كانوا يأتمون به
(قال) :
وإن أمهم قارئ أجزأت صلاته عنهم، وإذا قلت لا تجزئ عنهم أعادوا بإمام ما كانت الشمس كاسفة، وإن تجلت لم يعيدوا، وإن امتنعوا كلهم من الإعادة إلا واحدا أمرت الواحد أن يعيد، فإن كان معه غيره أمرتهما أن يجمعا.
[صلاة المنفردين في صلاة الكسوف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرو أو صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لكسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين.
(قال الشافعي) :
ولا أحسب ابن عباس صلى صلاة الكسوف إلا أن الوالي تركها لعل الشمس تكون كاسفة بعد العصر فلم يصل فصلى ابن عباس أو لعل الوالي كان غائبا أو امتنع من الصلاة
(قال) :
فهكذا أحب لكل من كان حاضرا إماما أن يصلي إذا ترك الإمام صلاة الكسوف أن يصلي علانية إن لم يخف وسرا إن خاف الوالي في أي ساعة كسفت الشمس، وأحسب من روى عنه أن الشمس كسفت بعد العصر، وهو بمكة تركها في زمان بني أمية اتقاء لهم فأما أيوب بن موسى فيذهب إلى أن لا صلاة بعد العصر لطواف ولا غيره، والسنة تدل على ما وصفت من أن يصلي بعد العصر لطواف، والصلاة المؤكدة تنسى، ويشتغل عنها، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا مقيم، ولا لأحد جاز له أن يصلي بحال فيصليها كل من وصفت بإمام تقدمه، ومنفردا إن لم يجد إماما ويصليها كما وصفت صلاة الإمام ركعتين، في كل ركعة ركعتين، وكذلك خسوف القمر
(قال) :
وإن خطب الرجل الذي، وصفت فذكرهم لم أكره.
(قال) :
وإن كسفت الشمس ورجل مع نساء فيهن ذوات محرم منه صلى بهن، وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له، وإن صلى بهن فلا بأس إن شاء الله تعالى فإن كن اللاتي يصلين نساء فليس من شأن النساء الخطبة، ولكن لو ذكرتهن إحداهن كان حسنا.
(قال) :
وإذا صلى الرجل وحده صلاة الكسوف ثم أدركها مع الإمام صلاها كما يصنع في المكتوبة، وكذلك المرأة فلا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء، ولا للعجوز، ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الإمام بل أحبها لهن، وأحب إلي لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن.
[الصلاة في غير كسوف الشمس والقمر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة، ولا ظلمة، ولا لصواعق، ولا ريح ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات.
[كتاب الاستسقاء]
متى يستسقي الإمام، وهل يسأل الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره؟
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وتقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمطرنا من جمعة إلى جمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبيل، وهلكت المواشي فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال: اللهم على رءوس الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر فانجابت عن المدينة انجياب الثوب»
(قال الشافعي) :
فإذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للإمام أن يتخلف عن أن يعمل عمل الاستسقاء، وإن تخلف عن ذلك لم تكن عليه كفارة ولا قضاء، وقد أساء في تخلفه عنه، وترك سنة فيه، وإن لم تكن واجبة، وموضع فضل،
فإن قال قائل:
فكيف لا يكون واجبا عليه أن يعمل عمل الاستسقاء من صلاة وخطبة؟ قيل لا فرض من الصلاة إلا خمس صلوات، وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن جدبا كان ولم يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوله عمل الاستسقاء، وقد عمله بعد مدة منه فاستسقى،
وبذلك قلت: لا يدع الإمام الاستسقاء، وإن لم يفعل الإمام لم أر للناس ترك الاستسقاء لأن المواشي لا تهلك إلا وقد تقدمها جدب دائم، وأما الدعاء بالاستسقاء فما لا أحب تركه إذا كان الجدب، وإن لم يكن ثم صلاة ولا خطبة، وإن استسقى فلم تمطر الناس أحببت أن يعود ثم يعود حتى يمطروا، وليس استحبابي لعودته الثانية بعد الأولى، ولا الثالثة بعد الثانية كاستحبابي للأولى، وإنما أجزت له العود بعد الأولى أن الصلاة والجماعة في الأولى فرض وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى سقي أولا فإذا سقوا أولا لم يعد الإمام، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -
قالت: «أصاب الناس سنة شديدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فمر بهم يهودي فقال: أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم، ولكنه لا يحب ذلك فأخبر الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بقول اليهودي قال: أوقد قال ذلك؟
فقالوا: نعم قال إني لأستنصر بالسنة على أهل نجد، وإني لأرى السحابة خارجة من العين فأكرهها موعدكم يوم كذا أستسقي لكم» فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى مطروا ما شاءوا فما أقلعت السماء جمعة، وإذا خاف الناس غرقا من سيل أو نهر دعوا الله بكف الضرر عنهم كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بكف الضرر عن البيوت أن تهدمت، وكذلك يدعو بكف الضرر من المطر عن المنازل، وأن يجعل حيث ينفع، ولا يضر البيوت من الشجر والجبال والصحاري إذا دعا بكف الضرر، ولم آمر بصلاة جماعة، وأمرت الإمام، والعامة يدعون في خطبة الجمعة، وبعد الصلوات، ويدعو في كل نازلة نزلت بأحد من المسلمين، وإذا كانت ناحية مخصبة، وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقي إمام الناحية المخصبة لأهل الناحية المجدبة ولجماعة المسلمين، ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب فإن ما عند الله واسع، ولا أحضه على الاستسقاء لمن ليس بين ظهرانيه كما أحضه على الاستسقاء لمن هو بين ظهرانيه ممن قاربه، ويكتب إلى الذي يقوم بأمر المجدبين أن يستسقي لهم أو أقرب الأئمة بهم، فإن لم يفعل أحببت أن يستسقي لهم رجل من بين ظهرانيهم.من يستسقي بصلاة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وكل إمام صلى الجمعة، وصلى العيدين استسقى، وصلى الخسوف، ولا يصلي الجمعة إلا حيث تجب لأنها ظهر فإذا صليت جمعة قصرت منها ركعتان، ويجوز أن يستسقي وأستحب أن يصلي العيدين والخسوف حيث لا يجمع من بادية وقرية صغيرة، ويفعله مسافرون في البدو لأنها ليست بإحالة شيء من فرض وهي سنة ونافلة خير، ولا أحب تركه بحال، وإن كان أمري به، واستحبابه حيث لا يجمع ليس هو كاستحبابه حيث يجمع، وليس كأمري به من يجمع من الأئمة والناس، وإنما أمرت به كما وصفت لأنها سنة، ولم ينه عنه أحد يلزم أمره، وإذا استسقى الجماعة بالبادية فعلوا ما يفعلونه في الأمصار من صلاة أو خطبة، وإذا خلت الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيدين، والخسوف، والاستسقاء كما قد «قدم الناس أبا بكر، وعبد الرحمن بن عوف للصلاة مكتوبة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلح بين بني عمر بن عوف، وعبد الرحمن في غزوة تبوك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذهب لحاجته ثم غبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بما صنعوا من تقديم عبد الرحمن بن عوف» فإذا أجاز هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المكتوبة غير الجمعة كانت الجمعة مكتوبة، وكان هذا في غير المكتوبة مما ذكرت أجوز.
[الاستسقاء بغير الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويستسقي الإمام بغير صلاة مثل أن يستسقي بصلاة وبعد خطبته وصلاته، وخلف صلاته، وقد رأيت من يقيم مؤذنا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أن يستسقي، ويحض الناس على الدعاء فما كرهت من صنع ذلك.
[الأذان لغير المكتوبة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
، ولا أذان، ولا إقامة إلا للمكتوبة، فأما الخسوف، والعيدان والاستسقاء، وجميع صلاة النافلة فبغير أذان ولا إقامة.
[كيف يبتدئ الاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وبلغنا عن بعض الأئمة أنه كان إذا أراد أن يستسقي أمر الناس فصاموا ثلاثة أيام متتابعة، وتقربوا إلى الله عز وجل بما استطاعوا من خير ثم خرج في اليوم الرابع فاستسقى بهم، وأنا أحب ذلك لهم، وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياما من غير أن أوجب ذلك عليهم، ولا على إمامهم، ولا أرى بأسا أن يأمرهم بالخروج، ويخرج قبل أن يتقدم إليهم في الصوم، وأولى ما يتقربون إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عوض ثم صلح المشاجر، والمهاجر ثم يتطوعون بصدقة، وصلاة، وذكر، وغيره من البر، وأحب كلما أراد الإمام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر الناس أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثا
[الهيئة للاستسقاء]
للعيدين.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
«خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة، والعيدين بأحسن هيئة» ، وروي أنه «خرج في الاستسقاء متواضعا» وأحسب الذي رواه قال متبذلا فأحب في العيدين أن يخرج بأحسن ما يجد من الثياب وأطيب الطيب، ويخرج في الاستسقاء متنظفا بالماء، وما يقطع تغير الرائحة من سواك وغيره، وفي ثياب تواضع، ويكون مشيه وجلوسه وكلامه كلام تواضع واستكانة، وما أحببت للإمام في الحالات من هذا أحببته للناس كافة وما لبس الناس، والإمام مما يحل لهم الصلاة فيه أجزأه وإياهم.
[خروج النساء والصبيان في الاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وأحب أن يخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء، وكبار النساء، ومن لا هيئة له منهن، ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم، وأكره إخراج من خالف الإسلام للاستسقاء مع المسلمين في موضع مستسقى المسلمين، وغيره، وآمر بمنعهم من ذلك فإن خرجوا متميزين على حدة لم نمنعهم ذلك، ونساؤهم فيما أكره من هذا كرجالهم، ولو تميز نساؤهم، لم أكره من مخرجهم ما أكره من مخرج بالغيهم، ولو ترك سادات العبيد المسلمين العبيد يخرجون كان أحب إلي، وليس يلزمهم تركهم، والإماء مثل الحرائر، وأحب إلي لو ترك عجائزهن، ومن لا هيئة له منهن يخرج، ولا أحب ذلك في ذوات الهيئة منهن، ولا يجب على ساداتهن تركهن يخرجن.
[المطر قبل الاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا تهيأ الإمام للخروج فمطر الناس مطرا قليلا أو كثيرا، أحببت أن يمضي، والناس على الخروج فيشكروا الله على سقياه، ويسألوا الله زيادته، وعموم خلقه بالغيث، وأن لا يتخلفوا فإن فعلوا فلا كفارة، ولا قضاء عليهم، فإن كانوا يمطرون في الوقت الذي يريد الخروج بهم فيه استسقى بهم في المسجد أو أخر ذلك إلى أن يقلع المطر، ولو نذر الإمام أن يستسقي ثم سقى الناس، وجب عليه أن يخرج فيوفي نذره، وإن لم يفعل فعليه قضاؤه، وليس عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم، ولا له أن يلزمهم أن يستسقوا في غير جدب، وكذلك لو نذر رجل أن يخرج يستسقي كان عليه أن يخرج للنذر بنفسه فإن نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه، ولم يكن عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم، ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم، وأحب أن يخرج بمن أطاعه منهم من ولده وغيرهم، فإن كان في نذره أن يخطب فيخطب، ويذكر الله تعالى ويدعو جالسا إن شاء لأنه ليس في قيامه إذا لم يكن واليا، ولا معه جماعة بالذكر طاعة، وإن نذر أن يخطب على منبر فليخطب جالسا، وليس عليه أن يخطب على منبر لأنه لا طاعة في ركوبه لمنبر ولا بعير ولا بناء، إنما أمر بهذا الإمام ليسمع الناس فإن كان إماما، ومعه ناس لم يف نذره إلا بالخطبة قائما لأن الطاعة إذا كان معه ناس فيها أن يخطب قائما فإذا فعل هذا كله فوقف على منبر أو جدار أو قائما أجزأه من نذره، ولو نذر أن يخرج فليستسق أحببت له أن يستسقي في المسجد ويجزئه لو استسقى في بيته.
[أين يصلي للاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويصلي الإمام حيث يصلي العيد في أوسع ما يجد على الناس، وحيث استسقى أجزأه إن شاء الله تعالى.
[الوقت الذي يخرج فيه الإمام للاستسقاء وما يخطب عليه]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويخرج الإمام للاستسقاء في الوقت الذي يصل فيه إلى موضع مصلاه، وقد برزت الشمس فيبتدئ فيصلي فإذا فرغ خطب، ويخطب على منبر يخرجه إن شاء، وإن شاء خطب راكبا أو على جدار أو شيء يرفع له أو على الأرض، كل ذلك جائز له.
[كيف صلاة الاستسقاء]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو أنه سمع عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة»
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم عن جعفر بن محمد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء، ويصلون قبل الخطبة، ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا» ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - مثله
(قال الشافعي) :
أخبرني سعد بن إسحاق عن صالح عن ابن المسيب عن عثمان بن عفان أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا أخبرني إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو الحويرث عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه أنه سأل ابن عباس عن التكبير في صلاة الاستسقاء فقال مثل التكبير في صلاة العيدين سبع وخمس، أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر قال سمعت عباد بن تميم يخبر عن عمه عبد الله بن زيد قال «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة، وحول رداءه، وصلى ركعتين» أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس مثله، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صالح بن محمد بن زائدة عن عمر بن عبد العزيز أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا وكبر في العيدين مثل ذلك أخبرنا إبراهيم قال حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة أن أبا بكر بن عمرو بن حزم أشار على محمد بن هشام أن يكبر في الاستسقاء سبعا، وخمسا
(قال الشافعي) :
فبهذا كله نأخذ فنأمر الإمام يكبر في الاستسقاء سبعا وخمسا قبل القراءة، ويرفع يديه عند كل تكبيرة من السبع، والخمس ويجهر بالقراءة، ويصلي ركعتين لا يخالف صلاة العيد بشيء، ونأمره أن يقرأ فيها ما يقرأ في صلاة العيدين فإذا خافت بالقراءة في صلاة الاستسقاء فلا إعادة عليه، وإن ترك التكبير فكذلك، ولا سجود للسهو عليه، وإن ترك التكبير حتى يفتتح القراءة في ركعة لم يكبر بعد افتتاحه القراءة، وكذلك إن كبر بعض التكبير ثم افتتح بالقراءة لم يقض التكبير في تلك الركعة، وكبر في الأخرى تكبيرها، ولم يقض ما ترك من تكبير الأولى فإن صنع في الأخرى كذلك صنع هكذا يكبر قبل أن يقرأ، ولا يكبر بعدما يقرأ في الركعة التي افتتح فيها القراءة
(قال الشافعي) :
وهكذا هذا في صلاة العيدين لا يختلف، وما قرأ به مع أم القرآن في كل ركعة أجزأه، وإن اقتصر على أم القرآن في كل ركعة أجزأته، وإن صلى ركعتين قرأ في إحداهما بأم القرآن، ولم يقرأ في الأخرى بأم القرآن فإنما صلى ركعة فيضيف إليها أخرى، ويسجد للسهو، ولا يعتد هو، ولا من خلفه بركعة لم يقرأ فيها، وإن صلى ركعتين لم يقرأ في واحدة منهما بأم القرآن أعادهما خطب أم لم يخطب فإن لم يعدهما حتى ينصرف أحببت له إعادتهما من الغد أو يومه إن لم يكن الناس تفرقوا، وإذا أعادهما أعاد الخطبة بعدهما، وإن كان هذا في صلاة العيد أعادهما من يومه ما بينه، وبين أن تزول الشمس فإذا زالت لم يعدهما لأن صلاة العيد في وقت فإذا مضى لم تصل، وكل يوم وقت لصلاة الاستسقاء، ولذلك يعيدهما في الاستسقاء بعد الظهر، وقبل العصر. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (43)
صــــــــــ 286 الى صـــــــــــ290
[الطهارة لصلاة الاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولا يصلي حاضر، ولا مسافر صلاة الاستسقاء ولا عيد، ولا جنازة، ولا يسجد للشكر، ولا سجود القرآن، ولا يمس مصحفا إلا طاهرا الطهارة التي تجزيه للصلاة المكتوبة لأن كلا صلاة، ولا يحل مس مصحف إلا بطهارة، وسواء خاف فوت شيء من هذه الصلوات أو لم يخفه يكون ذلك سواء في المكتوبات. .
[الخطبة في الاستسقاء]
كيف الخطبة في الاستسقاء؟
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما، ويحمده ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه، ويقول كثيرا {استغفروا ربكم إنه كان غفارا - يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 10 - 11] .
[الدعاء في خطبة الاستسقاء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويقول " اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لأهل طاعتك، وكنا قد قارفنا ما خالفنا فيه الذين محضوا طاعتك فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتنا في سقيانا، وسعة رزقنا "، ويدعو بما شاء بعد للدنيا والآخرة ويكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه، ويختم به، ويكون أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام، ويحض الناس على التوبة، والطاعة، والتقرب إلى الله عز وجل
(قال الشافعي) :
وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان إذا استسقى قال: اللهم أمطرنا» ، أخبرنا إبراهيم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان يقول عند المطر: اللهم سقيا رحمة، ولا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق اللهم على الظراب، ومنابت الشجر اللهم حوالينا، ولا علينا» ،
(قال) :
وروى سالم بن عبد الله عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد، والبهائم، والخلق من اللأواء، والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع، والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا»
(قال الشافعي) :
وأحب أن يدعو الإمام بهذا، ولا وقت في الدعاء، ولا يجاوزه، أخبرنا إبراهيم عن المطلب بن السائب عن ابن المسيب قال استسقى عمر، وكان أكثر دعائه الاستغفار.
(قال الشافعي) :
وإن خطب خطبة واحدة لم يجلس فيها، ولم يكن عليه إعادة، وأحب أن يجلس حين يرقى المنبر أو موضعه الذي يخطب فيه ثم يخطب ثم يجلس فيخطب.
[تحويل الإمام الرداء في صلاة الاستسقاء]
تحويل الإمام الرداء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويبدأ فيخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ثم يقوم فيخطب بعض الخطبة الآخرة فيستقبل الناس في الخطبتين ثم يحول وجهه إلى القبلة، ويحول رداءه ويحول الناس أرديتهم معه فيدعو سرا في نفسه، ويدعو الناس معه ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم، ويأمرهم بخير، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو أكثر من القرآن،
ويقول: أستغفر الله لي ولكم ثم ينزل، وإن استقبل القبلة في الخطبة الأولى لم يكن عليه أن يعود لذلك في الخطبة الثانية، وأحب لمن حضر الاستسقاء استماع الخطبة والإنصات، ولا يجب ذلك وجوبه في الجمعة.كيف تحويل الإمام رداءه في الخطبة.
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا الدراوردي عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم قال «استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة له سوداء فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه»
(قال الشافعي) :
وبهذا أقول فنأمر الإمام أن ينكس رداءه فيجعل أعلاه أسفله، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن فيكون قد جاء بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نكسه، وبما فعل من تحويل الأيمن على الأيسر إذا خف له رداؤه فإن ثقل فعل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحويل ما على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، وما على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن، ويصنع الناس في ذلك ما صنع الإمام فإن تركه منهم تارك أو الإمام أو كلهم كرهت تركه لمن تركه، ولا كفارة، ولا إعادة عليه، ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذي يخطب فيه، وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها، وإن اقتصر رجل على تحويل ردائه، ولم ينكسه أجزأه إن شاء الله تعالى لسعة ذلك، وكذلك لو اقتصر على نكسه، ولم يحول إلا نكسا، رجوت أن يجزيه
[كراهية الاستمطار بالأنواء]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
أخبرنا عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟
قالوا الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا، وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب»
(قال الشافعي) : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بأبي هو وأمي " هو عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا معاني، وإنما مطر بين ظهراني قوم أكثرهم مشركون لأن هذا في غزوة الحديبية، وأرى معنى قوله، والله أعلم أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله عز وجل وأما من قال مطرنا بنوء كذا، وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه، ولا لغيره شيئا، ولا يمطر،
ولا يصنع شيئا فأما من قال: مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا، ولا يكون هذا كفرا، وغيره من الكلام أحب إلي منه (قال الشافعي) : أحب أن يقول مطرنا في وقت كذا، وقد روي عن عمر أنه قال يوم الجمعة،
وهو على المنبر: كم بقي من نوء الثريا؟ فقام العباس فقال لم يبق منه شيء إلا العواء فدعا، ودعا الناس حتى نزل عن المنبر فمطر مطرا حيي الناس منه،
وقول عمر هذا يبين ما وصفت لأنه إنما أراد: كم بقي من وقت الثرياء؟ ليعرفهم بأن الله عز وجل قدر الأمطار في أوقات فيما جربوا كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات، وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح، وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح ثم قرأ {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} [فاطر: 2] ، وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئا على عكازه،
وقد مطر الناس فقال: أجاد ما أقرى المجدح البارحة، فأنكر عمر قوله " أجاد ما أقرى المجدح " لإضافة المطر إلى المجدح.البروز للمطر
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده» ،
وروي عن ابن عباس أن السماء أمطرت فقال لغلامه: أخرج فراشي، ورحلي يصيبه المطر فقال أبو الجوزاء لابن عباس: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ فقال أما تقرأ كتاب الله {ونزلنا من السماء ماء مباركا} [ق: 9] فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي، أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب أنه رآه في المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه ثم رجع إلى مجلسه [ما يقال عند السيل]السيل
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
، أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سال السيل يقول اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه، ونحمد الله عليه»
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه، وقال ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا به.
[طلب الإجابة في الدعاء]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
أخبرني من لا أتهم قال حدثني عبد العزيز بن عمر من مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة ونزول الغيث»
(قال الشافعي) :
وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة.
[القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
أخبرني من لا أتهم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا برقت السماء أو رعدت عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سري عنه»
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم قال: قال المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أبصرنا شيئا في السماء يعني السحاب ترك عمله، واستقبل القبلة قال اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه فإن كشفه الله حمد الله تعالى، وإن مطرت قال: اللهم سقيا نافعا»
(قال الشافعي) :
وأخبرني من لا أتهم قال حدثني أبو حازم عن ابن المسيب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع حس الرعد عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سري عنه فسئل عن ذلك فقال إني لا أدري بما أرسلت أبعذاب أم برحمة»
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم قال حدثنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس قال «ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، وقال اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» قال قال ابن عباس في كتاب الله عز وجل {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} [القمر: 19] ، و {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: 41] وقال {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] {يرسل الرياح مبشرات} [الروم: 46] .
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم قال أخبرنا صفوان بن سليم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها»
(قال الشافعي) :
ولا ينبغي لأحد أن يسب الريح فإنها خلق الله عز وجل مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء
(قال الشافعي) :
أخبرنا محمد بن عباس قال «شكا رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفقر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلك تسب الريح؟» أخبرنا الثقة عن الزهري عن ثابت بن قيس عن أبي هريرة قال أخذت الناس ريح بطريق مكة، وعمر حاج فاشتدت فقال عمر - رضي الله عنه - لمن حوله: " ما بلغكم في الريح؟ " فلم يرجعوا إليه شيئا فبلغني الذي سأل عنه عمر من أمر الريح فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر،
وكنت في مؤخر الناس فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها وعوذوا بالله من شرها» أخبرنا سفيان بن عيينة قال قلت لابن طاووس: ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد؟
قال كان يقول: سبحان من سبحت له
(قال الشافعي) :
كأنه يذهب إلى قول الله عز وجل {ويسبح الرعد بحمده} [الرعد: 13] .
[الإشارة إلى المطر]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
أخبرنا من لا أتهم قال حدثنا سليمان بن عبد الله عن عروة بن الزبير قال " إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشير إليه، وليصف، ولينعت "
(قال الشافعي) :
ولم تزل العرب تكره الإشارة إليه في الرعد،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة أن مجاهدا كان يقول: الرعد ملك، والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب
(قال الشافعي) :
ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن، أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل {يكاد البرق يخطف أبصارهم} [البقرة: 20]
(قال) :
وبلغني عن مجاهد أنه قال، وقد سمعت من تصيبه الصواعق كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} [الرعد: 13] ،
وسمعت من يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت.كثرة المطر وقلته
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
أخبرنا إبراهيم عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «ما من ساعة من ليل، ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء»
(قال الشافعي)
أخبرنا من لا أتهم عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه «أن الناس مطروا ذات ليلة فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - غدا عليهم فقال ما على الأرض بقعة إلا، وقد مطرت هذه الليلة»
(قال الشافعي) :
أخبرنا من لا أتهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس السنة بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا ثم تمطروا، ولا تنبت الأرض شيئا» .أي الأرض أمطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن الأسود عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «المدينة بين عيني السماء عين بالشام، وعين باليمن، وهي أقل الأرض مطرا»
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم قال أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد الملك الهاشمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اسكت أقل الأرض مطرا،
وهي بين عيني السماء يعني المدينة: عين بالشام، وعين باليمن» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني من لا أتهم.
قال أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: يوشك أن تمطر المدينة مطرا لا يكن أهلها البيوت، ولا يكنهم إلا مظال الشعر.
(قال الشافعي) :
أخبرني من لا أتهم عن صفوان بن سليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يصيب المدينة مطر لا يكن أهلها بيت من مدر»
(قال الشافعي) :
أخبرنا من لا أتهم قال أخبرني محمد بن زيد بن مهاجر عن صالح بن عبد الله بن الزبير أن كعبا قال له،
وهو يعمل وتدا بمكة: اشدد، وأوثق فإنا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان،
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: جاء مكة مرة سيل طبق ما بين الجبلين.
(قال الشافعي)
وأخبرني من لا أتهم قال أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: يوشك المدينة أن يصيبها مطر أربعين ليلة لا يكن أهلها بيت من مدر.أي الريح يكون بها المطر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني عبد الله بن عبيدة عن محمد بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نصرت بالصبا، وكانت عذابا على من كان قبلي»
(قال الشافعي)
وبلغني أن قتادة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما هبت جنوب قط إلا أسالت واديا»
(قال الشافعي) :
يعني أن الله خلقها تهب نشرا بين يدي رحمته من المطر،
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا سليمان عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال:
إن الله تبارك وتعالى يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء ثم تمر في السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة ثم تمطر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي.
قال أخبرنا من لا أتهم قال: حدثني إسحاق بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا أنشئت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها»
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (44)
صــــــــــ 291 الى صـــــــــــ300
[الحكم في تارك الصلاة]
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الإسلام قيل له لم لا تصلي؟ فإن ذكر نسيانا قلنا فصل إذا ذكرت، وإن ذكر مرضا قلنا فصل كيف أطقت قائما أو قاعدا أو مضطجعا أو موميا فإن قال أنا أطيق الصلاة، وأحسنها، ولكن لا أصلي وإن كانت علي فرضا قيل له الصلاة عليك شيء لا يعمله عنك غيرك، ولا تكون إلا بعملك فإن صليت، وإلا استتبناك فإن تبت، وإلا قتلناك فإن الصلاة أعظم من الزكاة، والحجة فيها ما وصفت من أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال " لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله.
(قال الشافعي) :
يذهب فيما أرى، والله تعالى أعلم إلى قول الله تبارك وتعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] : وأخبر أبو بكر أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا من منع الزكاة إذ كانت فريضة من فرائض الله جل ثناؤه، ونصب دونها أهلها فلم يقدر على أخذها منهم طائعين، ولم يكونوا مقهورين عليها فتؤخذ منهم كما تقام عليهم الحدود كارهين وتؤخذ أموالهم لمن وجبت له بزكاة أو دين كارهين أو غير كارهين فاستحلوا قتالهم والقتال سبب القتل فلما كانت الصلاة، وإن كان تاركها في أيدينا غير ممتنع منا فإنا لا نقدر على أخذ الصلاة منه لأنها ليست بشيء يؤخذ من يديه مثل اللقطة، والخراج، والمال.قلنا إن صليت، وإلا قتلناك كما يفكر فنقول إن قبلت الإيمان، وإلا قتلناك إذ كان الإيمان لا يكون إلا بقولك، وكانت الصلاة، والإيمان مخالفين معا ما في يديك، وما نأخذ من مالك لأنا نقدر على أخذ الحق منك في ذلك، وإن كرهت فإن شهد عليه شهود أنه ترك الصلاة سئل عما قالوا فإن قال كذبوا، وقد يمكنه أن يصلي حيث لا يعلمون صدق، وإن قال نسيت صدق وكذلك لو شهدوا أنه صلى جالسا،
وهو صحيح فإن قال: أنا مريض أو تطوعت صدق
(قال الشافعي) :
وقد قيل يستتاب تارك الصلاة ثلاثا، وذلك إن شاء الله تعالى حسن فإن صلى في الثلاث، وإلا قتل، وقد خالفنا بعض الناس فيمن ترك الصلاة إذا أمر بها،
وقال: لا أصليها فقال: لا يقتل،
وقال بعضهم: أضربه وأحبسه، وقال بعضهم أحبسه، ولا أضربه، وقال بعضهم لا أضربه، ولا أحبسه، وهو أمين على صلاته
(قال الشافعي) :
فقلت لمن يقول لا أقتله: أرأيت الرجل تحكم عليه بحكم برأيك وهو من أهل الفقه فيقول قد أخطأت الحكم، ووالله لا أسلم ما حكمت به لمن حكمت له قال فإن قدرت على أخذه منه أخذته منه، ولم ألتفت إلى قوله، وإن لم أقدر،
ونصب دونه قاتلته حتى آخذه أو أقتله فقلت له: وحجتك أن أبا بكر قاتل من منع الزكاة، وقتل منهم،
قال: نعم،
قلت: فإن قال لك: الزكاة فرض من الله لا يسع جهله، وحكمك رأي منك يجوز لغيرك عندك، وعند غيرك أن يحكم بخلافه فكيف تقتلني على ما لست على ثقة من أنك أصبت فيه كما تقتل من منع فرض الله عز وجل في الزكاة الذي لا شك فيه؟
قال: لأنه حق عندي وعلي جبرك عليه.
(قلت) :
قال لك، ومن قال لك إن عليك جبري عليه؟ قال: إنما وضع الحكام ليجبروا على ما رأوا
(قلت) :
فإن قال لك: علي ما حكموا به من حكم الله أو السنة أو ما لا اختلاف فيه؟
قال: قد يحكمون بما فيه الاختلاف
(قلت) :
فإن قال: فهل سمعت بأحد منهم قاتل على رد رأيه فتقتدي به؟ فقال: وأنا لم أجد هذا فإني إذا كان لي الحكم فامتنع منه قاتلته عليه
(قلت) :
ومن قال لك هذا؟
(وقلت) :
أرأيت لو قال لك قائل: من ارتد عن الإسلام إذا عرضته عليه فقال قد عرفته
، ولا أقول به أحبسه وأضربه حتى يقول به قال: ليس ذلك له لأنه قد بدل دينه،
ولا يقبل منه إلا أن يقول به قلت: أفتعدو الصلاة إذ كانت من دينه،
وكانت لا تكون إلا به كما لا يكون القول بالإيمان إلا به أن يقتل على تركها أو يكون أمينا فيها كما قال بعض أصحابك: فلا نحبسه، ولا نضربه؟ قال لا يكون أمينا عليها إذا ظهر لي أنه لا يصليها، وهي حق عليه قلت أفتقتله برأيك في الامتناع من حكمك برأيك، وتدع قتله في الامتناع من الصلاة التي هي أبين ما افترض الله عز وجل عليه بعد توحيد الله وشهادة أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بما جاء به من الله تبارك وتعالى
[الحكم في الساحر والساحرة]
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الله تبارك وتعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 102] .
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال يا عائشة أما علمت أن الله أفتاني في أمر استفتيته فيه، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء،
ولا يأتيهن أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما بال الرجل؟
قال: مطبوب، قال ومن طبه، قال لبيد بن أعصم،
قال: وفيم؟
قال: في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعونة أو رعوفة في بئر ذروان قال فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هذه التي أريتها كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين، وكأن ماءها نقاعة الحناء قال فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فأخرج قالت عائشة: فقلت يا رسول الله فهلا قال سفيان تعني تنشرت قالت فقال أما الله عز وجل فقد شفاني، وأكره أن أثير على الناس منه شرا» قال ولبيد بن أعصم من بني زريق حليف اليهود
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول كتب عمر " أن اقتلوا كل ساحر وساحرة " فقتلنا ثلاث سواحر.
(قال الشافعي) :
وأخبرنا أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها.
(قال الشافعي) :
والسحر اسم جامع لمعان مختلفة فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل، وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله،
وإن قال: إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به ففيه الدية، ولا قود، وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه، ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية، ولا قود لهم مال الساحر، ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا، وأمر عمر أن يقتل السحار عندنا، والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمر حفصة، وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى، وحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد هذه المعاني عندنا، والله تعالى أعلم.
(قال الشافعي) :
حقن الله الدماء، ومنع الأموال إلا بحقها بالإيمان بالله، وبرسوله أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب، وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان إذا لم يكن لهم عهد قال الله تبارك وتعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} [التوبة: 5] إلى {غفور رحيم} [التوبة: 5]
(قال الشافعي) :
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»
(قال الشافعي) :
والذي أراد الله عز وجل أن يقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، أهل الأوثان من العرب، وغيرهم الذين لا كتاب لهم،
فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قيل له قال الله عز وجل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29]
(قال الشافعي) :
فمن لم يزل على الشرك مقيما لم يحول عنه إلى الإسلام فالقتل على الرجال دون النساء منهم.
[المرتد عن الإسلام]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ومن انتقل عن الشرك إلى إيمان ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل قال الله عز وجل {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: 217] إلى {هم فيها خالدون} [البقرة: 39]
(قال الشافعي) :
أخبرنا الثقة من أصحابنا عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس»
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة قال: لما بلغ ابن عباس أن عليا - رضي الله تعالى عنه -
حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه» ولم أحرقهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله»
(قال الشافعي) :
أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال «من غير دينه فاضربوا عنقه»
(قال الشافعي) : حديث يحيى بن سعيد ثابت، ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد لأنه منقطع، ولا الحديث قبله
(قال) :
ومعنى حديث عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» ، ومعنى، " من بدل قتل " معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق، وهو الإسلام لا من بدل غير الإسلام وذلك أن من خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل على الخروج من الباطل إنما يقتل على الخروج من الحق لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله عز وجل عليه الجنة وعلى خلافه النار إنما كان على دين له النار إن أقام عليه قال الله جل ثناؤه {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] ، وقال الله عز وجل {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] إلى قوله {من الخاسرين} [البقرة: 64] وقال {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} [البقرة: 132] إلى قوله {مسلمون} [البقرة: 132]
(قال الشافعي) :
وإذا قتل المرتد أو المرتدة فأموالهما فيء لا يرثها مسلم ولا ذمي، وسواء ما كسبا من أموالهما في الردة أو ملكا قبلها، ولا يسبى للمرتدين ذرية امتنع المرتدون في دارهم أو لم يمتنعوا أو لحقوا في الردة بدار الحرب أو أقاموا بدار الإسلام لأن حرمة الإسلام قد ثبتت للذرية بحكم الإسلام في الدين والحرية، ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم، ويوارثون، ويصلى عليهم، ومن بلغ منهم الحنث أمر بالإسلام فإن أسلم، وإلا قتل، ولو ارتد المعاهدون فامتنعوا أو هربوا إلى دار الكفار، وعندنا ذراري لهم ولدوا من أهل عهد لم نسبهم، وقلنا لهم إذا بلغوا ذلك - إن شئتم فلكم العهد، وإلا نبذنا إليكم فاخرجوا من بلاد الإسلام فأنتم حرب -، ومن ولد من المرتدين من المسلمين، والذميين في الردة لم يسب لأن آباءهم لا يسبون، ولا يؤخذ من ماله شيء ما كان حيا فإن مات على الردة أو قتل جعلنا ماله فيئا، وإن رجع إلى الإسلام فماله له، وإذا ارتد رجل عن الإسلام أو امرأة استتيب أيهما ارتد، فظاهر الخبر فيه أن يستتاب مكانه فإن تاب، وإلا قتل، وقد يحتمل الخبر أن يستتاب مدة من المدد،
أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟
فقال: نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟
قال: قربناه فضربنا عنقه،
فقال عمر: " فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني "
(قال الشافعي) :
وفي حبسه ثلاثا قولان: أحدهما أن يقال ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: «يحل الدم بثلاث كفر بعد إيمان» ، وهذا قد كفر بعد إيمانه، وبدل دينه دين الحق، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
فيه بأناة مؤقتة تتبع فإن قال قائل إن الله جل ثناؤه أجل بعض من قضى بعذابه أن يتمتع في داره ثلاثة أيام فإن نزول نقمة الله بمن عصماه مخالف لما يجب على الأئمة أن يقوموا به من حق الله فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قيل: دل عليه ما قضى الله تبارك وتعالى من إمهاله لمن كفر به، وعصاه، وقيل: أسلناه مددا طالت، وقصرت، ومن أخذه بعضهم بعذاب معجل، وإمهاله بعضهم إلى عذاب الآخرة الذي هو أخزى فأمضى قضاءه على ما أراد لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه فما وجب من حقوقه فالمتأنى به ثلاثا ليتوب بعد ثلاث كهيئته قبلها إما لا ينقطع منه الطمع ما عاش لأنه يئس من توبته ثم يتوب، وإما أن يكون إغرامه يقطع الطمع منه فذلك يكون في مجلس، وهذا قول يصح والله تعالى أعلم،
ومن قال: لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذي روي عن عمر لو حبستموه ثلاثا، ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلا، وإن كان ثابتا كأن لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا، والقول الثاني أنه يحبس ثلاثا، ومن قال به احتج بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر به،
وأنه قد يجب الحد فيتأنى به الإمام بعض الأناة فلا يعاب عليه قال الربيع قال الشافعي في موضع آخر: لا يقتل حتى يجوز كل وقت صلاة فيقال له: قم فصل فإن لم يصل قتل
(قال الشافعي) :
اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل: من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أو لا يظهره لم يستتب وقتل، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهره استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل، وإن كانت ردته إلى دين لا يظهره مثل الزندقة وما أشبهها قتل، ولم ينظر إلى توبته، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن لم يولد عليها إذا فأيهما ارتد استتيب، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل
(قال الشافعي) :
وبهذا أقول فإن قال قائل: لم اخترته؟
قيل له: لأن الذي أبحت به دم المرتد ما أباح الله به دماء المشركين ثم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» فلا يعدو قوله أن يكون كلمة الكفر توجب دمه كما يوجبه الزنا بعد الإحصان فقتل بما أوجب دمه من كلمة الكفر إلى أي كفر رجع، ومولودا على الفطرة كان أو غير مولود، أو يكون إنما يوجب دمه كفر ثبت عنه إذا سئل النقلة عنه امتنع، وهذا أولى المعنيين به عندنا لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قتل مرتدا رجع عن الإسلام وأبو بكر قتل المرتدين وعمر قتل طليحة، وعيينة بن بدر، وغيرهما
(قال الشافعي) :
والقولان اللذان تركت ليسا بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرهما، وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} [المنافقون: 1 - 2] إلى قوله {فطبع على قلوبهم} [المنافقون: 3]
(قال) :
وقد قيل في قول الله عز وجل {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] ما هم بمخلصين، وفي قول الله آمنوا ثم كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} [التوبة: 74] فحقن بما أظهروا من الحلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا
(قال) :
وقول الله جل ثناؤه {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 2] يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل، والله ولي السرائر
(قال الشافعي) :
أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن «المقداد أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» قال الربيع معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن شاء الله تعالى «فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» ، يعني أنه بمنزلتك حرام الدم، وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذي قال "
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الصلاة
الحلقة (45)
صــــــــــ 291 الى صـــــــــــ300
(قال الشافعي) :
وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا دين يظهرونه إنما أظهروا الإسلام، وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر على أحكام المسلمين فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم، وتركوا في مساجد المسلمين
(قال الشافعي) :
ولا رجع عن الإيمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عز وجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل أخبر الله عز وجل عن أسرارهم، ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان، ومنهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير شهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر الله عز وجل عنهم بقول ظاهر فقال عز وجل {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} [الأحزاب: 12] فكلهم إذا قال ما قال، وثبت على قوله أو جحد أو أقر،
وأظهر الإسلام ترك بإظهار الإسلام فلم يقتل فإن قال قائل: فإن الله عز وجل قال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة: 84] إلى قوله {فاسقون} [التوبة: 84] فإن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخالفة صلاة المسلمين سواه لأنا نرجو أن لا يصلي على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه، وقد قضى الله {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} [النساء: 145] ، وقال جل ثناؤه {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نهي عنهم، وصلاة المسلمين غيره، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنها، ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة فذلك يدخل عليه فيما سواه من الأحكام فيقال فيمن ترك - عليه السلام - قتله أو قتله جعل هذا له خاصة وليس هذا لأحد إلا بأن تأتي دلالة على أن أمرا جعل خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فما صنع عام، على الناس الاقتداء به في مثله إلا ما بين هو أنه خاص أو كانت عليه دلالة بخبر
(قال الشافعي) :
وقد عاشروا أبا بكر وعمر وعثمان أئمة الهدى، وهم يعرفون بعضهم فلم يقتلوا منهم أحدا، ولم يمنعوه حكم الإسلام في الظاهر إذ كانوا يظهرون الإسلام، وكان عمر يمر بحذيفة بن اليمان إذا مات ميت فإن أشار عليه أن اجلس جلس، واستدل على أنه منافق ولم يمنع من الصلاة عليه مسلما، وإنما يجلس عمر عن الصلاة عليه لأن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق إذا كان لهم من يصلي عليهم سواه، وقد يرتد الرجل إلى النصرانية ثم يظهر التوبة منها وقد يمكن فيه أن يكون مقيما عليه لأنه قد يجوز له ذلك عنده بغير مجامعة النصارى ولا غشيان الكنائس، فليس في ردته إلى دين لا يظهره إذا أظهر التوبة شيء يمكن بأن يقول قائل لا أجد دلالة على توبته بغير قوله إلا، وهو يدخل في النصرانية، وكل دين يظهره ويمكن فيه قبل أن يظهر ردته أن يكون مشتملا على الردة فإن قال قائل لم أكلف هذا إنما كلفت ما ظهر، والله ولي ما غاب فأقبل القول بالإيمان إذا قاله ظاهرا وأنسبه إليه، وأعمل به إذا عمل فهذا واحد في كل أحد سواء لا يختلف، ولا يجوز أن يفرق بينه إلا بحجة إلا أن يفرق الله ورسوله بينه، ولم نعلم لله حكما، ولا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يفرق بينه، وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر، والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه، فالحجة فيما وصفنا من المنافقين وفي «الرجل الذي استفتى فيه المقداد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قطع يده على الشرك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهلا كشفت عن قلبه؟» يعني أنه لم يكن لك إلا ظاهره، وفي «قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المتلاعنين إن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به أديعج جعدا فلا أراه إلا قد صدق فجاءت به على النعت المكروه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أمره لبين لولا ما حكم الله» وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإني إنما أقطع له قطعة من النار»
(قال الشافعي) :
ففي كل هذا دلالة بينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقض إلا بالظاهر فالحكام بعده أولى أن لا يقضوا إلا على الظاهر، ولا يعلم السرائر إلا الله عز وجل والظنون محرم على الناس، ومن حكم بالظن لم يكن ذلك له والله تعالى أعلم
(قال الشافعي) :
وإذا ارتد الرجل أو المرأة عن الإسلام فهرب، ولحق بدار الحرب أو غيرها، وله نساء وأمهات أولاد، ومكاتبون ومدبرون، ومماليك، وأموال ماشية، وأرضون وديون له عليه أمر القاضي نساءه أن يعتددن، وأنفق عليهن من ماله، وإن جاء تائبا، وهن في عدتهن فهو على النكاح، وإن لم يأت تائبا حتى تمضي عدتهن فقد انفسخن منه، وينكحن من شئن، ووقف أمهات الأولاد فمتى جاء تائبا فهن في ملكه، وينفق عليهن من ماله فإن مات أو قتل عتقن، وكان مكاتبوه على كتابتهم تؤخذ نجومهم فإن عجزوا رجعوا رقيقا، ونظر فيمن بقي من رقيقه فإن كان حبسهم أزيد في ماله حبسهم أو من كان منهم يزيد في ماله بخراج أو بصناعة أو كفاية لضيعة، وإن كان حبسهم ينقص من ماله أو حبس بعضهم باع من كان حبسه منهم ناقصا لماله وهكذا يصنع في ماشيته، وأرضه، ودوره، ورقيقه ويقتضي دينه، ويقضي عنه ما حل من دين عليه فإن رجع تائبا سلم إليه ما وقف من ماله وإن مات أو قتل على ردته كان ما بقي من ماله فيئا.
(قال الشافعي) :
وإن جنى في ردته جناية لها أرش أخذ من ماله، وإن جني عليه فالجناية هدر لأن دمه مباح فما دون دمه أولى أن يباح من دمه.
(قال) :
وإن أعتق في ردته أحدا من رقيقه فالعتق موقوف ويستغل العبد، ويوقف عليه فإن مات فهو رقيق، وغلته مع عنقه فيء، وإن رجع تائبا فهو حر، وله ما غل بعد العتق
(قال) :
وإن أقر في ردته بشيء من ماله فهو كما وصفت في العتق، وكذلك لو تصدق
(قال) :
وإن، وهب فلا تجوز الهبة لأنها لا تجوز إلا مقبوضة
(قال الشافعي) :
فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله يعتق فيبطل عتقه ويتصدق فتبطل صدقته، ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟ الفرق بينهما أن الله تبارك وتعالى يقول {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] فكان قضاء الله عز وجل أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا ويؤنس منهم رشد فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم، وأنها محبوسة برحمة الله لصلاحهم في حياتهم، ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم ولا يصلح معايشهم فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه لأنه لا يلزمهم عتق ولا صدقة، ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله ولا بأنه له وإن كان مشركا، ولو كان يجوز أن يترك على شركه لجاز أمره في ماله، لأنا لا نلي على المشركين أموالهم فأجزنا عليه ما صنع فيه إن رجع إلى الإسلام، وإن لم يرجع حتى يموت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئا، فإن قيل أو ليس ماله على حاله؟
قيل: بل ماله على شرط.
[الخلاف في المرتد]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال بعض الناس إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست ولم تقتل،
فقلت لمن يقول هذا القول: أخبرا قلته أم قياسا؟
قال: بل خبرا عن ابن عباس، وكان من أحسن أهل العلم من أهل ناحيته قولا فيه قلت الذي قال هذا خطاء ومنهم من أبطله بأكثر
(قال الشافعي) :
وقلت: له قد حدث بعض محدثيكم عن أبي بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فما كان لنا أن نحتج به إذ كان ضعيفا عند أهل العلم بالحديث
(قال) :
فإني أقوله قياسا على السنة
(قلت) :
فاذكره قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والولدان من أهل دار الحرب» فإذا كان النساء لا يقتلن في دار الحرب كان النساء اللاتي ثبت لهن حرمة الإسلام أولى أن لا يقتلن
(قال الشافعي) :
فقلت له أويشبه حكم دار الحرب الحكم في دار الإسلام
(قال) :
وما الفرق بينه؟ قلت أنت تفرق بينه
(قال) :
وأين؟ قلت: أرأيت الكبير الفاني،
والراهب الأجير أيقتل من هؤلاء أحد في دار الحرب قال: لا
(قلت) :
فإن ارتد رجل فترهب أو ارتد أجيرا نقتله قال: نعم
(قلت) :
ولم؟ ، وهؤلاء قد ثبت لهم حرمة الإسلام، وصاروا كفارا فلم لا تحقن دماءهم؟ (قال) : لأن قتل هؤلاء كالحد ليس لي تعطيله
(قلت) :
أرأيت ما حكمت به حكم الحد أنسقطه عن المرأة؟ أرأيت القتل والقطع، والرجم، والجلد أتجد بين المرأة والرجل من المسلمين فيه فرقا؟ قال: لا
(قلت)
فكيف لم تقتلها بالحد في الردة
(قال الشافعي) :
وقلت له أرأيت المرأة من دار الحرب أتغنم مالها، وتسبيها، وتسترقها قال نعم
(قلت) :
فتصنع هذا بالمرتدة في دار الإسلام؟ قال: لا، قال فقلت له: فكيف جاز لك أن تقيس بالشيء ما لا يشبهه في الوجهين
(قال الشافعي) :
وقال بعض الناس، وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فقتل أو مات على ردته أو لحق بدار الحرب قسمنا ميراثه بين ورثته من المسلمين، وقضينا كل دين عليه إلى أجل وأعتقنا أمهات أولاده، ومدبريه فإن رجع إلى الإسلام لم نرد من الحكم شيئا إلا أن نجد من ماله شيئا في يدي أحد من ورثته فيردون عليه لأنه ماله، ومن أتلف من ورثته شيئا مما قضينا له به ميراثا لم يضمنه
(قال الشافعي) :
فقلت لأعلى من قال هذا القول عندهم: أصول العلم عندك أربعة أصول أوجبها وأولاها أن يؤخذ به فلا يترك كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما، ثم القياس، والمعقول عندك الذي يؤخذ به بعد هذين الإجماع فقد خالفت القياس والمعقول، وقلت في هذا قولا متناقضا
(قال) :
فأوجدني ما وصفت قلت له قال الله: تبارك وتعالى {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} [النساء: 176] مع ما ذكر من آي المواريث ألا ترى أن الله عز وجل إنما ملك الأحياء بالمواريث ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟ قال: بلى (قلت) :
والأحياء خلاف الموتى؟ قال: نعم
(قلت) :
أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة لأهل الحرب يراها فيكون قائما بقتالنا أو مترهبا أو معتزلا لا تعرف حياته فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حي؟ بخبر قلته أم قياسا
(قال) :
ما قلته خبرا
(قلت) :
وكيف عبت أن حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في امرأة المفقود تربص أربع سنين ثم تعتد،
ولم يحكما في ماله فقلت:
سبحان الله يجوز أن يحكم عليه بشيء من حكم الموتى، وإن كان الأغلب أنه ميت لأنه قد يكون غير ميت، ولا يحكم عليه إلا بيقين، وحكمت أنت عليه في ساعة من نهار حكم الموتى في كل شيء برأيك ثم قلت فيه قولا متناقضا
(قال) :
فقال ألا تراني لو أخذته فقتلته
(قلت) :
وقد تأخذه فلا تقتله بأخذه مبرسما أو أخرس فلا تقتله حتى يفيق فتستتيبه قال نعم
(قال) :
وقلت له أرأيت لو كنت إذا أخذته قتلته أكان ذلك يوجب عليه حكم الموتى، وأنت لم تأخذه ولم تقتله، وقد تأخذه، ولا تقتله بأن يتوب بعدما تأخذه، وقبل تغير حاله بالخرس؟
(قال) :
فإني أقول إذا ارتد، ولحق بدار الحرب فحكمه حكم ميت
(قال) :
فقلت له أفيجوز أن يقال ميت يحيا بغير خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز لغيرك مثله ثم كان لأهل الجهل أن يتكلموا في الحلال والحرام
(قال) :
وما ذلك لهم
(قلت) :
ولم؟
(قال) :
لأن على أهل العلم أن يقولوا من كتاب أو سنة أو أمر مجمع عليه أو أثر أو قياس أو معقول، ولا يقولون بما يعرف الناس غيره إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر، ولا يجوز في القياس أن يخالف
(قلت) :
هذا سنة؟
قال: نعم
(قلت) :
فقد قلت بخلاف الكتاب، والقياس، والمعقول
(قال) :
فأين خالفت القياس؟
(قلت) :
أرأيت حين زعمت أن عليك إذا ارتد، ولحق بدار الحرب أن تحكم عليه حكم الموتى، وأنك لا ترد الحكم إذا جاء لأنك إذا حكمت به لزمك إن جاءت سنة فتركته لم تحكم عليه في ماله عشر سنين حتى جاء تائبا ثم طلب منك من كنت تحكم في ماله حكم الموتى أن تسلم ذلك إليه، وقال قد لزمك أن تعطينا هذا بعد عشر سنين؟
قال:
ولا أعطيهم ذلك، وهو أحق بماله (قلت) : له فإن قالوا إن كان هذا لزمك فلا يحل لك إلا أن تعطيناه، وإن كان لم يلزمك إلا بموته فقد أعطيتناه في حال لا يحل لك، ولا لنا ما أعطيتنا منه
(قال الشافعي) :
وقلت له أرأيت إذ زعمت أنك إذا حكمت عليه بحكم الموتى فهل يعدو الحكم فيه أن يكون نافذا لا يرد أو موقوفا عليه يرد إذا جاء
(قال) :
ما أقول بهذا التحديد
(قلت) :
أفتفرق بينه بخبر يلزم فنتبعه؟
(قال) :
لا فقلت إذا كان خلاف القياس، والمعقول، وتقول بغير خبر أيجوز؟
قال: إنما فرق أصحابكم بغير خبر
(قلت)
أفرأيت ذلك ممن فعله منهم صوابا؟ قال: ل
ا (قلت) :
أو رأيت أيضا قولك إذا كان عليه دين إلى ثلاثين سنة فلحق بدار الحرب فقضيت صاحب الدين دينه، وهو مائة ألف دينار، وأعتقت أمهات أولاده، ومدبريه، وقسمت ميراثه بين بنيه فأصاب كل واحد منهما ألف دينار فأتلف أحدهما نصيبه،
والآخر بعينه ثم جاء مسلما من يومه أو غده فقال: اردد علي ما لي فهو هذا، وهؤلاء أمهات أولادي، ومدبري بأعيانهم، وهذا صاحب ديني يقول لك: هذا ماله في يدي لم أغيره، وهذان ابناي مالي في يد أحدهما أو قد صادني الآخر فأتلف مالي
(قال) :
أقول له: قد مضى الحكم، ولا يرد غير أني أعطيك المال الذي في يد ابنك الذي لم يتلفه فقلت له فقال لك ولم تعطينيه دون مالي
(قال) :
لأنه مالك بعينه فقلت له: فمدبروه وأمهات أولاده، ودينه المؤجل ماله بعينه فأعطه إياه (قال) : لا أعطيه إياه لأن الحكم قد مضى به
(قلت) :
ومضى ما أعطيت ابنه قال نعم
(قلت) :
فحكمت حكما، واحدا فإن كان الحق إمضاءه فأمضه كله، وإن كان الحق رده فرده كله (قال) : أرد ما وجدته بعينه
(قلت) :
له فاردد إليه دينه المؤجل بعينه ومدبريه،
وأمهات أولاده قال:
أرد عين ما وجدت في يد وارثه (قلت) : له أفترى هذا جوابا؟ فما زاد على أن قال فأين السنة؟
(قال الشافعي) :
فقلت له أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر»
(قال الشافعي) :
أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله
(قلت)
أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر، وبذلك أقتله
(قلت) :
أفما تبين لك السنة أن المسلم لا يرث الكافر قال فإنا قد روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه ورث مرتدا قتله وورثته من المسلمين.
(قال)
: فقلت أنا أسمعك وغيرك تزعمون أن ما روي عن علي من توريثه المرتد خطأ وأن الحفاظ لا يروونه في الحديث
(قال) :
فقد رواه ثقة، وإنما قلنا خطأ بالاستدلال، وذلك ظن
(قال) :
فقلت له: روى الثقفي، وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه رحمهما الله تعالى عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» فقلت فلم يذكر جابرا الحفاظ فهذا يدل على أنه غلط أفرأيت لو احتججنا عليك بمثل حجتك فقلنا: هذا ظن والثقفي ثقة، وأن صنع غيره أوشك قال فإذا لا تنصف
(قلت) :
وكذلك لم تنصف أنت حين أخبرتني أن الحفاظ رووا هذا الحديث عن علي - رضي الله تعالى عنه - ليس فيه توريث ماله،
وقلت: هذا غلط ثم احتججت به، فقال لو كان ثابتا، قلت فأصل ما نذهب إليه نحن وأنت وأهل العلم أن ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت عن غيره خلافه ولو كثروا لم يكن فيه حجة؟
قال: أجل ولكني أقول: قد يحتمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» الذي لم يسلم قط
(قال الشافعي) :
فقلت له: أفتقول هذا بدلالة في الحديث؟
قال: لا، ولكن عليا - رضي الله تعالى عنه - أعلم به فقلت أيروي علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث فنقول لا يدع شيئا رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرف معناه فيوجه على ما قلت؟
(قال) :
ما علمته رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- (قلت) :
أفيمكن فيه أن لا يكون سمعه؟ قال: نعم
(قال الشافعي) :
فقلت له: أفترى لك في هذا حجة؟
قال:
لا يشبه أن يكون يخفى مثل هذا عن علي - رضي الله تعالى عنه -
فقلت:
وقد وجدتك تخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في بروع بنت واشق بمثل صداق نسائها، وكانت نكحت على غير صداق فقضى بخلافه، وقد سمعته وقال مثل قول علي ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس فقلت: لا حجة لأحد ولا في قوله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له: فإن قال لك قائل قد يمكن أن يكون إنما قال هذا زيد وابن عمر وابن عباس لأنهم علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن زوج بروع فرض لها بعد عقدة النكاح فحفظ معقل أن عقدة النكاح بعد فريضة،
وعلم هؤلاء أن الفريضة قد كانت بعد الدخول:
قال. ليس في حديث معقل، وهؤلاء لم يرووه فيكونون قالوه برواية. وإنما قالوا عندنا بالرأي حتى يدعوا فيه رواية.
(قال الشافعي) :
فقلت لم لا يكون ما رويت عن علي في المرتد هكذا؟
(قال) :
وقلت له معاذ بن جبل يورث المسلم من الكافر ومعاوية وابن المسيب ومحمد بن علي وغيرهم، ويقول بعضهم: نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم، ولا تحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال لك قائل: فمعاذ بن جبل من أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يحتمل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» من أهل الأوثان، لأن أكثر حكمه كان عليهم، وليس يحل نساؤهم، ولكن المسلم يرث الكافر من أهل الكتاب كما يحل له نكاح المرأة منهم، قال: ليس ذلك له والحديث يحتمل كثيرا مما حمل، وليس معاذ حجة، وإن قال قولا واحتمله الحديث لأنه لم يرو الحديث
(قلت) :
فنقول لك ومعاذ يجهل هذا، ويرويه أسامة بن زيد؟
قال: نعم. قد يجهل السنة المتقدم الصحبة ويعرفها قليل الصحبة (قال الشافعي) : فقلت له كيف لم تقل هذا في المرتد؟
(قال الشافعي) :
فقطع الكلام: وقال، ولم قلت يكون مال المرتد فيئا؟
(قلت) :
بأن الله تبارك وتعالى حرم دم المؤمن وماله إلا بواحدة ألزمه إياها، وأباح دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة، فكان الذي يباح به دم البالغ من المشركين هو الذي يباح به ماله، وكان المال تبعا للذي هو أعظم من المال، فلما خرج المرتد من الإسلام صار في معنى من أبيح دمه بالكفر لا بغيره وكان ماله تبعا لدمه، ويباح بالذي أبيح به من دمه، ولا يكون أن تنحل عنه عقدة الإسلام فيباح دمه ويمنع ماله
(قال الشافعي) :
فقال: فإن كنت شبهته بأهل دار الحرب فقد جمعت بينهم في شيء، وفرقته في آخر
(قلت) :
وما ذاك؟ قال: أنت لا تغنم ماله حتى يموت أو تقتله، وقد يغنم مال الحربي قبل أن يموت وتقتله
(قال الشافعي) :
فقلت له: الحكم في أهل دار الحرب حكمان: فأما من بلغته الدعوة فأغير عليه بغير دعوة آخذ ماله وإن لم أقتله، وأما من لم تبلغه الدعوة فلا أغير عليه حتى أدعوه، ولا أغنم من ماله شيئا حتى أدعوه فيمتنع فيحل دمه وماله، فلما كان القول في المرتد أن يدعى لم يغنم ماله حتى يدعى، فإذا امتنع قتل، وغنم ماله.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (46)
صــــــــــ 301 الى صـــــــــــ305
[كتاب الجنائز]
[باب ما جاء في غسل الميت]
كتاب الجنائز باب ما جاء في غسل الميت أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال مالك بن أنس: ليس لغسل الميت حد ينتهي لا يجزئ دونه، ولا يجاوز، ولكن يغسل فينقى وأخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن في غسل بنته اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور»
(قال الشافعي) :
وعاب بعض الناس هذا القول على مالك،
وقال: سبحان الله كيف لم يعرف أهل المدينة غسل الميت، والأحاديث فيه كثيرة؟ ثم ذكر أحاديث عن إبراهيم، وابن سيرين فرأى مالك معانيها على إنقاء الميت لأن روايتهم جاءت عن رجال غير واحد في عدد الغسل، وما يغسل به،
فقال: غسل فلان فلانا بكذا وكذا: وقال: غسل فلان بكذا وكذا ثم ورأينا، والله أعلم ذلك على قدر ما يحضرهم مما يغسل به الميت وعلى قدر إنقائه لاختلاف الموتى في ذلك اختلاف الحالات، وما يمكن الغاسلين ويتعذر عليهم فقال مالك قولا مجملا " يغسل فينقى " وكذلك روي الوضوء مرة واثنتين وثلاثا وروي الغسل مجملا.وذلك كله يرجع إلى الإنقاء وإذا أنقي الميت بماء قراح أو ماء عد أجزأه ذلك من غسله كما ننزل ونقول معهم في الحي، وقد روي فيه صفة غسله
(قال الشافعي) :
ولكن أحب إلي أن يغسل ثلاثا بماء عد لا يقصر عن ثلاث لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اغسلنها ثلاثا» ، وإن لم ينقه ثلاثا أو خمسا؟ قلنا يزيدون حتى ينقوها، وإن أنقوا في أقل من ثلاث أجزأه، ولا نرى أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على معنى الإنقاء إذ قال وترا ثلاثا أو خمسا ولم يوقت أخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن أبي جعفر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل ثلاثا» ،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عطاء قال: يجزئ في غسل الميت مرة فقال عمر بن عبد العزيز ليس فيه شيء مؤقت، وكذلك بلغنا عن ثعلبة بن أبي مالك
(قال الشافعي) :
والذي أحب من غسل الميت أن يوضع على سرير الموتى، ويغسل في قميص أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص»
(قال) :
فإن لم يغسل في قميص ألقيت على عورته خرقة لطيفة تواريها، ويستر بثوب، ويدخل بيتا لا يراه إلا من يلي غسله ويعين عليه، ثم يصب رجل الماء إذا وضع الذي يلي غسله على يده خرقة لطيفة فيشدها ثم يبتدئ بسفلته ينقيها كما يستنجي الحي ثم ينظف يده ثم يدخل التي يلي بها سفله فإن كان يغسله واحد أبدل الخرقة التي يلي بها سفلته، وأخذ خرقة أخرى نقية فشدها على يده ثم صب الماء عليها، وعلى الميت ثم أدخلها في فيه بين شفتيه، ولا يفغر فاه فيمرها على أسنانه بالماء، ويدخل أطراف أصابعه في منخريه بشيء من ماء فينقي شيئا إن كان هنالك ثم يوضئه وضوءه للصلاة ثم يغسل رأسه ولحيته بالسدر فإن كان ملبدا فلا بأس أن يسرح بأسنان مشط مفرجة، ولا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن ما دون رأسه إلى أن يغسل قدمه اليمنى، ويحركه حتى يغسل ظهره كما يغسل بطنه ثم يتحول إلى شقه الأيسر فيصنع به مثل ذلك، ويقلبه على أحد شقيه إلى الآخر كل غسله حتى لا يبقى منه موضع إلا أتى عليه بالماء والسدر ثم يصنع به ذلك ثلاثا أو خمسا ثم يمر عليه الماء القراح قد ألقي فيه الكافور، وكذلك في كل غسله حتى ينقيه ويمسح بطنه مسحا رقيقا، والماء يصب عليه ليكون أخفى لشيء إن خرج منه.
(قال) :
وغسل المرأة شبيه بما وصفت من غسل الرجل
(قال الشافعي) :
وقال بعض الناس يغسل الأول بماء قراح، ولا يعرف زعم الكافور في الماء،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت: «دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور»
(قال الشافعي) :
وإن كانت امرأة ضفروا شعر رأسها كله ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون ثم ألقيت خلفها
(قال الشافعي) :
وأنكر هذا علينا بعض الناس فقال يسدل شعرها من بين ثدييها، وإنما نتبع في هذه الآثار،
ولو قال قائل: تمشط برأيه ما كان إلا كقول هذا المنكر علينا، أخبرنا الثقة من أصحابنا عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت ضفرنا شعر بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها
(قال الشافعي) :
ونأمر بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن غسلت، وكفنت ابنته، وبحديثها يحتج الذي عاب على مالك قوله ليس في غسل الميت شيء يوقت ثم يخالفه في غير هذا الموضع.
(قال) :
وخالفنا في ذلك فقال لا يسرح رأس الميت، ولا لحيته، وإنما يكره من تسريحه أن ينتف شعره فأما التسريح الرفيق فهو أخف من الغسل بالسدر، وهو تنظيف وتمشية له
(قال) :
ويتبع ما بين أظفاره بعود لين يخلل ما تحت أظفار الميت من وسخ وفي ظاهر أذنيه وسماخه
(قال) :
والمهنى يحلقون فإن كان بأحد منهم وسخ متلبد رأيت أن يغسل بالأشنان، ويتابع دلكه لينقى الوسخ
(قال الشافعي) :
ومن أصحابنا من قال: لا أرى أن يحلق بعد الموت شعر، ولا يجز له ظفر ومنهم من لم ير بذلك بأسا، وإذا حنط الميت وضع الكافور على مساجده والحنوط في رأسه ولحيته
(قال) :
وإن وضع فيهما وفي سائر جسده كافور فلا بأس إن شاء الله
(قال) :
ويوضع الحنوط، والكافور على الكرسف ثم يوضع على منخريه وفيه وأذنيه ودبره، وإن كان له جراح نافذة وضع عليها
(قال) :
فإن كان يخاف من ميتته أو ميته أن يأتي عند التحريك إذا حملا شيئا لعلة من العلل استحببت أن يشد على سفليهما معا بقدر ما يراه يمسك شيئا إن أتى من ثوب صفيق فإن خف فلبد صفيق
(قال) :
ويجب أن يكون في البيت الذي فيه الميت تبخير لا ينقطع حتى يفرغ من غسله ليواري ريحا إن كانت متغيرة، ولا يتبع بنار إلى القبر.
(قال) :
وأحب إلي إن رأى من المسلم شيئا أن لا حدث به فإن المسلم حقيق أن يستر ما يكره من المسلم، وأحب إلي أن لا يغسل الميت إلا أمين على غسله
(قال) :
وأولى الناس بغسله أولاهم بالصلاة عليه وإن ولي ذلك غيره فلا بأس، وأحب أن يغض الذي يصب على الميت بصره عن الميت فإن عجز عن غسله واحد أعانه عليه غيره
(قال)
: ثم إذا فرغ من غسل الميت جفف في ثوب حتى يذهب ما عليه من الرطوبة ثم أدرج في أكفانه
(قال) :
وأحب لمن غسل الميت أن يغتسل، وليس بالواجب عندي، والله أعلم، وقد جاءت أحاديث في ترك الغسل منها «لا تنجسوا موتاكم» ، ولا بأس أن يغسل المسلم إذا قرابته من المشركين، ويتبع جنائزه، ويدفنه ولكن لا يصلي عليه، وذلك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا - رضي الله عنه - بغسل أبي طالب» ولا بأس أن يعزى المسلم إذا مات قال الربيع: إذا مات أبوه كافرا.
[باب في كم يكفن الميت]
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي - رحمه الله تعالى -، ويكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض، وكذلك بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن، ولا أحب أن يقمص، ولا يعمم» أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص، ولا عمامة»
(قال الشافعي) :
وما كفن فيه الميت أجزأه إن شاء الله، وإنما قلنا هذا «لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة» واحدة فدل ذلك على أن ليس فيه لا ينبغي أن نقصر عنه، وعلى أنه يجزئ ما وارى العورة.
(قال) :
فإن قمص أو عمم فلا بأس إن شاء الله ولا أحب أن يجاوز بالميت خمسة أثواب فيكون سرفا
(قال) :
وإذا كفن ميت في ثلاثة أثواب أجمرت بالعود حتى يعبق بها المجمر ثم يبسط أحسنها وأوسعها أولها، ويدر عليه شيء من الحنوط ثم بسط عليه الذي يليه في السعة ثم ذر عليه من حنوط ثم بسط عليه الذي يليه ثم ذر عليه شيء من حنوط ثم وضع الميت عليه مستلقيا، وحنط كما وصفت لك ووضع عليه القطن كما وصفته لك ثم يثني عليه صنفة الثوب الذي يليه على شقه الأيمن ثم يثني عليه صنفته الأخرى على شقه الأيسر كما يشتمل الإنسان بالساج
(يعني الطيلسان)
حتى توازيها صنفة الثوب التي ثنيت أولا بقدر سعة الثوب ثم يصنع بالأثواب الثلاثة كذلك
(قال) :
ويترك فضل من الثياب عند رأسه أكثر من عند رجليه ما يغطيهما ثم يعطف فضل الثياب من عند الرأس والرجلين فإن خشي أن تنحل عقدت الثياب، فإذا وضع في اللحد حلت عقده كلها
(قال) :
وإن كفن في قميص جعل القميص دون الثياب والثياب فوقه، وإن عمم جعلت العمامة دون الثياب، والثياب فوقها، وليس في ذلك ضيق إن شاء الله تعالى
(قال) :
وإن لم يكن إلا ثوب واحد أجزأ، وإن ضاق وقصر غطي به الرأس والعورة، ووضع على الرجلين شيء، وكذلك فعل يوم أحد ببعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (
قال الشافعي) :
فإن ضاق عن الرأس، والعورة غطيت به العورة.
(قال) :
وإن مات ميت في سفينة في البحر صنع به هكذا فإن قدروا على دفنه، وإلا أحببت أن يجعلوه بين لوحين، ويربطوهما بحبل ليحملاه إلى أن ينبذه البحر بالساحل فلعل المسلمين أن يجدوه فيواروه، وهي أحب إلي من طرحه للحيتان يأكلوه، فإن لم يفعلوا وألقوه في البحر رجوت أن يسعهم
(قال) :
والمرأة يصنع بها في الغسل والحنوط ما وصفت، وتخالف الرجل في الكفن إذا كان موجودا فتلبس الدرع، وتؤزر وتعمم، وتلف، ويشد ثوب على صدرها بجميع ثيابها
(قال) :
وأحب إلي أن يجعل الإزار دون الدرع لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنته بذلك، والسقط يغسل، ويكفن، ويصلى عليه إن استهل، وإن لم يستهل غسل، وكفن، ودفن
(قال) :
والخرقة التي توازي لفافة تكفيه
(قال) :
، والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام مثل الموتى في الكفن، والغسل، والصلاة، والذين قتلوا في المعركة يكفنون بثيابهم التي قتلوا فيها إن شاء أولياؤهم والوالي لهم وتنزع عنهم خفاف كانت وفراء، وإن شاء نزع جميع ثيابهم وكفنهم في غيرها، فإن قال قائل فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «زملوهم بكلومهم ودمائهم» فالكلوم والدماء غير الثياب ولو كفن بعضهم في الثياب لم يكن هذا مضيفا وإن كفن بعض في غير الثياب التي قتل فيها وقد «كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض شهداء أحد بنمرة كان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه فجعل على رجليه شيئا من شجر» ، وقد كان في الحرب لا يشك أن قد كانت عليه ثياب.
(قال الشافعي) :
وكفن الميت، وحنوطه، ومؤنته حتى يدفن من رأس ماله ليس لغرمائه ولا لوارثه منع ذلك فإن تشاحوا فيه فثلاثة أثواب إن كان وسطا لا موسرا ولا مقلا، ومن الحنوط بالمعروف لا سرفا ولا تقصيرا، ولو لم يكن حنوط ولا كافور في شيء من ذلك رجوت أن يجزئ.
[باب ما يفعل بالشهيد]
، وليس في التراجم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا قتل المشركون المسلمين في المعترك لم تغسل القتلى، ولم يصل عليهم ودفنوا بكلومهم ودمائهم، وكفنهم أهلوهم فيما شاءوا كما يكفن غيرهم إن شاءوا في ثيابهم التي تشبه الأكفان وتلك القمص والأزر والأردية، والعمائم لا غيرها، وإن شاءوا سلبوها وكفنوهم في غيرها كما يصنع بالموتى من غيرهم، وتنزع عنهم ثيابهم التي ماتوا فيها ألا ترى أن بعض شهداء أحد كفن في نمرة، وقد كان لا يشك إن شاء الله تعالى عليهم السلاح، والثياب،
وقال بعض الناس: يكفنون في الثياب التي قتلوا فيها إلا فراء أو حشوا أو لبدا
(قال) :
ولم يبلغنا أن أحدا كفن في جلد ولا فرو ولا حشو، وإن كان الحشو ثوبا كله فلو كفن به لم أر به بأسا لأنه من لبوس عامة الناس فأما الجلد فليس يعلم من لباس الناس،
وقال بعض الناس: يصلى عليهم ولا يغسلون، واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة صلي عليه سبعين صلاة، وكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم ويصلى عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه ثم يؤتى بآخرين فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلي عليه سبعين صلاة.
(قال) :
وشهداء أحد اثنان وسبعون شهيدا فإذا كان قد صلي عليهم عشرة عشرة في قول الشعبي فالصلاة لا تكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان فنجعله على أكثرها على أنه صلي على اثنين صلاة، وعلى حمزة صلاة فهذه تسع صلوات فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن كان عنى سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع فهي إذا كانت تسع صلوات ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون؟ فينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه، وقد كان ينبغي له أن يعارض بهذه الأحاديث كلها عينان فقد جاءت من وجوه متواترة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليهم، وقال «زملوهم بكلومهم» ،
ولو قال قائل: يغسلون ولا يصلى عليهم ما كانت الحجة عليه إلا أن يقال له تركت بعض الحديث، وأخذت ببعض
(قال) :
ولعل ترك الغسل، والصلاة على من قتله جماعة المشركين إرادة أن يلقوا الله عز وجل بكلومهم لما جاء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن ريح الكلم ريح المسك، واللون لون الدم» ، واستغنوا بكرامة الله عز وجل لهم عن الصلاة لهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين لما يكون فيمن قاتل بالزحف من المشركين من الجراح، وخوف عودة العدو، ورجاء طلبهم، وهمهم بأهليهم، وهم أهلهم بهم.
(قال) :
وكان مما يدل على هذا أن رؤساء المسلمين غسلوا عمر، وصلوا عليه، وهو شهيد، ولكنه إنما صار إلى الشهادة في غير حرب، وغسلوا المبطون، والحريق، والغريق، وصاحب الهدم، وكلهم شهداء، وذلك أنه ليس فيمن معهم من الأحياء معنى أهل الحرب فأما من قتل في المعركة، وكذلك عندي لو عاش مدة ينقطع فيها الحرب، ويكون الأمان، وإن لم يطعم، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن، وصلي عليه
(قال الشافعي) :
وإن قتل صغير في معركة أو امرأة صنع بهما ما يصنع بالشهداء، ولم يغسلا، ولم يصل عليهما، ومن قتل في المعترك بسلاح أو غيره أو وطء دابة أو غير ذلك مما يكون به الحتف فحاله حال من قتل بالسلاح،
وخالفنا في الصبي بعض الناس فقال: ليس كالشهيد، وقال قولنا بعض الصحابة، وقال الصغير شهيد، ولا ذنب له فهو أفضل من الكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلهم» ، أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلهم» أخبرنا سفيان عن الزهري، وثبته معمر عن ابن أبي الصغير «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرف على قتلى أحد فقال شهدت على هؤلاء فزملوهم بدمائهم، وكلومهم»
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (47)
صــــــــــ 306 الى صـــــــــــ310
[باب المقتول الذي يغسل ويصلى عليه ومن لم يوجد]
، وليس في التراجم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ومن قتله مشرك منفردا أو جماعة في حرب من أهل البغي أو غيرهم أو قتل بقصاص غسل إن قدر على ذلك، وصلي عليه لأن معناه غير معنى من قتله المشركون، ومعنى من قتله مشرك منفردا ثم هرب غير معنى من قتل في زحف المشركين لأن المشركين لا يؤمن أن يعودوا، ولعلهم أن يطلبوا واحدا منهم فيهرب، وتؤمن عودته، وأهل البغي منا ولا يشبهون المشركين ألا ترى أنه ليس لنا اتباعهم كما يكون لنا اتباع المشركين؟ ،
وقال بعض الناس: من قتل مظلوما في غير المصر لغير سلاح فيغسل فقيل له: إن كنت قلت هذا بأثر عقلناه قال: ما فيه أثر،
قلنا: فما العلة التي فرقت فيها بين هؤلاء إن أردت اسم الشهادة فعمر شهيد قتل في المصر وغسل، وصلي عليه، وقد نجد اسم الشهادة يقع عندنا وعندك على القتل في المصر بغير سلاح والغريق والمبطون وصاحب الهدم في المصر وغيره، ولا نفرق بين ذلك ونحن وأنت نصلي عليهم، ونغسلهم، وإن كان الظلم به اعتللت فقد تركت من قتل في المصر مظلوما بغير سلاح من أن تصيره إلى حد الشهداء، ولعله أن يكون أعظمهم أجرا لأن القتل بغير سلاح أشد منه،
وإذا كان أشد منه كان أعظم أجرا وقال بعض الناس أيضا: إذا أغار أهل البغي فقتلوا فالرجال والنساء والولدان كالشهداء لا يغسلون وخالفه بعض أصحابه فقال: الولدان أطهر، وأحق بالشهادة
(قال الشافعي) : وكل هؤلاء يغسل، ويصلى عليه لأن الغسل والصلاة سنة في بني آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم الذين قتلهم المشركون الجماعة خاصة في المعركة.
(قال الشافعي) : من أكله سبع أو قتله أهل البغي أو اللصوص أو لم يعلم من قتله غسل وصلي عليه، فإن لم يوجد إلا بعض جسده صلي على ما وجد منه، وغسل ذلك العضو،
وبلغنا عن أبي عبيدة أنه صلى على رءوس قال بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان: إن أبا عبيدة صلى على رءوس، وبلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل فعرفوها بالخاتم فغسلوها، وصلوا عليها،
قال بعض الناس: يصلى على البدن الذي فيه القسامة، ولا يصلى على رأس، ولا يد
(قال الشافعي) : وإن كان لا قسامة فيه عنده ولم يوجد في أرض أحد فكيف نصلي عليه؟ وما للقسامة، والصلاة، والغسل؟ ، وإذا جاز أن يصلى على بعض جسده دون بعض فالقليل من يديه والكثير في ذلك لهم سواء، ولا يصلى على الرأس، والرأس موضع السمع، والبصر واللسان، وقوام البدن، ويصلى على البدن بلا رأس. الصلاة سنة المسلمين، وحرمة قليل البدن لأنه كان فيه الروح حرمة كثيرة في الصلاة
[باب اختلاط موتى المسلمين بموتى الكفار]
ليس في التراجم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا غرق الرجال أو أصابهم هدم أو حريق وفيهم مشركون كانوا أكثر أو أقل من المسلمين صلى عليهم، وينوي بالصلاة المسلمين دون المشركين،
وقال بعض الناس: إذا كان المسلمون أكثر صلى عليهم، ونوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وإن كان المشركون أكثر لم يصل على واحد منهم
(قال الشافعي) : لئن جازت الصلاة على مائة مسلم فيهم مشرك بالنية لتجوزن على مائة مشرك فيهم مسلم، وما هو إلا أن يكونوا إذا خالطهم مشرك لا يعرف فقد حرمت الصلاة عليهم وإن الصلاة تحرم على المشركين فلا يصلى عليهم، أو تكون الصلاة واجبة على المسلمين، وإن خالطهم مشرك نوى المسلم بالصلاة، ووسع ذلك المصلي، وإن لم يسع الصلاة في ذلك مكان المشركين كانوا أكثر أو أقل
(قال الشافعي) : وما نحتاج في هذا القول إلى أن نبين خطأه بغيره، فإن الخطأ فيه لبين، وما ينبغي أن يشكل على أحد له علم.
[باب حمل الجنازة]
وليس في التراجم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويستحب للذي يحمل الجنازة أن يضع السرير على كاهله بين العمودين المقدمين ويحمل بالجوانب الأربع،
وقال قائل: لا تحمل بين العمود هذا عندنا مستنكر فلم يرض أن جهل ما كان ينبغي له أن يعلمه حتى عاب قول من قال بفعله هذا، وقد روي عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم فعلوا ذلك أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائما بين العمودين المقدمين، واضعا السرير على كاهله، وأخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أنه رأى ابن عمر في جنازة رافع بن خديج قائما بين قائمتي السرير،
أخبرنا الثقة عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه عيسى بن طلحة قال: رأيت عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أمه،
فلم يفارقه حتى وضعه أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن ثابت عن أبيه قال: رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص أخبرنا بعض أصحابنا عن شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال: رأيت ابن الزبير يحمل بين عمودي سرير المسور بن مخرمة
(قال الشافعي) :
فزعم الذي عاب هذا علينا أنه مستنكر لا نعلمه إلا قال برأيه، وهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛، وما سكتنا عنه من الأحاديث أكثر مما ذكرنا
[باب ما يفعل بالمحرم إذا مات]
وليس في التراجم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا مات المحرم غسل بماء وسدر، وكفن في ثيابه التي أحرم فيها أو غيرها ليس فيها قميص، ولا عمامة، ولا يعقد عليه ثوب كما لا يعقد الحي المحرم، ولا يمس بطيب، ويخمر وجهه، ولا يخمر رأسه ويصلى عليه، ويدفن،
وقال بعض الناس: إذا مات كفن كما يكفن غير المحرم، وليس ميت إحرام، واحتج بقول عبد الله بن عمر ولعل عبد الله بن عمر لم يسمع الحديث بل لا أشك إن شاء الله، ولو سمعه ما خالفه، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولنا كما قلنا وبلغنا عن عثمان بن عفان مثله، وما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فليس لأحد خلافه إذا بلغه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال:
سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عباس يقول: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فخر رجل عن بعيره فوقص فمات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه» قال سفيان، وأزاد إبراهيم بن أبي بحرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك.
[باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها]
، وما يفعل بعد كل تكبيرة، وليس في التراجم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا صلى الرجل على الجنازة كبر أربعا، وتلك السنة، ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات» . أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره «أن مسكينة مرضت فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -
بمرضها قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المرضى، ويسأل عنهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ماتت فآذنوني بها فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلا فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات»
(قال الشافعي) :
فلذلك نقول يكبر أربعا على الجنائز، يقرأ في الأولى بأم القرآن، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للميت.
وقال بعض الناس: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة.
(قال الشافعي) :
إنا صلينا على الجنازة، وعلمنا كيف سنة الصلاة فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا وجدنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سنة اتبعناها أرأيت لو قال قائل: أزيد في التكبير على ما قلتم لأنها ليست بفرض أو لا أكبر وأدعو للميت هل كانت لنا عليه حجة إلا أن نقول قد خالفت السنة؟ وكذلك الحجة على من قال لا يقرأ إلا أن يكون رجل لم تبلغه السنة فيها، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر على الميت أربعا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: «صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلما سلم سألته عن ذلك فقال سنة، وحق» ، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال «: سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة،
وقال: إنما فعلت لتعلموا أنها سنة» ، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن «السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه» ، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة
(قال الشافعي) :
والناس يقتدون بإمامهم يصنعون ما يصنع.
(قال الشافعي) :
وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله
(قال الشافعي) :
أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن الزهري عن أبي أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب
(قال الشافعي) :
وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقولون بالسنة، والحق إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله تعالى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن موسى بن وردان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى على الجنازة، وبلغنا ذلك عن أبي بكر الصديق وسهل بن حنيف وغيرهما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
ولا بأس أن يصلى على الميت بالنية فقد «فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجاشي صلى عليه بالنية» ،
وقال بعض الناس: لا يصلى عليه بالنية، وهذا خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يحل لأحد خلافها وما نعلمه روى في ذلك شيئا إلا ما قال برأيه
(قال) :
ولا بأس أن يصلى على القبر بعدما يدفن الميت بل نستحبه،
وقال بعض الناس: لا يصلى على القبر، وهذا أيضا خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يحل لأحد علمها خلافها قد «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر البراء بن معرور، وعلى قبر غيره» ،
أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة، وكبر أربعا» .
(قال الشافعي) :
، وصلت عائشة على قبر أخيها، وصلى ابن عمر على قبر أخيه عاصم بن عمر.
(قال الشافعي) :
ويرفع المصلي يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة، وهو قائم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة
(قال الشافعي) :
وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا،
وقال بعض الناس: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى،
وقال: ويسلم تسليمة يسمع من يليه، وإن شاء تسليمتين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة
(قال الشافعي) :
، ويصلي على الجنازة قياما مستقبلي القبلة، ولو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا أعادوا، وإن صلوا بغير طهارة أعادوا، وإن دفنوه بغير صلاة، ولا غسل أو لغير القبلة فلا بأس عندي أن يماط عنه التراب، ويحول فيوجه للقبلة،
وقيل: يخرج ويغسل، ويصلى عليه ما لم يتغير فإن دفن وقد غسل، ولم يصل عليه لم أحب إخراجه وصلي عليه في القبر.
(قال الشافعي) :
وأحب إذا كبر على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ثم يكبر ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت، وليس في الدعاء شيء مؤقت، وأحب أن يقول " اللهم عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك، ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وارفع درجته، وقه عذاب القبر، وكل هول يوم القيامة، وابعثه من الآمنين، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، وبلغه بمغفرتك، وطولك درجات المحسنين اللهم فارق من كان يحب من سعة الدنيا، والأهل، وغيرهم إلى ظلمة القبر وضيقه، وانقطع عمله، وقد جئناك شفعاء له ورجونا له رحمتك، وأنت أرأف به اللهم ارحمه بفضل رحمتك فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه "
(قال الشافعي) :
سمعنا من أصحابنا من يقول المشي أمام الجنازة أفضل من المشي خلفها، ولم أسمع أحدا عندنا يخالف في ذلك،
وقال بعض الناس: المشي خلفها أفضل، واحتج بأن عمر إنما قدم الناس لتضايق الطريق حتى كأنا لم نحتج بغير ما روينا عن عمر في هذا الموضع، واحتج بأن عليا - رضي الله عنه -
قال: المشي خلفه أفضل، واحتج بأن الجنازة متبوعة، وليست بتابعة،
وقال: التفكر في أمرها إذا كان خلفها أكثر.
(قال الشافعي) : والقول في أن المشي أمام الجنازة أفضل مشى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمامها، وقد علموا أن العامة تقتدي بهم، وتفعل فعلهم، ولم يكونوا مع تعليمه العامة نعلمهم يدعون موضع الفضل في اتباع الجنازة، ولم نكن نحن نعرف موضع الفضل إلا بفعلهم فإذا فعلوا شيئا وتتابعوا عليه كان ذلك موضع الفضل فيه والحجة فيه من مشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها، وإن كان في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة، ولم يمشوا في مشيهم لتضايق الطريق إنما كانت المدينة أو عامتها فضاء حتى عمرت بعد فأين تضايق الطريق فيها، ولسنا نعرف عن علي - رضي الله عنه - خلاف فعل أصحابه؟ ، وقال قائل هذا الجنازة متبوعة فلم نر من مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة، ولا يشك عند أحد أن من كان أمامها هو معها،
ولو قال قائل: الجنازة متبوعة فرأى هذا كلاما ضعيفا لأن الجنازة إنما هي تنقل لا تتبع أحدا، وإنما يتبع بها، وينقلها الرجال، ولا تكون هي تابعة، ولا زائلة إلا أن يزال بها ليس للجنازة عمل إنما العمل لمن تبعها ولمن معها،
ولو شاء محتج أن يقول: أفضل ما في الجنازة حملها، والحامل إنما يكون أمامها ثم يحملها لكان مذهبا، والفكر للمتقدم والمتخلف سواء، ولعمري لمن يمشي من أمامها الفكر فيها، وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة، ولا يؤمن عليه إذا كان هكذا أن يمشي، وهو خلفها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة» أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة» أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة عن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام زينب بنت جحش أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد مولى السائب قال رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة فتقدما فجلسا يتحدثان فلما جازت بهما الجنازة قاما.
(قال الشافعي) :
وبحديث ابن عمر، وغيره أخذنا في أنه لا بأس أن يتقدم فيجلس قبل أن لا يؤتى بالجنازة، ولا ينتظر أن يأذن له أهلها في الجلوس، وينصرف أيضا بلا إذن، وأحب إلي لو استتم ذلك كله
(قال الشافعي) :
أحب حمل الجنازة من أين حملها، ووجه حملها أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الأيمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة السرير المقدمة على عاتقه الأيسر ثم يامنته المؤخرة، وإذا كان الناس مع الجنازة كثيرين ثم أتى على مياسره مرة أحببت له أن يكون أكثر حمله بين العمودين، وكيفما يحمل فحسن وحمل الرجل والمرأة سواء، ولا يحمل النساء الميت، ولا الميتة، وإن ثقلت الميتة فقد رأيت من يحمل عمدا حتى يكون من يحملها على ستة وثمانية على السرير، وعلى اللوح إن لم يوجد السرير، وعلى المحمل، وما حمل عليه أجزأ، وإن كان في موضع عجلة أو بعض حاجة تتعذر فخيف عليه التغير قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه حمل على الأيدي والرقاب، ومشي بالجنازة أسرع سجية مشي الناس لا الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها ما قدروا، ولا أحب لأحد من أهل الجنازة الإبطاء في شيء من حالاتها من غسل أو وقوف عند القبر فإن هذا مشقة على من يتبع الجنازة:.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (48)
صــــــــــ 311 الى صـــــــــــ315
[باب الخلاف في إدخال الميت القبر]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وسل الميت سلا من قبل رأسه وقال بعض الناس: يدخل معترضا من قبل القبلة، وروى حماد عن إبراهيم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل من قبل القبلة معترضا» أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على يمين الداخل من البيت لاصق بالجدار، والجدار الذي للحد لجنبه قبلة البيت، وأن لحده تحت الجدار فكيف يدخل معترضا، واللحد لاصق بالجدار لا يقف عليه شيء، ولا يمكن إلا أن يسل سلا أو يدخل من خلاف القبلة؟ ، وأمور الموتى، وإدخالهم من الأمور المشهورة عندنا لكثرة الموت، وحضور الأئمة، وأهل الثقة، وهو من الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث، ويكون الحديث فيها كالتكليف بعموم معرفة الناس لها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمهاجرون، والأنصار بين أظهرنا ينقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا، ثم جاءنا آت من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت ثم لم يعلم حتى روى عن حماد عن إبراهيم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل معترضا» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن عمران بن موسى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل من قبل رأسه والناس بعد ذلك» ،
أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: «سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل رأسه» ، وأخبرنا عن أصحابنا عن أبي الزناد وربيعة، وابن الضر لا اختلاف بينهم في ذلك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل من قبل رأسه وأبو بكر وعمر»
(قال الشافعي) :
ويسطح القبر، وكذلك بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه سطح قبر إبراهيم ابنه، ووضع عليه حصى من حصى الروضة» ، وأخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر إبراهيم ابنه، ووضع عليه حصباء» ، والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح،
وقال بعض الناس: يسنم القبر، ومقبرة المهاجرين، والأنصار عندنا مسطح قبورها، ويشخص من الأرض نحو من شبر، ويجعل عليها البطحاء مرة ومرة تطين، ولا أحسب هذا من الأمور التي ينبغي أن ينقل فيها أحد علينا،
وقد بلغني عن القاسم بن محمد قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر مسطحة.
(قال) :
ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت، والمرأة زوجها إذا مات،
وقال بعض الناس: تغسل المرأة زوجها، ولا يغسلها،
فقيل له: لم فرقت بينهما؟
قال: أوصى أبو بكر أن تغسله أسماء،
فقلت: وأوصت فاطمة أن يغسلها علي - رضي الله عنهما -،
قال: وإنما قلت: أن تغسله هي لأنها في عدة منه،
قلنا: إن كانت الحجة الأثر عن أبي بكر فلو لم يرو عن طلحة - رضي الله عنه - ولا ابن عباس، ولا غيرهما في ذلك شيء كانت الحجة عليك بأن قد علمنا أنه لا يحل لها منه إلا ما حل له منها،
قال: ألا ترى أن له أن ينكح إذا ماتت أربع نسوة سواها وينكح أختها؟
فقيل له: العدة والنكاح ليسا من الغسل في شيء،
أرأيت قولك: ينكح أختها أو أربعا سواها أنها فارقت حكم الحياة،
وصارت كأنها ليست زوجة أو لم تكن زوجة قط قيل: نعم،
قيل: فهو إذا مات زوج أو كأنه لم يكن زوجا قال: بل ليس بزوج قد انقطع حكم الحياة عنه كما انقطع عنها غير أن عليها منه عدة قلنا: العدة جعلت عليها بسبب ليس هذا، ألا ترى أنها تعتد ولا يعتد، وأنها تتوفى فينكح أربعا؟ ويتوفى فلا تنكح دخل بها أو لم يدخل بها حتى تعتد أربعة أشهر وعشرا شيء جعله الله تعالى عليها دونه، وإن كل واحد من الزوجين، فيما يحل له ويحرم عليه من صاحب، سواء. أرأيت لو طلقها ثلاثا أليست عليها منه عدة؟
قال: بلى
(قلت) :
فكذلك لو بانت بإيلاء أو لعان؟
قال: بلى،
قيل: فإن بانت منه ثم مات، وهي في عدة الطلاق أتغسله؟
قال: لا.
(قلت) :
ولم قد زعمت أن غسلها إياه دون غسله إياها إنما هو بالعدة، وهذه تعتد؟ (قال) : ليست له بامرأة (قلت) : فما ينفعك حجتك بالعدة كالعبث.
كان ينبغي أن تقول: تغسله إذ زعمت أن العدة تحل لها منه ما يحرم عليها فلا يحرم عليها غسله،
قيل: أفيحل لها في العدة منه، وهما حيان أن تنظر إلى فرجه وتمسكه كما كان يحل لها قبل الطلاق؟
قال: لا،
قيل: وهي منه في عدة
(قال) :
ولا تحل العدة ههنا شيئا، ولا تحرمه إنما تحله عقدة النكاح فإذا زال بأن لا يكون له عليها فيه رجعة فهي منه فيما يحل له ويحرم كما تعد النساء.
قيل: وكذلك هو منها؟
قال: نعم،
قيل: فلو قال: هذا غيركم ضعفتموه؛ وهي لا تعدو، وهو لا يعدو إذا ماتت أن يكون عقد النكاح زائلا بلا زوال للطلاق فلا يحل له غسلها، ولا لها غسله أو يكون ثابتا فيحل لكل واحد منهما من صاحبه ما يحل للآخر أو نكون مقلدين لسلفنا في هذا، فقد أمر أبو بكر وسط المهاجرين والأنصار أن تغسله أسماء، وهو فيما يحل له ويحرم عليه أعلم وأتقى لله، وذلك دليل على أنه كان إذا رأى لها أن تغسله إذا مات كان له أن يغسلها إذا ماتت لأن العقد الذي حلت له به هو العقد الذي به حل لها، ألا ترى أن الفرج كان حراما قبل العقد فلما انعقد حل حتى تنفسخ العقدة فلكل واحد من الزوجين فيما يحل لكل واحد منهما من صاحبه ما للآخر لا يكون للواحد منهما في العقد شيء ليس لصاحبه، ولا إذا انفسخت لم يكن له عليها الرجعة في شيء لا يحل لصاحبه، ولا إذا مات شيء لا يحل لصاحبه فهما في هذه الحالات سواء،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: «لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه» " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمارة عن أم محمد بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله أوصتها أن تغسلها إذا كانت هي، وعلي فغسلتها هي، وعلي - رضي الله عنهما -.
[باب العمل في الجنائز]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: حق على الناس غسل الميت، والصلاة عليه، ودفنه لا يسع عامتهم تركه، وإذا قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله تعالى وهو كالجهاد عليهم حق أن لا يدعوه، وإذا ابتدر منهم من يكفي الناحية التي يكون بها الجهاد أجزأ عنهم والفضل لأهل الولاية بذلك على أهل التخلف عنه
(قال الشافعي) :
وإنما ترك عمر عندنا، والله أعلم عقوبة من مر بالمرأة التي دفنها أظنه كليبا، لأن المار المنفرد قد كان يتكل على غيره ممن يقوم مقامه فيه، وأما أهل رفقة منفردين في طريق غير مأهولة لو تركوا ميتا منهم، وهو عليهم أن يواروه فإنه ينبغي للإمام أن يعاقبهم لاستخفافهم بما يجب عليهم من حوائجهم في الإسلام، وكذلك كل ما وجب على الناس فضيعوه فعلى السلطان أخذه منهم، وعقوبتهم فيه بما يرى غير متجاوز القصد في ذلك
(قال) :
وأحب إذا مات الميت أن لا يعجل أهله غسله لأنه قد يغشى عليه فيخيل إليهم أنه قد مات حتى يروا علامات الموت المعروفة فيه، وهو أن تسترخي قدماه، ولا تنتصبان، وأن تنفرج زندا يديه، والعلامات التي يعرفون بها الموت، فإذا رأوها عجلوا غسله، ودفنه فإن تعجيله تأدية الحق إليه، ولا ينتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب، وإذا مات الميت غمض، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن قبيصة نصر بن ذؤيب كان يحدث «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغمض أبا سلمة» .
(قال الشافعي) :
ويطبق فوه وإن خيف استرخاء لحييه شد بعصابة
(قال) :
ورأيت من يلين مفاصله، ويبسطها لتلين، ولا تجسو ورأيت الناس يضعون الحديدة، السيف أو غيره، على بطن الميت، والشيء من الطين المبلول كأنهم يذودون أن تربو بطنه فما صنعوا من ذلك مما رجوا، وعرفوا أن فيه دفع مكروه رجوت أن لا يكون به بأس إن شاء الله تعالى، ولم أر من شأن الناس أن يضعوا الزاووق يعني الزئبق في أذنه، وأنفه، ولا أن يضعوا المرتك يعني المرداسنج على مفاصله وذلك شيء تفعله الأعاجم يريدون به البقاء للميت، وقد يجعلونه في الصندوق ويفضون به إلى الكافور، ولست أحب هذا، ولا شيئا منه، ولكن يصنع به كما يصنع بأهل الإسلام ثم يغسل، والكفن، والحنوط، والدفن، فإنه صائر إلى الله عز وجل، والكرامة له برحمة الله تعالى، والعمل الصالح
(قال) :
وبلغني أنه «قيل لسعد بن أبي وقاص: نتخذ لك شيئا كأنه الصندوق من الخشب،
فقال: اصنعوا بي ما صنعتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصبوا علي اللبن، وأهيلوا علي التراب»
[باب الصلاة على الميت]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا حضر الولي الميت أحببت أن لا يصلى عليه إلا بأمر وليه لأن هذا من الأمور الخاصة التي أرى الولي أحق بها من الوالي، والله تعالى أعلم،
وقد قال بعض من له علم: الوالي أحق.وإذا حضر الصلاة عليه أهل القرابة فأحقهم به الأب، والجد من قبل الأب ثم الولد، وولد الولد ثم الأخ للأب، والأم ثم الأخ للأب ثم أقرب الناس من قبل الأب، وليس من قبل الأم لأنه إنما الولاية للعصبة فإذا استوى الولاة في القرابة، وتشاحوا، وكل ذي حق فأحبهم إلي أسنهم، إلا أن تكون حاله ليست محمودة فكان أفضلهم، وأفقههم أحب إلي، فإن تقاربوا فأسنهم فإن استووا وقلما يكون ذلك فلم يصطلحوا أقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه، ولي الصلاة عليه
(قال) :
والحر من الولاة أحق بالصلاة عليه من المملوك، ولا بأس بصلاة المملوك على الجنازة، وإذا حضر رجل ولي أو غير ولي مع نسوة بعلا رجلا ميتا أو امرأة فهو أحق بالصلاة عليها من النساء إذا عقل الصلاة، وإن لم يبلغ مملوكا كان أو حرا فإن لم يكن يعقل الصلاة صلين على الميت صفا منفردات، وإن أمتهن إحداهن، وقامت وسطهن لم أر بذلك بأسا، فقد «صلى الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرادا لا يؤمهم أحد» وذلك لعظم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموتى، والأمر المعمول به إلى اليوم أن يصلى عليهم بإمام، ولو صلي عليهم أفرادا أجزأهم الصلاة عليهم إن شاء الله تعالى، وأحب أن تكون الصلاة على الميت صلاة واحدة هكذا رأيت صلاة الناس لا يجلس بعد الفراغ منها لصلاة من فاتته الصلاة عليه، ولو جاء، ولي له، ولا يخاف على الميت التغير فصلى عليه رجوت أن لا يكون بذلك بأس إن شاء الله تعالى.
(قال) :
وإن أحدث الإمام انصرف فتوضأ، وكبر من خلفه ما بقي من التكبير فرادى لا يؤمهم أحد، ولو كان في موضع وضوئه قريبا فانتظروه فبنى على التكبير رجوت أن لا يكون بذلك بأس، ولا يصلي على الجنازة في مصر إلا طاهرا.
(قال) :
ولو سبق رجل ببعض التكبير لم ينتظر بالميت حتى يقضي تكبيره ولا ينتظر المسبوق الإمام أن يكبر ثانية ولكنه يفتتح لنفسه،
وقال بعض الناس: إذا خاف الرجل في المصر فوت الجنازة تيمم وصلى، وهذا لا يجيز التيمم في المصر لصلاة نافلة، ولا مكتوبة إلا لمريض زعم، وهذا غير مريض، ولا تعدو الصلاة على الجنازة أن تكون كالصلوات لا تصلى إلا بطهارة الوضوء، وليس التيمم في المصر للصحيح المطيق بطهارة أو تكون كالذكر فيصلي عليها إن شاء غير طاهر، خاف الفوت أو لم يخف، كما يذكر غير طاهر
[باب اجتماع الجنائز]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
لو اجتمعت جنائز رجال، ونساء، وصبيان، وخناثى، جعل الرجال مما يلي الإمام، وقدم إلى الإمام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم مما يلي القبلة وإن تشاح ولاة الجنائز، وكن مختلفات صلى ولي الجنازة التي سبقت ثم إن شاء ولي سواها من الجنائز استغنى بتلك الصلاة، وإن شاء أعاد الصلاة على جنازته، وإن تشاحوا في موضع الجنائز فالسابق أحق إذا كانوا رجالا، فإن كن رجالا، ونساء وضع الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة، ولم ينظر في ذلك إلى السبق لأن موضعهن هكذا، وكذلك الخنثى، ولكن إن سبق، ولي الصبي لم يكن عليه أن يزيل الصبي من موضعه، ووضع ولي الرجل الرجل خلفه إن شاء أو يذهب به إلى موضع غيره، فإن افتتح المصلي على الجنازة الصلاة فكبر واحدة أو اثنتين ثم أتي بجنازة أخرى وضعت حتى يفرغ من الصلاة على الجنازة التي كانت قبلها لأنه افتتح الصلاة ينوي بها غير هذه الجنازة المؤخرة.
(قال) :
ولو صلى الإمام على الجنازة غير متوضئ، ومن خلفه متوضئون أجزأت صلاتهم، وإن كان كلهم غير متوضئين أعادوا، وإن كان فيهم ثلاثة فصاعدا متوضئون أجزأت، وإن سبق بعض الأولياء بالصلاة على الجنازة ثم جاء ولي غيره أحببت أن لا توضع للصلاة ثانية، وإن فعل فلا بأس إن شاء الله تعالى.
(قال) :
ولو سقط لرجل شيء له قيمة في قبر فدفن، كان له أن يكشف عنه حتى يأخذ ما سقط
[باب الدفن]
أخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي) :
وإن مات ميت بمكة أو المدينة أحببت أن يدفن في مقابرهما، وكذلك إن مات ببلد قد ذكر في مقبرته خبر أحببت أن يدفن في مقابرها فإن كانت ببلد لم يذكر ذلك فيها فأحب أن يدفن في المقابر لحرمة المقابر، والدواعي لها وأنه مع الجماعة أشبه من أن لا يتغوط، ولا يبال على قبره، ولا ينبش، وحيثما دفن الميت فحسن إن شاء الله تعالى، وأحب أن يعمق للميت قدر بسطة، وما أعمق له، وووري أجزأ وإنما أحببت ذلك أن لا تناله السباع، ولا يقرب على أحد إن أراد نبشه، ولا يظهر له ريح ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان، والثلاثة في القبر إذا كانوا، ويكون الذي للقبلة منهم أفضلهم، وأسنهم، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة، ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها، وهي خلفه، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب، وأحب إحكام القبر ولا وقت فيمن يدخل القبر فإن كانوا وترا أحب إلي، وإن كانوا ممن يضبطون الميت بلا مشقة أحب إلي، وسل الميت من قبل رأسه وذلك أن يوضع رأس سريره عند رجل القبر ثم يسل سلا، ويستر القبر بثوب نظيف حتى يسوى على الميت لحده، وستر المرأة إذا دخلت قبرها أوكد من ستر الرجل، وتسل المرأة كما يسل الرجل، وإن ولي إخراجها من نعشها، وحل عقد من الثياب إن كان عليها، وتعاهدها النساء فحسن، وإن وليها الرجل فلا بأس فإن كان فيهم ذو محرم كان أحب إلي، وإن لم يكن فيهم ذو محرم فذو قرابة وولاء، وإن لم يكن فالمسلمون ولاتها، وهذا موضع ضرورة، ودونها الثياب، وقد صارت ميتة، وانقطع عنها حكم الحياة
(قال) :
وتوضع الموتى في قبورهم على جنوبهم اليمنى، وترفع رءوسهم بحجر أو لبنة، ويسندون لئلا ينكبوا، ولا يستلقوا، وإن كان بأرض شديدة لحد لهم، ثم نصب على لحودهم اللبن نصبا ثم يتبع فروج اللبن بكسار اللبن، والطين حتى يحكم ثم أهيل التراب عليها، وإن كانوا ببلد رقيقة شق لهم شق ثم بنيت لحودهم بحجارة أو لبن ثم سقفت لحودهم عليهم بالحجارة أو الخشب لأن اللبن لا يضبطها فإن سقفت تتبعت فروجها حتى تنظم
(قال) :
ورأيتهم عندنا يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب مثريا ثم يهيلون التراب بعد ذلك إهالة
(قال الشافعي) :
هذا الوجه الأثر الذي يجب أن يعمل به، ولا يترك، وكيفما ووري الميت أجزأ إن شاء الله تعالى ويحثو من على شفير القبر بيديه معا التراب ثلاث حثيات أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا»
(قال الشافعي) :
وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته فإذا أشكل أحببت الأناة حتى يتبين موته، وإن كان الميت غريقا أحببت التأني به بقدر ما يولى من حفره، وإن كان مصعوقا أحببت أن يستأنى به حتى يخاف تغيره، وإن بلغ ذلك يومين أو ثلاثة لأنه بلغني أن الرجل يصعق فيذهب عقله ثم يفيق بعد اليومين، وما أشبه ذلك وكذلك لو كان فزعا من حرب أو سبع أو فزعا غير ذلك أو كان مترديا من جبل، وإذا مات الميت فلا تخفى علامات الموت به إن شاء الله تعالى فإن خفيت على البعض لم تخف على الكل وإذا كانت الطواعين أو موت الفجأة، واستبان الموت فلم يضبطه أهل البيت إلا أن يقدموا بعض الموتى فقدموا الوالدين من الرجال والنساء ثم قدموا بعد من رأوا، فإن كان امرأتان لرجل أقرع بينهما أيتهما تقدم وإذا خيف التغيير على بعض الموتى قدم من كان يخاف عليه التغيير لا من لا يخاف التغيير عليه، ويقدم الكبار على الصغار إذا لم يخف التغيير على من تخلف، وإذا كان الضرورة دفن الاثنان، والثلاثة في قبر، وقدم إلى القبلة أفضلهم، وأقرؤهم ثم جعل بينه وبين الذي بينه وبين الذي يليه حاجز من تراب فإن كانوا رجالا ونساء وصبيانا جعل الرجل الذي يلي القبلة ثم الصبي ثم المرأة وراءه وأحب إلي لو لم تدفن المرأة مع الرجال، وإنما رخصت في أن يدفن الرجلان في قبر بالسنة، لم أسمع أحدا من أهل العلم إلا يتحدث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى أحد اثنان في قبر واحد، وقد قيل ثلاثة» .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (49)
صــــــــــ 316 الى صـــــــــــ320
[باب ما يكون بعد الدفن]
أخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي) :
وقد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن بقدر ما تجزر جزور
(قال) :
وهذا أحسن، ولم أر الناس عندنا يصنعونه أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع لأن أدفن في غيره أحب إلي إنما هو واحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أكون في جواره وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، أخبرنا مالك أنه بلغه عن عائشة أنها قالت «كسر عظم الميت ككسر عظم الحي»
(قال الشافعي) :
تعني في المأثم، وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى، ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة
(قال الراوي) :
عن طاوس: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تبنى القبور أو تجصص»
(قال الشافعي) :
وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شيء أن يبنى منها وإنما يهدم إن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس
(قال الشافعي) :
وإن تشاح الناس ممن يحفر للموتى في موضع من المقبرة، وهي غير ملك لأحد حفر الذي يسبق حيث شاء وإن جاءوا مما أقرع الوالي بينهم وإذا دفن الميت فليس لأحد حفر قبره حتى يأتي عليه مدة يعلم أهل ذلك البلد أن ذلك قد ذهب، وذلك يختلف بالبلدان فيكون في السنة وأكثر فإن عجل أحد بحفر قبره فوجد ميتا أو بعضه أعيد عليه التراب، وإن خرج من عظامه شيء أعيد في القبر.
(قال) :
وإذا كانت أرض لرجل فأذن بأن يقبر فيها ثم أراد أخذها فله أخذ ما لم يقبر فيه، وليس له أخذ ما قبر فيه منها، وإن قبر قوم في أرض لرجل بلا إذنه فأراد تحويلهم عنها أو بناءها أو زرعها أو حفرها آبارا، كرهت ذلك له، وإن شح فهو أحق بحقه، وأحب لو ترك الموتى حتى يبلوا.
(قال) :
وأكره وطء القبر، والجلوس، والاتكاء عليه إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى وقال بعض أصحابنا: لا بأس بالجلوس عليه، وإنما نهي عن الجلوس عليه للتغوط
(قال الشافعي) :
وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهى عنه المذهب فقد نهي عنه، وقد نهي عنه مطلقا لغير المذهب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبيه عن جده قال تبعت جنازة مع أبي هريرة فلما كان دون القبور جلس أبو هريرة ثم قال " لأن أجلس على جمرة فتحرق ردائي ثم قميصي ثم إزاري ثم تفضي إلى جلدي أحب إلي من أن أجلس على قبر امرئ مسلم ".
(قال) :
وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى أو يصلى عليه، وهو غير مسوى أو يصلى إليه
(قال) :
وإن صلى إليه أجزأه، وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود، والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب»
(قال) :
وأكره هذا للسنة، والآثار، وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجدا، ولم تؤمن في ذلك الفتنة، والضلال على من يأتي بعد فكره والله أعلم لئلا يوطأ فكره، والله أعلم لأن مستودع الموتى من الأرض ليس بأنظف الأرض، وغيره من الأرض أنظف
[باب القول عند دفن الميت]
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وإذا وضع الميت في قبر قال من يضعه " بسم الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وأحب أن يقول " اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه، وخرج من سعة الدار والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك، وأنت خير منزول به إن عاقبته عاقبته بذنبه، وإن عفوت فأنت أهل العفو اللهم أنت غني عن عذابه، وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته، وتجاوز عن سيئته، وشفع جماعتنا فيه واغفر ذنبه، وافسح له في قبره، وأعذه من عذاب القبر، وأدخل عليه الأمان، والروح في قبره "، ولا بأس بزيارة القبور أخبرنا مالك عن ربيعة يعني ابن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرا»
(قال الشافعي) :
ولكن لا يقال عندها هجر من القول، وذلك مثل الدعاء بالويل، والثبور والنياحة فأما إذا زرت تستغفر للميت ويرق قلبك، وتذكر أمر الآخرة فهذا مما لا أكرهه، ولا أحب المبيت في القبور للوحشة على البائت، وقد رأيت الناس عندنا يقاربون من ذوي القرابات في الدفن، وأنا أحب ذلك، وأجعل الوالد أقرب إلى القبلة من الولد إذا أمكن ذلك، وكيفما دفن أجزأ إن شاء الله، وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال «لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب»
(قال الشافعي) :
قد عزى قوم من الصالحين بتعزية مختلفة فأحب أن يقول قائل هذا القول، ويترحم على الميت، ويدعو لمن خلفه
(قال) :
، والتعزية من حين موت الميت أن المنزل، والمسجد وطريق القبور، وبعد الدفن، ومتى عزى فحسن فإذا شهد الجنازة أحببت أن تؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت إلا أن يرى جزعا من المصاب فيعزيه عند جزعه، ويعزي الصغير والكبير، والمرأة إلا أن تكون امرأة شابة ولا أحب مخاطبتها إلا لذي محرم، وأحب لجيران الميت أو ذي قرابته أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت، وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا، وبعدنا لأنه لما «جاء نعي جعفر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن جعفر عن أبيه عبد الله بن جعفر قال «جاء نعي جعفر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم أو ما يشغلهم» شك سفيان
(قال الشافعي) :
وأحب لقيم أهل الميت عند المصيبة أن يتعاهد أضعفهم عن احتمالها بالتعزية بما يظن من الكلام والفعل أنه يسليه، ويكف من حزنه، وأحب لولي الميت الابتداء بأولى من قضاء دينه فإن كان ذلك يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، وأرضاهم منه بأي وجه كان، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة أظنه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»
(قال) :
وأحب إن أوصى بشيء أن يعجل الصدقة عنه، ويجعل ذلك في أقاربه وجيرانه، وسبيل الخير، وأحب مسح رأس اليتيم ودهنه، وإكرامه، وأن لا ينهر، ولا يقهر فإن الله عز وجل قد أوصى به
[باب القيام للجنازة]
أخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي) :
ولا يقوم للجنازة من شهدها، والقيام لها منسوخ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمر بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في الجنائز ثم جلس بعد» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد أو شبيها بهذا، وقال «قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بالقيام ثم جلس، وأمر بالجلوس»
(قال الشافعي) :
ويصلي على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك يدفن في أي ساعة شاء من ليل أو نهار وقد «دفنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسكينة ليلا فلم ينكر» ، ودفن أبو بكر الصديق ليلا، ودفن المسلمون بعد ليلا،
وقال بعض أصحابنا: لا يصلى عليها مع اصفرار الشمس، ولا مع طلوعها حتى تبرز،
واحتج في ذلك بأن ابن عمر قال لأهل جنازة وضعوها على باب المسجد بعد الصبح: " إما إن تصلوا عليها الآن وإما أن تدعوها حتى ترتفع الشمس "
(قال) :
وابن عمر يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يتحرى أحدكم بصلاته طلوع الشمس، ولا غروبها» ، وقد يكون ابن عمر سمع هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ولم يسمع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فرأى هذا حمله على كل صلاة، ولم ير النهي إلا فيما سمع
(قال) :
وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما دل على أن نهيه عن الصلاة في هذه الساعات إنما يعني به صلاة النافلة فأما كل صلاة كرهت فلا، وأثبتنا ذلك في كتاب الصلاة، ولو كان على كل صلاة، وكانت الصلاة على الجنائز صلاة لا تحل إلا في وقت صلاة ما صلي على ميت العصر، ولا الصبح، وقد يجوز أن يكون ابن عمر أراد بذلك أن لا يجلس من تبع الجنازة،
ولا يتفرق من أهل المسجد حتى يكثر المصلي عليها فإن أصحابنا يتحرون بالجنائز انصراف الناس من الصلاة لكثرة المصلين فيقول: صلوا مع كثرة الناس أو أخروا إلى أن يأتي المصلون للضحى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة من أهل المدينة بإسناد لا أحفظه أنه صلى على عقيل بن أبي طالب، والشمس مصفرة قبل المغيب قليلا ولم ينتظر به مغيب الشمس.
(قال الشافعي) :
وأكره النياحة على الميت بعد موته، وأن تندبه النائحة على الانفراد لكن يعزى بما أمر الله عز وجل من الصبر، والاسترجاع، وأكره المأتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر
(قتل) :
وأرخص في البكاء بلا أن يتأثر، ولا أن يعلن إلا خبرا، ولا يدعون بحرب قبل الموت فإذا مات أمسكن.أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك أخبره عن عبد الله بن عتيك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا، وما الوجوب يا رسول الله قال إذا مات»
[غسل الميت]
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي وإنما أقرؤه على المعرفة
(قال الشافعي) :
أول ما يبدأ به من يحضر الميت من أوليائه أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه بأسهل ما يقدر عليه، وأن يشد تحت لحييه عصابة عريضة، وتربط من فوق رأسه كي لا يسترخي لحيه الأسفل فينفتح فوه ثم يجسو بعد الموت، ولا ينطبق، ويرد يديه حتى يلصقهما بعضديه ثم يبسطهما ثم يردهما ثم يبسطهما مرات ليبقى لينهما فلا يجسو، وهما إذا لينا عند خروج الروح تباقى لينهما إلى وقت دفنه ففكتا، وهما لينتان، ويلين كذلك أصابعه، ويرد رجليه من باطن حتى يلصقهما ببطون فخذيه كما وصفت فيما يصنع في يديه ويضع على بطنه شيئا من طين أو لبنة أو حديدة، سيف أو غيره، فإن بعض أهل التجربة يزعمون أن ذلك يمنع بطنه أن تربو، ويخرج من تحته الوطء كله، ويفضي به إلى لوح إن قدر عليه أو سرير ألواح مستو فإن بعض أهل التجربة يزعم أنه يسرع انتفاخه على الوطء، ويسلب ثيابا إن كانت عليه، ويسجي ثوبا يغطي به جميع جسده، ويجعل من تحت رجله ورأسه وجنبيه لئلا ينكشف فإذا أحضروا له غسله، وكفنه، وفرغوا من جهازه فإن كان على يديه، وفي عانته شعر فمن الناس من كره أخذه عنه، ومنهم من أرخص فيه، فمن أرخص فيه لم ير بأسا أن يحلقه بالنورة أو يجزه بالجلم، ويأخذ من شاربيه، ويقلم من أظفاره، ويصنع به بعد الموت ما كان فطرة في الحياة، ولا يأخذ من شعر رأسه ولا لحيته شيئا لأن ذلك إنما يؤخذ زينة أو نسكا، وما وصفت مما يؤخذ فطرة فإن نوره أنقاه من نورة، وإن لم ينوره اتخذ قبل ذلك عيدانا طوالا من شجر لين لا يجرح ثم استخرج جميع ما تحت أظفار يديه، ورجليه من الوسخ ثم أفضى به إلى مغتسله مستورا، وإن غسله في قميص فهو أحب إلي، وأن يكون القميص سخيفا رقيقا أحب إلي، وإن ضاق ذلك عليه كان أقل ما يستره به ما يواري ما بين سرته إلى ركبته لأن هذا هو العورة من الرجل في الحياة، ويستر البيت الذي يغسله فيه بستر ولا يشركه في النظر إلى الميت إلا من لا غنى له عنه ممن يمسكه أو يقلبه أو يصب عليه، ويغضون كلهم، وهو عنه الطرف، وإلا فيما لا يجزيه فيه إلا النظر إليه ليعرف ما يغسل منه، وما بلغ الغسل، وما يحتاج إليه من الزيادة في الغسل، ويجعل السرير الذي يغسله عليه كالمنحدر قليلا، وينفذ موضع مائه الذي يغسله به من البيت فإنه أحرز له أن ينضح فيه شيء انصب عليه، ولو انتضح لم يضره إن شاء الله تعالى، ولكن هذا أطيب للنفس ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع لغسله، وإناء يصب فيه ذلك الإناء ثم يصب الإناء الثاني عليه ليكون إناء الماء غير قريب من الصب على الميت، ويغسله بالماء غير.
السخن لا يعجبني أن يغسل بالماء المسخن، ولو غسل به أجزأه إن شاء الله تعالى فإن كان عليه وسخ، وكان ببلد بارد أو كانت به علة لا يبلغ الماء غير المسخن أن ينقي جسده غاية الإنقاء، ولو لصق بجسده ما لا يخرجه إلا الدهن دهن ثم غسل حتى يتنظف، وكذلك إن طلي بنورة، ولا يفضي غاسل الميت بيده إلى شيء من عورته ولو توقى سائر جسده كان أحب إلي، ويعد خرقتين نظيفتين قبل غسله فيلف على يده إحداهما ثم يغسل بها أعلى جسده، وأسفله فإذا أفضى إلى ما بين رجليه، ومذاكيره فغسل ذلك ألقاها فغسلت، ولف الأخرى، وكلما عاد على المذاكير، وما بين الأليتين ألقى الخرقة التي على يده، وأخذ الأخرى المغسولة لئلا يعود بما مر على المذاكير، وبما بين الأليتين على سائر جسده إن شاء الله
[باب عدة غسل الميت]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أقل ما يجزئ من غسل الميت الإنقاء كما يكون أقل ما يجزئ في الجنابة، وأقل ما أحب أن يغسل ثلاثا فإن لم يبلغ بإنقائه ما يريد الغاسل فخمس فإن لم يبلغ ما يحب فسبع، ولا يغسله بشيء من الماء إلا ألقى فيه كافورا للسنة، وإن لم يفعل كرهته، ورجوت أن يجزئه، ولست أعرف أن يلقى في الماء ورق سدر، ولا طيب غير كافور، ولا يغره، ولكن يترك ماء على وجهه، ويلقي فيه الكافور
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (50)
صــــــــــ 321 الى صـــــــــــ325
[ما يبدأ به في غسل الميت]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يلقى الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيوضئه وضوءه للصلاة ويجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا رفيقا بليغا ليخرج شيئا إن كان فيه ثم فإن خرج شيء ألقاه، وألقى الخرقة عن يده، ووضأه ثم غسل رأسه ولحيته بالسدر حتى ينقيهما ويسرحهما تسريحا رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى صبا إلى قدمه اليمنى، وغسل في ذلك شق صدره، وجنبه، وفخذه، وساقه الأيمن كله يحركه له محرك ليتغلغل الماء ما بين فخذيه، ويمر يده فيما بينهما، وليأخذ الماء فيغسل يامنة ظهره ثم يعود على شقه الأيسر فيصنع به ذلك ثم يحرف على جنبه الأيسر فيغسل ناتئة ظهره، وقفاه وفخذه، وساقه إلى قدمه، وهو يراه ممكنا ثم يحرف على جنبه الأيمن حتى يصنع بياسرة قفاه، وظهره، وجميع بدنه، وأليتيه، وفخذيه وساقه، وقدمه مثل ذلك، وأي شق حرفه إليه لم يحرفه حتى يغسل ما تحته، وما يليه ليحرفه على موضع نقي نظيف، ويصنع هذا في كل غسلة حتى يأتي على جميع غسله، وإن كان على بدنه، وسخ نحي إلى إمكان غسله بأشنان ثم ماء قراح، وإن غسله بسدر أو أشنان أو غيره لم نحسب شيئا خالطه من هذا شيء يعلو فيه غسلا، ولكن إذا صب عليه الماء حتى يذهب هذا أمر عليه بعده الماء القراح بما وصفت، وكان غسله بالماء، وكان هذا تنظيفا لا يعد غسل طهارة، والماء ليس فيه كافور كالماء فيه شيء من الكافور، ولا يغير الماء عن سجية خلقته، ولا يعلو فيه منه إلا ريحه، والماء بحاله فكثرة الكافور في الماء لا تضر، ولا تمنعه أن يكون طهارة يتوضأ به الحي، ولا يتوضأ الحي بسدر مضروب بماء لأن السدر لا يطهر، ويتعهد بمسح بطن الميت في كل غسلة، ويقعد عند آخر كل غسلة فإذا فرغ من آخر غسلة غسلها تعهدت يداه، ورجلاه، وردتا لئلا تجسوا ثم مدتا فألصقتا بجنبه، وصف بين قدميه وألصق أحد كعبيه بالآخر، وضم إحدى فخذيه إلى الأخرى فإن خرج من الميت بعد الفراغ من غسله شيء أنقي، واعتدت غسلة واحدة ثم يستخف في ثوب فإذا جف صير في أكفانه.
[عدد كفن الميت]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أحب عدد كفن الميت إلى ثلاثة أثواب بيض ريطات، ليس فيها قميص ولا عمامة فمن كفن فيها بدئ بالتي يريدون أن تكون أعلاها فبسطت أولا ثم بسطت الأخرى فوقها ثم الثالثة فوقهما ثم حمل الميت فوضع فوق العليا ثم أخذ القطن منزوع الحب فجعل فيه الحنوط والكافور، وألقي على الميت ما يستره ثم أدخل بين أليتيه إدخالا بليغا وأكثر ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل فإن خيف أن يأتي شيء لعلة كانت به أو حدثت يرد بها أدخلوا بينه وبين كفنه لبدا ثم شدوه عليه كما يشد التبان الواسع فيمنع شيئا إن جاء منه من أن يظهر أو ثوبا صفيقا أقرب الثياب شبها باللبد، وأمنعها لما يأتي منه إن شاء الله تعالى، وشدوه عليه خياطة، وإن لم يخافوا ذلك فلفوا مكان ذلك ثوبا لا يضرهم، وإن تركوه رجوت أن يجزئهم والاحتياط بعمله أحب إلي ثم يؤخذ الكرسف فيوضع عليه الكافور فيوضع على فيه ومنخريه وعينيه، وموضع سجوده فإن كانت به جراح نافد وضع عليها، ويحنط رأسه، ولحيته، ولو ذر الكافور على جميع جسده وثوبه الذي يدرج فيه أحببت ذلك، ويوضع الميت من الكفن الموضع الذي يبقى من عند رجليه منه أقل ما بقي من عند رأسه ثم تؤخذ صنفة الثوب اليمنى فترد على شق الرجل الأيسر ثم تؤخذ صنفته اليسرى فترد على شق الرجل الأيمن حتى يغطي بها صنفته الأولى ثم يصنع بالثوب الذي يليه مثل ذلك ثم بالثوب الأعلى مثل ذلك، وأحب أن يذر بين أضعافها حنوط والكافور ثم يجمع ما عند رأسه من الثياب جمع العمامة ثم يرد على وجهه حتى يؤتى به صدره، وما عند رجليه كذلك حتى يؤتى به على ظهر رجليه إلى حيث بلغ، فإن خافوا انتشار الثياب من الطرفين عقدوها كي لا تنتشر فإن أدخلوه القبر لم يدعوا عليه عقدة إلا حلوها، ولا خياطة إلا فتقوها، وأضجعوه على جنبه الأيمن، ورفعوا رأسه بلبنة، وأسندوه لئلا يستلقي على ظهره، وأدنوه في اللحد من مقدمه كي لا ينقلب على، وجهه فإن كان ببلد شديد التراب أحببت أن يلحد له، وينصب اللبن على قبره ثم تسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه، وإن كان ببلد رقيق ضرح له والضرح أن تشق الأرض ثم تبنى ثم يوضع فيه الميت كما وصفت ثم سقف بألواح ثم سدت فرج الألواح ثم ألقي على الألواح والفرج إذخر وشجر ما كان، فيمسك التراب أن ينتخل على الميت فوضع مكتلا مكتلا لئلا يتزايل الشجر عن مواضعه ثم أهيل عليه التراب، والإهالة عليه أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعا عليه، ويهال بالمساحي، ولا نحب أن يزداد في القبر أكثر من ترابه ليس لأنه يحرم ذلك، ولكن لئلا يرتفع جدا، ويشخص القبر عن وجه الأرض نحو من شبر، ويسطح، ويوضع عليه حصباء وتسد أرجاؤه بلبن أو بناء، ويرش على القبر ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت فإذا فرغ من القبر فذلك أكمل ما يكون من اتباع الجنازة فلينصرف من شاء، والمرأة في غسلها وتعاهد ما يخرج منها مثل الرجل، وينبغي أن يتفقد منها أكثر ما يتفقد من الرجل، وإن كان بها بطن أو كانت نفساء أو بها علة احتيط فخيط عليها لبد ليمنع ما يأتي منها إن جاء، والمشي بالجنازة الإسراع، وهو فوق سجية المشي فإن كانت بالميت علة يخاف لها أن تجيء منه شيئا أحببت أن يرفق بالمشي وأن يدارى لئلا يأتي منه أذى، وإذا غسلت المرأة، ضفر شعرها ثلاثة قرون فألقين خلفها، وأحب لو قرئ عند القبر، ودعي للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت، وأحب تعزية أهل الميت، وجاء الأثر في تعزيتهم، وأن يخص بالتعزية كبارهم، وصغارهم العاجزون عن احتمال المصيبة، وأن يجعل لهم أهل رحمهم وجيرانهم طعاما لشغلهم بمصيبتهم عن صنعة الطعام.العلل في الميت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا كان الميت مصعوقا أو ميتا غما أو محمولا عليه عذاب أو حريقا أو غريقا أو به علة قد توارت بمثل الموت استؤني بدفنه، وتعوهد حتى يستيقن موته لا وقت غير ذلك، ولو كان يوما أو يومين أو ثلاثة ما لم يبن به الموت أو يخاف أثره ثم غسل ودفن، وإذا استيقن موته عجل غسله ودفنه، وللموت علامات منها امتداد جلدة الولد مستقبله " قال الربيع " يعني خصاه فإنها تفاض عند الموت، وافتراج زندي يديه، واسترخاء القدمين حتى لا ينتصبان، وميلان الأنف، وعلامات سوى هذه، فإذا رئيت دلت على الموت.
[من يدخل قبر الرجل]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
لا يضر الرجل من دخل قبره من الرجال ولا يدخل النساء قبر رجل، ولا امرأة إلا أن لا يوجد غيرهن، وأحب أن يكونوا وترا في القبر ثلاثة أو خمسة أو سبعة، ولا يضرهم أن يكونوا شفعا، ويدخله من يطيقه، وأحبهم أن يدخل قبره أفقههم ثم أقربهم به رحما ثم يدخل قبر المرأة من العدد مثل من يدخل قبر الرجل، ولا تدخله امرأة إلا أن لا يوجد غيرها، ولا بأس أن يليها النساء لتخليص شيء إن كن يلينه، وحل عقد عنها، وإن وليها الرجال في ذلك كله فلا بأس إن شاء الله تعالى ولا أحب أن يليها إلا زوج أو ذو محرم إلا أن يوجد، وإن لم يوجدوا أحببت أن يليها رقيق إن كانوا لها فإن لم يكونوا فخصيان فإن لم يكن لها رقيق فذو محرم أو ولاء فإن لم يكونوا فمن وليها من المسلمين، ولا بأس إن شاء الله تعالى وتغسل المرأة زوجها، والرجل امرأته إن شاء وتغسلها ذات محرم منها أحب إلي فإن لم تكن فامرأة من المسلمين، ويدخل المرأة قبرها إذا لم يكن معها من قرابتها أحد الصالحين الذين لو احتاجت إليهم في حياتها لجاز لهم أن ينظروا إليها ويشهدوا عليها
[باب التكبير على الجنائز]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ويكبر على الجنائز أربعا، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويسلم عن يمينه وشماله عند الفراغ، ويقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لجملة المؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت ومما يستحب في الدعاء أن يقول " اللهم عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه أحبائه فيها إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به اللهم نزل بك، وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم فإن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، وبلغه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين "، وإذا أدخل قبره أن يقال " اللهم أسلمه إليك الأهل والإخوان ورجع عنه كل من صحبه، وصحبه عمله، اللهم فزد في حسنته واشكره واحطط سيئته، واغفر له واجمع له برحمتك الأمن من عذابك، واكفه كل هول دون الجنة اللهم واخلفه في تركته في الغابرين، وارفعه في عليين، وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين "
[باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه]
قبل تمامه؟ وليس في التراجم أخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي) :
من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو صوم نذر أو كفارة من وجه من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذرها أو صلاة طواف، لم يكن له أن يخرج من صوم، ولا صلاة ما كان مطيقا للصوم والصلاة على طهارة في الصلاة، وإن خرج من واحد منهما بلا عذر مما وصفت أو ما أشبهه عامدا، كان مفسدا آثما عندنا، والله تعالى أعلم، وكان عليه إذا خرج منه الإعادة لما خرج منه بكماله فإن خرج منه بعذر من سهو أو انتقاض وضوء أو غير ذلك من العذر كان عليه أن يعود فيقضي ما ترك من الصوم والصلاة بكماله لا يحل له غيره طال تركه له أو قصر، وأصل هذا إذا لم يكن للمرء ترك صلاة، ولا صوم قبل أن يدخل فيه، وكان عليه أن يعود فيقضي ما ترك بكماله فخرج منه قبل إكماله عاد، ودخل فيه فأكمله لأنه إذا لم يكمله بعد دخوله فيه فهو بحالة لأنه قد وجب عليه فلم يأت به كما وجب عليه، وإنما تكمل صلاة المصلي الصلاة الواجبة، وصوم الصائم الواجب عليه إذا قدم فيه مع دخوله في الصلاة نية يدخل بها في الصلاة فلو كبر لا ينوي واجبا من الصلاة أو دخل في الصوم لا ينوي، واجبا لم تجزه صلاته ولا صيامه من الواجب عليه منهما، وما قلت في هذا داخل في دلالة سنة أو أثر لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه
(قال الشافعي) :
ومن تطوع بصلاة أو طواف أو صيام أحببت له أن لا يخرج من شيء منه حتى يأتي به كاملا إلا من أمر يعذر به كما يعذر في خروجه من الواجب عليه بالسهو أو العجز عن طاقته أو انتقاض وضوء في الصلاة أو ما أشبهه، فإن خرج بعذر أو غير عذر فلو عاد له فكمله كان أحب إلي، وليس بواجب عندي أن يعود له،
والله تعالى أعلم فإن قال قائل: ولم لا يعود لما دخل فيه من التطوع من صوم وصلاة وطواف إذا خرج منه كما يعود لما وجب عليه؟ قيل له إن شاء الله تعالى لاختلاف الواجب من ذلك والنافلة،
فإن قال قائل: فأين الخلاف بينهما؟
قيل له إن شاء الله تعالى: لا اختلاف مختلفان قبل الدخول فيهما،
وبعده فإن قال قائل: ما وجد في اختلافهما؟
قيل له: أرأيت الواجب عليه أكان له تركه قبل أن يدخل فيه؟
فإن قال: لا قيل: أفرأيت النافلة، أكان له تركها قبل أن يدخل فيها؟
فإن قال: نعم،
قيل: أفتراهما متباينتين قبل الدخول؟
فإن قال: نعم،
قيل: أفرأيت الواجب عليه من صوم وصلاة لا يجزئه أن يدخل فيه لا ينوي الصلاة التي وجبت بعينها والصوم الذي وجب عليه بعينه؟ فإن قال: لا ولو فعل لم يجزه من واحد منهما قيل له: أفيجوز له أن يدخل في صلاة نافلة، وصوم لا ينوي نافلة بعينها، ولا فرضا أفتكون نافلة؟
فإن قال: نعم قيل له: وهل يجوز له وهو مطيق على القيام في الصلاة أن يصلي قاعدا أو مضطجعا، وفي السفر راكبا أين توجهت به دابته يومئ إيماء؟
فإن قال: نعم قيل له: وهل يجوز له هذا في المكتوبة؟
فإن قال: لا،
قيل: أفتراهما مفترقتين بين الافتراق قبل الدخول فيهما، ومع الدخول، وبعد الدخول عندنا وعندك استدلالا بالسنة، وما لم أعلم من أهل العلم مخالفا فيه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الجنائز
الحلقة (51)
صــــــــــ 326 الى صـــــــــــ330
باب الخلاف فيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
فخالفنا بعض الناس، وآخر في هذا فكلمت بعض الناس، وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة، وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أني لا أدري لعلي أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذي كان مني حين كلمته فلم أحب أن أحكي إلا ما قلت على وجهه، وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له، وأن آتي على ما قال، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكي إن شاء الله تعالى ما قالوا،
وقلت: فقال لي: قد علمت أن فقهاء المكيين، وغير واحد من فقهاء المدنيين يقولون ما قلت لا يخالفونك فيه،
وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شيء منه فقلت: لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق قولك قول من لا يرى قوله حجة بحال: قال: أفعل،
ثم قال: أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب «أن عائشة، وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شيء فذكرتا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال صوما يوما مكانه» فقلت: هل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا؟ قال: ما يحضرني الآن شيء غيره،
وهذا الذي كنا نبني عليه من الأخبار في هذا قال: فقلت له: هل تقبل مني أن أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب، وابن المنكدر، ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء، وابن المسيب، وعروة؟
قال: لا.
قلت: فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شيء ولا تقبله عنه، ولا عن مثله، ولا أكبر منه في شيء غيره؟
قال فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة.
قلت: وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا، ومرسل من هو أكبر فيقول كلما غاب عني مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم علي به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله،
قلت: ولم؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة الشهادات، ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا، ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال: أجل،
وهكذا نقول في الحديث كله قال: فقلت له: وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من كأنه لم يعلم فيه، ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب، وفيه شيء يخالفه، ولم نعرف ثقة ثبتا يخالفه،
وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال: فكان ذاهبا عند ابن شهاب؟
قلت: نعم،
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال: الحديث الذي رويت عن حفصة، وعائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن جريج: فقلت له أسمعته من عروة بن الزبير؟
قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان
(قال الشافعي) :
فقلت له: أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله؟ قال: لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن رجل لا يسميه ولو عرفه لسماه أو وثقه
(قال الشافعي) :
فقال: أفليس يقبح أن يدخل رجل في صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلي ركعتين، وفي صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا؟
فقلت له: وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى أن تكلم كلام أهل الهالة قال: الذي قلت أحسن. قلت: أتقول أن يكمل الرجل ما دخل فيه؟
قال: نعم.
قلت: وأحسن منه أن يزيد على أضعافه؟
قال: أجل. قلت أفتوجبه عليه؟
قال: لا قلت له: أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا أو لا يصلي ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك في صوم أو صلاة؟ قال الذي امتنع من أن يدخل من ذلك سيئ،
قلت: أفتأمره إذا كان فعله أقبح أن يصلي، ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه؟
قال: لا.
قلت: فليس قولك أحسن،
وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال: نعم فلم يدخل الاختيار في موضع الحجة،
وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا: ما نحب أن يطيق رجل صوما فيأتي عليه شهر لا يصوم بعضه، ولا صلاة فيأتي عليه ليل، ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منهما بعدد كثير من الصلاة، وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له، ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في ترك النقص،
ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل: هذا معيب، وهذا مستخف، والاستخفاف، والعيب بالنية، والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف؟ قلت: نعم.قال: فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا: أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن «عائشة أم المؤمنين قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقلت إنا خبأنا لك حيسا: فقال أما إني كنت أريد الصوم، ولكن قربيه»
(قال الشافعي) :
فقال قد قيل: إنه يصوم يوما مكانه
(قال الشافعي) :
فقلت له: ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث، وأنا أسألك. قال.
فسل: قلت أرأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له أن يفطر ويقضي يوما مكانه؟
قال: لا.
قلت: أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن تقول من غير ضرورة ثم يقضي؟ قال: لا. قلت: ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما ذهبت إليه كنت قد خالفته؟
قال: فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن يقضيه؟
قلت: نعم.
يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال: وأياما أفتجد في شيء روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ما وصفت؟
قلت: نعم أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر،
قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة،
وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له: اذهب فسل أم سلمة، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها «فقالت أم سلمة: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما قالت أم سلمة فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال: إني كنت أصلي ركعتين قبل الظهر، وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان»
(قال الشافعي) :
وثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل» ، وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما شغل عنه عمله في أقرب الأوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان، ولا بعدها، وإنما هما نافلة، وقال عمر بن الخطاب " من فاته شيء من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل " ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه، ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل، أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يعتكف في الإسلام» ، وهو على هذا المعنى، والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق باعتكاف اعتكف، ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردي، وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله تعالى عنهما - عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام في سفره إلى مكة عام الفتح في شهر رمضان،
وأمر الناس أن يفطروا فقيل له: إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده، وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا، ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب وفي حديثهما أو حديث أحدهما، وذلك بعد العصر» أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم، وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده، وهو على الرحل فحبس من بين يديه، وأدركه من وراءه ثم شرب، والناس ينظرون»
(قال الشافعي) :
فقال هذا في شهر رمضان قلت: فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولي من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره قال: فتقول بهذا؟
قلت: نعم، أقوله اتباعا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] قال لي: فقد ذكر لي أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقلت له: الذي جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الأثر قال فاذكر الأثر قلت: فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تأت بشيء يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم أن فيما قلنا الحجة، وفي خلافه الخطأ؟
قال: فاذكره.
قلت: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع، ويضرب لذلك أمثالا، رجل قد طاف سبعا، ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة، ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب، أخبرنا مسلم، وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم،
وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده
فيقول: لأصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرا، وبلغ ذلك الحين، وهو مفطر.
قال ابن جريج: أخبرنا عطاء، وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده، ولعله أن يكون وجد غداء أو لم يجده
(قال الشافعي) :
في قوله يصبح مفطرا يعني يصبح لم ينو صوما، ولم يطعم شيئا
(قال الشافعي) :
وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوي صومه قبل الفجر،
أخبرنا الثقات من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسئل عن ذلك فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - مثل معنى ما روي عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال حدثني من رأى أبا ذر يكثر الركوع،
والسجود فقيل له: أيها الشيخ تدري على شفع تنصرف أم على وتر؟
قال: لكن الله يدري أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي تميم المنذري عن مطرف قال: أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع،
والسجود فلما انصرف قلت: إنك شيخ وإنك لا تدري على شفع انصرفت أم على وتر فقال: إنك قد كفيت حفظه وإني لأرجو أني لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لي بها حسنة أو جمع لي كلتيهما، قال عبد الوهاب الشيخ الذي صلى، وقال المقالة أبو ذر
(قال الشافعي) :
قول أبي ذر " لكن الله يدري "، وقوله " قد كفيت حفظه " يعني علم الله به، ويتوسع، وإن لم يعلم هو، والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه، ولا ينقص منه شيئا، وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع
(قال الشافعي) :
وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يخالفه غيره من روايتك، ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن علي وعمر وأبي ذر من الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن جابر بن عبد الله ويروي عن أبي ذر عدد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق ما قلنا فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار، وأيا كان لم يك على أصل مذهبك أن نقول قولنا فيه وأنت تروي عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر، ونقول ولو تصادقا أنه لم يمسها، وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول حجة لقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] ، ولقوله {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] قالوا إنما أوجب الله المهر،
والعدة في الطلاق بالمسيس فقلت: لا تنازع عمر، ولا تتأول معه بل تتبعه،
ونتبع ابن عباس في قوله: «من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما» ، وفي قوله " ما الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه،
ولا أحسب كل شيء إلا مثله فقلت: لا يجوز أن يباع شيء اشتري متى يقبض اتباعا لابن عباس، وتروي ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول ابن عباس وتروي عن علي - رضي الله عنه - في امرأة المفقود خلاف عمر، وتحتج به عليه، وترى لك فيه حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر، وعددا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متفقة أقاويلهم، وأفعالهم، وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس أرأيت لا يمكن أحدا في قول، واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا، ومعهم دلائل السنة التي ليس لأحد خلافها؟
(قال) :
أفتكون صلاة ركعة واحدة؟
(قلت) :
مسألتك مع ما وصفت من الأخبار جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا، ولك أن نكون متكلمين سنة أو أثرا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز، وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع
(قال) :
أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام، والطواف، وكلمتك في الصلاة وزعمت أني لا أقيس شريعة بشريعة، ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد في الصوم حديثا يثبت يخالف ما ذهبت إليه، ولا في الطواف، وكنعت عن الكلام فيهما قلت، ورجعت إلى إجازة أن يخرج من صوم التطوع، والطواف؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك الوقوف عند الحجة؟ قال: لعلي سأجد حجة فيما قلت: قلت: فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له، وفائدة وقوفك، والخبر الذي يلزم مثله عندك ثابت بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «صلاة الليل، والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين» قلت: فأنت تخالف هذا فتقول: صلاة النهار أربع، وصلاة الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت؟ قال فاقتصر على صلاة الليل، وأنت تعرف الحديث ليلا، وتثبته؟
قلت: نعم. وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال،
وكيف قلت: إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلي أقل من مثنى، ولا أكثر قال، وأين أجاز أن يصلي أقل من مثنى؟ قلت في قوله «فإذا خشي الصبح صلى واحدة يوتر بها ما قد صلى» فقد صلى ركعة واحدة منفردة، وجعلها صلاة، وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم، ولا يجلس إلا في أخراهن» ، وروى ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من الركعة والركعتين» ، وأخبر أن وجه الصلاة في التطوع أن تكون مثنى، ولم يحرم أن تجاوز مثنى، ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا يصلي إلا مثنى،
قلت: فأنت إذن تخالف إن زعمت أن الوتر واحدة، وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى، قال: فقال بعض من حضره من أصحابه ليس الذي ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى، ولا يحرمون دون مثنى فإذا جاز أن يصلي غير مثنى قلت: فلم أحتج به
(قال الشافعي) :
قلت له: نحن وأنت مجمعون على إنما يجب للرجل إذا قرأ السجدة طاهرا أن يسجد، وأنت توجبها عليه أفسجدة لا قراءة فيها أقل أم ركعة؟ قال: هذا سنة وأثر قلت له، ولا يدخل على السنة ولا الأثر؟
قال: لا.
قلت: فلم أدخلته علينا في السنة والأثر؟ وإذا كانت سجدة تكون صلاة، ولم تبطلها بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الليل " مثنى لأنه لم يبلغ بها أن يجاوز بها مثنى فيقصر بها على مثنى فكيف عبث أن نقول أقل من مثنى، وأكثر من سجدة صلاة؟ قال: فإن قلت: السجود واجب قلنا فذلك أوكد للحجة عليك أن يحب من الصلاة سجدة بلا قراءة، ولا ركوع ثم تعيب أن يجوز أكثر منها قلت له سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدة شكر لله عز وجل
(قال الشافعي) :
أخبرنا بذلك الدراوردي وسجد أبو بكر شكرا لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل مسيلمة،، وسجد عمر حين جاءه فتح مصر شكرا لله جل اسمه فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت أن يتطوع بأكثر منها؟ وقلت له ولو أن رجلا ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خفف قيام الليل ونصفه قال {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20] يعني صلوا ما تيسر أن يكون جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، والله تعالى أعلم منك،
وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما بركعة في الليل لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث أن كريبا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس فقال: أصاب أي بنى ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن زيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة قال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال قلت لأغلبن الليلة على المقام فقمت فإذا برجل يزحمني متقنعا فنظرت فإذا عثمان قال فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر فأوتر بركعة لم يصل غيرها
(قال الشافعي) :
فقال فما حجتك على صاحبك الذي خالف مذهبك؟ قلت له: حجتي عليك حجتي عليه،
ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال: وأين؟
قلت: هل تعدو النافلة من الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها، وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟
قال: ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من هذين؟
قال: وكيف؟
قلت: يزعم أن من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه أن يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه، وهو يزعم في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال: ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناظراته، وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شيء، ويخالفنا في شيء لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا،
قلنا: فيوهم أن عنده أثرا ولا يذكره، وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة، ولا أثرا
(قال الشافعي) :
فقال فبقيت لنا عليك حجة، وهي أنك تركت فيهما بعض الأصل الذي ذهبت إليه
(قال الشافعي) :
فقلت، وما هي؟
قال: أنت تقول من تطوع بحج أو عمرة فدخل فيهما لم يكن له الخروج منهما، وهما نافلة فما فرق بين الحج، والعمرة، وغيرهما من صلاة، وطواف، وصوم؟
قلت: الفرق الذي لا أعلمك ولا أحدا يخالف فيه قال فما هو؟
قلت أفرأيت من أفسد صلاته أو صومه أو طوافه أيمضي في واحد منها أو يستأنفها قال: بل يستأنفها قلت، ولو مضى في صلاة فاسدة أو صوم أو طواف لم يجزه، وكان عاصيا، ولو فسدت طهارته، ومضى مصليا أو طائفا لم يجز؟
قال: نعم.
قلت: يؤمر بالخروج منها؟
قال: نعم قلت: أفرأيت إذا فسد حجه وعمرته أيقال له: اخرج منهما فإنه لا يجوز له أن يمضي في واحد منهما وهو فاسد؟
قال: لا،
وقلت: ويقال له اعمل للحج والعمرة، وقد فسدا كما تعمله صحيحا لا تدع من عمله شيئا للفساد، واحجج قابلا، واعتمر وافتد،
قال: نعم،
قلت: أفتراهما يشبهان شيئا مما وصفت؟ والله أعلم
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله