ليس ثم تكلف والحمد لله..
أما اختلاف المخرج فوجود أشهر من أن يُذكر فضلاً عن أن سواغ أن يُنكر..
فمخرج اللفظ هو ظاهره الذي يسبق للفهم وهذا يختلف اختلافاً يكثر ويقل بحسب علم السامع وفقهه بأحوال المتكلم..
وجعل المخرج ثابتاً هو نفسه ما دعى أقوام لإطلاق أن ظاهر النصوص يكون غير مراد..
وأصل ذلك الباطل:
هو تنزيل ما يُحدثه اللفظ في نفسك من معنى سابق منزلة ما كان يحدثه في نفس العربي صاحب اللسان الأول..
وهذا خلط عظيم بل يتفقان ويختلفان..
وكلما بعدت الشقة بين لسانك واللسان الأول علماً وزماناً اختلفت المخارج وتنوعت المعاني التي تسبق لفهمك..
وازدادت الحاجة لتعيين مراد الله والرسول باللفظ بطرائق البحث والنظر وضعفت دلالة هذا السابق وهذا المخرج المظنون على المراد..
ولذلك لم يحتج الصحابة لبيان كثير من دلالات الألفاظ التي نتنازع فيها الآن أو ينازع فيها بعض المبتدعة؛لوضوح معانيها عند عامتهم وعدم احتياجها للبيان ؛وما ذلك لإلا لاتحاد لسانهم مع اللسان الأول الذي نزل به الشرع اتحاداً يضيق الحاجة لطلب البيان ويقللها..
وهذا هو السبب في عدم اعتياص معاني ألفاظ الصفات عليهم ومناطحة المبتدعة لنا من بعدهم لما جعلوا مخرج ألفاظها هو ما سبق لفهومهم الأعجمية وقلوبهم التي أعرضت عن السنن وجعلتها منسية..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نضال مشهود
قال أبو جعفر : (وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم ، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك). وقال : (وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف، دون باطنه المجهول، حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك، مما يجب التسليم له). وأبو جعفر ولد بعد انقطاع الوحي بقرون :)
أما كلام الطبري ففي غير محله..وهو عوج في البحث، وأَمْتُه أن يقال : لا يفسر كلام رجل بكلام رجل آخر وإنما يستدل به إن كان البحث في منهج جمع من العلماء أما والبحث في واحد فتفسير كلام الواحد يكون بالنظر فيه هو لا في النظر فيه وفي جيرانه ومن يسكنون فوقه ومن يسكنون تحته..
وإن انتقل البحث للطبري ومنهجه وموقفه من ظاهر اللفظ = ساغ إيراد مثل هذه الأشياء..
لكن الآن ليس لها موضع سوى تشتيت البحث والتعلق بما لا يفيد في تفسير منهج الرجل محل البحث..
وكلامنا كان عن الشافعي وأن مراده بالإتيان ليس هو جواز مطلق التمسك بهذا الأول بل هو لا يجيز هذا التمسك إلا للعالم علم قلب أو علم بحث بعدم وجود ما يخالفه في السنة فإن أوقف بعد على ما يدل على خطأه=رجع..
وليس مراده التمسك بظاهر ثم انتظار الإتيان كأنما هو وحي سيوحى..
وإنما الشيخ يمثل لمكانة السنة ويحط على من لا يعتبرونها في البيان..
يدلك على هذا أنه لا يوجد نص قد أتى بل النص موجود من قبل وإنما هو يوكد متى يجوز للباحث القول بالقرآن ومتى لا يجوز له القول به حتى يضم إليه السنة..
فالشيخ لما يتكلم عن ظاهر القرآ ودلالته فإنما يتكلم عن تلك الدلالة المجردة بشرط تحصلها للعالم بسنن العربية ثم إذا تحصلت بعد فإنما يذكرها؛ليهيء البحث فيها بأن تقرن بغيرها من أدوات العلم ،فإن لم يوجد ما يصرف عنها جاز التمسك بها..
أما الزعم بأن الظاهر الذي هو أداة علمية هو ما يظهر لغير العالم بسنن العربية = فهذا كذب على الشيخ..
وأما الزعم بأن هذا الظاهر يجوز التمسك به والقول به قبل استكمال أدوات النظر وقبل حصول العلم يعدم ما ينقل عن هذا الظاهر نقلة تبين خطأه وأن الظاهر المراد غيره = فهذا كذب على الشيخ
وهذا بين جداً والحمد لله..
وليس مراده أن يعرض لنظرية الظاهر المكذوبة تلك ولم يبوب لها ولم يجعلها أصلاً ولا فرعاً في منهجه..
وإنما تصيد لفظ الظاهر من يظن انه يعضد تلك النظرية المكذوبة..
وخلاصة النظر :
الظاهر الذي يسبق لفهم العالم بالعربية وبالسنن علم قلب أو علم بحث ونظر = يجوز له التمسك به..
أما الظاهر الذي يسبق لفهم من ليس بعالم ومن لم يبحث ممن يحوجه علمه للبحث = فلا يجوز التمسك به،ولا يجوز للرجل أن يتكلم بعلم في الكتاب إلا بعد جمع أبواب خمسة ذكرها في أول رسالته وذضم إليها العربية..
وهذا النظر بين من سياقات الشافعي كما مثلنا لها فهو لم يذكر ظاهراً ثابتاً في نفس الأمر وحاشاه أن يتورط في هذا الكذب فأي ظاهر ثابت هذا وقد تورط الناس في فهم معان للكتاب والسنة لم يفهمها الصحابة ولم يردها المتكلم..
ونفس دعوى الظاهر الثابت هي دعوى من زعم أن ظاهر النصوص غير مراد..
وكل ذلك خطل في الرأي وعي في البيان..
والله أنزل كتابه بلسان عربي مبين وبين نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن ببيانات شتى فلو قدر من جمع في قلبه اللسان تاماً والسنة تامة = لما كان يظهر له ولا يسبق إلى فهمه إلا عين مراد الله والرسول ..
ولما كان الناس في نقص من العلمين = وقعت الفجوة بين ما يسبق إلى فهومهم وبين المراد..
ولما كان الناس في نقص يتفاحش في العلمين = امتنع أن يعد هذا الذي يسبق إلى الفهم شيئاً يعتمد عليه في معرفة مراد المتكلم..
ورجع الأمر إلى جمع الأبواب ومحاولة تعويض هذا النقص لسد تلك الفجوة..
وليس في كلام الشافعي شيء يشبه أن يُجعل حجة لمن يقول بهذه النظرية الفاسدة وإنما يغمض كلامه ويشتبه على من لم يجمع أوله وآخره ولم يفقه سياقه فانتزع منه مالم يسقه الشافعي لأجل ما انتُزع لأجله من كلامه،وهذا الانتزاع -كما عودتنا سنة العلم- مضل جداً..
وبعدُ..
فهذه خلاصة ما عندي في تفسير كلام الإمام،ولا أرى فيه عوجاً ولا أمتاً ..
وأراه واضحاً جداً في اشتراط جمع الأبواب التي ذكرها في أول الرسالة للتكلم في الوحي..
وأراه واضحاً جداً في جعله الظاهر المخالف للباطن في اللسان إنما يظهر للجهلة أما أهل العلم باللسان فهو عندهم بين..
وأراه واضحاً جداً في أن ما يظهر لعدم العلم بالسنة إنما هو لمن لم يجمعها وأنه لا يجوز التمسك به إلا في حالة أن يؤدي العلم لعدم وجود تلك السنة وان كلامه عن التمسك لولا وجود السنة واضح جداً في أنه كام تقديري مسوق لبيان مكانة السنة وليس مسوقاً لتقرير جواز التمسك قبل البحث والنظر وجمع الأبواب التي ذكرها هو في أول الرسالة..
وإن مثل قوله : ((والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر))
هو في الظاهر الذي يظهر لمن فقه تلك الأبواب وجمعها فلم يجد فيها ما يصرفه عن الظاهر فهو على الظاهر حتى تأتيه زيادة علم وأن ليس مراده التمسك به قبل جمع تلك الأبواب ؛لأن هذا التمسك عنده بهذا قبل النظر في الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسنن العربية هو تكلم بغير العلم كما قال في أول الرسالة في نصه الذي مفتتحه : ((وهذا الصنف من العلم دليل على ما وصفت قبل هذا على أن ليس لاحد أبدا أن يقول في شئ حل ولا حرم إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس وعنى هذا الباب معنى القياس..))
ثم ذكر معرفة العربية والخلاف والناسخ والمنسوخ ثم قال : ((فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الامساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله)).
وقد طبق هذا في الأم فقال :
((قَالَ الشّاَفعيُّ : وكان كُلُّ من خَرَجَ مُجْتَازًا من بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ يَقَعُ عليه اسْمُ السَّفَرِ قَصَرَ السَّفَرُ أَمْ طَالَ ولم أَعْلَمْ من السُّنَّةِ دَلِيلاً على أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ وكان ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ سَفَرًا بَعِيدًا أو قَرِيبًا يَتَيَمَّمُ)) .
فهذا ظاهر تُمسك به لما لم يوجد في السنة خلافه.
وقال : ((وَاَلَّذِي هو أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً فإن اللَّهَ عز وجل قَرَنَهَا مع الْحَجِّ فقال {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ} وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ قبل أَنْ يَحُجَّ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَّ إحْرَامَهَا وَالْخُرُوجَ منها بِطَوَافٍ وَحِلاَقٍ وَمِيقَاتٍ وفي الْحَجِّ زِيَادَةُ عَمَلٍ على الْعُمْرَةِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى إذَا لم يَكُنْ دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ وَمَعَ ذلك قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى إذَا لم يَكُنْ دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ)).
وقوله : ((وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلاَكُهُ وَيَخْفَى وَإِنَّمَا جاء الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وما كان جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ على ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلاَّ أَنْ تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَمَّنْ جاء عنه أو يَقُولَ الْعَامَّةُ على أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ ولم نَعْلَمْ دَلاَلَةً جَاءَتْ بهذا عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَصِيرُ إلَيْهَا)).
فهذا نص في أن التمسك بالظاهر السابق هو الظاهر الذي حصل للعالم باللسان وإنما هو بعد علم عدم وجود الدلالة وليس قبل العلم بعدم وجود الدلالة.
وقوله : ((قَالَ الشّاَفعيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في غَيْرِ آيَةٍ في قِسْمِ الْمِيرَاثِ {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} وَ {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ} قال الشَّافِعِيُّ فَنَقَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِلْكَ من مَاتَ من الأَحْيَاءِ إلَى من بَقِيَ من وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيمَا مَلَّكَهُمْ من مِلْكِهِ وقال اللَّهُ عز وجل {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} قال فَكَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ الْمَعْقُولُ فيها {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} إنْ كان عليهم دَيْنٌ.
قَالَ الشّاَفعيُّ : وَبِهَذَا نَقُولُ وَلاَ أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ فيه مُخَالِفًا وقد تَحْتَمِلُ الآيَةُ مَعْنًى غير هذا أَظْهَرَ منه وَأَوْلَى بِأَنَّ الْعَامَّةَ لاَ تَخْتَلِفُ فيه فِيمَا عَلِمْت وَإِجْمَاعُهُمْ لاَ يَكُونُ عن جَهَالَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.))
فانظر كيف طلب إجماع الناس على معنى هذا الظاهر وكيف لم ينصرف لمعنى يراه أظهر لمكان إجماع الناس المعين لصحة السابق للفهم وموافقته لمراد المتكلم.
وقال الشافعي : ((وقال اللَّهُ عز وجل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وقال عز ذِكْرُهُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَلَوْ صِرْنَا إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ [فهل يقول فقيه أن الشافعي يجوز هذه الصيرورة إلى التمسك بهذا الظاهر لغير العالم بالسنن وعدم وجود ما يخالف الظاهر فيها ؟؟]قَطَعْنَا من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَضَرَبْنَا كُلَّ من لَزِمَهُ اسْمُ زِنًا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَمَّا قَطَعَ النبي في رُبُعِ دِينَارٍ ولم يَقْطَعْ في أَقَلَّ منه وَرَجَمَ الْحُرَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ ولم يَجْلِدْهُمَا اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَرَادَ بِالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ بَعْضَ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضَ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ)).
ثم أختم بهذه العبارة التي تشكل المحرك الأول لمنهجية الشافعي وهي قوله : ((قَالَ الشّاَفعيُّ : وَلاَ تَكُونُ سُنَّةٌ أبدأ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ)).
ولا يكون ذلك أبداً إلا إن كان الظاهر الذي يجوز التمسك به من القرآن هو ما أفيد بعلم أن ليس في السنة ما يخالفه.
وإنما تقع المعارضة التي ينكرها الشافعي على مخالفيه = بين ظاهر سبق وهو متوهم غير مراد وبين سنة صحيحة أو بين ظاهر سبق وهو مراد وسنة معدومة أو ضعيفة.
ولذلك كان مفتاح نظر الشافعي أن ما يراه مخالفوه مخالفاً لظاهر القرآن من السنن التي يردونها أن هذا الظاهر قد سبق لذهنهم لنقص العلم بالعربية ونقص العلم بوجوه السنن وبيانها..
وأن الظاهر الذي هو علم يتمسك به هو ما ظهر للعالم بالعربية والعالم يالسنن ومعه لا يتعارض ظاهر الكتاب مع سنة قط..
والحمد لله وحده..