-
مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
مرحــبا بـالحبيب الـــوافد
(احكام خاصة بالصيام)
اللجنة العلمية
(موقع المسلم)
تعريف الصوم لغة
الصوم مصدر صام يصوم، ومعناه: الإمساك عن الطعام والكلام والسير ونحو ذلك([1])، ومنه قوله تعالى: )فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(([2])، أي: إمساكًا عن الكلام([3]). ويقال: صام النهار إذا قام قائم الظهيرة، كما قال الشاعر:
فدعها وسل الهمَّ عنك ِبجسْرةٍ
ذَمُولٍ إذا صَامَ النَّهارُ وهجَّرا([4])
ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
([1]) لسان العرب، مادة (صوم)، (12/350)، ومختار الصحاح، مادة (صوم)، (1/375).
([2]) الآية رقم (26)، من سورة مريم.
([3]) فتح القدير (1/277).
([4]) البيت من شعر أمرؤ القيس، انظر: ديوانه، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، عام 1409هـ، (1/19).
تعريف الصيام اصطلاحًا
وأما المعنى الشرعي للصوم:
فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس([1])، لقوله تعالى: )أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (([2]).
وقيل: الصوم هو عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص، بنية مخصوصة([3]).
ـــــــــــــــ ـــ
([1]) من أجمع ما عُرف به الصوم _حسب ما اطلعت عليه- ، هو تعريف الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/310)، حيث قال رحمه الله: "ويجب التفطن لإلحاق كلمة التعبد في التعريف؛ لأن كثيراً من الفقهاء لا يذكرونها بل يقولون: الإمساك عن المفطرات من كذا إلى كذا، وفي الصلاة يقولون هي: أقوال وأفعال معلومة، ولكن ينبغي أن نزيد كلمة التعبد، حتى لا تكون مجرد حركات، أو مجرد إمساك، بل تكون عبادة".
([2]) من الآية رقم (187)، من سورة البقرة.
([3]) انظر: التعريفات (1/178)، والمطلع (1/145).
الأصل في وجوب الصيام
والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقول الله تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([1]).
وأما السنة فلأحاديث كُثر منها حديث ابن عمر "رضي الله عنه" أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان"([2]).
وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان([3]).
ـــــــــــــــ ـــــ
([1]) الآية رقم (183)، من سورة البقرة.
([2]) سبق تخريجه ص (131).
([3]) المغني (3/3).
مطالع هلال شهر رمضان و توحيد الصيام بين الشعوب الإسلامية
في كل سنة، ومع استهلال هلال شهر رمضان المبارك، تتجه الأسماع والأنظار من كل فرد من أفراد الأمة إلى وقت إعلان دخول شهر الصوم؛ كلٌ في بلده؛ ومع ذلك هم يترقبون مطلع الهلال في الدول المجاورة إليهم، ويأتي الحديث بين أوساطهم عن تلك الدول: هل وافقونا في الرؤية؟ لماذا صاموا قبلنا؟ ولِمَ لمْ يصوموا معنا؟ ونحو ذلك.
وتستجد مع هذا كله مسألة اختلاف المطالع، وإمكانية توحيد الصوم بين المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وقبل البدء بذكر آراء الفقهاء وبحث المسألة أقول:
بأن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه فهو أمر واقع بين البلاد البعيدة بلا شك، وهو في هذا كاختلاف مطالع الشمس بين تلك البلاد، ولا خلاف في أن للإمام ( ولي الأمر) الأمرُ بما ثبت لديه، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف (1). وفيما يلي أراء المذاهب الأربعة في هذا الموضوع:
المذهب الحنفي:
اختلاف المطالع، ورؤية الهلال نهارًا، قبل الزوال وبعده غير معتبر، ويُلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أُولئك بطريق موجب، كأن يتحمل اثنين الشهادة(2).
المذهب المالكي:
وفي المذهب المالكي إذا رُئي الهلال عمَّ الصوم سائر البلاد، قريبًا أو بعيدًا ولا يُراعى في ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع ولا عدمها، فيجب الصوم على كل منقول إليه، إن نقل ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة(3).
المذهب الشافعي:
إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد بحسب اختلاف المطالع(4).
المذهب الحنبلي:
إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان قريباً كان أو بعيدًا لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه(5).
وبهذا يتضح لنا أن في هذه المسألة قولين:
القول الأول:
وهو ما ذهب إليه الحنفية(6)، والمالكية(7)، والحنابلة(8)، والذي يقضي بعدم اعتبار اختلاف المطالع، وأنه يوحد الصوم بين المسلمين، واستدلوا لقولهم هذا بما يلي:
1) قوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (9).
وجه الدلالة: قوله سبحانه (منكم)، فهو خطاب عام لسائر الأمة، وليس خاص لأحد دون آخر.
2) عن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"(10). والخطاب للمسلمين، فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض.
والآية والحديث يدلان على أن إيجاب الصوم على كل المسلمين معلق بمطلق الرؤية، والمطلق يجري إطلاقه، فتكفي رؤية الجماعة أو الفرد المقبول الشهادة(11).
3) ومما استُدل لهم به: قياس البلدان البعيدة على المدن القريبة من بلد الرؤية إذ لا فرق بينهما(12).
4) ومما يعضد هذا القول: أن العلوم الفلكية تُؤيد توحيد أول الشهر الشرعي بين الحكومات الإسلامية، لأن أقصى مدة بين مطلع القمر في أقصى بلد إسلامي وبين مطلعه في أقصى بلد إسلامي آخر هي نحو تسع ساعات، فتكون بذلك بلاد الإسلام كلها مشتركة في أجزاء من الليل تمكنها من الصيام عند ثبوت الرؤية والتبليغ بها برقيًا أو هاتفيًا(13).
القول الثاني:
وهو كما يتضح من العرض السابق ما ذهب إليه الشافعية(14) من أن بدء الصوم يختلف بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة، وأنه إذا رُئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد، ولقولهم هذا أستُدل بالأدلة التالية:
1) ، 2) الدليل الأول والثاني: هما نفس ما استدل به أصحاب القول الأول، إلا أن وجه الاستدلال يختلف، فوجه الاستدلال فيهما (الاغ¤ية والحديث) حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "أن الحكم عُلق بالشاهد والرائي، وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم يرَ لم يلزمه حكم الهلال، وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤيا لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رُؤي، وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم"(15).
3) حديث كريب(16) أن أم الفضل بنت الحارث(17) رضي الله عنها بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، وقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أرأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية؛ فقال: لكننا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه؛ فقلت: ألا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم""(18).
وجه الدلالة منه: أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يأخذ برؤية أهل الشام، وأنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر.
4) حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُم عليكم فاقدروا له"(19).
5) القياس، فإنهم قاسوا اختلاف مطالع القمر على اختلاف مطالع الشمس المنوط باختلاف البلاد وتباعدها، مما يقتضي اختلاف حكم بدء الصوم تبعًا لاختلاف البلدان(20). قال ابن عثيمين رحمه الله: "ويؤيده النظر والقياس، فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس، فقال تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(21)، فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكًا، وبالليل إفطاراً، والنبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"(22)، وقال "صلى الله عليه وسلم": "إذا أقبل الليل من هاهنا -وأشار إلى المشرق- "وأدبر النهار من هاهنا"، -وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"(23)، ومعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عامًّا لجميع البلدان، بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمر، ولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب، ويفطرون قبلهم حسب تبين طلوع الفجر وغروب الشمس، فإذا كان التوقيت اليومي متعلقاً في كل بلد بحسبه، فكذلك التوقيت الشهري يتعلق في كل بلد بحسبه"(24).
الخلاصة
هذان القولان في المسألة، ولعل الأقرب أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر، لا سيما البلدان الإسلامية البعيدة، إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد بحسب اختلاف المطالع، وأن ثبوت الرؤية عند الإمام (رئيس الدولة أو من أنابه من مجلس قضاء أو وزارة)، يُلزم أهل البلد الصوم.
وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري ستة أقوال في المسألة(25)، وقال ابن تيمية: " فتلخص: أنه من بلغه رؤية الهلال في الوقت الذي يؤدى بتلك الرؤية الصوم أو الفطر والنسك، وجب اعتبار ذلك بلا شك، والنصوص وآثار السلف تدل على ذلك. ومن حدد ذلك بمسافة قصر أو إقليم فقوله مخالف للعقل والشرع"(26). وقال الصنعاني: "والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمته"(27).ً
ـــــــــــــــ ــــــ
(1) بداية المجتهد (1/210).
(2) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/321)، حاشية الطحاوي (1/436).
(3) حاشية الدسوقي "(1/510)، بداية المجتهد (1/210).
(4) حاشية إعانة الطالبين (2/219)، مغني المحتاج (1/422).
(5) المغني (3/5)، الروض المربع (1/413).
(6) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/321)، حاشية الطحاوي (1/436).
(7) حاشية الدسوقي (1/510)، بداية المجتهد (1/210).
(8) المغني (3/5)، الروض المربع (1/413).
(9) ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )الآية (185)، من سورة البقرة.
(10) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب قوله "صلى الله عليه وسلم" إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، (2/674)، رقم (1810)، ومسلم في كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2/762)، رقم (18)، واللفظ للبخاري.
(11) انظر: المغني (3/5).
(12) نيل الأوطار (3/188).
(13) انظر: الفقه الإسلامي (2/610)، نقلاً عن كتاب محمد أبو العلا البنا مدرس الفلك بكلية الشريعة بالأزهر، المشار إليه في بحث محمد السايس في بحوث المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية، ص (99).
(14) حاشية إعانة الطالبين (2/219).
(15) مجموع الفتاوى (25/117).
(16) هو:كريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشدين مولى بن عباس ثقة من الطبقة الثالثة، مات سنة98هـ، انظر: تقريب التهذيب (1/461).
(17) هي: لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهي لبابة الكبرى، أخت ميمونة زوج النبي "صلى الله عليه وسلم" وزوجة العباس بن عبد المطلب وأم أكثر بنيه، يقال : إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة فكان النبي "صلى الله عليه وسلم" يزورها ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث كثيرة وكانت من المنجبات ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم. انظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى (8/277)، أسد الغابة (1/1408)، الإصابة (8/97).
(18) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم (2/765)، رقم (28).
(19) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2/759)، رقم (6).
(20) سبل السلام (4/88)، الفقه الإسلامي (2/608).
(21) الآية رقم (187)، من سورة البقرة.
(22) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب قول النبي "صلى الله عليه وسلم": "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال"، (2/677)، (1819)، من حديث عائشة رضي الله عنها، و أخرج مسلم نحوه في كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، (2/768)، رقم (38)، من حديث عبد الله بن عمر "رضي الله عنه".
(23) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب متى يحل فطر الصائم، (2/691)، ومسلم في كتاب الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، (2/772)، رقم (51)، من حديث عمر بن الخطاب ."رضي الله عنه"
(24) الشرح الممتع (6/350).
(25) انظرها (4/123).
(26) انظر: مجموع الفتاوى (25/111)
(27) سبل السلام (4/88).
للموضوع تتمة
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
اللجنة العلمية
تنـزُّلٌ كريم:
في ليلة السابعَ عشر من رمضان، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الأربعين من عمره، أذن الله عز وجل للنور أن يتنزَّل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اقرأ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم} فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده) [البخاري 3]
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم.
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، و تنزل الوحي بالنور و الضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء.
و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر … {إنا أنزلناه في ليلة القدر} {إنا أنزلنا في ليلة مباركة}، قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [النسائي و الحاكم]، وقال ابن جرير: نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه.
إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و غبطة و ابتهال، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد تَرِفُّ و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى {تنزل الملائكة و الروح فيها} و نور الفجر الذي تعرضهالنصوص متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … {سلام هي حتى مطلع الفجر} "
و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا}.
وهكذا إذن، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله، و من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان}
ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن.
إكثار و اجتهاد:
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة [البخاري 6 مسلم 2308].
قال الإمام ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، و عرض القرآن على من هو أحفظ له … و فيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتين [البخاري 3624 و مسلم 2450] [لطائف المعارف 354،355].
وفي رمضان يجتمع الصوم و القرآن، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان، يشفع له القرآن لقيامه، و يشفع له الصيام لصيامه، قال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، و يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)) [أحمد] و عند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي أسهرت ليلك و أظمأت نهارك)).
"واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه:
- جهاد بالنهار على الصيام!
- وجهاد بالليل على القيام!
فمن جمع بين هذين الجهادين و وفَّى بحقوقهما و صبر عليهما وُفِّي أجره بغير حساب " [لطائف المعارف 360]
و من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شُرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً، و لذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة.
ناشئة الليل!
قال ابن رجب: و في حديث ابن عباس أن المدارسة بينه و بين جبريل كانت ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل و يجتمع فيه الهم، و يتواطأ فيه القلب و اللسان على التدبر كما قال تعالى {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} [لطائف المعارف 355]
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره [لطائف المعارف 356] ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة [أحمد، باقي مسند الأنصار، رقم 22309]
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، و في رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [لطائف المعارف 356] وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و بعضهم في كل سبع منهم قتادة و بعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي [لطائف المعارف 358]
كل هذا التطويل و القيام من أجل تلاوة القرآن و تعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن.
عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان): رواه الطبراني في الكبير عن واثلة، وأحمد في مسنده وابن عساكر، وحسنه الألباني صحيح الجامع رقم (1509).
وشهر رمضان وإن كان موسماً لسائر العبادات، فإنَّ للقرآن فيه مزيد مزية وخصوصية، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية 185]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر: 1]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: من الآية3]، ولهذا كان للقرآن عند السلف خصوصية في موسمه،
* أسلافنا إذا قدم شهر رمضان فتحوا المصاحف وحلوا وارتحلوا مع القرآن الكريم.
ثبت عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه كان في رمضان لا يتشاغل إلاّ بالقرآن الكريم، وكان يعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس، ويقول هذا شهر القرآن الكريم.
* بيوت سلفنا كان لها في رمضان خاصة دويّ كدويّ النحل، تشع نورًا وتملأ سعادة، كانوا يرتلون القرآن الكريم ترتيلاً، يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشارته و يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه!
طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فقرأ سورة النساء، فلما بلغ قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً). قال له عليه الصلاة والسلام: ((حسبك الآن)). قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان)). إنه المحب سمع كلام حبيبه فبكى:
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وجدًا لأنّ به من التقوى حراكا
وصحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه استمع لأبي موسى رضى الله عنه:
ثم قال له: لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارأً من مزامير آل داود فقال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً)).
والمعنى لجملت صوتي أكثر وأكثر، فجعلت القرآن الكريم به أكثر تأثيراً وروعة وجمالاً.
كان عمر رضي الله عنه إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكّرنا ربّنا فيندفع أبو موسى يقرا بصوته الجميل وهم يبكون:
وإني ليبكيني سماع كلامه فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا
تلا ذكر مولاه فحن حنينه وشوق قلوب العارفين تجدّدًا
لما فسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجة، والفطرة منكوسة، والأفهام سقيمة.
لما استبدل القرآن الكريم بغيره حل الفساد، وكثر البلاء، واضطربت المفاهيم، وفشلت العزائم.
فهل لنا أن نعيش مع القرآن الكريم في رمضان وغير رمضان، وهل لنا أن نعرف عظمة القرآن الكريم فنملأ حياتنا سعادة بالقرآن الكريم، ونورًا بالقرآن الكريم، وإشراقاً مع القرآن الكريم. هل لنا أن نفعل ذلك؟
أخي الكريم، ها قد عرفتَ من فضل القرآن ما قد عرفتَ، و علمتَ من ارتباط هذا الشهر الكريم بالقرآن العظيم ما قد علمتَ، فلم يبق إلا أن تُشمِّر عن ساعد الجد، وتأخذ نفسك بالعزم، و تدرع الصبر، و تكون مع القرآن كما قال القائل:
أسرى مع القرآن في أفق فذ تبارك ذلك الأفق
وسرى به في رحلة عجب من واحة الإيمان تنطلق
وارتاد منه عوالما ملئت سحرا به الأرواح تنعتق
يامن يريد العيش في دعة نبع السعادة منه ينبثق
" عباد الله هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، و في بقيته للعابدين مستمتع، و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمع، و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، و مع هذا فلا قلب يخشع و لاعين تدمع ولا صيام يصان عن الحرام فينفع ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع. [لطائف المعارف 364ا/365]
فهل للنفس إقبال؟
وهل للقلب اشتياق؟
وهل نملأ شهر القرآن بتلاوة القرآن؟
حالنا اليوم مع القرآن: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
حالُنا اليوم مع كتاب الله تعالى حالٌ تأسف لها النفوس، وتتحرَّق لها الأفئدة، وتدمع لها العيون، حالنا اليوم حال من ضيَّعَ شيئاً ثميناً ويطلبهُ ويبحثُ عنه وهو أمامه، ولكن عميت عنه بصيرته، حالنا حال من منّ الله عليه بكنز ولكن ما عرف كيف يتصرف به. هذا هو الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انظر إلى حال النّاس اليوم مع القرآن الكريم. فمن النّاس من إذا دخل المسجد صلى ركعتين تحية المسجد ثم جلس صامتاً ينتظر إقامة الصلاة. والمسجد مليء بالمصاحف ولكن عميت بصيرته فلا همَّ له إلّا أن تُقام الصلاة. أمّا القرآن لا مكان له في قلبه. ولو قدمت إليه المصحف ليقرأ. قال: شكراً شكراً، وكأنّه امتلأ بالحسنات. فلا إله إلّا الله.
تركوا كتاب الله، تركوا دستور هذه الأمة، وانكبوا على اللهو واللعب، ومشاهدة الخبيث من الأفلام والمسلسلات الهابطة التي في ظاهرتها السلامة وفي باطنها تبث أنواعاً من السموم والندامة. انكبوا على تحريك القنوات الفضائية لمشاهدة العاهرات والفاجرات، ومتابعة الملهيات وما يدعو إلى السيئات. انكبوا على الأكل والشرب وكثرة النوم، فالليل لعب ولهو وسهر إلى طلوع الفجر، والنهار نوم إلى قبيل الغروب، والقرآن لا مكان له في القلوب، لا محل له في جدول أولئك النّاس، فلا حول ولا قوة إلّا بالله. فأين هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟ ما هو حالنا مع القرآن في رمضان في هذا الوقت؟ فحال البعض ضياع ودمار وقتل للوقت والنفس وهولا يدري، فغيبة ونميمة وكذب وغش وخداع وبغضاء وشحناء. هكذا يتم قضاء الوقت في هذا الزمان مع الكثير من النّاس.
أخي الكريم: خصص لكتاب الله جزءاً من وقتك حتى تقرأه فيه, فخصص ساعة أو نصف ساعة كل يوم للقرآن الكريم تراجع فيه وتحفظ منه ما تيسر لك. حاول أن تختم كتاب الله لتجده اللذة، والطمأنينة، ولتشعر بالسكينة، وتحفك الملائكة، وتغشاك الرحمة, رحمة رب العباد. حاول وستجد أنّ ذلك سهلاً ميسراً بإذن الله تعالى.
إنّها أمور يندى لها الجبين، ويتفطر لها القلب؛ عندما نرى تلك السهرات والجلسات على الأرصفة في ليالي شهر رمضان المبارك، في الأعوام الماضية، والتي يتمُّ فيها معصية الخالق سبحانه، يعصون الله تعالى في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النّار، بينما لا مكان في قلوب أولئك للقرآن. فهي جلسات إلى قبيل الفجر، ثم نوم إلى قبيل الغروب. فأين هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟!! فرق شاسع وواسع بين الفريقين. ضعف الإيمان واليقين فحصل هذا البعد عن حبل الله المتين. أين هؤلاء من قول المولى - جل وعلا: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا} [الفرقان:30]. وأين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني• فأولئك لم يعرفوا حقيقة الصيام والقرآن].
فأحوال النّاس مع القرآن في رمضان أحوال عجيبة. فمن النّاس من لا يعرف القرآن في رمضان ولا غير رمضان. ومن النّاس من لا يعرف القرآن إلّا في رمضان فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن يترك القراءة وينكب على اللعب واللهو، فهذا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ومن النّاس من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنّه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان وضع المصحف وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم، وكأنّه أيقن أنّه سيدرك رمضان القادم. فلا حول ولا قوة إلّا بالله. قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».
هذا هو كتابنا إن لم نقرأه نحن فمن الذي سيقرأه إذن. أننتظر من غيرنا أن يقرأ كتابنا، والله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9].
أخي المسلم، أختي المسلمة:
الواجب علينا تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر فهو سبب لحياة القلوب ونورها، وقوة الإيمان، وطرد الشيطان، وإيّاكما وهجران القرآن؛ فهجرانه يورث النفاق، وعمى القلب، والغفلة، وتسليط الشيطان.
فهذا هو الحال مع القرآن في شهر رمضان؛ فإلى الله نشتكي هذا الهجران، والبعد عن قراءة القرآن. نشكو إلى الله قسوة القلوب، وكثرة الذنوب، فأين المشمِّرون؟ وأين الراغبون فيما عند الله تعالى؟ فينبغي على المسلم المداومة على قراءة القرآن في شهر رمضان؛ لأنّه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. وينبغي على المسلم أن يغتنم هذه الفرص في هذه الأوقات الفاضلة، وفي هذا الشهر خصوصاً؛ لأنّ فيه ليلة هي خير من ألف شهر. فأي خسارة لمن مر عليه رمضان ولم يستفد منه، وأيُّ تضييع لمن مرَّ عليه رمضان ولم يقتنص تلك الفرص.
فيا من فرط في شهرِه وأضاعهُ، يا من بضاعتُه التسويف والتفريطُ! بئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآنُ وشهرُ رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشَّفاعة؟!
هذا هو حالنا مع القرآن في رمضان، فكيف كان حال السلف رضوان الله عليهم؟
حال السلف مع القرآن في رمضان
رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه، وتدبره، وعرضه على من هو أقرأ منه:
كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، قال الزهري: ' إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام '.
قال ابن رجب: (كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة في كل ست ليال) لطائف المعارف (191).
وقد كان للسَّلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره.
كان الزهري إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم.
قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه. [انظر اللطائف359،360]
وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله:
كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة، وقال ربيع بن سليمان: كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان، قال مالك: و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال: كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة. [البيهقي في الشعب] قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، و تميم الداري، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [التبيان 48] [وانظر اللطائف 358 - 360 و صلاح الأمة 3/ 5 - 85]
قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر: كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [سير أعلام النبلاء20/ 562]
هذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم، وإذا ما خطر لك السؤال عمّا حفزهم إلى تحقيق هذه الحال الطيبة والسيرة العطرة، فالجواب المجمل هو أنهم كانوا يعرفون حقيقة هذا القرآن الذي هاموا به جيّداً! فما تلك الحقيقة؟
حقيقة القرآن الكريم ومراتبُ الناس من حيث علاقتُهم به
هذا الشهر المبارك بما فيه من اجتهادٍ وعبادة وصومٍ وصلاة وقيام، يستجيشُ إيمان الفرد،
ومن ثمّ يجد المرء نفسه قريباً من القرآن، متفاعلاً مع آياته، متدبّراً في معانيها، ولعله عندئذٍ يصل إلى تلمّس حقيقة القرآن الكريم، فلنقف هنا ولنتساءل:
ما هي حقيقة القرآن الكريم؟
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلم: (كتابُ الله، حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض)، وفي حديثٍ آخر عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) . ونظر بعضُ العلماء إلى القرآن من ناحية طرفه الّّذي بيد النّاس، فعرّفوه بأنه: "اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس" ، وعرّفه آخرون بأنّه: "الكلام المعجز، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته" وأنت ترى أن هذا التعريف جمعَ بين: الإعجاز، والتَّنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والتعبد بالتلاوة، وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم" .
وهذا الطرفُ من حبل القرآن المتين، هو الّذي يملك الناس أن يتعاملوا معه، فيشُدّونه ويتمسّكون به.
وأمّا الطرف الآخرُ الّذي بيد الله عزّ وجلَّ، ولا يملك الإنسان أن يتعامل معه، فهو أنّ القرآن "نورٌ من عند الله، أنزله إلى خلقه يَستضيئونَ به" ، وهذا النور، يسكبه الله عزّ وجلّ في قلب المؤمن، عند تلاوته للقرآن الكريم، أي عندَ هزِّه وتحريكه وتمسّكه بطرف الحبل الّذي بيده.
إذن، فالقرآن له طرفانِ، طرفٌ نستطيع أن نمسك به، ألا وهو تلاوةُ القرآن خاصَّةً (باعتبار أنّ السمات الأخرى، متحقِّقة في القرآن أصلاً) والتّلاوة هي ما نحن مطالبون به. أمّا الطرف الآخر من القرآن، فليس بيدنا الإمساك به، إنما هو بيد الله عزّ وجلّ، ألا وهو كون القرآن روحاً ونوراً!
وعندما يُمسك المسلمُ بالطرف الذي يليه تالياً للقرآنِ، فعندئذٍ يُفيض الله عزّ وجلّ من أنوار القرآن وروحه، على عبده بحسب ما في قراءته من صدقٍ وتدبُّر وإخلاص!
بلى، أخي المسلم، إذا كان القرآنُ بتلك المثابة: رَوحاً للقلوب، ونوراً يُضيء طريق الحياة، ويكشفُ عنها الظلام ويُزيل من ملامحها القَتام؛ فما أحرانا بأن نُعظِّمَهُ ونُكرِمه، ونوليه ما يستحقُّه من العناية والاهتمام!
فالقرآن الكريم في الحقيقة: ليس مجرّدَ السُّوَر والآيات الّتي نقرؤها أو نسمعُها، فذلك هو الظّاهرُ الّذي يبدو لنا منه، والّذي إذا أحكمناه تلاوةً وتدبُّراً، رفع اللهُ درجتنا وأعلى مرتبتنا، وجعلنا في مقام المناجاةِ له سبحانه وتعالى، والفهم منه، والتّعلّم عنه، والتّعرُّضِ لرَوحه ورحمته ونوره!
وما هي مراتب الناس، من حيث علاقتهم بالقرآن الكريم وإدراكهم لحقيقته والتزامهم بها؟
روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
(الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالْأُتْرُجَّة ِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ!
وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالرَّيْحَانَة ِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ : طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ!) !
في هذا الحديث نلمس أربع مراتب، يترتب فيها الناس بحسب إيمانهم وبحسب علاقتهم بالقرآن، على النحو التالي:
فالمرتبة الأولى، يجتمع فيها الإيمان والقرآن، تشمُّ رائحةً طيّبة، ثمّ تذوق الطّعم فتجده كذلك طيباً! ومثال هذه المرتبة ورمزها هو (الأُتُرُجَّة)!
وفي المرتبة الثانية، يحضر الإيمان ويغيب القرآن، فلا تشمّ رائحةً طيّبةً، ولا ترى سمتاً رائقاً، ولكنّك إذا ذقت الطعمَ ألفيتَه طيّباً! ومثال هذه المرتبة هو (التّمرة).
وفي المرتبة الثالثة، يغيبُ الإيمان، ويحضر القرآن، فتشمُّ رائحةً طيّبةً، وترى سمتاً حسَناً، ولكنّك إذا بلوتَ وجرّبتَ وذُقتَ؛ لم تجد طعماً طيّباً، ومثالُ هذه المرتبة هو (الرَّيحانة).
وفي المرتبة الرابعة، غابا معاً: الإيمان والقرآن، فرائحةٌ خبيثةٌ وطعمٌ مرٌّ، ومثالها (الحنظلة).
إذن، فينبغي على المسلم، أن يُقبل على القرآن، بكلِّ صدقٍ طمأنينة ويقينٍ، واثقاً ممّا سيُفيضه الله عليه من رَوحه ورحمته، عند إمساكه بطرف الحبل الّذي يليه من القرآن، أي عند تلاوته!
وهذا رمضانُ فرصة طيّبة لتوثيق صلتنا بالقرآن، والرُّقيّ بإيماننا، فلنجتهد في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولنجتهد في سماعه بتدبر وخشوع، ونحن نصلي صلواتنا في رمضان!
سطوة القرآن وعِظم تأثيره في النُّفوس!
ألا إنّ للقرآن لسطوةً وتأثيراً ينفذ إلى أعماق الإنسان!
ألا فلنتعرّض لها في هذا الشّهر المبارك! فإنّها تسكب في قلب المؤمن اليقينَ والطمأنينةَ وسعةَ الأفقِ واستعلاء الإيمانِ!
[محاولةٌ لإيضاح معنى سطوة القرآن]
من أعجب أسرار القرآن وأكثرها لفتاً للانتباه تلك السطوة الغريبة التي تخضع لها النفوس عند سماعه .. (سطوة القرآن) ظاهرة حارت فيها العقول ..
حين يسري صوت القاري في الغرفة يغشى المكانَ سكينةٌ ملموسة تهبط على أرجاء ما حولك .. تشعر أن ثمة توتراً يغادر المكان .. كأن الجمادات من حولك أطبقت على الصمت .. كأن الحركة توقفت .. هناك شئ ما تشعر به لكنك لاتستطيع أن تعبر عنه ..
حين تكون في غرفتك -مثلاً- ويصدح صوت القارئ من جهازك المحمول، أوحين تكون في سيارتك في لحظات انتظار ويتحول صوت الإذاعة إلى عرض آيات مسجلة من الحرم الشريف .. تشعر أن سكوناً غريباً يتهادى رويداً رويداً فيما حولك ..
كأنما كنت في مصنع يرتطم دوي عجلاته ومحركاته ثم توقف كل شئ مرة واحدة .. كأنما توقف التيار الكهربائي عن هذا المصنع مرة واحدة فخيم الصمت وخفتت الأنوار وساد الهدوء المكان ..
هذه ظاهرة ملموسة يصنعها (القرآن العظيم) في النفوس تحدث عنها الكثير من الناس بلغة مليئة بالحيرة والعجب ..
[مثالٌ يُوضح معنى سطوة القرآن]
يخاطبك أحياناً شاب مراهق يتذمر من والده أو أمه .. فتحاول أن تصوغ له عبارات تربوية جذابة لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعلا له .. وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك .. فإذا استعضت عن ذلك كله وقلت له كلمة واحدة فقط: يا أخي الكريم يقول تعالى (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24] رأيت موقف هذا الفتى يختلف كلياً .. شاهدت هذا بأم عيني .. ومن شدة انفعالي بالموقف نسيت هذا الفتى ومشكلته .. وعدت أفكر في هذه السطوة المدهشة للقرآن .. كيف صمت هذا الشاب وأطرق لمجرد سماع قوله تعالى (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) .. حتى نغمات صوته تغيرت .. يا ألله كيف هزته هذه الآية هزاً ..
[ما هو أكبر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟]
حين قدمت للمجتمع الغربي أول مرة قبل ثلاث سنوات اعتنيت عناية بالغة بتتبع قصص وأخبار (حديثي العهد بالإسلام) .. كنت أحاول أن أستكشف سؤالاً واحداً فقط: ماهو أكثر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟ (حتى يمكن الإستفادة منه في دعوة البقية)، كنت أتوقع أنني يمكن أن أصل إلى (نظرية معقدة) حول الموضوع، أوتفاصيل دقيقة حول هذه القضية لايعرفها كثير من الناس، وقرأت لأجل ذلك الكثير من التجارب الذاتية لشخصيات غربية أسلمت، وشاهدت الكثير من المقاطع المسجلة يروي فيها غربيون قصة إسلامهم، وكم كنت مأخوذاً بأكثر عامل تردد في قصصهم، ألا وهو أنهم (سمعوا القرآن وشعروا بشعور غريب استحوذ عليهم) هذا السيناريو يتكرر تقريباً في أكثر قصص الذين أسلموا، وهم لايعرفون اللغة العربية أصلاً! إنها سطوة القرآن ..
[مثالٌ آخر لسطوة القرآن]
ومن أعجب أخبار سطوة القرآن قصة شهيرة رواها البخاري في صحيحه وقد وقعت قبل الهجرة النبوية وذلك حين اشتد أذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب، فحينذاك أذن النبي -صلى الله عليه و سلم- لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة، فخرج أبوبكر يريد الهجرة للحبشة فلقيه مالك بن الحارث (ابن الدغنّة) وهو سيد قبيلة القارَة، وهي قبيلة لها حلف مع قريش، وتعهد أن يجير أبا بكر ويحميه لكي يعبد ربه في مكة، يقول الراوي:
(فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين). [البخاري: 2297]!
هذه الكلمة (فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم) من العبارات التي تطرق ذهني كثيراً حين أسمع تالياً للقرآن يأخذ الناس بتلابيبهم .. ومعنى يتقصّف أي يزدحمون ويكتظون حوله مأخوذين بجمال القرآن .. فانظر كيف كان ابوبكر لايحتمل نفسه إذا قرأ القرآن فتغلبه دموعه .. وانظر لعوائل قريش كيف لم يستطع عتاة وصناديد الكفار عن الحيلولة بينهم وبين الهرب لسماع القرآن ..
[بل هذه السطوة من دلائل حجية القرآن]
ومن أكثر الأمور إدهاشاً أن الله -جل وعلا- عرض هذه الظاهرة البشرية أمام القرآن كدليل وحجة، فالله سبحانه وتعالى نبهنا إلى أن نلاحظ سطوة القرآن في النفوس باعتبارها من أعظم أدلة هذا القرآن ومن ينابيع اليقين بهذا الكتاب العظيم، ولم يشر القرآن إلى مجرد تأثر يسير، بل يصل الأمر إلى الخرور إلى الأرض .. هل هناك انفعال وتأثر وجداني أشد من السقوط إلى الأرض؟ تأمل معي هذا المشهد المدهش الذي يرويه ربنا جل وعلا عن سطوة القرآن في النفوس:
{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} (107) سورة الإسراء
بالله عليك أعد قراءة هذه الآية وأنت تتخيل هذا المشهد الذي ترسم هذه الآية تفاصيله: قوم ممن أوتو حظاً من العلم حين يتلى عليهم شئ من آيات القرآن لايملكون أنفسهم فيخرون إلى الأرض ساجدين لله تأثراً وإخباتاً .. يا ألله ما أعظم هذا القرآن ..
بل تأمل في أحوال قوم خير ممن سبق أن ذكرهم الله في الآية السابقة .. استمع إلى انفعال وتأثر قوم آخرين بآيات الوحي، يقول تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}
هذه الآية تصور جنس الأنبياء .. ليس رجلاً صالحاً فقط .. ولا قوم ممن أوتو العلم .. ولا نبي واحد أو نبيين .. بل تصور الآية (جنس الأنبياء) .. وليست الآية تخبر عن مجرد أدب عند سماع الوحي وتأثر يسير به .. بل الآية تصور الأنبياء كيف يخرون إلى الأرض يبكون ..
الأنبياء .. جنس الأنبياء .. يخرون للأرض يبكون حين يسمعون الوحي .. ماذا صنع في نفوسهم هذا الوحي العجيب؟
وقوم آخرون في عصر الرسالة ذكر الله خبرهم في معرض المدح والتثمين الضمني في صورة أخاذة مبهرة يقول تعالى:
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة:83]
أي شخص يقرأ الآية السابقة يعلم أن هذا الذي فاض في عيونهم من الدموع حين سمعوا القرآن أنه شئ فاق قدرتهم على الاحتمال .. هذا السر الذي في القرآن هو الذي استثار تلك الدمعات التي أراقوها من عيونهم حين سمعوا كلام الله .. لماذا تساقطت دمعاتهم؟ إنها أسرار القرآن ..
[إنّها حقيقةٌ كبيرة]
هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني الإنسان حين يسمعون القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أو ملاحظات نفسانية .. بل هي شئ أخبرنا الله أنه أودعه في هذا القرآن .. ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط .. بل -أيضاً- تأثيره الخارجي على الجوارح .. الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن .. قشعريرة عجيبة تسري في أوصال الإنسان حين يسمع القرآن .. يقول تعالى:
{اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]
لاحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر، تقشعر الجلود، ثم تلين، إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الإيماني، بل والاستعداد المفتوح للانقياد لمضامين الآيات .. ولذلك مهما استعملت من (المحسّنات الخطابية) في أساليب مخاطبة الناس وإقناعهم فلايمكن أن تصل لمستوى أن يقشعر الجلد في رهبة المواجهة الأولى بالآيات، ثم يلين الجلد والقلب لربه ومولاه، فيستسلم وينقاد بخضوع غير مشروط ..
هذا شئ يراه المرء في تصرفات الناس أمامه .. جرب مثلاً أن تقول لشخص يستفتيك: هذه معاملة بنكية ربوية محرمة بالإجماع، وفي موقف آخر: قدم بآيات القرآن في تحريم الربا، ثم اذكر الحكم الشرعي، وسترى فارق الاستجابه بين الموقفين؛ بسبب ماتصنعه الآيات القرآنية من ترويض النفوس والقلوب لخالقها ومولاها، تماماً كما قال تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ) ..
فويلٌ للقاسيةِ قلوبهم من ذكر الله!
وفي مقابل ذلك كله .. حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا يخضع لمضامينها، ولا ينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره، وهو هاجرٌ لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد الله من عباده، إذا رأيت ذلك كله؛ فاحمد الله يا أخي الكريم على العافية، وتذكر قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]
وحين يوفِّقُك ربُّك فيكون لك حزبٌ يوميٌّ من كتاب الله (كما كان لأصحاب رسول الله أحزابٌ يوميةٌ من القرآن) فحين تنهي تلاوة وردك اليومي فاحذر يا أخي الكريم أن تشعر بأي إدلال على الله أنك تقرأ القرآن، بل بمجرد أن تنتهي فاحمل نفسك على مقام إيماني آخر؛ وهو استشعار منة الله وفضله عليك أن أكرمك بهذه السويعة مع كتاب الله، فلولا فضل الله عليك لكانت تلك الدقائق ذهبت في الفضول كما ذهب غيرها، إذا التفتت النفس لذاتها بعد العمل الصالح نقص مسيرها إلى الله، فإذا التفتت إلى الله لتشكره على إعانته على العبادة ارتفعت في مدارج العبودية إلى ربها ومولاها، وقد نبهنا الله على ذلك بقوله تعالى (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) [النور: 21]
فتزكية النفوس فضل ورحمة من الله يتفضل بها على عبده، فهو بعد العبادة يحتاج إلى عبادة أخرى وهي الشكر والحمد، وبصورة أدق فالمرء يحتاج لعبادة قبل العبادة، وعبادة بعد العبادة، فهويحتاج لعبادة الاستعانة قبل العبادة، ويحتاج لعبادة الشكر بعد العبادة .. وكثير من الناس إذا عزم على العبادة يجعل غاية عزمه التخطيط والتصميم الجازم .. وينسى أن كل هذه وسائل ثانوية .. وإنما الوسيلة الحقيقية هي (الاستعانة) .. ولذلك وبرغم أن الاستعانة في ذاتها عبادة إلا أن الله أفردها بالذكر بعد العبادة فقال (إياك نعبد وإياك نستعين) .. وهذه الاستعانة بالله عامة في كل شئ، في الشعائر، وفي المشروعات الاصلاحية، وفي مقاومة الانحرافات الشرعية، وفي الخطاب الدعوي، فمن استعان بالله ولجأ إليه فتح الله له أبواب توفيقه بألطف الأسباب التي لايتصورها ..
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم أحي قلوبنا بكتابك، اللهم اجعلنا ممن إذا استمع للقرآن اقشعر جلده ثم لان جلده وقلبه لكلامك، اللهم اجعلنا ممن إذا سمع ما أنزل إلى رسولك تفيض عيوننا بالدمع، اللهم اجعلنا ممن إذا تليت عليهم آيات الرحمن خرو سجداً وبكياً، اللهم إنا نعوذ بك ونلتجئ إليك ونعتصم بجنابك أن لاتجعلنا من القاسية قلوبهم من ذكر الله.
ويُشير إلى سطوة القرآن قائلاً:
"كنَّا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك، حينما أقمنا صلاةَ الجمعة على ظهر المركب .. ستة من الركاب المسلمين من بلاد عربية مختلفة، وكثير من عمال المركب أهل النوبة، وألقيتُ خطبةَ الجمعة متضمِّنةً آياتٍ من القرآن في ثناياها، وسائرُ ركاب السفينة من جنسيات شتَّى متحلِّقون يشاهدون! وبعد انتهاء الصلاة جاءت إلينا -من بين مَن جاء يُعبِّر لنا عن تأثره العميق بالصلاة الإسلامية- سيِّدةٌ يوغسلافيَّة فارَّة من الشَّيوعيَّة إلى الولايات المتحدة! جاءتنا وفي عينيها دموعٌ لا تكاد تمُسك بها وفي صوتها رعشة، وقالت لنا في انجليزيَّة ضعيفة: أنا لا أملك نفسي من الإعجاب البالغ بالخشوع البادي في صلاتكم .. ولكن ليس هذا ما جئتُ من أجله .. إنَّني لا أفهمُ من لغتكم حرفاً واحداً، غير أنَّني أحسُّ أنَّ فيها إيقاعاً موسيقياً لم أعهده في أيَّة لغة .. ثم .. إنَّ هناك فقرات مميزة في خطبة الخطيب، هي أشدُّ إيقاعاً، ولها سلطانٌ خاصٌّ على نفسي!!! وعرفتُ طبعاً أنَّها الآيات القرآنية، المميَّزة الإيقاع، ذات السلطان الخاص! لا أقول: إنَّ هذه قاعدة عند كلِّ من يسمع ممَّن لا يعرفون العربيَّة .. ولكنها ولا شكَّ ظاهرةٌ ذات دلالة!"..
وكيف تتحقق هذه السطوة؟
الجواب: إنها تتحقق تلقائياً بالتعرض للقرآن، من خلال تدبّره وسماعه وحفظه!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
اللجنة العلمية
الترغيب والحثُّ على تلاوة القرآن في شهر رمضان!
السؤال: ما وجه قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] بين آيات الصيام؟ الجواب: إنه حثٌ بيِّنٌ على تلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم؛ إذ هو شهره الذي نزل فيه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن في كل عام مرةً في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه بالقرآن مرتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أرى ذلك إلا لحضور أجلي).
وكذلك قد يطرح سؤال مشابهٌ هو:
ما وجه تخلل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] بين آيات الصيام؟
فالجواب: وبالله تعالى التوفيق، والعلم عند الله تعالى: أن هذا أيضاً حثٌ على الدعاء، فالصائم من الذين تستجاب دعوتهم، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر)، وذكر الحديث، فعليه: يستحب للصائم أن يكثر من الدعاء أثناء صومه، ويستحب له كذلك أن يكثر من تلاوة القرآن، هذا وبالله التوفيق. ......
لتكن علاقتنا بالقرآن في شهر رمضان علاقة استثنائية:
لابد من أن تكون علاقتنا بالقرآن في رمضان علاقة استثنائية، ومهما كان اهتمامنا بالقرآن خلال العام كله فلابد من أن يكون هناك مزيد من الاهتمام الخاص في رمضان الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرآن، كما في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1 - 5]. فالقرآن جمع له الشرف من كل الوجوه، فهو أشرف كتاب نزل على أشرف أمة بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه السلام، نزل على أشرف نبي وهو محمد عليه الصلاة والسلام في أشرف شهور السنة وهو رمضان في أشرف ليالي هذا الشهر الكريم وهي ليلة القدر في أشرف بقاع الأرض وهي مكة بأشرف لغة وهي اللغة العربية، فهذا القرآن الكريم قد جمع له الشرف من كل الوجوه. فإذاً ينبغي أن تكون أيام رمضان ولياليه فرصة لعقد صلح مع القرآن، وتكون الخطة هي التهيؤ لرمضان قبل حلوله، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في كل ليلة من رمضان ينادي مناد: (يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر!). فمن أعظم الخير الذي ينبغي أن ينتهزه الإنسان في رمضان هو تلاوة القرآن الكريم؛ لأن رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد من تلاوته وحفظه وتدبره وعرضه على من هو أقرأ منه. وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وفي العام الذي توفي فيه دارسه فيه مرتين.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ' وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة - كشهر رمضان - خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر - أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم'.
وماذا عن عبادة الليل؟!
إن القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذتها للعابدين إلا في وقت الظلمة، لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ثلث الليل الآخر ينْزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطية؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ …)).
وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان ـ مع ما يحصل منا من السهر ـ وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذة عبادة الليل.
فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار، فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
كيف نتأثّر بالقرآن؟
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟
إنَّ البعدَ عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
والتأثر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا، وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته، فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثر بكلام ربِّه أولَى ممن لم يفعل ذلك.
وإنك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربهم، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه.
استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان!
حديث شريف عظيم!
عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده. الحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
وهو حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، له وقعٌ في النفوس وخفقٌ في الجوانح، جعلهُ أهلُ العلم أصلاً في "تحزيب القرآن" و"تجزئة المصاحف" وبوّبَ الإمام أبو داود في سننه: "بابُ تحزيب القرآن" - 2/ 237 ط عوّامة - فأورد هذا الحديثَ ونظائره لبيان طريقةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في قراءة القرآن العظيم والمداومة على ترتيله وتجويده بنظام مشيد محكم ينتظم اليوم والليلة دائباً متصلاً.
والله يعلمُ كم يأخذني هذا الحديثُ بجلالة وقعهِ وحُسن عرضهِ وسلسبيل لفظه إلى عوالم أخرى من السكينةِ والتعظيمِ والتوقيرِ للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - تفوق الوصف وتجتاز التقديرَ، وهو يفدُ - صلى الله عليه وسلّم - في لهفٍ إلى هؤلاءِ القوم الذين قدموا عليه من أقاصي البلاد يحدوهم الشوقُ المبرّح للقائهِ ورؤية وجههِ الشريف، فيستعذبُ في سبيل تعليمهم الوَصَبَ ويستطيبُ النَّصَبَ، ويحنو عليهم حنوَّ الوالدِ على ولدهِ ويخاطبهم بأرق العبارات وأنداها، ويراوح بين قدميه الشريفتين من طول القيام في جنب الله ناصحاً مذكّراً قائماً بحق الدعوة وتبليغ شرعِ الله، ويغمرني الحنين والشوق إلى ذيّاك المجلسِ الآنس ببثِّ الحبيبِ المُحب صلّى الله عليه وسلّم إلى أولائه من صالحي المؤمنين وهو يستعبرُ ذاكراًَ ما جرى له من الأذى في ذاتِ الله، فتخضعُ جوانحي وتغشاني المهابة وأنا أقرأ همهماتهِ الأسيفة على قومٍ جاءهم كالنسيم العليل ليأخذ بحجزهم عن النّار ويحميهم من سعيرها ولهيبها البئيس، فيأبون إلا الوقيعة فيها مرتكبين أشنع الجرائم بإيذاء حبيبِ الله وخليلهِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
ثم اقرأ معي - بسكينةٍ وخضوع - شوقَ أولئكَ الوافدين على حضرتهِ، وهم يعدّون مستكثرين ساعاتِ الوقتِ ويحسبون أجزاءهُ في انتظار طلعتهِ البهيّة ومقدمهِ المهيبِ، فوالله إنّه ليتملّكني العجبُ كيف بقيتْ قلوبهم في الصدور ولم تنخلع منها فرحاً وتعظيماً لرؤيتهِ بعد أن خنقهم الوقتُ وأطبق على أنفاسهم في ترقّبِ ذلك القادم من عالم الغيبِ لينقذهم الله به من أسفل السافلين إلى أعلى العليين.
فإذ بالحبيبِ الشفيق صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنهم شعثَ الشوقِ وسفحَ سوائمهِ بعذبِ خطابه قائلاً: "إنّهُ طرأ عليَّ جزئي من القرآن، فكرهت أجيءُ حتى أتمّه" يالله ما أرقهُ من عذرٍ يبديهِ هذا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليم وسلّم، وكأنّهُ يستلطفُ قلوبهم التي ناءت بثقل أحمال الشوق والجوى بأنّهُ كان في لقاءٍ - وأيُّ لقاءٍ! - لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ مع كلامِ الله وتلاوةِ آياتهِ، ومن ذا الذي تسمحُ نفسهُ وتطيبُ بتركِ الاستلذاذ بالقرآن والتنعّمِ بآياته مستقبلاً أمراً آخر كائناً ما كان الأمرُ!
إنَّ هذا لدرسُ الأولوياتِ في الدعوةِ والتعليمِ يا أرباب السلوكِ والتربيّةِ! أما واللهِ إنّهُ لا يعلو على تزكيةِ الروح وتطهيرها بكلام الله والتنعّم بالنظر في كتابهِ والتلذّذِ بتلاوة آياتهِ وسكبِ العبراتِ بين يدي تدبّر معاني القرآن شيءٌ.
إنّه القرآن، كلام ربّك، تنزيلٌ من حكيم حميدٍ، حين يهزّك الحنين والشوقُ إلى التبتّل في محرابِ التدبّر والتفكّر مسبلاً دمعاتِ الندم والأسف واللهفةِ والإجلال، فتغدو معها مباهج الحياة ومغانيها أحقرَ من ذرّة رملٍ في فلاة أبيّةٍ على الإحاطة.
ما الدّنيا؟ ما أموالها؟ ما مفاتنها؟ ما مغانيها؟ ما ملاعبُها؟ ما حطامها الزائلُ؟ ما القصورُ ما الدورُ؟ إنّها لتغدو قاعاً صفصفاً أمام ترنيم العبدِ وتغنّيه بكلام ربّهِ، فتغشاه سكينةُ الصالحين وتعلوه وضاءةُ الذاكرين ويذكرهُ ملك الملوك فيمن عنده، فإذا بالدنيا ريشةٌ تتقاذفها أعاصير الثقة بوعد الله والأنس بنعيمه.
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ وطرائقِ المنيبينَ وهدْي المُخبتينَ، وهو دأبٌ درجَ عليه السالكون طريق العبوديّة فما قصّروا عن تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النّهارِ، فكان لكلٍّ منهم زمنهُ المعروفُ يختم فيه تلاوة القرآنِ على مدى حياتهِ، وما بدّلوا تبديلاً.
وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة - رضي الله عنهُ - راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ - وهم الصحابة - على الحاضر - وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم -، فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه سائرون ولهديه في ذلك مقتفونَ، ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ.
وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في الصحيح بقوله: "واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة" يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ - رضوان الله عليهم جميعاً - هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام في موضوع تحزيب القرآن في مجموع الفتاوى، ولخّص مهمّاتِ الكلام عليها، ومن أهمِّ ما بيّنه الشيخُ في ذلك أنَّ طريقةَ الصحابةِ في تقسيم الأحزاب القرآنيّة كانت على السورِ التامة، فلم يكن الصحابة يحزّبون القرآن بحسب عددِ الأجزاءِ وأحزابها المعروفةِ في المصاحفِ الآن، فإن هذه وُضعتْ في زمن الحجاج بن يوسف بحسب عدِّ الآي والحروف ونحوها فيجعلون الحزب قدراً متسقاً من الحروف دون النظر إلى مطالع السور وخواتيمها أو الاعتبار للمعاني وتمامها، وأمّا الصحابةُ فإنهم كانوا يحزّبون القرآن بحسب السور التامة وهو ما يكونُ أعونَ على تدبّر كلام اللهِ تعالى إذ تتضمّن السورُ المعاني متصلة تامّةً فيستوفي القارئ للسور النظرَ في مجموع الآيات الواردة ويُحكمُ تدبّرها وفهمها دون أن ينقطع المعنى أو يقفَ على كلامٍ يتصلُ بما بعدهُ، فيفتتحون القراءة بما فتح الله به السور من المطالع العظيمة التي تأخذ بمجامع القلوب فتزلزلها هيبة وخضوعاً، ويختتمون بما ختم به من الخواتيم المحرّكة للأرواح.
ثمَّ إن كان التحزيبُ في مدةٍ تصلُ إلى الشهر فإنَّ القارئ يحتاجُ إلى فصلِ بعض السور كسورةِ البقرة فحينئذٍ يفصلُ للحاجةِ إلى ذلك على أن يكونُ تحزيبُ السورةِ بالوقوفِ عند المعاني التامةِ المستوفاة فيجعل سورة البقرة حزبين وهكذا.
وذهب بعض السلف إلى تحزيب القرآن على أسباعٍ لا تُراعي خواتيم السور، كما روى ابن أبي داود عن قتادة أنه جعل القرآن أسباعاً ينتهي السبع الأول عند الآية 76 من النساء، والثاني عند الآية 36 من الأنفال .. إلخ ما رواه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" 1/ 466، ولا ريب أنَّ طريقة الصحابة أقوم وأصوب.
وقد كان من عاداتِ بعض السادات من أهل العلم أن يجعلوا ختم القرآن في يومي الاثنين والخميس حتى يوافق ذلك ارتفاع الأعمال وعرضها على الله تعالى، فمن أراد أن يختم في كل أسبوعٍ محزّباً القرآن على طريقةِ الصحابةِ رضي الله عنهم فإنَّ عليه أن يبدأ القراءة يوم الجمعة حتى يختم يوم الخميس فيصيب فضل ارتفاع العمل حال ختم القرآن العظيم.
وإذا عرضنا للتحزيبِ المسبّع بحسب طريقة الصحابة التي أوردها أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - في حديثهِ، وهي أيضاً طريقة أكثر السلف كما نقل ذلك عنهم النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 61 فإنّهُ سوف يكون على النحو الآتي:
- اليوم الأول: 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء.
- اليوم الثاني: 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.
- اليوم الثالث: 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
- اليوم الرابع: 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان
- اليوم الخامس: 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس.
- اليوم السادس: 13 سورة: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات.
- اليوم السابع: 65 سورة وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف الشريف.
فهذه 113 سورة من المصحف، وتبقى فاتحة الكتاب وهي داخلة ضمن قراءة الثلاث الطوال الأولى ولكن لقصرها أُسقطت في العدِّ.
قال الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه "تحزيب القرآن" ص108 - 109: "ولله هذا التحزيب ما أحسنه وما أجملهُ وما أجلّه، فقد جمع بين النظائر على نسقٍ، فلم يفصل بين الأنفال والتوبة، وهما كالسورة الواحدة، وجمع بين السور المفتتحة بالحروف المقطعة المختتمة بالراء، ولا فصل بين العتاق الأول (الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء)، وجمع بين الطواسين (الشعراء والنمل والقصص)، وذوات "ألم" (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة)، ولم يفصل بين الحواميم السبع، وجعل المفصل على حدة، ثمَّ هو فوق ذلك مقسّم في أعداده أحسن تقسيم بطريقة لا كلفة لمعرفتها وترتيبها على الأوتار: ثلاث، وخمس، وسبع .. إلخ".
وأقل ما وردتْ به السنّة في الختم أن يكون في ثلاثة أيام كما ورد بذلك توجيه النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الصحيح فهذا غاية ما يقع من العزيمة في ختم القرآن، وغاية ما روي من التوسعة والترخيص في ذلك مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ في أربعين يوماً كما في رواية أبي داود لحديث عبدالله بن عمرو وفيه: " اقرأه في أربعين يوماً"، وهذا غايته من جهة توسيع المدة وذلك غايته من جهة التضييق، فمن قرأه في أقل ذلك لم يكد يوفّقُ إلى تدبره والتمعّن في معانيه، ومن أدّاهُ حاله إلى قراءته في مدة تزيد عن الأربعين أوشك أن يحمله ذلك على التراخي والتواني، وخيرُ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلّم وهدي أصحابهِ - رضي الله عنهم - وهو الختم ما بين السبع إلى الشهر.
على أنَّ الإمام النووي - رحمه الله - نقل في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 59 عن ابن أبي داود أنه روى ختم بعض السلف للقرآن في شهرين، فتكون غاية التوسعة في الختم أن يكون في شهرين بناءً على عمل بعض السلف، وإن كان الأكثرون على أنه لا ينبغي ترك الختم في أكثر من أربعين يوماً كما نقل ذلك الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى هذا يكون تجزيء القرآن وتحزيبه بحسب مدة الختم، والمنقول عن السلف في ذلك تردده ودورانه بين أقصى مدته وهي الشهران وأدناها وهي الثلاثة أيام وما بين ذلك فالمنقول عنهم ختمه كل شهر، أو كل عشر ليال، أو ثمانٍ، أو سبعٍ، أو ستٍ، أو خمسٍ، أو أربعٍ، ذكر ذلك النووي في "التبيان" ص 59، وقد تتبع الدكتور عبدالعزيز الحربي في "تحزيب القرآن" ما روي من المدد الأخرى التي يُختم فيها سواءً بحسب الوارد من النصوص أو عملاً لدى السلف فذكر الختم في كل خمسة وعشرين يوماً، أو في عشرين، أو في خمسة عشر، أو في كل أحدى عشر، أو تسعة أيام، وهذين الأخيرين لم يجد أحداً نصَّ على الختم فيه غير أنّهُ ذكر للختم في كل أحد عشر يوماً مزيّة حسنةً تُراجعُ في كتابه ص 124 - 125.
فهذه 15 مدة يُمكن ختم القرآن فيها وتحزيبه، كلُّ حزب بحسب المدّة طولاً وقصراً: شهران، 40 يوماً، شهر، 25 يوماً، 20 يوماً، 15 يوماً، 11 يوماً، 10 أيام، 9 أيام، 8 أيام، 7 أيام، 6 أيام، 5 أيام، 4 أيام، 3 أيام.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" جدول مفصّل بالمدد وما يناسبها من أحزاب القرآن وأجزائه، ولكل قارئ أن يختار منها ما هو ألصق بحاله وأرعى لظروفه، والكتاب جدير بالاطلاع وهو من مطبوعات دار ابن حزم.
ومن السلف من كان يختم ثمان ختمات منجّمة بين اليوم والليلة كما نقل النووي في "التبيان" ص 60 عن ابن الكاتب أنه كان يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، ثم علّق النووي بقوله: "وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".
ومن النّاس من حملهُ حبُّ القرآن والتعلّقِ به إلى أن ختمهُ قراءة في ركعة واحدةٍ، فقد ثبت ذلك عن ريحانة القرّاءِ وإمامهم عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - وثبت كذلك عن غيره بل قال النووي في "التبيان" ص 60: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم"، وسمعتُ من شيخنا العلامة العابد محمد بن محمد المختار الشنقيطي غير مرّة أنَّ والده ممن ختم القرآن في ركعةٍ واحدةٍ قام بها من الليل، وهذا وإن فعلهُ هؤلاء العبّاد الصالحون أصحاب المقامات العالية إلا أنه لم يكن لهم بعادة ولا طبعٍ، والأتم الأكمل هو سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم وهديه بتوزيع القراءة على الأيام حتى يكون أعون على فهم القرآن وتدبّر آياته.
ثمَّ إنَّ هؤلاء الذين ختموا القرآن في أقل من ثلاثة أيام وإن خالفوا ظاهر الأمر النبوي بعدم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام إلا أنَّ لبعضهم تأويلاً سائغاً في ذلك وهو ما ذكره المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 8/ 273 بقوله: "ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيراً منهم أنهم كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث، فالظاهر أنَّ هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم".
وقد ذكر الشيخ مازن الغامدي - عليه رحمة الله - في كتابه الذي هو قطعة أثيرةٌ من روحهِ العذبةِ الشفّافة "رحلتي إلى النور" أنَّ الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - كان يقرأ في شهر رمضان كل يومٍ عشرة أجزاءٍ من القرآن، فيحصّل بذلك فضيلة ختم القرآن في كل ثلاثة أيام مرّة، وممّا ذكرهُ عن الشيخ أنّهُ دخل إلى مصلّى الجمعة الذي في مقدمة جامعه أحد الأيام من رمضان فختم عشرة أجزاء وهو يمشي في المصلى ذهاباً وإياباً.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" ص 139 أنَّ الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يختم القرآن في قيام الليل كل شهر مرّة يقرأ كل ليلةٍ جزءاً من القرآن في صلاته.
والهائمون بكتاب الله، المنقطعون إلى رياضهِ، المستعذبون لمعانيه وأحكامه كثرٌ، لا يزيدهم إقبال النّاس على الدنيا إلا تمسّكاً بالكتاب العزيز، وتطوافاً بمغانيه الروحانيّة، وحياضه الإيمانيّة، وعضاً عليه بالنواجذِ، ومن أعجب من وقفت على خبره في تتبّعِ كلام الله سماعاً وإسماعاً، وحرصاً على تلقّيهِ من الشيوخ الثقاتِ بأسانيده المتصلةِ الإمام أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي، فقد أخذ القرآن عن 365 شيخاً من آخر المغرب إلى باب فرغانة يميناً وشمالاً وجبلاً وبحراً، حتى قال عن نفسه: "ولو علمت أحداً يقدم علي في هذه الطريقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته"، قال فيه الذهبي في كتابه "معرفة القراء الكبار" - ط. طيار قولاج - 2/ 819: "إنما ذكرت شيوخه وإن كان أكثرهم مجهولين، ليُعلم كيف كانت همّة الفضلاء في طلب العلم"، وانظر أيضاً "منجد المقرئين" لابن الجزري ص 188 - 189.
لله هذه الهمم الصالحة في تعظيم القرآن تلاوة وتعلّماً وسماعاً!
يُستحبُّ ختم القرآن في رمضان، ولكن!
يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن:
" والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة "."التبيان" (ص76).
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.
و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث * [أبو داود 1394و الترمذي 2949وقال حديث حسن صحيح] فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان، و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [لطائف المعارف 360]
قال الذهبي رحمه الله: و لو تلا و رتَّل في أسبوعٍ و لا زمَ ذلك لكان عملاً فاضلاً، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة و القول عند النوم و اليقظة و دبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف و إرشاد الجاهل و تفهيمه و زجر الفاسق ونحو ذلك … لشغل عظيم جسيم و لمقام أصحاب اليمين و أولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة و لم ينهض بأكثر ما ذكرناه [السير 3/ 84 - 86]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:
" ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 516)
أيسر طريقة لختم القرآن فى رمضان
عدد صفحات المصحف = تقريباً 600 صفحة،
600 صفحه ÷ 30 يوم = 20 صفحه يومياً
20 صفحه يوميا ÷ 5 صلوات = 4 صفحات بعد كل صلاة
فقط أربع صفحات بعد كل صلاة!
والنتيجه = ختم القرآن الكريم كاملاً في الشهر!
ومن أراد أن يختم القرآن مرتين في الشهر؛
فالطريقة أيضاً سهلة جداً:
يقرأ 4 صفحات قبل كل صلاة
و 4 صفحات بعد كل صلاة
فما أعظمه من أجر ..
القرآن في رمضان: ما بين التلاوة والتّدبر!
يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القارئ، وقراء القرآن أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:
الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:
يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسيرٌ مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويَعلمها كمن لا يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجعُ إليه على الدَّوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.
ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى.
الأمر الثالث:
في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى؟!
مساعد الطيار.
فإن قلت: أيٌّ أفضل؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يُقلِّلها مع التدبر و التفكر؟ قلت لك: اسمع ما قاله النووي.
قال النووي رحمه الله: و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثارُ ما أمكنه من غير خروجٍ إلى الملل، و لا يقرؤه هذرمة!
(عادل باناعمة).
مسارات ثلاثة:
وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه، و يديم النظر فيه، و إني أقترح على الأخ المؤمن الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات:
المسار الأول: مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به، بحيث يتمكن من ختم القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها.
المسار الثاني: مسار التأمل و التدبر، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل: كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل.
المسار الثالث: مسار الحفظ و المراجعة، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له.
المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه يرى حرصهم على التلاوة بتدبر وتأمل، وفهم وتذكر، أكثر من حرصهم على كثرة القراءة وسرعتها، والإكثار من الختمات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} [سورة المزمل 73/ 1 - 4]. أي اقرأه بترسل وتمهل؛ لأنه يحصل بذلك التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به.
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وكانت قراءته مدًا.
وقال ابن مسعود: "لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل (15)، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
وقرأ علقمة على ابن مسعود، وكان حسن الصوت، فقال: رتِّل فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلتْ عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت: يا عبد الرحمن! هكذا تقرأ سورة هود؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.
لكن لا يعني هذا أن المسلم لا يقرأ بسرعة في بعض الأحيان؛ لكي يضبط حفظه، أو يُنهي ورده اليومي، بل إن القراءة في حد ذاتها ولو كانت سريعة فيها أجر وثواب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولمن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (16).
ولهذا قال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت لا بد فاعلاً فاقرأ قراءةً تُسمِعُ أُذنيك، ويعِيها قلبُك (17).
وعلى هذا يمكن أن نقول: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرًا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددًا؛ فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أوقف أرضًا في مكان مهم ترتفع قيمة العقار فيه، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أوقف عددًا من الأراضي كثيرة، لكنها في مكان بعيد، وقيمتها زهيدة (18).
آداب تلاوة القرآن الكريم
1 - إخلاص النية لله تعالى فيها، لأنّ تلاوة القرآن من العبادات الجليلة.
* وقد قال الله تعالى (فاعبد الله مخلصًا له الدين) (المزمل: 2).
* وقال تعالى (وما أمروا إلاّ ليعبدوا لله مخلصين له الدين حنفاء). (البينة: 5).
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((اقروا القرآن وابتغوا به وجه الله عزّ وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجّلونه)). رواه ((أحمد)).
ومعنى ((يتعجلونه)): يطلبون به أجر الدنيا.
2 - أن يقرأ بقلب حاضر، يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانية ويخشع عند ذلك قلبه، ويستحضر أن الله يخاطبه في هذا القرآن؟ لأن القرآن كلام الله عز وجلَّ.
* ومن آدابها: أن يقرأ على طهارة؟ لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل إن قدر على الماء أو يتيمم إن كان عاجزًا عن استعمال الماء لمرض أو عدم وجود الماء
3 - أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة أو في مجمع لا ينصت فيه لقراءته، لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوّط، لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.
4 - أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة:
*لقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولئلا يصدَّه الشيطان عن القراءة أو كمالها.
5 - أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به.
• لما في ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيّصلى الله عليه وسلم قال: ((ما أذن الله لشيء - أي: ما استمع لشيء - كما أذن لنبيِّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)).
• و فيهما عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحدًا أحسن صوتاً أو قراءةً منه))
لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر جهرًا يشوش عليه أو يؤذيه.
• لأنًّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: ((كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن)) رواه ((مالك)) في ((الموطأ)، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.
6 - أن يرتل القرآن ترتيلاً:
• لقوله تعلى (ورتل القرآن ترتيلاً) (المزمل: 4).
فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأنَّ ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه.
• وفي ((صحيح البخاري)): عن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كانت مدًّا ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد: (بسم الله) ويمد: (الرحمن) ويمد (الرحيم))).
• وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ((كان يقطع قراءته آيةً آيةً ((بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله ربِّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين) رواه ((أحمد)) و ((أبو داود)) و ((الترمذي)).
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحد كم آخر السورة)) ,
ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام، لأنها تغيير للقرآن.
7 - أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود ويقول: ((سبحان ربي الأعلى))، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا أقام.
• لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) رواه ((مسلم)).
• وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود)) رواه ((أحمد)) و ((النسائي)) و ((الترمذي)) وصححه.
وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة.
هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله.
وسائل تدبُّر القرآن
ومن أهم الوسائل التي تعين على التدبر:
1 - تفريغ القلب من الانشغال بغير الله، والتفكر في غير كتابه، فاقرأ القرآن وقلبك فارغ من كل شيء إلا من الله، ومحبته، والرغبة في فهم كلامه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [سورة ق 50/ 37].
2 - الترتيل عند قراءة القرآن، وتحسين الصوت به، وتحزينه، فإنه معين على التدبر والتأمل، ولهذا يجد الإنسان من نفسه حب سماع القرآن حين يقرأ به القارئ الماهر، ذو الصوت الحسن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف مرة يستمع لقراءة أبي موسى، وقال إنك قد أعطيت مزمارًا من مزامير آل دواد.
ومعرفة التجويد وضبط قراءة القرآن على شيخ متقن، من أهم الأمور التي تعين على الترتيل؛ لأن التجويد هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وإنما يكون ذلك بتعلم كيفية القراءة الصحيحة.
3 - استشعار عظمة الله، وأنه يكلمك بهذا القرآن، حتى كأنك تسمعه منه الآن، قال سلْم الخواص: "قلت لنفسي: اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به؛ فجاءت الحلاوة" (10). أي أنه لما استشعر هذا المعنى، وحمل نفسه على التفكر بهذا الفكر أحس بحلاوة القرآن، ولهذا روي عن علي أنه قال: "إذا أردتُ أن يكلمني الله قرأت القرآن، وإذا أردت أن أكلم الله قمت إلى الصلاة".
4 - محاولة فهم معاني القرآن، بالرجوع إلى التفاسير التي تهتم ببيان المعنى، دون دخول في دقائق اللغة والإعراب، أو المسائل الفقهية، ومن أحسن هذه التفاسير تفسير ابن كثير، وتفسير ابن سعدي، وإن كان فيه بعض الأمور التي ينبغي أن يتنبه لها المسلم، لكنه جيد من حيث بيان المعنى، فهو يذكر أمورًا جليلة جملية.
أما إن كان الإنسان لديه همة وحرص فإنه يستطيع أن يراجع كتب التفسير الأخرى التي تفيض في بيان المعاني، وتذكر كثيرًا من الفوائد الجمة.
5 - ربط القرآن بواقعك الذي تعيش فيه، وذلك بالنظر في المواعظ التي يذكرها، والقصص التي يحكيها، وكيف أن الله أهلك أممًا كثيرة لما كذبوا وأعرضوا، وأن هذا المصير ينتظر كل من أعرض عن الله، وكفر برسله، مهما كانوا في قوة وعزة.
وأيضًا: بالعمل بالأحكام التي فيه، فمثلاً إذا قرأت قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} [سورة الإسراء 17/ 36]، فإنك تحمل نفسك على عدم الكلام إلا في شيء تعلمه، وتمتنع عن الكلام في أمر لا تعلمه.
وإذا قرأت قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [سورة ق 50/ 18]، انتهيت عن الكلام الباطل، وما لا نفع فيه؛ لأن كل كلمة تقولها فهي مرصودة.
وهكذا كان الصحابة يفعلون، فعن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن السلمي قال: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء، لا يجاوز تراقيهم (11).
6 - معرفة بعض الأبحاث العلمية، التي تعتمد على التجارب الحسية، والتي تسمى بالحقائق العلمية؛ ففيها فوائد جمة، وزيادة فهم لمعنى الآية، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [سورة فصلت 41/ 53].
ثمرات التدبر
1 - حصول اليقين في القلب، كما قال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [سورة الجاثية 20]، فمن قرأ القرآن بتدبر وتأمل حصل له اليقين التام؛ لأن القرآن كالماء العذب، والقلب كالشجرة التي لا تستطيع أن تعيش وتنمو إلا بهذا الماء، فالقلب كلما تفكر في معاني كلام الله حصل له الري والشبع، والنمو والاستقرار، والثبات والعلو، ولَمَّا علم الله حاجة القلب إلى مثل ذلك كرر هذه المعاني الشريفة في كتابه، ونوع في بيانها، وضرب لها الأمثال، وصرف فيها من أنواع القول ما يحصل به للقلوب المتدبرة حياة لا تموت معه أبدًا.
2 - زيادة الإيمان، قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [سورة التوبة 9/ 124]، وإنما ازداد المؤمنون إيمانًا بسبب فهمها، واعتقاد ما فيها، والعمل بها، والرغبة في فعل الخير، ثم مع ذلك مستبشرون، يبشر بعضهم بعضًا بهذه المنة العظيمة، من إنزال الآيات وفهمها، والعمل بها، مما يدل على أن صدورهم منشرحة، وقلوبهم مطمئنة، فيبادرون إلى العمل مع فرح واستبشار.
أما المنافقون، ومن في قلوبهم مرض؛ فبسبب إعراضهم عن الفهم والتدبر يسأل بعضهم بعضًا أيكم زادته هذه إيمانًا؟! فلا يرون في هذه الآية زيادة إيمان، بل ربما زادتهم شكًا إلى شكهم، ومرضًا إلى مرضهم، بسبب إعراضهم عن فهمها وتدبر معانيها.
3 - حصول العلم الصحيح، ودفع الشبه عن القلب، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44)} [سورة فصلت 41/ 44]، أي هذا القرآن يهدي المؤمنين إلى العلم الصحيح، الذي يثمر لهم العلم النافع، ويدفع عنهم أمراض القلوب والأبدان، فلا يكون في قلوبهم شك ولا ريب؛ لأنهم فهموا مراد الله، وعرفوا مقصوده؛ فاندفعت عنهم الأخلاق السيئة، والأعمال القبيحة.
4 - الإعراض عن الدنيا، والتعلق بالآخرة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)} [سورة التوبة 9/ 38]، وقال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [سورة طه 20/ 131]، قال الحسن: "يا ابن آدم: والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حُزْنُك، وليشتدَّنَّ في الدنيا خوفُك، وليكثُرَنَّ في الدنيا بكاؤك".
5 - معرفة حقيقة الدنيا، وأنها ظل زائل، ما جمعت إلا لتفرق، وما أضحكت إلا لتبكي، وما أعطت إلا لتسلُب، كثيرها قليل، قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} [سورة يونس 10/ 24]
6 - الاعتصام والاجتماع في مقابل الفرقة والتشرذم، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [سورة آل عمران 3/ 103].
7 - الشعور بالأمن من المخاوف والعذاب والشقاء، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)} [سورة الأنعام 6/ 82].
8 - حصول الرهبة والخوف، ثم الرجاء والطمأنينة، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [سورة الزمر 39/ 23]، فحين نسمع آيات الوعيد والتهديد، يحصل للقلوب قشعريرة وخوف، تخشى أن يقع بها هذا الوعيد؛ فإذا سَمِعتْ آيات الوعد والترغيب حصل لها اللين والاطمئنان، وهذا من هُدى الله الذي يهدي به من يشاء.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
لعلكم تتقون
اللجنة العلمية
ما هي التّقوى؟
ليس في كتاب الله ولا في سنّة رسوله -صلّى الله عليه وسلم- من خُلقٍ فاضلٍ، لقي من الاهتمام والحفاوة وعلوِّ المكانة، مثلَ ما لقيهُ خُلق التّقوى، وحسبُك أنّها وصيّةَ الله تعالى ووصيّة رسولهِ صلى الله عليه وسلم للأولين والآخرين!
فما هي التَّقوى؟
التقوى جعلُ النَّفس في وقايةٍ من كلِّ ما قد يُصيبُها من مكروه أو أذى، هذا هو معناها في أصل اللُّغةِ، يقول ابن رجب الحنبليُّ: "وأصلُ التّقوى: أنْ يجعل العبدُ بينَه وبينَ ما يخافُه ويحذره وقايةً تقيه منه".
أمّا في الشَّرع، فقد أُضيف إلى هذا المعنى حقيقةٌ جوهريّة، ألا وهي: أنَّ الله عزّ وجلّ هو أولى ما نتَّقيه ونخافه ونحذره ونخشى عقابه، ذلك لأنّه هو الّذي بيده مقاليد الأمور كلّها، يُصرِّفها كيف يشاء! وبالتالي فإنّ تقوى الله سبحانه وتعالى والخوفَ والحذر منه، هو سرُّ السعادة في الدُّنيا والآخرة.
وصيّة اللهِ إلى عباده بالتّقوى:
وفي ظلال هذا المعنى جاءت وصيّة الله عزّ وجلّ إلى جميع عباده بالتَّقوى:
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} [النساء].
وقد تردّدت في القرآن الكريم الوصيّةُ بالتَّقوى، على صورتين أساسيّتين:
في أولاهما تُضاف التقوى إلى اسم اللهِ -عز وجل-، فيكون المعنى: اتقوا سخط الله وغضبه، اللّذين ينشأ عنهما عقابه الدنيوي والأخروي، قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28و30]، وقال تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى} [المدثر: 56]، فهو سبحانه الّذي ينبغي أنْ يُخشى ويُهاب ويُجلَّ ويُعَظَّمَ في صدورِ عباده حتَّى يعبدوه ويُطيعوه.
وفي الصُّورة الثَّانية تُضاف التّقوى إلى عقاب الله وإلى مكانه، أو زمانه، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}، [البقرة: 24]، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281]، {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا} [البقرة: 48 و123].
وبين الصُّورتين علاقة وثيقة كما ترى.
وصيَّة الرّسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه ولسائر المسلمين بالتّقوى:
وفي ظلال هذه المعاني جاءت -كذلك- وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالتقوى، وتردّدت في مختلف المناسبات، ممّا يدلُّ على عظم هذه الوصية، خاصَّةً وأنّها قد كانت وصيّة وداعه لأصحابه وللأمة، ففي يوم حجة الوداع، حينما وعظ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الناس فقالوا له: كأنَّها موعِظَةُ مودِّعٍ فأوصِنا، قال: (أُوصيكم بتقوى اللهِ والسَّمْعِ والطَّاعة).
وكانت وصيّته -صلى الله عليه وسلم- لكلِّ من يستوصيه من الصَّحابة هي الوصيّة بالتَّقوى، هكذا أوصى أبا ذرٍّ -رضي الله عنه-: (أوصيكَ بتقوى الله، فإنَّه رأسُ الأمرِ كلِّه) [خرَّجه ابنُ حبان]، وبمثلها أوصى أبا سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- فقال له: (أوصيك بتقوى الله، فإنَّه رأسُ كُلِّ شيءٍ)، وفي رواية أخرى: (علَيكَ بتقوى الله فإنَّها جِماع كُلِّ خيرٍ).
ولقد وعى السَّلف من الصَّحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ في كلِّ العصور، القيمةَ الكبيرة لهذه الوصيَّة العظيمة، فصاروا يتواصَون بها، ويوصُون بها مَن بعدهم، ولقد تواترت في ذلك الآثار والنُّقول، فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يفتتح خطبته بها قائلاً: أما بعد، فإني أُوصيكم بتقوى الله، ولمَّا حضرته الوفاةُ، وعهد إلى عمر، كان أول ما أوصاه به أنِ: اتَّقِ الله يا عمر، وعلى هذا النّهج كانت وصايا سائر الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم جميعاً، ومن تبعهم من أئمة الهدى.
أُمُّ الوصايا:
وإنّما اكتسبت الوصية بالتقوى هذه المكانة الكبيرة، لأنّها أمُّ الوصايا، فما بعدها من الوصايا هو كالتَّفصيل لها، فما من وصيةٍ بالخير إلاّ وتندرج فيها، بدءاً من الوصية بالتوحيد وتحقيق الإخلاص والمتابعة وانتهاءً بالوصيَّة بإماطة الأذى عن الطريق.
وممّا يدلُّ على الأهمية الكبيرة للتَّقوى: أنّ أعظم دعاءٍ في القرآن، ألا وهو قوله تعالى في ختام سورة الفاتحة على لسان المؤمنين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}: [الفاتحة] جاء الجواب عنه في مقدمة سورة البقرة: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}: [البقرة]، أي إنّ هذا القرآن يهدي إلى الصراط المستقيم، ولكن تلك الهدايةُ مقصورة على المتّقين، لا ينالها من أحدٍ سواهم!
فكيف نكون منهم؟ كيف نتَّقي الله عزّ وجلّ؟
كيف نُحقّق التقوى؟
إنّ كلمة العلماء متّفقة على أنّ تقوى الله عزّ وجلّ إنما تكونُ باتِّباع ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه:
يقول محمد بن أبي الفتح الحنبلي: التقوى: تركُ الشركِ والفواحِشِ والكبائرِ، وعن عمر بن عبد العزيز: التقوى: تركُ ما حرمَ الله وأداءُ ما افترضَ الله، وقيل: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: التقوى: تركُ ما لا بأسَ به حَذراً مما به بأس، وقيل: جِماعُها: في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل 90].
أو كما قال الشاعر:
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها وكبيرَها ذاك التقَى
واصنعْ كَماشٍ فوق أرضِ الشَّوكِ يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ مِن الحَصَى
وقول الشَّاعر الحكيم:
واصنعْ كَماشٍ فوق أرضِ الشَّوكِ يحذر ما يرى
يضع أصبعنا على حقيقةٍ مهمّة من الحقائق المتعلّقة بالتقوى، حيث ورد في الحديث قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهو يُشير إلى صدره، ثلاث مراتٍ: ((التَّقوى ها هنا))، ومعنى ذلك أنَّ تقوى الله تعالى محلُّها القلب، فإذا اتَّقى القلب اتقت الجوارح، وفي روايةٍ أخرى ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)، ومعنى ذلك أنَّ الأعمال الظاهرة رغم أهميتها في تحقيق حال التّقوى، إلا أنّها ليست المنشئة لها، وإنّما تنشأ التقوى، "بما في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته". فهذه التقوى الداخلية، تقوى القلب هي قاعدة السلوك الأخلاقيّ الصحيح، وهي التي يسميها البعض بالضمير الذي يؤنب الإنسان إذا ما وقع في مواطن الإثم والمعصية، ويحثُّه على العمل الصالح، والسّعي نحو مراتب الكمال.
ألا، فلنتَّقِ الله حقَّ التَّقوى؛ لنكون من المهتدين إلى صراط الله المستقيم في الدنيا والآخرة!!!
كيف تتحقّق التقوى في رمضان؟
يذكر القرآن أنّ التقوى هي ثمرة الصوم العظمى، فيقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).
إذن، فإنّ التزام المسلم بكلّ الأحكام والآداب المتعلّقة بشهر رمضان، واجتهاده في التحلي بها، لا بدّ ستكون ثمرتُه التّقوى!
وفي نفس السياق يُبين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ من صام امتثالاً لله عزَّ وجلَّ فينبغي أن يتميز بأخلاقه وحلمه: (فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم).
كيف تتحقّق التقوى في رمضان؟
تتحقّق عن طريق الصيام!
ما هو الصيام؟
يقول ابن عبد البر:
أَمَّا الصِّيَامُ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَعْنَاهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَوَطْءِ النِّسَاءِ نَهَارًا إِذَا كَانَ تَارِكُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَيَنْوِيهِ!
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الإجابة عن ذات السؤال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ)!
نجمع بين الإجابتين فينتج المعنى التالي:
(الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَوَطْءِ النِّسَاءِ نَهَارًا إِذَا كَانَ تَارِكُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَيَنْوِيهِ/ هو للصائم جُنَّةٌ)!
جُنَّةٌ، يقول الإمام النوويّ: "وَمَعْنَاهُ سُتْرَةٌ وَمَانِعٌ مِنَ الرَّفَثِ وَالْآثَامِ، وَمَانِعٌ أَيْضًا مِنَ النَّارِ، وَمِنْهُ الْمِجَنُّ وَهُوَ التُّرْسُ"!
ويقول ابنُ الْعَرَبِيِّ: "إِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا؛ كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنَ النار في الْآخِرَةِ"!
ونصّ الحديث الشريف: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ)
وعند النسائي: (الصوم جُنَّةٌ ما لم يخرقها) زاد في الأوسط: (قيل: بم يخرقُها؟ قال: (بكذبٍ أو غيبةٍ)!
في الإجابة عن السؤال: ما الذي نتّقيه بهذه الجُنَّة؟
ذكر الحديث درجتين: دنيا وعليا، في الدرجة الدنيا: يمنعه الصومُ من الرفث والجهل وقول الزور، وسائر المعاصي!
أمّا في الدرجة العليا، فإنّ الصائم يجتهدُ في الصبر والصّفح والكفِّ، عمّا وُجِّه نحوه من سبٍّ أو شتمٍ أو اعتداء!
ويُعينُه على ذلك تذكُّره لحقيقة أنّه صائم، ولهجُه بهذه العبارة: إني صائمٌ!
وفي ذلك وقايةٌ من مجاراة السفهاء والمعتدين فالصّيام مشروعٌ لتكوين إنسانٍ مثاليٍّ تتمثّل التَّقوى في شعوره وأخلاقه وسلوكه!
سؤال: أتتحقّق التقوى باعتبارها ثمرةً لاجتهاد الصائم، أم باعتبارها ثمرةً لصيامه؟
بل هي تتحققُ بإذن الله ثمرةً طبيعيّة لصيام الصائم! وليس لاجتهاده بأن يقول إني صائم، وما إلى ذلك، بل قوله هذا هو من أجل أن يُذكِّر نفسه بحقيقة الحالة التي هو فيها، أي حالة الصيام الذي إذا كان مخلصاً فيه، فحتماً سوف تنتج منه بإذن الله ثمرة التقوى! بما يتناسب مع درجة صيامه وإخلاصه فيه والتزامه.
لذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الصائم إذا ارتكب بعض المحظورات الأخلاقية التي تتنافى مع حالة التقوى، مثل الغيبة أنّ صيامه مردود وعليه القضاء:
يقول ابن حجر في فتح الباري:
"أَنَّ الْغِيبَةَ تَضُرُّ بِالصِّيَامِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنَّ الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَتُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْم، وأفرط ابنُ حَزْمٍ فَقَالَ: يُبْطِلُهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ مِنْ مُتَعَمِّدٍ لَهَا ذَاكِرٍ لِصَوْمِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: (فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ) وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) وَالْجُمْهُورُ وَإِنْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ، إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا الْفِطْرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ".
وقفة عند معنى (الجُنَّة) ومعنى (التّقوى) في اللغة العربية:
يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة:
"وَالْمِجَنُّ: التُّرْسُ، وَكُلُّ مَا اسْتُتِرَ بِهِ مِنَ السِّلَاحِ فَهُوَ جُنَّةٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: السِّلَاحُ مَا قُوتِلَ بِهِ، وَالْجُنَّةُ مَا اتُّقِيَ بِهِ".
" (وَقَى) الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ. وَوَقَيْتُهُ أَقِيهِ وَقْيًا. وَالْوِقَايَةُ: مَا يَقِي الشَّيْءَ. وَاتَّقِ اللَّهَ: تَوَقَّهُ، أَيِ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ كَالْوِقَايَةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِ تَمْرَةٍ»، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: اجْعَلُوهَا وِقَايَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا.".
إذن: الصوم جُنّة، والتّقوى جُنّة!
الصوم تُرسٌ يتّقي به الصّائم من الوقوع في الفواحش والمعاصي!
والتّقوى تُرس يتّقي به المؤمن عذاب ربّه سبحانه وتعالى!
الصوم تُرس ظاهر، التّقوى تُرسٌ باطن!
وهذا الظاهر يتحقق به ذلك الباطن،
ولذلك فإنَّ: "كلمة العلماء متّفقة، على أنّ تقوى الله عزّ وجلّ، إنما تكونُ باتِّباع ما أُمر به، والانتهاء عما نُهي عنه."!
القاعدة الذّهبية والسّنة الإلهية في تحقيق التّقوى
وهي: اعتقادُك بأنّ مَن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه!
يقول الشيخ محمد إبراهيم الحمد:
إنَّ للشهوات سلطانًا على النفوس، واستيلاءً وتمكنًا في القلوب؛ فتركُها عزيزٌ، والخلاص منها عسير.
ولكنْ مَن اتَّقى اللهََ كفاهُ، ومن استعانَ به أعانه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وإنما يجدُ المشقةَ في ترك المألوفاتِ والعوائدِ من تركها لغير الله.
أما من تركها مخلصًا لله فإنه لا يجد في تركها مشقةً إلا أولَ وهلةٍ؛ ليُمتحنَ أصادق هو في تركها أم كاذبٌ؛ فإن صبر على تلك المشقة قليلًا تحوَّلت لذة.
وكلما ازدادتِ الرغبةُ في المحرَّم، وتاقتِ النفسُ إلى فعله، وكثرت الدَّواعي إلى الوقوع فيه -عظمُ الأجرُ في تركه، وتضاعفت المثوبةُ في مجاهدة النَّفس على الخلاص منه.
ولا يُنافي التقوى ميلُ الإنسانِ بطبعه إلى بعض الشَّهوات المحرَّمة إذا كان لا يغشاها، وكان يجاهد نفسَه على بغضها.
بل إنَّ ذلك من الجهاد، ومن صميم التقوى؛ فالنار حُفَّت بالشهوات، والجنة حفت بالمكاره.
ولقد جرت سنةُ الله بأنّ مَنْ ترك شيئًا لله عوضه اللهُ خيرًا منه.
والعِوضُ من الله أنواع مختلفة، وأجلُّ ذلك العوض: الأنسُ بالله، ومحبتُه، وطمأنينةُ القلبِ بذكره، وقوَّتُه، ونشاطُه، ورضاه عن ربه، مع ما يلقاه العبد من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى.
ولقد تظاهرت نصوصُ الشرع في هذا المعنى العظيم الذي يُعدُّ من أدْعى الأسباب لمخالفة الهوى، ولزوم التقوى؛ إذ فيه نظرٌ للعواقب، وإيثارٌ للآجل على العاجل.
هذا وإنَّ الصيام لمن أعظمِ ما يؤكدُ هذا المعنى، ويبعث عليه.
ولو استعرض الإنسانُ نصوصَ الشرعِ في الصيام لتجلَّى له هذا المعنى غاية التَّجلي.
ومن تلك النصوص ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) الحديث.
وجاء فيهما -أيضًا-: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه)!
بابُ الرَّيَّان:
وبوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في كتاب الصيام بابًا سماه: "باب الريان للصائمين".
ثم ساق بسنده الحديث عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن في الجنة بابًا يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أيُّها الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم؛ فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد).
قال ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: "الرَّيَّان بفتح الراء، وتشديد التحتانية وزن فعلان من الرِّي: اسمُ علمٍ على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه.
وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مشتق من الرِّيِّ، وهو مناسب لحال الصائمين، وسيأتي أن من دخله لا يظمأ.
قال القرطبي: اكتُفي بذكر الرِّي عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه.
قلت: أو لكونه أشقَّ على الصائم من الجوع" اهـ.
الجزاء من جنس العمل:
وهكذا -أيها الصائمون- يتبين لنا أن الجزاءَ من جنس العمل، وأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه؛ فالصائم لما ترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجل الله جازاه الله على عمله، وعوضه خيرًا مما ترك؛ حيث اختص الصيام من بين سائر الأعمال بأنه له، وأنه يتولى جزاءه.
والصائم لما ترك شهواتِه المجبولَ عليها من شراب، وطعام، ومنكح، وفي ذلك منع له مما يشتهي , عوضه الله خيرًا مما ترك، ألا وهو الفرح عند الفطر، والفرح عند لقاء الرب وهو فرحٌ لا يقارن بفرح التمتع بالشهوات وسائر الملذات.
وكذلك الحال بالنسبة للحديث الثالث؛ فالصائمون لما صبروا على ألم العطش حال صيامهم، وفي ذلك قهر للنفس، وقمع لها؛ ابتغاء مرضاة الله عوَّضهم الله خيرًا مما تركوا، فجعل لهم بابًا في الجنة لا يدخل منه غيرهم.
وهكذا يتجلى لنا هذا المعنى في الصيام.
والعبرة المأخوذة، والدروس المستفادة من هذا أن يستحضر الصائم هذا المعنى العظيم في جميع ما يأتي وما يذر، وأن يعلم أن الله- عز وجل- كريم شكور، وأن مقتضى ذلك أن يجازي الإنسان بالحسنة خيرًا منها تفضلًا وتكرمًا، والجزاء ليس في الآخرة فحسب، بل الغالب أنه في الدنيا والآخرة معًا.
ولو قام هذا المعنى في القلوب لانبعثت إلى فعل الطاعات، ولأقصرت عن كثير من الشرور والمعاصي.
وتعضيداً لهذه الرؤية يقول الأديب مصطفى صادق الرّافعيّ:
"كل ما ذكرته في هذا المقال من فلسفة الصوم، فإنما استخرجته من هذه الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183.
وقد فهمها العلماء جميعاً على أنها معنى (التقوى)، أما أنا فأوَّلتُها من (الاتِّقاء)؛ فبالصوم يتقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته، وألاَّ يُعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة، ويتقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسانٌ مع إنسانٍ كحمارٍ مع إنسان: يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف!
وبالصوم يتقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه؛ فإنَّ ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه، وما خلفه هو الجيل الذي سيرث من هذه الطباع والأخلاق، فيعمل بنفسه في الحاضر، ويعمل بالحاضر في الآتي!
وكل ما شرحناه فهو اتقاء ضرر؛ لجلب منفعة، واتقاء رذيلة؛ لجلب فضيلة، وبهذا التأويل تتوجه الآية الكريمة جهةً فلسفيةً عاليةً، لا يأتي البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجزَ ولا أكملَ من لفظها، ويتوجَّه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة، يتقي بها الاجتماع شرور نفسه، ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم، ومعناه =قانون البطن!
ألا ما أعظمك يا شهر رمضان ! لو عرفك العالم حق معرفتك لسَمَّاكَ: =مدرسة الثلاثين يوماً!"
ويقول:
"يُفسِّر القرآن بعضه بعضاً، ومن معجزاته في هذا التأويل الذي استخرجناه، أنه يؤيِّده بالآية الكريمة في سورة (يس): {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يّـس: 45، ويشير إلى هذا التأويل قولُ النبي (إنما الصوم جُنَة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم).
الجُنَّة الوقاية يتَّقي بها الإنسان، والمرادُ أن يعتقد الصائم أنه قد صام؛ ليتَّقيَ شرَّ حيوانيته وحواسِّه، فقوله: إني صائم، إني صائم، أي: إنني غائب عن الفحش والجهل والشر، إني في نفسي، ولستُ في حيوانيَّتي.".
الأدلّة على صدق القاعدة الذهبية في تحقيق التّقوى (1)
والحديث هاهنا إكمالٌ لما مضى، وسيدور حول ذكرٍ لأمورٍ مَن تركها للهِ عَوَّضهُ الله خيرًا منها؛ لعلَّ النُّفوسَ تنبعث إلى فعل الخير، والإقصار عن الشر:
¤ فمن ترك مسألَة الناس، ورجاءَهم، وإراقةَ ماءِ الوجه أمامهم، وعلَّق رجاءه بالله دون سواه -عَوّضَه خيرًا مما ترك، فرزقه حريةَ القلب، وعزةَ النفس، والاستغناء عن الخلق (ومن يتصبرْ يصبرْه الله، ومن يستعففْ يُعِفَّهُ الله).
¤ ومن ترك الاعتراض على قدر الله، فسلَّمَ لربه في جميع أمره، رزقه الله الرضا واليقين، وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطر له ببال.
¤ ومن ترك الذهابَ إلى العرَّافين والسَّحرة رزقه الله الصبرَ، وصِدْقَ التوكل، وتَحَقُّقَ التوحيد.
¤ ومن ترك التكالبَ على الدنيا جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبه، وأَتَتْهُ الدنيا وهي راغمةٌ.
¤ ومن ترك الخوفَ من غير الله، وأفرد اللهَ وحده بالخوف -سَلِمَ من الأوهام، وأمَّنه الله من كل شيء، فصارت مخاوفُه أمنًا وبردًا وسلامًا.
¤ ومن ترك الكذبَ، ولزم الصدقَ فيما يأتي وما يذر - هُدي إلى البر، وكان عند الله صديقًا، ورزق لسانَ صدقٍ بين الناس، فسوَّدوه، وأكرموه، وأصاخوا السمع لقوله.
¤ ومن ترك المراءَ وإن كان مُحِقًّا ضُمن له بيتٌ في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومةِ، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه.
¤ ومن ترك الغشَّ في البيع والشراء زادت ثقةُ الناس به، وكثر إقبالُهم على سلعته.
¤ ومن ترك الربا، وكَسْبَ الخبيثِ بارك الله في رزقه، وفتح له أبوابَ الخيرات والبركات.
¤ ومن ترك النظرَ إلى المحرم عوَّضه الله فِراسةً صادقةً، ونورًا وجلاءً، ولذةً يجدها في قلبه.
¤ ومن ترك البخلَ، وآثر التكرمَ والسخاءَ أحبه الناس، واقترب من الله ومن الجنة، وسلم من الهم والغم وضيق الصدر، وترقى في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
¤ ومن ترك الكبر، ولَزِمَ التواضع كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم في الصحيح: «ومن تواضع لله رفعه».
¤ ومن ترك المنام ودفأه ولذته، وقام يصلي لله - عز وجل - عوضه الله فرحًا، ونشاطًا، وأنسًا.
¤ ومن ترك التدخينَ، وكافةَ المسكراتِ والمخدراتِ أعانه الله، وأمده بألطاف من عنده، وعوَّضه صحةً وسعادةً حقيقية، لا تلك السعادة الوهمية العابرة.
¤ ومن ترك الانتقامَ والتشفِّيَ مع قدرته على ذلك-عوَّضه الله انشراحًا في الصدر، وفرحًا في القلب؛ ففي العفو مِنَ الطمأنينة والسكينةِ، والحلاوةِ، وشرفِ النفس، وعزها، وترفُّعها -ما ليس شيءٌ منه في المقابلة والانتقام.
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا».
¤ ومن ترك صحبة السوء التي يظن أن بها منتهى أنسه، وغايةَ سروره - عوَّضه الله أصحابًا أبرارًا، يجد عندهم المتعة والفائدة، وينال من جرّاء مصاحبتهم ومعاشرتهم خيري الدنيا والآخرة.
¤ ومن ترك كثرة الطعام سلم من البطنة، وسائر الأمراض؛ لأن من أكل كثيرًا شرب كثيرًا، فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا. ومن ترك المماطلةَ في الدَّين أعانه الله، وسدد عنه بل كان حقًَّا على الله عونُه.
¤ ومن تركَ الغضبَ حفظ على نفسه عزتَها وكرامتَها، ونأى بها عن ذل الاعتذار، ومَغَبَّةِ الندم، ودخل في زمرة المتقين {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ}.
(جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أوصني , قال: "لا تغضب) رواه البخاري.
قال الماوردي -رحمه الله-: "فينبغي لذي اللُّبِّ السوي والحزمِ القوي أن يتلقى قوةَ الغضب بحلمه فيصدَّها، ويقابلَ دواعي شرَّتِهِ بحزمه فيردَّها، ليحظى بأجَلِّ الخيرة، ويسعد بحميد العاقبة".
وعن أبي عبلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز يومًا غضبًا شديدًا على رجل، فأمر به، فأُحضر وجُرِّد، وشُدَّ في الحبال، وجيء بالسياط، فقال: خلوا سبيله؛ أما إني لولا أن أكون غضبان لَسُؤْتُكَ، ثم تلا قوله -تعالى-: {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ}.
الأدلّة على صدق القاعدة الذهبية في تحقيق التّقوى (2)
¤ من ترك الوقيعة في أعراض الناس والتعرضَ لعيوبهم ومغامزهم - عُوِّض بالسلامة من شرهم، ورزق التبصرَ في نفسه.
قال الأحنف بن قيس -رحمه الله-: "من أسرع إلى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون".
وقالت أعرابيةٌ توصي ولدها: "إياك والتعرضَ للعيوب فَتُتَّخذَ غرضًا، وخليقٌ ألا يثبتَ الغرضُ على كثرة السهام، وقلما اعْتَوَرَتِ السهامُ غرضًا حتى يهيَ ما اشتد من قوته".
قال الشافعي -رحمه الله-:
المرءُ إن كان مؤمنًا ورِعًا ... أشغله عن عيوب الورى ورعُهْ
كما السقيمِ العليلِ أشغله ... عن وجع الناس كلِّهم وجعُهْ
¤ ومن ترك مجاراةَ السفهاء، وأعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
¤ ومن ترك الحسدَ سلم من أضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال، وسمٌّ قتَّال، ومسلكٌ شائنٌ، وخلقٌ لئيم، ومن لؤم الحسد أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والخلطاء، والمعارف، والإخوان.
قال بعض الحكماء: ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من الحسود، نَفسٌ دائمٌ، وهمٌّ لازمٌ، وقلبٌ هائمٌ.
¤ ومن سلم من سوء الظن بالناس سلم من تشوش القلب، واشتغال الفكر؛ فإساءَةُ الظنِّ تفسد المودةَ، وتجلب الهمَّ والكدر، ولهذا حذرنا الله -عز وجل- منها فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والظنَّ، فإن الظنَّ أكذبُ الحديث» رواه البخاري ومسلم.
¤ ومن اطَّرح الدعةَ والكسلَ، وأقبل على الجد والعمل -علت همتُهُ، وبورك له في وقته، فنال الخيرَ الكثير في الزمن اليسير.
¤ ومَنْ هجر اللذات نال المنى ومن ... أكبَّ على اللذات عضَّ على اليد
¤ ومن ترك تَطلُّبَ الشهرةِ وحبَّ الظهورِ رفع الله ذكره، ونشر فضلَه، وأتته الشهرة تُجَرِّرُ أذيالها.
¤ ومن ترك العقوقَ، فكان بَرًّا بوالديه رضي الله عنه، ويسر الله له أمره، ورزقه الله الأولاد البررة وأدخله الجنة في الآخرة.
¤ ومن ترك قطيعةَ أرحامِه، فواصلهم، وتودَّد إليهم، واتقى الله فيهم - بسط الله له في رزقه، ونَسَأَ له في أثره، ولا يزال معه ظهير من الله ما دام على تلك الصلة.
¤ ومن ترك العشقَ، وقطع أسبابَه التي تُمِدُّه، وتجرَّع غُصَصَ الهجر، ونارَ البعادِ في بداية أمره، وأقبل على الله بِكُلِّيته -رُزِقَ السلوَّ، وعزةَ النفس، وسلم من اللوعةِ والذلة والأَسْر، ومُلئ قلبُه حريةً ومحبةً لله -عز وجل- تلك المحبة التي تَلُمُّ شعثَ القلبِ، وتسدَّ خَلَّتَهُ، وتشبع جوعته، وتغنيه من فقره؛ فالقلب لا يُسَرُّ ولا يُفْلِحُ، ولا يطيب ولا يسكُن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه.
¤ ومن ترك العبوسَ والتقطيبَ، واتَّصف بالبشر والطلاقة؛ لانت عريكته، ورقَّت حواشيه، وكثر محبُّوه، وقلَّ شانؤوه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قال ابن عقيل الحنبلي: "البشرُ مُؤنسٌ للعقول، ومن دواعي القَبول، والعبوسُ ضدُّه".
وبالجملة فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه؛ فالجزاء من جنس العمل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
¤ أيها الصائم الكريم: إذا أردت مثالًا جليًّا، يبين لك أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه فانظر إلى قصة يوسف -مع امرأة العزيز؛ فلقد راودتْهُ عن نفسه فاستعصم، مع ما اجتمع له من دواعي المعصية، فلقد اجتمع ليوسف ما لم يجتمع لغيره، وما لو اجتمع كلُّه أو بعضُه لغيره لربما أجاب الداعي، بل إن من الناس من يذهب لمواقع الفتنِ بنفسه، ويسعى لحتفه بظلفه، ثم يبوءُ بعد ذلك بالخسران المبين في الدنيا والآخرة.
أما يوسف - عليه السلام - فقد اجتمع له من دواعي الزنا ما يلي:
أولًا: أنه كان شابًّا، وداعيةُ الشباب إلى الزنا قوية.
ثانيًا: أنه كان عَزَبًا، وليس له ما يعوضه ويرد شهوته من زوجة، أو سُرِّيَّة.
ثالثًا: أنه كان غريبًا، والغريبُ لا يستحيي في بلد غربته مما يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه.
رابعًا: أنه كان مملوكًا، فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة، والمملوكُ ليس وازعه كوازع الحر.
خامسًا: أن المرأة كانت جميلة.
سادسًا: أنها ذاتُ منصبٍ عالٍ.
سابعًا: أنها سيدته.
ثامنًا: غياب الرقيب.
تاسعًا: أنها قد تهيأت له.
عاشرًا: أنها غلقت الأبواب.
حادي عشر: أنها هي التي دعته إلى نفسها.
ثاني عشر: أنها حرصت على ذلك أشد الحرص.
ثالث عشر: أنها توعدته إن لم يفعل بالصغار والسجن، وهو تهديد من قادر.
ومع هذه الدواعي صبر إيثارًا واختيارًا لما عند الله، فنال السعادة والعز في الدنيا، وإن له للجنةَ في العقبى، فلقد أصبح هو السيد، وأصبحت امرأة العزيز فيما بعد كالمملوكة عنده، وقد ورد أنها قالت: "سبحانَ مَنْ صيَّر الملوك بِذُلِّ المعصية مماليك، ومن جعل المماليك بعز الطاعة ملوكًا".
فحريٌّ بالعاقل الحازم أن يتبصَّر في الأمور، وأن ينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الباقية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فوائد الجوع وأثرها في تحقيق التّقوى
اللجنة العمية
في الجوع عشر فوائد هي:
الفائدة الأولى: صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنقاذ البصيرة, فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معان الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك, بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء الفهم والإدراك.
ويقال: مثل الجوع مثل الرعد, ومثل القناعة مثل السحاب, والحكمة كالمطر.
الفائدة الثانية: رقة القلب وصفاؤه الذي به يتهيأ لإدراك لذة المثابرة والتأثر بالذكر, فكم من ذكر يجري على اللسان مع حضور القلب ولكن القلب لا يتلذذ به ولا يتأثر حتى كأن بينه وبينه حجاباً من قسوة القلب.
قال أبو سليمان الداراني: أحلى ما تكون إليَّ العبادة إذا التصق ظهري ببطني.
الفائدة الثالثة: الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى, فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع, فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها, وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها. وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره, وإنما سعادته في أن يكون دائماً مشاهداً نفسه بعين الذل والعجز ومولاه بعين العز والقدرة والقهر.
الفائدة الرابعة: أن لا تنسى بلاء الله وعذابه, ولا ينسى أهل البلاء, فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع, والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا يتذكر بلاء الآخرة, فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة, ومن جوعه جوع أهل النار, حتى أنهم ليجوعون فيطعمون الضريع والزقوم ويسقون الغساق والمهل, فلا ينبغي أن يغيب عن العبد عذاب الآخرة وآلامها, فإنه هو الذي يهيج الخوف, فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء نسي عذاب الآخرة ولم يتمثَّل في نفسه ولم يغلب على قلبه, فينبغي أن يكون العبد في مقاساة بلاء أو مشاهدة بلاء, وأولى ما يقاسيه من الجوع فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب الآخرة.
الفائدة الخامسة: وهى من أكبر الفوائد: كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء, فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى, ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة, فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة, وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه, والشقاوة في أن تملكه نفسه, وكما أنك لا تملك الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت, فكذلك النفس. إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا.
وهذه ليست فائدة واحدة بل هي خزائن الفوائد.
ولذلك قيل: الجوع خزانة من خزائن الله تعالى, وأقل ما يندفع بالجوع: شهوة الفرج وشهوة الكلام, فإن الجائع لا يتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص به من آفات اللسان كالغيبة والفحش والكذب والنميمة وغيرها, فيمنعه الجوع من كل ذلك, وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه لا محالة بأعراض الناس, ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
وأما شهوة الفرج فلا تخفى غائلتها, والجوع يكفي شرها. وإذا شبع الرجل لم يملك فرجه, وإن منعته التقوى فلا يملك عينه, فالعين تزني, فإن ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره, فيخطر له من الأفكار الرديئة وحديث النفس بأسباب الشهوة ما يتشوش به مناجاته, وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة.
الفائدة السادسة: دفع النوم ودوام السهر, فإن من شبع شرب كثيراً ومن كثر شربه كثر نومه, وفي كثرة النوع ضياع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب, والعمر أنفس الجواهر, وهو رأس مال العبد فيه يتجر, والنوم موت فتكثيره ينقص العمر, ثم فضيلة التهجد لا تخفى وفي النوم فواتها. ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة. فالنوم منبع الآفات, والشبع مجلبة له, والجوع مقطعة له.
الفائدة السابعة: تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل, وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه, ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال, ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء لكثرة شربه. والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه.
قال السري: رأيت مع علي الجرجاني سويقاً يستف منه فقلت: ما حملك على هذا؟ قال: إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة.
فانظر كيف أشفق على وقته ولم يضيعه في المضغ.
وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا قيمة لها, فينبغي أن يستوفي منه خزانة باقية في الآخرة لا أخر لها بصرفه إلى ذكر الله وطاعته.
ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة وملازمة المسجد, فإنه يحتاج إلى الخروج لكثرة شرب الماء وإراقته. ومن جملته الصوم فإنه يتيسر لمن تعود الجوع, فالصوم ودوام الاعتكاف ودوام الطهارة وصرف أوقات شغله بالأكل وأسبابه إلى العبادة أرباح كثيرة, وإنما يستحقرها الغافلون الذين لم يعرفوا قدر الدين لكن رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها: } يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ{([1]).
وقد أشار أبو سليمان الداراني إلى ست آفات من الشبع فقال: من شبع دخل عليه ست آفات: فقد حلاوة المناجاة, وتعذر حفظ الحكمة, وحرمان الشفقة على الخلق لأنه إذا شبع ظنّ أن الخلق كلهم شباع, وثقل العبادة, وزيادة الشهوات, وأن أول سائر المؤمنين يدورون حول المساجد, والشباع يدورون حول المزابل.
الفائدة الثامنة: يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض, فإن سببها كثرة الأكل وحصول فضله الأخلاط في المعدة والعروق. ثم المرض يمنع من العبادات ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر, وينغص العيش, ويحوج إلى الفصد والحجامة والدواء والطبيب, وكل ذلك يحتاج إلى مؤن ونفقات لا يخلو الإنسان منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي واقتحام الشهوات, وفي الجوع ما يمنع ذلك كله.
حكي أن الرشيد جمع أربعة أطباء: هندي, ورومي, وعراقي, وسوادي, وقال: ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه, فقال الهندي: الدواء الذي لا داء فيه عندي هو الإهليلج الأسود, وقال العراقي: هو حب الرشاد الأبيض, وقال الرومي: هو عندي الماء الحار, وقال السوادي وكان أعلمهم: الإهليلج يعفص المعدة وهذا داء, وحب الرشاد يزلق المعدة وهذا داء, والماء الحار يرخي المعدة وهذا داء, قالوا: فما عندك؟ فقال: الدواء الذي لا داء معه عندي أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه, وأن ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه, فقالوا: صدقت.
الفائدة التاسعة: خفة المؤنة, فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير, والذي تعود الشبع صار بطنه غريماً ملازماً له أخذ بمخنقه في كل يوم, فيقول ماذا تأكل اليوم؟ فيحتاج إلى أن يدخل المداخل, فيكتسب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل, وربما يحتاج إلى أن يمد أعين الطمع إلى الناس وهو غاية الذل والقماءة, والمؤمن خفيف المؤنة.
وقال بعض الحكماء: إني لأقضي عامة حوائجي بالترك فيكون ذلك أروح لقلبي.
وقال آخر: إذا أردت أن استقرض من غيري لشهوة أو زيادة استقرضت من نفسي فتركت الشهوة فهي خير غريم لي.
وكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يسأل أصحابه عن سعر المأكولات فيقولون إنها غالية, فيقول: أرخصوها بالترك.
وقال سهل رحمه الله: الأكول مذموم في ثلاثة أحوال: إن كان من أهل العبادة فيكسل وإن كان مكتسباً فلا يسلم من الآفات, وإن كان ممن يدخل عليه شيء فلا ينصف الله تعالى من نفسه.
الفائدة العاشرة: أن يتمكن من الإيثار والتصدق بما فضل من الأطعمة على اليتامى والمساكين, فيكون يوم القيامة في ظل صدقته.
فما يأكله كان خزانته الكنيف, وما يتصدق به كان خزانته فضل الله تعالى, فليس للعبد من ماله إلا ما تصدق فأبقى أو أكل فأفنى أو لبس فأبلى، فالتصدق بفضلات الطعام أولى من التخمة والشبع!
وكلُّ هذه الفوائد ممّا يؤثر على التّقوى ويُنمّيها!
مراتب التّقوى
ذكر بعض أهل العلم أن للتقوى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى:
التوقي عن كل ما يخلد صاحبه في النار وعليه قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ} [(26) سورة الفتح] بمعنى أن الإنسان يقي نفسه من العذاب المخلد في النار وذلك بالتبرؤ من الكفر بجميع أنواعه، وأن يتبرأ من الشرك بكل أشكاله الظاهر منه والباطن، فـ {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء].
المرتبة الثانية:
تجنب كل ما يؤدي إلى الإثم من فعل أو ترك، وهي مرتبة المجاهدة وحمل النفس على فعل المأمورات وترك المنهيات، وهي أيضاً مرتبة النفس اللوامة التي تلوم نفسها لِمَ لا تستزيد من الخير، وتلوم نفسها لِمَ فعلت الذنب.
قال الحسن البصري -رحمه الله-: النفس اللوامة: هي والله نفس المؤمن، ما يُرى إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ وما أردت بأكلي؟ وما أردت بحديث نفسي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه.
هذه المرتبة هي مرتبة النفس المتيقِّظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها وتجاهدها، وتتلفت حولها، وتتبين هداها، وتحذر خداع ذاتها، هي النفس الكريمة على الله التي أقسم الله بها في كتابه، وقرنها بيوم القيامة في قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [(1،2) سورة القيامة]. هذه المرتبة يراقب التقي فيها طاعته لربه أن يكون مخلصاً فيها، ويراقب فيها معصيته وذلك بالتوبة والندم والإقلاع قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [(201) سورة الأعراف].
وهكذا تستقيم أحوال العبد وتشرق الهداية في قلبه باستمرار مجاهدته لنفسه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} [(69) سورة العنكبوت] فيبتعد شيئاً فشيئاً عن المعصية ويقترب رويداً رويداً من طاعة ربه ورضوانه حتى يتمكن من نفسه ويسلس قيادها لله، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(16) سورة التغابن] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [(17) سورة محمد].
المرتبة الثالثة:
أن يتنزه المرء عن كل ما يشغل سره عن الحق -تبارك وتعالى- ويتبتل إليه بكليته. وهذه مرتبة التقي الذي تجرد بكليته إلى الله، وامتلأ قلبه بحب الله، واطمأنت نفسه بالأنس به، فلم تعد تحدثه بمعصية، ثم يرتقي بعد ذلك في منازل الطاعات والمجاهدات، فهو حيث أمر الله موجود، وحيث نهى الله مفقود، وضع قدمه في طريق التقوى الفسيح، وتقدم فيه ما وسعه التقدم تحقيقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [(102) سورة آل عمران]، فهو يجاهد في الله حق جهاده، ويخشى الله حق خشيته، ويطيع الله حق طاعته، ويتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق اتباعه، ويدعو إلى سبيله حق دعوته، ولا يزال يرتقي في هذا السبيل القويم حتى يصل إلى مرتبة الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، فيلاحظ أمر الله ورقابته في كل قول وعمل وتصرف، وابتعد عنه الشيطان وتخلص من وساوسه؛ لأنه دائم الذكر لله، دائم التفكير بعظمته وجلاله وقدرته، فإنك لا ترى العبد في هذه المرتبة إلا ذاكراً قانتاً متفكراً مجاهداً عاملاً، همّه رضا الله، وهمّه الآخرة، فهو من الذين عقلوا عن الله، وعلموا عن الله جلاله وعظمته ورحمته وإنعامه، فاستغرقوا في الحمد والشكر والثناء على هذه الآلاء قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [(9) سورة الزمر] وهذه هي النفس المطمئنة، المطمئنة إلى ربها المطمئنة إلى طريقها، المطمئنة إلى قدر الله فيها، المطمئنة في السراء والضراء وحين البأس، وفي البسط والقبض، وفي المنع والعطاء، المطمئنة فلا ترتاب، والمطمئنة فلا تنحرف، والمطمئنة فلا تغفل، والمطمئنة فلا تضعف ولا تخضع، والمطمئنة فلا تتلجلج في الطريق، والمطمئنة فلا ترتاع في يوم الهول والرعب، يغمرها جو الأمن والرضا والطمأنينة في مشهد من الود والقربى والسكينة، وتهب عليها ريح الجنة الرضية الندية، وتتجلى عليها طلعة الرحمن -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [(27 - 30) سورة الفجر]. قال الله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [(63) سورة مريم].
ثمرات التقوى
قال الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [(132) سورة طه] فما هي عواقب التقوى وما هي ثمراتها؟
إن عواقب التقوى وثمراتها كثيرة وكثيرة جداً فمن ذلك:
الانتفاع بالقرآن الكريم والهداية به:
قال الله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [(1 - 2) سورة البقرة] هل تريد أن تنتفع بالقرآن؟، هل تريد أن تهتدي بهدي القرآن؟، لا سبيل لك إلى ذلك إلا بالتقوى، فالتقوى في القلب هي التي تؤهل المرء للانتفاع بكتاب الله، التقوى هي التي تفتح مغاليق القلب لهذا القرآن فيدخل ليؤدي دوره هناك.
المكانة العالية عند الله والارتفاع فوق الكفرة والساخرين:
قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(212) سورة البقرة].
ومنها: تعليم الله -تبارك وتعالى- للمتقين: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(282) سورة البقرة].
الجنات والأنهار والخلود والأزواج المطهرة ورضوان الله:
وهل تتمنى يا عبد الله شيئاً أكثر من هذا، الجنات والأنهار والخلود والأزواج المطهرة ورضوان الله، قال الله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [(15) سورة آل عمران].
محبة الله -عز وجل-:
قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [(76) سورة آل عمران] وقال سبحانه: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [(7) سورة التوبة].
وهل هناك شيء يتمناه العبد بعد محبة الله تعالى له؟.
معيَّة الله لعبده:
{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [(194) سورة البقرة] قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [(128) سورة النحل]. أية قوة؟ وأي سلطان؟ وأي حماية ورعاية وأمان والله مع عبده، معية نصر وتأييد وحماية ورعاية، فلستم وحدكم أيها المتقون، ولستم وحدكم أيها المؤمنون، إنكم في معية العلي الجبار القادر القاهر فنعم المولى ونعم النصير.
انتفاء الخوف والحزن وحصول الفوز والبشارة:
قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [(62 - 64) سورة يونس].
فتح البركات من السماء والأرض:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [(96) سورة الأعراف].
الحفظ من وساوس الشيطان:
كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [(201) سورة الأعراف].
النجاة من النار:
قال الله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [(71 - 72) سورة مريم]. ولو لم يأتك يا عبد الله إلا هذا لكفاك!
الانضمام لوفد الرحمن:
قال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [(85) سورة مريم] في مشهد من مشاهد القيامة، يَقدُم المتقون على الرحمن وفداً في كرامة وحسن استقبال تتلقاهم الملائكة، بعكس المجرمين الذين يساقون إلى جهنم كما تساق القطعان، ولا شفاعة يومئذٍ إلا لمن اتقى وعمل صالحاً.
إصلاح العمل وغفران الذنوب:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [(70 - 71) سورة الأحزاب].
قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [(49) سورة ص].
الغرف التي فوقها غرف:
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [(20) سورة الزمر].
أنك تؤتى يا عبد الله كفلان من الرحمة والنور والمغفرة:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(28) سورة الحديد].
النَّجاة من كيد الأعداء:
كما قال سبحانه: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [(120) سورة آل عمران] وكم الأمة محتاجة إلى هذا، في وقت تكالب عليها أعدائها من كل جانب.
قبول العمل:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة].
تأثير المعاصي والآثام على الصيام
كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام..
قال عمر بن الخطاب: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء..
وروى طليق بن قيس عن أبي ذر قال: إذا صمت فتحفظ ما استطعت. وكان طليق إذا كان يوم صيامه، دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة..
وكان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد، وقالوا: نُطهر صيامنا.
وعن حفصة بنت سيرين من التابعين قالت: الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة!.
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: الكذب يفطِّر الصائم!.
وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب (ذُكر هذه الآثار كلها ابن حزم في المُحلى -6 / 475، 476).
ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تفطِّر الصائم فمن ارتكب بلسانه حرامًا كالغيبة والنميمة والكذب، أو استمع بأذنه إلى حرام كالفحش والزور، أو نظر بعينه إلى حرام كالعورات ومحاسن المرأة الأجنبية بشهوة، أو ارتكب بيده حرامًا كإيذاء إنسان أو حيوان بغير حق، أو أخذ شيئًا لا يحل له، أو ارتكب برجله حرامًا، بأن مشى إلى معصية، أو غير ذلك من أنواع المحرمات، كان مفطرًا.
فاللسان يُفطِّر، والأذن تُفطِّر، والعين تُفطِّر، واليد تُفطِّر، والرجل تُفطِّر، كما أن البطن تُفطِّر، والفرج يُفطِّر.
وإلى هذا ذهب بعض السلف: أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو ظاهر ما روي عن بعض الصحابة والتابعين.
وهو مذهب الإمام الأوزاعي.
وهو ما أيده ابن حزم من الظاهرية.
وأما جمهور العلماء: فرأوا أن المعاصي لا تُبطل الصوم، وإن كانت تخدشه وتصيب منه، بحسب صغرها أو كبرها.
وذلك أن المعاصي لا يسلم منها أحد، إلا من عصم ربك، وخصوصًا معاصي اللسان ؛ ولهذا قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفطّر ما كان لنا صوم!.
هذا والإمام أحمد من هو وهو في ورعه وزهده وتقواه، فماذا يقول غيره؟!.
ويؤكد هؤلاء العلماء: أن المعاصي لا تبطل الصوم، كالأكل والشرب، ولكنها قد تذهب بأجره، وتضيع ثوابه.
والحق أن هذه خسارة ليست هينة لمن يعقلون، ولا يستهين بها إلا أحمق. فإنه يجوع ويعطش ويحرم نفسه من شهواتها، ثم يخرج في النهاية ورصيده (صفر) من الحسنات!.
يقول الإمام أبو بكر بن العربي في شرح حديث: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
(مقتضى هذا الحديث: أن من فعل ما ذُكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه).
وقال العلامة البيضاوي:.
(ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع، والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر اللّه إليه، نظر القبول، فيقول: " ليس للّه حاجة " مجاز عن عدم قبوله فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم).
يقول السائل:
هل للمعاصي والآثام التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير على الصيام كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها؟
الجواب:
يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَن ُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى.
وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الامتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر إلى المحرمات والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرِجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي إلى ما حرم الله.
إن الصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وهي امتثال ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه وهذه طائفة عطرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير إلى هذه المعاني:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم.
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه العلامة الألباني.
4. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له بصيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه العلامة الألباني.
فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يجتنب كل المحرمات ويلتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار إلى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة.
فالأصل في المسلم الالتزام بشرع الله كاملاً وأن يأتي بالعبادات كما أرادها الله سبحانه وتعالى، بأن تكون هذه العبادات محققة لثمارها الإيجابية في سلوك المسلم وحياته، وأما إن كانت الصلاة مجرد حركات خالية من روحها والصوم مجرد جوع وعطش، والزكاة للرياء والسمعة والحج للشهرة واللقب فقد خاب المسلم وخسر وحبط عمله وكان من المفلسين يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم وابن حبان والترمذي والبيهقي وأحمد. وبناء على كل ما تقدم نرى أن المعاصي والآثام لها تأثير واضح في الصيام فهي تفسد المعنى الحقيقي للصيام ولكنها لا تعد من المفطرات.
علامات التقوى
قد رأينا في المحور السابق ثمرات التقوى، والآن ننظر في علاماتها، وقد يكون تحقق الثمرات أو عدم تحققها علامةً على وجود التقوى أو عدم وجودها، ومن ثمّ فهناك علاقة بين المحورين!
لكن هذا المحور يتميّز بأنّه يستهدف قياس مدى تحقّق التقوى وثمراتها في نفوسنا، فنقول:
الله سبحانه وتعالى يجعل حكمة الصيام التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهل للتقوى علامات نستطيع من خلالها أن نراجع أنفسنا: هل ظهرت فينا ثمرةُ الصيام أم لا؟ أم أنَّنا نصوم ونقوم ولا تظهر نتائجُ صيامنا وقيامنا؟
هناك معيار في القرآن، يتكون من ستّ علاماتٍ، يستطيع الإنسان من خلالها أن يعرفَ ما إذا كانت التقوى قد حلَّت في كينونته، وعندئذٍ يلزمها ويستمسك بها، أو أنّها لم تحلّ، فهو مدعوٌّ عندئذٍ إلى مراجعة نفسه ومحاسبتها بناءً على هذه العلامات القرآنية الستة:
يذكر الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني هذه العلامات على النحو التالي:
1 - أن يشعر يتغير في باطنه مختصرُه ومضمونُه زيادةُ تعظيم لدين الله:
قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وجمهور المفسرين على أن المقصود من شعائر الله في هذه الآية دينه.
فقد كنت تعظم القانون الذي وضعه الإنسان، وتعظم دين الله، فرأيت بعد الصيام أن تعظيم دين الله أصبح تعظيمًا يفوق كل تعظيم ..
وكنت تعظم دين الله وتعظم الدنيا، فرأيت بعد الصيام أنك تعظم دين الله تعظيمًا يفوق تعظيمك للدنيا ..
وكنت تعظم الأولاد، وتعظم الأسرة، وتعظم الصديق ... فلما دخلت في مدرسة الصيام نظرت إلى قلبك فوجدت أنه يعظم دين الله تبارك وتعالى تعظيمًا يفوق كل تعظيم ..
وماذا يعني هذا؟ أهي شعارات أم أنها قضية عملية؟
فعلى مستوى المعاملة، وعلى مستوى العبادة، وعلى مستوى كل سلوك ... نجد توجيهًا في دين الله تبارك وتعالى يخص تلك العبادة أو المعاملة، ولا يوجد في حياتنا سلوكية إلاَّ ونجد في كتاب الله تبارك وتعالى توجيهًا يخصها، فإذا أردت أن تعامل الزوجة رأيت في القرآن توجيهًا، وإذا أردت أن تعامل الولد رأيت في القرآن توجيهًا، وإذا أردت أن تتعامل مع الناس بالمال وجدت في القرآن توجيهًا، وإذا أردت أن تتعامل مع الحاكم وجدت في القرآن توجيهًا، وإذا أردت أن تتعامل مع المحكوم وجدت في القرآن توجيهًا، وإذا أردت أن تتعامل على مستوى الاجتماع والاقتصاد، أو على مستوى السياسة، أو على مستوى الأحوال الشخصية، أو على المستوى الشخصي ... ستجد في دين الله تبارك وتعالى توجيهًا ...
فإذا كان انفعال قلبك لهذا التوجيه على جهة التعظيم، فقد ظهرت العلامة الأولى، وإذا كنت تنظر إلى هذا التوجيه الذي يوجهك فيه ربّنا تبارك وتعالى فتراه أمرًا يتساوى مع ما تسمعه من كلام الناس، فالعلامة الأولى من علامات التقوى لم تظهر فيك.
2 - أن يظهر فيك شعور تقديم خيرية الآخرة على خيرية الدنيا:
قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32] فدلَّت هذه الآية على أن المتّقي يكون في حالةٍ يشعر فيها بخيرية الآخرة على الدنيا، فيشعر في باطنه أن الذي ينتظره في الآخرة لا يمكن في حالٍ من الأحوال أن يُقارَن بالعاجل الذي تمتد يده إليه في الدنيا، فالدنيا دارُ اختبارٍ وامتحان، فقد تنال فيها بعضًا من الحظ والنصيب وقد لا تنال، لكنها ممرٌّ إلى الآخرة، والدين يضبط حالة مرورنا في هذه الدنيا ويوجهها، لكنه لا يجعل الدنيا مقصودًا في رحلة السفر.
وعندما نقرأ في القرآن قصة سحرة فرعون نموذجًا من النماذج التي ينبغي على من يريد اختبار التقوى في قلبه أن يكررها كثيرًا، لأنها قصة عملية واقعية ليست من نسج الخيال، فإننا نقرأ قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} [طه: 70].
فرعون يملك مُتع الدنيا ويعدهم بكل شيء منها، ويعدهم أن تكون متع الدنيا تلك طوع أيديهم، لكنهم يرون الحق ساطعًا يخرجه موسى عليه الصلاة والسلام بإذن الله.
إنه الحق الذي يقول: لا إله إلاّ الله ..
الحق الذي يقول: لا ربّ إلاّ الله ..
الحق الذي يقول: لا عظيم إلاّ الله ..
إن الكون كله أداة بيد الله، وما فرعون وما يملكه إلاّ أداة من أدوات قدرة الله سبحانه وتعالى، وهذه حقيقة يغيب عنها أسرى العادة والمحسوس.
ففي قوله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} ظهرت حقيقة التقوى، ونحن نسجد في صلاة التراويح فهل سجودنا يماثل سجود السحرة الذين ألقوا سجدًا؟
{قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى، قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ} [طه: 70 - 71] إنه قاطع طريق، فكل شيء بإذن الواحد، وفرعون يريد أن يجعل إذنه قاطعًا بين العبد وربه.
يا فرعون أنت وما تملكه من متاع، وما تزعمه من إذن، إنما هو بيد الله سبحانه وتعالى، ومندرج في منظومة الاختبار الدنيويّ.
{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه: 71] وهاهنا يجابهُ السحرةَ بأكذوبة توجّه إليهم وتُفترَى عليهم وهي: ما ظهر لكم مندرج في سحركم.
ويأتي الترهيب، فلا يتوقف الأمر عند منع العطاء، إنما يتجاوزه إلى التهديد الذي يصل إلى حد الإيذاء البدنيّ، لا إلى مستوى قطع المنافع، إنما يتجاوزه إلى مستوى قطع الأوصال.
{فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} [طه: 71]
وهكذا يفعل الجزارون .. وهكذا يفعل كثير من الحكام، الذين ما هم في حقائقهم إلا صور، لكن حقائقهم جزارون يذبحون شعوبهم، ويكذبون عليهم، والله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان ساوى بين الحاكم والمحكوم، علا أو لم يعلُ، كبيرًا كان أو صغيرًا ... فما هو إلاّ عبد من عباد الله، لكن الإنسان يطغى حين يرى بيده المحسوس.
{وَلأُصَلِّبَنَّ كُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] إنه التعذيب والتنكيل ..
إنه يهدد بإزاحة هذا القفص البدنيّ وتحطيمه وتهشيمه.
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71] فمن الذي سيبقى؟
سوف أزيحكم وأبقى .. هل تقدرون على تعذيبي؟ فأنا أقدر على تعذيبكم.
وهكذا يقف المقطوع عن النظر البعيد، وهكذا يقف الجاهل الذي حُرم أن يرى غير الدنيا.
وسنرى يا فرعون، وما هي إلاّ أيام وتكون غريقًا في البحر.
من أنت؟
أنت الذي تظن - بسبب كونك مخدوعًا بالحس - أنك مهيمن على الأشياء؟
أما نظرت إلى الجبابرة الذين سبقوك؟
من أنت؟
إن كنت أيها الإنسان أعلمَ من غيرك ففي يدك اختبار هو العلم، فتصرَّفْ فيه على أنك عبدٌ لله.
إن كان في يدك الحكم، أو المال، أو العيال ... فتذكر أنها أماناتٌ وضعها الله في يدك، وما أنت إلاّ عبد من عباد الله مختبر فيما آتاك الله، فاتَّقِ الله فيما آتاك.
إذا آتاك عيالاً أو حكمًا أو منصبًا أو جاهًا ... فأنت مختبر، ولا تتوهم إن كنت غنيًّا أنك فوق الفقير، وإن كنت عالمًا أنك فوق الجاهل .. لا، إنما اختبر الله كلاً منكم بشيء، وسوف تكون النتيجة هناك في الآخرة عندما يقف الجميع ويقول الله سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فهناك لن يكون من فارق بين غنيٍّ أو فقير أو حاكم أو محكوم، بل سيكون الجميع على قدم المساواة.
لكن ما الذي قاله سحرة فرعون بعدما سمعوا ما سمعوه من تهديد ووعيد؟
وها هنا تظهر حقيقة: {وَلَلدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 32].
إنه الاختيار الذي أنت مطالب به في كل لحظة، وينبغي أن تسأل نفسك في الموقف وفي اللحظة: هل هذا الموقف الذي أقفه أنفعُ لي في الآخرة أم أنه أضرُّ لي في الآخرة وأنفع في الدنيا؟
هذا هو السؤال الذي يعطيك العلامة الثانية من علامات التقوى.
وها هنا ينجح السحرة في الامتحان ويقولون: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: 72] فيقسمون بالله أنهم لن يؤثروا فرعون ومُلكَه على ما ظهر لهم من الحقّ، وهاهنا تظهر حقيقة التقوى، وهاهنا يرى هذا المتقي.
ورحم الله أبا العلاء المعرّي الذي كان يقول في شعره:
جَهِلَ الديانةَ مَنْ إذا عَرَضَتْ لهُ أطماعُهُ لم يُلْفَ بالمتمَاسِكِ
فالمطامع تحرفه وتصرفه، ولا يُرى ثابتًا على منهاجه.
ثم قالوا: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] هاهنا تظهر حقيقة التقوى.
إذًا: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} حقيقة يراها المتقي.
وكذلك: {وَلَلدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
وَ: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}
ولما جرحت أصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق صار يكرر أبياتًا لعبد الله بن رواحة الصحابيّ الجليل ويقول فيها:
إنْ أنتِ إلاَّ أصبعٌ دَمِيتِ وفي سبيلِ اللهِ ما لَقيتِ
فينبغي على المؤمن الذي يريد حقيقة التقوى أن يرتقي إلى هذا المستوى فيقول لجسده: ما أنت أيها الجسد إلاّ مطية أرحل من خلالها إلى الآخرة، فالمقصود عندي هو الآخرة، مقصودي هو الله.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
يقول السحرة: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 70 - 73]
3 - أن تشعر بالطمأنينة والأمان: وقد قال أهل المعرفة رحمة الله عليهم: "العارف مطمئن".
أي أن يزول من باطنك الاضطراب، فتكون مستشعرًا حالة السكينة وحال الأمن، حتى وإن تخرب ظاهرك، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35] إنهم يعيشون حالة السرور بربهم، ويعيشون في بواطنهم حالة السكينة والطمأنينة.
نعم، لأنهم تولَّوا ربهم وحده، فتولاهم الله، فكانوا أولياءه، ألم تقرؤوا في كتاب الله قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63].
إذًا: هذا الشعور الباطن بالسكينة إنما أنتجته الثقة بالله، وأنتجته الطمأنينة بالله، وأنتجه الاعتماد على الله، وأنتجه التوكل على الله ..
ومما قرأت في سيرة الولي إبراهيم بن الأدهم رحمة الله عليه أنه مرة كان يصلي، وإذا سبع كبير جلس إلى جانبه، فلما انتهى إبراهيم بن أدهم من الصلاة نظر فوجد السبع يمكث إلى جانبه يزمجر، لكن باطن إبراهيم لا يهتز، ويقول إبراهيم بن أدهم لهذا السبع: "إن كنت أُمرت فينا بأمر فامضِ لما أمرت به، وإلاّ فانصرف أيها الخبيث".
- إن كنت أمرت فينا بأمر، أي أرسلك الله سبحانه وتعالى لتنفذ أمرًا من أجل أن نرحل من هذه الدنيا إلى الآخرة، ولتخلصنا من قضية الاختبار هذه التي نحن فيها في حالة من المشقة والمجاهدة.
- فامضِ لما أمرت به، لما تنتظر؟
- وإلاّ فامضِ أيها الخبيث.
فما كان من ذلك السبع إلاّ أن حنى رأسه ثم أدار ظهره وولى.
إنها الطمأنينة بالله ..
إنها حال استقرار الباطن التي لا يعرفها المضطربون بسبب المادة.
نعم، لقد حدث مثل هذا في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى سفينة مولى رسول الله سبعًا في الصحراء، فجاء إليه ثم قال له: دلني على الطريق فإنني ضللت الطريق، فما كان من ذلك السبع إلاّ أن مشى أمامه فدله على الطريق.
وقطع يومًا سبع من السباع الطريق على الناس، فجاء إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فأزاحه بيده عن طريق الناس.
إذًا: العلامة الأولى: تعظيم دين الله.
العلامة الثانية: تقديم الآخرة على الدنيا، فيشعر في باطنه بهذه الخيرية، خيرية الدار الآخرة على الدنيا.
العلامة الثالثة: الطمأنينة والسكون الباطن الذي يشعر به اعتمادًا على الله واستنادًا إلى عظيم قدرته، وجلال مقام ربوبيته.
4 - أنه لا يخاف إضرار العدو به: وهذه قضية في غاية الدقة، حينما نفهمها أنها إضرار العدو بالمال أو الجسد لا نستطيع فهمها، لكن حينما نفهمها كما فهمنا قصة سحرة فرعون سنرى أن فرعون لم يكن قادراً على الإضرار بهم.
والتفسير المادّيّ للنصّ الذي سأقرؤه مُشكل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول فيه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120] فمهما كاد الأعداء بدينكم سيبقى دينَكم.
مهما كاد الأعداء ليكونوا متفوقين على قدرة الله فلن يكونوا متفوقين ..
مهما كاد الأعداء من أجل أن يجعلوا الإسلام مساويًا لغيره فلن يكون هذا، والله لا يساوي بين الإسلام وغيره، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
مهما كاد أعداء الله من أجل أن يقلبوا الحقائق فلن يصلوا إلى ذلك ..
نعم، ربما يؤثّرون على الأبدان، وعلى الأموال: {وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} أي الخوف الظاهر لا الباطن {وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] فهذا من سنة الله سبحانه، أما الإضرار الذي هو نتيجة نهائية، فهل استطاع فرعون أن يضر بالسحرة؟ لا ..
لقد قُتل السحرة وغرق فرعون وفاز السحرة، وصاروا في الجنة عند الله، وصار فرعون في الدرك الأسفل من النار.
فتأتي العلاقة الرابعة هذه زيادة في البيان على ما تقدم في العلامة الثالثة، لأن العلامة الثالثة أمن واستقرار عام، أما العلامة الرابعة فإنها تخص ما يمكن أن يضطرب به قلب مؤمن، وهو كيد العدو.
5 - الأوبة العاجلة إلى الله عند حصول الزلل:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 101]
لا تستمروا على الزلل .. ولا تستمروا على المعصية ..
فإن غلبتك نفسك لحظة تذكَّرْتَ الله فرجعت إليه، وانطرحت في أعتابه باكيًا نادمًا ساجدًا، وتقول له: عدت إليك يا رب.
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} فلا يدومون على الزلل، لأن المعصوم من الزلل هم رسل الله، أما المؤمنون فلربما تزل أقدامهم لحظة بسببٍ ما، لكنهم سرعان ما يعودون، وسرعان ما يتوبون، وسرعان ما يؤوبون، وسرعان ما تعود إليهم حقيقة تعظيم دين الله تبارك وتعالى التي تقدمت في العلامة الأولى ..
6 - انفعال السماء والأرض للمتَّقي بالبركة: فيرى المتقي بعد ثباته على التقوى أن بركة السماء تخصه بأمر، وأن بركة الأرض تخصه بأمر، ونقرأ هذا في قوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} على التنكير، ولم يقل: البركات، ليكون كلٌّ مختصًّا ببركة من البركات، {مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96] لكانت زياداتٌ خاصة جاءتهم من السماء وجاءتهم من الأرض.
ومصداق هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ" فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ (الأرض السوداء البازلتية)، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ (مسيل ماء) قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلانٌ (لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ)، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ" لاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ.
وهكذا رأينا تفسيرًا عمليًّا يحكيه لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تنفعل السماء، وكيف تنفعل الأرض.
وهذا مثال من الأمثلة لا يراد منه الحصر إنما يراد منه إيراد المثل.
أخيرًا نعيد هذه العلامات الستة حتى نتذكرها ونجعلها ميزانًا لصيامنا: هل تظهر نتائج صيامنا التي هي علامات التقوى أم أننا ننقطع عن الطعام والشراب ونحن بعيدون عن حقيقة التقوى التي محلها القلب؟
قال صلى الله عليه وسلم: (التقوى ها هنا، التقوى هاهنا، التقوى ها هنا) وكان يشير إلى صدره صلى الله عليه وسلم.
1 - الشعور بتعظيم دين الله تبارك وتعالى تعظيمًا يفوق كل تعظيم.
2 - أن تشعر بخيرية الآخرة على الدنيا.
3 - وجود الأمن والسكينة والطمأنينة في باطنك.
4 - أن تشعر بالأمن من كيد العدو.
5 - الأوبة العاجلة إلى الله تعالى عند كل زلل.
6 - انفعال السماء والأرض للمتقي، وهذا قد يظهر كما قلت في أمثلة كثيرة، وتراه بعينك علامة حسية تُطَمْئِنُكَ وتثبّتك على منهج التقوى وعلى منهج شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
وقد كان بعض الأخوة يتحدثون عن العلاقة بين القرآن ورمضان على أنها العلاقة بين هذا الصائم وتلاوة القرآن، وقلت: لا، إن العلاقة بين رمضان والقرآن إنما هي علاقةٌ بالأمور الثلاثة التي جاء القرآن بها، والتي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم.
هذه هي العلاقة مع القرآن، فإذا تحصلت هذه العلاقة مع القرآن فقد صحت صلتك التي تصل فيها بين رمضان والقرآن، أما أن تجعل الصلة - كما هو الحال اليوم عند المسلمين - بين القرآن ورمضان تلاوة القرآن فقط، فهذه ليست العلاقة بالقرآن.
فالعلاقة بالقرآن: تلاوة، ثم علم، ثم تزكية، فإذا تحصَّل لك ذلك في رمضان فقد صحت صلتك بالقرآن في رمضان، وإذا لم تصح فإنك ما فارقت المنافقين بوصف من الأوصاف، لأن المنافقين يقرؤون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم.
وأذكر هذا لأنه ذو صلة بموضوع البحث الذي هو علامات التقوى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
رُدَّنا اللهم إلى دينك ردًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
فضل التوبة في رمضان
اللجنة العلمية
حقيقة الحياة الدّنيا أنّها دارُ ابتلاء!
نوع الابتلاء:
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه أن النبَّيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: (حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره).
قال في مرقاة المفاتيح:
"(حُجِبَتِ النَّارُ) أَيْ: أُحِيطَتْ (بِالشَّهَوَاتِ) : كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا (وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ):
كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ".
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
مَعْنَاهُ لَا يُوصَلُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَكَارِهِ، وَلَا يُوصَلُ إِلَى النَّارِ إِلَّا بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ، وَكَذَلِكَ بِهَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا، فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ، فَهَتْكُ حِجَابِ الْجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ الْمَكَارِهِ، وَهَتْكُ حُجُبِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ!
وَأَمَّا الْمَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَالْعَادَاتُ، وَالْمُوَاظَبَة ُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الَّتِي النَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الْمُبَاحَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذَا اهـ.
وَيُنَاسِبُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ بَنَى مَكَّةَ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ وَالدَّرَجَاتِ» " أَيْ: لَا تَحْصُلُ دَرَجَاتُهَا إِلَّا بِالتَّحَمُّلِ عَلَى مَكْرُوهَاتِهَا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
إذن، هذا الحديث الشريف يجسد حقيقة الابتلاء في الحياة الدنيا، فالنّار المخوفةُ طبعاً، حُجِبت بالشهواتِ ذات اللذة العارضة، حتى نسي النّاس ذلك الخطر الذي يتهدّدهم.
والجنّة المُحبَّبة بما ورد من أنّ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حُجِبت بالمكاره والمقصود بها إلزام النفس بالحقِّ، المخالف لشهوتها وهواها، فصارت هذه المكاره مانعاً من التوجه نحو الجنّة وما أعدّ الله فيها لعباده من النعيم!
يؤكد معنى هذا الحديث قولُه صلى الله عليه وسلم:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)!
حقيقة الحياة الدنيا: صورة تمثيلية:
قال الإمام ابن القيّم:
مثل أهل الدنيا في غَفْلتهم، مثل قومٍ رَكِبوا سفينة، فانتهتْ بهم إلى جزيرة، فأمَرَهم الملاَّح بالخروج لقضاء الحاجة، وحذَّرهم الإبطاءَ، وخوَّفهم مرورَ السفينة، فتفرَّقوا في نواحي الجزيرة، فقَضَى بعضُهم حاجته، وبَادَرَ إلى السفينة، فصَادَف المكان خاليًا، فأخَذَ أوْسَعَ الأماكن وألْيَنَها وأوْفَقَها لِمُراده، ووقَف بعضُهم في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، ويسمع نَغَمات طيورها، ويُعجبه حُسْنُ أحجارها، ثم حدَّثَتْه نفسُه بفَوْت السفينة، وسرعة مُرورها، وخَطَرِ ذَهابها، فلم يصادِفْ إلاَّ مكانًا ضَيِّقًا، فجلس فيه، وأكبَّ بعضُهم على تلك الحجارة المستحسنة، والأزهار الفائقة، فحمل منها حملَه، فلمَّا جاء لَم يجدْ في السفينة إلاَّ مكانًا ضعيفًا، وزاده حمله ضِيقًا، فصارَ محمولُه ثقلاً عليه ووبالاً، ولَم يَقْدِرْ على نبذه، بل لَم يجدْ من حملِه بُدًّا، ولَم يجدْ له في السفينة موضعًا، فحَمَله على عاتقه، ونَدِم على أخْذه، فلم تنفعْه النَّدَامة، ثم ذَبُلَتِ الأزهار وتغيَّرت رائحتُها، وآذاه نتنُها، وتولج بعضُهم في تلك الغياض، ونَسِي السفينة، وأبعد في نزهته؛ حتى إنَّ الملاَّح نادَى الناسَ عند دَفْع السفينة، فلم يَبلغْه صوتُه؛ لاشتغاله بملاهيه، فهو تارة يتناول من الثمر، وتارة يشمُّ تلك الأنوار، وتارة يعجب من حُسن الأشجار، وهو على ذلك خائفٌ من سَبُع يخرج عليه، غير منفكٍّ من شوك يتشبَّثُ في ثيابه، ويدخل في قَدَميه، أو غُصن يجرحُ بَدَنه، أو عوسج يَخرِق ثيابه ويَهتك عورته، أو صوت هائل يُفزعه، ثم من هؤلاء مَن لَحِق السفينة ولَم يَبقَ فيها موضع، فماتَ على الساحل، ومنهم مَن شَغَله لَهْوه، فافترسته السباع، ونَهشتْه الحَيَّات، ومنهم مَن تاه، فهامَ على وجْهه حتى هَلك.
فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم مَوردَهم وعاقبةَ أمرهم، وما أقبح بالعاقل أن تَغرَّه أحجار ونبات يصير هشيمًا، قد شَغَل بالَه وعوَّقه عن نجاته ولَم يَصحبْه! ".
ويقول ابن بطال:
قوله (صلى الله عليه وسلم): (حجبت النار بالشهوات وحُجبت الجنة بالمكاره) من جوامع الكلم وبديع البلاغة فى ذم الشهوات والنَّهي عنها، والحض على طاعة الله، وإن كرهتها النُّفوسُ وشقَّ عليها؛ لأنه إذا لم يكن يوم القيامة غير الجنة والنار ولم يكن بدٌّ من المصير إلى إحداهما فواجب على المؤمنين السعى فيما يدخل إلى الجنة وينقذ من النار، وإن شق ذلك عليهم؛ لأن الصبر على النار أشق، فخرج هذا الخطاب منه (صلى الله عليه وسلم) بلفظ الخبر وهو من باب النهى والأمر.
وقوله: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) فدليل واضح أن الطاعات الموصلة إلى الجنة والمعاصى المقربة من النار قد تكون فى أيسر الأشياء، ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم): (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا؛ يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه). فينبغى للمؤمن ألا يزهد فى قليل من الخير يأتيه، ولا يستقل قليلاً من الشر يجتنيه فيحسبه هينًا، وهو عند الله عظيم، فإنَّ المؤمن لا يعلم الحسنة التى يرحمه الله بها، ولا يعلم السيئة التى يسخط الله عليه بها، وقد قال الحسن البصريُّ: من تُقُبِّلت منه حسنةٌ واحدة دخل الجنة. وقوله (صلى الله عليه وسلم): (أصدقُ كلمةٍ قالها الشاعر: ألا كلُّ شىءٍ ما خلا الله باطل) فالمراد به الخصوص؛ لأنَّ كل ما قرَّب من الله فليس بباطل، وإنما أراد أنَّ كل شيء من أمور الدنيا التى لا تئول إلى طاعة الله، ولا تقرب منه فهى باطل. (شرح صحيح البخارى لابن بطال 10/ 198).
كلُّ ابن آدمَ خطّاءٌ ولكن:
مقدمة:
إذا كانت حقيقة الحياة الدنيا أنها دار ابتلاء، فإنّ حقيقة الإنسان أنّه لا يبلغ كماله إلا شيئاً فشيئاً، ولذا فقد ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عيه وسلم: (كلُّ بني آدم خطّاءٌ، وخير الخطائين التوابون)! ولكن ينبغي للإنسان العاقل أن يتدرج في التخلي عن خطئه شيئاً فشيئاً، ولن يستطيع أن يتخلّى عنه تماماً، فقد كُتِبَ على الإنسان حظُّه من المعاصي والذنوب، مدركٌ ذلك لا محالة، فمستقل ومستكثر، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُو نَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) [رواه مسلم]!
إذن: من حقوق الإنسان في الإسلام: الحقُّ في أن يُخطئ!
ولكن لا بدّ من هذه القيود، فمن حقّ الإنسان أن يخطئ، ولكن ليس من حقّه:
1 - أن يتعمد الخطأ: يقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} (سورة الأحزاب).
2 - أن يقع في الخطأ مرةً بعد أخرى، بدون أن يحدث توبةً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) (متفق عليه) واللدغ هو العضُّ والإصابة من ذوات السُّموم كالعقرب والحية، والجُحر الثقب، والمعنى أن المؤمن ينبغي أن يكون حذراً بحيث لا يُخدع من جهةٍ واحدة مرتين! وهو في معنى المقصود.
3 - أن يرضى بالخطأ، بل الواجب عليه أن يُبادر بالاستغفار، وهذا هو الفارق بين المؤمن والمنافق، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يرويه البخاريُّ: "لمؤمن يري ذنبه كالجبل يخاف أن يقع عليه، والمنافق يري ذنبه كذبابٍ وقعَ على أنفه فقال به هكذا وهكذا".
بل ويجب عليه أن يجتهد من أجل إقامة صرح الحقِّ والحقيقة:
في نفسه أولاً، وفي كلّ ما له عليه ولايةٌ شرعيّة!
ثمّ فيما وراء ذلك!
أسباب الوقوع في الأخطاء والخطايا
سببان أساسيّان: النفس والشيطان!
النّفس:
"اتَّفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم، وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها.
فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها. وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم. فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك. قال تعالى:
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الحياةَ الُّدنْيَا * فَإنَّ الجحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنّ الجنَّةَ هِىَ المَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهى النفس عن الهوى. والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع المحنة والابتلاء"
الشيطان:
"من تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس، فإن النفس المذمومة ذكرت فى قوله: {إِن النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].
واللوامة فى قوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوَّامَةِ} [القيامة: 2].
وذكرت النفس المذمومة فى قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40].
وأما الشيطان فذكر فى عدة مواضع، وأفردت له سورة تامة. فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس، وهذا هو الذى لا ينبغي غيره، فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته، فهى مركبه وموضع شره، ومحل طاعته، وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذا لشدة الحاجة إلى التعوذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس فى موضع واحد، وإنما جاءت الاستعاذة من شرها فى خطبة الحاجة فى قوله صلى الله عليه وسلم: "وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا".
النفس والشيطان:
"وقد جمع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بين الاستعاذة من الأمرين فى الحديث الذى رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضى الله عنه:
"أَنّ أَبَا بكرٍ الصِّديقَ رَضى الله عنه قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِى شْيئاً أَقولُهُ إِذا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ قُلِ: اللهُمَّ عَالمَ الْغَيَبِ وَالشّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَىْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِى سُوءًا أَوْ أَجرهُ إِلَى مُسْلِمٍ، قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ".".
عن: (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) لابن القيم.
الحضُّ على التوبة!
الجميع بلا استثناء مدعوون إلى التَّوبة:
قال - تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (الزمر: 54).
وقال في شأن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 73).
ثم قال - جلّت قدرته - محرضًا لهم على التوبة: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 74).
وقال في حق أصحاب الأخدود الذين حفروا الحُفَر لتعذيب المؤمنين وتحريقهم بالنار: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (البروج: 10).
قال الحسن البصري رحمه الله: (انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة). اهـ.
بل إنه - عز وجل - حذّر من القنوط من رحمته فقال: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (من أيّس عبادَ الله من التوبة بعد هذا؛ فقد جحد كتاب الله - عز وجل -).
والتوبةُ واجبةٌ على الفَوْرِ:
لا يجوزُ تأخيرُها ولا التسويفُ بها؛ لأنَّ الله أمَرَ بها ورسولُه، وأوَامِرُ الله ورسولِهِ كلُّها على الفورِ والمبادرةِ لأنَّ العبدَ لا يدري ماذا يحصلُ له بالتأخيرِ، فلعلَّهُ أن يَفْجَأَهُ الموتُ فلا يستطيعُ التوبةَ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ قَسْوةَ القلب وبُعْدَه عن الله عزَّ وجلَّ وضعفَ إيمانه، فإنَّ الإِيمانَ يزيْد بالطاعاتِ وينقصُ بالعصيانِ، ولأنَّ الإِصرارَ على المعصيةِ يوجبُ إلْفَهَا والتَّشبُّثَ بها، فإنَّ النفسَ إذا اعتادتْ على شيء صَعُبَ عليها فراقه، وحينئذ يعسرُ عليه التخلصُ من معصيتِه، ويفتحُ عليه الشيطانُ بابَ معاصٍ أخرى أكبرَ وأعظمَ مما كانَ عليه؛ ولِذَلِكَ قال أهلُ العلم وأربابُ السلوكِ: إن المعاصيَ بَرِيدُ الكفر ينتقلُ الإِنسانُ فيها مرحلةً مرحلةً حتى يزيغَ عن دينِه كلِّه، نسأل الله العافيةَ والسلامةَ.
ومن لم يتب في شهر التوبة، فمتى سيتوب؟
ومن لم يندم في شهر رمضان فمتى سيئوب؟ هاهو شهر رمضان، قد غلقت فيه أبواب النيران، وفتحت فيه أبواب الجنان، وصفدت فيه مردة الجان، وكُبِت فيه الشيطان، ها هو باب التوبة قد فتح، فليدخل فيه التائبون، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}، رمضان! شهر تغسل فيه الحوبات، وتنبذ فيه الخطيئات، فلا يخرجن هذا الشهر إلا وقد تبدلت الطباع، وتغيرت الأوضاع، وظهر أثر رمضان على الظاهر والباطن، هكذا نستلهم منه العبر، ونجني الدرر، من شهر البكاء والعبرات، والندم على ما فات، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، يا عالم الخفيات، يا مجيب الدعوات.
أيها الصَّائمون:
التّوبةُ خضوعٌ وانكسَار، وتذلُّل واستغفارٌ، واستِقالَة واعتِذار، وابتِعاد عن دواعِي المعصيةِ، ونوازِع الشرِّ، ومجالس الفِتن، وسُبُل الفساد، وأصحابِ السّوء، وقرَناء الهوى!
التوبةُ صفحةٌ بيضاء، وطهر ونقاء، وخشيَة وصفاء، وإشفاق وبكاء، وتضرُّع ونداء، وسؤالٌ ودعاء، وخوفٌ وحياء!
التوبة خجَل ووَجل، وعودة ورجوع، وانكسار وخضوع، وندم ونزوع، وإنابةٌ وتدارك، وخوف من المهالك!
التوبة يا عباد الله نجاةٌ من كلّ غمّ، ووقاية من كلّ همّ، وظفَرٌ بكلِّ مطلوب، وسلامةٌ من كلّ مرهوب، بابُها مفتوح، وخيرُها ممنوح، ما لم تغرغِر الروح، قال صلى الله عليه وسلم قال اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُون ِي أَغْفِرْ لَكُمْ" [أخرجه مسلم]!
فأكثروا -عبادَ الله- من التوبةِ والانكسار، والتذلُّل والاعتذار، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكثِر من التّوبةِ والاستغفار، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما رأيتُ أكثرَ استغفارًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) (رواه أحمد)، يقول صلواتُ ربي وسلامه عليه: " والله إني لأستغفِر الله وأتوب إليه في اليومِ أكثرَ من سبعين مرة " [أخرجه البخاريّ]، وقال عليه الصلاة والسلام: " يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإني أتوب في اليومِ مائة مرّةٍ " [أخرجه مسلم].
أيّها المسلمون،
هذه التوبةُ قد شُرِعت أبوابُها، وحلَّ زمانها، ونزل أوانُها، فاقطعوا حبائلَ التسويف، وهُبّوا إلى الرحيم اللطيف، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وإياكم وطول الأمل، والتواني والكسل، فالموت يفجأ الأجل، والقبر صندوق العمل، {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، وعن عبد الله بن عمَر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ اللهَ عزَ وجلَ يقبَل توبة العبدِ ما لم يغرغِر " [أخرجه الترمذي]، ألا لا تغترّوا بعيشٍ لا يدوم، وأمل معدوم، وتوبوا إلى الله عزّ وجلّ من كبائر الذنوب، وفادحات الخطوب، لتغفر لكم الصغائر والعظائم، قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً}، ألا فاحذروا عباد الله الظلم والجور، وتوبوا على الفورِ، وإياكم والإصرار، وتوبوا إلى العزيز الغفار، وأحدِثوا توبَةً لكلّ الذنوب التي وقعت، وتوبوا من المعاصِي ولو تكرَّرت، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}!
فيا عبدَ الله، لا تكن ممّن استغفِر الله بلسانِه، وقلبُه مصِرٌّ على المعصيةِ، وهو دائمٌ على المخالفة، وليكن الاستغفارَ باللسان، موافقاً الجَنان، مقروناً بصلاح الجوارِحِ والأركان، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، فأقبِلوا على الله بتوبةٍ نصوح وإنابة صادقة، وقلوبٍ منكسرة، وجِباه خاضِعة، ودموعٍ منسكِبة، فأنتم في شهر التوبة، والإحسان والكرامة، اللهمّ لك الحمد أن بلِّغتنا شهرَ رمضان!
فضائل عبودية التوبة
أما فضائلُ عبوديّةِ التوبةِ وأسرارُها، وبركاتُها فعديدة متنوعةٌ:
- فالتوبة سببُ الفلاح، وطريق السَّعادة، وبالتَّوبة تكفّر السيئات، وإذا حسُنت التوبة بدّل الله سيئاتِ صاحِبها حسنات.
- والتوبةِ من أحبِّ العبوديات إلى الله، فهو - تبارك وتعالى - يفرح بتوبة التائبين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «للهُ أفرحُ بتوبة العبد من رجل نزل منزلًا، وبه مهلكة، ومعه راحلتُه عليها طعامُه وشرابُه، فوضع رأسَهُ، فنام نومةً، ثم رفع رأسَهُ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلتُه؛ حتى اشتد عليه الحرُّ والعطشُ، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع، فنام نومةً، ثم رفع رأسه؛ فإذا راحلتُه عنده» رواه البخاري ومسلم.
ولم يجئ هذا الفرحُ في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حال التائب وقلبِه، ومزيدُ هذا الفرح لا يعبر عنه.
- والتوبة توجب للتائب آثارًا عجيبة من مقامات العبودية التي لا تحصل بدون التوبة؛ فتوجب له المحبةَ، والرقّةَ، واللطفَ، وشكرَ اللهِ، وحمدَه، والرضا عنه، فَرُتِّب له على ذلك أنواعٌ من النعم لا يهتدي العبد إلى تفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضْها أو يفسدْها.
- والتوبة تقتضي حصولَ الذلِ، والانكسارِ، والخضوعِ لله، وهذا أحبُّ إلى الله من كثير من الأعمال الظاهرة - وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة - فالذلُّ، والانكسارُ روحُ العبوديةِ، ولبُّها، ولأجل هذا كان الله - عز وجل - عند المنكسرةِ قلوبُهم، وكان أقربَ ما يكون من العبد وهو ساجد؛ لأنه مقامُ ذلٍّ وانكسار، ولعل هذا هو السِّرُ في استجابةِ دعوة المظلوم والمسافر والصائم؛ للكَسرة في قلب كل واحد منهم؛ فإن لوعةَ المظلومِ تُحْدِثُ عنده كسرةً في قلبه، وكذلك المسافر يجد في غربته كسرةً في قلبه، وكذلك الصوم، فإنه يكسر سَوْرةَ النَّفْسِ السَّبُعية الحيوانية كما قرَّر ذلك ابن القيم رحمه الله.
يقول ابن القيّم:
وَمِنْ مُوجِبَاتِ التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا: كَسْرَةٌ خَاصَّةٌ تَحْصُلُ لِلْقَلْبِ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ، وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِ الْمُذْنِبِ، لَا تَحْصُلُ بِجُوعٍ، وَلَا رِيَاضَةٍ، وَلَا حُبٍّ مُجَرَّدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَرٌّ وَرَاءَ هَذَا كُلِّهِ، تَكْسِرُ الْقَلْبَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ كَسْرَةً تَامَّةً، قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَأَلْقَتْهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ طَرِيحًا ذَلِيلًا خَاشِعًا، كَحَالِ عَبْدٍ جَانٍ آبِقٍ مِنْ سَيِّدِهِ، فَأُخِذَ فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنْجِيهِ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا وَلَا عَنْهُ غَنَاءً، وَلَا مِنْهُ مَهْرَبًا، وَعَلِمَ أَنَّ حَيَاتَهُ وَسَعَادَتَهُ وَفَلَاحَهُ وَنَجَاحَهُ فِي رِضَاهُ عَنْهُ، وَقَدْ عَلِمَ إِحَاطَةَ سَيِّدِهِ بِتَفَاصِيلِ جِنَايَاتِهِ، هَذَا مَعَ حُبِّهِ لِسَيِّدِهِ، وَشِدَّةِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَعِلْمِهِ بِضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ وَقُوَّةِ سَيِّدِهِ، وَذُلِّهِ وَعِزِّ سَيِّدِهِ.
فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى سَيِّدِهِ مِنْ هَذِهِ الْكَسْرَةِ، وَالْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ، وَالْإِخْبَاتِ، وَالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالِاسْتِسْلَا مِ لَهُ، فَلَلَّهِ مَا أَحْلَى قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ: أَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ وَذُلِّي إِلَّا رَحِمْتَنِي، أَسْأَلُكَ بِقُوَّتِكَ وَضَعْفِي، وَبِغِنَاكَ عَنِّي وَفَقْرِي إِلَيْكَ، هَذِهِ نَاصِيَتِي الْكَاذِبَةُ الْخَاطِئَةُ بَيْنَ يَدَيْكَ، عَبِيدُكَ سِوَايَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِي سَيِّدٌ سِوَاكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْخَاضِعِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، سُؤَالَ مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ، وَذَلَّ لَكَ قَلْبُهُ.
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ ... وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ ... وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آثَارِ التَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ فَلْيَتَّهِمْ تَوْبَتَهُ وَلْيَرْجِعْ إِلَى تَصْحِيحِهَا، فَمَا أَصْعَبَ التَّوْبَةَ الصَّحِيحَةَ بِالْحَقِيقَةِ، وَمَا أَسْهَلَهَا بِاللِّسَانِ وَالدَّعْوَى! وَمَا عَالَجَ الصَّادِقُ بِشَيْءٍ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ الْخَالِصَةِ الصَّادِقَةِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الْمُتَنَزِّهِي نَ عَنِ الْكَبَائِرِ الْحِسِّيَّةِ وَالْقَاذُورَات ِ فِي كَبَائِرَ مِثْلِهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا أَوْ دُونَهَا، وَلَا يَخْطُرُ بِقُلُوبِهِمْ أَنَّهَا ذُنُوبٌ لِيَتُوبُوا مِنْهَا، فَعِنْدَهُمْ - مِنَ الْإِزْرَاءِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَاحْتِقَارِهِم ْ، وَصَوْلَةِ طَاعَاتِهِمْ، وَمِنَّتِهِمْ عَلَى الْخَلْقِ بِلِسَانِ الْحَالِ، وَاقْتِضَاءِ بَوَاطِنِهِمْ لِتَعْظِيمِ الْخَلْقِ لَهُمْ عَلَى طَاعَاتِهِمْ، اقْتِضَاءً لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِمْ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ - مَا هُوَ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ، وَأَبْعَدُ لَهُمْ عَنْ بَابِهِ مِنْ كَبَائِرِ أُولَئِكَ، فَإِنْ تَدَارَكَ اللَّهُ أَحَدَهُمْ بِقَاذُورَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ يُوقِعُهُ فِيهَا لِيَكْسِرَ بِهَا نَفْسَهُ، وَيُعَرِّفَهُ قَدْرَهُ، وَيُذِلَّهُ بِهَا، وَيُخْرِجَ بِهَا صَوْلَةَ الطَّاعَةِ مَنْ قَلْبِهِ، فَهِيَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّهِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا تَدَارَكَ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ، وَإِقْبَالٍ بِقُلُوبِهِمْ إِلَيْهِ، فَهُوَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَإِلَّا فَكِلَاهُمَا عَلَى خَطَرٍ.
يقول ابن عطاء الله السكندري:
"ربما فتح لك باب الطَّاعة، وما يفتح لك باب القَبول، و ربما قضى عليك الذَّنب فكان سبباً في الوصول، فمعصيةٌ أورثت ذلاً و افتقاراً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً"!
رمضان هو شهر التوبة والغفران
يستحقّ شهر رمضان أن نصفه بأنّه شهر التوبة والغفران، لثلاثة أسباب:
أولاً: لأنّ شهر رمضان بطبيعته، وبدلالة النصوص الشرعية، يؤدي عند الالتزام بأحكامه والقيام بواجباته، إلى القضاء على الذنوب وآثارها في النفس!
ثانياً: لأنّ معركة المسلم في هذا الشهر المبارك، تكون في مواجهة عدوّها الأول: النَّفس منفردةً عن الشياطين التي تُصفَّد في هذا الشهر الكريم.
ثالثاً: لأنّ الإنسان فيه يجد على الخير أعواناً!
إذن نقف عند هذه الأسباب الثلاثة:
أولاً: رمضان محرقة للذّنوب وآثارها:
"من المعاني التي سُمي شهر الصيام بشهر رمضان , أنه شهرٌ ترتمض فيه الذنوب , أي تحترق , فرمضان مصدر رمض , أي احتراق , ومنه: الرمضاء , وهى بقايا الحريق. قال القرطبي - رحمه الله - ((إنما سُمِّي رمضان لأنه يرمض الذنوب , أي يحرقها بالأعمال الصالحة))
فشهر الصوم فيه تلك الخصوصية لذاته , فان مجرد صيامه إيمانا واحتساباً يحرق الذنوب , لقوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) , ويتأكد الإتيان على تلك الذنوب حرقاً بقيام ليلة القدر لقوله صلى الله علية وسلم (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً , غفر له ما تقدم من ذنبه).
ويلاحظ هنا: أن صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر , إنما جعل لمغفرة ما تقدم من الذنوب سوى الكبائر كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان لرمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
وإضافة إلى حرق الذنوب في رمضان مع الصيام والقيام , فبوسع المرء أن يوسع محرقة الذنوب , ليرمضها كلها , صغارها وكبارها وما تقدم منها وما تأخر باستيفائه لشروط التوبة النصوح من كل ذنب , استجابة لأمر الله {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} [التحريم]. وذلك بان يقلع عن الذنب في الحاضر , ويندم عما كان منه في الماضي , ويعزم على ألا يعود في المستقبل , مع رده المظالم إلى أصحابها , قال القرطبي في تفسير هذه الآية ((التوبة النصوح , قيل: هي التي لا عودة بعدها ,كما لا يعود اللبن إلى الضرع , وقال قتادة: النصوح الصادقة الناصحة , وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره …. وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة , ولا يقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط: خوف ألا تقبل , ورجاء أن تتقبل , وإدمان الطاعات))
والتوبة النصوح يُحافظ عليها بتكرار الاستغفار , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار ويقول (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) والاستغفار يحفظ أعمال الطاعة من الضياع وينقيها من النقائض , ولذلك جُعل ختاماً للأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فان كانت ذِكراً كان كالطابع عليها وان كانت لغواً كان كفارة لها , وهكذا صيام رمضان ينبغي أن يختم بالاستغفار , وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار , يأمرهم بان يختموا رمضان بالاستغفار والصدقة فان صدقة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرقع ما تخرّق من الصيام باللغو والرفث. وقد مرّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها - بسؤال العفو ليلة القدر , وطلب العفو استغفار!
ثانياً: رمضان مصفدةٌ للشياطين:
من أعظم ما ميّز الله به شهرَ رمضانَ المبارك؛ تصفيد الشياطين فيه، وإراحة الخلق من شرِّهم وضُرِّهم، وترك الفرصة مواتية لمن أسرف على نفسه بالذنوب أن يتوب، فمن صفَّدته الشياطين على مدى عامه المنصرم فلا يتحرك إلا في رضاها تغيّر به الحال فصار القيد على عدوّه، وأطلقه الله بعد قيده، وحرّره من أسر خصمه، فماذا بقي له إلا الفرار إلى الله؟!
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين (متفق عليه).
وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم:" أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، و تُغلُّ فيه مردة الشياطين، و فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم " (صحيح الجامع رقم 55).
وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم:" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن، و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، و ينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، و لله عتقاء من النار، و ذلك كل ليلة (صحيح الجامع رقم 759).
فرمضان فرصة عظيمة لكل مذنب ـ وكلنا ذاك الرجل ـ أن ينطلق في باحة الطاعة الرحبة بعد أن كان في قبضة الشيطان أو كاد، بعد أن فُكَّت عنه القيود، و حُلَّت الأصفاد.
ويعجب البعض من جرأة الناس على انتهاك حرمة الشهر المبارك بالولوج إلى سجن المعصية، والتلطخ بأوحال الذنوب، والوقوع في شراك السيئة، وقد فُقد المحرِّض، وزال الموسوس، وغاب المُزين …
فما معنى تصفيد الشياطين وما زال الناس يقعون في الذنوب والمعاصي؟!
والحقيقة أن هذا سؤال مهم، والأهم منه أن نُجيب عليه ..
فنقول: إنه لا يمكن لذي عينين أن يُنكر إقبال الناس على الخير في رمضان، وكفِّ الكثير منهم عن الكثير من الذنوب والعصيان، فها أنت ترى المساجد تمتلئ بعد قطيعة، والفقراء يغتنون بعد مسغبة، والقرآن يُتلى بعد هجر، وترى معالم الإيثار بعد مظاهر الأثرة، وتبصر النفوس تسكن، والضمائر ترتاح، والقلوب ترضى، والصلات تعود، والروابط تقوى، وغير ذلك مما لا تكاد تراه في غير رمضان، فهذا دليل ظاهر على الإقبال بعد الإدبار، والرجوع عقب التولي، وفي أعداد التائبين الرمضانيين ما يفوق العد والحصر، والمرد في ذلك الخير إلى تصفيد الشياطين وسلسلتهم لمنعهم من وسوستهم …
ومن الردود على هذا الإشكال والإجابة على السؤال، نقول:
* أن الشياطين لا تخلص فيه لِما كانت تخلص إليه في غيره، فتضعف قواها، وتقل وسوستها، لكنها لا تنعدم بالكلية
* وربما أن المراد بالتصفيد والسلسلة إنما هي للمردة ورؤوس الشياطين، دونما من دونهم، فيفعل الصغار ما عجز عن بعضه الكبار، وقيل العكس، فالمصفد الصغار، والمطلوق كبيرهم وزعيم مكرهم وكيدهم لأن الله أجاب دعوته بأن ينظره إلى يوم يبعثون، ليواصل الإغواء والإغراء والإضلال، وفي كلا الحالين فالعدد يقل، والوسوسة تضعف ..
* وربما أن المراد أن الصيام يستلزم الجوع، وضعف القوى في العروق وهي مجاري الشيطان في الأبدان، فيضعف تحركهم في البدن كأنهم مسلسلون مصفَّدون، لا يستطيعون حراكاً إلا بعسر وصعوبة، فلا يبقى للشيطان على الإنسان سلطان كما في حال الشبع والري ..
* وربما أن المراد أن الشياطين إنما تُغل عن الصائمين المعظمين لصيامهم، والقائمين به على وجه الكمال، والمحققين لشروطه ولوازمه وآدابه وأخلاقه، أما من صام بطنه ولم تصم جوارحه ولم يأت بآداب الصيام على وجه التمام، فليس ذلك بأهل لتصفيد الشياطين عنه ..
* وربما أن المراد أن الشياطين يصفدون على وجه الحقيقة، ويقيدون بالسلاسل والأغلال، فلا يوسوسون للصائم، ولا يؤثرون عليه، والمعاصي إنما تأتيه من غيرهم كالنفس الأمارة بالسوء ..
* والله أعلم بالمراد …
يقول ابن عبد البر في التمهيد:
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ أَوْ سُلْسِلَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْصِمُ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ فِي الْأَغْلَبِ مِنَ الْمَعَاصِي فَلَا يَخْلُصُ إِلَيْهِمْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ كَمَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ السَّنَةِ!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
فضل التوبة في رمضان
اللجنة العلمية
ثالثاً: وجدان المسلم في رمضان على الخير أعواناً:
ويجد المسلم في رمضان نوعين من الإعانة على الخير:
1 - أنَّ الملائكة تطلب من الله للصائمين ستر الذنوب ومحوها , كما في الحديث عن النبي , صلى الله عليه وسلم , قال في الصوام: وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة والملائكة خلق أطهار كرام. جديرون بأن يقبل الله دعاءهم , ويغفر لمن استغفروا له , والعباد خطاءون محتاجون إلى التوبة والمغفرة كما في الحديث القدسي الصحيح , يقول الله تعالى: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم فإذا اجتمع للمؤمن استغفاره لنفسه واستغفار الملائكة له , فما أحراه بالفوز بأعلى المطالب وأكرم الغايات. وهو شهر المواساة والإحسان , والله يحب المحسنين وقد وعدهم بالمغفرة والجنة والفلاح والإحسان أعلى مراتب الإيمان , فلا تسأل عن منزلة من اتصف به في الجنة وما يلقاه من النعيم وألوان التكريم. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ [الذاريات، الآية: 16]
2 - أنه موسم جماعيٌّ للعبادة وعمل الخير، يُشمّر فيه كثيرٌ من الناس عن ساعد الجدِّ، ويجتهدون من أجل مرضاة ربّهم، سبحانه وتعالى! فالجميع صائمون ليس بعض الناس فقط، وبالتالي فإنّ روح الخشوع والخضوع ترفرف في أجواء المجتمع، الأمر الذي يعين المقصرين، ويحفزهم على بذل مزيدٍ من الجهد، كما أنه يحفز المجتهدين إلى مزيدٍ من البذل من أجل الترقي في مراتب إحسان العبادة، والتّقرب إلى الله عزّ وجلّ.
يقول ابن رجب:
"وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَالْعَبْدُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُخْطِئُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ" وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ، وَالْأَمْرُ بِهِمَا، وَالْحَثُّ عَلَيْهِمَا، وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ». وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَغْفِرُوه ُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُه ُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» ". (جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 41)
إنَّ رمضان يأتي ومعه مفاتيح الغفران , فمن تسلمها منه اقبل على رب غفور ومن اعرض عنها فهو مغبون مخفور , مفّرط في حق نفسه إذ حرمها من نفحات العفو الإلهي المعروضة في شهر المغفرة , قال صلى الله عليه وسلم (رغِم أنف من أدركه رمضان ولم يغفر له) فهذا دعاء من صلى الله عليه وسلم على من فرطّ في اغتنام كل تلك الفرص المهيأة في شهر الصيام , فلقد اعذر الله لعبد أشهده رمضان , فكيف يدخل فيه ثم يخرج منه دون أن يتوب. إن الشياطين سلسلت فيه , وخمدت نيران الشهوات بالصيام , وانعزل الهوى , وصارت الدولة لحاكم العقل , ولم يبق للعاصي عذر , فأيُّ عذر لعبد شهد شهراً أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار , أيُّ عذر لتارك الطاعة في شهر الطاعة , الذي تعدل الطاعة في إحدى لياليه طاعة ألف شهر , أي عذر للعصاة في شهر يقال فيه يا باغي الخير أقبل , ويا باغي الشر أقصر ……؟! إنها الغفلة بغيومها والذنوب بثقلها , والتسويف بآثاره وآصاره , وطول الأمل بأوضاره وأضراره , فاللهم سلّم سلّم.
(اللهم تب علينا توبة ترضيك , وباعد بيننا وبين معاصيك وارزقنا توبة نصوحاً تصلح بها أحوالنا , وتكون خاتمة حسنة لأعمارنا ……. أمين)
الاغترار بإمهال الله للمسيئين!
وهذا من الجهل، ومما يصد عن التوبة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله - عز وجل - يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب؛ فإنما هو استدراج» ثم تلا قوله - عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 44 - 45). أخرجه أحمد ورجاله ثقات.
قال ابن الجوزي رحمه الله: (فكلُ ظالمٍ معاقبٌ في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كلُّ مذنبٍ ذنبًا، وهو معنى قوله - تعالى -: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء: من الآية 123). وربما رأى العاصي سلامة بدنه، فظن أنْ لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة).
وقال: (الواجبُ على العاقل أن يحذرَ مغبةَ المعاصي؛ فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبةُ، وربما جاءت مستعجلة).
وقال: (قد تبغت العقوبات، وقد يؤخرها الحلمُ، والعاقلُ من إذا فعل خطيئةً بادرها بالتوبة، فكم مغرور بإمهال العصاة لم يُمهل).
وهذا الاغترار ينتج عدّة أمورٍ كلّها سيّئة:
أولاً: تأجيل التوبة: فيجب على العبد - والحالة هذه - أن يتوب من ذنبه، وأن يتوب من تأجيل التوبة.
ثانياً: الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه: فهناك ذنوبٌ خفيةٌ، وهناك ذنوبٌ يجهل العبد أنها ذنوبٌ، ولا ينجي من ذلك إلا توبةٌ عامةٌ مما يعلمه من ذنوبه ومما لا يعلمه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» رواه البخاري في الأدب المفرد.
ثالثاً: ترك التوبة مخافةَ الرجوع للذنب، أو خوفًا من لمز الناس، أو مخافة سقوط المنزلة، وذهاب الجاه والشهرة: وهذا خطأ يجب تلافيه؛ فعلى العبد أن يعزم على التوبة، وإذا رجع إلى الذنب فليجدد التوبة مرة أخرى وهكذا، وعليه أن يدرك أنه إذا تاب عوّضه الله خيرًا مما ترك.
رابعاً: التمادي في الذنوب اعتمادًا على سعة رحمة رب العالمين: وهذا خطأ عظيم، فكما أن الله غفور رحيم فإنه شديد العقاب، {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام: من الآية 147)
خامساً: توبة الكذابين: الذين يهجرون الذنوب هجرًا مؤقتًا لمرض، أو عارض، أو مناسبة أو خوف، أو رجاء جاه، أو خوف سقوطه، أو عدم تمكُّن، فإذا أتتهم الفرصة رجعوا إلى ذنوبهم؛ فهذه توبة الكذابين، وليست بتوبة في الحقيقة.
ولا يدخل في ذلك من تاب، فحدثته نفسه بالمعصية، أو أغواه الشيطان بفعلها ثم فعلها، فندم وتاب؛ فهذه توبة صادقة، كما لا يدخل في ذلك الخطَرَاتُ ما لم تكن فعلًا متحققًا.
بِأَوَاخِرِهَا. وَالْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا ، وَالْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ. كَمَا قِيلَ:
لَا يَغُرَّنَّكَ صَفَا الْأَوْقَاتِ ... فَإِنَّ تَحْتَهَا غَوَامِضَ الْآفَاتِ
فَكَمْ مِنْ رَبِيعٍ نَوَّرَتْ أَشْجَارُهُ، وَتَفَتَّحَتْ أَزْهَارُهُ، وَزَهَتْ ثِمَارُهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ سَمَاوِيَّةٌ. فَصَارَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} [يونس: 24]- إِلَى قَوْلِهِ - {يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
فَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ كَبَا بِهِ جَوَادُ عَزْمِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ - وَقَدْ شُوهِدَ مِنْهُ خِلَافُ مَا كَانَ يُعْهَدُ عَلَيْهِ -: مَا الَّذِي أَصَابَكَ؟ فَقَالَ: حِجَابٌ وَقَعَ، وَأَنْشَدَ:
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالْأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ ... وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ
وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا ... وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الْكَدَرُ
لَيْسَ الْعَجَبُ مِمَّنْ هَلَكَ كَيْفَ هَلَكَ؟ إِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ نَجَا كَيْفَ نَجَا؟
تَعْجَبِينَ مِنْ سَقَمِي ... صِحَّتِي هِيَ الْعَجَبُ
النَّاكِصُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَنِ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ:
خُذْ مِنَ الْأَلْفِ وَاحِدًا ... وَاطَّرِحِ الْكُلَّ مِنْ بَعْدِهِ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ الْوَقْتِ: فَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِالسَّوَابِقِ، وَلَا بِالْعَوَاقِبِ. بَلِ اشْتَغَلُوا بِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ، وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَقَالُوا: الْعَارِفُ ابْنُ وَقْتِهِ. لَا مَاضِيَ لَهُ وَلَا مُسْتَقْبَلَ.
وَرَأَى بَعْضُهُمُ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَنَامِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَوْصِنِي. فَقَالَ لَهُ: كُنِ ابْنَ وَقْتِكَ.
شروط التوبة الخمس
والتوبةُ التي أمر الله بها هي التوبةُ النصوحُ التي تشتمِلُ على شرَائطِ التوبةِ وهي خمسةٌ:
* الأولُ: أن تكونَ خالِصةً لله عزَّ وجلَّ بأن يكونَ الباعِثُ لها حبَّ الله وتعظيمَه ورجاءَ ثوابِه والخوفَ من عقابِه، فلا يريدُ بها شيئاً من الدَنيا ولا تزَلُّفاً عند مخلوقٍ، فإن أراد هذَا لم تقبلْ توبتُه لأنَّه لم يَتُبْ إلى الله، وإنما تابَ إلى الغرضَ الَّذِي قصدَه.
* الثاني: أن يكونَ نادماً حَزِنًا على ما سلفَ من ذنبه يتمنَّى أنه لم يحصلْ منه؛ لأجلِ أن يُحْدِث له ذلكَ الندمُ إنابةً إلى الله وانكساراً بينَ يديه ومَقْتاً لنفسه التي أمَرَتْه بالسوءِ، فتكونُ توبتُه عن عقيدةٍ وبصيرةِ.
* الثالثُ: أنْ يُقْلِع عن المعصيةِ فوراً، فإن كانتِ المعصيةُ بفعلِ محرمٍ تَرَكَهُ في الحالِ، وإن كانتْ المعصيةُ بتركِ واجبٍ فَعَله في الحالِ إنْ كان مما يمكن قضاؤه كالزكاةِ والحجِّ، فلا تصحُّ التوبةُ مع الإِصرارِ على المعصيةِ، فلو قال: إنه تابَ من الرِّبا مثلاً وهو مستمرٌ على التعامُل به لم تصح توبته، ولم تكن توبته هذه إلا نوعَ استهزاء بالله وآياته لا تزيده مِنَ الله إِلاَّ بُعداً، ولو تابَ من تركِ الصلاةِ مع الجماعةِ وهو مستمرٌ على تركِها لم تصح توبتُه، وإذا كانتِ المعصيةُ فيما يتعلقُ بحقوقِ الخلقِ لم تصحَّ التوبةُ منها حتى يتخلَّصَ من تلك الحقوقِ، فإذا كانتْ معصيتُه بأخذِ مالٍ للغيرِ أو جحدِه لم تصح توبتُه حتى يؤدِّيَ المالَ إلى صاحبِه إن كان حيَّاً، أو إلى ورثتِه إن كان ميتاً، فإن لم يكنْ له ورثةٌ أَدَّاهُ إلى بيت المالِ، وإن كانَ لا يدري مَنْ صاحبُ المالِ تصدَّقَ به والله سبحانَه يعلمُ بِه، وإن كانتْ معصيتُه بغِيْبَةِ مسلم وجبَ أن يَسْتحلَّهُ من ذلك إن كانَ قد علمَ بِغيبتِه إيَّاه أو خافَ أن يَعلَمَ بِها، وإِلاَّ استغفَرَ له وأثْنَى عليهِ بصفاتِه المحمودةِ في المجلسِ الَّذِي اغتابَه فيه، فإن الحسناتِ يُذْهِبْن السيئاتِ.
وتصحُّ التوبةُ من ذنبٍ مَعَ الإِصرارِ على غيرِه، لأنَّ الأعمال تتبعَّضُ والإِيمانَ يتفاضلُ، لكن لا يستحقُّ الوصفَ المطلقَ للتوبةِ وما يستحقُّه التائبون على الإِطلاقِ من الأوصافِ الحميدةِ والمنازلِ العاليةِ حتى يتوبَ إلى الله من جميع الذنوبِ.
الشرط الرابعُ: أن يعزمَ على أن لا يعودَ في المستقبل إلى المعصيةِ؛ لأنَّ هذه ثمرةُ التوبة ودليل صدق صاحبها، فإن قالَ: إنه تائبٌ وهو عازمٌ أو متردِّد في فعلِ المعصيةِ يوماً مَّا لم تصح توبتُه؛ لأنَّ هذه توبةٌ مُؤقَّتةٌ يَتَحَيَّنُ فيها صاحبُها الْفُرَصَ المناسبةَ، ولا تدل على كراهيتِهِ للمعصيةِ وفرارِه منها إلى طاعةِ الله عزَّ وجل.
* الشرط الخامسُ: أن لا تكونَ بَعْدَ انتهاءِ وقتِ قبولِ التوبةِ، فإن كانتْ بعد انتهاءِ وقتِ القبولِ لم تُقْبَلْ، وانتهاءُ وقتِ القبولِ نوعانِ: عامٌ لكلِّ أحدٍ، وخاصٌ لكلِّ شخصٍ بنفسِه.
فأما العامُّ فهو طلوعُ الشمسِ من مغربها، فإذا طلعتْ الشمسُ من مغربها لم تنفع التوبةُ، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} والمرادُ ببعضِ الآياتِ طلوعُ الشمس من مغربها، فسَّرَها بذلك النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تزال التَّوبَةُ تُقْبَلُ حَتَّى تطلعَ الشَّمسُ من مغربها، فإذا طلعتْ طُبِعَ على كلِّ قلبٍ بِما فيهِ وكفَى الناسَ العملُ» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تابَ قبلَ أن تطلُعَ الشمس مِنْ مغربها تاب الله عليه» .
وأما الخاصُّ فهو عندَ حضورِ الأجلِ، فمتَى حضر أجلُ الإِنسانِ وعاينَ الموتَ لم تنفعْه التوبةُ ولم تُقْبلْ منه، قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} وعن عبد الله بن عمرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يَقْبَلُ تَوبةَ العبدِ ما لَمْ يغرغر» (3) يعني بروحه.
وَمَتَى صحَّتِ التوبةُ باجتماع شروطِها وقُبِلَت محا الله بها ذَلِكَ الذَّنْبَ الَّذِي تابَ منه وإن عَظُمَ، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}!
عقبات في طريق التوبة
حتى تكون توبتك في هذا الشهر المبارك، أخي المسلم، على بصيرةٍ، توبة صادقة، غير كاذبةً، فينبغي عليك أن تنتبه إلى طبيعة طريق التوبة، وهو طريقٌ فيه سبع عقباتٍ، يقف عندها الشيطان مريداً الظفَرَ بفريسته عند واحدةٍ منها، وهذه العقبات السبع، بَعْضُهَا أَصْعَبُ مِنْ بَعْضٍ، ولَا يَنْزِلُ الشيطان مِنَ العَقَبَة الشَّاقَّةِ إِلَى مَا دُونَهَا إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنِ الظَّفَرِ بِفريسته فِيهَا!
فانتبه أخي المؤمن إلى هذه العقبات، بادئاً بأخطرها، حتى تعمل على التخلص منه، ثم تنزل إلى ما هو دونها في الخطورة، مستعيناً في ذلك بحال العبودية التي يهيّؤها لك شهر رمضان الكريم، وقربك من القرآن الكريم:
[الْعَقَبَة الْأُولَى: عَقَبَة الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِدِينِهِ وَلِقَائِهِ، وَبِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَبِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ!]
ولا ينبغي للمسلم أن يستهين بهذه العَقَبَة، ويقول إنه بعيدٌ عن الوقوع فيها، ذلك أنّ الوقوع في بحر الشهوات والمعاصي، يوشك أن يقود الإنسان إلى الوقوع عند هذه العَقَبَة، ومن المعلوم أن المعاصي يمكن أن تصل بصاحبها إلى درجة الكفر العمليّ!
فينبغي عليك أخي المسلم أن تثبّت يقينك ومعرفتك بالله سبحانه وتعالى، وتعرفه بصفات كماله، وتثبتها له! وخير ما تستعين به على ذلك القرآن الكريم، فإنه يقرر هذا المبحث بكلّ وضوحٍ وبساطة!
المهم، َإِنَّهُ إِنْ ظَفِرَ إبليس بالمسلم فِي هَذِهِ العَقَبَةبَرُدَ تْ نَارُ عَدَاوَتِهِ وَاسْتَرَاحَ، فَإِنِ اقْتَحَمَ المسلم هَذِهِ الْعُقْبَةَ وَنَجَا مِنْهَا بِبَصِيرَةِ الْهِدَايَةِ، وَسَلِمَ مَعَهُ نُورُ الْإِيمَانِ طَلَبَهُ عدوّه عَلَى:
[العَقَبَة الثَّانِيَةِ: وَهِيَ عَقَبَة الْبِدْعَةِ]
إِمَّا بِاعْتِقَادِ خِلَافِ الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ، وَإِمَّا بِالتَّعَبُّدِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ مِنَ الْأَوْضَاعِ وَالرُّسُومِ الْمُحْدَثَةِ فِي الدِّينِ، الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَالْبِدْعَتَان ِ فِي الْغَالِبِ مُتَلَازِمَتَان ِ، قَلَّ أَنْ تَنْفَكَّ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَتْ بِدَعَةُ الْأَقْوَالِ بِبِدْعَةِ الْأَعْمَالِ، فَاشْتَغَلَ الزَّوْجَانِ بِالْعُرْسِ، فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا وَأَوْلَادُ الزِّنَا يَعِيثُونَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، تَضِجُّ مِنْهُمُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وهذه العَقَبَة تبدو واضحةً في حياة المسلمين، فالمذاهب البدعية والشركية والصوفية والصفويّة، لها وجودٌ في بلاد المسلمين، ولها دعاة نذروا أنفسهم لخدمتها! وعلى المسلم العاقل أن يراجع نفسه، متفكراً في حقيقة العبودية، وما تقتضيه من الاتباع الكامل للكتاب والسنة، وأن يدرك حقيقة أنّ كلّ بدعةٍ في الدين فهي ضلالٌ مبين!
فَإِنْ قَطَعَ هَذِهِ الْعُقْبَةَ، وَخَلَصَ مِنْهَا بِنُورِ السُّنَّةِ، وَاعْتَصَمَ مِنْهَا بِحَقِيقَةِ الْمُتَابَعَةِ، وَمَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ الْأَخْيَارُ! انتقل إلى العَقَبَة الثالثة.
[الْعَقَبَة الثَّالِثَةُ: وَهِيَ عَقَبَة الْكَبَائِرِ]:
فَإِنْ ظَفِرَ بِهِ فِيهَا زَيَّنَهَا لَهُ، وَحَسَّنَهَا فِي عَيْنِهِ، وَسَوَّفَ بِهِ، وَفَتَحَ لَهُ بَابَ الْإِرْجَاءِ، وَقَالَ لَهُ: الْإِيمَانُ هُوَ نَفْسُ التَّصْدِيقِ، فَلَا تَقْدَحُ فِيهِ الْأَعْمَالُ، وَرُبَّمَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِهِ وَأُذُنِهِ كَلِمَةً طَالَمَا أَهْلَكَ بِهَا الْخَلْقَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ مَعَ التَّوْحِيدِ ذَنْبٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ حَسَنَةٌ، وَالظُّفْرُ بِهِ فِي عُقْبَةِ الْبِدْعَةِ أَحَبُّ إِلَيْهِ، لِمُنَاقَضَتِهَ ا الدِّينَ، وَدَفْعِهَا لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَصَاحِبُهَا لَا يَتُوبُ مِنْهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَنْهَا، بَلْ يَدْعُو الْخَلْقَ إِلَيْهَا، وَلِتَضَمُّنِهَ ا الْقَوْلَ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَمُعَادَاةَ صَرِيحِ السُّنَّةِ، وَمُعَادَاةَ أَهْلِهَا، وَالِاجْتِهَادَ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ السُّنَّةِ، وَتَوْلِيَةِ مَنْ عَزَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَعَزْلَ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَاعْتِبَارَ مَا رَدَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَرَدَّ مَا اعْتَبَرَهُ، وَمُوَالَاةَ مَنْ عَادَاهُ، وَمُعَادَاةَ مَنْ وَالَاهُ، وَإِثْبَاتَ مَا نَفَاهُ، وَنَفْيَ مَا أَثْبَتَهُ، وَتَكْذِيبَ الصَّادِقِ، وَتَصْدِيقَ الْكَاذِبِ، وَمُعَارَضَةَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَقَلْبَ الْحَقَائِقِ بِجَعْلِ الْحَقِّ بَاطِلًا، وَالْبَاطِلِ حَقًّا، وَالْإِلْحَادَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَعْمِيَةَ الْحَقِّ عَلَى الْقُلُوبِ، وَطَلَبَ الْعِوَجِ الِصِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَفَتْحَ بَابِ تَبْدِيلِ الدِّينِ جُمْلَةً.
فَإِنَّ الْبِدَعَ تَسْتَدْرِجُ بِصَغِيرِهَا إِلَى كَبِيرِهَا، حَتَّى يَنْسَلِخَ صَاحِبُهَا مِنَ الدِّينِ، كَمَا تَنْسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، فَمَفَاسِدُ الْبِدَعِ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا إِلَّا أَرْبَابُ الْبَصَائِرِ، وَالْعِمْيَانُ ضَالُّونَ فِي ظُلْمَةِ الْعَمَى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
فَإِنْ قَطَعَ هَذِهِ الْعقبَةَ بِعِصْمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ تُنْجِيهِ مِنْهَا، طَلَبَهُ عَلَى:
[العَقَبَةالرَّا بِعَةِ: وَهِيَ عَقَبَة الصَّغَائِرِ]
فَكَالَ لَهُ مِنْهَا بِالْقُفْزَانِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ إِذَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ مَا غَشِيتَ مِنَ اللَّمَمِ، أَوَمَا عَلِمْتَ بِأَنَّهَا تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِالْحَسَنَات ِ، وَلَا يَزَالُ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَهَا حَتَّى يُصِرَّ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ مُرْتَكِبُ الْكَبِيرَةِ الْخَائِفُ الْوَجِلُ النَّادِمُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ، فَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَقْبَحُ مِنْهُ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا بِقَوْمٍ نَزَلُوا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَعْوَزَهُمُ الْحَطَبُ، فَجَعَلَ هَذَا يَجِيءُ بِعُودٍ، وَهَذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا حَطَبًا كَثِيرًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، فَكَذَلِكَ فَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ تَجْتَمِعُ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ يَسْتَهِينُ بِشَأْنِهَا حَتَّى تُهْلِكَهُ».
[الْعَقَبَة الْخَامِسَةُ: وَهِيَ عَقَبَة الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهَا]
فَشَغَلَهُ بِهَا عَنْ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَعَنْ الِاجْتِهَادِ فِي التَّزَوُّدِ لِمَعَادِهِ، ثُمَّ طَمَّعَ فِيهِ أَنْ يَسْتَدْرِجَهُ مِنْهَا إِلَى تَرْكِ السُّنَنِ، ثُمَّ مِنْ تَرْكِ السُّنَنِ إِلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَقَلُّ مَا يُنَالُ مِنْهُ تَفْوِيتُهُ الْأَرْبَاحَ، وَالْمَكَاسِبَ الْعَظِيمَةَ، وَالْمَنَازِلَ الْعَالِيَةَ، وَلَوْ عَرَفَ السِّعْرَ لَمَا فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَلَكِنَّهُ جَاهِلٌ بِالسِّعْرِ.
فَإِنْ نَجَا مِنْ هَذِهِ العَقَبَةبِبَصِ يرَةٍ تَامَّةٍ وَنُورٍ هَادٍ، وَمَعْرِفَةٍ بِقَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالِاسْتِكْثَا رِ مِنْهَا، وَقِلَّةِ الْمُقَامِ عَلَى الْمِينَاءِ، وَخَطَرِ التِّجَارَةِ، وَكَرَمِ الْمُشْتَرِي، وَقَدْرِ مَا يُعَوِّضُ بِهِ التُّجَّارَ، فَبَخِلَ بِأَوْقَاتِهِ، وَضَنَّ بِأَنْفَاسِهِ أَنْ تَذْهَبَ فِي غَيْرِ رِبْحٍ، طَلَبَهُ الْعَدُوُّ عَلَى:
[العَقَبَةالسَّا دِسَةِ: وَهِيَ عَقَبَة الْأَعْمَالِ الْمَرْجُوحَةِ الْمَفْضُولَةِ مِنَ الطَّاعَاتِ]:
فَأَمَرَهُ بِهَا، وَحَسَّنَهَا فِي عَيْنِهِ، وَزَيَّنَهَا لَهُ، وَأَرَاهُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ وَالرِّبْحِ، لِيَشْغَلَهُ بِهَا عَمَّا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَأَعْظَمُ كَسْبًا وَرِبْحًا، لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ تَخْسِيرِهِ أَصْلَ الثَّوَابِ، طَمِعَ فِي تَخْسِيرِهِ كَمَالَهُ وَفَضْلَهُ، وَدَرَجَاتِهِ الْعَالِيَةَ، فَشَغَلَهُ بِالْمَفْضُولِ عَنِ الْفَاضِلِ، وَبِالْمَرْجُوح ِ عَنِ الرَّاجِحِ، وَبِالْمَحْبُوب ِ لِلَّهِ عَنِ الْأَحَبِّ إِلَيْهِ، وَبِالْمَرْضِيّ ِ عَنِ الْأَرْضَى لَهُ.
وَلَكِنْ أَيْنَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْعُقْبَةِ؟ فَهُمُ الْأَفْرَادُ فِي الْعَالَمِ، وَالْأَكْثَرُون َ قَدْ ظَفِرَ بِهِمْ فِي الْعُقْبَاتِ الْأُوَلِ.
فَإِنْ نَجَا مِنْهَا بِفِقْهٍ فِي الْأَعْمَالِ وَمَرَاتِبِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَنَازِلِهَا فِي الْفَضْلِ، وَمَعْرِفَةِ مَقَادِيرِهَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ عَالِيهَا وَسَافِلِهَا، وَمَفْضُولِهَا وَفَاضِلِهَا، وَرَئِيسِهَا وَمَرْءُوسِهَا، وَسَيِّدِهَا وَمَسُودِهَا، فَإِنَّ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ سَيِّدًا وَمَسُودًا، وَرَئِيسًا وَمَرْءُوسًا، وَذِرْوَةً وَمَا دُونَهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» الْحَدِيثَ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «الْجِهَادُ ذِرْوَةُ سَنَامِ الْأَمْرِ» وَفِي الْأَثَرِ الْآخَرِ " إِنَّ الْأَعْمَالَ تَفَاخَرَتْ " فَذَكَرَ كُلُّ عَمَلٍ مِنْهَا مَرْتَبَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَكَانَ لِلصَّدَقَةِ مَزِيَّةٌ فِي الْفَخْرِ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يَقْطَعُ هَذِهِ الْعُقْبَةَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالصِّدْقِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ، السَّائِرِينَ عَلَى جَادَّةِ التَّوْفِيقِ، قَدْ أَنْزَلُوا الْأَعْمَالَ مَنَازِلَهَا، وَأَعْطَوْا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَإِذَا نَجَا مِنْهَا لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عُقْبَةٌ يَطْلُبُهُ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا سِوَى وَاحِدَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا مِنْهَا رُسُلُ اللَّهِ وَأَنْبِيَاؤُهُ ، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ، وَهِيَ:
[العَقَبَة السابعة: عَقَبَة تَسْلِيطِ جُنْدِهِ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى، بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، عَلَى حَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي الْخَيْرِ]
فَكُلَّمَا عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ أَجْلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، وَظَاهَرَ عَلَيْهِ بِجُنْدِهِ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ حِزْبَهُ وَأَهْلَهُ بِأَنْوَاعِ التَّسْلِيطِ، وَهَذِهِ الْعَقَبَة لَا حِيلَةَ لَهُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ كُلَّمَا جَدَّ فِي الِاسْتِقَامَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالْقِيَامِ لَهُ بِأَمْرِهِ، جِدَّ الْعَدُوُّ فِي إِغْرَاءِ السُّفَهَاءِ بِهِ، فَهُوَ فِي هَذِهِ العَقَبَةقَدْ لَبِسَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ، وَأَخَذَ فِي مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ، فَعُبُودِيَّتُه ُ فِيهَا عُبُودِيَّةُ خَوَاصِّ الْعَارِفِينَ، وَهِيَ تُسَمَّى عُبُودِيَّةَ الْمُرَاغَمَةِ، وَلَا يَنْتَبِهُ لَهَا إِلَّا أُولُو الْبَصَائِرِ التَّامَّةِ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مُرَاغَمَةِ وَلِيِّهِ لِعَدُوِّهِ، وَإِغَاظَتِهِ لَهُ، وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]
التوبة والمحاسبة
العلاقة بين التوبة والمحاسبة، علاقة وثيقة!
يقول ابن القيّم عن المحاسبة أنّها: "قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا عَرَفَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ أَخَذَ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَهُوَ التَّوْبَةُ.
وَصَاحِبُ الْمَنَازِلِ قَدَّمَ التَّوْبَةَ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ رَأَى التَّوْبَةَ أَوَّلَ مَنَازِلِ السَّائِرِ بَعْدَ يَقَظَتِهِ، وَلَا تَتِمُّ التَّوْبَةُ إِلَّا بِالْمُحَاسَبَة ِ، فَالْمُحَاسَبَة ُ تَكْمِيلُ مَقَامِ التَّوْبَةِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُحَاسَبَة ِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى حِفْظِ التَّوْبَةِ، حَتَّى لَا يَخْرُجَ عَنْهَا، وَكَأَنَّهُ وَفَاءٌ بِعَقْدِ التَّوْبَةِ".
وممّا يقتضيه سعيُ الإنسانِ المخلص إلى ميل مرضاة ربّه في هذا الشهر الكريم، أن يجتهد في حساب نفسه ومحاسبتها، وأن يعمل على إعداد بيانٍ عن عيوبها وذنوبها المستعصية، وعاداتها السّيّئة القارة في سويداء فؤاده ليبدأ علاجها جديا في رمضان، وكذلك أن يعدّ قائمة بالطاعات التي سيجتهد في أدائها ليُحاسب نفسه بعد ذلك عليها، ولا يستهن بها!
وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود قوله: "إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ".
لماذا المحاسبة الجادة؟
لأنَّ همَّة أبناء الآخرة تأبى إلا الكمال، وأقلُّ نقص يعدُّونه أعظم عيب، قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
وعلى قدر نفاسة الهمَّة تشرئبُّ الأعناق، وعلى قدر خساستها تثَّاقل إلى الأرض، قال الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وهذا رد على من يقول: ومن لنا بمعصومٍ عن عيبٍ غير الأنبياء ويُردد:
من ذا الذي تُرجَى سجاياه كلُّها كفى بالمرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه
فإن هذه القاعدة في التعامل مع الناس، أمَّا معاملة النفس، فهي مبنية على التهمة، وعلى طلب الكمال وعدم الرِّضا بالدون:
فإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ
متى يكون التدرج ومتى يكون الحسم؟
فذاك السالك دومًا يستكمل عناصر الإيمان، كلَّما علم أنَّ ثمة ثُلمة، يعزم لذلك عزمة (تأمل) فإذا شرع في الاستكمال، أدرك ضرورةَ الصفاء فيه، وأن يرفأ ويرتُق بجنس ما وهبه الله من خير آنفًا لئلاً يفضحه النشاز (وجود العيب مع خصال الحُسن) فيعزم لذلك عزمة أخرى فثالثة تستدعي رابعة في نهضات متوالية حتى يصيب مراده. (أي استكمال عناصر الإيمان).
هذه العزمات المتوالية تستحثَّها في كل زمان!
ولكن قد يتسرطن عيبٌ ويتجذّر ذنبٌ وتتأصَّل عادة، ولا يجدي مع مثلِ هذا أساليبُ علاج تقليدية، إنما هي عمليَّةٌ جراحيَّة استئصاليَّة تتطلب حميةً متوفرة في شهر رمضان، وهِمةً شحذتها قُبيل هذا الزَّمان المبارك، فما بقيَ إلا أن تضعَ مبضع العزيمة الحادِّ، وبجلدٍ وصبر على آلام القطع تستأصل تلك الأورام الناهشة في نسيج إيمانك وتقواك، لا تستعمل أيَّ مخدر، فإنَّ شأن المخدر أن يسافر بك في سمادير السكارى وأوهام الحيارى، فتفيق دون أن تدري بأنَّ الورم لم يُستأصل بكامله، بل بقيت منه مُضغةٌ متوارية ريثما تتسرطن ثانية.
فإذا كنت مدخنًا أو مبتلى بالنّظر أو الوسوسة أوالعشق، فبادر إلى تقييد كل هذا البلاء، وابدأ العمليات الجراحية في شهر رمضان، ولا تتذرع بالتدرج الذي سميناه مخدرًا، بل اهجر الذنب وقاطع المعصية وابتُر العادة ولا تجزع من غزارة النزيف وشدة الآلام، فإنه ثمن العلاج الناجح، وضرورة الشفاء الباتّ الذي لا يغادر سقمًا.
ووجه كون شهر رمضان فرصةً سانحةً لعلاج الآفات والمعاصي والعادات:
- إنه شهر حمية أي امتناع عن الشهوات (طعام وجماع) والشهوات مادة النشوز والعصيان،
- كما أن الشياطين فيه تصفّد وهم أصل كل بلاء يصيب ابن آدم،
- أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمةً تصوم وتتسابق إلى الخيرات فتضعف همته في المعصية وتقوى في الطاعة!
فهذه عناصر ثلاثة مهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح؛ فيتولّد طقس صحي وظروف مناسبة لاستئصال أيِّ داء.
وقبل كل ذلك وبعده، لا يجوز أن ننسى ونغفل عن ديوان العُتقاء والتائبين والمقبولين الذي يفتحه الرب جلَّ وعلا في هذا الشَّهر، وبنظرةٍ عابرة إلى جمهور المتدينين تجد بداياتهم كانت بعبرات هاطلة في سكون ليلةٍ ذات نفحات من ليالي رمضان.
وما لم تتحفّز الهمم لعلاج الآفات في هذا الشهر، لن تبقى فرصة لأولئك السالكين أن يبرأوا، فمن حُرم بركة رمضان ولم يبرأ من عيوب نفسه فيه، فأي زمان آخر يستظلّ ببركته.
وفي صحيح ابن خزيمة أن جبريل قال: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: "أي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: آمين".
لحديث صحيح.
أما استحضار أنواع الطاعات وتقييدها وتوطين العزيمة على أدائها في رمضان فهو من أهم ما يُستعدُّ له في هذا الشهر، وعلى هذا الأصل تحمل كل النصوص الواردة في فضل رمضان والاجتهاد فيه، فمعظمها صريح أو ظاهر في أنه قيل قبل رمضان أو في أوله.
لا بدَّ من شَحذ العزيمة!
ويمنّي بعض الخياليين نفسه بأماني العزيمة التي لا تعدو أن تكون سرابًا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا. فنراه يحلم أحلامًا وردية بأن يجتهد في هذا الشهر اجتهادًا عظيمًا، وتراه يرسم لنفسه صور الحلال وأُبهة الولاية، فإذا ما هجم الشهر، قال المسكين: اليوم خمر، وغدًا أمر.
لما قال أنس بن النضر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة بدر: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، واللهِ لئن أشهدني الله قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، ثم رووا لنا أنهم وجدوه في أحُد صريعًا به بضع وستونَ، ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، علمنا ما أضمر الرجل.
ولما قال ذلك الصَّحابيُّ: يا رسولَ الله ما بايعتُك إلا على سهم يدخل ههنا فأدخل الجنة، قال له الرَّسول -صلى الله عليه وسلم -: "إن تصدُق الله يصدقُكُ" ثم رووا أنَّ السهم دخل من موضع إشارته، علمنا ما عزم عليه الرجل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصَّغير صغارها وتصغُر في عين العظيم العظائم!
تائبٌ يُناجي: ما أحلاك يا رمضان!
ختاماً، أُخيَّ، اسمع هذه عباراتٌ كتبها رجلٌّ منَّ الله عليه بالهداية، فكان ممّن أُعتِقَت روحه في رمضان الماضي من أسر الهوى والشهوات،
فانطلق إلى ربّه فرحاً مشتاقاً، فاسمعه وهو يحاول أن يصف فرحته وسعادته فيقول:
"ما أجمل رمضان وما أحسن أيامه، سبحان الله! كل هذه اللذة وهذه الحلاوة ولم أذق طعمها إلا هذا العام، أين هي عيني كل هذه السنوات؟
إيه.. بل أين أنا عنها، فإن من تحر الخير يعطه، ومن بحث عن الطريق وجده، ومن أقبل على الله أعانه.
صدق الله في الحديث القدسي: «ومن تقرب مني شبرًا، تقربت منه ذراعا» [رواه مسلم]، سبحان الله!
أشعر أن حملًا ثقيلًا زاح عن صدري؛ وأشعر بانشراح فسيح في نفسي، أول مرة في حياتي أفهم تلك الآية التي أسمعها تقرأ في مساجدنا؛ {فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، أين ذلك الضيق؟
وتلك الهموم التي كانت تكتم نفسي حتى أكاد اصرع؟ أين تلك الهواجس والأفكار والوساوس؟
أين شبح الموت الذي كان يلاحقني فيفسد علي المنام؟
إنني أشعر بسرور عجيب، وبصدر رحيب، وبقلبي لين دقيق، أريد أن ابكي
!
أريد أن أناجى ربي وأعترف له بذنبي، لقد عصيت وأذنبت وصليت وتركت وأسررت وجاهرت وأبعدت وقربت وشرقت وغربت وسمعت وشاهدت..
ويح قلبي من تناسيه مقامي يوم حشري
واشتغالي عن خطايا أثقلت والله ظهري
ليتني أقبل وعظي ليتني أسمع زجري
والله لولا الحياء ممن بجواري لصرخت بأعلى صوتي؛ أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنب إلا أنت، لسان حالي يقول للإمام؛ لماذا قطعت علي حلاوة المناجاة يا إمام! لماذا رفعت من السجود فحرمتني من لذة الاعتراف والافتقار للواحد القهار؛ يا إمام أريد أن أبكى فأنا لم أبكي منذ أعوام..
ألا يا عين وحيك أسعديني *** بطول الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي *** بخير الدهر في تلك العلالي
يا إمام أسمعني القرآن، فلقد مللت ملاهي الشيطان؛ يا إمام لماذا يذهب رمضان وفيه عرفنا الرحمن وأقلعنا عن الذنب والعصيان!
في صيام الشهر طب ليس يبديه طبيب
فيــه أسرار يعيها صائم حقًا أريب
فيه غيث من صفاء ترتوي فيه القلوب
فيه للأرواح شبع دونه الكون الرحيب
صائم في درع تقوى تنجلي عنه الكروب
ما أحلاك يا رمضان!.. ما أجملك!.. سأشغل أيامك ولياليك، بل ساعاتك وثوانيك.. كيف لا وقد وجدت نفسي فيك!! أليس في الحديث: «رَغِم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له» [صححه الألباني].
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
التهنئة بدخول شهر رمضان
اللجنة العلمية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالتهنئة بدخول شهر رمضان تعد من قبيل العادات التي لا تخالف الشرع في شيء، ومثل هذا يتوسع فيه، وكما قال الإمام أحمد _رحمه الله تعالى_: أنا لا أبدأ أحداًً، لكن إن بدأني أحد أو هنأني أحد هنيته. فمثل هذا من قبيل العادات ولا بأس به _إن شاء الله_، لاسيما وأن لها أصل شرعي. فالنبي _عليه الصلاة والسلام_ هنَّأه جبريل في نزول آخر سورة البقرة، وكذلك أيضاً كعب بن مالك لما تاب الله _عز وجل_ عليه هنَّأه الصحابة _رضوان الله عليهم_، فهذا أصل في مثل هذه التهاني، ويدخل فيها التهنئة بالعيد كذلك سواء كان الفطر أو الأضحى، والحاصل أن هذه الأمور من قبيل العادات التي لا تنكر على الناس، ولأن لها أصل شرعي على ما تقدم تفصيله، والله _تعالى_ أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أهمية استغلال أوقات شهر رمضان
اللجنة العلمية
لما كان الوقت هو الحياة، وهو العمر الحقيقي للإنسان، كان حفظه أصل كل خير، وتضياعه منشأ كل شر، ولما كانت أيام شهر رمضان وساعاته ودقائقه ذهبية لا تُعوض، كان لابد من وقفة تُبين قيمة الوقت في يوم الصائم وليله. فإنه إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بدهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصًا على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم -رحمه الله- يُبين هذه الحقيقة بقوله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته"([1]).
ويقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل"([2]).
ولقد عني القرآن الكريم والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته. وقد جاءت آيات كثيرة تحثُّ على استغلال بعض الأوقات نحو قول الله "جل جلاله":(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)([3])،ومثل وصف ما كان عليه حال المتقين نحو قول الله تعالى (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)([4])، وجاءت آيات أُخرى تحثُّ على المسابقة في تحصيل الخير استغلالاً للوقت كما في قوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ([5]).
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يـُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"([6]). وأخبر النبي "صلى الله عليه وسلم" أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول "صلى الله عليه وسلم": "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ"([7]).
والوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال الإنسان في التجارة، يحافظ عليه العاقل، ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء العمل، أو نقص فيخسر ويندم. فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا استغله في الخير والعلم والعمل الصالح، ويخسر في ضد ذلك، فيجب على العاقل أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه، متذكرًا أنّه مسئول ومحاسب عن زمانه، ولعل من الأسباب المعينة على استغلال هذه الأيام المعدودات استشعار قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله، وأن يعلم الصائم أن هذا الوقت هو رأس ماله؛ فإن ضيعه ضاع رأس ماله، وإن حفظه فالربح حليفه. وعلينا أن ندرك أن مفاتيح استغلال الوقت بأيدينا نحن وليس علينا سوى أن نُشمر عن ساعد الجد، فإنما هي أيام معدودة وليال قليلة.
([1]) الداء والدواء لابن القيم، ص (239).
([2]) صيد الخاطر (1/3).
([3]) الآية رقم (79)، من سورة الإسراء.
([4]) الآية رقم (17)، من سورة الذاريات.
([5]) الآية رقم (133)، من سورة آل عمران.
([6]) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في المعجم الكبير، رقم (111)، وغيره بألفاظ مختلفة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (3593).
([7]) أخرجه البخاري، في كتاب الرقائق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم (6049).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
تعريف النية وأهميتها
اللجنة العلمية
النية في صوم رمضان
توطئة
إن المسائل والأحكام المتعلقة بنية الصائم قد اعتنى بها الفقهاء –رحمهم الله- بتوضيحها، والبحث فيها، وما ذاك إلا لأن الصوم عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية، لقوله "صلى الله عليه وسلم": "إنما الأعمال بالنيات"([1])، ولأن الإنسان قد يَضْرِب عن الطعام ويستمر إضرابه يومًا كاملاً؛ فلا يُقال عنه أنه صائم، لأنه لم يقصد التقرب إلى الله "سبحانه وتعالى" بهذا الامتناع، ومثله لو امتنع عن الطعام والشراب ليخفف وزنه، أو خوفًا من الطعام والشراب أن يضره في جسده؛ لذا كان لمبحث تعيين النية حيِّزًا واسعًا من كلام الفقهاء في كتبهم، حتى وصل الأمر إلى الإجماع على وجوب تعيينها، كما قال ابن قدامة في المغني: " لا يصح صومٌ إلا بنية إجماعًا، فرضًا كان أو تطوّعًا؛ لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية كالصلاة"([2]). قال النووي: "لا يصحّ الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يُشترط النطق بها بلاخلاف"([3]). وفي بداية المجتهد قوله: "أما كون النية شرطًا في صحة الصيام فإنه قول الجمهور"([4]).
وعند نظري في كلام الفقهاء عن النية لحظت أنهم يوردون الكلام في مسألتين قريبتين من بعضهما، وهما حكم تبييت النية لصوم رمصان، وحكم تبييتها لكل يوم من رمضان، فما هو الخلاف فيهما؟ وما الفرق بينهما؟.
والذي أحب أن أتوصل إليه وهو الذي يهمني من مبحث تعيين النية، والذي "تعم به البلوى"؛ هو هل يشترط تعيين النية لصيام كل يوم من أيام رمضان؟ أم يُكتفى بنية واحدة من بداية رمضان تغني عن تبييتها كل ليلة؟. وقد رأيت أن أفرد الحديث عن كل واحدة منهما على حِدة، ثم الخروج بخلاصة لهذا المبحث.
لكن قبل الشروع في المسألتين أذكر تعريفًا مختصرًا للنية:
فقولنا: نوى الشيء، أي قصده واعتقده، والنية هي الأمر والوجه الذي تنويه، وهي ما ينوي الإنسان بقلبه من خير أو شر([5]).
والنية عند الفقهاء: العزم على فعل الشيء تقربًا إلى الله([6]). قال ابن قدامة في المغني([7]): "ومعنى النية القصد: اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه من غير تردد، فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدًا من رمضان، وأنه صائم فيه، فقد نوى".
([1]) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله r وقول الله: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا )، [النساء آية 163]، (1/3)، رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله "صلى الله عليه وسلم": "إنما الأعمال بالنيات"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال (3/1515)، رقم (155).
([2]) المغني (3/7).
([3]) روضة الطالبين (2/350).
([4]) بداية المجتهد (1/213).
([5]) لسان العرب مادة (نوى) (15/347)، القاموس المحيط مادة (نوى) (1/1728)، المصباح المنير، مادة (نوى) (2/632)، كتاب العين (8/394).
([6]) انظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري، تحقيق: محمد جبر الألفي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الطبعة الأولى، عام 1399هـ (1/41)، المطلع (1/69).
([7]) (3/24).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
تعيين النية في صوم رمضان
اللجنة العلمية
اختلف الفقهاء في حكم تعيين النية في الصوم على قولين:
القول الأول
ذهب الحنفية([1]) في حكم تعيين النية في الصوم إلى تقسيم ذلك إلى قسمين:
القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين؛ وذلك لأن رمضان وقته مُضيّق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصوم، فلم يشرع فيه صوم آخر، فكان متعيناً للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى تعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى، فيصاب كل منهما بمطلق النية، وبأصلها، وبنية نفل، لعدم المزاحم. وكل يوم معيّن للنفل ماعدا رمضان، والأيام المحرم صومها، وما يعيّنه المكلف بنفسه، فكل ذلك متعين، ولا يحتاج إلى التعيين.
والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقًا بشرط، أم كان مطلقًا، لأنه ليس له وقت معين، فلم يتأدَ إلا بنية مخصوصة، قطعًا للمزاحمة.
فصوم رمضان عندهم يتأدّى بنيةٍ من بعد غروب الشمس إلى منتصف النهار، وقالوا بجواز صومه بنية من النهار. قال الكاساني: "وإن كان عينًا وهو صوم رمضان وصوم التطوع خارج رمضان والمنذور المعين يجوز". أي عقد النية بعد طلوع الفجر.
والقول بعدم اشتراط النية كما أنه قول الحنفية فهو رواية كذلك عن الإمام أحمد([2]).
واستدل القائلون بهذا القول بما يلي من الأدلة:
1)حديث الرُّبَيْع بنت مِعْوَذ([3]) رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائمًا فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه..." ([4]).
2)حديث سلمة بن الأكوع([5])"رضي الله عنه" أن النبي "صلى الله عليه وسلم" بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء: "أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل"([6]).
3)قياس الفرض على النفل، فالنفل صح فيه أن الرسول "صلى الله عليه وسلم" كان ينويه من النهار، فكذلك الفرض يجوز أن ينويه من النهار([7]).
القول الثاني
وهو مذهب الجمهور من المالكية([8])، والشافعية([9])، والحنابلة([10])، أنه لابد من تعيين النية في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صومٍ معين غير رمضان، وكمال النّيّة كما قال النّووي([11]): "أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السّنة للّه تعالى". ومما استدلوا به ما يلي:
1)حديث حفصة رضي الله عنها قالت: قال النبي "صلى الله عليه وسلم": "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له"([12])، وفي رواية: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"([13]).
2)كذلك عللوا بأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في نيتها، كالصلوات الخمس، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التعيين عن نية الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب([14]).
المناقشات والردود:
أولاً: بعض ما ورد من ردود على أدلة القول الأول:
نُوقش الحديثان (حديث الرُّبَيع وسلمة رضي الله عنهما)([15]): بأنه لا يتم لهم الاستدلال به إلا على القول بأن صوم عاشوراء كان واجبًا، كما قال النووي: "وأجابوا عن استدلال أبي حنيفة بأن صوم عاشوراء كان تطوعًا متأكداً شديد التأكيد ولم يكن واجبًا. وهذا صحيح مذهب الشافعية"([16]). ومما يدل على عدم وجوبه حديث قوله "صلى الله عليه وسلم": "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر"([17]). وإنما كان واجبًا ثم نسخ عندما فرض الله صوم رمضان؛ لقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر"([18]).
وأما قياسهم الفرض على النفل نُوقش: بأنه قياس لا يصح؛ لأننا عهدنا من الشارع أنه يخفف في النوافل ما لا يخفف في الفرائض، والفرق بين التطوع والفرض من وجهين: أحدهما أن التطوع يمكن الإتيان به في بعض النهار بشرط عدم المفطرات في أوله بدليل قوله "صلى الله عليه وسلم" في حديث عاشوراء فليصم بقية يومه فإذا نوى صوم التطوع من النهار كان صائمًا بقية النهار دون أوله والفرض يكون واجبًا في جميع النهار ولا يكون صائمًا بغير النية. والثاني أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيرًا له أنه قد يبدوا له الصوم في النهار فاشتراط النية في الليل يمنع ذلك فسامح الشرع فيها كمسامحته في ترك القيام في صلاة التطوع وترك الاستقبال فيه في السفر تكثيرًا له بخلاف الفرض إذا ثبت هذا ففي أي جزء من الليل نوى أجزأه ([19]).
ثانيًا: بعض ماورد من ردود على أدلة القول الثاني:
1. أما استدلالهم بحديث حفصة رضي الله عنها فنوقش: بأن الحديث ضعيف([20]). إلا أنه يمكن الجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن جماعة من المحدثين حكموا بصحته([21]).
الثاني: على فرض التسليم بأن الحديث ضعيف، إلا أنه قد رُوي موقوفًا عن ثلاثة من الصحابة بأسانيد صحيحة؛ إذ جاء عن ابن عمر، وأخته حفصة، وعائشة بنت أبي بكر y ولا يُعرف لهم مخالف من الصحابة([22]).
سبب الخلاف في المسألة:
أورده ابن رشد في بداية المجتهد حيث قال: "وسبب اختلافهم هل الكافي في تعيين النية في هذه العبادة، هو تعيين جنس العبادة، أو تعيين شخصها، وذلك أن كلا الأمرين موجود في الشرع، مثال ذلك: أن النية في الوضوء يكفي منها اعتقاد الحدث، لأي شيءٍ كان من العبادة التي الوضوء شرط في صحتها، وليس يختص عبادة عبادة، بوضوء وضوء.
وأما الصلاة، فلا بد فيها من تعيين شخص العبادة، فلا بد من تعيين الصلاة، إن عصرًا فعصرًا، وإن ظهرًا فظهرًا. وهذا كله على المشهور عند العلماء، فتردد الصوم عند هؤلاء بين هذين الجنسين فمن ألحقه بالجنس الواحد قال: يكفي في ذلك اعتقاد الصوم فقط ومن ألحقه بالجنس الثاني، اشترط تعيين الصوم"([23]).
وتوضيح ذلك
أن سبب الخلاف هو في القدر الكافي في تعيين النية في العبادة، والمقصود بذلك أحد أمرين:
1.إما أن يكون المقصود أن النية في الصوم يُراد بها جنس العبادة (أي: شهر رمضان كاملاً، كتلة واحدة متكاملة لثلاثين يومًا).
2.وإما أن يُراد بالنية عين العبادة أو شخصها، (أي: كل يوم من أيام رمضان على حِدة منفصل) فيكون مثل الصلوات الخمس، لا بد فيها من تعيين النية لكل صلاة لتمييزها.
فمن قال بأن رمضان يعتبر كتلة واحدة؛ قال: يكفي فيه اعتقاد الصوم فقط، ونية واحدة من بداية الشهر تكفي للشهر كاملاً؛ ومن ألحقه بأن كل يوم لوحده، منفصل، لا علاقة له بما قبله ولا بما بعده؛ قال: باشتراط تعيين النية.
([1]) انظر: بدائع الصنائع (1/128)، وانظر قول الحنفية، في تبيين الحقائق (313)، شرح فتح القدير (2/309)، وحاشية الطحاوي على مراقي (1/426).
([2]) انظر: الفروع (3/30).
([3]) الرُّبيْع بنت مِعْوَذ بن عفراء الأنصارية، صحابية جليلة، روى عنها أهل المدينة، وكانت ربما غزت مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فتداوي الجرحى وترد القتلى إلى المدينة، وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان، انظر ترجمتها في: أسد الغابة (1/1023)، تقريب التهذيب (1/747)، الإصابة (7/641).
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب صوم الصبيان (2/682)، رقم (1859)، ومسلم في كتاب الصيام، باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه (2/798)، رقم (136)، واللفظ لمسلم.
([5]) سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله، أول مشاهده الحديبية وكان من الشجعان ويسبق الفرس عَدْوًا وبايع النبي "صلى الله عليه وسلم" عند الشجرة على الموت، وكان شجاعًا، راميًا، سخيًا، خيرًا، محسنًا، فاضلاً، روي أنه كلْم الذئب، قال سلمة "رضي الله عنه" عن نفسة: "رأيت الذئب قد أخذ ظبيا فطلبته حتى نزعته منه فقال ويحك مالي ولك عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك تنتزعه مني،"، توفي في المدينة 74هـ، وهو ابن ثمانين سنة. انظر ترجمته في: أسد الغابة (1/465)، الإصابة (3/151).
([6]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء (2/704)، ومسلم في كتاب الصيام، باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه (2/798)، رقم (135)، واللفظ للبخاري.
([7]) وانظر قول الكاساني في هذا في بدائع الصنائع (1/129).
([8]) مواهب الجليل (1/232)، الفواكه الدواني (1/313)، بداية المجتهد (1/214).
([9]) المجموع (6/299)، روضة الطالبين (2/350)، مغني المحتاج (1/423).
([10]) المغني (3/7)، الفروع (3/30)، الروض المربع (1/419).
([11]) في روضة الطالبين (2/350).
([12]) أخرجه النسائي في كتاب الصيام، ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك (4/197)، رقم (2334)، والبيهقي في الكبرى، في كتاب الصيام، باب الدخول في الصوم بالنية (4/202)، رقم (7698)، وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل (1/176)، رقم (914).
([13]) أخرجها الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل (3/107)، رقم (730)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/449)، رقم (1987).
([14]) بدائع الصنائع (1/128)، المغني (3/17)، الفقه الإسلامي (2/621).
([15]) المغني (3/17)، الفقه الإسلامي (2/621).
([16]) المجموع (6/301).
([17]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (2/702)، رقم (1899)، ومسلم في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشـوراء (2/795)، (126)، من حديث معاوية بن أبي سفيان "رضي الله عنه".
([18]) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (2/704)، رقم (1897)، ومسلم في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (2/792)، رقم (115)، وانظر: ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه، لهبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم، تحقيق: حاتم صالح الضامن، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، عام1405هـ (1/20).
([19]) المغني (3/17)، الفقه الإسلامي (2/621).
([20]) بدائع الصنائع (1/129).
([21]) كالألباني في مختصر إرواء الغليل (1/176)، رقم (914)، وغيره، و قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/188): [اختلف الأئمة في رفعه ووقفه: فقال أبو داود لا يصح رفعه، وقال الترمذي الموقوف أصح، ونقل عن البخاري أنه قال: "هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف"، وقال النسائي: "الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه"، وقال أحمد: "ماله عندي ذلك الإسناد"، وقال الحاكم:، "صحيح على شرط الشيخين وقال في المستدرك: "صحيح على شرط البخاري"، وقال البيهقي: "رواته ثقات إلا أنه روي موقوفا"، قال بن حزم: "الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة"] ا.هـ، بتصرف يسير.
([22]) التلخيص الحبير (2/188)
([23]) بداية المجتهد (1/214).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
تعيين النية لكل يوم جديد من رمضان
اللجنة العلمية
هل يشترط للصائم أن ينوي الصيام قبل كل يوم جديد، أم تكفي نية واحدة وتُجزئ عن جميع أيام الشهر، على قولين:
القول الأول:
تجب نية مستقلة لكل يوم من أيام رمضان، وقال به الحنفية([1])، والشافعية([2])، وهو رواية عن الإمام أحمد والتي عليها المذهب عند أتباعه([3]). فيجب أن ينوي لكل يوم بيومه، فمثلاً في رمضان يحتاج إلى ثلاثين نية. وبناءً على ذلك لو أن رجلاً نام بعد العصر في رمضان، ولم يستيقظ من الغد إلا بعد طلوع الفجر، لم يصح صومه ذلك اليوم؛ لأنه لم ينو صومه من ليلته([4]).
وعللوا لذلك بما يلي:
1. ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها فأشبهت القضاء"([5]).
2. أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليله([6]).
القول الثاني:
تجزئ نية واحدة عن جميع شهر رمضان، وهو قول المالكية([7])، ورواية عند الإمام أحمد([8])، وهذا فيما يُشترط فيه التتابع، فتكفي النية في أوله، ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النية، وعلى هذا فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله، فإنه يجزئه عن الشهر كله، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يجدد النية([9]). واستدل هولاء الذين يرون الاجتزاء بنية واحدة عن جميع الشهر بعدة أمور منها:
1. ما ثبت في الحديث: "ولكل امرئ ما نوى"([10])، وهذا نوى صيام الشهر فله ما نوى.
2. أن صوم الشهر عبادة واحدة([11]).
3. قياسه على الحج، فالحج طوافه وسعيه والوقوف بعرفة ...، تجزئ فيه نية واحدة عن جميعه.
4.قال الشيخ ابن عثيمين: "وهذا هو الأصح، لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم أنا نويت الصوم أول الشهر إلى آخره، فإذا لم تتحقق النية حقيقة فهي محققة حكماً، لأن الأصل عدم القطع، ولهذا قلنا: إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النية، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس"([12]).
الخلاصة والترجيح:
في خاتمة بحث مسألتَي: حكم تبييت النية لصوم رمصان، وحكم تبييتها لكل يوم منه، اتضح الفرق بينهما؛ وهو أن المسألة الأولى إنما ترد في تعيين النية في بداية صوم رمضان في أول يوم فقط لجميع الشهر؛ هل يُشترط للمسلم أن يُعين النية، بأنه سيصوم شهر رمضان، لهذه السنة؟ وفي ذلك قولين: فالجمهور (المالكية، والشافعية، والحنابلة)، على اشتراط ذلك، وخالف الحنفية، بعدم اشتراطها لصيام رمضان، وأنه يُجزيء عقدها في النهار.
وأما المسألة الثانية؛ فمدار الخلاف فيها هو تعيينها لكل يوم من أيام شهر رمضان، وفيها كذلك قولين: فالحنفية، والشافعية، والرواية المشهورة عند الحنابلة على أنه يجب تعيين النية لكل يوم جديد من أيام الشهر الفضيل، بينما يرى المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، الاكتفاء بنية واحدة لجميع الشهر، ومن المعلوم أن كل شخص يقوم في آخر الليل ويتسحر، فإنه قد أراد الصوم ولا شك في هذا،لأن كل عاقل يفعل الشيء باختياره لا يمكن أن يفعله إلا بإرادة، والذي يُفهم من كلام أهل العلم أن الإرادة هي النية، فالإنسان لا يأكل في آخر الليل إلا من أجل الصوم، ولو كان مراده مجرد الأكللم يكن من عادته أن يأكل في هذا الوقت.
فلزم القول بعدم وجوب تجديد النية لكل صيام يوم جديد من أيام رمضان، بل تكفي نية واحدة لصيام جميع أيام رمضان؛ إلا إذا انقطع صيامه؛ كمسافر، ومريض أفطر، وحائض، ونحوهم، فإنهم يعيدون تجديد النية.
([1]) حاشية ابن عابدين (2/380).
([2]) المجموع (6/307).
([3]) شرح منتهى الإرادات، المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية عام 1996هـ، (1/480)، وقد اختارت هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (10/246).
([4]) انظر: الشرح الممتع (6/369).
([5]) المغني (3/24)
([6]) انظر: الشرح الممتع (6/369).
([7]) حاشية ابن عابدين (2/380).
([8]) الكافي (1/393).
([9]) انظر: الشرح الممتع (6/369).
([10]) انظر: الشرح الممتع (6/369-370).
([11]) المغني (3/24)
([12]) انظر: الشرح الممتع (6/370).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
النية في نصوص الوحيين
أولاً: النية في القرآن الكريم:
القرآن يعبر عن النية بعبارات مختلفة مثل: إرادة الآخرة، أو إرادة وجه الله، أو ابتغاء وجهه، أو ابتغاء مرضاته، يقول تعالى:
(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
(ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها).
(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).
فهؤلاء هم عبيدُ الدنيا، الذين جعلوا لها كلَّ إرادتهم وسعيهم:
(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها
مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا).
قسمت الآيتان الناس إلى قسمين:
-مريد العاجلة، وهي الدنيا، ليس له هدفٌ سواها، ومصيره: جهنم،
-ومريد الآخرة، الذي جعلها هدفه وسعى لها سعيها، فمصيره ما ذكرت الآية.
الجزاء إذن مُرتَّب على "الإرادة" و"المراد"، فخبّرني: ما مرادك وقصدك؟ أخبرك: ما مصيرك وجزاؤك!
وهذا المعنى تكرَّر في القرآن:
(من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب).
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه).
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).
(وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتى ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى).
(وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله).
(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله) .. الآية.
(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
وأود أن أنبه هنا:
أنه لا تعارض بين إرادة الله تعالى وإرادة الآخرة، بل لا ثنائية، فلا معنى لتعليق من علَّق على قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)!
فإرادة الآخرة تعني: إرادة مثوبته ورضوانه، ورجاء ما عنده سبحانه.
ولا يعاب المخلص بأنه يرجو الجنة ويخاف النار، فقد وصف القرآن الأنبياء والصالحين بالرجاء والخوف، والرغب والرهب، وليس بعد القرآن بيان.
والجنة ليست دار النعيم الحسي فحسب، بل هي دار الرضوان الأكبر، والتنعم بالنظر إلى وجه الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة) فأما الكفار فإنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، وهذا الحجاب هو أقسى العذاب.
ثانياً: النية في السنة:
أما السنة، فقد ورد فيها الكثير في فضل النية والإخلاص، أذكر منها بعض ما انتقيته مما ذكره الإمام المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب"، وقد بدأها وبدأ كتابه كله بحديث الثلاثة أصحاب الغار، وهو حديث متفق عليه!
وثنَّى بحديث أبى أمامة: فيمن سأل عمَّن غزا يلتمس الأجرَ والذكرَ (أيْ: الأجر من الله والذكر عند الناس)! وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: (لا شيءَ له)! ثم قال: (إن اللهَ لا يقبلُ من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتُغي به وجهُه) (رواه النسائي بإسناد جيد).
ثم ثلَّث بحديث عمر المشهور: (إنما الأعمال بالنية) وفي رواية: (بالنيات وإنما لكل
امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) (رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي).
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم) قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يُخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقُهم ومن ليس منهم؟ قال: (يُخسف بأولهم وآخرهم، ثم يُبعثون على نياتهم) (رواه البخاري ومسلم وغيرهم).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّ أقواماً خلفنا بالمدينة، ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر) (رواه البخاري، وأبو داود)، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد، إلا وهم معكم) قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: (حبسهم المرض)!
وعن أبي كبشة الأنماريِّ رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(ثلاث أقسم عليهنَّ وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نَقص مالُ عبدٍ من صدقة ٬ ولا ظُلِم عبدٌ مظلمةً صبر عليها إلا زاده الله عزاً٬ ولا فَتح عبدٌ بابَ مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)، (أو كلمة نحوها).
(وأحدثكم حديثاً فاحفظوه) قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٍ رزقه اللهُ مالاً وعلماً، فهو يتَّقي فيه ربّهُ ويصلُ فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيَّته، فأجرهما سواء، وعبدٍ رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، يخبطُ في ماله بغير علم، ولا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصلُ فيه رحمه، ولا يعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان، فهو بنيَّته، فوزرهما سواء) (رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "قال رجل: لأتصدقن [الليلة] بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارقٍ وزانيةٍ وغنيٍّ، فأُتي (أي في المنام) فقيل له: أمَّا صدقتُك على سارقٍ: فلعله أن يستعفَّ عن سرقته، وأما الزَّانية، فلعلها أن تستعفَّ من زناها، وأما الغنيُّ فلعله أن يعتبر، فينفق مما أعطاه الله) (رواه البخاري واللفظ له ومسلم والنسائي)، وقالا فيه: (أما صدقتك فقد تُقُبِّلت) ثم ذكر الحديث.
دلت هذه الأحاديث الوفيرة وغيرها مع ما جاء في كتاب الله على قيمة النية وأهميتها في الدين، وأن روح العمل هي "النية"، ولكن ما هي النية التي رتَّبت عليها الأحاديث كلَّ هذه النصائح؟
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
العلاقة بين النِّيَّة والإخلاص
حتى يكون خالصاً وصواباً:
لكل عمل صالح ركنان لا يقبل عند الله إلا بهما:
أولهما: الإخلاص وتصحيح النية.
وثانيهما: موافقة السنة ومنهاج الشرع.
وبالركن الأول تتحقق صحة الباطن، وبالثاني تتحقق صحة الظاهر، وقد جاء في الركن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فهذا هو ميزان الباطن.
وجاء في الركن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردودٌ على صاحبه، وهذا ميزانُ الظَّاهر.
وقد جمع اللهُ الرُّكنين في أكثر من آيةٍ في كتابه، فقال تعالى:
(ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى)،
(ومن أحسنُ دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن).
وإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل له ..
والإحسان فيه: أداؤه على الصورة المرضية شرعا، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
وقد مر بنا قول الفضيل بن عياض: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا وصوابا، والخالص: أن يكون لله! والصواب: أن يكون على السنة .. ثم قرأ الفضيل قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد).
ما هو الإخلاص؟
الإخلاص: عمل من أعمال القلوب، بل هو في مقدمة الأعمال القلبية، لأن قبول الأعمال لا يتم إلا به.
والمقصود بالإخلاص: إرادة وجه الله تعالى بالعمل، وتصفيته من كل شوب ذاتي أو دنيوي، فلا ينبعث للعمل إلا لله تعالى والدار الآخرة، ولا يمازج عمله ما يشوبه من الرغبات العاجلة للنفس، الظاهرة أو الخفية، من إرادة مغنم، أو شهوة، أو منصب، أو مال، أو شهرة، أو منزلة في قلوب الخلق، أو طلب مدحهم، أو الهرب من ذمهم، أو إرضاء لعامة، أو مجاملة لخاصة، أو شفاء لحقد كامن، أو استجابة لحسد خفي، أو لكبر مستكن، أو لغير ذلك من العلل والأهواء والشوائب، التي عقد متفرقاتها هو: إرادة ما سوى الله تعالى بالعمل، كائنا من كان، وكائنا ما كان.
أساس الإخلاص: تجريد النيّة:
وأساس إخلاص العمل: تجريد "النية" فيه لله تعالى.
والمراد بالنية: انبعاث إرادة الإنسان لتحقيق غرض مطلوب له.
فالغرض الباعث هو: المحرك للإرادة الإنسانية لتندفع للعمل!
والأغراض الباعثة كثيرة ومتنوعة، منها، المادي والمعنوي، ومنها: الفردي والاجتماعي، ومنها: الدنيوي والأخروي، ومنها التافه الحقير، والعظيم الخطير، منها ما يتعلق بشهوة البطن والجنس!
ومنها ما يتصل بلذة العقل والروح! منها ما هو محظور، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب!
وإنما يحدد هذه البواعث: عقائد الإنسان وقيمه التي يؤمن بها، ومعارفه وأفكاره
ومفاهيمه التي كونها بالدراسة أو بالتجربة، أو بتأثير البيئة، وبالتقليد للآخرين.
والمؤمن الحق هو الذي غلب باعث الدين في قلبه باعث الهوى، وانتصرت حوافز الآخرة على حوافز الدنيا، وآثر ما عند الله تعالى على ما عند الناس، فجعل نيته وقوله وعمله لله، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، وهذا هو الإخلاص.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء:
"قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان، وأنوار القرآن: أن لا وصول إلى السعادة، إلا بالعلم والعبادة، فالناس كلهم هلكى إلا العالِمون، والعالِمون كلهم هلكى إلا العامِلون! والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نيةٍ عناء! والنية بغير إخلاصٍ رياء، وهو للنفاق كفاء، ومع العصيان سواء، والإخلاصُ من غير صدقٍ وتحقيقٍ هباءٌ، وقد قال الله تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوباً مغموراً: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا).
الإسلام يرفض الثنائية المقيتة!
إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، الإسلام يرفض الثنائية المقيتة? والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلما في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر، إنَّ الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعله كله لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
العلاقة بين النّيّة وبعض المفاهيم المقاربة لها
يختلط مفهوم النيّة بعدة مفاهيم أخرى، كحديث النّفس والخاطر، والهاجس، والهمّ، والعزم، وفيما يلي نتعرّف على هذه المفاهيم، لكي يتبيّن من سياق الكلام ما هو مقصودٌ بالنّية:
1 - حديث النفس: ومعنى حديث النفس ما يخطر في نفس الإنسان من غير عزم على الفعل، يعني ما يُحَدِّث به الإنسان نفسه من غير عزم على الفعل. الإنسان يحدِّث نفسه بأنّه يعمل أعمالاً، يحدِّث نفسه بأنه يتزوج إمرأة وينجب ويطلّق هذه المرأة ويتزوج أخرى وينجب وهكذا من غير عزم على الفعل فهذا حديث النفس وهو لا يضر الإنسان سواء كان سيئاً أو صالحاً. إذا حدَّث الإنسان نفسه بشئ سيئ فإنه لا يؤاخذ به؟ يعني والعياذ بالله لو أن الإنسان حدَّث نفسه أن يرتكب فاحشةً من فواحش الذنوب من غير عزم على الفعل لكنه حديث نفس كما يقولون أمنياتٌ تمر بالقلب فهذا لا يؤاخذ به الإنسان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنَّ الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به أنفسها، مالم تتكلم أو تعمل به) (صحيح الجامع: 1730)
الله عز وجل من رحمته بنا تجاوز لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عن حديث النفس مالم تتكلم أو تعمل به. فمثلاً الإنسان وهو جالس أغضبته امرأتُه في أمر من الأمور فأخذ يحدث نفسه أنه سيطلقها يقول لنفسه هذه المرأة لاتصلح لي أنا لابد أن أطلقها أنا سأفارقها لايؤاخذ بذلك مادام أنه لم يتكلم به.
2 - الخاطر: ومعنى الخاطر أن يستمر الإنسان في حديث النفس مع قدرته على دفعه، يستمر الإنسان في حديث النفس لا يقطع يواصل حديث النفس سواء أكان سيئاً أو حسناً. يعني بعض الناس مثلاً يحدِّث نفسه بأنه ذهب إلى بلاد الكفر ودخل المعركة وقاتل الكافر الفلاني وجندل الكافر الفلاني ولم يبق كافر على وجه الأرض من المحاربين إلا وقتله. يحدِّث نفسه ويستمر فيه هذا الخاطر.
أو كان سيئاً والعياذ بالله يحدِّث نفسه أنه سيعتدي على أحد إخوانه المسلمين، ويستمر في حديث النفس، هذا لا يؤاخذ به (لكن قال أهل العلم إن كان الأمر سيئاً فإن الأليق بالمؤمن ألا يستمر فيه حتى لا يحبه)، نعم هُوَ لا يؤاخذ به لكن يُخشى إذا استمر في حديث نفسه في هذه الأمور أن يتعلق بها فيؤدي هذا إلى المحظور!
الأليق بالمسلم أن يقطعه وألا يستمر فيه لكنه على كل حال لا يؤاخذ به.
3 - الهاجس [الوسواس]: الهاجس هو ما يقع في قلب الإنسان من غير اختياره ويغلب عليه غلبةً بحيث إذا أراده لا يأتيه وإذا كرهه لا يندفع عنه، لا إرادة له فيه، وهذا هو الوسواس. ولا يؤاخذ به الإنسان بإجماع أهل العلم مهما كان شأنه، حتى لو كان يتعلق بالله سبحانه وتعالى، فقد جاء نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكوا إليه أنهم يجدون الشيء يتعاظم عندهم أن يتكلموا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((أوجدتم ذلك)) قالوا نعم قال: (ذاك صريح الإيمان) (صحيح مسلم)، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال ((تلك محض الإيمان)) (صححه الألباني في سنن أبي داود رقم 5112.) فالإنسان لا يؤاخذ بالوسواس وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشيطان يأتي أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول من خلق ربك) يقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا بلغ ذلك فليستعذ ولينته) (قال الألباني صحيح بشواهده في ظلال الجنة رقم 650).
الوسواس يقع في قلبِ الإنسان، ويقع في جميع الأمور، يقع في المعتقد، ويقع في الأعمال.
بعض الناس يقع له الوسواس في طلاق امرأته فدائماً يوسوس أنه طلق امرأته، بعض الناس يقع له الوسواس في الوضوء فدائماً يوسوس أنه ما غسل اليد ما تمضمض وهكذا، وقد يقع في الصلاة فيوسوس الإنسان أنه ما صلى أربعة في الرباعية أو نحو هذا، والوسواس إذا خطر للإنسان فهو علامة الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) (صححه الألباني في سنن أبي داود برقم 5112).
معنى هذا أن الشيطان شَامَ قلب الإنسان فلم يجد طريقاً إليه إلا الوسواس وذلك لصلاحه: فأخذ يوسوس إليه وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ((تلك محض الإيمان)) يعني علامة على إيمان العبد [لكن ينبغي للمسلم إذا أصابه الوسواس أن ينتهي: يعني ألا يرتب على الوسواس شيئاً ولن يزول الوسواس عنك إلا بهذا] طالما أنك تطيع الشيطان في باب الوسواس فإنه يزيد عليك الوسواس. فإذا وسوس إليك أنك ما غسلت يدك فإذا أطعته وغسلت يدك سيزيد عليك مرة ثانية ومرة ثالثة. لكن إذا نهيت قلت أنا غسلت يدي. قال لا ما غسلت يدك، قلت أنا غسلت يدي قال وضوءك وصلاتك لا تصح المسألة خطيرة. قلت لا يهم يذهب عنك أما إذا استجبت وقلت المسألة خطيرة المسألة صلاة العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. لابد أن أتيقن وتعيد الوضوء فإنه يتمكن منك.
ولذلك الحكم الشرعي في الوسواس أن ينتهي عنه ولا يرتب عليه شئ فمثلاً:
إذا قرأت القرآن وأنت تقرأ عرض عليك الشيطان يوسوس لك في الآيات لا تغلق المصحف من أجل الوسواس بل استمر لأنك إن استمريت سيزول عنك هذا الباب. أما إذا أغلقت المصحف يشتد عليك وهكذا.
والذي يهمك أن هذا لايضرك في دينك وقد أجمع أهل العلم على أن الوسواس لا يؤاخذ به الإنسان.
4 - الهم: ومعناه ترجيح الفعل على الترك مع بقاء الاحتمال سواء كان هذا في شيء صالح أو في شئ سييء.
مثال ذلك: حدّثت نفسك أنك ستتصدق الليلة بخمسين ريالاً وكنت متردداً ثم رجحت أنك ستتصدق لكن بقي احتمال أنك يمكن ألا تتصدق لم تجزم. هذا همٌّ بشئ حسن، فكرت أن تكذب على زميلك ثم رجحت أنك ستكذب عليه لكن بقي أن هناك احتمال أنك لن تكذب فهذا هم وقد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يقول الله لملائكته: إذا همَّ عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، وإذا عملها فاكتبوها عشر حسنات، وإذا هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإنما تركها من جرائي، وإذا عملها فاكتبوها سيئة واحدة) .
5 - العزم: وهو عقد القلب على العمل عقداً جازماً، وهذه هي النية!
وفَرَق بعض اللغويين بين النية والعزم بجعل النية: الإرادةَ المتعلقة بالفعل الحالي،
والعزمَ: الإرادة المتعلقة بالفعل الاستقبالي.
لكن يُردّ على هذا الفارق بتفسير النية بالعزم مطلقاً في كتب اللغة.
والنية في الشرع: عزم قلبيٌّ على عمل فرضي أو غيره.
أو عزم القلب على عمل فرضاً كان أو تطوعاً.
وهي أيضاً: الإرادة المتعلقة بالفعل في الحال أو في المستقبل.
وبناء عليه: إن كل فعل صدر من عاقل متيقظ مختار لا يخلو عن نية، سواء أكان من قبيل العبادات أم من قبيل العادات، وذلك الفعل هو متعلَّق الأحكام الشرعية التكليفية من الإيجاب والتحريم، والندب والكراهة والإباحة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:
اعلم أن النية في اللغة نوع من القصد والإرادة، ... والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين:
أحدهما: تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له، أو لله وغيره. وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين. وقد صنف أبو بكر بن أبي الدنيا مصنفاً سماه (كتاب الإخلاص والنية) وإنما أراد هذه النية!
النية والقصد:
أولا: القصد في اصطلاح الفقهاء هو:
العزم المتجه نحو إنشاء فعل.
"معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية" (3/ 96).
والنية هي كما يقول القرافي -رحمه الله-:
قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله. "الذخيرة" (1/ 20).
وعرفها النووي بأنها: عزم القلب على عمل فرض أو غيره. "المجموع".
ومن تعريف القرافي يتبين أن النية والقصد متقاربان، ولهذا عرف النية بالقصد، لكن ذهب ابن القيم -رحمه الله- إلى أن بينهما فرقا، قال:
فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان:
أحدهما: أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره. والنية لا تتعلق إلا بفعله نفسه، فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره، ويُتصور أن يقصده ويريده.
الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعلٍ مقدورٍ يقصده الفاعل. وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه، ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: ... الخ) فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه، بخلاف القصد والإرادة فإنهما لا يتعلَّقان بالمعجوز عنه، لا من فعله ولا من فعل غيره.
"بدائع الفوائد" (3/ 190)، وانظر: "القواعد الكلية والضوابط الفقهية" للدكتور محمد عثمان شبير ص 93، 94.
يقول السيوطي -رحمه الله-:
اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية: قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال: ربعه، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها؛ لأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها .. إلى أن قال: وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا. "الأشباه والنظائر" ص 9.
وهذا يدل على أهمية معرفة المقاصد واعتبارها. والله أعلم.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
أهمية النّية وضرورتها
النية في الصيام وفي كل عبادة فريضة لا بد منها، ولا يهمنا أن تكون ركنا عند بعض الفقهاء، أو شرطًا عند بعضهم، فهذا خلاف علمي أو نظري لا يترتب عليه عمل، ما دام الجميع متفقين على فرضيتها.
والمراد بالنية هنا: أن يقوم بالعبادة امتثالاً لأمر الله تعالى، وتقربًا إليه. فقد يمسك بعض الناس عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب، ولما هو أكثر، ولكن بقصد الرياضة ونقص الوزن وما شابه ذلك.
وقد يمسك آخرون احتجاجًا علي أمر معين، وتهديدًا بالقتل البطيء للنفس كما يفعل ذلك كثيرًا المضربون عن الطعام في السجون والمعتقلات، وغيرها. وقد يمسك بعض الناس تشاغلاً أو استغراقًا في عمل يأخذ عليه فكره، وينسيه أكله وشربه.
وكل هؤلاء ليسوا صائمين الصيام الشرعي، لأنهم لم ينووا ولم يقصدوا بإمساكهم وجوعهم وحرمانهم وجه الله تعالى، وابتغاء مثوبته. ولا يقبل الله عبادة إلا بنية. قال عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) (البينة: 5). وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (متفق عليه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب).
وقال: (كل عمل ابن آدم له، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي) (متفق عليه من حديث أبي هريرة). فمن ترك الطعام والشهوة من أجل شيء غير الله تعالى، فلم يصم الصِّيام الشرعي.
وعند البخاري:
الرجل يقاتل حَميَّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال، صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".
إن الأعرابي لا يعلم، جاء لمعلم الأمة، صلى الله عليه وسلم، يسأله، إن مقاصد الرجال كثيرة ومتعددة، فأيهم ينال شرف الجهاد في سبيل الله، وأيهم يُدخله مقصدُه في أهل الشهادة إن مات؟
فكان جوابه، صلى الله عليه وسلم، أنَّ من كانت نيته إعلاءَ كلمة الله فهو الذي في سبيل الله. فأي أمر فرَّق بين ما لهذا الأخير من ثواب الدنيا وحُسن المآل في الآخرة، وبين هؤلاء الذين ليس لهم إلا ما قصدوا إلى تحصيله من مغانم أو صيت وشهرة، أو رياء وسُمعة، مما لا ينفعهم في الآخرة؟
إنها النية، المقصد، والغرض، والغاية التي تَحرَّك كلٌ منهم بغرض تحقيقها وتوجه إليها، وكانت هي الطاقة الداخلية التي تدفع به إلى هدفه.
وشتان بين ما لهذا وبين ما لهؤلاء، وإن كنَّا نراهم في الميدان سواء كلهم يقاتل، كلهم شجاع، كلهم يضع سيفه في نحر العدو، الفعل واحد ولكن النوايا والمقاصد متباينة، فبأي معيار حدد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثواب كل منهم، وبأي مقياس حدد قيمة عمل كل منهم؟
إنها النية، ذلك الفعل القلبي، الذي لا يراه أحد، إلا الله سبحانه وتعالى، إنها النية، التي بمقتضاها يكون الجزاء، إما ثواب، وإما عقاب، إنها النية، التي نغفل عنها في تعبُّدِنا وسائر أعمالنا، فلعلنا نخسر كثيراً من ثواب أعمالنا، بسبب أننا لا نستحضر نيتنا حين الفعل فنؤدي بآلية، تفتقد إلى الخشوع، وتفتقر إلى الروح الإيمانية فنُلقي بأعمالنا إلى خواء، ونضيّعها ونحن لا نشعر.
(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) هكذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليعلمنا أن النية هي الحد الفاصل بين ما هو حق، وما هو باطل بين ما هو حلال وما هو حرام، بين العمل الخالص لوجه الله تعالى وبين العمل الذي يُقصد به غير الله.
ونذكر سبب ورود هذا الحديث، لعلَّ فيه العبرةَ والفهم لأهمية النية، إذ أراد رجلٌ الزواج بامرأةٍ تُدعى " أم قيس "، وكانت من المهاجرات إلى المدينة، ولم يكن الرجل يرغب في الهجرة، فاشترطت عليه، إن أراد زواجها، أن يهاجر معها، فهاجر، ونيته بالهجرة أن يتزوجها، أما هي ومن معها، فكانت نيتهم الهجرة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، طاعة ومحبة له، ونصرة لدين الله، فصارت هي ومن معها بنيتهم الخالصة لله ممن ذكرهم الله سبحانه في قرآنه، وصار هو بنيته الدنيوية مهاجر أم قيس، وسبحان الله، وشتان بين ما لهم وله عند الله، والفرق صنعته النية.
فلكل عملٍ: ظاهرٌ يوافقُ شرعَ الله، عز وجل، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو يخالفهما وبهذا يكون صلاح العمل أو فساده ظاهراً.
ولكل عملٍ: باطنٌ، قصدٌ، نيةٌ، وبحسبها يكون الجزاء من الله، عز وجل، ومُستقَر هذا الباطن هو القلب، تلك المضغة التي إذا صلُحت صلُح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد.
فالنية أخوة الإسلام هي روح العمل، وهي الموجِّهة له، وبإخلاصها لله تعالى يكون الفوز بالجنان، بإذن الله تعالى، وبصرفها إلى غير وجهه الكريم سبحانه، نكون قد أخذنا بأنفسنا إلى درك العذاب، والعياذ بالله.
فهذه دعوة إلى من تصله من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم:
أن أصلح نيتك وأخلصها لله سبحانه، وألا تغفل عن النية في كل عملٍ من أعمالك، سواء كان عملاً تعبُّدياً خالصاً أو عملاً مباحاً، ترجو بفعله ثواب الله، كأن يكون وسيلة مباحة إلى طاعة أو قُربة.
وأُذكِّر بأنه بصلاح الباطن يصلح الظاهر وبصلاحهما يصلح العمل وبصلاحه يكون رضا الله، عز وجل!
[ناصر الحلواني]
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
تأثير النّيّة في العمل (قاعدة الأعمال بمقاصدها)
ولأهمية النية في توجيه العمل وتكييفه وتحديد نوعه وقيمته، استنبط العلماء قاعدة
فقهية من أرسخ قواعد الفقه، التي عنيت بها كتب القواعد والأشباه والنظائر، وهي:
الأمور بمقاصدها، وفرعوا عليها فروعا كثيرة، منها: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني? لا للألفاظ والمباني.
ومن فروعها ما عبر عنه الحديث: "إن الله عفا لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
كما استشهد الإمام البخاري رحمه الله بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" على إبطال
"الحيل" التي ينسب إلى بعض الفقهاء الإفتاء بجوازها، ومعناها: أن العبرة بالصورة لا بالحقيقة، وبالشكل لا بالجوهر، وباللفظ لا بالمعنى.
تنوع جزاء العمل الواحد بتنوع نيته
ومن تأثير النية في الأعمال: أن العمل الواحد يتنوع حكمه الشرعي، وقيمته الأخلاقية، وجزاؤه الأخروي، تبعا لنية صاحبه.
ومن الأمثلة التي ذكرها الحديث لذلك، اقتناء الخيل، فهي لرجل أجر، ولآخر وزر، ولثالث ستر، أو كما سماها حديث آخر: "فرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان" وما ذلك إلا بسبب النية والقصد.
وروي عن ابن مسعود: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان?
فأما فرس الرحمن، فالذي يرتبط في سبيل الله عز وجل، فعلفه وبوله وروثه وذكر ما شاء الله (يعني في ميزان صاحبه حسنات كما صح في حديث آخر)، وأما فرس
الشيطان فالذي يقامر عليه ويراهن، وأما فرس الإنسان، فالفرس يرتبطها الإنسان، يلتمس بطنها (أي نتاجها) فهي ستر من فقر".
وقد جاء هذا التقسيم الثلاثي في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
وقال الحافظ السيوطي: قال العلماء: النية تؤثر في الفعل، فيصير بها تارة حراما، وتارة
حلالا، وصورته واحدة، كالذبح مثلا، فإنه يُحلُّ الحيوان إذا ذُبح لأجل الله، ويحرمه إذا ذبح لغير الله، والصورة واحدة.
أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكره، فإن القربات كلها مبناها على النيات، ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد، ولهذا لو وقع في الماء ولم ينو الغسل، أو دخل الحمام للتنظيف، أو سبح للتبرد، لم يكن غسله قربة
ولا عبادة بالاتفاق، فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له، وإنما لامرئ ما نوى.
ولو أمسك عن المفطرات عادة واشتغالا ولم ينو القربة، لم يكن صائما.
ولو دار حول البيت يلتمس شيئا سقط منه لم يكن طائفاً.
ولو أعطى الفقير هبة أو هدية ولم ينو الزكاة لم يحسب زكاة.
ولو جلس في المسجد ولم ينو الاعتكاف لم يحصل له.
وهذا كما أنه ثابت في الإجزاء والامتثال فهو ثابت في الثواب والعقاب، ولهذا لو جامع
أجنبية يظنها زوجته لم يأثم بذلك، وقد يثاب بنيته.
ولو جامع في ظلمة من يظنها أجنبية، فبانت زوجته أثم على ذلك بقصده ونيته للحرام.
ولو أكل طعاما حراما يظنه حلالا لم يأثم به، ولو أكله وهو حلال يظنه حراما وقد أقدم عليه أثم بنيته.
وكذلك لو قتل من يظنه مسلما معصوما فبان كافرا حربيا أثم بنيته، ولو رمى صيدا
فأصاب معصوما لم يأثم، ولو رمى معصوما فأخطأه وأصاب صيدا أثم، ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار لنية كل واحد منهما قتل صاحبه.
فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، والنبي
صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم، وهما قوله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
النية لا تؤثر في الحرام:
وإذا كان هذا هو تأثير النية في كل تلك المجالات، فمن المتفق عليه أنها لا تؤثر في الحرام، فحسن النية، وشرف القصد، لا يحيل الحرام حلالا، ولا ينزع منه صفة الخبث
التي هي أساس تحريمه.
فمن أكل الربا، أو اغتصب مالا، أو اكتسبه بأي طريق محظور، بنية أن يبني به مسجدا أو ينشئ دارا لكفالة اليتامى، أو يؤسس مدرسة لتحفيظ القرآن، أو ليتصدق بهذا المال الحرام على الفقراء وأهل الحاجة، أو غير ذلك من وجوه الخير، فإن هذه النية الطيبة لا أثر لها، ولن تخفف عنه وزر الحرام، فقد أكدت الأحاديث الصحيحة: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا".
وفي حديث ابن مسعود: "إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث".
والحرام لا تطهره الصدقة ببعضه، بل لا بد من الخروج عنه كله، ثم إن المال الحرام ليس مملوكاً لحائزه حتى يجوز له التصدق منه، بل هو مملوكٌ لصاحبه الأصلي، فلا يقبل منه إلا أن يرده إليه أو إلى ورثته.
وبهذا يتبينُ لنا أنَّ الإسلام يرفض مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، ولا يقبل إلا الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة، فلابد من شرف الغاية وطهارة الوسيلة معا.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
حكم النِّيَّة في الصِّيام
هل النِّيّة من أركان الصيام؟
الشافعية قالوا: أركان الصيام ثلاثة: الإمساك عن المفطرات، والنية، والصائم، فمفهوم الصيام عندهم لا يتحقق إلا بهذه الثلاثة.
الحنابلة، والحنفية قالوا: للصيام ركن واحد، وهو الإمساك عن المفطِّرات،
أمّا النية والصائم فهما شرطان خارجان عن مفهوم الصيام، ولكن لا بد منهما!
أما المالكية فقد اختلفوا،
فقال بعضهم: إن للصيام ركنين: أحدهما: الإمساك، ثانيهما: النية، فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما،
ورجَّح بعضُهم أن النية شرطٌ لا ركن، فمفهوم الصيام يتحقق بالإمساك فقط.
للصيام ركنان تتركب منهما حقيقته:
1 - الامساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
لقول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل).
والمراد بالخيط الابيض، والخيط الاسود بياض النهار وسواد الليل.
لما رواه البخاري ومسلم: أن عدي بن حاتم قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: " إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار ".
2 - النية: لقول الله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ".
أما كون النية شرطا في صحة الصيام فإنه قول الجمهور؛ وشذ زُفر فقال: لا يحتاج رمضان إلى النية إلا أن يكون الذي يدركه صيام شهر رمضان مريضا أو مسافرا فيريد الصوم.
والسبب في اختلافهم الإحتمال المتطرق إلى الصوم هل هو عبادة معقولة المعنى أو غير معقولة المعنى؟ فمن رأى أنها غير معقولة المعنى أوجب النية، ومن رأى أنها معقولة المعنى قال: قد حصل المعنى إذا صام وإن لم ينو، لكن تخصيص زفر رمضان بذلك من بين أنواع الصوم فيه ضعف، وكأنه لما رآى أن أيام رمضان لا يجوز فيها الفطر، أي أن كل صوم يقع فيها ينقلب صوما شرعيا، وأن هذا شيء يخصُّ هذه الأيام.
يقول الشيخ وهبة الزحيلي:
حكم النية عند جمهور الفقهاء (غير الحنفية): الوجوب فيما توقفت صحتُه عليها، كالوضوء والغسل، (ماعدا غسل الميت) والتيمم، والصلاة بأنواعها، والزكاة والصيام والحج والعمرة إلى غير ذلك، والندب فيما لم تتوقف صحته عليها كرد المغصوب، والمباحات كالأكل والشرب والتُّروك!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
متى يجب إنشاء نيّة الصيام؟
ولابد أن تكون قبل الفجر، من كل ليلة من ليالي شهر رمضان.
لحديث حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلاصيام له. "رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وتصح في أي جزء من أجزاء الليل، ...
وقال كثير من الفقهاء: إن نية صيام التطوع تجزئ من النهار، إن لم يكن قد طعم.
قالت عائشة: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: " هل عندكم شئ؟ قلنا: لا. قال: " فإني صائم ". رواه مسلم، وأبو داود.
واشترط الاحناف أن تقع النية قبل الزوال وهذا هو المشهور من قولي الشافعي.
وظاهر قولي ابن مسعود، وأحمد: أنها تجزئ قبل الزوال، وبعده، على السواء.
(عن فقه السنة)
ومن اللازم هنا: تحديد الوقت الذي يجب فيه إنشاء نية الصيام. وجمهور الفقهاء على أن الواجب هو تبييت النية من الليل، أي إيقاعها في جزء من الليل قبل طلوع الفجر. واستدلوا بحديث ابن عمر عن حفصة مرفوعًا: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه أحمد وأصحاب السنن. ومعنى يجمع: أي يعزم. يقال: (أجمعت) الأمر، إذا عزمت عليه.
والحديث مختلف في رفعه ووقفه وحسبنا أن البخاري وأبا داود والنسائي والترمذي وابن أبي حاتم صححوا وقفه (ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص" المطبوع مع المجموع -304/ 6).، فلا يصلح إذن للاستدلال على ما اختلفوا فيه. ولهذا كان ثمت مجال للاختلاف في وقت النية متى هو؟ فمن أخذ بالحديث المذكور جعل وقتها قبل الفجر.
ومن لم يأخذ به أجازها قبله وبعده كما هو مذهب أبي حنيفة الذي يجيز صوم رمضان بنية من الليل، وإلى نصف النهار. ومنهم من قصر تبييت النية على الفرض، وأما النفل فأجازوه في النهار إلى ما قبل الزوال.
وحجتهم ما رواه مسلم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على بعض أزواجه، فيقول: "هل من غداء؟ " فإن قالوا: لا، قال: "فإني صائم" (رواه مسلم -باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال).
وكذلك ما جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم حين فرض صوم عاشوراء أمر رجلاً من أسلم يؤذن في الناس في النهار: "ألا كل من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم" (رواه البخاري -باب صيام يوم عاشوراء، ومسلم -باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه). بل ذهب بعضهم إلى جواز النية بعد الزوال.
وذهب الإمام مالك إلى أن نية الصيام في أول ليلة من رمضان كافية للشهر كله، ومغنية عن تجديد نية لكل ليلة، باعتبار صوم رمضان عملاً واحدًا، وعبادة واحدة، وإن كانت موزعة على الأيام، كالحج تكفيه نية في أوله، وإن كانت أفعاله موزعة على عدد من الأيام، وهو مذهب إسحاق ورواية عن أحمد.
والظاهر: أن صوم كل يوم عبادة مستقلة، مسقطة لفرض وقتها، بخلاف الحج فإنه كله عمل واحد، ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشرع من المناسك، والإخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم إجزائه. ومهما يكن من الاختلاف في أمر النية، فالمؤكد أنها في صيام رمضان مركوزة في ضمير كل مسلم حريص على صيام شهره، وأداء فرض ربه، ولا مشكلة في ذلك على الإطلاق.
وأما في صوم التطوع، فالأحاديث قاطعة بأن إنشاءها بالنهار جائز، كما عليه عمل الرسول الكريم وصحابته، ولكن يبدو أن الذي يثاب عليه هو الوقت الذي ابتدأ فيه النية، بكّر أو تأخر، إذ لا ثواب إلا بنية.
ويلاحظ أن المراد بالنية في الصيام هو العزم أو الإرادة الكلية وهو المعنى العام للنية، أي أن الصيام يصح بتبييت النية من الليل، دون اشتراط مقارنتها لبدء الصوم وهو طلوع الفجر، فلو نوى ثم أكل، وصام، صح صومه، أما غير الصيام من العبادات التي تتطلب لصحتها مقارنة النية ببدء الفعل فلابد فيها من القصد تحقيقاً: وهو الإرادة المتعلقة ببدء الفعل، فالنية المعتبرة فيه هي القصد تحقيقاً، أي النية المقترنة ببدء تنفيذ الفعل، وهو المراد بالنية عند عدّها لدى الشافعية من أركان العبادة، كالوضوء والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والحج، ومثلها كنايات العقود والفسوخ، فلابد فيها من القصد تحقيقاً الذي هو النية المقارنة للفظ الكنائي أو الكتابة وإشارة الأخرس التي يفهمها الفطن، وكذا الاستثناء في الأقارير (الإقرارات) والطلاق، والتعليق في الطلاق بكلمة (إن شاء الله) فلابد فيها من النية بمعنى القصد تحقيقاً قبل الفراغ من المستثنى منه، أي اقتران النية بالكلام المتصل ببعضه.
النية في الفرض واجبة قبل الفجر ولا يجوز تقديمها قبل الليل رواه النسائي وابو داود والترمذي وابن ماجة وقوله صلى الله عليه وسلم " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"
يستثنى تبييت النية في بعض الحالات:
-المجنون اذا افاق
-الكافر اذا اسلم
-الصبي اذا احتلم.
-النائم اذا استيقظ
-ومن أتاه خبر رمضان.
حكم هذه الفئة الامساك دون القضاء
*نية خاصة لكل يوم من شهر رمضان.
اجمع العلماء على ان صوم رمضان كل يوم له نية مستقلة والانسان حين يقوم للسحور كل يوم فان نيته معه من الليل لانه عزم وفعل.
وسئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (ج 25 / ص 215):
ما يقول سيدنا فى صائم رمضان هل يفتقر كل يوم الى نية ام لا؟
فأجاب:
كل من علم أن غدا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه سواء تلفظ بالنية او لم يتلفظ وهذا فعل عامة المسلمين كلهم ينوى الصيام
[استفتاء]:
ما رأيكم في رجل في آخر يوم من شعبان لم يعلم بطلوع هلال رمضان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من أول يوم من رمضان، فهل يستكمل صومه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) هل يلزمه القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
[فتوى]:
إذا كان هذا الإنسان نائماً على أنه إن كان غداً من رمضان فهو صائم فهذه نية صحيحة ويصح بها الصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى).
فهذا الرجل يقول في نفسه: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فإذا تبين أنه من رمضان فقد نوى نية صحيحة، وأما الحديث الذي أشار إليه: (من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له) فهذا حديث تكلم العلماء فيه، وضعفه كثير من أهل العلم، ورجحوا أنه موقوف وإذا كان موقوفاً، فليس فيه دليل، ثم نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المراد بذلك من علم؛ لأن النية تتبع العلم، فمن لم يعلم فكيف ينوي؟ فيكون الإنسان الذي يعلم أن غداً من رمضان ليس له الحق أن يؤخر النية حتى يطلع الفجر؛ لأنه عالم بل لابد أن ينوي قبل أن يطلع الفجر، إذا كان عالماً وكلامنا في الشخص الذي لم يعلم.
فإذا ثبت دخول شهر رمضان فلا بد من تبييت نية الصيام كما ورد في الحديث عن حفصة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة. وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 465.
ومن المعلوم عند أهل العلم أن النية محلها القلب ولا علاقة للسان بها لذا فإن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[استفتاء]
ـ[سؤالي: هو أني أعمل في دولة أجنبية أسبانيا وأعمل في أقصى وأصعب المهن وهو البناء وتصل الحرارة إلى درجات عالية وأنا أستهلك في اليوم 9 لترات من الماء وأظن أني لا أستطيع الصيام فهل يجوز لي الإفطار رغم أني إذا فقدت عملي ليس بالسهولة وجود عمل آخر، وأنا محتاج لأموال هذه الشهور لأتزوج بها أنتم تعلمون أن العالم في أزمة اقتصادية، ونحن في أسبانيا نعاني من العنصرية حيث لا يتم تشغيل المسلمين؟]ـ
[فَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا استهل رمضان وجب عليك تبييت نية الصيام كل ليلة من ليالي هذا الشهر، فإذا لحقتك مشقة شديدة أثناء الصيام بحيث تحققت أو غلب على ظنك العجز عن العمل فلك الفطر حينئذ ولا يجوز لك تبييت نية الإفطار
يقول الشيخ السعدي:
وَيَجِبُ تَبْيِيتُ اَلنِّيَّةِ لِصِيَامِ اَلْفَرْضِ.
وَأَمَّا اَلنَّفْلُ فَيَجُوزُ بِنَيَّةٍ من النهار.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
حكم التلفظ بنيّة الصيام
سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
ما يقول سيدنا فى صائم رمضان هل يفتقر كل يوم الى نية ام لا؟
فأجاب:
كل من علم أن غدا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه سواء تلفظ بالنية او لم يتلفظ وهذا فعل عامة المسلمين كلهم ينوى الصيام
مجموع الفتاوى (ج 25 / ص 215)
ولا يشترط التلفظ بها فإنها عمل قلبي، لادخل للسان فيه، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل امتثالاً لامر الله تعالى، وطلبا لوجهه الكريم.
فمن تسحر بالليل، قاصدا الصيام، تقربا إلى الله بهذا الامساك، فهو ناو.
ومن عزم على الكف عن المفطرات، أثناء النهار، مخلصا لله، فهو ناو كذلك وإن لم يتسحر.
والنية محلها القلب، لأنها عقد القلب على الفعل. والتلفظ باللسان ليس مطلوبًا، ولم يأت في نصوص الشرع ما يدل علي طلب التلفظ بها، لا في الصوم، ولا في الصلاة، ولا في الزكاة، إلا ما جاء في شأن الحج والعمرة.
والإنسان في شؤونه الدنيوية لا يتلفظ بما ينويه، فيقول: نويت السفر إلى بلد كذا، أو نويت أن آكل كذا وكذا .... إلخ فكذلك أمور الدين. ولهذا لا تُعد النية مشكلة بالنسبة للمسلم الملتزم بالصيام فهو بطبيعته ناوٍ له، مصمم عليه، ولو كلفته ألا ينويه ما استطاع.
ومن دلائل نيته قيامه للسحور، وتهيئته له وإن لم يقم، وإعداده ما يلزم لفطور الغد، وترتيبه أعماله ومواعيده على وفق ظروف الصيام. فلا داعي للإكثار من الكلام عن النية فهي حاضرة وقائمة لدى كل مسلم معتاد على الصوم. إنما الذي يحتاج إليها هو من كان له عذر يبيح له الفطر، كالمريض والمسافر فيصوم حينًا، ويفطر حينًا، فإذا صام يحتاج إلى تجديد النية، ليتميز يوم صومه عن يوم فطره.
استحباب التلفظ بالنية في العبادات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فذهب الجمهور من الفقهاء إلى استحباب التلفظ بالنية بصوت يسمع الإنسان فيه نفسه لا الجهر بها فإن الجهر بها بدعة، ومن لم يستحب التلفظ بها لم يحكم بكون التلفظ بدعة محرمة بل قال هو خلاف الأولى وهاك أقوال الأئمة من المذاهب الأربعة المتبوعة رحمهم الله تعالى :
أقوال الحنفية :
قال الحصكفي في الدر المختار عند كلامه عن نية الوضوء : والجمع بين نية القلب وفعل اللسان ) هذه رتبة وسطى بين من سن التلفظ بالنية ومن كرهه لعدم نقله عن السلف اهـ
وقال ابن عابدين في حاشيته تعليقا على ذلك : قوله : ( هذه ) أي الطريقة التي مشى عليها المصنف حيث جعل التلفظ بالنية مندوبا لا سنة ولا مكروها.اهـ
قال الإمام عثمان الزيلعي الحنفي في كتابه تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ( والشرط أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي ) وأدناه أن يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكرة , وأما التلفظ بها فليس بشرط ولكن يحسن لاجتماع عزيمته.اهـ
وقال العالم العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : وقد اختلف كلام المشايخ في التلفظ باللسان فذكره في منية المصلي أنه مستحب وهو المختار وصححه في المجتبى وفي الهداية والكافي والتبيين أنه يحسن لاجتماع عزيمته وفي الاختيار معزيا إلى محمد بن الحسن أنه سنة وهكذا في المحيط و البدائع وفي القنية أنه بدعة إلا أن لا يمكنه إقامتها في القلب إلا بإجرائها على اللسان فحينئذ يباح ونقل عن بعضهم أن السنة الاقتصار على نية القلب , فإن عبر عنه بلسانه جاز ونقل في شرح المنية عن بعضهم الكراهة وظاهر ما في فتح القدير اختيار أنه بدعة ... وقد يفهم من قول المصنف لاجتماع عزيمته أنه لا يحسن لغير هذا القصد وهذا لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره فإذا ذكر بلسانه كان عونا على جمعه , ثم رأيته في التجنيس قال والنية بالقلب ; لأنه عمله والتكلم لا معتبر به ومن اختاره اختاره لتجتمع عزيمته.ا هـ . وزاد في شرح المنية أنه لم ينقل عن الأئمة الأربعة أيضا فتحرر من هذا أنه بدعة حسنة عند قصد جمع العزيمة , وقد استفاض ظهور العمل بذلك في كثير من الأعصار في عامة الأمصار فلعل القائل بالسنية أراد بها الطريقة الحسنة لا طريقة النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ
مذهب المالكية :
قال العلامة الدردير رحمه الله تعالى في الشرح الكبير ( ولفظه ) أي تلفظ المصلي بما يفيد النية كأن يقول نويت صلاة فرض الظهر مثلا ( واسع ) أي جائز بمعنى خلاف الأولى . والأولى أن لا يتلفظ لأن النية محلها القلب ولا مدخل للسان فيها.
قال الدسوقي رحمه الله تعالى في حاشيته على الشرح الكبير : لكن يستثنى منه الموسوس فإنه يستحب له التلفظ بما يفيد النية ليذهب عنه اللبس كما في المواق وهذا الحل الذي حل به شارحنا وهو أن معنى واسع أنه خلاف الأولى والأولى عدم التلفظ هو الذي حل به بهرام تبعا لأبي الحسن والمصنف في التوضيح ، وخلافه تقريران :
الأول أن التلفظ وعدمه على حد سواء .
ثانيهما أن معنى واسع أنه غير مضيق فيه فإن شاء قال أصلي فرض الظهر أو أصلي الظهر أو نويت أصلي ونحو ذلك .اهـ
مذهب الشافعية :
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع : النية الواجبة في الوضوء هي النية بالقلب ولا يجب اللفظ باللسان معها , ولا يجزئ وحده وإن جمعهما فهو آكد وأفضل , هكذا قاله الأصحاب واتفقوا عليه .
وقال شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري في أسنى المطالب وهو يعدد سنن ومستحبات الوضوء : (والتلفظ بها ) ليساعد اللسان القلب , وللخروج من خلاف من أوجبه ( سرا ) اهـ
فائدة : قال الإمام النووي في الأذكار : وقال : اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبة لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه، إذا كان صحيح السمع لا عارض له . انتهى.
مذهب الحنابلة :
معتمد مذهب الحنابلة استحباب التلفظ بالنية قال الإمام المرداوي الحنبلي في الإنصاف : لا يستحب التلفظ بالنية على أحد الوجهين , وهو المنصوص عن أحمد قاله الشيخ تقي الدين . قال : هو الصواب , الوجه الثاني : يستحب التلفظ بها سرا , وهو المذهب , قدمه في الفروع , وجزم به ابن عبيدان , والتلخيص , وابن تميم , وابن رزين . قال الزركشي : هو الأولى عند كثير من المتأخرين .
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع : (واستحبه ) أي التلفظ بالنية ( سرا مع القلب كثير من المتأخرين ) ليوافق اللسان القلب قال في الإنصاف : والوجه الثاني يستحب التلفظ بها سرا وهو المذهب .
وقال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى : (ومحلها ) أي : النية ( القلب , فلا يضر سبق لسان بغير منوي), كما لو أراد أن يقول : نويت الوضوء , فيقول : نويت الصلاة , ( وسن لا لنحو مفارق ) لإمامه (في أثناء صلاة ) كمعتكف نواه وهو يصلي , ( نطق بها ) - أي : النية - ( سرا في كل عبادة ) , كوضوء وصلاة وتيمم ونحوها , ليوافق فعل اللسان القلب .
قال الزركشي الحنبلي: هو أولى عند أكثر المتأخرين . قال في " الإنصاف " : على المذهب , وجزم به ابن عبيدان , و " التلخيص " وابن تميم , وابن رزين , (وإن كان ) النطق بها ( خلاف المنصوص ) عن الإمام أحمد , وجمع محققين .
فائدة :
قال ابن علان الصديقي الشافعي في الفتوحات الربانية على الأذكار النووية : نعم يسن النطق بها ليساعد اللسان القلب ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم نطق بها في الحج فقسنا عليه سائر العبادات وعدم وروده لا يدل على عدم وقوعه وأيضا فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يأتي إلا بالأكمل وهو أفضل من تركه والنقل الضروري حاصل بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره فثبت أنه أتى في نحو الوضوء والصلاة بالنية مع النطق ولم يثبت أنه تركه والشك لا يعارض اليقين ومن ثم أجمع عليه الأمة في سائر الأزمنة وبما ذكر اندفع ما شنع به ابن القيم في الهدي على استحباب التلفظ بالنية قبل تكبيرة الإحرام . اهـ
المصدر: منارة الشريعة
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
من ثمرات إخلاص النّيّة
للإخلاص ثمرات طيبة في النفس والحياة نجُملها فيما يلي:
أولاً: السكينة النفسية:
فهو يمنح صاحبه سكينة نفسية، وطمأنينة قلبية، تجعله منشرح الصدر، مستريح
الفؤاد، فقد اجتمع قلبه على غاية واحدة، هي رضا الله عز وجل، وانحصرت همومه في هم واحد، هو سلوك الطريق الذي يوصل إلى مرضاته، ولا ريب أن وضوح الغاية?
واستقامة الطريق إليها: يريح الإنسان من البلبلة والاضطراب بين الاتجاهات، وتناز ع
الرغبات، وتعدد السبل.
وقد ضرب الله مثلا للمؤمن الموحد بالعبد الذي له سيد واحد، عرف ما يرضيه وما يسخطه، فجعل كل همه في إرضائه، واتباع ما يحبه وللمشرك بالعبد الذي يملكه شركاء متشاكسون، كل واحد يأمره بخلاف ما يأمره به الآخر، وكل يريد منه غير ما يريد صاحبه، فهمه شعاع، وقلبه أوزاع، قال تعالى: (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا، الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون).
ومعنى "سلما" له: أي خالصا له لا يشاركه فيه أحد.
وبهذا تحرر الإنسان المؤمن بإخلاصه العبودية لله من تعاسة العبودية لغيره: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد القطيفة" وسعد بالعبودية لله وحده.
لقد جمع همومه في هم واحد هو رضوان الله تعالى، وجعل نيته وقصده في الآخرة!
فهان عليه كل ما يلقى في هذه الدنيا.
يقول عليه الصلاة والسلام: (من كان الدنيا همه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين
عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره،
وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا، وهي راغمة).
ثانياً: القوة الروحية:
والإخلاص يمنح المخلص قوة روحية هائلة، مستمدة من سمو الغاية التي أخلص
لها نفسه، وحرر لها إرادته، وهو رضا الله ومثوبته.
فإن الطامع في مال أو منصب أو لقب أو زعامة: ضعيف كل الضعف، إذا لاح له بادرة أمل في تحقيق ما يطمع فيه من دنيا، ضعيف أمام الذين يملكون إعطاءه ما يطمح إليه! ضعيف إذا خاف فوات مغنم يرجوه، أما الذي باعها لله، فهو موصول بالقوة التي لا تضعف، والقدرة التي لا تعجز، ولهذا كان في تجرده وإخلاصه أقوى من كل قوة مادية يراها الناس.
فالقوة الروحية أعظم من كل القوى المادية، وذكر الغزالي في "الإحياء" قصة ترمز إلى هذا المعنى، إنها قصة العابد الذي سمع أن شجرة يعبدها الناس من دون الله، فحمل فأسه، وذهب مصمما على أن يقطعها، ويقطع معها دابر فتنة تقديسها وعبادتها، وفي الطريق قابله إبليس فأراد أن يثنيه فأبى، فتصارعا، فصرع العابد إبليس، وبدا كأنه ريشة في يده!
وهنا بدأ إبليس في مفاوضة ماكرة مع العابد: أن يعود ويدع الشجرة، فإن قطعها لا
يفيد، فقد يعبدون شجرة أخرى، وتعهد أن يعطيه كل يوم دينارا، يجده تحت وسادته، فينتفع به، وينفق منه على المساكين، ومازال إبليس بالرجل، حتى اقتنع، وسلمه مبلغا مقدما، ثم ظل مدة يتسلم فيها الدينار كل صباح وفق ما اتفقا عليه.
ولكن العابد فوجئ يوما بأنه لم يجد الدينار تحت الوسادة، كما اعتاد، فصبر عدة أيام!
لعل صاحبه يفي له بما وعده، بيد أنه لم يفعل، فما كان من العابد إلا أن حمل فأسه، وذهب ليقطع الشجرة من جديد، فقابله إبليس، فتحدَّاه، وتنازعا واصطرعا، فصرع إبليس الرجل هذه المرة، وكان كأنه عصفور بين رجليه!
وهنا سأله العابد: ما الذي جعله يغلبه هذه المرة، بعد أن انتصر على إبليس بجدارة في المرة الأولى؟ هنا قال له إبليس: لقد كان غضبك في المرة الأولى لله، فكان لديك من القوة ما لم يكن لي قِبَل بها، ولا طاقة لمواجهته، فهزمت أمامك بسرعة. أما هذه المرة فكان غضبك لانقطاع الدينار، فلم يكن عندك من القوة ما كان من قبل، وهزمت أمامي بسرعة البرق.
وهنا ظهر الفرق بين الغضب للدرهم والدينار، والغضب للواحد القهار.
ثالثاً: الاستمرار في العمل:
ومن آثار الإخلاص: أنه يمد العامل بقوة الاستمرار، فإن الذي يعمل للناس، والذي يعمل لشهوة البطن أو الفرج، يَكُفُّ إذا لم يجد ما يشبع شهوته، والذي يعمل أملا في
شهرة أو منصب، يتراخى ويتثاقل إذا لاح له أن أمله بعيد المنال، والذي يعمل لوجه الرئيس أو الأمير، ينقطع أو يتوانى إذا عزل الرئيس أو مات الأمير.
أما الذي يعمل لله فلا ينقطع ولا ينثني ولا يسترخي أبدا، لأن الذي يعمل له لا يغيب ولا يزول، فوجه الله باق إذا غابت وجوه البشر، أو هلك الخلق كل الخلق: (كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون).
ولهذا قال الصالحون: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل! وهذا ما صدقه الواقع، وما رأيناه ولمسناه، ولازلنا نراه ونلمسه في كل زمان ومكان.
رابعاً: تحويل المباحات والعاديات إلى عبادات:
والإخلاص هو "إكسير" الأعمال، الذي إذا وضع على أي عمل ولو كان من المباحات
والعادات حوله إلى عبادة وقربة لله تعالى، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: "إنك ما تنفق نفقة تبغي بها وجه الله تعالى إلا أثبت عليها، حتى اللقمة تضعها في في (أي فم) امرأتك".
وقال تعالى في شأن الذين يجاهدون في سبيله: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب
ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون).
فجعل جوعهم وعطشهم ومشيهم ونفقتهم مما يسجل لهم في رصيد حسناتهم عند الله عز وجل، مادام ذلك في سبيل الله، ولن تكون هذه الأشياء في سبيل الله إذا أداها المسلم لتكون كلمة الله هي العليا.
وذلك أن الوسائل والآلات بحسب المقاصد والغايات!
خامساً: إحراز ثواب العمل وإن لم يتمه أو لم يعمله:
ومن بركات الإخلاص لله: أن المخلص يستطيع أن يحرز ثواب العمل كاملا وإن لم يقدر على إتمامه بالفعل، لنستمع إلى قول الله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله، وكان الله غفورا رحيما).
بل يستطيع المسلم بنيته الخالصة لله أن يدرك ثواب العمل كاملا، وإن لم يؤده ولم يشرع فيه، ولهذا أمثلة كثيرة جاءت بها الأحاديث.
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: "إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا، حبسهم العذر".
وروى النسائي وابن ماجه عن أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى، وكان صدقة عليه من ربه".
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه".
وقال أيضا: "من طلب الشهادة صادقا، أعطيها، ولو لم تصبه"، والحديثان يؤكدان وصفا أو شرطا لابد منه، لمن يحصل على "الشهادة" وهو على فراشه، لم يقتل ولم يصب ?
وهو أن يكون سؤاله للشهادة "بصدق"، أن يطلبها "صادقا"، فما كل من يسأل الشهادة بلسانه، يكون صادقا في أعماقه، فالمدار على السرائر، والله أعلم بها.
وقد يتقرب المخلص إلى ربه بعمل فيخطئ في تأديته، ويضعه في غير موضعه، فتأتي نيته الصالحة شفيعا، فتصحح له خطأه، وتكمل له نقصه.
وفي هذا جاء حديث الصحيحين في الرجل الذي تصدق في ثلاث ليال فصادفت صدقته مرة رجلا سارقا، ومرة امرأة زانية، والثالثة رجلا غنيا، ولكنه حمد الله على كل حال ?
وأراد الله تعالى أن يثبت قلبه ويشرح صدره، فأتاه في المنام من يقول له: "أما صدقتك
على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها ?
وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله"، وتقبل الله صدقته ببركة نيته، ولم يضع أثرها في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك جزاء المخلصين.
سادساً: النصر والكفاية الإلهية:
ومن ثمرات الإخلاص: أن المخلص مؤيد من الله، مكفي به سبحانه، كما قال تعالى: (أليس الله بكاف عبده). وعلى قدر إخلاص المرء لربه، وتجرده له، يكون مدد الله تعالى وعونه وكفايته وولايته!
إن الإمداد على قدر الاستعداد: إمداد الله بالنصر والتأييد، أو بالتوفيق والتسديد، على
حسب ما في القلوب من تجريد النية، وصفاء الطوية، يقول تعالى: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم).
ويقول: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا).
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في رسالته الشهيرة في القضاء قوله: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله".
قال ابن القيم في شرح هذه الكلمات في "الإعلام": "هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع: فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر وفصله، فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا
غالب له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟ فإن كان الله مع العبد فمن يخاف؟ وإن لم يكن معه فمن يرجو؟ وبمن يثق؟ ومن ينصره من بعده؟ فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجا ومخرجا ? وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد، فمن كان قيامه في باطل لم ينصر، وإن نصر نصرا عارضا فلا عاقبة له، وهو مذموم مخذول. وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله، وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي، كان هو المقصود أولا، والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تضمن له النصرة، فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه، فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين، وإن نصر فبحسب ما معه من الحق، فإن الله لا ينصر إلا الحق. وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبدا ? فإن كان صاحبه محقا كان منصورا له العاقبة، وإن كان مبطلا لم يكن له عاقبة، وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوته، ولم يقم بالله مستعينا به متوكلا عليه ? مفوضا إليه، بريا من الحول والقوة إلا به، فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك. ونكتة المسألة أن تجريد التوحيدين في أمر الله لا يقوم له شيء البتة ?
وصاحبه مؤيد منصور، ولو توالت عليه زمر الأعداء.
قال الإمام أحمد: حدثنا داود، أنبأنا شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: من أسخط الناس برضاء الله عز وجل
كفاه الله الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
سابعاً: تأييد الله تعالى ومعونته في الشدائد والأزمات:
ومن ثمرات الإخلاص: أن الله تعالى يمد المخلص بعونه، ويحرسه بعينه التي لا تنام ?
ولا يتخلى عنه إذا حلت بساحته الخطوب، وأحاطت به الشدائد والكروب، فهو سبحانه يستجيب دعاءه، ويلبي نداءه، ويكشف عنه الغمة.
ومن عجيب ما ذكره القرآن في ذلك: استجابة الله تعالى دعاء المشركين، إذا جرت بهم الفلك في البحر، وهاجت عليهم الريح، وأحاط بهم الموج من كل مكان، فيدعون الله في تلك اللحظات بصدق وإخلاص، فيستجيب لهم، وإن غيروا بعد ذلك وبدلوا، يقول الله تعالى: (هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم ? دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق).
وإنما أنجاهم واستجاب لهم، لأنهم (دعوا الله مخلصين له الدين) فقد رجعوا في تلك اللحظة إلى الفطرة، وسقطت الآلهة المزيفة، ولم يبق لديهم إلا الله يدعونه بإخلاص ويتجهون إليه.
ومن أبرز الأمثلة والوقائع في أثر الإخلاص في إنقاذ المكروب من كربته: قصة الثلاثة
"أصحاب الغار".
فمن رحمة الله تعالى: أن الأرض لا تخلو من المخلصين، فهم للحياة الروحية كالماء والهواء للحياة المادية!
ثامناً: خلاص المجتمعات واستقامة الحياة:
ثمرة الإخلاص ليست مقصورة على الآخرة، بمعنى أننا لا نطلب الإخلاص لتكون أعمالنا مقبولة عند الله، ونفوز في الآخرة بالجنة، ونزحزح عن الناس فحسب، فهناك فوق هذا: أن الإخلاص مطلوب لكي تستقيم الأمور في هذه الدنيا، ويقوم العدل، ويزول الظلم والظلام، وتتخلص المجتمعات من آثار الفساد.
إنما تفسد الحياة، وتختل موازينها، إذا اختفى الإخلاص، وبرز النفاق، وعلا صوت المنافقين، وراجت بضاعتهم. إن هؤلاء لا يبالون في سبيل شهوات أنفسهم ومصالحهم الآنية المادية الدنيوية العاجلة أن يجعلوا الأقزام عمالقة، والشياطين ملائكة، واللصوص أشرف الناس، وأن يتهموا الشرفاء، ويخونوا الأمناء، ويكذبوا على الأبرياء، وأن يجعلوا السراب ماء، والأصدقاء لآلئ، كما رأينا ذلك في بعض الشعراء قديما، وبعض الصحفيين حديثا.
إن حب الدنيا، وحب مظاهرها الكاذبة، من المال والجاه والمنصب والزعامة والظهور، هو الذي صنع الفراعنة والجبابرة، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، والذي مكن لهؤلاء ومهد لهم الأرض، هم المنافقون الذين يتمسحون بأعقابهم، ويبررون كل تصرفاتهم، ويجعلون كل أقوالهم حكما ودررا، وكل أعمالهم بطولات وغررا.
ولا ينقذ الأمم من الضياع والكساد والفساد إلا المخلصون الذين يقومون لله لا للناس?
ويعملون للحق لا للهوى، ويجاهدون لإعلاء كلمة الله، لا لإعلاء كلمة فلان أو علان.
إن الخلاص كل الخلاص، لا يتحقق إلا بالإخلاص.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
نية الصوم
اللجنة العلمية
عوامل مساعدة على تحقيق إخلاص النّيّة
هناك أمور تعين المسلم السالك طريق الله على إخلاص النية والعمل لله تعالى. إنها بواعث نفسية، ودوافع روحية، وعوامل فكرية، وجوانب عملية، إذا توافرت وتوطدت فهي جديرة أن تؤثر في عقل السالك وضميره، وتدفعه إلى الأمام في طريق المخلصين! وتساعده على تحرير نفسه، وتنقية دواعيه من الشوائب الذاتية والدنيوية.
أولاً: العلم الراسخ:
أول هذه المعينات أو البواعث: أن يعلم علما يستيقنه في أعماقه بأهمية الإخلاص وضرورته الدينية، وثمراته في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى لا يقبل عملا إلا بإخلاص!
مهما تكن صورته، وأنه تعالى مطلع على ما في قلبه، فهو يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية، كما قال إبراهيم عليه السلام: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء).
ولا يتم ذلك إلا بأن يقرأ ويكرر ما جاء في القرآن والسنة في ذلك، وما جاء في كلام
الصالحين، ويستيقن من خطر الرياء، وحب الجاه والشهرة، وحب الدنيا .. وتأكد هذه المعارف في النفس ورسوخها يعينها على أن تتخلص من أهوائها الذاتية، ومن شهواتها الدنيوية.
فإن مقام "الإخلاص" كغيره من المقامات أو الأخلاق الربانية مركب مكون من ثلاثة
عناصر:
1. عنصر معرفي إدراكي.
2. وعنصر وجداني انفعالي.
3. وعنصر عملي إرادي.
وهذا ما يعبر عنه الإمام الغزالي في "الإحياء" عادة بأنه معجون مركب من: علم، وحال وعمل.
ولا ريب أن أول هذه العناصر هو العلم والمعرفة، فالعلم هو الذي يسبق في الوجود، ولا يمكن أن يتوجه الإنسان إلى شيء لا يدركه ولا يعلمه بوجه من الوجوه، إنما يأتي
التوجه الوجداني: المحبة والرغبة، أو البغض والرهبة نتيجة للمعرفة والإدراك. وكلما قويت المعرفة، ورسخ العلم، حتى وصل إلى درجة اليقين، كان تأثيره في الوجدان أقوى وأعمق، فالمرء يعرف أولا، فيتأثر ثانيا، فيتحرك ثالثا. وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وليعلم الذين أوتوا العلم إنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم).
كان العطف هنا بحرف "الفاء" للدلالة على الترتيب والتعقيب، فهؤلاء الذين أوتوا العلم يعلمون أن القرآن هو الحق من عند الله، فيترتب على هذا العلم الإيمان به، ويترتب على هذا الإيمان: حركة قلوبهم بالإخبات والخشوع لله تعالى.
ثانياً: صحبة أهل الإخلاص:
ومما يعين على الإخلاص: صحبة أهل الإخلاص ومعايشتهم، والحياة في رحابهم! ليتأسى بهم، ويأخذ عنهم، ويتخلق بأخلاقهم، فإن التأسي بهم صلاح، والتشبه بهم فلاح.
وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم أثر الصحبة والمجالسة في الصاحب والمجلس تصويرا بليغا معبرا، فقال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك (أي يعطيك) وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة".
ومن رحمة الله بالناس: أن الأرض لا تخلو من هؤلاء، فليجتهد سالك طريق الآخرة في البحث عنهم، والاقتباس منهم، فهم كما جاء في الصحيح: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
لقد نوَّه الحكماء والشعراء والأدباء بالصحبة والأصحاب، وقال في ذلك الشاعر: عن المرء لا تسأل، وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي!
لا ريب أن من أعظم البواعث على الإخلاص: صحبة المخلصين، الذين نذروا حياتهم لله! وباعوا أنفسهم وأموالهم لله، هؤلاء الذين يجالسونك في الله، ويحبونك في الله، وتحبهم في الله .. ليسوا من الذين يقبلون عليك، ويلتفون بك، إذا أقبلت عليك الدنيا، ويعرضون عنك إذا أدبرت عنك الدنيا، فهم ذباب طمع، وفراش نار.
هؤلاء الذين أمر الله رسوله الكريم أن يصبر نفسه معهم، ولا تعدو عيناه عنهم، وذلك
في قوله سبحانه: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).
إن الذي يصحب هؤلاء يتأثَّر بهم، ويأخذ عنهم، ويقتبس منهم فضائلهم، بالأسوة الحسنة، وبالحال المؤثرة، ولهذا قال السلف: "حال رجل في ألف رجل، أبلغ من مقال
ألف رجل في رجل". يعنون بحاله: سلوكه وخلقه وعمله.
وقد جاء عن سلمان رضي الله عنه: "مثل الأخوين المؤمنين كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، وما التقى مؤمنان قط إلى أفاد الله أحدهما من صاحبه خيرا".
المهم ألا تعيش وحدك، ولا تخلد إلى صومعة العزلة، وحياة الرهبنة، فلا رهبانية في الإسلام، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، والخير والرحمة مع الجماعة، والهلاك والضياع مع الانفراد والشذوذ عن الجماعة. ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، والشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فهي مع القطيع محمية به ? محروسة ببركة التجمع، وهي إذا شردت عنه التهمها الذئب منفردة، والشيطان هو ذئب الإنسان. والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والجماعة قوة على الطاعة، وعون على الحماية من المعصية.
فتعرف على إخوانك في الله، وضع يدك في أيديهم، وتعلم منهم وعلمهم، وتعاون معهم على البر والتقوى، وتواص معهم بالحق والصبر، تعرف عليهم في المساجد، وفي
مجالس الخير، وفي حلقات العلم، وفي ميادين الدعوة، ولا تخلو الأرض إن شاء الله منهم. قال تعالى: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقال تعالى: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)!
فأوص غيرك بالحق، وتقبل الوصية من غيرك به، وليس هناك مؤمن أصغر من أن يوصى !
ولا أكبر من أن يوصي، وهذا معنى التواصي، الذي يقتضي التفاعل من الجانبين، وقد
قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
وفي الحديث: "المؤمن مرآة المؤمن".
ثالثاً: قراءة سير المخلصين:
ومما يعين على الإخلاص، ويبعث عليه: قراءة سير المخلصين، والتعرف على حياتهم، للتأثر بهم، والاهتداء بهداهم، فإذا لم يستطع السالك إلى الله أن يجد المخلصين الأحياء ليصاحبهم، فلا أقل من أن يصحب المخلصين الأموات، فإن الأخلاق كالأفكار لا تموت بموت أصحابها.
فهذه القراءة لون من الصحبة والمعايشة، ولكنها صحبة فكرية ونفسية، ومعايشة روحية وإيمانية.
ومن فضل الله تبارك وتعالى: أن في تراثنا كثيرا من "النماذج المخلصة" التي لا يملك من قرأها إلا أن يتأثر بها.
من هذه النماذج نموذج الثلاثة "أصحاب الغار" الذين قص علينا قصتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. حين أطبقت عليهم الصخرة، فلم ينجهم منها إلا أعمال صالحة كانوا قدموها خالصة لوجه الله تعالى، فتوسلوا إلى الله بها، وقال كل واحد منهم: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه". ففرج الله عنهم ?
وأخرجهم من ورطتهم بسبب إخلاصهم. وقد مر بنا هذا النموذج مفصلا فليرجع إليه.
ومن هذه النماذج ما جاء في الحديث الذي رواه النسائي في سننه عن شداد بن الهاد رضي الله عنه: أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به وابتعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه. فلما كانت غزاته غنم النبي صلى الله عليه وسلم فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: "قسمته لك".
قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت، فأدخل الجنة، فقال: "إن تصدق الله يصدقك".
فلبثوا قليلا: ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهو هو"؟ قالوا: نعم، قال: "صدق الله فصدقه".
ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته التي عليه، ثم قدمه فصلى عليه، وكان بما ظهر من صلاته: "اللهم هذا عبدك، خرج مهاجرا في سبيلك، فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك".
ومن ذلك: ما حفل به التاريخ الإسلامي من روائع البطولات، ووقائع المخلصين الذين نذروا أنفسهم لله، وجعلوا حياتهم كلها لله، وجهادهم كله لله، فلم يشركوا به أحدا.
ونذكر قصة صاحب النقب في أن المسلمين في إحدى معاركهم وقفوا أمام حصن منيع من حصون عدوهم، وطال حصارهم لهذا الحصن، ثم فكر أحد الجنود في فتح ثغرة أو نقب في جدار الحصن، يتسلل منه، ويفتح
الباب للمقاتلين المسلمين.
فعل ذلك الجندي المسلم، ونقب النقب وحده في هدوء وصمت، مما مكن المسلمين من تحقيق النصر المنشود بأقل التضحيات.
المهم أن قائد المعركة بحث عن "صاحب النقب" الذي كان وراء هذا النصر، ولم يتقدم أحد يقول: أنا هو. فخطب في جنوده قائلا: أقسمت بالله على من نقب النقب أو عرف صاحبه إلا دلني عليه. وبينما القائد في خيمته دخل عليه رجل، وقال له: هل تريد أن تعرف صاحب النقب؟ قال: نعم والله.
قال: أنا أدلك عليه، ولكن له شروطا يطلبها، قال: له كل ما يشترط، فما شروطه رحمك الله؟ قال: ألا تسأله عن اسمه، ولا تعلن عنه في الناس أو إلى الخليفة، ولا تكافئه
على عمله، قال: له ذلك، فأين هو؟ قال: أنا هو! فقام القائد وعانقه. فطالبه بالوفاء بالشرط، فلم يملك القائد إلا الاستجابة، وذاب هذا الجندي المجهول في المحيط الكبير!
فلم يره أحد بعد ذلك.
فكان القائد يدعو الله أن يحشره مع صاحب النقب، وأن ينصر دينه به وبأمثاله من أهل الإيمان والإخلاص: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين).
رابعاً: المجاهدة للنفس:
ومن المعينات على الإخلاص: المجاهدة. ونعني بالمجاهدة توجيه الإرادة إلى جهاد النفس الأمارة بالسوء، ومقاومة رغباتها الذاتية والدنيوية، حتى تخلص لله تعالى.
ولا يستطيع أحد أن يسلك طريق القوم، وهو مستسلم لأهواء نفسه، وحبها للجاه والظهور، وطموحها إلى الشهرة والثناء، أو للثروة والمال، أو لغير ذلك من شهوات النفس، وزخارف الدنيا. وإنما يسلك الطريق من اصطحب معه إرادة قوية، وتصميما على المجاهدة، و"الإرادة" هي الأساس، و"المجاهدة" هي المحور.
وإن أخطر شيء على سالك الطريق هو اليأس من الانتصار في هذه المعركة، وإلقاء السلاح اعترافا بالهزيمة النفسية، أو إقرارا بالعجز أو باستحال الوصول.
وقد كان بعض الحكماء يكره من أصحابه وتلاميذه كلمات ثلاثا، هي: لا أقدر، لا أعرف! مستحيل.
فأما من قال له: لا أقدر، فيقول له: حاول.
وأما من قال له: لا أعرف، فيقول له: تعلم.
وأما من قال له: مستحيل، فيقول له: جرِّب.
ولاشك أن في مجاهدة النفس صعوبة ومعاناة ومشقة، يجدها من يريد طريق الآخرة ? وخصوصا في أول الأمر، ولكن بالاجتهاد والمحاولة والتكرار والصبر، والاستعانة بالله تعالى، يسهل الصعب، ويتيسر العسير.
وهذه سنة الله في خلقه: أن من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل!
وهذا وعد الله سبحانه لمن جاهد فيه: أن يهديه سبيله وينير له طريقه، كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).
وهذه الآية مكية، أي أنها نزلت قبل أن يشرع الجهاد بالمعنى العسكري، فهي أحق بأن تكون في ألوان الجهاد الأخرى، وفي مقدمتها: جهاد النفس، وهو أول مراتب الجهاد وأولاها.
وفي الحديث الشريف: "المجاهد من جاهد نفسه لله"، أو قال: "في الله عز وجل".
خامساً: الدعاء والاستعانة بالله:
ومما يقوي ذلك كله ويشد عضد سالك الطريق إلى الله: أن يستعين بالله تبارك وتعالى على أمره كله، فمنه وحده العون، وبه التوفيق، وإليه يرجع الأمر كله. وقد علمنا الله تعالى أن نقول في صلواتنا أبدا: (إياك نعبد وإياك نستعين). فهذه هي حقيقة التوحيد: إفراد الله عز وجل بالعبادة والاستعانة، فلا عبادة إلا له، ولا استعانة إلا به تبارك وتعالى، وفي الصحيح: "استعن بالله ولا تعجز".
والدعاء سلاح المؤمن، وسبب من الأسباب الروحية التي شرعها الله للإنسان ليحقق مطالبه، ويسد حاجاته.
وعندما تعجز وسائل الإنسان المادية، أو تضعف قدرته، أو تهن إرادته، فليس أمامه إلا
باب الله الكريم، يطرقه بالدعاء، ويسأله من فضله، وهو أهل الإجابة، وقد مر بنا الحديث الذي عمله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".
ختاماً أخي، ازرع في أرض قلبكَ هذه النّوايا الطّيّبة!
الآن، أنت مدعوٌّ يا أخي إلى أن تستجيش كلَّ مشاعرك وأشواقك، لتعقدَ منها نيَّاتٍ تستودعها في قلبك، لتكون باعثاً يدفعك إلى الاجتهاد في صيام هذا الشهر وقيامه:
1- فأودِع في قلبك الأمل بأن تكون من أولئك الّذين نوَّه بذكرهم المولى عزّ وجلّ، فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112] قال المفسرون: "أما قوله: {السَّائِحُونَ} فإنهم الصائمون". وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "سياحة هذه الأمة: الصيام" .
2- استحضر أنك تقوم بعمل لا مثيل له «عليك بالصوم فإنه لا عدل له» [صححه الألباني، صحيح الترغيب: 986].
3- استحضر أنك تقوم بعمل ادّخر الله ثوابه: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
4- أن تكفر سيئاتك «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ» [رواه البخاري].
5- مغفرة ما تقدم من ذنوبك بصيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر.
6- أن يشفع لك الصيام يوم القيامة.
7- اغتنام صلاة الله -عز وجل- والملائكة عليك: «إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» [حسنه الألباني، صحيح الموارد: 728].
8- أن يبعدك الصوم عن النار «الصوم جنة يستجنّ بها العبد من النار» [حسنه الألباني، صحيح الجامع :3867].
9- الصوم يوم الصيف نحتسب به أن يعوضنا عنه يوم تدنو الشمس من الرؤوس (يوم القيامة).
10- «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» [حسنه الألباني، صحيح الجامع : 3868].
11- أن تدخل يوم القيامة من باب الريان ولا يدخل معك إلا الصائمون.
12- إذا مت وأنت صائم دخلت الجنة: «من ختم له بصيام يوم دخل الجنة» [صححه الألباني، صحيح الجامع: 6224].
13- أن تغتنم الدعوة التي لا ترد عند إفطارك.
14- تكون من الأبرار: «جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار، يقومون الليل، ويصومون النهار، ليسوا بأثمة ولا فجار» [صححه الالباني، صحيح الجامع: 3097]
15- الحصول على الفرحتين الموعودتين: عند فطرك، وعند لقاء ربك.
16- أن يكون خلوف فمك أطيب عند الله من ريح المسك.
17- اغتنام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
18- أن تكتب من القانتين أو من المقنطرين على قدر عدد الآيات التي تقوم بها، سواء مع إمامك في التراويح، أو وحدك في التهجد.
19- أن تكتب مع الصديقين والشهداء بصيامك رمضان وقيامك: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان، وقمته، فممّن أنا؟" قال: «من الصديقين والشهداء» [صححه الألباني، صحيح الترغيب: 361].
20- أن ترفع درجاتك في الجنة ويكون لك السبق: «أليس قد صام بعده رمضان؟» [حسنه الألباني].
ولا أعدم منك دعوة صالحة أن يجمعني الله بك والفائزين..
في جنات النعيم
اللهم اجعلنا من عتقائك في رمضان
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
معنى الإسراف في القرآن الكريم
(ما المقصود بالإسراف؟)
الإسراف: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وهو في الإنفاق أشهر, يقول تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف.
فالإسراف يشمل كلُّ تجاوز في الأمر، وقد جاء في القرآن الكريم على معانٍ متقاربة ترجع جميعها إلى الأصل اللغوي، وهو التجاوز في الحد.
من أهم مظاهر الترف: الإسراف في إنفاق الأموال وتبديدها دون ضرورة مما يحرم مستحقيها فيشيع من جراء ذلك البؤس
والشقاء في الطبقات الكادحة، ومن البؤس والشقاء يتفجر الحقد، وتروج الرذيلة، وينبت الإجرام.
فالإسلام يرى: أن مال كل فرد هو مال الأمة، وهو في الأصل
مال الله أعطاه للإنسان وديعة لينفقه على نفسه وعلى مجتمعه
في سبيل الخير، وهذا ما صرح به القرآن:
(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) ? النور:33
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) الحديد:7
فإسراف الغني في إنفاق المال وتبذيره بغير الطرق المشروعة هو
إعتداء على مجموع الأمة، لأن المال عصب الحياة ومصدر قوة الأمة، به تنشؤ المعامل التي تؤوي العاطلين عن العمل، وبه تستصلح الأرض للزراعة، وبه تحصل الأمة على السلاح الذي
يقيها من اعتداء الغير، وغير ذلك مما فيه رفاهيتها وصلاحها.
ولهذا يأمر الإسلام الحكام أن يكونوا عينا على تصرفات الأفراد
ليحولوا بينهم وبين كل إسراف وتبذير لأموال الأمة بغير حق
ولقد وصف الله المبذرين بالسفه، وأمر بالحجر على أموالهم.
قال سبحانه وتعالى:
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء:5
في هذه الآية إشارتان بليغتان في النهي عن التبذير:
الأولى- قوله تعالى (أموالكم) ليلفت الأنظار إلى أن مال السفيه، هو مال الأمة.
الثانية - قوله تعالى: (التي جعل الله لكم قياما) أي أن الأموال جعلها الله لتقوم عليها مصالحكم فيجب المحافظة عليها وعدم إعطائها للسفيه.
ولقد راج التبذير في مجتمعنا في الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة، وهذا ما ينذر بأوخم العواقب.
ولهذا نهى الإسلام عن الإسراف و التبذير فقال تعالى:
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ? إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف31
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)
والإسراف كما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف".
(الإسراف في الذنوب والكفر)
ويقول في شأن الإسراف في الذنوب والكفر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (53) سورة الزمر.
(الإسراف من صفات الكافرين)
والإسراف صفة من صفات الكافرين؛ يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} (127) سورة طه. وهو صفة من صفات الجبارين الذين يملكون بأيديهم السلطة والمال، يقول تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (83) سورة يونس. وقال تعالى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} (151) سورة الشعراء.
(العلاقة بين الإسراف والتّبذير)
والإسراف والتبذير، يلتقيان في معنى الإنفاق بغير طاعة، ولكنَّ الإسراف أعمُّ من التبذير؛ لأنَّ التبذيرَ معناهُ التفريقُ, وأصلُه إلقاءُ البذر في الأرض, واستُعير لكلِّ مضيّعٍ مالَهُ، يقول تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (27) سورة الإسراء.
(العلاقة بين الإسراف والسّفه)
والإسراف والسفه يلتقيان في معرض الغفلة والطيش وخفة النفس ونقصان العقل، وإنَّ ما يحصل من السفيه في إنفاق المال بما لا يُرضي الله ليُبيِّن الحقيقةَ في أنَّ السفه سببٌ من أسباب الإسراف.
(المقارنة بين الإسراف والكرم)
ويختلف الإسراف عن الكرم رغم أنَّ كلاً منهما عطاء، لكن الكرم يكون وفق أصول الشرع, مثل: إطعام الضيف، وإكرام الفقير، ومنه: فإنَّ البخل ضد الكرم, وليس ضد الإسراف، وإنما الإسراف ضد الاعتدال والاستقامة، والإسراف قرين الكبر والمَخيلة يظنُّ المسرف أنَّ له فضلاً بإسرافه، فيُصيبه الكبر والبطر, والإسراف كما يكون من الغنيِّ، فقد يكون من الفقير أيضاً؛ لأنَّ الإسراف في هذه الحالة أمر نسبيٌّ.
(أبشع صور الإسراف)
لقد قدم الإسلام للبشرية منهجاً متكاملاً وتصوراً واضحاً عن طبيعة التصرف في جميع شئون الحياة، وبين بشكل واضح حدود الحلال والحرام فيها, ونهى عن الإسراف في شتى صوره, وإن أبشع صور الإسراف عندما يكون في معصية الله والتعدي على حدوده، فهو محرم بالإجماع!
(ضابط الإنفاق في المباحات)
وأما الإنفاق في المباحات فيجب الالتزام بالعدل والاستقامة والتوسط فيها، حتى لا يتحول الإنفاق على المأكل والمشرب والملبس إلى البذخ والتفاخر والتعالي على الناس!
(شرُّ مواضع الإسراف)
بل إنَّ شرَّ مواضع الإسراف أن تقام الولائم العظيمة ويدعى إليها الأغنياء، ويحرم منها الفقراء, وإنَّ ما يلقى منها في الفضلات ليُشبع خلقاً كثيراً من أهل الحاجة في مناطق المجاعة.
(بذل المال في سبيل الله لا يكون إسرافاً)
وأما المبالغة في بذل المال طاعةً لله وفي سبيله، فلا يكون إسرافاً, وإن كان هذا البذلُ مشروطاً بأن لا يُضيِّع المنفِقُ من يعول، ويذرَ ذريته عالةً على الناس.
(الإسراف في مجال العقوبات والحدود)
وفي مجال العقوبات والحدود، فإنَّ الشَّرع قد أقرَّ عقوبات محددة على أفعال معلومة، ولا يجوز التجاوز في تنفيذها عن حدها المقرر، وقد شدد الإسلام على الالتزام بهذا المنهج في قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء. أي لا يتجاوز في القتل إلى غير القاتل من إخوانه وأقربائه كما كان يفعل أهل الجاهلية قديماً، وكما هو الحال اليوم مع أهل الجهل حيث تنتشر أعمال الأخذ بالثأر التي تتعارض مع أحكام الإسلام.
(لا بدّ من القصد في الأمور كلّها)
من طبيعة البشر التوسعُ في النفقات، والمبالغة في الاستهلاك، وهدرُ الأموال عند أول شعور بالثراء واليسار، ولا يعرفون أيَّ معنىً لوفرة المال إذا لم يصاحبها استهلاك أكثر، ورفاهية وتمتع بالكماليات أوسع, وقد صرح القرآن بأن من طبيعة الإنسان السرف عند الجِدَة، وتجاوز حدود القصد والاعتدال, قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (6 - 7) سورة العلق. وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء} (27) سورة الشورى.
ولتهذيب الإنسان وتربيته أمر الله تعالى بالقصد في الأمور كلها حتى في أمور العبادات؛ كيلا يملَّها العبد؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) 1.
(الإسراف ضدُّ القصد)
وضدُّ القصد السرف وهو منهيٌّ عنه كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. ومن دعاء عباد الله الصالحين: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147) سورة آل عمران.
(ما ورد في الإسراف في الأطعمة)
والإسراف في شراء الأطعمة وأكلها أو رميها من مواطن النهي الجلي في القرآن, قال تعالى: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141) سورة الأنعام. وكذا الإسراف في الملابس والمراكب والأثاث وغيرها محرمٌ كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ) 2.
(لماذا التَّشديد في النهي عن السَّرف)
قد يتساءل متسائل:
لماذا يُنهى عن السرف, ولماذا هذا التشديد في النهي عن السرف؟
فالجواب أنه:
ما كان ذلك إلا لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يُسأل عنها العبدُ يوم القيامة؛ فهو يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ والسرف يعارض حفظ المال، بل يتلفه ويؤدي إلى إفقار نفسه، ومن ثم إفقار أهل بيته وقرابته وأمته، والله تعالى كره لنا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال!
إنَّ حفظ المال فيه حفظُ الدين والعرض والشرف, والأممُ التي لا تمتلك المال لا يحترمها الآخرون، والشخص الذي ليس له قوة من مال أو جاه لا ينظر الناس إليه ولا يأبهون به، ومن أجل ذلك قال الحكماء: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرميْن: الدين والعرض.
(السَّرَف طريقٌ محرّم في الإنفاق)
إنَّ الشريعة الإسلامية لم تحرم اكتساب الأموال ونماءها والتزود منها، بل حضَّت على ذلك, ولكنها حرمت الطرق المحرمة في كسبها وإنفاقها, وإن من الطرق المحرمة في إنفاقها السرف فيها وإهدارها بغير حق، إما في سفر باذخ محرم، وإما في حفلة زواج باهظة الثمن, ولو تأملنا فيما ينفق من أموال على السفر إلى بلاد الكفر والفجور لوجدناه يعدل ميزانيات دول كاملة، وما ينفق على حفلات الأعراس التي يلقى فائض أطعمتها في النفايات يساهم في إنقاذ الملايين ممن يموتون جوعاً، وفي كل عام يموت الآلاف من البشر جوعاً؛ فهل من حفظ المال هدره بأي طريقة؟ وهل من شكر الله تعالى على نعمته إنفاقه فيما يسخطه سبحانه وتعالى؟!
(كان من هدي السلف القصدُ)
فاتقوا الله عباد الله واقتدوا بسلف الأمة الذين لم يكن من هديهم الإسراف وتضييع الأموال؛ بل كانوا مقتصدين ينفقون أموالهم في الحق، ويحفظونها عن الإنفاق فيما لا فائدة فيه, قال الحسن -رحمه الله-: "كانوا في الرِّحال مخاصيب، وفي الأثاث والثياب مجاديب". أي: ما كانوا يعتنون بالتوسعة في أثاث البيت من فرش ووسائد وغيره، وفي ثياب اللبس وما يجري مجراها كما يتوسعون في الإنفاق على الأهل". لقد كانوا -رحمهم الله- مع زهدهم وورعهم يعتنون بقليل المال ولا يحتقرون منه شيئاً مع اقتصاد في المعيشة والنفقة؛ ولذا كان القليل من المال يكفيهم, وقد أبصرت أم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها- حبة رمان في الأرض فأخذتها وقالت: إنَّ الله لا يحب الفساد.
(شيوع ظاهرة السّرف الإنفاق)
إن السرف في الإنفاق في العصور المتأخرة تحوَّل من سلوكٍ فرديٍّ لدى بعض التجار والواجدين إلى ظاهرةٍ عامة تجتاح الأمة كلها؛ فالواجد يسرف، والذي لا يجد يقترض من أجل أن يسرف ويلبي متطلبات أسرته من الكماليات وما لا يحتاجون إليه، وهذا من إفرازات الرأسمالية العالمية التي أقنعت الناس بذلك عبر الدعاية والإعلان في وسائل الإعلام المختلفة.
إن المذاهب الرأسمالية ترى أنَّ المحرك الأساس للإنتاج هو الطلب؛ فحيثما وجد الطلب وجد الإنتاج، ومن ثم فإن الإعلانات التجارية تتولى فتح شهية المستهلك للاستهلاك، وتلقي في روعه أنه إذا لم يستهلك السلع المعلن عنها فسيكون غير سعيد، وغير فعال، وسيظهر بمظهر غير لائق، وهذا كله جعل الناس يلهثون خلف سلع كمالية، ويبكون عليها كما يبكي المولود في طلب الرضاعة, وأضحى ربُّ الأسرة المستورة يستدين بالربا من البنوك لتلبية رغبة أسرته في السفر للخارج، أو لإقامة حفلة زواج لابنه أو ابنته تليق بواقع الناس، وهكذا يقال في العمران والأثاث والمراكب والملابس والمطاعم وغيرها, بينما منهج الإسلام تربية الناس لا على الاستهلاك وإنما على الاستغناء عن الأشياء بدل الاستغناء بها حتى لا تستعبدهم المادة كما هو حال كثير من الناس اليوم؛ إذ أصبحوا منساقين بلا إرادة ولا تبصُّر إلى الإسراف وهدر الأموال فيما لا ينفع تقليداً للغير.
(أيّها المسرف!)
هل من معاني الأخوة في الدين أن تستمتع بما أعطاك الله فيما حُرِّم عليك وأنت ترى مآسي إخوانك المسلمين؟! ولو لم يوجد مسلم على وجه الأرض يحتاج إلى جزء من مالك يسدُّ رمقه ويبقي على حياته لمَا حَسُن بك أن تهدر مالك في غير نفع؛ فكيف والمسلمون في كل يوم يموت منهم العشرات بل المئات من جراء التجويع والحصار والحرمان؟!
(احذر عاقبة الإسراف!)
إن عدم الاهتمام بذلك قد يكون سبباً للعقوبة وزوال الأموال، وإفقار الناس؛ حتى يتمنوا ما كانوا يُلقون بالأمس في النفايات -عياذاً بالله- وكم يمر بالناس من عبر في ذلك ولكن قلَّ من يعتبر؛ فكم من أسر افتقرت من بعد الغنى؟! وكم من دول بطرت شعوبها وأسرفت على نفسها فابتلاها الله بالحروب والفتن التي عصفت بها، فتمنَّى أفرادها بعض ما كانوا يملكون من قبل؟! والتاريخ مليء بأحداث من هذا النوع؛ فالمعتمد بن عَبَّاد -رحمه الله- كان من ملوك الأندلس، ويملك الأموال الطائلة، والقصور العظيمة، ولما اشتهت زوجتُه وبعضُ بناته أن يتخوَّضن في الطين أمر بالعنبر والعود فوُضع في ساحة قصره، ورُشَّ عليه ماءُ الورد وأنواع من الطيب، وعُجِن حتى صار مثل الطين؛ فتخوَّضت فيه أسرته المترفة, وما ماتت تلك الأسرة المترفة حتى ذاقت طعم الفقر وألم الجوع؛ إذ استولى "يوسف بن تاشفين" على مملكة ابن عباد، وكان النسوة اللائي تخوَّضن في العود والعنبر لا يجدن ما يأكلن إلا من غزل الصوف بأيديهن الذي لا يسد إلا بعض جوعهن. وهذا أبو عبد الله الزغل من آخر ملوك غرناطة الأندلسية باع أملاكه فيها بعد أن استولى عليها النصارى، وحمل مالاً عظيماً قُدِّر بخمسة ملايين من العملة المعروفة آنذاك, ورحل إلى إفريقيا, فقُبِض عليه وصودرت أمواله، وسُملت عيناه, ورمي في السجن بسبب بيعه غرناطة للنصارى وتخليه عنها، ولما خرج من السجن لم يجد من يطعمه ويؤويه، فأخذ يستعطي الناس في الأسواق، ويطوف وعلى ثيابه رق غزال مكتوب عليه: "هذا سلطان الأندلس العاثر المجد" لعل من يراه يرحمه ويعطيه بعض المال.
لقد أبان لنا التاريخ عاقبة المسرفين كانت ذلاً وخسراً؛ فواجب علينا أن لا نطغى إذا أُعطينا؛ بل نشكر المنعم سبحانه بتسخير نعمه لطاعته والاقتصاد في الإنفاق؛ فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة، وهو سبب حفظ المال3.
اللهم احفظ علينا نعمك، ووفقنا لشكرك وطاعتك، وأعنَّا على ذكرك وحسن عبادتك، واجعل ما أنعمت به علينا من الخيرات معينة على ما أمرتنا به من الطاعات.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
أسباب الإسراف
وللإسراف أسباب وبواعث توقع فيه وتؤدِّي إليه، ونذكر منه:
(1) النَّشأة الأولى:
فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولي أي الحياة الأولي ذلك أن المسلم قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ فما يكون منه سوى الإقتداء والتأسي إلا من رحم الله على حد قول القائل:
وينشئ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
ولعلنا بهذا ندرك شيئا من أسرار دعوة الإسلام وتأكيده على ضرورة إنصاف الزوجين والتزامهم بشرع الله وهديه:
{وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم .... }
{ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}
(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
(2) السعة بعد الضيق:
وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر ذلك أن كثيرا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم وقد يحدث أن تتغير الموازين وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماما فيكون الإسراف أو التبذير.
ولعلنا بهذا ندرك بعض الأسرار التي من أجلها حذر الشارع الحكيم من الدنيا وأوصى بأن يكون النيل منها بقدر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها تهلككم كما أهلكتم).
(إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء).
(3) صحبة المسرفين:
وقد يكون في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم ذلك أن الإنسان غالبا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله لاسيما إذ طالت هذه الصحبة وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير.
ولعلنا بذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام وتشديده على ضرورة انتقاء الصحاب أو الخليل ولقد مرت بنا بعض النصوص الدالة على ذلك أثناء الكلام عن أسباب الفتور.
(4) الغفلة عن زاد الطريق:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن زاد الطريق ذلك أن الطريق الموصلة إلى رضوان الله والجنة ليست طريقاً مفروشة بالحرير والورود والرياحين بل بالأشواك والدموع والعرق والدماء والجماجم وولوج هذه الطريق لا يكون بالترف والنعومة والاسترخاء وإنما بالرجولة والشدة ذلك هو زاد الطريق والغفلة عن هذا الزاد توقع المسلم العامل في الإسراف.
ولعلنا بذلك ندرك سر حديث القرآن المتكرر المتنوع عن طبيعة الطريق: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ....... إلى غير ذلك من الآيات.
(5) الزوجة والولد:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الزوجة والولد.
إذ قد يبتلى المسلم بزوج وولد دأبهم وديدنهم الإسراف وقد لا يكون حازما معهم فيؤثرون عليه وبمرور الأيام وطول المعاشرة ينقلب مسرفا مع المسرفين.
ولعلنا بذلك نفهم بعض الأسرار التي قصد إليها الإسلام حين أكد ضرورة انتقاء واختيار الزوجة وقد قدمت بعض النصوص الدالة على ذلك قريبا أثناء الحديث عن السبب الأول وحين أكد على ضرورة الاهتمام بتربية الولد والزوجة.
{يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}
(ألا كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤل عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤل عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤلة عن عنهم ...... الحديث).
(6) الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحد بل هي متقلبة تكون لك اليوم وعليك غدا وصدق الله العظيم: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}.
والواجب يقتضي أن نكون منها على وجل وحذر: نضع النعمة في موضعها وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة ووقت إلى الغد أو بعبارة أخرى: ندخر من يوم إقبالها ليوم إدبارها.
تلك طبيعة الحياة الدنيا وهذا ما ينبغي أن تكون والغفلة عن ذلك قد توقع في الإسراف.
(7) التهاون مع النفس:
وقد يكوون السبب في الإسراف التهاون مع النفس ذلك أن النفس البشرية تنقاد وتخضع ويسلس قيادها بالشدة والحزم وتتمرد وتتطلع إلى الشهوات وتلح في الانغماس فيها بالتهاون واللين وعليه فإن المسلم العامل إذا تهاون مع نفسه ولبى كل مطالبها أوقعته لا محالة في الإسراف.
ولعلنا بذلك نفهم السر في تأكيد الإسلام على ضرورة المجاهدة للنفس أولا وقبل كل شئ:
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
{قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
(8) الغفلة عن شدائد وأهوال يوم القيامة:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن الشدائد وأهوال يوم القيامة ذلك أن يوم القيامة يوم فيه من الشدائد والأهوال ما ينعقد اللسان وتعجز الكلمات عن الوصف والتصوير وحسبنا ما جاء في كتاب الله عز وجل ـ وسنة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا اليوم.
ومن ظل متذكرا ذلك متدبرا فيه قضى حياته غير ناعم بشيء في هذه الحياة الدنيا أما من غفل عن ذلك فإنه يصاب بالإسراف والترف بل ربما ما هو أبعد من ذلك.
ولعلنا بهذا ندرك شيئا من أسرار دوام خشيته صلى الله وعيه وسلم لربه وقلة تنعمه ونيله من الحياة الدنيا ,
يقول صلى الله عليه ويسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا).
وفي رواية أخرى: (وما تلذذتم بالنساء على الفراش).
(9) نسيان الواقع الذي تحياه البشرية عموما والمسلمون على وجه الخصوص:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو نسيان الواقع الذي تحياه البشرية عموما والمسلمون على وجه الخصوص:
ذلك أن البشرية اليوم تقف على حافة الهاوية ويوشك أن تتزلزل الأرض من تحتها فتسقط أو تقع في تلك الهاوية وحينئذ يكون الهلاك أو الدمار أما المسلمون فقد صاروا إلى حال من الذل والهوان يرثى لها ويتحسر عليها ومن بقى مستحضرا هذا الواقع وكان متبلد الحس ميت العاطفة فإنه يمكن أن يصاب بالترف والإسراف والركون إلى زهرة الدنيا وزينتها.
ولعلنا بذلك ندرك شيئا من أسرار حزنه واهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر البشرية قبل البعثة وبعدها حتى عاتبه ربه ونهاه عن ذلك:
{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}.
{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين}.
{فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.
(10) الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف:
وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف ذلك أن للإسراف آثاراً ضارة وعواقب مهلكة على نحو الذي سنعرض له بعد قليل.
ولقد عرف من طبيعة الإنسان: أنه غالبا ما يفعل الشيء أو يتركه إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه أما إذا غفل عن هذه الآثار فإن سلوكه يختل وأفعاله تضطرب فيقع أو يسقط فيما لا ينبغي ويهمل أو يترك ما ينبغي.
وعليه فإن المسلم العالم إذا غفل عن الآثار المترتبة على الإسراف يكون عرضة للوقوع في الإسراف.
ولعلنا بذلك نفهم السر في اهتمام الإسلام بذكر الحكم والمقاصد المنوطة بكثير من الأحكام والتشريعات.
أسباب الإسراف والتبذير: (من مصدرٍ آخر)
وللإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها:
1 - جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعا على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نهي عنه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ.
ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي مما يؤدي به إلى الإسراف، جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنهما مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فأنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف. . . ".
2- حب الظهور والتباهي: وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.
3 - المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها.
4 - الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير: وقد يكون السبب في الإسراف والتبذير إنما هو الغفلة عن الآثار المترتبة عليهما، ذلك أن للإسراف آثارا ضارة، وللتبذير عواقب مهلكة.
ولقد عرف من طبيعة الإنسان أنه غالبا ما يفعل الشيء أو يتركه، إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار، فإن سلوكه يختل. . وقد تبين من خلال دراسة ميدانية عن المشكلات الاقتصادية التي تواجه الشباب أن معظم التعبيرات الحرة من أفراد عينة البحث كانت تعبر عن التبذير والإسراف في غير مكانه بنسبة 2.8 %. ومن نماذج تعبيراتهم الحرة: إنني مبذر أذهب إلى المحل وأنا لا أحدد ما سأشتري، عدم التوازن في النفقات وعدم تنظيم الصرف، أحيانا أضع مالا في غير مكانه الصحيح، عدم قدرتي على حفظ نفسي من صرف المال. هذه التعبيرات تبرز حاجة الشباب خاصة إلى المنهج الإسلامي في معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير وإنفاق المال في كل ما هو شرعي وغير ضار.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
آثارُ الإسراف
هذا وللإسراف آثارٌ ضارَّة وعواقب مهلكة، سواء على العاملين أو على العمل الإسلاميِّ، وإليك طرفاً من هذه الآثار:
(1) علَّة البدن:
أي أن الأثر الذي يتركه الإسراف: إنما يكمن في علة البدن ذلك أن هذا البدن محكوم بطائفة من السنن والقوانين الإلهية بحيث إذا تجاوزها الإنسان بالزيادة أو بالنقص تطرقت إليه العلة وحين تتطرق إليه العلة فإنه يقعد بالمسلم عن القيام بالواجبات والمسؤليات الملقاة على عاتقه أو المنوطة به.
(2) قسوة القلب:
والأثر الثاني الذي يترتب على الإسراف: إنما هو قسوة القلب ذلك أن هذا القلب يرق ويلين بالجوع أو بقلة الغذاء ويقسو ويجمد بالشبع أو بكثرة الغذاء سنة الله {ولن تجد لسنة الله تحويلا} وحين يقسو القلب أو يجمد فإن صاحبه ينقطع عن البر والطاعات، والويل كل الويل لمن كانت هذه حالة {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} وحتى لو جاهد المسلم نفسه وقام بالبر والطاعات فإنه لا يجد لها لذة ولا حلاوة بل لا يجنى من ورائها سوى النصب والتعب ( ... ورب قائم حظه من قيامه السهر)
(3) خمول الفكر:
والأثر الثالث الذي يترتب على الإسراف إنما هو خمول الفكر ذلك أن نشاط الفكر وخموله مرتبط بعدة عوامل، البطنة أحدها، فإذا خلت البطنة نشط الفكر، وإذا امتلأت اعتراه الخمول حتى قالوا قديما: (إذا امتلأت البطنة نامت الفطنة)
ويوم أن يصاب الفكر بالخمول يوم أن يحرم المسلم الفقه والحكمة وحينئذ يفقد أخص الخصائص التي تميزه عن باقي المخلوقات.
(4) تحريك دواعي الشر والإثم:
والأثر الرابع الذي يخلقه الإسراف إنما هو تحريك دواعي الشر والإثم ذلك أن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة ووجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس وحينئذ لا يؤمن على المسلم العامل الوقوع في الإثم والمعصية إلا من رحم الله ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على الصوم لمن لم يكن قادرا على مؤن النكاح إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
(5) الانهيار في ساعات المحن والشدائد:
والأثر الخامس الذي يتركه الإسراف إنما هو الانهيار في ساعات المحن والشدائد ذلك أن المسرف قضى حياته في الاسترخاء والترف فلم يألف المحن والشدائد ومثل هذا إذا وقع في شدة أو محنة لا يلقى من الله أدنى عون أو تأييد فيضعف وينهار لأن الله عز وجل لا يعين ولا يؤيد إلا من جاهد نفسه وكان صادقا مخلصا في هذه المجاهدة {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم}.
(6) عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين:
والأثر السادس الذي يتركه الإسراف إنما هو عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين ذلك أن الإنسان لا يرعى الآخرين ولا يهتم غالبا إلا إذا أضناه التعب وعصبته الحاجة كما أثر عن يوسف عليه السلام: أنه لما صار على خزائن الأرض ما كان يشبع أبدا فلما سئل عن ذلك قال: أخاف أن شبعت أن أنسى الجياع.
والمسرف مغمور بالنعمة من كلا جانب فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين.
(7) المساءلة غدا بين يدي الله:
والأثر السابع المترتب على الإسراف إنما هي المساءلة غدا بين يدي الله كما قال سبحانه {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}.
ومجرد الوقوف بين يدي الله للمساءلة والمناقشة عذاب كما قال صلى الله عليه وسلم: ( ... من نوقش الحساب يوم القيامة عذب).
(8) الوقوع تحت وطأة الكسب الحرام:
والأثر الثامن الذي يتركه الإسراف إنما هو الوقوف تحت وطأة الكسب الحرام ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي موارده فيضطر تلبية وحفاظا على حياة الترف والنعيم ?التي ألفها إلى الواقع والعياذ الله في الكسب الحرام وقد جاء في الحديث: (كل جسد نبت من سحت أي من حرام فالنار أولى به).
(9) أخوة الشياطين:
والأثر التاسع يتركه الإسراف هي أخوة الشياطين كما قال سبحانه وتعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}.
وأخوة الشياطين تعنى الصيرورة والانضمام إلى حزبهم وإن ذلك لهو الخسران المبين والضلال البعيد {ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون}.
لا شك أن هناك العديد من النتائج والآثار السيئة المترتبة على شيوع ظاهرة الإسراف والتبذير، ومن ذلك:
1 - الإسراف خطر علي العقيدة: الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعا كاذبا يفوق الدخل الحقيقي المستمر، ثم لا تكاد المكاسب الجانبية تزول ولا يبقى سوى الدخل الحقيقي، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه فتمتد اليد بشكل أو بآخر فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظا على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.
2 - الإسراف نوع من التسرع والتهور: الإسراف نوع من التهور والتسرع، وعدم التبصر بعواقب الأمور، وقد يكون دليلا على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية، وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب، وسيء النتائج، فهو يقتل حيوية الأمة ويؤدي بها إلى البوار والفساد، ويملأ القلوب حقدا وضغينة، ويقضي على حياة الأمن والاستقرار، كما أن فيه كسرا لنفوس الفقراء وبطرا لأهل الغنى.
3 - الإسراف ودواعي الشر والإثم: فالسرف داع إلى أنواع كثيرة من الشر؛ لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
4 - الإسراف وتأثيره على البيئة: يعتبر الإسراف سببا رئيسا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها. وهو وإن كان متعدد الصور والأساليب، إلا أنه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة:
إهلاك الحرث والنسل، وتدمير التوازن البيئي.
5 - الترف والدعوة إلى النعومة والليونة: يؤدي الترف إلى النعومة والليونة، التي تدفع الناس إلى الرذائل، وتقعد بهم عن الجهاد والتضحية، وفي ذلك أعظم الخطر على الأمة.
6 - التبذير والهوى: التبذير مما يأمر به الهوى وينهى عنه العقل، وأحسن الأدب في هذا تأديب الحق سبحانه حين قال: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، فالإنسان قد يعطى رزق شهر في يوم، فإذا بذر فيه بقي شهرا يعاني البلاء، وإذا دبر منه عاش شهرا طيب النفس.
7 - عدم الرعاية والاهتمام بالآخرين: ذلك أن الإنسان لا يراعي الآخرين ولا يهتم بهم غالبا، إلا إذا أضناه التعب وغصته الحاجة، كما أثر عن يوسف عليه السلام لما سئل: لا نراك تشبع أبدا؟ قال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع. والمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب، فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الإسراف في شهوة البطن، أو (فضول الطعام)
فأعظم المهلكات لابن آدم: شهوةُ البطن، فبها أُخرج آدمُ عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار، إذ نُهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما.
والبطن على التحقيق: ينبوع الشَّهوات ومنبتُ الأدواء والآفات، إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات، ثم تتبعُ شهوةَ الطعام والنكاح شدةُ الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات، ثم يتبع استكثارَ المال والجاه أنواعُ الرُّعونات وضروب المنافسات والمحاسدات، ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء، ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء، ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء، وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء!
ولو ذلل العبد نفسه بالجوع، وضيَّق به مجاري الشيطان؛ لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيلَ البطر والطغيان، ولم ينجرَّ به ذلك إلى الانهماك في الدنيا، وإيثار العاجلة على العُقبى، ولم يتكالب كلَّ هذا التكالب على الدنيا!
وإذا عظمت آفة شهوة البطن إلى هذا الحد، وجب: شرحُ غوائلها وآفاتها تحذيراً منها، ووجب إيضاحُ طريقِ المجاهدةِ لها والتنبيهُ على فضلِها ترغيباً فيها، وكذلك شرح شهوة الفرج فإنها تابعة لها!
ويقول ابن قيّم الجوزية:
(حبس النّفس عن الشهوات)
لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصِّيَامِ: حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَفِطَامَهَا عَنِ الْمَأْلُوفَاتِ ، وَتَعْدِيلَ قُوَّتِهَا الشَّهْوَانِيَّ ةِ؛ لِتَسْتَعِدَّ لِطَلَبِ مَا فِيهِ غَايَةُ سَعَادَتِهَا وَنَعِيمِهَا، وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمَّا فِيهِ حَيَاتُهَا الْأَبَدِيَّةُ، وَيَكْسِرُ الْجُوعُ وَالظَّمَأُ مِنْ حِدَّتِهَا وَسَوْرَتِهَا، وَيُذَكِّرُهَا بِحَالِ الْأَكْبَادِ الْجَائِعَةِ مِنَ الْمَسَاكِينِ.
وَتُضَيَّقُ مَجَارِي الشَّيْطَانِ مِنَ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتُحْبَسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنِ اسْتِرْسَالِهَا لِحُكْمِ الطَّبِيعَةِ فِيمَا يَضُرُّهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا، وَيُسَكِّنُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا وَكُلَّ قُوَّةٍ عَنْ جِمَاحِهِ وَتُلْجَمُ بِلِجَامِهِ، فَهُوَ لِجَامُ الْمُتَّقِينَ، وَجُنَّةُ الْمُحَارِبِينَ ، وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِي نَ، وَهُوَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ تَرْكُ مَحْبُوبَاتِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذَاتِه َا إِيثَارًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَهُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَالْعِبَادُ قَدْ يَطَّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى تَرْكِ الْمُفْطِرَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ أَمْرٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ.
وَلِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَالْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَحِمْيَتِهَا عَنِ التَّخْلِيطِ الْجَالِبِ لَهَا الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ الَّتِي إِذَا اسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا أَفْسَدَتْهَا، وَاسْتِفْرَاغِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ الْمَانِعَةِ لَهَا مِنْ صِحَّتِهَا، فَالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ صِحَّتَهَا، وَيُعِيدُ إِلَيْهَا مَا اسْتَلَبَتْهُ مِنْهَا أَيْدِي الشَّهَوَاتِ، فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] [الْبَقَرَةِ 183].
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ).
وَأَمَرَ مَنِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصِّيَامِ، وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هَذِهِ الشَّهْوَةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَصَالِحَ الصَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ مَشْهُودَةً بِالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَة ِ، شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ وَحِمْيَةً لَهُمْ وَجُنَّةً.
وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَكْمَلَ الْهَدْيِ، وَأَعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ، وَأَسْهَلَهُ عَلَى النُّفُوسِ.
وَلَمَّا كَانَ فَطْمُ النُّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا مِنْ أَشَقِّ الْأُمُورِ وَأَصْعَبِهَا، تَأَخَّرَ فَرْضُهُ إِلَى وَسَطِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، لَمَّا تَوَطَّنَتِ النُّفُوسُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ، وَأَلِفَتْ أَوَامِرَ الْقُرْآنِ، فَنُقِلَتْ إِلَيْهِ بِالتَّدْرِيجِ.
من (زاد المعاد)
وقال في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب"
مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ فِي الْأَكْلِ وَالشِّبَعِ الْمُفْرِطِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآكِلَ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَاتٍ أَرْبَعٍ: إحْدَاهَا الشِّبَعُ غَيْرُ الْمُفْرِطِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْأَثْلَاثَ فِي الْأَكْلِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ مُجَاوَزَةً غَيْرَ مُضِرَّةٍ لِلْآكِلِ فِي بَدَنِهِ وَلَا إسْرَافَ.
الثَّانِيَةُ: الشِّبَعُ الْمُفْرِطُ وَإِلَيْهَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (وَمَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ (الْإِسْرَافُ) فِي الْأَكْلِ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ شُؤْمٌ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي النَّفْرَةُ عَمَّنْ عُرِفَ بِذَلِكَ وَاشْتُهِرَ بِهِ وَاِتَّخَذَهُ عَادَةً.
وَلِهَذَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «رَأَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِسْكِينًا فَجَعَلَ يَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ كَثِيرًا فَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيَّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ «أَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَيْفًا كَافِرًا فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا
حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ ُ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ» الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيّ ُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُفَّ عَنَّا جُشَاءَك، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ أَبُو جُحَيْفَةَ. «فَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَكَلْت ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلْت أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: يَا هَذَا كُفَّ عَنَّا مِنْ جُشَائِك، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاعْتَرَضَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، ثُمَّ قَالَ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ : أَحَدُهُمَا ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيّ ُ وَزَادَ «فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا كَانَ إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى».
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلَأْت بَطْنِي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَهْلَ الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ غَدًا فِي الْآخِرَةِ» وَفِي مُعْجَمِ الْبَغَوِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَهِيَ بِخَضِرَةٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَوَاقَعَ النَّاسُ الْفَاكِهَةَ فَمَعَثَتْهُمُ الْحُمَّى فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ وَسِجْنُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَإِذَا أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ فَصُبُّوهَا
عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَذَهَبَتْ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ وِعَاءً إذَا مُلِئَ شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، فَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ فَاجْعَلُوا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلرِّيحِ». وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَمَكْرُوهٌ الْإِسْرَافُ وَالثُّلْثَ أَكِّدْ.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الطريق لعلاج الإسراف
ومادامت هذه آثار وعواقب الإسراف وتلك أسبابه وبواعثه فإن طريق العلاج تتخلص في:
(1) التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان.
(2) الحزم مع النفس وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب من قيام ليل إلى صوم تطوع إلى صدقة إلى مشى على الأقدام إلى حمل الأثقال .... ونحو ذلك.
(3) دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف بل ومجاهدة النفس والأهل والعيش على الخشونة والتقشف إذ يقول صلى الله عليه وسلم:
(والمؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبع أمعاء) وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضافه ضيف وهو كافر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه ثم أنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أمر بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والمؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبع أمعاء).
ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
وإذ تحكي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لعروة بن الزبير ابن أختها فتقول (إن كنا لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول: الله صلى الله عليه وسلم نار، فيقول لها عروة، ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر و الماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقيناه).
وإذ تقول أيضاً: (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم وحشوه من ليف)
(ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض)
بل كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزق آل محمد قوتاً)
وأن المسلم العامل لدين الله حين يقف على ذلك، وعلى غيره تتحرك مشاعره، وتتأجج عواطفه فيترسم خطاه صلى الله عليه وسلم ويسير على هديه اقتداء وتأسياً وطمعاً في معيته في الجنة:
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليماً}.
4 - دوام النظر في سيرة سلف هذه الأمة، من الصحابة المجاهدين و العلماء العاملين فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم فكان عيشهم كفافاً، ولا هم لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة.
دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - فرأى عنده لحماً، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه! قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهاه)!
وأتى سلمان الفارسي أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - في مرضه الذي مات فيه فقال: أوصني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: (إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا يأخذنَّ منها أحد إلا بلاغاً)
وكتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وهو على الكوفة يستأذنُه في بناء بيت يسكنه فوقع في كتابه:
(ابنِ ما يستركَ من الشمس، ويُكنُّك من الغيث، فإنَّ الدنيا دار بلغة)
وحكى ميمون أنَّ رجلاً من بني عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- استكساه إزاراً قائلاً: قد تخرَّق إزاري، فقال له عبد الله: (اقطع إزارك ثم اكتسه) فكره الفتى ذلك، فقال له: ويحك اتق الله، ولا تكوننَّ من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله تعالى في بطونهم وعلى ظهورهم) ......
إلى غير ذلك من الأخبار المودعة في بطون الكتب المنثورة هنا وهناك.
وأن المسلم العامل حين يقف على هذه الأخبار يتحرك من داخله فيتولد عنه حب السير على نفس المنهج فتراه يطرح الترف و السرف ويعيش على الخشونة و التقشف ليكون ناجياً مع الناجين.
5 - الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية و النفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل اسئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإن ذلك من شأنه أن يقضى على كل مظاهر السرف والدعة و الراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين.
6 - الاهتمام ببناء شخصية الزوجة و الولد فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الترف، وأن يحول دون التورط فيها مرة أخرى، بل ويعين على سلوك طريق الجادة حين تنقضي هذه الحياة بأشواكها وآلامها ونرد إلى ربنا فنلقى حظنا هناك من الراحة و النعيم المقيم.
7 - دوام التفكر في الواقع الذي تحياه البشرية عموماً و المسلمون على وجه الخصوص، فإن ذلك يساعد على التخلص من كل مظاهر الإسراف بل ويحول دون التلذذ أو التنعم بشيء من هذه الحياة، حتى يمكن لمنهج الله وترفع الراية الإسلامية من جديد.
8 - دوام التفكر في الموت، وما بعده من شدائد وأهوال، فإن ذلك أيضاً يعين على نبذ كل مظاهر الإسراف و الترف، ويحول دون الوقوع فيها مرة أخرى استعداداً لساعة الرحيل ويوم اللقاء.
9 - تذكر طبيعة الطريق، وما فيها من متاعب وآلام، وأن زادها ما يكون بالإسراف والاسترخاء و الترف بل بالخشونة و الحزم و التقشف، فإن ذلك له دور كبير في علاج الإسراف ومجاهدة النفس و القدرة على اجتياز وتخطى المعوقات و العقبات.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الآثار الصحية للالتزام بالقصد في الطعام خلال شهر رمضان
هلّ علينا شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النّيران، ومع إطلالة هذا الشَّهر المبارك يحلو الحديثُ عن الفوائد الروحية والنفسية والجسدية لصيام رمضان, وتلك إنّما تتحقق عند الالتزام بسنن الصيام وآدابه وكذلك عند الالتزام بالقصد في طعام رمضان، وعدم الإسراف فيه، وفيما يلي نستعرض هذه الآثار الطبية والصحية، وذلك على النحو التالي:
1 - {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} "الأعراف":
هذه آية في كتاب الله، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات. فإذا جاء شهر رمضان، والتزم الصائم بهذه الآية، وتجنب الإفراط في الدهون والحلويات والأطعمة الثقيلة، وخرج في نهاية شهر رمضان، وقد نقص وزنه قليلا، وانخفضت الدهون، يكون في غاية الصحة والسعادة، وبذلك يجد في رمضان وقاية لقلبه، وارتياحا في جسده. فالكنافة والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم والدسم تتحول في الجسم إلى دهون، وزيادة في الوزن، وعبء على القلب. وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام، ثم يطفئ لهيب المعدة بزجاجات المياه الغازية أو المثلجات.
وقد أكد الباحثون أنه على الرغم من عدم التزام الكثير من المسلمين، للأسف الشديد، بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان ورغم إسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الدسمة والحلويات، فإن صيام رمضان قد يحقق نقصا في وزن الصائمين بمقدار 2 - 3 كيلوجرامات في عدد من الدراسات العلمية.
2 – (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر).
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وفي التعجيل بالإفطار آثار صحية ونفسية هامة. فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوِّضه عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار، والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم، مما يؤدِّي إلى شعور بالهبوط والإعياء العام، وفي ذلك تعذيب نفسي لا طائل منه، ولا ترضاه الشريعة السمحاء.
3 – (إذا أفطر أحدكم فليُفطر على تمر):
وهذا حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الأربعة. وعن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطيبات، فإن لم تكن رطيبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء " رواه الترمذي وأبو داود، فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع، يدفع عنه الجوع، مثلما هو بحاجة إلى الماء. والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين وهما دفع الجوع والعطش. وتستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة، كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك، ويعطي الإنسان شعورا بالامتلاء فلا يكثر الصائم من تناول مختلف أنواع الطعام.
4 - أفطر النّبيُّ صلى الله عليه وسلم على مرحلتين:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجل فطره على تمرات أو ماء، ثم يعجل صلاة المغرب، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره. وفي ذلك حكمة نبوية رائعة. فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيها حقيقيا، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء، ويزول الشعور بالعطش والجوع. ويعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه الشعور بالمهم. ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة قد يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث تلبك معوي وعسر هضم.
6 - أوصى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث بضرورة تناول وجبة السحور:
ولا شك في أن تناول السحور يفيد في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد.
كما حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تأخير السحور، فقال: "ما تزال أمتي بخير ما تجمَّلوا ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور "
ويستحسن أن يحتوي طعام السحور على أغذية سهلة الهضم كاللبن الزبادي والعسل والفواكه وغيرها.
7- تجنب النوم بعد الإفطار:
بعض الناس يلجأ إلى النوم بعد الإفطار والحقيقة، فإن النوم بعد تناول وجبة طعام كبيرة ودسمة قد يزيد من خمول الإنسان وكسله. ولا بأس من الإسترخاء قليلا بعد تناول الطعام. وتظل النصيحة الذهبية لهؤلاء الناس هي ضرورة الاعتدال في تناول طعامهم، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح، فهي تساعد على هضم الطعام، وتعيد لهم نشاطهم وحيويتهم.
8 - رمضان فرصة للتوقف على التدخين:
من المؤكد أن فوائد التوقف عن التدخين تبدأ منذ اليوم الأول الذي يقلع فيه المرء عن التدخين، فمتى توقف عن التدخين بدأ الدم يمتص الأوكسيجين بدلا من غاز أول أكسيد الكربون السام، وبذلك تستقبل أعضاء الجسم دما مليئا بالأوكسجين، وتخف الأعباء الملقاة على القلب شيئا فشيئا.
والمدخنون الذين يريدون الإقلاع عن هذه العادة الذميمة سوف يجدون في رمضان فرصة جيدة للتدرب على ذلك. فإذا كنت أيها الصائم تستطيع الإقلاع عن التدخين لساعات طويلة أثناء النهار، فلماذا لا تداوم على ذلك. وليس هذا صعب بالتأكيد، لكنه يحتاج إلى عزيمة صادقة، وتخيل دائم لما تسببه السيجارة من مصائب لك ولمن حولك.
9 - إذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يغضب:
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، متفق عليه، فماذا يفعل الغضب في رمضان؟ من المعلوم أن الغضب يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم بمقدار كبير، وإذا ما حدث ذلك في أول الصيام (أي أثناء هضم الطعام) فقد يضطرب الهضم ويسوء الامتصاص، وإذا حدث أثناء النهار تحول شيء من الجليكوجين في الكبد إلى سكر الجلوكوز ليمد الجسم بطاقة تدفعه للعراك، وهي بالطبع طاقة ضائعة.
وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبة ذبحة صدرية عند المصابين بهذا المصابين بهذا المرض، كما أن التعرض المتكرر للضغوط النفسية يزيد من تشكل النوع الضار من الكولسترول، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتصلب الشرايين.
10 - وصية للحامل والمرضع في شهر رمضان:
ينبغي على الحامل والمرضع استشارة الطبيب فإذا سمح لها بالصيام فينبغي عليها عدم التهام كمية كبيرة من الطعام عند الإفطار، وتوزيع طعام الإفطار المعتدل إلى وجبتين: الأولى عند الإفطار، والباقي بعد أربع ساعات. كما تنصح بتأخير وجبة السحور، والإكثار من اللبن الزبادي، والإقلال من الطعام الدسم والحلويات.
أما المرضع، فإن صامت فيجب أن توفر للمولود كمية إضافية من الماء والسوائل ليشربها خلال ساعات الحرِّ بجانب الرضاعة من ثدي الأم وعليها الاهتمام بغذائها من حيث الكمية والنوعية. كما ينبغي أن تكثر من الرضعات في الفترة بين الإفطار والسحور. فإذا ما شعرت بالتعب والإرهاق فعليها إنها صومها واستشارة الطبيب.
11 - درِّبوا أطفالكم على الصيام برفق ولين:
ينبغي تدريب الطفل على الصيام بعد سن السابعة، وتعتبر السنة العاشرة السنة النموذجية لصيام الطفل، ولا يجوز ضربهم أو إجبارهم على الصيام لأن ذلك قد يدفع الطفل إلى تناول المفطرات سرا، وتكبر معه هذه الخيانة، ويراعى التدرج في صيام الطفل عاما بعد عام.
وعلى الأم أن تراقب طفلها أثناء صيامه، فإذا شعرت بمرضه أو إرهاقه وجب عليها أن تسارع بإفطاره. وهناك عدد من الأمراض التي تمنع الطفل من الصيام كمرض السكر وفقر الدم وأمراض الكلى وغيرها.
وينصح الأباء والأمهات بأن يحتوي طعام الطفل على كافة العناصر الغذائية، وأن يحرصوا على إعطائه وجبة السحور.
12 – {فمن كان منكم مريضا أو على سفرٍ؛ فعِدَّةٌ أيَّامٍ أخر} "البقرة 184":
فمن رحمة الله بعبادة أن رخَّص للمريض بالإفطار في شهر رمضان، فإذا أخبر الطبيب المسلم مريضه أنه إذا صام أدى صيامه
إلى زيادة المرض عليه أو إلى إهلاكه وجب عليه الإفطار.
والفطور رخصة للمريض، كما هي للمسافر، ولكن لو تحامل المريض على نفسه وصام أجزاه الصوم، ولا قضاء عليه، غير أنه إذا شق عليه الصوم مشقة شديدة، فليس من البر الصوم في المرض، بل ربما كان المريض أولى من المسافر بهذا، لأن المسافر الذي يشق عليه السفر يجب عليه الفطر خشية المرض، فالمرض أشد خطرا، ولهذا قدم في القرآن على السفر.
13 - إن كنت مريضاً راجع طبيبك قبل البدء بالصيام:
فالقول الفصل في الصيام المريض أو عدمه هو للطبيب المسلم المعالج، فهو أدري بحالة المريض وعلاجه، وهو الذي يعطي المريض النصيحة المثلى والإرشادات المناسبة. فإذا سمح لمريضه بالصيام، حدد خطة العلاج، وقد يضطر لتعديل طريقة تناول الدواء أو عدد جرعات الدواء.
14 - وصية لمرضى القلب:
يستطيع كثير من مرضى القلب الصيام، فعدم حدوث عملية الهضم أثناء النهار تعني جهدا أقل لعضلة القلب وراحة أكبر. فإن عشرة في المائة من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم.
والمصابون بارتفاع ضغط الدم يستطيعون عادة الصيام شريطة تناول أدويتهم بانتظام، وهناك حاليا العديد من الأدوية التي يمكن إعطاؤها مرة واحدة أو مرتين في اليوم.
وينبغي على هؤلاء المرضى تجنب الموالح والمخللات والإقلال من ملح الطعام، أما المصابون بالذبحة الصدرية المستقرة فيمكنهم عادة الصيام مع الاستمرار في تناول الدواء بانتظام.
وهناك عدد من حالات القلب التي لا يسمح فيها بالصيام كمرضى الجلطة الحديثة، والمصابين بهبوط (فشل) القلب الحاد، والمصابين بالذبحة القلبية غير المستقرة وغيرهم.
15 - وصية للمصابين بالحصيات الكلوية:
إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من قبل فلا داعي للقلق في رمضان. أما إذا كانت لديهم حصيات، أو قصة تكر حدوث حصيات كلوية فيمكن أن تزداد حالتهم سوءا إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات كافية. ويستحسن في مرضى الحصيات بالذات الامتناع عن الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، حيث تقل كمية البول بدرجة ملحوظة. ويعود تقدير ذلك للطبيب المعالج، وعموما ينصح مرضى الحصيات الكلوية بتناول كميات كافية من السوائل في المساء وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار، كما ينصح هؤلاء بالإقلال من تناول اللحوم ومواد معينة مثل السبانخ والسلق والمكسرات وغيرها.
16 - وصية لمرضى السكر:
إذا قرر الطبيب أنه بإمكان مريض السكر الصيام، فينبغي على المريض الالتزام بوصايا الطبيب، والمحافظة على نفس كمية ونوعية الغذاء الذي وصفه له.
وتقسم هذه الكمية إلى ثلاثة أجزاء متساوية، بحيث يتناول الأولى عند الإفطار، والثانية بعد صلاة التراويح، والثالثة عند السحور.
ويفضل تأجيل وجبة السحور قدر الإمكان، والإكثار من تناول الماء، والإقلال من النشاط الجسدي أثناء فترة الصيام، وخاصة في الفترة الحرجة ما بين العصر والمغرب. وإذا شعر المريض بأعراض انخفاض السكر فعليه أن يفطر ولا ينتظر وقت الإفطار ولو كان ذلك الوقت قريبا.
17 - وصية للمصابين بعسر الهضم
كثيرا ما تتحسن حالة هؤلاء المرضى في شهر رمضان، شريطة ألا تكون لديهم قرحة حادة في المعدة أو الإثنى عشر أو التهاب في المرئ أو أي سبب عضوي آخر.
وينصح هؤلاء بتناول وجبات صغيرة من الطعام، وتجنب التخمة والأطعمة الدسمة والحلويات، كما ينصح بتجنب التعرض للضغوط النفسية الشديدة، والابتعاد عن البهارات والمسبكات.
18 - وصية أخيرة: هل حقا نحن نصوم رمضان؟
فالصيام حركة في النهار سعيا وراء الرزق الحلال. وهو حركة في الليل في صلاة التراويح، وهو دعوة لجسم سليم .. وقلب تائب لله، طامع في رحمته.
ولكن للأسف الشديد، فإن الصيام الذي يمارسه البعض منا، ليس هو الصيام الذي شرعه الخالق، فهو نوم لمعظم النهار، وغضب لأتفه الأسباب ن بدعوى الصيام، فالصيام عند البعض كسل جسدي، وانفعال نفسي في النهار، وتخمة وسهر في اللهو والعبث في ليل رمضان.
أليس حراما أن نضيع هذا الموسم الفياض بالخيرات كل عام؟
أليس رمضان موسما للطاعة والعبادة، وموسما للصحة والسعادة، وفوق هذا وذاك رحمة ومغفرة وعتقا من النار؟!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
حول الإسراف في الأكل والشرب في رمضان
الإسراف في كلِّ شيءٍ مذموم ومنهيٌّ عنه، لا سيما في الطعام والشراب، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَات يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939).
والإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة:
منها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة.
روى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
ورواه ابن أبي الدنيا وزاد: فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا.
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (342).
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرَقِّكُم عيشا، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف / 20. حلية الأولياء (1/ 49).
ومنها: أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات، كقراءة القرآن الكريم، والتي ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم، كما كانت عادة السلف.
فتجد المرأة تقضي جزءاً كبيرا من النهار في إعداد الطعام، وجزءً كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات.
ومنها: أن الإنسان إذا أكل كثيراً أصابه الكسل، ونام كثيرا، فيضيع على نفسه الأوقات.
قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك أقلل من طعامك.
ومنها: أن كثرة الأكل تورث غفلة القلب.
قيل للإمام أحمد رحمه الله: هل يجد الرجل من قلبه رِقَّةً وهو شَبع؟ قال: ما أرى. أي: ما أرى ذلك.
الإفراط في إعداد الأطعمة للإفطار هل يقلل من ثواب الصوم؟
الحمد لله، لا يقلل من ثواب الصيام، والفعل المحرم بعد انتهاء الصوم لا يقلل من ثوابه، ولكن ذلك يدخل في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
فالإسراف نفسه محظور،
والاقتصاد نصف المعيشة، وإذا كان لديهم فضل فليتصدقوا به،
فإنه أفضل " انتهى.
ما هو حكم الأكل إلى الشِّبَع، وهل يُعدُّ إسرافاً؟
الإسرافُ مذموم في الأكل وغيره. قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31، وقال تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141، وقال سبحانه: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29، وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27.
والفرق بين الإسراف والتبذير: "أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" قاله المناوي في "فيض القدير" (1/ 50).
ثانيا:
الإسراف هو مجاوزة الحد، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين أو ثلاثة، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها. وقد يأكل ثلاث وجبات بغير إسراف.
وحديث المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب، وليس فيه تعرض لعدد الوجبات، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه وعشائه، ويكون مقتصدا مقلا، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات - في وجبته - فليجعل ثلثا لطعامه، وثلثا لشرابه، وثلثا لنفَسه، فإن احتاج إلى وجبة أخرى - كما هو غالب حال الناس - فلا حرج في ذلك، ويراعي فيها ما سبق أيضا، وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع، وعدد الوجبات يختلف باختلاف الشخص، ونوع الطعام، وطبيعة المجهود الذي يبذله.
والمقصود هو حفظ البدن، وعدم الإضرار به، سواء بالشبع أو بالجوع.
والمقصود أيضا: التقوي على الطاعة، وهذا يحصل بالأكل المعتدل، لا بالتخمة المُثقلة، ولا بالجوع المنهك.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية آل عمران: "قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) قال ابن عباس: أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة. فأما ما تدعو الحاجة إليه، وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس، ويضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل. وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.
وقد اختُلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين: فقيل حرام، وقيل مكروه. قال ابن العربي: وهو الصحيح، فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان والطعمان. ثم قيل: في قلة الأكل منافع كثيرة، منها أن يكون الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأزكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل كظ المعدة ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء " انتهى من "تفسير القرطبي" (7/ 191).
وفي الموسوعة الفقهية (25/ 332): "من آداب الأكل: الاعتدال في الطعام، وعدم ملء البطن، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا: ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس؛ لحديث: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه). ولاعتدال الجسد وخفته؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل. ويُعرف الثلث بالاقتصار على ثلث ما كان يشبع به. وقيل: يعرف بالاقتصار على نصف المد، واستظهر النفراوي الأول لاختلاف الناس. وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة، واعتدال البدن.
وفي الفتاوى الهندية: الأكل على مراتب:
فرض: وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى.
ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم.
ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل.
وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع.
وقال ابن الحاج: الأكل في نفسه على مراتب: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه. ومحرم.
فالواجب: ما يُقيم به صُلبه لأداء فرض ربه؛ لأنَّ ما لا يُتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.
والمندوب: ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من الطاعات.
والمباح: الشبع الشرعي. والمكروه: ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به، والمحرم: البطنة. وهو الأكل الكثير المضر للبدن.
وقال النووي: يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه.
وقال الحنابلة: يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه، وفي الغنية: يكره مع خوف تخمة. ونُقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه تحريمه " انتهى.
ثالثا:
تبين مما سبق أنه لا حرج في تناول أكثر من وجبة طعام في اليوم، وأن ذلك بمجرده لا يعد إسرافا، بل الإسراف أن يأكل فوق الشبع ولو في وجبة واحدة.
ومما يدل على جواز الوصول إلى حد الشبع، وأن المكروه أو المحرم ما جاوزه: ما روى البخاري (5381) ومسلم (2040) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ وفيه قصة تكثير الطعام بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا).
وقد بوب عليه البخاري في صحيحه: باب من أكل حتى شبع.
وأورد فيه أيضا قول عَائِشَةَ رضى الله عنها: (تُوُفِّىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَالَ اِبْن بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الشِّبَع وَأَنَّ تَرْكه أَحْيَانَا أَفْضَل ... قَالَ الطَّبَرِيُّ: غَيْر أَنَّ الشِّبَع وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ , وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَف ; وَالْمُطْلَق مِنْهُ مَا أَعَانَ الْآكِل عَلَى طَاعَة رَبّه وَلَمْ يَشْغَلهُ ثِقَله عَنْ أَدَاء مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ا هـ ... قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم لِمَا ذَكَرَ قِصَّة أَبِي الْهَيْثَم إِذْ ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَاحِبَيْهِ الشَّاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الشِّبَع , وَمَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْهُ مَحْمُول عَلَى الشِّبَع الَّذِي يُثْقِل الْمَعِدَة وَيُثَبِّط صَاحِبه عَنْ الْقِيَام لِلْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَر وَالْأَشَرّ وَالنَّوْم وَالْكَسَل , وَقَدْ تَنْتَهِي كَرَاهَته إِلَى التَّحْرِيم بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْسَدَة " انتهى من "فتح الباري".
الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين، وهذا أمر ملفت للأنظار ومحزن في الوقت ذاته: الإسراف والتبذير في المآكل والمشارب، فما عليك إلا أن تنظر إلى سفرة لتجد عليها أصنافاً عديدة من ألوان الطعام والشراب، سبحان الله! هذا الأمر يخالف حكمة مشروعية الصيام أصلاً، ويزداد الإثم والذنب حين الانتهاء من الطعام بأكل القليل جداً، ثم تملأ سلة المهملات بما تبقى من الطعام والشراب، في الوقت الذي يموت فيه الآلاف من شدة الجوع والعطش ولا حول ولا قوة إلا بالله! ورحم الله من قال: إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأفضال، وتنامون الليل ولو طال، وتدعون أنكم أبطال!! هيهات هيهات! نأكل ملء بطوننا، ونشرب ملء بطوننا، ونضحك ملء أفواهنا، وننام ملء جفوننا، وندعي أنه إن لم ندخل الجنة نحن فمن يدخلها؟! ما أقل حياء من طمع في جنة الله ولم يعمل بطاعة الله!! إن سلف الأمة رضوان الله عليهم كانوا يصومون النهار، ويقومون الليل، وتورمت أقدامهم من القيام بين يدي الله جل وعلا، وبالرغم من ذلك كانوا يبكون ويرتعدون كعصفور مبلل بماء المطر خوفاً من لقاء الله جل وعلا.
ها هو فاروق الأمة عمر رضوان الله عليه يدخل عليه ابن عباس -كما في صحيح البخاري - وهو على فراش الموت، فيجد فاروق الأمة يبكي خوفاً ووجلاً، ويقول: (والله إني لأرجو أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا علي) فاروق الأمة يقول هذا! فينبغي ألا نسرف في المأكل والمشرب، وأقصد من هذا الاعتدال، فأنا لا أحرم طيبات ما أحل الله لعباده، بل أقصد بهذه الفقرة الاعتدال، فإننا أمة وسط، يجب علينا أن نكون وسطاً في كل شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فيجب علينا أن نكون معتدلين، وأن نكون وسطاً في المآكل والمشارب، استلذ بطيبات الله تبارك وتعالى، وبما أحل الله لك، لكن من غير سرف ولا تبذير، فإن الإسراف حرام.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الإسراف في النوم في رمضان: (فضول النوم)
يقول ابن القيم:
الْمُفْسِدُ الْخَامِسُ: كَثْرَةُ النَّوْمِ. فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيُثَقِّلُ الْبَدَنَ، وَيُضِيعُ الْوَقْتَ، وَيُورِثُ كَثْرَةَ الْغَفْلَةِ وَالْكَسَلِ، وَمِنْهُ الْمَكْرُوهُ جِدًّا، وَمِنْهُ الضَّارُّ غَيْرُ النَّافِعِ لِلْبَدَنِ، وَأَنْفَعُ النَّوْمِ مَا كَانَ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَّةِ
إِلَيْهِ، وَنَوْمُ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَحْمَدُ وَأَنْفَعُ مِنْ آخِرِهِ، وَنَوْمُ وَسَطِ النَّهَارِ أَنْفَعُ مِنْ طَرَفَيْهِ، وَكُلَّمَا قَرُبَ النَّوَمُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ قَلَّ نَفْعُهُ، وَكَثُرَ ضَرَرُهُ، وَلَاسِيَّمَا نَوْمُ الْعَصْرِ، وَالنَّوْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَّا لِسَهْرَانَ.
وَمِنَ الْمَكْرُوهِ عِنْدَهُمُ النَّوْمُ بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ غَنِيمَةٍ، وَلِلسَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ عِنْدَ السَّالِكِينَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، حَتَّى لَوْ سَارُوا طُولَ لَيْلِهِمْ لَمْ يَسْمَحُوا بِالْقُعُودِ عَنِ السَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمِفْتَاحُهُ، وَوَقْتُ نُزُولِ الْأَرْزَاقِ، وَحُصُولِ الْقَسْمِ، وَحُلُولِ الْبَرَكَةِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ النَّهَارُ، وَيَنْسَحِبُ حُكْمُ جَمِيعِهِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الْحِصَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَوْمُهَا كَنَوْمِ الْمُضْطَرِّ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَأَعْدَلُ النَّوْمِ وَأَنْفَعُهُ نَوْمُ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَسُدُسِهِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ ثَمَانِ سَاعَاتٍ، وَهَذَا أَعْدَلُ النَّوْمِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ أَثَّرَ عِنْدَهُمْ فِي الطَّبِيعَةِ انْحِرَافًا بِحَسَبِهِ.
وَمِنَ النَّوْمِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ أَيْضًا النَّوْمُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، عَقِيبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهَهُ. فَهُوَ مَكْرُوهٌ شَرْعًا وَطَبْعًا.
وَكَمَا أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ مُورِثَةٌ لِهَذِهِ الْآفَاتِ، فَمُدَافَعَتُهُ وَهَجْرُهُ مُورِثٌ لِآفَاتٍ أُخْرَى عِظَامٍ: مِنْ سُوءِ الْمِزَاجِ وَيُبْسِهِ، وَانْحِرَافِ النَّفْسِ، وَجَفَافِ الرَّطُوبَاتِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفَهْمِ وَالْعَمَلِ، وَيُورِثُ أَمْرَاضًا مُتْلِفَةً لَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُهَا بِقَلْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ مَعَهَا، وَمَا قَامَ الْوُجُودُ إِلَّا بِالْعَدْلِ، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
الإسراف في النوم
ويقع الإسراف -يا أيها الإخوة- في النوم، فبعضهم يصوم وهو في الحلم، هل تدري كيف يعمل؟
بعض الشباب سل بهم خبيراًَ: يصلي الفجر ثم ينام إلى الظهر، ثم يواصل النوم على بركة من الله إلى صلاة العصر، ثم ينام من العصر إلى الغروب، فتوقظه أمه ليفطر فما أحس جوعاً ولا ظمأ ولا عاش عبادة ولا قرآناً ولا نوافل ولا تسبيحاً، يأكل التمر متناولاً كأنه أتى من القرون التي قبل الإسلام، لا حلاوةً، ولا رقةً، ولا شعوراً، ولا خلوداً، ولا طعماً لأسرار الصيام.
إن أسرار الصيام معناها: أن تشعر بالجوع؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وأنا لا أقول: لا تنام؛ لكن لماذا يُعْكس البرنامج في النهار، فيصبح نوماً كله والليل سهراً، ونعود إلى عمر الخيام -عليه من الله ما يستحقه- حيث يقول:
فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر
وهذا البيت يُنْشَد، وكثير من الشباب على الرصيف يصفقون لهذا البيت، وما يعلمون أن هذا البيت فيه كفر، وما قاله إلا زنديق، يقول: نم أو قم في الليل فإنه ليس وراءك إلا نوم في القبر لا بعث بعده -عليه من الله ما يستحقه- ولذلك يقول بعضهم الآن في بعض الصحافة: انتقل إلى مثواه الأخير، وليس المثوى الأخير هو القبر -كما يقول القنوي وهو ممن اتهم بالزندقة وبالتصوف- إنما المثوى الأخير: إما إلى جنة وإما إلى نار: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].
يقول الغزالي: "من عمره ستون سنة ينام منها عشرين سنة، والتفصيل في ذلك أنك تنام في الأربع والعشرين الساعة ثمان ساعات، فإذا نمت ثمان ساعات في كل أربع وعشرين ساعة فقد نمت في الستين سنة عشرين سنة، ثم صفي من غيرها للأكل وللشرب ولدورات المياه والاغتسال، فبعضهم إذا دخل دورة المياه مكث فيها ساعتين، وبعضهم إذا اغتسل يأخذ في الغسل ساعة ونصف؛ لأن الحياة معقدة، وإذا أكثر الجسم من الترفيه تعقدت الروح، تعقيد في اللباس وتعقيد في الغسل وتعقيد في الطعام؛ وهذه هي المضرة بعينها:
يا كثير الرقاد أكثرت نوماً إن بعد الحياة نوماً طويلاً
وبعد النوم يقظة إلى حساب ومعاد، ثم إلى جنة أو نار، وهذه هي وقت الصيحة التي يصيح بها الملك يوم يجمع الله الأولين والآخرين.
الإسراف في الكلام في رمضان (فضول الكلام)
إياكم وفضول الكلام
· عَنْ أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - عن رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخرِ، فَلْيَقُلْ خَيراً أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، فَليُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) متفق عليه.
- وأعمال الإيمان تارة تتعلَّق بحقوق الله، كأداءِ الواجبات وترك المحرَّمات، ومِنْ ذلك قولُ الخير، والصمتُ عن غيره.
- وتارةً تتعلق بحقوق عبادِه كإكرامِ الضيف، وإكرامِ الجارِ، والكفِّ عن أذاه.
· قال ابن مسعود رضي الله عنه: إيَّاكم وفضولَ الكلام، حسبُ امرئ ما بلغ حاجته، وعن النَّخعي قال: يَهلِكُ الناسُ في فضول المال والكلام.
مفاسد كثرة الكلام:
- إن الإكثارَ من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجبُ قساوةَ القلب كما في " الترمذي " من حديث ابن عمر مرفوعاً: (لا تُكثِرُوا الكلامَ بغيرِ ذكر الله، فإنَّ كثرةَ الكلامِ بغيرِ ذكرِ الله يُقسِّي القلب، وإنَّ أبعدَ الناس عن الله القلبُ القاسي).
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مَنْ كَثُرَ كلامُه، كَثُرَ سَقَطُهُ، ومَنْ كَثُرَ سَقَطُه، كَثُرَتْ ذُنوبهُ، ومَن كَثُرَتْ ذنوبُه، كانت النارُ أولى به.
· وقال ابن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو، ما على الأرض أحقُّ بطول سجنٍ مِنَ اللِّسانِ.
· وقال وهب بن منبه: أجمعت الحكماءُ على أنَّ رأسَ الحكمِ الصمتُ.
· وكان السَّلفُ كثيراً يمدحُون الصَّمتَ عن الشَّرِّ، وعمَّا لا يعني؛ لِشِدَّته على النفس، ولذلك يقع فيه النَّاسُ كثيراً، فكانوا يُعالجون أنفسهم، ويُجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم.
· هل تزن كلماتك؟:
- سبحان الله العظيم!، ما أكثر ما نتحدث ونستفسر ونتطلع ونحرص على الأمور التي لا تنفعنا في دنيانا ولا في آخرتنا، وإنما هي من لغو الكلام، ولو حاسب الإنسان نفسه في آخر اليوم قبل نومه لوجد أن كلامه في ما لا فائدة فيه ولا ثمرة ولا نتيجة أكثر من كلامه في ما فيه فائدة.
· أكثر ما يدخل النار:
- عن معاذ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نَبيَّ الله، وإنَّا لمُؤَاخَذُونَ بِما نَتَكَلَّمُ بهِ؟ فقالَ: (ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهِمْ، أو على مَنَاخِرِهم إلاَّ حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم). رواهُ الترمذيُّ، وقال: حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.
- قال ابن رجب: وظاهرُ هذا الحديث يدلُّ على أنَّ أكثر ما يدخل النَّاسُ به النار النُّطقُ بألسنتهم، فإنَّ معصية النُّطق يدخل فيها:
1 - الشِّركُ وهو أعظمُ الذنوب عندَ الله - عز وجل -.
2 - ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم، وهو قرينُ الشِّركِ.
3 - ويدخلُ فيه شهادةُ الزُّور التي عدَلت الإشراك بالله - عز وجل -.
4 - وكذلك السِّحر والقذفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائر والصَّغائر كالكذب والغيبةِ والنَّميمة.
5 - وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها.
وفي حديث أبي هُريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (أكثرُ ما يُدخِلُ النَّاسَ النارَ الأجوفان: الفمُ والفرجُ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذي.
· صلاح اللسان وأثره على الجوارح:
- قال يحيى بن أبي كثير: ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله.
· من عواقب فضول الكلام:
- قال ابن القيم: وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابا من الشر كلها مداخل للشيطان فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها وكم من حرب جرتها كلمة واحدة.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الإسراف في الخُلطة في رمضان: (فضول الخلطة)
أصبحت الرغبة في مخالطة الناس والاجتماع بهم بصرف النظر عن الفائدة الشرعية المرجوة منهم عادة الكثيرين فلا يكاد أحدهم يجد وقت فراغ من مشاغل البيت والأسرة إلا ويسارع إلى البحث عمن يجتمع معه ويؤانسه
وبهذا المسلك فات على كثير من الصالحين عبادات عظيمة كان السلف يحرصون عليها غاية الحرص ، مثل الخلوة بالنفس ، ومناجاة الله والتضرع بين يديه
وهذه بعض الكلمات والأقوال في فضول المخالطة :
قال عمر رضي الله عنه ( خذوا بحظكم من العزلة )
وقال ابو الدرداء رضي الله عنه ( نعم صومعة الرجل بيته ، يكف بصره ولسانه )
وقال شيخ الاسلام رحمه الله ( وأما اعتزال الناس في فضول المباحات وما لا ينفع ـ وذلك بالزهد فيه ـ فذلك مستحب )
( ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى ، لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة لبعض الوقت ،وانقطاع عن شواغل الأرض وضجة الحياة وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة!
ويقول ابن القيّم:
فَأَمَّا مَا تُؤْثِرُهُ كَثْرَةُ الْخُلْطَةِ: فَامْتِلَاءُ الْقَلْبِ مِنْ دُخَانِ أَنْفَاسِ بَنِي آدَمَ حَتَّى يَسْوَدَّ، يُوجِبُ لَهُ تَشَتُّتًا وَتَفَرُّقًا، وَهَمًّا وَغَمًّا، وَضَعْفًا، وَحَمْلًا لِمَا يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ مِنْ مُؤْنَةِ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَإِضَاعَةِ مَصَالِحِهِ، وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِهِمْ وَبِأُمُورِهِمْ ، وَتَقَسُّمِ فِكْرِهِ فِي أَوْدِيَةِ مَطَالِبِهِمْ وَإِرَادَاتِهِم ْ، فَمَاذَا يَبْقَى مِنْهُ لِلَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ؟ .
هَذَا، وَكَمْ جَلَبَتْ خُلْطَةُ النَّاسِ مِنْ نِقْمَةٍ، وَدَفَعَتْ مِنْ نِعْمَةٍ؟ وَأَنْزَلَتْ مِنْ مِحْنَةٍ، وَعَطَّلَتْ مِنْ مِنْحَةٍ، وَأَحَلَّتْ مِنْ رَزِيَّةٍ، وَأَوْقَعَتْ فِي بَلِيَّةٍ؟ وَهَلْ آفَةُ النَّاسِ إِلَّا النَّاسُ؟ وَهَلْ كَانَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْوَفَاةِ أَضَرَّ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ؟ لَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ لَهُ سَعَادَةَ الْأَبَدِ.
وَهَذِهِ الْخُلْطَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى نَوْعِ مَوَدَّةٍ فِي الدُّنْيَا، وَقَضَاءِ وَطَرِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ تَنْقَلِبُ إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ عَدَاوَةً، وَيَعَضُّ الْمُخْلِطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ نَدَمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا - يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا - لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 27 - 29] وَقَالَ تَعَالَى {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] وَقَالَ خَلِيلُهُ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25] وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُشْتَرِكِينَ فِي غَرَضٍ، يَتَوَادُّونَ مَا دَامُوا مُتَسَاعِدِينَ عَلَى حُصُولِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْغَرَضُ، أَعْقَبَ نَدَامَةً وَحُزْنًا وَأَلَمًا، وَانْقَلَبَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بُغْضًا وَلَعْنَةً، وَذَمًّا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لَمَّا انْقَلَبَ ذَلِكَ الْغَرَضُ حُزْنًا وَعَذَابًا، كَمَا يُشَاهَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرِكِين َ فِي خِزْيِهِ، إِذَا أُخِذُوا وَعُوقِبُوا، فَكُلُّ مُتَسَاعِدِينَ عَلَى بَاطِلٍ، مُتَوَادِّينَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَدَّتُهُمَا بُغْضًا وَعَدَاوَةً.
وَالضَّابِطُ النَّافِعُ فِي أَمْرِ الْخُلْطَةِ أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ فِي الْخَيْرِ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْأَعْيَادِ وَالْحَجِّ، وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، وَالْجِهَادِ، وَالنَّصِيحَةِ وَيَعْتَزِلَهُم ْ فِي الشَّرِّ، وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي الشَّرِّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اعْتِزَالُهُمْ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ يُوَافِقَهُمْ، وَلْيَصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْذُوهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَا نَاصِرٌ. وَلَكِنْ أَذًى يَعْقُبُهُ عِزٌّ وَمَحَبَّةٌ لَهُ وَتَعْظِيمٌ، وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمُوَافَقَتُهُ مْ يَعْقُبُهَا ذُلٌّ وَبُغْضٌ لَهُ، وَمَقْتٌ، وَذَمٌّ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً، وَأَحْمَدُ مَآلًا، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ، فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ يَقْلِبَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ طَاعَةً لِلَّهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَيُشَجِّعَ نَفْسَهُ وَيُقَوِّيَ قَلْبَهُ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَى الْوَارِدِ الشَّيْطَانِيِّ الْقَاطِعِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، بِأَنَّ هَذَا رِيَاءٌ وَمَحَبَّةٌ لِإِظْهَارِ عِلْمِكَ وَحَالِكَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلْيُحَارِبْهُ ، وَلْيَسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَيُؤَثِّرْ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَمْكَنَهُ.
فَإِنْ أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِيرُ عَنْ ذَلِكَ، فَلْيَسُلَّ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ كَسَلِّ الشَّعْرَةِ مِنَ الْعَجِينِ، وَلْيَكُنْ فِيهِمْ حَاضِرًا غَائِبًا، قَرِيبًا بَعِيدًا، نَائِمًا يَقْظَانًا، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُبْصِرُهُمْ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَلَا يَعِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَرَقَى بِهِ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى، يَسْبَحُ حَوْلَ الْعَرْشِ مَعَ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ الزَّكِيَّةِ، وَمَا أَصْعَبَ هَذَا وَأَشَقَّهُ عَلَى النُّفُوسِ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ أَنْ يَصْدُقَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُدِيمَ اللُّجْأَ إِلَيْهِ، وَيُلْقِيَ نَفْسَهُ عَلَى بَابِهِ طَرِيحًا ذَلِيلًا، وَلَا يُعِينُ عَلَى هَذَا إِلَّا مَحَبَّةٌ صَادِقَةٌ، وَالذِّكْرُ الدَّائِمُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَتَجَنُّبُ الْمُفْسِدَاتِ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَلَا يَنَالُ هَذَا إِلَّا بِعُدَّةٍ صَالِحَةٍ وَمَادَّةِ قُوَّةٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ، وَفَرَاغٍ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الإسراف في النَّظر في رمضان (فضول النظر)
فضول النَّظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين، والنظر إلى ما لا يحل له، وهو على العكس من غض البصر، والغض هو النقص، وقد أمر الله عز جل به فقال. (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: 30، 31).
والله عز وجل لا يأمر بصرف كل النظر وإنما يأمر بصرف بعضه، قال تعالى:
(من أبصارهم) ولما كان تحريم فضول النظر من تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة، ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم تعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولم يأمر الله سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك أمر بحفظه.
وقد أمر الله عز وجل بغض البصر وصيانة لفرج وقرن بينهما في معرض الأمر، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل:
ألم تر أنَّ العينَ للقلب رائدٌ فما تألفُ العينانِ فالقلب آلِفُ
ولأنَّ غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته، وهو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن البني صلى الله عليه وسلم قال: "كُتب على ابنِ آدم نصيبُه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان زناها النظر، والأذنان زناها الاستماع، اللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، الرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" (البخاري ومسلم).
وعن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: "اصرف بصرك" (رواه مسلم).
آفات فضول النظر:
الآفة الأولى: فضول النظر معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد إلا بامتثال أوامره، وما شقى من شقى إلا بتضييع أوامره.
الآفة الثانية: أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر منه فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه، وغض البصر يورث القلب أنسا بالله عز وجل وجمعيه عليه.
الآفة الثالثة: أنه يضعف القلب ويحزنه وغض البصر يقوي القلب ويفرحه.
الآفة الرابعة: أنه يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة، فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام، وغض البصر لله عز وجل يكسب القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ولهذا ذكر الله عز وجل آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال تعالى: (قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور:30). ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) (النور: من الآية35). أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب.
الآفة الخامسة: فضول النظر يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم، وغض البصر يفتح للعبد باب العلم ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق الأشياء.
الآفة السادسة: أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يمنيه ويوفد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب قد أحاطت به النيران من كل جانب، فهو وسطها كالشاة وسط التنور، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أنه جعل لهم في البرزخ تنورا من نار، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم، وغض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب.
الآفة السابعة: إن إطلاق البصر يوقع العبد في الغفلة اتباع الهوى، قال الله تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: من الآية28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله عز وجل يفرغ القلب للتفكير في مصالحه والاشتغال بها.
الآفة الثامنة: إن النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها في أعين الناس موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
الآفة التاسعة: فضول النظر وإطلاق البصر يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه كما يقول القائل:
وكنت متى أرسلتَ طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
الآفة العاشرة: أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها، كما يقول القائل:
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح
الآفة الحادية عشرة: إطلاق البصر يذهب نور البصيرة والجزاء من جنس العمل، وغض البصر يسبب إطلاق نور البصيرة ويورث العبد الفراسة كما قال شاه بن شجاع الكرماني: ((من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد الحلال لم تخطئ فراسته)). وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة.
الآفة الثانية عشرة: فضول النظر يوقع القلب في ذل اتباع وضعف القلب، ومهانة النفس وحقارتها، وما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: من الآية10). أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح، فمن أطاع الله فقد والاه، وله من العزة بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.
الآفة الثالثة عشرة: فضول النظر يوقع القلب في أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل: (طليق برأي العين وهو أسير).
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها حِيا ضَ الردى والطفل يلهو ويلعب
الآفة الرابعة عشرة: فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72). فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد نور البصير، فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادماً مع الخاسرين.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
لم لا نربي ناشئتنا على عدم الإسراف؟!
حثنا ديننا الحنيف بتعاهدهم وتفقد أحوالهم الدينية وتوجيههم لما فيه صلاحهم وتدريبهم على الثبات على عقائدهم والعمل بأوامر ربهم جل وعلا وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهيا عنه ومما يؤكد أهمية العناية بهؤلاء الناشئة قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) ,
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: مروهم لسبع واضربوهم عليها لعشر , ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تربية الناشئة وتعليمهم في سن مبكرة يدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري رحمه الله بسنده قال: حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد.
وروى البخاري أيضا قال: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ ليطرحها ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) فانظر أخي المسلم كيف كان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الناشئة مما يؤكد مسئولية الوالدين وأولياء الأمور تجاه ناشئتهم.
وهذه المسئولية لا تقتصر على حكم من الأحكام بل شاملة لجميع أوامر الشريعة وأحكامها وقد نهى الله تعالى ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في كل شيء ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وقوله تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) , وقوله جل وعلا: (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً)
وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن الفضول في الطعام ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
وقوله في النهي عن الفضول في الحديث:
إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ,
هذه النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم تحثنا جميعا على عدم الفضول والبعد عن الإسراف في كل شيء وفي عصورنا المتأخرة غفل كثير من الناس عن تدبر كتاب الله تعالى والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيما نهوا عنه من الإسراف في كل شيء والفضول في كل شيء ومن أهم هذه الأمور التي أسرف فيها الكبير والصغير والرجل والأنثى الوقت الذي هو أثمن ما يمتلكه الإنسان فهو أغلى من الذهب والفضة بل من الطعام والشراب لأنه هو حياة الإنسان وهلاكه وهو سعادة الإنسان وشقاوته فمتى ما عمر فيما يرضي الله جل وعلا أكسب سعادة وتوفيقا وجنة بإذن الله جل وعلا ومتى ما أهدر هذا الوقت في طاعة الشيطان وغضب الرحمن كان وبالا وحسرة وندامة على صاحبه في الدنيا والآخر ونارا تتلظى نسأل الله السلامة والعافية,
وان من المؤسف أن نرى الكثير ممن لم يثمن الوقت ولم يعرف قدره فيقضي الساعات الطوال فيما لا نفع له به ولا خير له كالحديث في أعراض المسلمين أو استماع آلات اللهو والنظر إليها أو نحو ذلك مما يقتل الوقت ولا طائل فائدة فيه وهذا هو مفهوم الإسراف في الوقت.
ومنها ذلك أيضا الإسراف في الطعام والماء ونحوها فتجد الرجل يصنع الطعام لاثنين أو ثلاثة ما يكفي عشرة أو أكثر فإذا فرغوا من الأكل وضعوا ما تبقى في صندوق القمامة وأما الإسراف في الماء فحدث ولا حرج ومن أراد أن يتثبت مما أقول فليحضر إلى إحدى دورات المياه في مسجد من المساجد ولينظر فقط كيف يتوضأ الكثير جداً من الناس أقول
وإن لنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان صلى الله عليه وسلم يكفيه المد من الماء للوضوء والصاع للغسل
وقد أنكر على أحد أصحابه إسرافه الماء يدل على ذلك ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتوضأ فقال: لا تسرف لا تسرف ,
وروي أيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف، فقال:
أفي الوضوء إسراف، قال: نعم وإن كنت على نهر جار)
ونحن اليوم لا نبالي في صرف الماء ولا نلقي لذلك بالا ولا نثمن أنه ينقل إلينا بجهود هذه الحكومة الرشيدة من البحار وتصرف الملايين لنقله وتحليته فلندرك أنه من أعظم النعم ومن يضمن بقاء واستمرار هذه النعمة إذا لم نشكرها بالمحافظة عليها وترشيد استهلاكها.
فعلينا أن نراجع أنفسنا وأن نتقيد بشريعة ربنا جل وعلا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نتعاهد من ولانا عليهم الله من الناشئة شبابا وفتيات فنغرس في نفوسهم حب الاعتدال وننشئهم على فقه هذه التوجيهات الربانية والأوامر النبوية الكريمة ونحبب إليهم العلم بها ونبين لهم أن الإسراف ممقوت في كل شيء إلا في رضا الله سبحانه وتعالى والله تعالى أعلم.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
المحافظة على الصلاة في رمضان
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/106.jpg
الصَّلاة عمادُ الدِّين
أي: هي القاعدة الأساسيّة التي يقوم عليها دينُ المرء المسلم!
وذلك للأسباب الآتية: أنّها:
1 - تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ قال الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45] (سورة العنكبوت).
2 - أفضل الأعمال بعد الشهادتين؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه).
3 - تغسل الخطايا؛ لحديث جابر - رضي
الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» (صحيح مسلم).
4 - تكفر السيئات؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر» (صحيح مسلم).
5 - نور لصاحبها في الدنيا والآخرة؛ لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال:
«من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف» (مسند الإمام أحمد).
وفي حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -: «والصلاة نور» (صحيح مسلم)؛ ولحديث بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» (أبوداود/الألباني).
6 - يرفع الله بها الدرجات ويحط الخطايا؛ لحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له:
«عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» (صحيح مسلم).
7 - من أعظم أسباب دخول الجنة برفقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لحديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: «كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» (صحيح مسلم).
8 - المشي إليها تكتب به الحسنات وترفع الدرجات وتحط الخطايا؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» (صحيح مسلم).
وفي الحديث الآخر: «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة». (أبوداود).
9 - تُعدُّ الضيافةُ في الجنة بها كلما غدا إليها المسلم أو راح لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح» (متفق عليه)
والنزل ما يهيأ للضيف عند قدومه.
10 - يغفر الله بها الذنوب فيما بينها وبين الصلاة التي تليها: لحديث عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها» (صحيح مسلم).
11 - تكفر ما قبلها من الذنوب؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله» (صحيح مسلم).
12 - تصلي الملائكة على صاحبها ما دام في مصلاه، وهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة. وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» (متفق عليه).
13 - انتظارها رباط في سبيل الله؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» (صحيح مسلم).
14 - أجر من خرج إليها كأجر الحاجِّ المحرم لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضُّحى (التَّرغيب والتَّرهيب) لا يُنصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» (صحيح الترغيب والترهيب).
15 - من سبق بها وهو من أهلها فله مثل أجر من حضرها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله - عز وجل - مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا» (صحيح سنن أبي داود).
16 - إذا تطهر وخرج إليها فهو في صلاة حتى يرجع، ويكتب له ذهابه ورجوعه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يقل: هكذا وشبك بين أصابعه» (صحيح الترغيب والترهيب) وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: «من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدي فرجل تكتب حسنة ورجل تحط سيئة حتى يرجع» (صحيح الترغيب والترهيب)!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الصّلاة عمادُ العبوديّة في رمضان
وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: الصلاة تجمع أنواعاً من العبادة؛ كالقراءة، والركوع، والسجود، والدعاء، والذل، والخضوع، ومناجاة الرب سبحانه وتعالى، والتكبير، والتسبيح، والصَّلاة على النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلم.
ثانياً: الصّلاة في رمضان هي العبادة التي تحتلُّ مكانةً بارزة، بين أعمال رمضان وعباداته، حيث يحرص المسلمون على إقامتها في المساجد، كما يحرصون على صلاة القيام فيه.
ثالثاً: البُشريات النّبوية الخاصّة بشهر رمضان، وما أُعدّ للصائمين فيه، تعلّقت بالصوم، كما تعلّقت كذلك بالصلاة، وخاصّةً صلاة القيام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (صحيح البخاري)
(مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (صحيح البخاري)
(مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا)! (صحيح البخاري)
(تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) (صحيح البخاري)
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) (صحيح البخاري)
[فتوى]
السؤال:
أيهما أفضل في نهار رمضان قراءة القرآن أم صلاة التطوع؟
الجواب:
الحمد لله كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، وكان جبريل يدارسه القرآن ليلاً، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجودَ ما يكون في رمضان، وكان يُكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف!
هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وفي هذا الشهر الكريم!
أما المفاضلة بين قراءة القارئ وصلاة المصلي تطوعاً فتختلف باختلاف أحوال الناس وتقدير ذلك راجع إلى الله عز وجل لأنه بكل شيء محيط!
(من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ ابن باز)
وقد يكون العمل المعيّن في حقّ شخص، أفضلَ وغيرُه في حقّ شخص آخرَ أفضل، بحسب تقريب العمل لفاعله من الله عزّ وجلّ، فقد يتأثّر بعض الأشخاص بالنوافل ويخشعون فيها، فتقرّبهم إلى الله أكثرَ من أعمالٍ أخرى، فتكون في حقّهم أفضلَ والله أعلم.
[فتوى]
السؤال:
ما حكم الصوم مع ترك الصلاة في رمضان؟
الجواب:
إن الذي يصوم ولا يصلي، لا ينفعه صيامه ولا يقبل منه، ولا تبرأ به ذمته، بل إنه ليس مطالباً به ما دام لا يصلي، لأنَّ الذي لا يصلي مثل اليهودي والنصراني، فما رأيكم أنَّ يهودياً أو نصرانياً صام وهو على دينه، فهل يقبل منه أم لا؟
إذن نقول لهذا الشخص: تب إلى اللَّه بالصلاة، وصم ومن تاب تاب اللَّه عليه!
(فتاوى فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين).
وهذا برنامج يوميٌّ مقترح للصائم في رمضان، ولعلنا نلحظ فيه أنّ الصلوات قد توزّعت على جوانب هذا اليوم، محتلّةً منه مساحة كبيرةً، لتؤكد أنّه كما أنّ الصلاة عمادُ الدّين، فإنها كذلك عماد العبوديّة في رمضان:
يوم المسلم في رمضان
يبدأ المسلم يومه بالسحور قبل صلاة الفجر , والأفضل أن يؤخر السحور إلى أقصى وقت ممكن من الليل.
ثم بعد ذلك يستعد المسلم لصلاة الفجر قبل الآذان , فيتوضأ في بيته , ويخرج إلى المسجد قبل الآذان ,
فإذا دخل المسجد صلى ركعتين (تحية المسجد) , ثم يجلس ويشتغل بالدعاء , أو بقراءة القرآن , أو بالذكر , حتى يؤذن المؤذن , فيردد مع المؤذن ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان , ثم بعد ذلك يصلي ركعتين (راتبة الفجر) , ثم يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن إلى أن تُقام الصلاة , وهو في صلاة ما انتظر الصلاة.
بعد أن يؤدي الصلاة مع الجماعة يأتي بالأذكار التي تشرع عقب السلام من الصلاة , ثم بعد ذلك إن أحب أن يجلس إلى أن تطلع الشمس في المسجد مشتغلا بالذكر وقراءة القرآن فذلك أفضل , وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر.
ثم إذا طلعت الشمس وارتفعت ومضى على شروقها نحو ربع ساعة فإن أحب أن يصلي صلاة الضحى (أقلها ركعتين) فذلك حسن , وإن أحب أن يؤخرها إلى وقتها الفاضل وهو حين ترمض الفصال، أي: عند اشتداد الحر وارتفاع الشمس فهو أفضل.
ثم إن أحب أن ينام ليستعد للذهاب إلى عمله , فلينوي بنومه ذلك التَّقوِّي على العبادة وتحصيل الرزق , كي يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، وليحرص على تطبيق آداب النوم الشرعية العملية والقولية.
ثم يذهب إلى عمله , فإذا حضر وقت صلاة الظهر , ذهب إلى المسجد مبكرا , قبل الأذان أو بعده مباشرة , وليكن مستعدا للصلاة مسبقا , فيصلي أربع ركعات بسلامين (راتبة الظهر القبلية) , ثم يشتغل بقراءة القرآن إلى أن تقام الصلاة، فيصلي مع الجماعة , ثم يصلي ركعتين (راتبة الظهر البعدية).
ثم بعد الصلاة يعود إلى إنجاز ما بقي من عمله , إلى أن يحضر وقت الانصراف من العمل , فإذا انصرف من العمل فإن كان قد بقي وقت طويل على صلاة العصر ويمكنه أن يستريح فيه , فليأخذ قسطا من الراحة , وإن كان الوقت غير كاف ويخشى إذا نام أن تفوته صلاة العصر فليشغل نفسه بشيء مناسب حتى يحين وقت الصلاة , كأن يذهب إلى السوق لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها أهل البيت ونحو ذلك , أو يذهب إلى المسجد مباشرة من حين ينتهي من عمله , ويبقى في المسجد إلى أن يصلي العصر.
ثم بعد العصر ينظر الإنسان إلى حاله , فإن كان بإمكانه أن يجلس في المسجد ويشتغل بقراءة القرآن فهذه غنيمة عظيمة , وإن كان الإنسان يشعر بالإرهاق , فعليه أن يستريح في هذا الوقت , كي يستعد لصلاة التراويح في الليل.
وقبل أذان المغرب يستعد للإفطار , وليشغل نفسه في هذه اللحظات بشيء يعود عليه بالنفع , إما بقراءة قرآن , أو دعاء , أو حديث مفيد مع الأهل والأولاد.
ومن أحسن ما يشغل به هذا الوقت المساهمة في تفطير الصائمين , إما بإحضار الطعام لهم أو المشاركة في توزيعه عليهم وتنظيم ذلك , ولذلك لذة عظيمة لا يذوقها إلا من جرب.
ثم بعد الإفطار يذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة , وبعد الصلاة يصلي ركعتين (راتبة المغرب) , ثم يعود إلى البيت ويأكل ما تيسر له - مع عدم الإكثار -, ثم يحرص على أن يبحث عن طريقة مفيدة يملأ بها هذا الوقت بالنسبة له ولأهل بيته , كالقراءة من كتاب قصصي , أو كتاب أحكام عملية , أو مسابقة , أو حديث مباح, أو أي فكرة أخرى مفيدة تتشوق النفوس لها , وتصرفها عن المحرمات التي تبث في وسائل الإعلام , والتي يعد هذا الوقت بالنسبة لها وقت الذروة , فتجدها تبث أكثر البرامج جذبا وتشويقا , وإن حوت ما حوت من المنكرات العقدية والأخلاقية، فاجتهد يا أخي في صرف نفسك عن ذلك , واتق الله في رعيتك التي سوف تسأل عنها يوم القيامة , فأعد للسؤال جوابا.
ثم استعد لصلاة العشاء , واتجه إلى المسجد , فاشتغل بقراءة القرآن , أو بالاستماع إلى الدرس الذي يكون في المسجد.
ثم بعد ذلك أدِ صلاة العشاء , ثم صلِ ركعتين (راتبة العشاء) ثم صلِّ التراويح خلف الإمام بخشوع وتدبر وتفكر , ولا ينصرف قبل أن ينصرف الإمام , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". رواه أبو داود (1370) وغيره، وصححه الألباني في "صلاة التراويح " (ص 15).
ثم اجعل لك برنامجا بعد صلاة التراويح يتناسب مع ظروفك وارتباطاتك الشخصية، وعليك مراعاة ما يلي:
البعد عن جميع المحرمات ومقدماتها.
مراعاة تجنيب أهل بيتك الوقوع في شيء من المحرمات أو أسبابها بطريقة حكيمة، كإعداد برامج خاصة لهم , أو الخروج بهم للنزهة في الأماكن المباحة , أو تجنبيهم رفقة السوء والبحث لهم عن رفقة صالحة.
أن تشتغل بالفاضل عن المفضول.
ثم احرص على أن تنام مبكرا , مع الإتيان بالآداب الشرعية للنوم العملية والقولية , وإن قرأت قبل النوم شيئا من القرآن أو من الكتب النافعة فهذا أمر حسن، لا سيما إن كنت لم تنه وردك اليومي من القرآن , فلا تنم حتى تنهه.
ثم استقيظ قبل السحور بوقت كاف للاشتغال بالدعاء , فهذا الوقت _ وهو ثلث الليل الأخير _ وقت النزول الإلهي , وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين فيه , كما وعد الداعين فيه بالإجابة والتائبين بالقبول , فلا تدع هذه الفرصة العظيمة تفوتك.
يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع , فينبغي أن يكون له برنامجٌ خاصٌّ في العبادة والطاعة , يراعى فيه ما يلي:
التبكير في الحضور إلى صلاة الجمعة، البقاء في المسجد بعد صلاة العصر , والاشتغال بالقراءة والدعاء حتى الساعة الأخيرة من هذا اليوم , فإنها ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
كلوا واشربوا ولا تسرفوا
اللجنة العلمية
الصائمون والصلاة في شهر رمضان
للصّائمين في هذا الشهر المبارك مع الصلاة أحوالٌ تستحقُّ أن يُوجّه تلقاءها البصر، ليكون المسلمُ منها على حذرٍ من التّردّي في هُوّة سحيقة، بل ليرقَى بنفسه ويتطلّع إلى بلوغ أعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، فلينظر المسلم في هذه الأحوال، ويتبصّر في العاقبة والمآل، عسى أن يُعتق نفسه من أسر الهوى والشهوات والشبهات، ويتوجّه إلى ربّه بوجهه وقلبه، في هذا الشهر الكريم، عسى أن يكون من الفائزين.
فلنستطلع في هذه الأحوال:
أولاً:
حال أولئك الصنف الذين يصومون، بيد أنّهم لا يُصلّون لا في هذا الشهر الكريم، ولا في غيره من الشهور!
فنقول لهم: أي صوم هذا الذي ترتجون ثوابه وأجره؟ أما تعلمون أن الصلاة هي عمود الدين وآكد وأهمُّ أركان الإسلام بعد الشَّهادتين، أما علمتم أن من تركها عمداً جاحداً لوجوبها فقد كفر بإجماع المسلمين، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر على القول الصحيح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» ولا يخفاك أن الكافر لا يُقبل منه صيام ولا غيره.
ثانياً:
حالُ من يصوم رمضانَ، بيد أنّه لا يُصلِّي إلا فيه!
أما هذا فقد أغضب ربه وخادعه! وهذا حريٌّ أن يكون عبداً لرمضان لا لرب رمضان!! وكما قيل فيه وفي شاكلته "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان" وحكمهم حكم الصنف الأول أعلاه.
ثالثاً:
حال من يصوم رمضان ولا يعرف الصلاةَ ولا الجماعةَ طيلة أيام العام، إلا صلاة الجمعة، وصلاة المغرب في رمضان!
وهذا إن لم يتب من جرمه فأمره عظيم، وخطره وبيل ومرده إلى ويل. قال الله تعالى: {فويلٌ للمصلين. الَّذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون:4 - 5] فهذا المبخوس بعد أن استفاق من نومه على صوت المؤذن أو بالأصح على وقت الإفطار والتهم ألوان الأطعمة والأشربة، ساقته قدماه- حسب العادة- إلى المسجد ومن المعتاد أن تجد المسجد في صلاة المغرب في رمضان مزدحماً وربما يضيق بالمصلين- أما سائر الفروض فهو لا يصليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا إن كان ممن أضاف إلى ترك الجماعة ترك الصلاة بالكلية فهو على خطر عظيم نسأل الله العافية.
رابعاً:
حال من يصوم رمضان ويُصلّي صلوات الفجر والظهر والعصر في بيته، وربما يضيّع أوقاتهن!
فمن الناس من يقضي ليل هذا الشهر المبارك وأوقاته الفاضلة في المعاصي ما بين سهرٍ على منكرات، ومجالس آثام ومعاصٍ، لا تُعدُّ ولا تحصى، فهؤلاء ضيعوا ليلهم في غضب الله، واستخدموا نعمه الظاهرة والباطنة فيما يسخطه عليهم، ويبعدهم عن رضوانه.
ولا يخفى أن من ترك الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتُها دونما عذر شرعي صحيح، لا تبرأ ذمته ولو أعاد الصلاة ألف مرة، إذ إنَّ كلَّ عبادةٍ لها وقت معلوم لا تصح إلا فيه، ومن تعمد ترك الصلاة بسهر في معصية؛ فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر.
خامساً:
من يصوم رمضان ويُصلّي صلواته جماعةً في المسجد، إلا صلاة الفجر، وربما يصليها في رمضان إن كان مستيقظاً!
ابتُلي عدد من الناس بالتخلف عن صلاة الفجر جماعة، بل ربما عن صلاتها في وقتها- وقد تجد من أهل المساجد من نسي أو تناسى أن هناك صلاة خامسة تُدعى (صلاة الفجر) - إذ دأبهم طيلة العام السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فتجد أحدهم تاركاً لهذه الفريضة إمَّا عمداً أو لعدم المبالاة بها، وفي الوقت نفسه تجده شديد العناية بضبط منبه الوقت على ساعة الدراسة أو العمل!!، ولكن في رمضان قد يصليها لا لكونه مهتماً بها لكن لدخولها في وقت صحوه ويقظته!!، ولهؤلاء نقول تذكروا أن «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر .. » هذا هو حكم رسولك صلى الله عليه وسلم، وهل تعلم يا أخي عقوبة المنافق!؟
سادساً:
من يصوم رمضان ولكنه لا يعرف الطريق إلى المسجد والجماعة، لا في رمضان ولا في غيره!
فهذه فئةٌ محرومةٌ من الخير، ومن تفيؤ ظلال بيوت الله التي هي خير البقاع على وجه الأرض، نسأل الله لنا ولهم الهداية، فهم لا يعرفون المساجد ولا الجماعة، حتى في هذا الشهر المبارك حيث تتنزل البركات، وتصبو القلوب إلى خالقها، فمن باب أولى أنهم لا يؤمونوها فيما سواه.
روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا المنافق معلوم النفاق" وهل يحرص من يتوانى ويتكاسل عن قصد بيت الله على أن يُقيمها في بيته، في وقتها؟!
سابعاً:
من يصوم رمضان وينشط في أوله بالصلاة، في وقتها، في المسجد، إلا أنه يكسل بعد مضي أيام منه، لا سيما الأيام الفاضلة في آخره". إن المسلم الكيس الفطن يبذل قصارى جهده ليغتنم الفرص ومواسم الخير، فالعمر قصير، والذنب كثير والخطب كبير، فرمضانُ موسم جدٍّ وعمل، لا نوم وكسل، ولكن من اختلطت عليه مشاربُ الحياة ومداخلها تجده في أول الأمر حريصاً على الخير وطرقه، ولكن ما أن يسلكه إلا وتدخل عليه الحياة ومشاغلها، فتجده تضعف همته وتخور عزائمه. وإن من الخسارة أن يكون ذلك التفريط في آخر الشهر المبارك، حيث الأيام والليالي الفاضلة التي لا يعد لها في السنة مثيل، وكفى بلية القدر فضلاً وشرفاً.
ثامناً:
من يصوم رمضان ويحرص على صلاة التراويح جماعةً، وتجده في الوقت نفسه يتخلف ويفرط في الصلوات المفروضة!
فممَّا لا شكَّ فيه أن الفرائض مقدمة على النفل، وأن الواجب مقدم على المستحب، فما عساه أن يُسمى هذا الذي يفرط في الصلوات المكتوبة، إما بالنوم وإما بالانشغال بما لا يتفق مع هذا الشهر المبارك، وفي الوقت نفسه تجده أحرص ما يكون على صلاة التراويح، فهذا قد ظلم نفسه وحرمها مما أوجب عليه، واهتم بالطاعات التي هي من باب النفل والزيادة.
تاسعاً:
من يصوم رمضان ويصلي مع جماعة المسلمين، إلا انه لا يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وربما تفوته الجماعة وإضافة إلى ذلك فهو مُضيَّع للسنن القبلية والبعدية!
وهذا مما ابتُلي به الكثير من الشباب، بل ومَن يُعدون من أهل الخير، إذ لا تراهم إلا في الصفوف الأخيرة يقضون صلاتهم. فإلى هؤلاء جميعاً نقول: ألا تريدون أن تكونوا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» حديث حسن ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صفوف الرجال أولها وشرها آخرها» [رواه مسلم].
عاشراً:
من يصوم رمضان، ويحافظ على الصلوات جماعة في المسجد، ويكون رمضان دافعاً له على تقوية إيمانه وزيادته!
فهذه الطائفة الموفَّقة هم من عُمَّار المساجد، ولرمضان في حياتهم الإيمانية أكبر الأثر، إذ تجد أحدهم في هذا الشهر المبارك حريصاً على المبادرة إلى المساجد عند سماع النّداء أو قبيله، محافظاً على الصفوف الأولى، فهؤلاء نقول لهم، احمدوا الله واشكروه، واسألوه من فضله وتعرضوا لنفحات مولاكم، وادعوه بالثبات على ذلك في رمضان وغير رمضان، وإياكم من نقض الغزل بعد القوة!!
حادي عشر:
من يصوم رمضان ويصوم الأيام المسنون صومها، ويجتهدُ في الطاعات والقرب ما كان منها واجباً أو نفلاً، وللصلاة في حياته النصيب الأكبر!
فهؤلاء نسأل الله أن يجعلنا منهم، فهم في جنة غناء وارفة الظلال، وهذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- يصور هذه الجنة بقوله: "إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" ورغم ذلك نجد أحدهم يعمل العمل ويخشى ألا يُقبل منه، فماذا عسى أن يقول مَن جمع إلى الإساءة والذنب الأمنَ من عقاب رب العالمين وتعلق بنصوص الوعد والمغفرة والرحمة وأهمل وتناسى ما ورد في نصوص العقاب من أمور عظيمة وأهوال جسيمة يذوب القلب لسماعها- نسأل الله العافية-.
وفي آخر المطاف هذه دعوة من رب كريم رحيم طالما بادرناه بالذنوب والمعاصي وهو سبحانه يتودد إلينا بالنعم والرحمات {قُل يا عباديَ الَّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رَّحمة الله إن الله يغفر الذُّنوب جميعاً} [الزمر: 53]، نعم إنه يغفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها {إنَّه هُوَ الْغفور الرَّحيم} ولكن هناك أمراً لا بد من تحقيقه ألا وهو {وأنيبوا إلى ربِّكم وأسْلِمُوا له} [الزمر:54].
أخي .. فلنعد إلى الله ونسلم له حقيقةَ الإسلام، ولنقل بلسان الحال والمقال: {ربَّنا ظَلَمْنا أنفُسنا وإن لَّم تغفر لنا وتَرْحَمْنا لنكوننَّ من الخاسرين} [الأعراف:22].
وتذكر أن سيئاتك مهما بلغت فإنَّ الله تعالى يبدلها حسناتٍ .. نعم حسنات!! ولا تسلم نفسك للشيطان وخطواته! وكن ممن قال فيهم ربُّ البريَّات: {إلاَّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يُبدِّل الله سيِّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رَّحيماً} [الفرقان:70].
وفي ختام هذه الكلمات ندعو الله تعالى بما علمنا أن ندعوه به {ربَّنا لا تُزغ قُلُوبَنَا بعد إذ هَدَيْتنا وَهَبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهَّاب} [آل عمران:8].
{ربَّنا عليْك توكَّلْنا وإلَيْكَ أنبْنا وإلَيْكَ المَصِير} [الممتحنة:4].
(دار القاسم للنشر، مع تصرّفٍ يسير)!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
ليكن رمضان بدايةً لتوثيق صلتك بالمساجد!
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: «وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ» [رواه مسلم].
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَو رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَو رَاحَ» [رواه البخاري ومسلم]، وعن جابر -رضي الله- قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ» [رواه مسلم]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ما لم تغش الكبائر» [رواه مسلم].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له، إلا من عذر» [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
نصيحة لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة
أخي الكريم: يؤسفني ويحز في نفسي ويؤلم قلبي إصراركم على التخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد على الرغم من أنكم تتمتعون بالصحة والعافية والعقل والسمع والبصر والعلم والمعرفة، وغير خاف عليكم أنكم مخلوقون للعبادة والصلاة أم العبادات وتعلمون أن الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم بالغ عاقل غير المرأة الحائض والنفساء وأنها تجب على كل حال في الصحة والمرض والإقامة والسفر والأمن والخوف على قدر الاستطاعة.
قال صلى الله عليه وسلم: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» [رواه البخاري وأهل السنن]، «فإن لم تستطع فمستلقيا» {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [المحدث: ابن الملقن - المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: 1/ 286، خلاصة الدرجة: صحيح أو حسن، كما اشترط على نفسه في المقدمة].
وغير خاف عليك أنه يجب على الرجل المسلم أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة في المساجد التي بنيت لأجلها وشرع الأذان لأجلها في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، وتعلم أن الصلاة تكفر الذنوب والآثام وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن تارك الصلاة محكوم بكفره وقتله وعدم تزويجه المرأة المسلمة وأنه إذا مات كافرا بترك الصلاة لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين إلا من تاب تاب الله عليه وهو التواب الرحيم والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وتعلم أن الحياة محدودة والأنفاس معدودة وأن الموت يأتي فجأة وليس بعد الموت إلا الجنة في نعيم أبدي أو النار في عذاب سرمدي، أعاذنا الله والمسلمين منها، ومن أسباب دخول النار ترك الصلاة قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ?42? قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [سورة المدثر: 42 - 43]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: 6]، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [سورة طه: 132]، {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [سورة إبراهيم: 31]، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى? صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ?34? أُولَ?ئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} [سورة المعارج: 34 - 35].
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من المحافظين على الصلوات، المكرمين بنعيم الجنات، برحمتك يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
ليكن رمضان محطةَ انطلاقك للمحافظة على صلاة الفجر!
أمّا بعد، فإن صلاة الفجر من أعظم الصلوات حتى خصها رب العزة بقوله: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا} أي وصلاة الفجر إنها كانت مشهودة محضورة تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صلاة يُذكر فيها اسم الله في وقتٍ ينامُ أكثرُ الخلق ويغفلون عن ذكره تعالى وتقدس!
أخٌ يشتكي ويقول: إن صلاة الفجر تفوتني في كثير من الأيام، فلا أصليها في وقتها إلا نادراً، والغالب ألا أستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أو بعد فوات صلاة الجماعة في أحسن الأحوال، وقد حاولت الاستيقاظ بدون جدوى فما حل هذه المشكلة؟
حل هذه المشكلة - كغيرها - له جانبان: جانب علمي، وجانب عملي.
أما الجانب العلمي فيأتي من ناحيتين:
الناحية الأولى:
أن يعلم المسلم عظمة مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله) مسلم ص 454 رقم 656، الترمذي 221. وقال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) رواه الإمام أحمد المسند 2/ 424، وهو في صحيح الجامع 133،
وقال: (من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته) ومعنى في ذمة الله: أي في حفظه وكلاءته سبحانه، " من كتاب النهاية 2/ 168" والحديث رواه الطبراني 7/ 267، وهو في صحيح الجامع رقم 6344.وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري الفتح 2/ 33.
وفي الحديث الآخر: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة، في جماعة) رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 207، وفي السلسلة الصحيحة 1566.
وفي الحديث الصحيح: (من صلّى البردين دخل الجنة) رواه البخاري الفتح 2/ 52.
والبردان الفجر والعصر.
الناحية الثانية:
أن يعلم المسلم خطورة تفويت صلاة الفجر:
ومما يبين هذه الخطورة الحديث المتقدم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/ 271،قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون المجمع 2/ 40. وإنما تكون إساءة الظن بذلك المتخلف عن هاتين الصلاتين لأن المحافظة عليهما معيار صدق الرجل وإيمانه، ومعيار يقاس به إخلاصه، ذلك أن سواهما من الصلوات قد يستطيعها المرء لمناسبتها لظروف العمل ووقت الاستيقاظ، في حين لا يستطيع المحافظة على الفجر والعشاء مع الجماعة إلا الحازم الصادق الذي يُرجى له الخير.
ومن الأحاديث الدالة على خطورة فوات صلاة الفجر قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلّى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) رواه مسلم ص 454 ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه أي من يطلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه والقيام بعهده يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب، حاشية صحيح مسلم ترتيب عبد الباقي 455.
هاتان الناحيتان كفيلتان بإلهاب قلب المسلم غيرة، أن تضيع منه صلاة الفجر، فالأولى منهما تدفع للمسارعة في الحصول على ثواب صلاة الفجر، والثانية هي واعظ وزاجر يمنعه من إيقاع نفسه في إثم التهاون بها.
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية فإن هناك عدة خطوات يمكن للمسلم إذا اتبعها أن يزداد اعتياداً ومواظبة على صلاة الفجر مع الجماعة، فمن ذلك:
1 - التبكير في النوم: ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاء والمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحال تشبه المرضى.
ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد صلاة العشاء، وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها فقالوا: لأنه يؤدي إلى السهر، ويُخاف من غلبة النوم عن قيام الليل، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل.
والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح: هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها، أما ما كان فيه مصلحة وخير فلا يكره، كمدارسة العلم، ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم، ومحادثة الضيف، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة.
فما الحال إذا تفكرنا فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام إذن فعلى المسلم أن ينام مبكراً، ليستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر، وأن يحذر السهر الذي يكون سبباً في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة.
حقاً إن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم، وفي المقدار الذي يكفيهم منه، فلا يمكن تحديد ساعات معينة يُفرض على الناس أن يناموا فيها، لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوم يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً، فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحادية عشر ليلاً مثلاً لم يستيقظ للصلاة، فإنه لا يجوز له شرعاً أن ينام بعد هذه الساعة .. وهكذا.
2 - الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر.
3 - صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة، ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه، فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر، ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية.
4 - ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة، فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر، ثم يعاود النوم مرة أخرى، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان، وصار ذلك دافعاً له للقيام، فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان، فإذا صلّى أخزى شيطانه وثقل ميزانه وأصبح طيب النفس نشيطاً.
5 - لا بد من الاستعانة على القيام والتواصي في ذلك، للصلاة بالأهل والصالحين، وهذا داخل بلا ريب في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وفي قوله (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
فعلى المسلم: أن يوصي زوجته مثلاً بأن توقظه لصلاة الفجر، وأن تشدد عليه في ذلك، مهما كان متعباً أو مُرهقاً، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلاً في الاستيقاظ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها، ولا يقولن أب إن عندهم اختبارات، وهم متعبون، فلأدعهم في نومهم، إنهم مساكين، لا يصح أن يقول ذلك ولا أن يعتبره من رحمة الأب وشفقته، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في إيقاظهم لطاعة الله: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليهم).
وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله، فيعين بعضهم بعضاً، مثل طلبة الجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء، يطرق الجار باب جاره ليوقظه للصلاة، ويعينه على طاعة الله.
6 - أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة؛ فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء.
7 - استخدام وسائل التنبيه، ومنها الساعة المنبهة، ووضعها في موضع مناسب، فبعض الناس يضعها قريباً من رأسه فإذا دقت أسكتها فوراً وواصل النوم، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً، لكي يشعر بها فيستيقظ.
ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثر ما يدفعه مقابل هذا التنبيه، فإن هذه نفقة في سبيل الله، وأن الاستيقاظ لإجابة أمر الله لا تعدله أموال الدنيا.
8 - نضح الماء في وجه النائم، كما جاء في الحديث من مدح الرجل الذي يقوم من الليل ليصلي، ويوقظ زوجته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ومدح المرأة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 250 وهو في صحيح الجامع 3494.
فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ، وهو في الواقع منشط، وبعض الناس قد يثور ويغضب عندما يوقظ بهذه الطريقة، وربما يشتم ويسب ويتهدد ويتوعد، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظ متحلياً بالحكمة والصبر، وأن يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم، فليتحمل منه الإساءة، ولا يكن ذلك سبباً في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة. [على أن يكون ذلك بالاتفاق بين الزوجين].
9 - عدم الانفراد في النوم، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 91 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 60.
ولعل من حِكم هذا النهي أنه قد يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة.
10 - عدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يخطر على بال الناس أن فلاناً نائمٌ فيها، كمن ينام في سطح المنزل دون أن يخبر أهله أنه هناك، وكمن ينام في غرفة نائية في المنزل أو الإسكان الجماعي فلا يعلم به أحد ليوقظه للصلاة، بل يظن أهله وأصحابه أنه في المسجد، وهو في الحقيقة يغّط في نومه. فعلى من احتاج للنوم في مكان بعيد أن يخبر من حوله بمكانه ليوقظوه.
11 - الهمة عند الاستيقاظ، بحيث يهب من أول مرة، ولا يجعل القيام على مراحل، كما يفعل بعض الناس الذين قد يتردد الموقظ على أحدهم مرات عديدة، وهو في كل مرة يقوم فإذا ذهب صاحبه عاد إلى الفراش، وهذا الاستيقاظ المرحلي فاشل في الغالب، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم.
12 - ألا يضبط المنبه على وقت متقدم عن وقت الصلاة كثيراً، إذا علم من نفسه أنه إذا قام في هذا الوقت قال لنفسه: لا يزال معي وقت طويل، فلأرقد قليلاً، وكل أعلم بسياسة نفسه.
13 - إيقاد السراج عند الاستيقاظ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيح الكهربائية، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها.
14 - عدم إطالة السهر ولو في قيام الليل، فإن بعض الناس قد يطيل قيام الليل، ثم ينام قبيل الفجر بلحظات، فيعسر عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر، وهذا يحدث كثيراً في رمضان، حيث يتسحرون وينامون قُبيل الفجر بقليل، فيضيعون صلاة الفجر، ولا ريب أن ذلك خطأ كبير؛ فإن صلاة الفريضة مقدمة على النافلة، فضلاً عمن يسهر الليل في غير القيام من المعاصي والآثام، أو المباحات على أحسن الأحوال، وقد يزين الشيطان لبعض الدعاة السهر لمناقشة أمورهم ثم ينامون قبل الفجر فيكون ما أضاعوا من الأجر أكثر بكثير مما حصلوا.
15 - عدم إكثار الأكل قبل النوم، فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل، ومن أكل كثيراً، تعب كثيراً، ونام كثيراً، فخسر كثيراً، فليحرص الإنسان على التخفيف من العشاء.
16 - الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر، فربما سمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلّى أحدكم فليضجع على يمينه) رواه الترمذي رقم 420 وهو في صحيح الجامع 642.
وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع، ثم يُؤذنه بلال للصلاة، فيقوم للصلاة، وربما سمعوا هذه الأحاديث، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة، فلا يحسنون التطبيق، بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر، ثم يضطجع على جنبه الأيمن، ويغط في سبات عميق حتى تطلع الشمس، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص، فليست هذه الاضطجاعة للنوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو مضطجع، وكان أيضاً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس (أقبل) الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى، وأقام ساعده. رواه أحمد في المسند 5/ 298 وهو في صحيح الجامع رقم 4752، وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون مرفوعاً على كفه وساعده، فإذا غفا سقط رأسه، فاستيقظ، زد على ذلك أن بلالاً كان موكلاً بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر.
17 - جعل قيام الليل في آخره قبيل الفجر، بحيث إذا فرغ من الوتر أذن للفجر، فتكون العبادات متصلة، وتكون صلاة الليل قد وقعت في الثلث الأخير - وهو زمان فاضل - فيمضي لصلاة الفجر مباشرة وهو مبكر ونشيط.
18 - اتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم، بحيث ينام على جنبه الأيمن، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى، فإن هذه الطريقة تيسر الاستيقاظ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف النوم بكيفيات أخرى، فإنها تؤثر في صعوبة القيام.
19 - أن يستعين بالقيلولة في النهار، فإنها تعينه، وتجعل نومه في الليل معتدلاً ومتوازناً.
20 - ألا ينام بعد العصر، ولا بعد المغرب، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم، من تأخر نومه تعسر استيقاظه.
21 - وأخيراً فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظ الوجدان، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدودات.
ولقد حمل الإخلاص والصدق بعض الحريصين على الطاعة على استعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ تدل على اجتهادهم وحرصهم وتفانيهم، وذلك يخضع لاجتهاد كل إنسان بما يناسبه من وسائل معينة على صلاة الفجر.
و الحقيقة المرة هي أن ضعف الإيمان، وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس اليوم، والشاهد على ذلك ما نراه من قلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة الفجر، بالرغم من كثرة الساكنين حول المسجد في كثير من الأحياء.
على أننا لا ننكر أن هناك أفراداً يكون ثقل النوم عندهم أمراً مرضياً قد يُعذرون به، لأنه أمر خارج عن الإرادة فمثل هذا عليه أن يلجأ إلى الله بالتضرع، ويستفيد ما استطاع من الوسائل الممكنة، وأن يراجع الطبيب لمحاولة إيجاد علاج. والله أعلم
جعلنا الله وإياكم من المحبين لله عز وجل .. ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
سنن الصَّلوات المؤكَّدة والمندوبة
نعم، الصلاة عماد عبودية الصائم في رمضان، فليحرص على إقامتها في هذا الشهر الفضيل!
لقد سنَّ لنا رسولُ الله صلَّي الله عليه وسلَّم سُنن الصلاة، لنجبُرَ بها ما قد يكون في الصَّلوات المكتوبة من النقص والتّقصير:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولَ ما يحُاسب الناسُ به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربُّنا جلَّ وعزَّ لملائكته، وهو أعلم: "انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ " فإن كانت تامة، كُتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا، قال: "انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ؟ "، فإن كان له تطوُّع، قال: "أتمُّوا لعبدي فريضته من تطوُّعه"، ثم تؤخذُ الأعمال على ذاكم) (صحيح سنن أبي داود).
وذلك أمرٌ يتأكّد ندبُهُ في رمضان، شهرِ العبوديّة، فحريٌّ بنا أن نحافظ على سنن الصلوات، ما كان منها فريضةً، وما كان منها نفلاً!
وصلاة التَّطوُّع: هي ما يُطلبُ فعلُه من المكلَّف زيادةً عن المكتوبة، طلباً غير جازم، وهي إما أن تكون غير تابعة للصلاة المكتوبة: كصلاة التراويح، والخسوف، والكسوف، والاستسقاء!
وإمَّا أن تكون تابعةً للصلاة المكتوبة، كالنوافل القبلية والبعدية، وتنقسم إلى مسنونة ومندوبة!
السُّنن الرَّواتب المؤكَّدة:
وهي دائمة مستمرة، تابعة للفرائض، واختلف أهل العلم في عددها، على النّحو التّالي:
- عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح! أو:
- اثنتا عشرة ركعة: أربعٌ قبل الظُّهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصُّبح!
عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: "فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ"، وقَالَ عَمْرٌو: "مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ"، وقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ! (رواه مسلم)!
يقول الإمام النوويُّ:
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ:
وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي أَعْدَادِهَا مَحْمُولٌ عَلَى تَوْسِعَةِ الْأَمْرِ فِيهَا، وَأَنَّ لَهَا أَقَلَّ وَأَكْمَلَ، فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْأَقَلِّ، وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ الْأَكْمَلِ، وَهَذَا كَمَا سَبَقَ فِي اخْتِلَافِ أَحَادِيثِ الضُّحَى، وَكَمَا فِي أَحَادِيثِ الْوِتْرِ، فَجَاءَتْ فِيهَا كُلِّهَا أَعْدَادُهَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَمَا بَيْنَهُمَا؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَقَلِّ الْمُجْزِئِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ السُّنَّةِ، وَعَلَى الْأَكْمَلِ وَالْأَوْسَطِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ!
وآكد هذه السنن الرواتب: ركعتان قبل الفجر:
قالت عائشة: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، على شيء من النوافل أشدَّ منه تعاهداً على ركعتي الفجر) (متفق عليه)، وكان يقول: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (مسلم).
وقتها بين الأذان والإقامة؛ ولا يُصلّى بعدها إلا فريضة الفجر؛ يقرأ فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ومن السنة الاضطجاع بعدهما على الشقِّ الأيمن، ولا تُتْرَكُ في الحضر ولا في السفر؛ ومن فاتته صلاها بعد الفجر أو بعدما ترتفع الشمس!
ومن السنن الرّاتبة: أربع ركعات بعد الجمعة: (فإن عجل بك شيء فصلِّ ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت) (مسلم).
وأما الصلاة قبل الجمعة فنافلة مطلقة بدون تقدير؛ لحديث سلمان الفارسي! قال: قال رسول الله ?: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) (البخاري)!
وقت الرواتب مع الفرائض:
كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول الوقت إلى إقامة الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من الفراغ من الصلاة إلى خروج وقتها.
قضاء الرواتب:
قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ? كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهنَّ بعدها.
وثبت أن النبي ? قضى راتبة الفجر مع الفريضة لما نام عن صلاة الفجر في السفر!
والسنة ترك الرواتب في السفر إلا سنة الفجر والوتر؛
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وكان تعاهده ? ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولم يكن يدعها هي والوتر سفراً ولا حضراً ... ولم ينقل عنه في السفر أنه صلّى سنة راتبة غيرهما".
وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطلقاً، مثل: صلاة الضحى، والتهجد بالليل، وجميع النوافل المطلقة، والصلوات ذوات الأسباب: كسنة الوضوء، وسنة الطواف، وصلاة الكسوف، وتحية المسجد وغير ذلك!
صلاة الوتر:
سنة مؤكدة: (الوتر حقٌ على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدة فليفعل) (صحيح سنن أبي داود)! ولصلاة الوتر فضل عظيم: (إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حُمرِ النَّعم، وهي الوِتر، وجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر) (أبوداود).
ولحديث أُبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وفي الركعة الثانية بـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وفي الركعة الثالثة بـ: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ!
ومن السنة: القنوت في الوتر لحديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولها في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلّ من واليت [ولا يعزُُّ من عاديت] () [سبحانك] () تباركت ربنا وتعاليت) ().
وصلاة الضحى من السنن المؤكدة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلها وأرشد إليها أصحابه، وأوصى بها!
تحية المسجد:
•عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك
ركعتين عند السفر او القدوم من السفر:
لقوله صلي لله عليه وسلم (ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا) رواة الطبراني
صلاة التهجد بالليل
لقوله صلي الله عليه وسلم (أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواة مسلم
صلاة الوضوء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لبلال: (يابلال حدثني بأرجي عمل عملته في الإسلام، إني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً أرجي عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعةٍ من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي) رواة البخاري ومسلم
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
أسباب الخشوع في الصلاة
33 سبباً للخشوع في الصلاة:
الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه:
1 - الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها: ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده. والاعتناء بالسواك وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، و التبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار وانتظار الصلاة، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها.
2 - الطمأنينة في الصلاة: كان النبي يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
3 - تذكر الموت في الصلاة: لقوله: {اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها}.
4 - تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها: ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً [الفرقان:73].
* و مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح و التعوذ عند المرور بآيات التعوذ .. وهكذا.
* ومن التجاوب مع الآيات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم، قال رسول الله: {إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه} [رواه البخاري]، وكذلك التجاوب مع الإمام في قوله سمع الله لمن حمده، فيقول المأموم: ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم أيضا.
5 - أن يقطّع قراءته آيةً آية: وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي، فكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا.
6 - ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها: لقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4]، ولقوله: {زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا} [أخرجه الحاكم].
7 - أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته: قال: {قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل}.
8 - الصلاة إلى سترة والدنو منها: من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها، وللدنو من السترة فوائد منها:
* كف البصر عما وراءه، و منع من يجتاز بقربه… و منع الشيطان من المرور أو التعرض لإفساد الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: {إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته} [رواه أبو داود].
9 - وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر: كان النبي إذا قام في الصلاة وضع يده اليمنى على اليسرى و كان يضعهما على الصدر، و الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع.
10 - النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أن رسول الله إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض، أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها كما صح عنه.
11 - تحريك السبابة: قال النبي: {لهي أشد على الشيطان من الحديد}، و الإشارة بالسبابة تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه.
12 - التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة: وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني، ويفيده ورود المضامين المتعددة للآيات والأذكار فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع.
13 - أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه: قال تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109]، وقال تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58]، قال رسول الله: {إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار} [رواه مسلم].
14 - الاستعاذة بالله من الشيطان: الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته. و الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر، ويلازم ماهو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].
15 - التأمل في حال السلف في صلاتهم: كان علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة يتزلزل و يتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملتُها. و كان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته.
16 - معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها قوله: {ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، و ذلك الدهر كله} [رواه مسلم].
17 - الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود: قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55]، وقال نبينا الكريم: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء} [رواه مسلم].
18 - الأذكار الواردة بعد الصلاة: فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة.
ثانياً: دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدِّر صفوه:
19 - إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس قال: كان قِرام (ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن) لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي: {أميطي - أزيلي - عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي} [رواه البخاري].
20 - أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قام النبي الله يصلي في خميصة ذات أعلام - وهو كساء مخطط ومربّع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: {اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيّه - وهي كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي} [رواه مسلم].
21 - أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه: قال: {لا صلاة بحضرة طعام} [رواه مسلم].
22 - أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب: لاشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط، ولذلك نهى رسول الله أن يصلي الرجل و هو حاقن: أي الحابس البول، أوحاقب: و هو الحابس للغائط، قال اصلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان} [صحيح مسلم]، وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح.
23 - أن لا يصلي وقد غلبه النّعاس: عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله: {إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول} [رواه البخاري].
24 - أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم: لأن النبي نهى عن ذلك فقال: {لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث} لأن المتحدث يلهي بحديثه، ويشغل المصلي عن صلاته. والنائم قد يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم.
25 - عدم الانشغال بتسوية الحصى: روى البخاري رحمه الله تعالى عن معيقيب رضي الله عنه: {أن النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة} والعلة في هذا النهي؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة. والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة.
26 - عدم التشويش بالقراءة على الآخرين: قال رسول الله: {ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة} أو قال (في الصلاة) [رواه أبو داود].
27 - ترك الالتفات في الصلاة: لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله: {لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه} وقد سئل رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال: {اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد} [رواه البخاري].
28 - عدم رفع البصر إلى السماء: وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله: {إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء} [رواه أحمد]، واشتد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى قال: {لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم} [رواه البخاري].
29 - أن لا يبصق أمامه في الصلاة: لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله: {إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى} [رواه البخاري].
30 - مجاهدة التثاؤب في الصلاة: قال رسول الله: {إذا تثاءَب أحدُكم في الصلاة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل} [رواه مسلم].
31 - عدم الاختصار في الصلاة: عن أبي هريرة قال: {نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة} والاختصار هو أن يضع يديه على الخصر.
32 - ترك السدل في الصلاة: لما ورد أن رسول الله: {نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه} [رواه أبو داود] والسدل؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
33 - ترك التشبه بالبهائم: فقد نهى رسول الله في الصلاة عن ثلاث: عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير، وإبطان البعير: يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يُغير مناخه فيوطنه.
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والأسباب المشغلة عنه لتلافيها.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
فقهُ صلاة القيام في رمضان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:
«من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه».
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه.
وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: "يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء».
مشروعية الجماعة في القيام:
4 - وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: "يا رسول الله، لو نفّلتنا قيام هذه الليلة"، فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة». فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: "وما الفلاح؟ "، قال: «السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر» (حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن).
السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه:
5 - وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تُفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما، وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره.
مشروعية الجماعة للنساء:
6 - ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق بل يجوز أن يُجعل لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أبيّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: "كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء".
قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام:
7 - وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" [أخرجه الشيخان وغيرهما].
8 - وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله.
أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: "بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ "، قالت: «كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة» [رواه ابو داود وأحمد وغيرهما].
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: «الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة» [صححه الألباني].
القراءة في القيام:
9 - وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يحُد فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: «من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين» [إسناده ضعيف]، وفي حديث آخر: « .. بمائتي آية فإنه يُكتب من القانتين المخلصين» [إسناده ضعيف].
وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (التوبة).
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران)، وكان يقرؤها مترسلا متمهلاً.
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبيّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أبيّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر.
وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية.
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطوّل ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: "وخير الهدي هدي محمد"، وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإنه منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء» [رواه البخاري].
وقت القيام:
10 - ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر» [صححه الألباني].
11 - والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل» [رواه مسلم].
12 - وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة.
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله".
وقال زيد بن وهب: "كان عبد الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل".
13 - لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: «ولا تشبهوا بصلاة المغرب».
فحينئذ لابد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج من هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:
أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.
والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.
القراءة في ثلاث الوتر:
14 - ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ويضيف إليها أحياناُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمائة آية من سورة (النساء).
دعاء القنوت:
15 - و .. يقنت .. بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك"، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده. (ولا بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيّب الصحيح).
16 - ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري المتقدم: "وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق" ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: "اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق" ثم يكبر ويهوي ساجداً.
ما يقول في آخر الوتر:
17 - ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده):
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".
18 - وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس (ثلاثاً) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة.
الركعتان بعده:
19 - وله أن يصلي ركعتين (بعد الوتر إن شاء)، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل .. قال: "إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له".
20 - والسنة أن يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
(من كتاب قيام رمضان للألباني)
[فتوى]
(سؤال):
إذا كان الأرجح في عدد ركعات التراويح هو أحد عشر ركعة وصليت في مسجد تقام فيه التراويح بإحدى وعشرين ركعة، فهل لي أن أغادر المسجد بعد الركعة العاشرة أم من الأحسن إكمال الإحدى وعشرين ركعة معهم؟
(جواب)
الأفضل إتمام الصلاة مع الإمام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى عشرة ركعة لأنّ الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: « .. مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ .. » [صححه الألباني]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» [رواه السبعة وهذا لفظ النسائي].
ولا شكّ أنّ التقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكثر أجرا مع إطالتها وتحسينها، ولكن إذا دار الأمر بين مفارقة الإمام لأجل العدد وبين موافقته إذا زاد فالأفضل أن يوافقه المصلي للأحاديث المتقدّمة، هذا مع مناصحة الإمام بالحرص على السنّة.
[فتوى]
(سؤال)
بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر، وسلم الإمام قام وأتى بركعةٍ ليكونَ وتره آخرَ الليل، فما حكم هذا العمل؟، وهل يعتبر انصراف مع الإمام؟
(الجواب)
الحمد لله
لا نعلم في هذا بأساً نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف لأنه قام معه حتى انصراف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليلاً.
(من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز) موقع الإسلام سؤال وجواب!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
الأسباب المعينة على قيام الليل
1 - الإخلاص لله - تعالى -:
كما أمر الله - تعالى - بإخلاص العمل له دون ما سواه:"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات، وفي حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب" (رواه أحمد صحيح الجامع 2825). قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية. قال ابن القيم - رحمه الله -: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك.
ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - فقال له: كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضبا شديدا ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس. وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة.
2 - أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله - تعالى - يدعوه للقيام:
فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعا كان ذلك أدعى للاستجابة، قال - تعالى -:"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً"، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة - رضي الله عنها -: أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ألست تقرأ"يا أيها المزمل"قلت: بلى، فقالت: إن الله - عز وجل - افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. رواه مسلم.
3 - معرفة فضل قيام الليل:
فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله - تعالى -، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم"رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوماً"متفق عليه. وعن عمرو بن عبسة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"رواه الترمذي والنسائي. وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله - جل وعلا -: أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي"رواه أحمد وهو حسن، صحيح الترغيب 258.
وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية لم يكتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين"رواه أبو داود وابن حبان وهو حسن، صحيح الترغيب 635. قال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
4 - النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له:
فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح، قال عبد الله بن وهب: كل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة؛ فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها. وقال محمد بن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة. وقال ثابت البناني: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل، وقال يزيد الرقاشي: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. قال مخلد بن حسين: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي، فأَغتمُّ لذلك، ثم أتعزى بهذه الآية"ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ". وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته. وعن القاسم بن معين قال: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية"بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"يردده ويبكي، ويتضرع حتى طلع الصبح. وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام. وقال أبو بكر المروذي: كنت مع الإمام أحمد نحوا من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسرّ ذلك. وكان الإمام البخاري يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال.
وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان. وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي: وقد لازمته، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف.
5 - النوم على الجانب الأيمن:
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"متفق عليه. وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن"متفق عليه، وعن حفصة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن رواه الطبراني، صحيح الجامع 4523. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: وفي اضطجاعه - صلى الله عليه وسلم - على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً؛ لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه.
6 - النوم على طهارة:
تقدم حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة"متفق عليه، وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 5754. وجاء من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهراً"رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد، صحيح الجامع 3831.
7 - التبكير بالنوم:
النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية، ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها"رواه البخاري، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله:"وكان يكره النوم قبلها"قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل. وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة. ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة، وثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها -قالت: كانت وسادة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 4714. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها. رواه أحمد والحاكم، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار - رحمه الله - تفرش له جاريته فراشه، فيلمسه بيده ثم يقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك ليلتي، ثم يقوم يصلي إلى الفجر. ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه، قال إبراهيم بن أدهم: إذا كنت بالليل نائما، وبالنهار هائماً، وفي المعاصي دائماً، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً؟
8 - المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم:
فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"متفق عليه. وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ"قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"، و"قل أعوذ برب الناس"، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات"متفق عليه. وعن أبي مسعود - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"متفق عليه. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال:"الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له"رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي"الله لا إله إلا هو الحي القيوم"حتى تختمها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب"متفق عليه. وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابنته فاطمة - رضي الله عنها - لما جاءت إليه تطلب منه خادماً، فقال لها ولعلي: ألا أدلكما على خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم"متفق عليه. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"اقرأ: قل يا أيها الكافرون عند منامك، فإنها براءة من الشرك"رواه البيهقي، صحيح الجامع 1172. وعن حفصة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"رواه أبو داود، صحيح الجامع 4532. وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول"متفق عليه. وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره"رواه الترمذي والنسائي، صحيح الجامع 326. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته"رواه البخاري. قال الإمام ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجا بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه بحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه - سبحانه و تعالى -. وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ من نومه قال:"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران:"إن في خلق السماوات والأرض …"الآيات. رواه مسلم، قال الإمام النووي: فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم.
9 - الحرص على نومة القيلولة بالنهار:
وهي إما قبل الظهر أو بعده، فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"رواه الطبراني، الصحيحة 2647، قال إسحاق بن عبد الله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم، فقال: أما يقيل هؤلاء، فقيل له: لا، فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء.
10 - اجتناب كثرة الأكل والشرب:
فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما ملأ آدمي وعاءا شرا من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674. وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل تجشأ في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة"رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190. قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل تملكوا قيام الليل. ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً، فقال: ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة. وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.
11 - مجاهدة النفس على القيام:
وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل؛ لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر؛ فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله - تعالى - بالمجاهدة فقال:"وَجَاهِدُو ا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ"وقال سبحانه:"وَالَّذِ ينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" وقال - تعالى -:"تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعً"وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"المجاهد من جاهد نفسه في الله"رواه الترمذي وابن حبان، الصحيحة 549. وفي حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد؛ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله - عز وجل - للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ويسألني؛ ما سألني عبدي فهو له"رواه أحمد وابن حبان، صحيح الترغيب 627. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي. وقال ثابت البناني: كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. وقال عبد الله بن المبارك: إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره؛ فينبغي لنا أن نكرهها. وقال قتادة: يا بن آدم إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل.
12 - اجتناب الذنوب والمعاصي:
فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله - تعالى -، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل؛ فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري؛ فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك. وقال رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك.
13 - محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام:
فمحاسبة النفس من شعار الصالحين، وسمات الصادقين قال - تعالى -:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". قال الإمام ابن القيم: فإذا كان العبد مسئولا ومحاسبا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال - تعالى -:"إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا"؛ فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله - تعالى -، وتجعله قادرا على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش. ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله - تعالى -:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ".
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أدائها بقوله:"عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد"رواه الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل"، وقد حافظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على قيام الليل، ولم يتركه سفرا ولا حضرا، وقام - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه، فقيل له في ذلك، فقال:"أفلا أكون عبدا شكورا؟ "متفق عليه.
وهكذا كان حال السلف الكرام عليهم رحمة الله - تعالى -؛ قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور. وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه، والنار تضرم تحته، كيف نام بينهما. وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال: جاء الليل، وللّيل مهابة، والله أحق أن يهاب، ولذا قال الفضيل بن عياض: أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة. وقال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة، فأين نساء هذه الأيام من تلك الأعمال العظام. قال عروة بن الزبير أتيت عائشة - رضي الله عنها -يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله - تعالى -:"فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ"تردد ا وتبكي، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي. وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. رواه الحاكم، صحيح الجامع 4227. وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً، وتنام بالنهار، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها: يا نفس النوم أمامك. وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء قامت على سطح دارها، وقد شدت عليها درعها وخمارها، ثم تقول: إلهي، غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر، فإذا جاء السحر قالت: اللهم هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني، أم رددتها علي فأعزي. وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل، وزوجها نائم، فلما دنا السحر، ولم يزل زوجها نائماً، أيقظته وقالت له: قم يا سيدي، فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
كيف تقوم رمضان وأنت فرح مسرور؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ..
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم وابن عساكر والبغوي وصححه الألباني].
وهذه جائزة كبرى لأن من لا ذنب له فلا عقوبة عليه، وقد سلمت له حسناته ومن جاء يوم القيامة ولا ذنب عليه فهو السعيد حقاً قال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} [آل عمران: 185].
ولما كان قيام الليل والتهجد من أشق العبادات ومن أعظمها أجراً، فإنني جمعت بحمد الله مجموعة من التنبيهات التي تيسر لك القيام، بل قد تجعلك تقوم وأنت فرح مسرور سعيد، لا ترى أنك قد أُعطيت من قرة العين وفرحة القلب مثله.
1 - تذكر أنك بحضرة الملك:
تذكر وأنت تقوم في الصلاة أنك بحضرة الملك الذي تناجيه ويناجيك، ويذكرك حال ذكرك له، فإن الله سبحانه وتعالى قد قسم الصلاة بينه وبين عبده، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين: قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتذكر أنك عندما تذكر الله في نفسك فإن الله يذكرك في نفسه، وتذكر أنك أقرب ما تكون من الله عندما تكون ساجداً، وإذا تذكرت ذلك كله علمت أنك في مقام القرب، ومن كان في مقام القرب تنزلت عليه الرحمات والبركات. فأي سعادة هذه لمن يستشعر هذا الشعور؟!
2 - الصلاة أحسن عملك:
لا عمل للإنسان قط أشرف وأنفع من الصلاة، فأما عمل الدنيا فركعتان يركعهما العبد خير له من الدنيا كلها وما فيها وهذه على الحقيقة واليقين فقدر أنك لو كنت في عمل دنيوي يدر عليك ألف ألف مليوناً في عشر دقائق، فإنك بصلاة ركعتين قد حزت أكبر من ذلك وأفضل آلاف الآلاف من المرات ولتكن موقناً بذلك.
وأما عمل الآخرة فالصلاة أفضل العمل لقوله صلوات الله عليه وسلم: «الصلاة خير موضوع» [حسنه الألباني].
3 - اتعب في الصلاة .. فالنصب مقصود:
النصب في الصلاة مقصود ومحبوب للرب فانصب في صلاتك: طولَ قيامٍ، وطولَ ركوعٍ وسجود .. فإن الله لما أمر رسوله وأصحابه بقيام الليل قال لهم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً () إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 5 - 6].
فالتهجد وترك النوم ثقيل على النفس والقيام الطويل متعب، ولكن اعلم أن هذا مقصود ومحبوب عند الله تعالى.
فلتحب ما يحب الله وقد قال الله لرسوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح: 7] أي إذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة والنصب هو (التعب) ومن أجل ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه.
4 - إذا نصبت في الصلاة فاذكر الأسوة:
إذا نصبت في صلاتك فتذكر رسول الله الذي كان يقوم حتى تتفطر قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتذكر قيام الصحابة والسلف الصالح فقد أتوا في هذا الباب من العجائب، فكان منهم من يقرأ القرآن كله في ثلاث ليال فقط ويعيش على ذلك عمره كله ومن يختم في سبع، ومن يختم في عشر ... وكانوا كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].
وقال سبحانه وتعالى أيضاً {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعا} [السجدة: 16].
5 - تفكر فيما تقول:
يجب أن تصلي وأنت حاضر القلب تفكر فيما تقول وتتدبر ما تقرأ من القرآن، وما تسمع منه، وكان رسول الله عند قراءته لا تمر عليه آية فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف عندها واستعاذ بالله.
فتدبر معاني التسبيح والتحميد والتكبير وكلمات تعظيم الرب وتمجيده وذكره.
6 - أكثر من الطلب والدعاء:
أنت بحضرة الملك وتناجي الرب الذي لا ينقصه عطاء ولا يثقله دعاء، والذي كلما سألته ازددت منه قرباً، ولك حباً فادع متضرعاً راجياً حاضر القلب موقناً بالإجابة.
7 - لا تنتظر آخر السورة ومتى يركع الإمام:
عش مع القراءة، واحيا مع القرآن، وتدبر ما تقرأ أو تسمع، وعند ذلك يسهل عليك الصلاة ولو بقيت الليل كله ولا تنتظر آخر السورة أو حتى يركع الإمام فإنك إن فعلت ذلك ثقلت عليك الصلاة.
8 - لا تلتفت إلى شيء خارج الصلاة:
فرغ قلبك من شغل الدنيا، ومن كل شيء سوى الصلاة واشتغل وأنت في الصلاة بالصلاة وحدها، وكلما نزعك الشيطان من الصلاة إلى شيء خارجها فذكرك أمراً ما فاستعذ بالله من الشيطان وعد إلى صلاتك ثانية. وجاهد نفسك في هذا جهاداً فإن الشيطان حريص كل الحرص أن يشوش عليك صلاتك ويذكرك ما لم تكن تذكره ويأخذك بعيداً عنها.
9 - طهر فاك .. ونظف ثيابك .. وتعطر .. وخذ أحسن زينتك:
لا تأت صلاة الليل إلا وأنت في أكمل الزينة، وأتم الطهارة والنظافة وأطيب رائحة تقدر عليها، بدءاً بتنظيف الفم بالسواك أو ما يقوم مقامه من فرشاة ومعجون، وإياك أن تصلي بفم ينبعث منه رائحة كريهة فإنك بهذا تؤذي المؤمنين وتؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. وبهذا تكون محل السخط لا محل الرضا والقبول. وخذ أحسن ما عندك من الثياب، وقد كان السلف يحتفظون بأفضل ما يقدرون عليه من الثياب لقيام العشر من رمضان. وتطيب بأحسن ما قدرت عليه من الطيب، واعلم أن هذا كله محبوب لله، محبوب لملائكته، والله نظيف يحب النظافة طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأعلم أن الاغتسال ونظافة الفم والثياب والطيب يشرح النفس ويبعث النشاط وبالتالي يسهل عليك الصلاة ويطيب لك القيام.
10 - لا تصل وأنت حاقن أو حاقب أو جائع تشهى الطعام أو ناعساً يغلبك النوم:
لا تأت الصلاة وهناك ما يشوش ذهنك ويصرف فكرك، وأعظم ما يشوش الذهن ويذهب الفكر أن تكون حاقناً. يدافعك البول، أو حاقباً، تدافع الغائط. أو جائعاً بحضرة طعام تشتهيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» [صححه الألباني] والأخبثان هما البول والغائط ....
فيستحسن أن تستعد لصلاة القيام بالفراغ التام مما يشوش ذهنك، وبأن تتناول شيئاً من طعام يقيتك ولا يثقلك، وقد أخذت قسطاً من النوم استعداداً للقيام، واحتسب نومتك كما تحتسب قومتك.
11 - اخشع في صلاتك:
والخشوع يكون بسكون القلب وسكون الجوارح فاحبس قلبك في الصلاة واحبس جوارحك على حركة الصلاة فقط قياماً وركوعاً وسجوداً. ولتكن يداك حيث علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام والركوع والجلوس والسجود والتشهد، ولتكن عيناك ناظرة إلى موضع سجودك وفي جلوسك لا تتعدى ركبتك .. ولا تلتفت فإن الالتفات سرقة يسرقها الشيطان من صلاتك. فلا تجعل للشيطان حظاً من صلاتك.
12 - رتل القرآن وصل خلف القارئ المُجيد:
أمر الله رسوله أن يُرتل القرآن في صلاة الليل فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ?1? قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ?2? نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ?3? أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [سورة المزمل: 1 - 4]، وترتيل القرآن بتجويده وإحسان قراءته وتحسين الصوت به .. وقد بينه النبي بقوله: «من لم يتغن بالقرآن فليس منا» [قال النووي اسناده جيد]، وقال: «الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» [صححه الألباني]، وقال: «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» [رواه ابن تيمية]، فتغن بالقرآن في صلاة الليل أو صل عند من يحسن القراءة ويتغنى بالقرآن ويضبط أحكام قراءته، فإن هذا أبهج للنفس وأقوى على القيام.
13 - أخلص عملك لله:
وأعلم أن ملاك ذلك كله أن تقوم لله لا مرائياً بعملك، فإن المرائي لا يقدر من عمله على شيء، ولا يناله منه حسنة واحدة، ولم يستفد إلا نصبه وتعبه.
14 - من كانت تنبعث منه رائحة كريهة فانصح له بالخروج من المسجد:
قال صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» [صححه الألباني]، وكانوا يُخرجون من المسجد من تُشم منه رائحة خبيثة.
فإذا رأيت من هو كذلك فانصح له بالخروج من المسجد حتى لا يأثم ويؤذي عباد الله وملائكته.
15 - ليلة القدر فرصة عُمر فلا تضيع منك:
قيام ليلة القدر وحدها خير من قيام ليالي ألف شهر أي أنها أفضل من أن تقوم ليالي ثلاث وثمانين سنة وشهرين. وهذا فضل عظيم ... عظيم لا يتصور مقداره، وقد تضاعفت فيه الحسنات ثلاثين ألف مرة .. فإياك وإضاعة ذلك.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتماً، وفي لياليها الوتر (21،23،25،27،29) كما جاء به الحديث وقد أعلم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في المنام ثم لما خرج ليخبر الناس بها كان هناك رجلان يتلاحيان (يستبان سباً شديداً) فانشغل النبي بذلك فنسيها ثم قال صلى الله عليه وسلم هي في الليالي الوتر من العشر الأواخر.
فاستيقظ لها وأيقظ أهلك، وحتى أولادك المميزين، واخرج لصلاة الليل فيها في أحسن ثيابك وأكمل هيئتك، وأحسن عطرك، وكأن هذا يوم عرسك، فإن السماوات كلها محتفلة والملائكة فيها نازلة، وجبريل في الأرض مع المؤمنين قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ?1? وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ?2? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ?3? تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ?4? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى? مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة الفجر: 1 - 5] والروح .. هو جبريل.
فادخل هذا الحفل العظيم المشهود .. وفز بالجائزة الكبرى ..
ولا رثاء ولا عزاء للضائعين والضائعات والغافلين والغافلات الذين آثروا الحياة مع الشهوات والتفاهات.
16 - صل صلاة مودع كأنك تراه:
من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم: «صل صلاة مودع كأنك تراه» [صححه الألباني]، والمعنى صل وأنت تظن أن هذه الصلاة هي آخر عهدك بالدنيا، وأنت مرتحل بعدها إلى الآخرة وصل كأنك ترى الله أمامك!!
17 - صل قاعداً أو على جنبك إن كنت لا تستطيع القيام ولك أجر القائم:
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب» [رواه البخاري وابن العربي والصعدي وصححه الألباني].
18 - صل قاعداً في النفل وإن كنت تستطيع القيام ولك نصف أجر القائم:
إذا كنت تستطيع القيام وأحببت أن تصلي قاعداً فلك نصف أجر القائم .... قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا، فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما، فله نصف أجر القاعد» [رواه البخاري وصححه الألباني].
19 - لا تخجل أن تصليٍ قاعداً:
فإن هذا الخجل يحرمك أجراً عظيماً. فإن كنت معذوراً لا تستطيع القيام فلك الأجر كاملاً وإن كنت تستطيع القيام وصليت في النفل جالساً فلك نصف الأجر فلا تحرم نفسك، ولا يمنعك الخجل من الناس من الأجر العظيم.
20 - اجلس في المسجد وإن لم تستطع الصلاة:
إذا لم تستطيع أن تصلي قائماً ولا قاعداً ولا مضطجعاً فاشهد المسجد ودعوة المسلمين فإن المكث في المسجد ولو بغير صلاة عبادة عظيمة فإن الملائكة تصلي على من جلس في المسجد بعد الصلاة تدعو له وتقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
المحافظة على الصلاة في رمضان
اللجنة العلمية
تربية الأولاد على الصلاة في رمضان!
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأب الكريم؛ أيتها الأم الحنون؛ أيها المربي الفاضل:
إنّ أولادنا أمانة عندنا، وهبها الله تعالى لنا، وكم نتمنى جميعاً أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله في حياتهم الدينية والدنيوية.
وإنّ رمضان ظرفٌ مناسبٌ جداً لتدريبهم على الصلاح، وعلى الصلاة التي هي عنوان الصّلاح والفلاح!
تذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري 893، ومسلم 1829]. وأولادنا سوف نُسأل عنهم!
وتذكّر دعاء المؤمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74].
وفي أسلوب معاملة أولادنا، يُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يؤدّب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع» [رواه أحمد 20394، والترمذيّ 1951 وضعفه الألباني]. والقول المأثور: "لاعبوا أولادكم سبعاً، وأدّبوهم سبعاً، وصاحبوهم سبعاً"، ولنعلم أن أولادنا في حاجةٍ لأمور كثيرة، فهم في حاجة للحبّ وفي حاجة للتقدير وللحرية وللنجاح.
أيها الأب الكريم؛ أيتها الأم الحنون:
أنتم النماذج لأولادكم، وتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له» [رواه الترمذي 1376، وقال: حسن صحيح، والنسائي 3651]. فليكن هدفنا أن نجعل من أولادنا أفراداً صالحين!
وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» [صححه الألباني].
ومما لاشك فيه: أنَّ تربية الابن على الصلاة فريضة شرعية؛ لإعداد الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح الذي يطلق عليه القران الكريم: (الأمة الوسط)، والتي حمّلَها ربُّ العالمين مسئولية إقامة الحياة على منهاجه وشريعته، لتكون نظاماً حياتياً شاملاً.
كيف نربي أولادنا على الصلاة؟
قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
أيها الأب، أيتها الأم:
نعلم جميعاً مكانة الصلاة في الإسلام، فمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: « ... وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ» [رواه أحمد 11884، والنسائي 3939 قال الألباني حسن صحيح].
يتبيّنُ لنا: أن رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم عند الوفاة، وهي وصية للأمة كلها: «الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
لذلك يجب أن نعلم أن تعويد الطفل على الصلاة هدف حيوي في التربية الإيمانية للطفل، وتذكَّر بأن الطفولة ليست مرحلة تكليف، وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، وصولاً إلى مرحلة التكليف عند البلوغ، فيسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض.
مراحل الصلاة:
أولاً: مرحلة تشجيع الطفل على الوقوف في الصلاة:
ففي بداية وعي الطفل يطلب منه الوالدان الوقوف بجوارهما في الصلاة، رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا عرف الغلام يمينه عن شماله فمروه بالصلاة» [رواه أبو داود، والبيهقي وضعفه الألباني].
ولنعلم جميعاً أن الأبناء في بداية طفولتهم قد يمرُّوا أمام المصلين ويجلسوا أمامهم وقد يبكون، فلا حرج على الوالد أو الوالدة في حمل طفلهم في الصلاة حال الخوف عليه، خاصّة إذا لم يكن بالبيت من يلاعبه، وليتذكّر الآباء أن صلاة الجماعة بالمسجد هي الأفضل، ومع ذلك فقد طالبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء النوافل والمستحبات في المنزل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً» [رواه أحمد 13986، ومسلم 778]. وفي رواية: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً» [رواه البخاري 432، ومسلم 888]، فحينما يرى الطفل والده ووالدته يصليان فإنه سوف يقلدهم.
ثانياً: أبناء مرحلة ما قبل السابعة:
وهي مرحلة الإعداد للصلاة، وتشمل:
- تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة: في أهمية التحرُّز من النجاسة، والاستنجاء وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة جسمه وملابسه، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة.
- تعليم الطفل الفاتحة وبعض قصار السور استعداداً للصلاة.
- تعليمه الوضوء وتدريبه على ذلك عمليّاً كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون مع أبنائهم.
- وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة وتشجيعه على أن يصلي فرضاً أو أكثر يومياً مثل صلاة الصبح قبل الذهاب إلى الروضة أو إلى المدرسة، ولا نطالبه بالفرائض الخمس جملة واحدة قبل سن السابعة.
- وتذكّر أيضاً: أهمية اصطحاب الطفل إلى صلاة الجمعة بعد أن تعلّمه آداب المسجد، فيعتاد الطفل على إقامة هذه الشعائر، ويشعر ببداية دخوله المجتمع واندماجه فيه.
ثالثاً: مرحلة ما بين السابعة إلى العاشرة:
ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» [رواه أبو داود 494، واللفظ له، والترمذي 407، والدارمي 1431 وحسنه لألباني].
فيجب أن نعلّم الطفل هذا الحديث حتى يعرف أنه قد بدأ مرحلة المواظبة على الصلاة، ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الطفل السابعة حدثاً متميزاً في حياته، وقد خصّص النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات متواصلة لتأصيل أمر الصلاة في نفوس الأبناء، وتكرّر طلب الصلاة من الطفل باللين والرفق والحب, وبنظرة حسابية نجد أن عدد التكرار يصل خلال هذه الفترة إلى:
عدد الصلوات / عدد الأيام / أعوام / المجموع ... 5 × 354 × 3 = 5310 صلاة.
أيّ: أنَّ الوالدين سيذكّرون أولادهم ويدعونهم إلى الصلاة بقدر هذا العدد الضخم في هذه الفترة مع أول حياتهم، وهذا يوضح لنا أهمية التكرار في العملية التربوية، مع ما يناسب ذلك من بشاشة الوجه وحسن اللفظ.
وفي هذه الفترة يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ونحثّه على الخشوع وحضور القلب، وقلة الحركة في الصلاة، ونذكر له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» [رواه أحمد 18415، وأبو داود 796، والنسائي 796 وصححه الألباني]. على أن نتدرّج معه في ذلك دون إكراه لصغر سنه.
رابعاً: مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها:
من الضروري أن نكرّر دائماً في مرحلة السابعة على مسمع الطفل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حدد مبدأ الضرب بعد العاشرة تحذيراً من الانصياع وراء الشيطان، فإذا أصر بعد ذلك على عدم المداومة على الصلاة لابد أن يعاقب بالضرب، ولكن يظل الضرب معتبراً بالشروط التي حددها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
إذا نشأ الطفل في بيئة صالحة واهتم والداه بكل ما ذكرناه، وكانا قدوة له في المحافظة على الصلاة، فإنه من الصعوبة ألا يرتبط الطفل بالصلاة ويحرص عليها، خاصة مع التشجيع المعنوي والمادي.
وفي هذه المرحلة (بعد العاشرة) يجب على الوالد -أو من يقوم بتربية الأولاد- أن يعلمهم أحكام صلاة الجماعة، وصلاة السنن مثل ركعتي الفجر والشفع والوتر.
يجب الاهتمام بصلاتي الفجر والعشاء في هذه المرحلة، وإيقاظ الطفل لأداء صلاة الفجر بالمسجد حتى يتعوَّدها، ويكون الوالد قدوة لولده في ذلك، وتعويد الطفل على المداومة على كل الفرائض مهما كانت الأسباب، خاصّة أثناء الامتحانات: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. فإن فاتته صلاة ناسياً فليصلها متى تذكّرها، فإذا فاتته تكاسلاً فلنعلمه أن يسارع بالاستغفار، وأن يعمل من الحسنات كالصدقات من مصروفه، وغير ذلك من أعمال الخير؛ لعل الله تعالى أن يغفر له، وذلك كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم: «وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» [رواه أحمد 20847، والترمذيّ 1987 وحسنه الألباني]. وحبذا لو أسهم المسجد في توفير النشاطات التي يجذب بها كقيام الليل، وحلقات القرآن، ودروس السيرة، والرحلات.
وننبه بعد ذلك على الخطوات السابقة واتفاق الوالدين عليها وتعاونهما معاً من أجل أن يكونا قدوة للطفل، وعلى الوالدين أن يكثرا من هذا الدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ? رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
نصائح للوالدين:
(1) على الأب والأم أن يحرصا على أن يرى ابنهما فيهما دائماً يقظة الحسّ نحو الصلاة:
أ- فمثلاً: إذا أراد ابنك أن يستأذن للنوم قبل العشاء، فليسمع منك وبدون تفكير أو تردد: "لم يبق على صلاة العشاء إلا خمس دقائق، نصلي معاً ثم ننام بإذن الله".
ب- وإذا طلب الأولاد منكم الذهاب للنزهة أو زيارة أحد الأقارب وقت المغرب فليسمعوا منكم: "نصلي المغرب أولاً ثم نخرج".
جـ- من وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد: أن يسمعوا منكم ارتباط المواعيد بالصلاة فمثلاً: "سنقابل فلان في صلاة العصر، وسيحضر لزيارتنا بعد صلاة المغرب".
(2) نسأل الله العفو والعافية، إذا حدث أن مرض الصغير خاصة بعد سنّ العاشرة؛ فعلينا أن نعوّده أداء الصلاة حسب الاستطاعة، حتى ينشأ ويتعوّد أنّه لا عذر له في ترك الصلاة حتى إن كان مريضاً.
(3) إذا كنت في سفر: فعليك أن تعلّم ولدك رخصة القصر والجّمع، وتعلمه نعمة الله في الرُّخص وأنَّ الإسلام تشريع مملوء بالرحمة.
(4) تدرَّج في تعليم ولدك النوافل بعد أن تعلمه الفرائض.
(5) اغرس في ولدك الشجاعة من أجل دعوة زملائه للصلاة، وألا يجد حرجاً في إنهاء مكالمة تلفونية، أو حديث مع شخص بالمدرسة أو النادي، أو غير ذلك من أجل أن يلحق بصلاة الجماعة في المسجد، وأيضاً اغرس فيه ألا يسخر من زملائه الذين يهملون الصلاة بل يحرص على دعوتهم إلى هذا الخير.
(6) حاول أن تجلس مع زوجتك كل يوم جمعة، ولا تنس قراءة سورة الكهف، والإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، والغدو المبكر لصلاة الجمعة، والإنصات للخطبة، ولبس أحسن الثياب؛ لينشأ الأطفال على هذا الخير.
(7) احرص أن يحضر أولادك صلاة العيدين والاستسقاء فيتعلق أمر الصلاة بقلوبهم، وردّد أمامهم أنك صليت صلاة الاستخارة وسجدت سجود الشكر.
(8) مكافأته على تحريه الدائم للحلال والحرام، وعلى التحلّي بالطاعات، لتعويده الإخلاص وتنمية ضميره الديني والخلقي، وتعريفه بما قاله عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «إنّ للحسنة نوراً في الوجه، وضياءاً في القلب، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب» [رواه أحمد 10846].
أي أنَّ علامة الطاعة أو المعصية التي عملت في الخفاء بعيداً عن رقابة الناس يظهرها الله على صاحبها في سلوكه بين الناس، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
(9) مشاركته في ترديد أذكار اليوم والليلة ومتابعته فيها، وتعريفه بمعنى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى? عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ? وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [سورة العنكبوت: 45]، وتعريفه أن الأدعية والأذكار والصلاة تحصن المسلم من كيد الشيطان: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَ?نِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وتعريفه بأن الصلاة والذكر من أهم أسباب حفظ الإنسان.
(10) تحبيبه في حفظ القران والأحاديث النبوية، ومتابعته في ذلك، وتعريفه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يجيء القرآن يوم القيامة؛ فيقول: يا رب حلّه، فيُلْبَس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب؛ زده. فيُلْبَس حلة الكرامة. ثم يقول: يا رب؛ ارض عنه. فيرضى عنه. فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة» [رواه الترمذيّ 2915، والدارميّ 3311 وحسنه الألباني].
(11) استخدام كل الوسائل المباحة شرعاً لغرس الصلاة في نفوس أولادنا ومن ذلك:
- المسطرة المرسوم عليها كيفية الوضوء والصلاة.
- جداول الحصص التي تحث على الصلاة.
- أشرطة الكاسيت والفيديو، وبرامج الكمبيوتر التي تعلّم الوضوء والصلاة وغيرها.
(12) اهتم وأنت تعلم أولادك بالآتي:
- ترديد الأذان مع المؤذن والدعاء بعده.
- دعاء الخروج من المنزل لأداء الصلوات.
- دعاء دخول المسجد والخروج منه.
- دعاء دخول الخلاء لقضاء الحاجة، وكذا الخروج.
- التسبيح بعد كل صلاة.
وغير ذلك من الأمور المبينة في شرح الصلاة وفرائضها وسننها وأعمالها القلبية.
كما يجب تحذير الابن من أداء الصلاة بطريقة نقر الغراب، أو سرقة الصلاة، ويجب تذكيره بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أسوأ الناس: سرقة الذي يسرق من صلاته! قالوا: يا رسول الله؛ وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» [رواه أحمد 22136، والدّارمي 1328]. كما يجب أن نبين لهم حرمة ترك الصلاة وعقوبة تاركها.
كيف نعامل أطفالنا؟
- لقد حثَّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على استخدام الرّفق في كل شيء فقال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» [رواه أبو داود 4941، والترمذيّ 1924 وصححه الألباني].
- على كل من يوجه الأطفال أن يجتنب كثرة الأوامر.
- يجب أن يُثاب الطفل على السلوك الطيب بجوائز معنوية مثل إظهار الرضى، وأن يُثاب كذلك بجوائز أخرى مادية.
- في حال وقوع الطفل في خطأ: فلابد أن يُنبه على خطئه برفق ولين، ويتم تصحيحه، وألا نقول له: "إنك أخطأت"، ولكن نقول: "هذا الفعل خطأ".
أما إذا تكرَّر الخطأ عدة مرات فيمكن حرمانه من بعض ما يحب، فإذا استمر فيمكن اللجوء إلى أسلوب الزّجر ولكن دون إهانة أو تحقير وبخاصة أمام الأقارب والأصدقاء، لأن ذلك يؤدّي إلى الشعور بالنقص.
العقوبة البدنية:
ونتيجتها سريعة فهي تؤدي إلى نظام ظاهري سطحي يخدع، يغري الوالد بسرعة اللجوء إليها، وهذا خطأ، ولكن إذا استخدمها الأب فهناك شروط:
1 - الضرب للتأديب كالملح للطعام، لابد أن يكون قليلاً حتى لا يفقد قيمته.
2 - أن يكون غير شديد وغير مؤذٍ.
3 - لا تضرب وأنت في حالة غضب شديد خوفاً من إلحاق الضرر بالولد.
4 - تجنّب الأماكن الحساسة كالرأس والوجه والصدر والبطن.
5 - لا تزد الضربات على ثلاث إذا كان الولد دون الحلم.
6 - قم بذلك بنفسك ولا تتركه لأحد.
7 - من الخطأ عدم إيقاع العقاب بعد التهديد.
8 - يجب نسيان ما يتعلق بالذّنب بعد توقيع العقوبة مباشرة.
9 - لا ترغم الطفل على الاعتذار بعد توقيع العقوبة مباشرة.
10 - يجب ألا نطلب من الطفل أو نرغمه على عدم البكاء بعد العقوبة؛ لأنه ربما يبكي لإحساسه بالألم.
وصايا:
أيها المربي الكريم نوصيك بهذه الوصايا:
- عرّفوا أولادكم بين يدي من سيقفون؟!، إنهم سيقفون بين يدي العليم الخبير الذي لا يغفل ولا ينام.
- أعينوا أولادكم على الخشوع وعلى تقوى الله.
- أرشدوهم إلى الإخلاص لله، لأنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.
- طهّروا أرزاقكم، ولا تطعموا أولادكم إلا من الرّزق الحلال، فإن الجسد الذي ينبت من حرام فالنار أولى به.
- اقرأ القران، وعلّم ولدك حسن تلاوته، واشرح له المعاني التي اشتمل عليها.
- ذكّر ولدك بنعم الله، واجعله يفكر في آياته في السماء وفي الأرض وفي النفس وفي كل ما حوله.
- اغرس في ولدك الأخلاق، فإنها أساس هذا الدين بعد الإيمان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق» [رواه أحمد 8729].
- ليعلم الوالدان أن الضمير الخلقي للأولاد يتشكل منذ الطفولة المبكرة، وأنه يتكون من مشاعره حول ما هو حلال وما هو حرام، وما هو شر وما هو خير.
- إنّ الطفل منذ سن مبكرة يحتاج إلى الضبط والتوجيه من الكبار بعيداً عن القسوة والتدليل، لأنه في هذه السن يكون حريصاً على طاعة الكبار، لأن رضاه عن نفسه يتوقف على شعوره برضى الكبار عنه وحبهم له، فنجده يتقبّل القيم الخلقية دون مناقشة، إرضاءاً لوالديه وأصدقائه والكبار حوله، وبذلك يتكون ضميره الخلقي، أما قرب البلوغ فإنه لا يقبل أي مبدأ إلا بعد مناقشته والاقتناع به.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
الشَّريعة الإسلاميَّة تقوم على التَّيسير ورفع الحرج
يدلُّ على ذلك:
أولاً: من القرآن الكريم:
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185)، قال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله: "فهذه الآية أصل القاعدة الكبرى التي تقوم عليها تكاليف هذه الشريعة".
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:284) قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الرُّكَب، فقالوا: أي رسولَ الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق: الصلاةِ والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآيةُ ولا نُطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتُريدون أن تقولوا كما قال أهلُ الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا!؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير!) قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، فلمَّا اقترأها القومُ ذلَّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة:285) فلمَّا فعلوا ذلك نسخها اللهُ تعالى فأنزل الله عز وجل! فأنزل الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم! {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم! {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم! {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم"!، وفي روايةٍ "قال: قد فعلتُ"!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وتأمل قول الله عزّ وجل: {إلا وُسعَهَا} كيف تجد تحته أنّهم في سَعَةٍ ومنحة من تكاليفه، لا في ضيقٍ وحرجٍ ومشقة، فإنّ الوُسع يقتضي ذلك، فاقتضت الآية أنّ ما كلّفهم به مقدور لهم من غير عسرٍ ولا ضيقٍ ولا حرج عليهم".
وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الحج:78).
يقول ابن كثير: "أي ما كلّفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشقّ عليكم، إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً".
يقول الإمام الشاطبي: "إنّ الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمَّة بلغت مبلغ القطع".
ثانياً: من السنة المطهّرة:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الأديانِ أحبُّ إلى الله؟ قال: "الحنيفيّة السّمحة"، قال الشَّاطبيُّ: "وسُمِّي أي الدِّين بالحنيفية، لما فيها من التَّيسير والتّسهيل".
وروى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "إنّ الدّينَ يُسرٌ، ولن يُشادّ الدّينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغُدوة والرَّوحة، وشيء من الدُّلجة". وعن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفّروا).
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ).
وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيِّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً".
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشُقّ على المؤمنين -وفي رواية: على أمَّتي- لأمرتهم بالسِّواك عند كلّ صلاة)، وقد ورد بهذا الأسلوب أحاديث كثيرة.
وبالجملة كما يقول الشيخ صالح السدلان: "من تتبع الشريعة الغراء في أصولها وفروعها يجد ذلك واضحاً جلياً في العبادات والمعاملات والحقوق والقضاء والأحوال الشخصية، وغير ذلك مما يتصل بعلاقة الخلق بخالقهم وعلاقة بعضهم ببعض، بما يضمن سعادتهم في الدُّنيا والآخرة".
موجزٌ عن أصحاب الأعذار وما يجب عليهم
الحمد لله رب العالمين، شرع فيسّر {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج 78]
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه خير القرون، ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإننا نبين الذين يجوز لهم الإفطار في شهر رمضان وما يجب عليهم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين} [البقرة 185] في هاتين الآيتين الكريمتين وجوب الصيام على كل مسلم عاقل، خال من الموانع، أدرك شهر رمضان، فيلزمه الصيام أداء في شهر رمضان أو قضاءً إن لم يتمكن من الصيام أداءً لعذر من الأعذار الشرعية، وأصحاب هذه الأعذار الذين يرخص لهم في الإفطار هم:
1 ـ المريض الذي يشق عليه الصيام فيستحب له أن يفطر أخذا بالرخصة، وذلك إذا كان الصوم يضره أو يؤخر برأه أو يضاعف عليه المرض.
2 ـ المسافر الذي حل عليه شهر رمضان وهو في سفر أو أنشأ سفرا في أثناء الشهر تبلغ مسافته ثمانين كيلو متراً فأكثر، وهي المسافة التي كان يقطعها الناس على الأقدام وسير الأحمال في مدة يومين قاصدين، فهذا المسافر يستحب له أن يفطر سواء شق عليه الصيام أو لم يشق، أخذا بالرخصة، وسواء كان سفره طارئاً أو مستمرا كسائق سيارة الأجرة الذي يكون غالب وقته في سفر بين البلدان، فهذا يفطر في سفره ويصوم في وقت إقامته، وإذا قدم المسافر إلى بلده أثناء النهار وجب عليه الإمساك بقية اليوم ويقضيه كما سبق، وإن نوى المسافر في أثناء سفره إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يلزمه الصوم وإتمام الصلاة كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر في حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك، وإن نوى إقامة أربعة أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي فله الإفطار لعدم انقطاع السفر في حقه.
3 ـ الحائض والنفساء، يحرم عليهما الصوم مدة الحيض والنفاس، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نؤمر بقضاء الصوم" [لما سألتها امرأة فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة: "كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " أخرجه البخاري رقم 321، ومسلم رقم 335/69]، ويحرم على الحائض أن تصوم في وقت الحيض بالإجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أن الحيض ينافي الصوم، فلا يحل مع الحيض أو النفاس.
ومن فعلته منهن حاله لم يصح منها، قال: وهو وفق القياس، فإن الشرع جاء بالعدل في كل شيء، فصيامها وقت خروج الدم يوجب نقصان بدنها وضعفها، وخروج صومها عن الاعتدال، فأمرت أن تصوم في غير أوقات الحيض فيكون صومها ذلك صوما معتدلا، لا يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته بخلاف المستحاضة، ومن ذرعه القيء مما ليس له وقت يمكن الاحتراز منه فلم يجعل منافيا للصوم.
4 ـ والمريض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه ويعجز معه عن الصيام عجزا مستمرا، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا بمقدار نصف صاع من البر وغيره وليس عليه قضاء.
5 ـ والكبير والهرم الذي لا يستطيع الصوم فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه [إذا كان عقله باقيا أما إذا لم يكن عنده عقل ولا فكر فلا شيء عليه].
6 ـ الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما من ضرر الصيام، فإن كلا منهما تفطر وتقضي قدر الأيام التي أفطرتها، وإن كان إفطارها خوفا على ولدها فقط أضافت مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، والدليل على إفطار المريض المزمن والكبير الهرم والحامل والمرضع قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة184] كما فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بذلك.
أحكام صيام كبير السّن
-(متى عجز الكبير عن الصيام سقط عنه وانتقل إلى الإطعام، وعليه يُحمل قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين} البقرة: ١٨٤!
فإن بلغ سنا لا عقل ولا معرفة لديه سقط عنه على الصحيح إلى غير بدل؛ لإلحاقه بمن رُفع عنه القلم، فهو أولى بالسقوط عن الصغير. )
[ابن جبرين: فتاوى الصيام ]
من أسباب الفطر في رمضان كبر السن، فكبير السن الذي لا يستطع الصيام أو يشق عليه ذلك مشقة غير معتادة بصفة مستمرة يجوز له الفطر وتجب عليه الفدية.
وقد أجمع أهل العلم على عدم وجوب الصيام على المسن الذي يشق عليه ذلك مشقة غير معتادة بحيث تجهده أو يتضرر منها بالهلاك أو المرض، واختلفوا في الواجب عليه.
قال الكاساني: " وكذا كبر السن، حتى يباح للشيخ الفاني، أن يفطر في شهر رمضان؛ لأنه عاجز عن الصوم ".
قال القاضي عبدالوهاب: " إن الشيخ الهرم لا يلزمه الصوم لأنه يضعف عنه ويؤدي إلى تلفه، وذلك سقط للتكليف عنه، وإنما قلنا لا إطعام عليه، خلافا لأبي حنيفة والشافعي، لأنه مسوغ له الفطر كالمريض".
قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: " وأجمعوا على أن المشائخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام، أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا".
قال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن للشيخ الكبير والعجوز العاجز عن الصوم أن يفطروا".
وقال ابن قدامة: " أن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطرا...".
و تدل على ذلك الأدلة الآتية:
1- قول الله سبحانه وتعالى: âŸwß#Ïk=s3リ!$#$²¡ø ÿtRžwÎ$ygyèó™ã"صل ى الله عليه وسلم"á.
2- â$tBu"صلى الله عليه وسلم"Ÿ@yèy_ö/ä3ø‹n=tæ’ÎûÈûïÏd 9$# ô`ÏB8lu�xmá.
3- وقوله سبحانه وتعالى: â߉ƒÍ�リ!$#ãNà6 /u�ó¡ãŠø9$#Ÿwu"صلى الله عليه وسلم"߉ƒÍ�ãƒãNà 6Î/uŽô£ãèø9$#á.
فهذه الآيات تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف أحداً بما لا يستطيع أداءه من العبادات، وأن الحرج مرفوع في الدين، وأن الله تعالى يريد بالمكلفين اليسر ولا يريد بهم العسر، فإذا كان المسن يشق عليه الصيام مشقة شديدة فلا يجب عليه الصوم بدلالة هذه الآيات الكريمات.
4- وقوله سـبحانه وتعـالى: â `yJsù šc%x. Nä3ZÏB $³ÒƒÍ�£D ÷"صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم"& 4’n?tã 9�xÿy™ ×o£‰Ïèsù ô`ÏiB BQ$§ƒ"صلى الله عليه وسلم"& u�yzé& 4 ’n?tãu"صلى الله عليه وسلم"šúïÏ%©!$# ¼çmtRqà)‹ÏÜム×ptƒô‰Ïù ãP$yèsÛ &ûüÅ3ó¡ÏB á.
وجه الاستدلال: استدل العلماء بالآية الكريمة على عدم وجوب الصيام على المسن العاجز عنه من وجهين:
الأول: أن المراد بالآية الكريمة الذين لا يطيقون الصوم، أي لا يستطيعون الصوم، فلهم الإفطار وعليهم فدية طعام مسكين، على تقدير حرف «لا»، وقد جاءت نظائر هذا التقدير في كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: â ßûÎiüt6ムª!$# öNà6s9 b"صلى الله عليه وسلم"& (#q�=ÅÒs? 3 ª!$#u"صلى الله عليه وسلم"Èe@ä3Î/ >äóÓx« 7OŠÏ=tæ á.
أي: لئلا تضلوا.
وقوله تعالى: â $uZù=yèy_u"صلى الله عليه وسلم"’Îû ÇÚö‘F{$# zÓÅ›¨u"صلى الله عليه وسلم"u‘ b"صلى الله عليه وسلم"& y‰ŠÏJs? öNÎgÎ/ á .
أي: لئلا تميد بهم.
والثاني: أن هذه الآية الكريمة خاصة بالشيخ الكبير والمرأة المسنة اللذان لا يستطيعان الصيام، فلهما أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».
4- وقوله سبحانه وتعالى: â`yJsùšc%x.Nä3ZÏB$³Òƒ �£D÷"صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم"&4’n?tã9�xÿy™ ×o£‰Ïèsùô`Ïi BBQ$§ƒ"صلى الله عليه وسلم"&u�yzé&4’n?tãu" صلى الله عليه وسلم"šúïÏ%©!$#¼çmtR qà)‹ÏÜã ;ƒ×ptƒô‰ÏùãP$yèsÛ& üÅ3ó&# 161;ÏBá.
وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة تدل على جواز الفطر لمن يستطيع الصوم مع المشقة الشديدة؛ لأن الطاقة هي أن يقدر الإنسان على الشيء مع الشدة والمشقة، فمن كان يقدر على الصوم مع المشقة الشديدة يجوز له الفطر.
وأخرج ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في تفسير هذه الآية الكريمة: " من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، والحامل والمرضع، والشيخ الكبير، والذي به سقم دائم".
4-ما رواه الحسن البصري وإبراهيم النخعي -رحمهما الله تعالى- أن
أنس بن مالك رضي الله عنهما لما كبر أطعم عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر عاماً أو عامين.
5-أن المسن الذي يشق عليه الصيام مشقة شديدة، لا سبيل لرفع المشقة والحرج عنه إلا الفطر فيجوز له ذلك.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام صيام المريض
-الأعذار نوعان:
إما : عذرٌ يرجى زواله (فيه القضاء)
أو عذر لا يُرجى زواله (فيه الإطعام)!
وغير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً، .....
أما القسم الثاني من العجز عن الصوم: فهو العجز الذي يرجى زواله وهو العجز الطارئ، كمرض حدث للإنسان أثناء الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: أفطر واقض يوماً مكانه؛ لقول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدّةٌ من أيّامٍ أخر} البقرة: ١٨٤
[فقه العبادات ــ لابن عثيمين].
-(والمرض المبيح للفطر عند جمهور السلف والأئمة، هو ما يؤدي الصوم معه إلى ضرر فى النفس أو زيادة فى العلَّة أو إبطاء فى البرء وانما أبيح الفطر للمرض دفعا للحرج والمشقة وقد بنى التشريع الإسلامى على التيسير والتخفيف)!
و(معرفة حد المرض المبيح للفطر كما فى فتح القدير وغيره: تكون باجتهاد المريض، والاجتهاد غير مجرد الوهم والتخيل، بل هو غلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير معروف بما يُنافى العدالة.
والأمارة هى العلامة الظاهرة التى تنذر بالضرر، والتجربة هى تكرُّر وقوع ذلك عند اتحاد المرض فاذا تحقق ما ذكر جاز للمريض الفطر ووجب عليه قضاء ما أفطره بعد زوال العذر فاذا مات، وهو على هذه الحالة لم يلزمه القضاء لعدم إدراكه عدة من أيام آخر ولا فدية عليه مادام يرجى أن يبرأ من مرضه!
أما اذا تحقق اليأس من الصحة، كالمرضى المصابين بأمراض مستعصية شاقة فيجب عليه الفدية اذا أفطر كما ذكره الكرمانى وقال: (فيندرج فى ذلك أمراض السل والقرحة المعوية والقرحة الإثنا عشرية والحميات القلب والكبد والمرارة وسائر الأمراض الشاقة التى يعسر معها الصوم ويفضي إلى تفاقمها أو تأخر برئها أو فساد عضو فى البنية .
المرض هو السقم، وهو نقيض الصحة، أو هو خروج الجسم عن حالة الاعتدال التي تعني قيام أعضاء البدن بوظائفها المعتادة، فما يعوق الإنسان، عن ممارسة أنشطته الجسدية، والعقلية، والنفسية، بصورة طبيعية.
والأمراض مختلفة في ذاتها، فمنها المرض الخفيف: كالصداع، والزكام الخفيف، ومنها الشديدة والخطيرة والمزمنة، كما أنها تختلف بحسب الأبدان التي تصاب بها، فقد ينقلب الزكام الخفيف إلى مرض شديد وخطير على الحياة إذا أصيب به الشيخ الطاعن، أو الرضيع الهزيل فالأمر نسبي وليس فيه مقياس ثابت ولا قاعدة مطردة وإنما العبرة بواقع كل شخص وبطاقته وقوة تحمل.
والمرض الذي يعتبر من أسباب التيسير والتخفيف، هو المرض الذي يؤثر على المكلف بالعجز جزئياً أو كلياً، أو يخشى منه الزيادة في المرض، أو تأخر في البرء.
وقد وضح أهل العلم ضابطاً للمرض المبيح للتخفيف وهو أن: " المريض إذا خشي من الإتيان بالمطلوبات الشرعية على وجهها ضرراً من أهم تسديد أو زيادة مرض، أو تأخر برء، أو فساد عضو أو حصول تشويه فيه، فإنه يعدل إلى الأحكام المخففة".
ينبغي للمريض الصبر واحتساب الأجر على ما يصيبه، قال الله تعالى: ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب [ وقال تعالى]وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الـْمُجَاهِدِين َ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ َخْبَارَكُم [وقال تعالى] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور [وقال تعالى] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ [وقال تعالى] وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الـْخَوفْ وَالـْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُون [ وقال تعالى] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِين [.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... والصبر ضياء "، وعن صهيب رضي الله عنه ،قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيراً له،وإن أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيراً له".
و عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " ما يصيب المسلم من نصبٍ، ولا وصبٍ، ولا همٍّ، ولا حزنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يصيبه أذىً: من مرضٍ فما سواه إلا حَطَّ الله سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها ".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كُتب له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه".
وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: " إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخْط".
وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: " الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة".
والمسلم يسأل الله العفو والعافية ولا يسأله البلاء، فإذا حصل له شيء صبر واحتسب؛لحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلمقال على المنبر: " سلوا الله العفو والعافية؛فإن أحداً لم يُعطَ بعد اليقين خيراً من العافية".
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ قال: " سل الله العافية " فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ فقال لي: " يا عباس يا عمَّ رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة".
المرض نوعان :
النوع الأول: المرض الذي يُرجى برؤُه ، فهذا النوع من المرض من أسباب جواز الفطر، فرخص الله سبحانه وتعالى للمصاب بهذا النوع من المرض في الفطر، وأوجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها؛ قال الله تعالى: ] أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [وقال تعالى:] فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [ .
والمريض في شهر رمضان له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن لا يَشقَّ عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ لأنه ليس له عذر يبيح له الفطر.
الحالة الثانية:أن يشق عليه الصوم ولا يضره، فيفطر، ويكره له الصوم مع المشقة؛ لأنه خروج عن رخصة الله تعالى، وتعذيب لنفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته ".
قال ابن حزم رحمه الله: " واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام أنه يجزِئه، واتفقوا على أن من آذاه المرض وضَعُف عن الصوم فله أن يفطر".
الحالة الثالثة: أن يضرَّهُ الصوم، فيجب عليه الفطر، ولا يجوز له الصوم؛ لقول الله تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[وقال تعالى:] وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [ ؛ ولقول سلمان لأبي الدرداء:"...إن لربِّك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه" فأتى النبيصلى الله عليه وسلمفذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " صدق سلمان "، ومن حق النفس على المسلم أن لا يضرَّها مع وجود رخصة الله تعالى؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".
وإذا حدث له المرض في أثناء يوم من أيام رمضان وهو صائم وشقَّ عليه إتمامه جاز له الفطر؛لوجود المبيح للفطر.
وإذا برئ في نهار رمضان وقد أفطر أول النهار للعذر لم يصح صومه ذلك اليوم؛لأنه كان مفطراً أول النهار؛لأن الصوم لا يصح إلا بنية قبل طلوع الفجر،ثم الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
وينبغي له الإمساك بقية يومه ويجب عليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها؛ لقول الله تعالى: ] فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [.
وإذا ثبت عن طريق طبيب مسلم حاذق موثوق بدينه وأمانته أن الصوم يسبب له المرض أو يزيد مرضه، ويؤخر بُرْأَه ؛ فإنه يجوز له الفطر، محافظةً على صحته، واتقاءً للمرض، ويقضي عن هذه الأيام التي أفطرها .
قال العلامة ابن قدامة: " والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام، كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر؛ لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدّد بصيامه من زيادة المرض، وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه".
النوع الثاني: المرض الذي لا يرجى برؤه، فإذا ثبت أن المرض لا يرجى زواله وذلك عن طريق طبيب مسلم حاذق ثقة ؛ وأنه يضر معه الصوم ؛ فيجوز للمريض في هذه الحالة الفطر، لقول الله تعالى: ] فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ [ ولقوله تعالى: ]لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [ .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام صيام المسافر
- (الحمد لله: الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، سواء كان سفر حج، أو جهاد، أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
وتنازعوا في سفر المعصية، كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك، على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة.
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة: فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادراً على الصيام أو عاجزاً، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر. .....)
[مجموع فتاوى ابن تيمية].
- ( ويفطر من عادته السفر، إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين، ونحوهم. وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه. ، فأما من كان معه في السفينة امرأته، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر، ولا يفطر. )
[مجموع فتاوى ابن تيمية].
- (مَن يقصد بسفره التحيل على الفطر، فلا يجوز له الفطر؛ لأن التحيل على فرائض الله لا يسقطها). [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
- ينطبق حكم السفر على سائقي الشاحنات الذين يسوقون خارج المدن
[مجموع فتاوى ابن عثيمين]
- إذا قدم المسافر المفطر من سفر فليس عليه الإمساك في يومه و عليه القضاء
[الشرح الممتع]
- لا حرج عليه في ذلك [أن يسافر الصائم من بلده الحار إلى بلد بارد أو إلى بلد نهاره قصير ] إذا كان قادراً على هذا الشيء، فإنه لا حرج أن يفعل؛ لأن هذا من فعل ما يخفف العبادة عليه، وفعل ما يخفف العبادة عليه أمر مطلوب. ، "وقد كان النبي "صلى الله عليه وسلم"يصب على رأسه الماء من العطش أو من الحر وهو صائم". انظر: أبو داود (2365)، وأحمد (15903). .... وعلى هذا: فلا مانع من أن يبقى الصائم حول المكيف، وفي غرفة باردة، وما أشبه ذلك)
[مجموع فتاوى ابن عثيمين]
- حكم صيامه [المعتمر] أنه لا بأس به، وقد سبق لنا قبل قليل أن المسافر إذا لم يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم، وإن أفطر فلا حرج عليه، وإذا كان هذا المعتمر يقول: إن بقيت صائماً شق عليّ أداء نسك العمرة، فأنا بين أمرين: إما أن أؤخر أداء أعمال العمرة إلى ما بعد غروب الشمس وأبقى صائماً، وإما أن أفطر وأؤدي أعمال العمرة حين وصولي إلى مكة، فنقول له: الأفضل أن تفطر وأن تؤدي أعمال العمرة حين وصولك إلى مكة؛ لأن هذا ــ أعني أداء العمرة من حين الوصول إلى مكة ــ هذا هو فعل رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
[ابن عثيمين ــ فقه العبادات]
السُّفْر جمع سافر، والمسافرون جمع مسافر، والسفر والمسافرون،بمعن ىً. وسُمِّيَ المسافر مسافراً؛ لكشفه قناع الكنِّ عن وجهه، ومنازل الحضر عن مكانه،ومنزل الخفض عن نفسه، وبروزه إلى الأرض الفضاء،وسُمِّيَ السفر سفراً؛لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيُظهِر ما كان خافياً منها.
فظهر أن السفر:قطع المسافة، سُمِّيَ بذلك؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال،ومنه قولهم:سفرت المرأة عن وجهها:إذا أظهرته،والسفر:ه الخروج عن عمارة موطن الإقامة قاصداً مكاناً يبعد مسافة يصحُّ فيها قصر الصلاة.
وقيل: السفر لغة: قطع المسافة.
والسفر شرعاً: هو الخروج على قصد مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فما فوقها بسير الإبل، ومشي الأقدام. والمسافر: هو من قصد سيراً وسطاً ثلاثة أيام ولياليها وفارق بيوت بلده.
والسفر من أسباب التخفيف في الشريعة الإسلامية لاسيما في مجال العبادات، قال الله سبحانه وتعالى: "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم" .
وقال تعالى:"ص ى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" .
ومن الأحكام المخففة في السفر الطويل: جواز المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، وقصر الصلاة الرباعية المفروضة، والجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً عند جمهور الفقهاء، والفطر في رمضان من أجل السفر والقضاء في أيام أخر.
وأما السفر القصير، وهو مطلق الخروج عن بلد الإقامة، فمن أحكامه جواز ترك الجمعة والجماعة، والتنقل على الدابة، وجواز التيمم.
أنواع السفر :
1- سفرٌ حرامٌ، وهو أن يسافر لفعل ما حرمه الله، أو حرمه رسوله "صلى الله عليه وسلم"، مثل:من يسافر للتجارة في الخمر، والمحرمات،وقطع الطريق،أو سفر المرأة بدون محرم.
2- سفر واجب، مثل السفر لفريضة الحج،أو السفر للعمرة الواجبة،أو الجهاد الواجب.
3- سفر مستحب، مثل: السفر للعمرة غير الواجبة، أو السفر لحج التطوع، أو جهاد التطوع.
4- سفر مباح،مثل:السفر للتجارة المباحة،وكل أمر مباح.
5- سفر مكروه،مثل:سفر الإنسان وحده بدون رفقة، إلا في أمر لا بد منه؛ لقول النبي "صلى الله عليه وسلم":" لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحده" .
فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم، فيحرم على كل مسلم أن يسافر إلى سفر محرم، وينبغي له أن لا يتعمَّد السفر المكروه، بل يقتصر في جميع أسفاره على السفر الواجب، والسفر المستحب، والمباح، وله أن يأخذ برخص السفر من: الفطر في شهر رمضان، وقصر الصلاة، وغير ذلك من الرخص التي شرعها رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
اختلف العلماء رحمهم الله في نوع السفر الذي تختص به رخص السفر، من: الفطر في رمضان، والقصر، والجمع، وصلاة النافلة على الراحلة، وصلاة المتنفل الماشي، والمسح على الخفين، والعمائم، والخمار ثلاثة أيام بلياليها، وترك الرواتب، وترك بعض الأعمال المستحبة التي يشغل عنها في السفر، على أربعة أقوال:
القول الأول: رخص السفر تكون في السفر الواجب، والمندوب، والمباح، أما السفر المحرم والمكروه، فلا تباح فيه هذه الرخص.
القول الثاني: لا يترخص برخص السفر إلا في الحج والعمرة، والجهاد؛ لأن الواجب لا يترك إلا لواجب، أما السفر المحرم والمكروه والمباح فلا.
القول الثالث: لا يأخذ برخص السفر إلا في سفر الطاعة ؛لأن النبي "صلى الله عليه وسلم"إنما قصر في سفر واجب أو مندوب.
القول الرابع: ذهب الإمام أبو حنيفة، وشيخ الإسلام بن تيمية، وجماعة كثيرة من العلماء إلى أنه يجوز القصر والفطر، وجميع رخص السفر حتى في السفر المحرم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والحجة مع من جعل القصر والفطر مشروعاً في جنس السفر، ولم يخص سفراً دون سفر، وهذا القول هوالصحيح ؛ فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر".
و لكن من قصد بسفره التحيل على الفطر، فالفطر عليه حرام، و لا يجوز له ذلك؛ لأن الحيل لا تبيح المحرمات، ولا تبطل الواجبات، فيحرم السفر؛ لأنه وسيلة إلى الفطر، ويحرم الفطر لعدم العذر.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز للإنسان أن يتحيَّل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً ".
السفر الذي يبيح الفطر في رمضان:
السفر الذي يبيح الفطر في رمضان هو السفر الذي يجيز للمسافر أن يقصر فيه الصلاة .
ومسافة السفر عند الحنفية هي مسيرة ثلاثة أيام سيراً وسطاً.
وعند المالكية، والشافعية، والحنابلة، مسيرة يومين قاصدين، أي ستة عشر فرسخاً أو ثمانية وأربعين ميلاً.
وقد دل جواز الفطر في السفر الكتاب والسنة، الإجماع:
أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
وأما السنة؛ فلقول النبي "صلى الله عليه وسلم": "إن الله وضع عن المسافر الصوم "، وأحاديث أخرى كثيرة.
وأما الإجماع، فأجمع المسلون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة؛ وإنما يباح الفطر في السفر الطويل الذي يبيح القصر.
قال الإمام البخاري رحمه الله: " باب في كم يقصر الصلاة؟ وسمَّى النبي "صلى الله عليه وسلم"، يوماً وليلةً سفراً، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة بُرُدٍ، وهي ستة عشر فرسخاً".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: بابٌ: في كم يقصر الصلاة؟ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقلَّ منها... وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة".
وكأن البخاري رحمه الله يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وهو قول النبي "صلى الله عليه وسلم":" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ".
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: " لاتقصر إلى عرفة، وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان، والطائف، وجدة، فإذا قدمت على أهلٍ أو ماشية فأتمّ".
والمسافة من مكة إلى الطائف ثمانية وثمانون كيلو، ومن مكة إلى جدة تسعة وسبعون كيلو، و من مكة إلى عسفان ثمانية وأربعون ميلاً. وهذه المسافة عليها الجمهور من أهل العلم، ومنهم الأئمة الثلاثة: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي والإمام مالك رحمهم الله تعالى.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: " وقال بعض أهل العلم: إنه يحدد بالعرف ولا يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات، فما يُعدُّ سفراً في العرف يُسَمَّى سفراً، وما لا فلا، والصواب ما قرره جمهور أهل العلم، وهو التحديد بالمسافة التي ذكرت، وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم، فينبغي الالتزام بذلك ".
و جاء تحديد المسافة من فعل ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم بأربعة برد: جمع بريد، والبريد مسيرة نصف يوم، وسُمِّيَ بريداً؛ لأنهم كان فيما مضى إذا أرادوا المراسلات السريعة يجعلونها في البريد، فيرتبون بين كل نصف يوم مستقراً ومستراحاً يكون فيه خيل إذا وصل صاحب الفرس الأول إلى هذا المكان نزل عن الفرس ؛لتستريح وركب فرساً آخر إلى مسيرة نصف يوم،فيجد بعد مسيرة نصف يوم مستراحاً آخر فيه خيل ينزل عن الفرس التي كان عليها ثم يركب آخر وهكذا، لأن هذا أسرع،وفي الرجوع بالعكس،فالبريد عندهم مسيرة نصف يوم،فتكون الأربعة البرد مسيرة يومين،وقَدَّرُو ا البريد بالمسافة الأرضية بأربعة فراسخ،فتكون أربعة برد ستة عشر فرسخاً،والفرسخ قدَّروه بثلاثة أميال،فتكون ثمانية وأربعين ميلاً،والميل من الأرض منتهى مد البصر؛لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه،والميل كيلو وستين في المائة أي 1600م،فأربعة برد= 1600×48 ميلاً = 76,8كيلو. و قد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أنه قال: " لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان، والطائف، وجدة" والمسافة بين مكة والطائف 88كيلو، وبين مكة وجدة 79. فإذا قصد المسافر هذه المسافة فله أن يأخذ برخص السفر عند الجمهور .
وأما في الزمن فقيل: إن مسيرته يومان قاصدان بسير الإبل المحملة، " قاصدان" يعني معتدلان، بمعنى أن الإنسان لا يسير منها ليلاً ونهاراً سيراً بحتاً، ولا يكون كثيرا النزول والإقامة، فهما يومان قاصدان.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا حد للسفر بالمسافة بل كل ما يُعدُّ سفراً في العرف، ويتزود له الإنسان ويبرز للصحراء؛ لأنه يحتاج إلى حمل الزاد والمزاد، فهو سفر، ورجح هذا جمع من أهل العلم، منهم العلامة ابن عثيمين، واختاره ابن قدامة في المغني.
ويفطر المسافر إذا فارق عامر بيوت قريته، أو مدينته،أو خيام قومه وجعلها وراء ظهره، إذا كان سفره تقصر في مثله الصلاة، قال ابن قدامة رحمه الله في الرد على من قال يفطر إذا عزم على السفر ولبس ثياب السفر:" ولنا قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وهذا شاهد،ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد،ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة".
واحتج من قال بجواز إفطار المسافر إذا عزم على السفر ولبس ثياب السفر بما يلي:
أولا: حديث أنس بن مالك ، فعن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رُحلت له راحلته ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة ثم ركب".
قال الترمذي: " وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقالوا: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج، وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية، وهو قول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي".
وقال ابن قدامة: " ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين؛ ولذلك لا يقصر الصلاة، فأما أنس فيحتمل أنه كان برز من البلد خارجاً منه، فأتاه محمد بن كعب في ذلك المنزل".
ثانياً: عن عبيد بن جبر قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي "صلى الله عليه وسلم"في سفينة من الفسطاط في رمضان فَرُفِعَ ثم قرب غداه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت ؟ قال: أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؟ فأكل.
قال العلامة ابن القيم ى: " وفيه حجة لمن جوّز للمسافر الفطر في يومٍ سافر في أثنائه، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وقول عمرو بن شرحبيل والشعبي، وإسحاق، وحكاه أنس، وهو قول داود وابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة لا يفطر ... ".
وقال العلامة ابن عثيمين: " هل يشترط أن يفارق قريته؟ أو إذا عزم على السفر وارتحل فله أن يفطر؟ الجواب في هذا قولان .. عن السلف، والصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية ؛ لأنه لم يكن الآن على سفر، ولكنه ناوٍ للسفر؛ ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز له أن يفطر حتى يخرج من البلد".
إقامة المسافر التي يفطر فيها ويقصر فيها الصلاة:
إذا نوى المسافر الإقامة أثناء سفره في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يُتِمُّ الصلاة، ويصوم إذا كان في رمضان؛ لأن النبي "صلى الله عليه وسلم"قدم مكة في حجة الوداع، يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وأقام بها : الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم صلى الفجر يوم الخميس ثم خرج إلى منى، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي "صلى الله عليه وسلم"قصر، وأفطر إن كان في رمضان، وإذا أجمع أكثر من ذلك أتم وصام.
قال الإمام ابن قدامة: " وجملة ذلك أن من لم يُجمع إقامةً مدة تزيد على إحدى وعشرين صلاة فله القصر و لو أقام سنين".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي "صلى الله عليه وسلم"لما دخل مكة؛ فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، و إن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال: غداً أسافر، أو بعد غد أسافر ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي "صلى الله عليه وسلم"أقام بمكة بضعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة، والله أعلم".
وكذلك الصيام في رمضان والإفطار، فإن أجمع إقامة أربعة أيام فأقل قصر وأفطر، وإن أجمع على الإقامة أكثر من ذلك أتم وصام، وعليه: الإمام الشافعي، وأحمد، ومالك، وبقول هؤلاء الأئمة وجمهور أهل العلم معهم تنتظم الأدلة، ويكون ذلك صيانة من تلاعب الناس، وهذا هو الأحوط؛ لأن ما زاد عن أربعة أيام غير مجمع عليه، وما كان أربعة أيام فأقل مجمع عليه أي داخل في المجمع عليه، وبهذا يخرج المسلم من الخلاف، ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، والله أعلم.
إذا سافر سفراً شبه دائم في العام:
مثل سفر سائقي الشاحنات، وغيرهم الذين يسافرون كثيراً؛ فإن لهم الإفطار، والترخّص برخص السفر، إذا كانت المسافة التي يقطعونها في سفرهم مسافة قصر، وعليهم قضاء الأيام التي أفطروها من رمضان قبل دخول رمضان المقبل؛ لعموم قول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وإليهم اختيار الأيام التي يقضون فيها ما أفطروه من أيام رمضان،جمعاً بين دفع الحرج عنهم، وقضاء ما عليهم من الصيام، سواء كان القضاء في أيام الشتاء أو غيرها.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام صيام الحائض والنفساء
- بعض النساء تطهر في آخر الليل، وتعلم أنها طهرت ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظناً منها أنها إذا لم تغتسل لم يصح صومها وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
فالمرأة إذا غربت الشمس، وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة فصومها صحيح. [فقه العبادات لابن عثيمين. ].
- وإن أحست الحائض بانتقال الدم أو ألمه،ولكنه لم يخرج ولم يبرز إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح [مجالس شهر رمضان، لابن عثيمين]
- لا حرج في ذلك [استعمال حبوب منع الحمل لتأخير الحيض] ؛ لما فيه من المصلحة للمرأة في صومها مع الناس وعدم القضاء ، مع مراعاة عدم الضرر منها ؛ لأن بعض النساء تضرهن الحبوب.[مجموع فتاوى بن باز ]
إذا حاضت المرأة أو نفست أفطرت، فإن صامت لم يجزئها، فقد أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء، لايحل لهما الصوم، وأنهما يفطران رمضان ويقضيان، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: " كنا نحيض على عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة" والأمر إنما هو للنبي "صلى الله عليه وسلم"، و عن أبي سعيد الخدري t عن النبي "صلى الله عليه وسلم"قال:" أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم"، والحائض والنفساء سواءٌ؛ لأن دم النفاس هو دم الحيض، وحكمه حكمه، ومتى وُجدَ الحيض أو النفاس في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم، سواء وجد في أوله بعد طلوع الفجر أو في آخره، قبل غروب الشمس، ولو صامت الحائض أو النفساء مع علمها بتحريم ذلك أثمت ولم يجزئها.
وإذا طهرت الحائض أو النفساء في أثناء نهار رمضان لم يصحَّ صومها بقيةَ اليوم؛ لوجود ما ينافي الصيام في حقها في أول النهار، وعليها الإمساك بقية اليوم في أصح قولي العلماء؛ لزوال العذر الشرعي الذي أبيح لها الفطر من أجله.
واختلف العلماء رحمهم الله تعالى، في إمساك الحائض إذا طهرت، أثناء النهار على قولين:
القول الأول: يلزمها الإمساك بقية اليوم؛ لزوال العذر الشرعي، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وعليه أكثر أصحابه، وهو مذهب الحنابلة، والحنفية، وقال به الثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح؛ لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ أوجب الإمساك. قال العلامة ابن باز رحمه الله: " عليها الإمساك في أصح قولي العلماء، بزوال العذر الشرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم، كما لو ثبت رؤية رمضان نهاراً؛ فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم، ويقضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم، ومثلها المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده؛ فإن عليه الإمساك في أصح قولي العلماء؛ لزوال حكم السفر مع قضاء ذلك اليوم والله ولي التوفيق".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما من يجب عليه القضاء إذا زال عذره في أثناء اليوم مثل: الحائض تطهر، والمسافر يقدم، والمريض يصح؛ فإن القضاء يجب عليهم رواية واحدة؛ لوجود الفطر في بعض اليوم، وينبغي لهم الإمساك أيضاً".
القول الثاني: لا يلزمها الإمساك، وهو رواية عن الإمام أحمد، وإليه ذهب مالك والشافعي، وذكر عن ابن مسعود t. وهذا القول الذي رجحه ابن عثيمين رحمه الله.
وإذا طهرت الحائض أو النفساء في الليل في رمضان ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم؛ لأنها أصبحت من أهل الصيام، وليس فيها ما يمنعه، ويصح صومها حينئذٍ ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، كالجنب إذا صام ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لقول عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم"يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.
أحكام صيام الحامل والمرضع
- (الحامل لا تخلو من حالين:
إحداهما: أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام.
والحال الثانية: أن تكون الحامل غير متحملة لصيام: إما لثقل الحمل عليها، أو لضعفها في جسمها، أو لغير ذلك، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ. وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً: أفطري، فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم.) [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
- (الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صفرة، لأنه ليس بحيض ولا نفاس، إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم في هذه الحال صار نفاساً، وكذلك في أوائل الحمل فإن بعض النساء لا تتأثر عادتهن في أول الحمل فتستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه يكون دمها دم حيض.) [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
و قد دل على إعتبار الحامل والمرضع من أصحاب الأعذار في رمضان حديث أنس بن مالك الكعبي عن النبي "صلى الله عليه وسلم"أنه قال: " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام".
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:" وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل:إذا خافتا على أنفسهما أو ولد هما تفطران ثم تقضيان".
و اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم الحامل والمرضع على أقوال على النحو الآتي:
القول الأول: إن حكمهما حكم المريض في جميع الأحوال، سواء كان خوفهما على أنفسهما أو على ولديهما، أو على أنفسهما وولديهما، فعليهما الإفطار عند الخوف، وتقضيان بدون إطعام؛ لقول الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فالحامل والمرضع كالمريض تماماً؛ ولحديث أنس بن مالك الكعبي " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم " .
فدل على أنهما كالمسافر في الصوم تفطران عند الخوف على أنفسهما أو ولديهما، وتقضيان الصيام بدون إطعام كما يقضي المسافر، وممن قال بهذا القول: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والأوزاعي، والثوري، وعطاء، والزهري، وسعيد بن جبير، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه؛ لحديث أنس الكعبي المذكور آنفاً؛ لأنه لم يأمر فيه النبي "صلى الله عليه وسلم"بكفارة؛ ولأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب به كفارة، كالمريض.
وأخذ بهذ القول العلامة ابن باز رحمه الله، و جحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله وقال: " وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض والمسافر، يلزمهما القضاء فقط دون الإطعام".
ووعليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، حيث جاء في إحدى فتاويها بهذا الخصوص: " إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من الصوم أفطرت وعليها القضاء فقط، ... وكذلك المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه، أفطرت وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم، أو يخشى على نفسه مضرة، قال الله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
القول الثاني: التفصيل في الحامل والمرضع، فإن خافتا على أنفسهما الضرر إذا صامتا فلهما الفطر، وعليهما القضاء لا غير، وهذا لا خلاف فيه. لأنهما بمنزلة المريض الذي يخاف على نفسه الضرر.
وإن خافتا على أنفسهما وعلى ولديهما أفطرتا وقضتا، كالحالة الأولى.
وإن خافتا على ولديهما الضرر، أفطرتا وقضتا، وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً، وبالإطعام مع القضاء في هذه الحالة، قال به مجاهد، والإمام أحمد، والشافعي، وذكر رواية عن الإمام مالك . وأما الرواية الأخرى عن الإمام مالك ففرّق فيها بين الحامل والمرضع، فقال: الحبلى تقضي ولا تكفّر لأنها بمنزلة المريض، والمرضع تقضي وتكفّر؛ لأن المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها، بخلاف الحامل؛ولأن الحمل متصل بالحامل، والخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها،وبه قال الليث.
واستدل من أوجب الكفارة مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما ولم تخافا على نفسيهما، بما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ، قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا.
قال أبو داود:"يعني على أولادهما: أفطرتا وأطعمتا".
القول الثالث: الحامل والمرضع، إذا خافتا على ولديهما أو على أنفسهما، تطعمان ولا تقضيان، وبه قال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها: " تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مُدّاً من حنطة".
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عمر وابن عباس: " الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي".، وأخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ، والطبري في تفسيره، عن ابن عباس بلفظ: " إذا خافت الحامل والمرضع على ولدها في رمضان،قال:يفطرا ويطعمان مكان كل يوم مسكيناً و لا يقضيان صوماً ".وعن ابن عباس في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ قال: أثبتت للحبلى والمرضع.
ولكن هذا القول ضعفه كثير من أهل العلم ؛ لقول النبي "صلى الله عليه وسلم": " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام". فدل هذا الحديث الصحيح على أن الحامل والمرضع كالمسافر في حكم الصوم تفطران وتقضيان.
والحامل والمرضع لهما ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا خافتا على أنفسهما فقط، فحكمهما كالمريض: مع عدم المشقة مطلقاً: أي لا يشق عليها الصيام فيحرم عليها الإفطار، ويجب الصوم، ومع المشقة التي تتحملها يكره الصيام، و مع المشقة التي لا تتحملها أو تضرها يحرم عليها الصيام. وعليها أن تقضي عدد الأيام التي أفطرتها فقط بلا خلاف في هذه الحال.
الحالة الثانية: إذا خافتا على ولديهما الضرر، فتفطران؛ لإنقاذ معصومٍ، وتقضيان الأيام التي أفطرتهما فقط على الصحيح بدون إطعام .
الحالة الثالثة: إذا خافتا على أنفسهما وولديهما أفطرتا، وتقضيان عدد الأيام التي أفطرتهما فقط على الصحيح.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
حكم صيام ذوي الأعمال الشّاقة
ضابط المشقة المبيحة للإفطار
أن المشقة الحاصلة لأصحاب الأعذار من المرضى والمسنين وغيرهم بسبب الصوم تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مشقة لا ينفك عنها الصوم غالباً، كمشقة الصوم في شدة الحر أو البرد، ومشقة طول النهار، وحصول الجوع والعطش المعتادين، فهذه المشقة لا أثر لها في الإفطار، ولا يجوز لصاحب العذر أن يفطر بسببها؛ لأن هذه المشقة لو أثرت لفاتت معها مصالح العبادات في جميع الأوقات أو في غالبها ولفات ما رتب عليها من الأجر والمثوبة.
القسم الثاني: مشقة ينفك عنها الصوم غالباً، وهذه المشقة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراتب:
الأولى: مشقة عظيمة فادحة يخاف منها الهلاك، أو هلاك منافع الأعضاء، أو المرض الشديد، فهذه المشقة موجبة للإفطار قطعاً؛ لأن حفظ النفس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للهلاك بالصوم.
الثانية: مشقة خفيفة كأدنى صداع أو سوء مزاج خفيف، وهذه المشقة ملحقة بالقسم الأول، ولا أثر لها في التخفيف وغير مبيحة للفطر، لأن تحصيل مصالح الصوم وما رتب عليه من الأجر والمثوبة أولى من دفع هذه المفسدة الخفيفة التي لا أثر لها.
الثالثة: مشقة متوسطة بين المرتبة الأولى والثانية، بحيث هي أخف من المرتبة الأولى، وأشد من المرتبة الثانية، فهذه المشقة إذا دنت من أي من المرتبتين الأولى والثانية أخذت حكمها، فإذا كانت تسبب المرض والضعف الشديد فهي مبيحة للفطر، وإذا كانت لا تسبب المرض في الحال أو المآل، بل تزول مع الإفطار بعد الغروب فهي غير مبيحة للفطر.
وهذه المرتبة مما قد تختلف حولها أنظار المجتهدين، فقد يعتبرها البعض من المرتبة الأولى، وبينما يعتبرها الآخرون من المرتبة الثانية، فيعمل في هذه الحالة بقاعدة التقريب، وهي أن تلحق بأقرب المرتبتين، أو تلحق بما ورد فيه النص بجواز الإفطار كالسفر، فإذا كانت هذه المشقة تماثل المشقة الواقعة بالسفر المبيح للفطر فيجوز له الفطر.
و هناك أمران آخران يمكن الاستعانة بهما في مثل هذه الحالة:
الأول: مراجعة طبيب مسلم ثقة ليقرر إمكانية الصوم من عدمها، وإذا كان يضره ذلك في الحال أو المآل أم لا، ولاسيما مع تقدم آلات وأجهزة الكشف عن الأمراض، وآلات قياس الحالة الصحية للإنسان.
الثاني: ما يعرفه الشخص صاحب العذر من نفسه بالتجربة إذا كان يضره الصوم أم لا، وما مدى ذلك الضرر.
فتاوى:
- شخص يعمل في فرن للرغيف و يواجه حر النار الشديد طوال ساعات النهار وهو صائم، لذلك فهو يواجه عطشا شديدا وإرهاقا في العمل: ( لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر بل الواجب عليه الصيام، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذرا للفطر، وعليه أن يعمل حسب استطاعته. ) [فتاوى اللجنة الدائمة ــ فتوى: 13489]
- الامتحان المدرسي ونحوه لا يعتبر عذرا مبيحا للإفطار في نهار رمضان، ولا يجوز طاعة الوالدين في الإفطار للامتحان؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة بالمعروف ،كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن النبي "صلى الله عليه وسلم") [فتاوى اللجنة الدائمة ـــ فتوى:9601]
الجوع أو العطش الشَّديدان:
إذا غلب الصائم الجوع أو العطش الشديد الذي يخاف منها الهلاك أو نقصان العقل، أو ذهاب البصر أو السمع أو بعض الحواس الأخرى، فيجوز أن يفطر بما يسدّ رمقه، ثم يُكمل صيامه ويقضي؛ لقول الله تعالى: ] وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[ ، وقال تعالى:]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[ ، وقال تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[ ، وقال الله تعالى: ] يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ ؛ وقضى رسول الله "صلى الله عليه وسلم"أن: " لا ضرر و لا ضرار"، وهذا بمنزلة من فقد الطعام والشراب، ثم وجد الميتة، فله أن يأكل منها ما يسد رمقه ثم يُمسك، وقد قال الله تعالى: ] فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم[ ؛ ولقوله تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم [ وغير ذلك من الأدلة.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام القضاء والكفّارة
- الأفضل أن يكون القضاء متتابعاً و الأحوط الشروع فيه بعد يوم العيد (في اليوم الثاني من شوال) . [الشرح الممتع ـــ ابن عثيمين]
- يجوز التنفل بالصوم قبل القضاء إن كان في الوقت متسع و تقديم القضاء أفضل. [السابق]
- من أخر القضاء إلى بعد رمضان بدون عذر فهو آثم و يقضي و لا إطعام عليه [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
- الشيخ الكبير و( المريض مرضاً لا يرجى زواله لا يلزمه الصوم؛ لأنه عاجز، ولكن يلزمه بدلاً عن الصوم أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، هذا إذا كان عاقلاً بالغاً، وللإطعام كيفيتان:
الكيفية الأولى: أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً، ثم يدعو إليه المساكين بقدر الأيام التي عليه كما كان أنس بن مالك يفعل ذلك حين كبر. أخرجه البخاري معلقاً.....
والكيفية الثانية: أن يوزع حبًّا من بر، أو أرز، ومقدار هذا الإطعام مد من البر أو من الأرز، والمدّ يعتبر بمد صاع النبي "صلى الله عليه وسلم"وهو ربع الصاع، وصاع النبي "صلى الله عليه وسلم"يبلغ كيلوين وأربعين غراماً، فيكون المدّ نصف كيلو وعشرة غرامات، فيطعم الإنسان هذا القدر من الأرز أو من البر، ويجعل معه لحماً يؤدمه) [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
فدية الإفطار مشروعة في حق المسنين ومن في حكمهم من المصابين بعجز دائم بحيث لا يمكنهم الصيام أبدا.
تعريف الفدية :
قال ابن فارس: " الفاء والدال والحرف المعتل كلمتان متباينتان جداً، فالأولى، أن يجعل شيئ مكان شيء حمى له، والأخرى شيء من الطعام. فالأولى قولك: فديته أفديه: كأنك تحميه بنفسك أو بشيء يعوض عنه، يقولون: هو فداؤك، إذا كسرت مددت، وإذا فتحت قصرت، يقال: هو فداك ...، يقال تفادى الشيء، إذا تحاماه وانزوى عنه، والأصل في هذه الكلمة ما ذكرناه، وهو التفادي: أي أن يتقي الناس بعضهم ببعض، كأنه يجعل صاحبه فداء نفسه، والكلمة ا لأخرى الفَدَاء ممدود، وهو سطح التمر بلغة عبد القيس ... والفَداء: جماعة الطعام من الشعير والتمر ونحوها ".
"والفدية من فدى من الأسر يفديه فَِدى: إذا استنقذه بمال، واسم ذلك المال الفدية، وهي عوض الأسير، وجمعها فدىً وفديات، وفاديته مفاداة وفداء مثل قاتلته مقاتلة قتالاً، أي: أطلقته وأخذت فديته".
"وقيل المفاداة: أن تدفع رجلاً وتأخذ رجلاً، والفدى أن تشتريه، وقيل هما واحد، وتفادى القوم: اتقى بعضهم ببعض، كأن كل واحد يجعل صاحبه فداه، وفدت المرأة نفسها من زوجها تفدي وافتدت، أي: أعطته مالا حتى تخلص منه بالطلاق".
و يراد بالفدية في اصطلاح الفقهاء : " ما يقي الإنسان به نفسه من مال يبذله في عبادة قصّر فيها أو عجز عن أدائها حقيقة أو حكما ".
أما الفدية في باب الصيام فتطلق على الطعام الذي يخرجه المسن أو المريض الذي لا يستطيع الصيام ويدفعه إلى مسكين بدلاً عن الصيام.
أدلة مشروعية فدية الإفطار:
لقد دلت على مشروعية فدية إفطار المسن أدلة من الكتاب، والسنة، والأثر:
1- قول الله سبحانه وتعالى: "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم" .
وجه الاستدلال: ما ثبت من تفسير عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: أن الآية مخصوصة بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيجوز له الإفطار ويفدي عن كل يوم مسكيناً: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».
2- ما سبق من تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- للآية فله حكم الرفع ولا يمكن أن يقول ذلك برأيه.
3- ما ثبت عن أنس بن مالك أنه لما كبر ولم يستطع الصوم أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً.
حكم فدية الإفطار :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تجب الفدية على المسن ومن في حكمه من امصابين بعجز دائم عن الصوم إذا أفطر بسبب العجز أو المشقة، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، فبه قال الحنفية، والشافعية على الصحيح من مذهبهم، وهو مذهب الحنابلة، وقول علي بن أبي طالب، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، وأنس بن مالك من أصحاب النبي "صلى الله عليه وسلم"، وبه قال سعيد بن جبير، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وطاووس -رحمهم الله تعالى-.
قال الكاساني: " وأما الجوع والعطش الشديد الذي يخاف منه الهلاك فمبيح مطلق للفطر ... وكذا كبر السن حتى يباح للشيخ الفاني أن يفطر في شهر رمضان؛ لأنه عاجز عن الصوم وعليه الفدية عند عامة العلماء ".
وقال النووي: " قال الشافعي والأصحاب: الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم، أي يلحقه به مشقة شديدة، والمريض الذي لا يرجى برؤه لا صوم عليهما بلا خلاف ... ويلزمهما الفدية على أصح القولين، والثاني لا يلزمهما".
قال ابن قدامة: " أن الشيخ الكبير، والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطر ويطعما عن يوم مسكينا".
استدل أصحاب هذا القول الأول بأدلة من الكتاب، والسنة، والأثر، والإجماع، والمعقول:
1- قول الله سبحانه وتعالى: "صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" "صلى الله عليه وسلم" .
وجه الاستدلال: استدل أهل العلم بهذه الآية الكريمة على وجوب فدية إفطار المسن من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: ما سبق ذكره من تفسير عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- للآية الكريمة -وهو تفسير ثابت- أن الآية الكريمة مخصوصة بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيجوز له الإفطار ويطعم بدلاً عن ذلك كل يوم مسكيناً، وقال: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصيام فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».
وبناءً على هذا الوجه للآية الكريمة ثلاثة تفسيرات عند العلماء:
أ- أن معنى الآية الكريمة على قراءة رسم المصحف «يُطيقونه» أي يقدرون على الصوم مع تحمل المشقة؛ وذلك لأن الطاقة هي الإتيان بالشيء مع الشدة والمشقة، بخلاف الوسع فهو القدرة على الشيء على وجه السهولة.
ب- على قراءة «يُطوَّقونه» بفتح الطاء وتشديد الواو بالبناء على المفعول وتخفيف الطاء، من طوق بضم أوله، أي يُكلَّفونه على مشقة فيه وهم لا يطيقونه لصعوبته؛ فعليهم الإطعام.
ج- على تقدير «لا» النافية، فيكون المعنى: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وهذا له نظائر وردت في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ...، أي: لا تفتأ تذكر يوسف، وقوله سبحانه وتعالى: "صلى الله عليه وسلم" ... ، أي: لئلا تضلوا.
وقد نوقش الاستدلال على هذا الوجه بأن الآية منسوخة، وقد ثبت القول بنسخها عن عدد من الصحابة، ومنهم عبدالله بن عمر، وسلمة بن الأكوع، وعليه فلا يصح الاستدلال بها.
وأجيب عن هذه المناقشة بأن النسخ عند المتقدمين من علماء الصحابة وغيرهم أعم مما اصطلح عليه المتأخرون من الأصوليين وغيرهم، فالنسخ عند المتقدمين قد يكون بمعنى التخصيص، وبناءً عليه فيكون المراد بالنسخ على قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع -رضي الله عنهم- تخصيص الآية على المسن ومن في حكمهم ممن لا يطيقون الصيام أو يطيقونه بمشقة شديدة توفيقاً بين الأدلة.
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في ذلك: "...ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه؛ حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي بيانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه مالا يُحصى، وزال عنه إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر".
الوجه الثاني: أن المراد بالذين «يطيقونه» هم من كانوا يطيقون الصوم في شبابهم من المسنين، ثم عجزوا عنه لما كبروا فعليهم الإطعام بدلاً عن ذلك.
الوجه الثالث: أن الله سبحانه وتعالى جعل الفدية في هذه الآية الكريمة معادلة للصوم في أول الأمر؛ لما كان الناس مخيرين بين الصوم والفدية؛ فلما تعذر أحد البدلين، ثبت الآخر، أي لما تعذر الصوم ثبت الفدية؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لما جعل الفدية عديلاً للصوم في مقام التخيير، دل ذلك على أنها تكون بدلاً عنه في حال تعذر الصوم، وذلك لما يكون المكلف لا يستطيع الصوم كالمسن ومن في حكمه.
2- حديث معاذ بن جبل قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"قدم المدينة فصام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان فأنزل الله تعالى ذكره: "صلى الله عليه وسلم" ... حتى بلغ: "صلى الله عليه وسلم" ... فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل: .
3- ما سبق ذكره من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: أن الآية ليست بمنسوخة وأنها خاصة بالشيخ الكبير والشيخة العجوز، لا يستطيعان الصيام فيفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً.
وجه الاستدلال من الحديثين: أنهما يدلان على ثبوت حكم الفطر ووجوب الفدية على المسن الذي لا يستطيع الصوم.
4- ما ثبت عن أنس بن مالك أنه لما كبر ولم يستطع الصوم فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً.
وجه الاستدلال: أن عمل أنس بن مالك بمقتضى الآية يدل على أن الإطعام هو واجب المسن ومن في حكمه ممن لا يستطيع الصيام، ويؤيده ما روي وثبت عن غيره من الصحابة كعلي، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس -رضي الله عنهم-.
5- الإجمـاع:
أن إخراج الفدية بدلاً عن الصيام مع العجز ثابت عن عدد من الصحابة
-رضي الله عنهم- قولاً وفعلاً، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فيكون إجماعاً لا يسع مخالفته.
قال أبو بكر الجصاص -رحمه الله تعالى-: «وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم فصار إجماعاً لا يسع خلافه».
وقال الماوردي -رحمه الله تعالى-: «ويدل على ما ذكرناه -أي وجوب الفدية- إجماع الصحابة، وهو ما روي عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: الهِمُّ عليه الفدية إذا أفطر، وليس لهم في الصحابة مخالف».
ونوقش دعوى الإجماع بعدم التسليم، وذلك لثبوت القول بنسخ الآية والخلاف في المسألة عن بعض الصحابة كعبدالله بن عمر وسلمة بن الأكوع، فلا يصح دعوى الإجماع مع ثبوت خلاف هؤلاء.
قال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة، ولا عن من بعدهم».
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن وجود الخلاف بين الصحابة في ذلك ليس صريحاً، والخلاف بينهم إنما هو في كون الآية منسوخة أو محكمة، ولا يلزم من القول بنسخ الآية عدم وجوب الفدية على المسن المفطر، وذلك لاحتمال أن يكون المراد بقول من قال بالنسخ تخصيص الآية على بعض المشمولين لمقتضاها، وهم المسنون ومن في حكمهم من المرضى، ولثبوت وجوب الفدية على المسن المفطر بالسنة الثابتة، ولعل هذا يفسر وجود قولين عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- في المسألة قول بالوجوب، وقول بنسخ الآية، وفسر على أنه قول بعدم وجوب الفدية.
6- أن الصوم لما فات المسن العاجز مست الحاجة إلى الجابر، وقد تعذر جبره بالقضاء لعجز المسن عنه، فجعلت الفدية بدلاً للصوم شرعاً في هذه الحالة للضرورة، كما تجعل القيمة بدلاً في ضمان المتلفات بجامع تعذر الإتيان بالمثل في الحالتين.
القول الثاني: يستحب للمسن دفع الفدية إذا أفطر بسبب العجز أو المشقة، وإلى هذا ذهب المالكية.
قال ابن رشد: « وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا، واختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، فقال قوم عليهما الإطعام، وقال قوم ليس عليهما إطعام، وبالأول قال الشافعي ... وبالثاني قال مالك، إلا أنه استحبه».
واستدل أصحاب هذا القول بما سبق ذكره من أثر أنس وحملوه على الاستحباب.
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن الأثر المذكور يفيد الوجوب، ولا صارف من الوجوب إلى الاستحباب، ووجود الخلاف بين الصحابة لا يمكن أن يكون صارفاً عن الوجوب إلى الاستحباب.
القول الثالث: لا شيء على المسن إذا أفطر بسبب العجز أو المشقة، لا يجب عليه ويستحب له إخراج الفدية، وإلى هذا ذهب الشافعية في قول، والظاهرية، وبه قال مكحول ، وربيعة، وأبو ثور، وابن المنذر -رحمهم الله تعالى-.
قال ابن حزم : " والشيخ والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم، فالصوم لا يلزمهما، ... وإذا لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمهما؛ لأن الله تعالى لم يلزمهما إياها، ولا رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع".
واستدل أصحاب هذا القولبأدلة من السنة والمعقول:
1- ما ثبت من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قرأ «فدية طعام مساكين» وقال: هي منسوخة».
2- ما ثبت أنه لما نزل قوله تعالى: "صلى الله عليه وسلم" كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
وجه الاستدلال من الحديثين: أن إخراج الفدية كان حكماً خاصاً في بداية فرضية الصيام، وكان هناك خياراً بين الصوم والفدية، فلما نسخت الآية سقطت حكمها وهو الفدية، فلا تجب لا على المسن ولا غيره.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أنه ثبت عن بعض الصحابة كابن عباس بأن الآية محكمة وخاصة بالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، وعليه فلا يصح الاستدلال بالحديثين لأن قول هذين الصحابيين ليس حجة على غيرهما.
الثاني: أنه لا تلازم بين القول بالنسخ وبين عدم وجوب الفدية، لاحتمال أن يكون المراد بالنسخ التخصيص كما هو اصطلاح المتقدمين من الصحابة وغيرهم.
3- أن المسن في هذه الحالة معذور، فلا تجب عليه الفدية لعجزه، كما لا تجب الفدية على المريض والمسافر إذا أفطرا.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه قياس على المسافر والمريض، فلا يصح قياسه عليهما لأنهما يتمكنان من القضاء والمسن بخلاف ذلك، على أن المريض لو عجز عن القضاء فحكمه حكم المسن في وجوب الفدية عليه، ولأن هذا قياس في مقابل النص فلا يصح.
4- أن مال المسن في هذه الحالة حرام، ولا يجوز إيجاب شيء فيه ما لم يوجبه الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم"، ولا يوجد دليل الفدية عليه فلا تجب.
5- أن المسن في هذه الحالة عاجز عن الصيام، والله سبحانه وتعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه، لأنه لا يوجب فرضاً إلا على من يطيقه، والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة، فلا يجب عليه شيء لأن الله سبحانه وتعالى لم يوجب عليه شيئاً.
6- أن الفدية لم تجب بكتاب مجتمع على تأويله، ولا سنة يفقهها من تجب الفدية بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة، ولا عن من بعدهم، والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه، وذمة المسن بريئة فلا تجب عليه الفدية.
ويمكن أن تناقش هذه الأدلة الثلاثة بأنها في حقيقتها مطالبة بالدليل، وقد سبق ذكر الأدلة على وجوب الفدية فيجب الأخذ بها والعمل بمقتضاها.
الترجـيح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول بوجوب الفدية على المسن
المفطر الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم، أو بسبب المشقة الشديدة عليه،
لما يلي:
1-لقوة أدلة هذا القول، وكثرتها، حيث استدلوا بالكتاب والسنة الثابتة، والأثر الثابت، وسلامة هذه الأدلة من المناقشة المؤثرة عليها.
2-لضعف استدلال القولين المخالفين، وهي في حقيقتها مطالبة بالدليل فقد سبق ذكر الأدلة.
3-أن القول بعدم وجوب الفدية على المسن المفطر مبني على القول بنسخ الآية، وهو غير مسلم لثبوت القول بكونها محكمة عن عدد من الصحابة، وعمل بعض الصحابة بمقتضاها، ولأنه لا تلازم بين القول بالنسخ والقول بعدم وجوب الفدية، وذلك لاحتمال أن يكون مراد من قال بالنسخ التخصيص أو التقييد، ولثبوت الفدية بالسنة الصحيحة كحكم مستقل.
4-أن في هذا القول جمعاً بين الأدلة، وتوفيقاً بين ما نقل من الأقوال المتعارضة بين الصحابة
من حيث النسخ وعدمه.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
نوع فدية إفطار المسن ومن في حكمه
ما نوع الفدية الواجبة على المسن المفطر و من في حكمه ، هل هي أنواع معينة من الطعام أو أي طعام يكون من قوت أهل بلد المسن؟ هل يقدم الطعام مطبوخاً أو غير مطبوخ؟
نوع الأطعمة المجزية عن الفدية:
ما نوع الأطعمة التي تجزئ عن فدية إفطار المسن؟ هل تشترط فيها أنواع معينة من الأطعمة، أو تجزئ كل طعام كان من قوت أهل البلد؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه تجزئ عن فدية إفطار كل ما كان من قوت أهل البلد، كالبر، والشعير، والتمر، والأرز ونحوها، وإلى هذا ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية، وهو قول طاووس، وسعيد بن جبير، والثوري، والأوزاعي -رحمهم الله تعالى-.
قال الكاساني: « ومقدار الفدية مقدار صدقة الفطر: وهو أن يطعم عن كل يوم مسكيناً مقدار ما يطعم في صدقة الفطر ».
وقال في مقدار وجنس صدقة الفطر: « وأما بيان جنس الواجب وقدره وصفته، وأما جنسه وقدره فهو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر، وهذا عندنا ... ودقيق الحنطة وسويقها كالحنطة، ودقيق الشعير وسويقه كالشعير عندنا، وعند الشافعي لا يجزئ، بناء على أصله من اعتبار المنصوص عليه، وعندنا المنصوص عليه معلول بكونه ما لا متقوماً على الإطلاق».
وقال ابن عبد البر: « ومن عجز عن الصيام بكبر أفطر، وأطعم عن كل يوم مد قمح إن كان قوته، وإلا فمن قوته بمد النبي "صلى الله عليه وسلم"، وذلك عند مالك استحباب، وعند غيره إيجاب ».
وقال الشربيني: « يخرج مد من طعام، وهو رطل وثلث بالرطل البغدادي كما مرّ، وبالكيل المصري نصف قدح من غالب قوت بلده ».
وقال المرداوي: « والمراد بالإطعام هنا -أي في فدية الإفطار- ما يجزئ في الكفارة، قاله الأصحاب ».
وقال: « والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، واقتصر الخرقي على البر والشعير والتمر، وإخراج السويق والدقيق هنا من مفردات المذهب، وفي الخبز روايتان، وكذا السويق ... و الرواية الثانية يجزئ، وهو اختيار الخرقي، قال المصنف، وهذه أحسن، قلت وهو الصواب ... وإن كان قوت بلده غير ذلك أجزأه منه ».
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قول الله سبحانـه وتعـالى: â ’n?tãu"صلى الله عليه وسلم"šúïÏ%©!$ # ¼çmtRqà)‹ÏÜ 7;ƒ ×ptƒô‰Ïù ãP$yèsÛ &ûüÅ3ó¡Ï B á.
وجه الاستدلال: أن الآية قضت على أن الواجب هو الإطعام، والإطعام يصح إطلاقه على قوت أهل البلد، فيجزئ عن الفدية.
2- ما ثبت عن أنس t أنه لما كبر وعجز عن الصيام، أطعم عن كل يوم مسكيناً.
وجه الاستدلال: أن أنساً t أطعم بدل كل يوم مسكيناً، وإخراج قوت البلد يعتبر إطعاماً فيصح إخراج كل ما كان طعاماً.
3- أن المقصود في الكفارات والفدية هو الإطعام، كما نصت الآية الكريمة، وهذا يتحقق بإخراج كل ما يقتات منه أهل البلد، وليست مقصورة على أنواع معينة، فيجزئ عن الفدية إخراج كل ما كان قوتاً لأهل بلد المسن المفطر.
القول الثاني: أنه لا تجزئ عن فدية إفطار المسن إلا أنواعاً معينة من الطعام، هي: البر والشعير والتمر والزبيب، واختلفوا في الدقيق، والسويق، والخبز، وهذا مذهب الحنابلة.
استدل أصحاب هذا القول بالقياس على صدقة الفطر، فكما لا يجزئ في صدقة الفطر غير أنواع محددة من الطعام فكذا هنا؛ لأن النص ورد بإجزاء أنواع معينة من الطعام فيقصر عليها.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل من وجهين:
الأول: بأن الأصل المقيس عليه مختلف فيه، فلا يصح القياس.
الثاني: أنه قياس في مقابل النص فلا يصح.
الترجيـح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول القائل بإجزاء كل ما كان من قوت أهل البلد، وذلك لظاهرية الكريمة، ولأن مقصود الإطعام يحصل بذلك فيجزئ.
حكم إخراج الوجبات الغذائية وتقديمها للمساكين وحكم إخراج قيمتها النّقديّة
إذا كان على المسن فدية الإفطار فهل يجزئه عنها إعداد الوجبات الغذائية كالغداء والعشاء وتقديمها للمساكين ليأكلوا منها؟
لأهل العلم في ذلك قولان:
القول الأول: إجزاء الوجبات الغذائية، كالعشاء والغداء وتقديمها للمساكين ليأكلوا منها، وإلى هذا ذهب الحنفية، والحنابلة في رواية، وهو قول أنس بن مالك من الصحابة، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وقال إنه مذهب أكثر السلف.
قال ابن نجيم: « وإنما أبيح له الفطر لأجل الحرج، وعذره ليس بعرض الزوال حتى يصار إلى القضاء، فوجب الفدية لكل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعاً من تمر أو شعير كصدقة الفط، لكن يجوز طعام الإباحة أكلتان مشبعتان».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : « وإذا جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزاً وأدماً من أوسط ما يطعم أهله أجزأه ذلك عند أكثر السلف، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين وغيرهم ».
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1-قول الله سبحانـه وتعـالى: "صلى الله عليه وسلم" .
وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة نصت على الإطعام، وهي الأصل في وجوب فدية إفطار المسن، والإطعام كلمة عامة يدخل فيها الإطعام بالوجبات المطبوخة دخولاً أولياً، فتدل الآية على إجزاء ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «...ولهذا قال من قال من العلماء الإطعام أولى من التمليك؛ لأن المملَك قد يبيع ما أعطيته، ولا يأكله، بل قد يكنزه، فإذا أطعم الطعام حصل مقصود الشارع قطعاً».
2- ما صح عن أنس بن مالك أنه لما كبر ولم يستطيع الصيام أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً.
وجه الاستدلال: أن أنساً صنع طعاماً وقدمه للمساكين عن فدية الإفطار، فدل على إجزاءه ذلك، لكونه فعل صحابي.
3-أن إعداد الوجبات الغذائية، وتقديمها للمساكين هو إطعام حقيقة، فيجزئ كما لو كان طعامه براً فأطعمه منه.
4-أن الله سبحانه وتعالى أمر بالإطعام، وتقديم الوجبات المطبوخة إطعام حقيقة، فيجزئ من باب أولى.
القول الثاني: عدم إجزاء الوجبات المطبوخة عن فدية إفطار المسن، بل لابد من إخراج الطعام غير المطبوخ، وإلى هذا ذهب الشافعية، والحنابلة على المذهب.
قال الشربيني: « الواجب الحبّ، حيث تعين فلا تجزئ القيمة اتفاقاً، ولا الخبز ولا الدقيق ولا السويق ونحو ذلك؛ لأن الحب يصلح لما لا تصلح هذه الثلاثة ».
وقال ابن قدامة: « فإن أخرج من الدقيق أو السويق أجزأه، لما ذكرنا فيماتقدم وإن غدّى المساكين أو عشاهم لم يجزئه في أظهر الروايتين عنه ».
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1-أن فدية إفطار المسن مقدرة بمد أو نصف صاع، فإذا أطعم طعاماً جاهزاً مطبوخاً فلا يعلم أن كل واحد من المساكين قد استوفى القدر الواجب له، فلا يجزئ.
ونوقش هذا الدليل بعدم التسليم بأن الفدية مقدرة بالشرع، وعلى فرض التسليم بأنه مقدر به، فإذا أشبع كل واحد من المساكين فيكون المسكين قد أخذ حقه.
2-أن الواجب تمليك المسكين الطعام، لأنه يتمكن به من التصرف الذي لا يمكنه مع الإطعام.
ونوقش بعدم التسليم باشتراط التمليك بل المطلوب الإطعام،وهذا يتحقق بتقديم الوجبات المطبوخة.
3-أن الواجب تمليك المسكين الطعام، وتقديم الوجبات المطبوخة إباحة وليس بتمليك.
ونوقش بعدم التسليم بأن الواجب التمليك، بل الواجب هو الإطعام «وغاية ما يقال أن التمليك قد يسمى إطعاماً، كما يقال: «أطعم رسول الله "صلى الله عليه وسلم"الجدة السدس»... لكن يقال: لا ريب أن اللفظ يتناول الإطعام المعروف بطريق الأولى؛ ولأن ذلك إما يقال إذا ذكر المطَعم، فيقال: أطعمه كذا، فأما إذا أطلق، وقيل: أطعم هؤلاء المساكين، فإنه لا يفهم منه إلا نفس الإطعام، لكن لما كانوا يأكلون ما يأخذونه سمي التمليك للطعام إطعاماً؛ لأن المقصود هو الإطعام، أما إذا كان المقصود مصرفاً غير الأكل فهذا لا يسمى إطعاماً عند الإطلاق».
الترجيـح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول، وهو القول بجزاء إخراج الوجبات الغذائية المطبوخة عن فدية إفطار المسن لما يلي:
1-لقوة أدلة هذا القول حيث استدلوا بنص الآية الكريمة، والأثر الثابت الصحيح عن أنس ، والمعقول السالم عن المعارض.
3-لأن هذا أقرب إلى مقاصد الشارع.
مقدار الوجبات المجزية :
ما هو القدر المجزئ من الوجبات الغذائية عن فدية الإفطار ؟ هل تكفي وجبة واحدة أو لابد من وجبتين؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أن القدر المجزئ هو وجبة واحدة مشبعة كالغداء أو العشاء، وإلى هذا ذهب جمهور القائلين بهذا القول.
نقل ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد سئل عن امرأة أفطرت رمضان؟ فقال: « ثلاثين يوماً؟ قال: فاجمع ثلاثين مسكيناً وأطعم مرة واحدة ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: « وإذا جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزاً وأدماً من أوسط ما يطعم أهله أجزأه ذلك عند أكثر السلف ».
استدل أصحاب هذا القول بقول الله سبحانه وتعالى: "صلى الله عليه وسلم" .
وجه الاستدلال: أن الواجب إطعام المسكين، ويصح إطلاق الإطعام على إطعام المسكين وجبة واحدة، فهي القدر الواجب إذا كانت مشبعة، وما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل.
القول الثاني: أن القدر المجزئ هو وجبتان مشبعتان، وإلى هذا ذهب الحنفية.
قال ابن نجيم: « ... فوجب الفدية لكل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعاً من تمر أو شعير كصدق الفطر، لكن هنا يجوز طعام الإباحة أكلتان مشبعتان».
ولم أجد لأصحاب القول الثاني -الحنفية- القائلون بإجزاء وجبتين مشبعتين دليلاً، ولعلهم استندوا إلى أن وجبة واحدة لا تكفي لإطعام يوم كامل فقالوا باشتراط وجبتين.
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه لم يرد في الآية الكريمة ولا في غيرها من الأدلة اشتراط إطعام المسكين يوماً كاملاً، فيعمل بإطلاق الآية وتكفي وجبة مشبعة واحدة، لأن ذلك يسمى إطعاماً.
الترجيـح:
ولعل الراجح -والله سبحانه وتعالى أعلم- هو القول الأول القائل بإجزاء وجبة واحدة لما يلي:
1- لقوة دليل هذا القول حيث استدلوا بالآية الكريمة وظاهرها يؤيده.
2- لعدم وجود دليل للقول المخالف.
حكم إخراج القيمة عن فدية الإفطار:
هل يجزئ إخراج فدية الإفطار نقداً، وذلك بإخراج مبلغ مالي ودفعه للمساكين؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم إجزاء إخراج القيمة، وإلى هذا ذهب الشافعية، والحنابلة على المذهب0
قال الشربيني: « الواجب الحب، حيث تعين فلا تجزئ القيمة اتفاقاً».
وقال المرداوي: « وإن أخرج القيمة أو غدىّ المساكين أو عشاهم لم يجزئه، هذا المذهب، وعليه جماهير ا لأصحاب ».
استدل أصحاب هذا القول بأدلة بما يلي
1-قول الله سبحانـه وتعـالى: "صلى الله عليه وسلم" .
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى ذكر في الآية الكريمة الطعام، وإخراج القيمة ليس بطعام، فلا يجزئ.
2-القياس على صدقة الفطر، فكما لا يجزئ إخراج القيمة في صدقة الفطر، فكذلك هنا، بجامع أن كلاً منهما إخراج طعام واجب.
القول الثاني: إجزاء إخراج القيمة، وإلى هذا ذهب الحنفية.
قال الكاساني: « وأما صفة الواجب فهو أن وجوب المنصوص عليه من حيث أنه مال متقوم على الإطلا في من حيث أنه عين، فيجوز أن يعطى من جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوساً أو عروضاً أو ما شاء، هذا عندنا ».
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1-أن المقصود هو إغناء المسكين، وهذا يحصل بدفع القيمة له، بل دفع القيمة يحصل به المقصود على وجه أتم وأكمل؛ لأنه أقرب إلى دفع الحاجة، فيجزئ.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بعدم التسليم بأن المقصود إغناء المسكين، بل المقصود إطعامه، وهو لا يحصل بدفع القيمة فلو أخذ القيمة فقد لا يصرفها على الطعام، فلا يحصل بها المقصود.
2-القياس على صدقة الفطر، فكما يصح إخراج القيمة في صدقة الفطر يصح هنا؛ بجامع أنهما إطعام واجب.
ويمكن أن يناقش بأنه قياس على مسألة مختلف فيها فلا يصح.
3- أن المقصود رفع حاجة المسكين وهذا يحصل بدفع القيمة.
ويمكن أن يناقش بأن المقصود إطعام المسكين.
الترجيـح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول القائل بعدم إجزاء القيمة لكونه أقرب إلى ظاهر الآية.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
حكم صيام صاحب العذر مع تحمل المشقة
إذا كان صاحب العذر من مريض أو مسن غيرهما بلغ من الضعف ما يشق عليه الصيام مشقة شديدة فيجوز معها الفطر، ومع ذلك أراد أن يتحمل المشقة ويصوم، فهل يجزئه ذلك؟
اتفق أهل العلم على صحة صوم المسن وإجزائه في هذه الحالة.
قال السرخسي -رحمه الله تعالى-: " وأما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم نصف صاع من حنطة... ولنا أن الصوم قد لزمه لشهود الشهر، حتى لو تحمل المشقة وصام كان مؤدياً للفرض".
وقال النووي رحمه الله تعالى: " واتفقوا على أنه لو تكلف الصوم فصام فلا فدية، والعجوز كالشيخ في هذا، وهو إجماع".
وقال ابن قدامة: " فإن تحمل المريض وصام مع هذا، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى وقبول رخصته ويصح صومه ويجزئه".
أيهما أفضل لصاحب العذر الصوم أم الفطر ؟
اختلف أهل العلم في الأفضلية بالنسبة للمريض والمسافر، على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الصوم مكروه، فالفطر أفضل، وإلى هذا ذهب الحنابلة.
قال ابن قدامة: " فإن تحمل المريض وصام مع هذا، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه عن الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى، وقبوله رخصته، ويصح صومه ويجزئه".
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- قول الله سبحانه وتعالى: âŸwu"صلى الله عليه وسلم"(#ûqè=çFø)s?& #246;Nä3|¡àÿR" صلى الله عليه وسلم"&á.
2- وقوله سبحانه وتعالى: âŸwu"صلى الله عليه وسلم"(#qà)ù=è?ö/ä3ƒÏ‰÷ƒ"صل ى الله عليه وسلم"'Î/’n<Î)Ïps3è=÷kJ9$ #á.
وجه الاستدلال: أن الآيتين الكريمتين تتضمنان النهي عن قتل النفس وإهلاكه، وهذا يقتضي النهي عن الإضرار بالنفس، فالصوم مع تحمل المشقة الشديدة فيه خوف هلاك النفس، وإضرار بها فيكره الصوم مع تحمل المشقة وجواز الفطر.
3- قول الرسول "صلى الله عليه وسلم": «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».
وجه الاستدلال: أن النبي "صلى الله عليه وسلم"أمر بالإتيان بالمأمور حسب الاستطاعة، والصيام مع تحمل المشقة الشديدة فيه تحميل للنفس فوق طاقتها، فيكره.
4- أن الصوم مع تحمل المشقة وجواز الفطر فيه إضرار بالنفس، فكان مكروها.
4- أن الصيام مع جواز الفطر وتحمل المشقة ترك لتخفيف الله سبحانه وتعالى ورخصته، فكان مكروهاً.
القول الثاني: إذا تضرر بالصوم فالفطر أفضل من الصوم وإلا فالصوم أفضل وإلى هذا ذهب الشافعية.
وقال النووي: " وأما أفضلهما فقال الشافعي والأصحاب: إن تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم أفضل ".
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1-قولـه سـبحانـه وتعـالى: â߉ƒÍ�ムª!$#ãNà6Î/u�ó¡ãŠø 9$#Ÿwu"صلى الله عليه وسلم"߉ƒÍ�& #227;ƒãNà6Î/uŽô£ãèø9$#á .
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى بين في هذه الآية الكريمة أنه يريد اليسر بعباده ولا يريد بهم العسر، والفطر أيسر فكان أفضل.
2-حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي "صلى الله عليه وسلم"قال: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته".
وجه الاستدلال: أن إتيان رخص الله سبحانه وتعالى مرغب فيها والفطر في هذه الحالة رخصة، فكان أفضل.
3- أن الفطر في هذه الحالة أيسر على المسن فكان أفضل.
القول الثالث: أن الصوم أفضل، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية.
قال الكاساني: " ثم الصوم في السفر أفضل عندنا إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه".
وقال ابن رشد: " هل الصوم أفضل أو الفطر؟ إذا قلنا أنه من أهل الفطر على مذهب الجمهور، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب، فبعضهم رأى أن الصوم أفضل، وممن قال بهذا القول مالك، وأبو حنيفة، وبعضهم رأى أن الفطر أفضل... وبعضهم رأى أن ذلك على التخير وأن ليس أحدها أفضل".
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- قوله سبحانه وتعالى÷"صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم""صلى الله عليه وسلم"&u�yzé&4’n?t 7;u"صلى الله عليه وسلم"šúïÏ%©!$ #¼çmtRqà)‹ÏÜ 27 ;ƒ×ptƒô‰ÏùãP$ yèsÛ&ûüÅ3ó&# 161;ÏB(`yJsùtí§qs& #220;s?#[Žö�yzuqßgsùÖ ;Žö�yz¼ã&©!4b" صلى الله عليه وسلم"&u"صلى الله عليه وسلم"(#qãBqÝ 3;s?ÖŽö�yz 6;Nà6©9(bÎhttp://majles.alukah.net/imgcache/broken.gifóOçFZä.tbqßJn= ÷ès?ÇÊÑ ;ÍÈá .
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآية الكريمة الأعذار المبيحة للفطر، ثم بين في نهايتها أفضلية الصوم بقوله: فدلت الآية على أن الصوم أفضل.
ونوقش هذا الاستدلال بأن حكم الآية منسوخة؛ وذلك لأن في البداية كانت فرضية الصوم على وجه الخيار، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً ثم نسخ فله الخيار في حق من يستطيع الصيام ولا يشق عليه ذلك مشقة شديدة، وبقي الحكم في حق أصحاب الأعذار، وبناء على هذا لا يصح الاستدلال بالآية على هذا الوجه.
2- حديث أنس t قال: سئل رسول الله "صلى الله عليه وسلم"عن الصوم في السفر، فقال: «من أفطر فرخصة ومن صام فالصوم أفضل».
وجه الاستدلال: أن الحديث دل على أن الأفضل الصيام لكونه عزيمة، والفطر رخصة، فالإتيان بالعزيمة أفضل من الرخصة.
ونوقش هذا الدليل يقول العلامة الألباني -رحمه الله تعالى-: " والصواب في هذا الحديث الوقف، وأنه شاذ مرفوعاً".
ومع ذلك يمكن أن يناقش من وجهين:
الأول: أنه معارض بأحاديث ثابتة عن النبي "صلى الله عليه وسلم"كقوله: «ليس من البر الصوم في السفر».
الثاني: أنه محمول فيما إذا كان المسافر لا يجد مشقة في الصيام بأن كان سفره مريحاً، وأما إذا كان سفره شاقاً يشق معه الصوم فالأفضل الفطر جمعاً بين الأحاديث.
3- أن المريض والمسافر إما أن يصوما في رمضان أو في غيره، ورمضان أفضل الوقتين فكان الصوم أفضل من الفطر.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن ذلك أفضل إذا كان لا يشق عليه مشقة شديدة تضر به، وأما إذا كانت تضر به فالفطر أفضل لأنه أيسر.
4- أن الفطر في هذه الحالة رخصة، والصيام عزيمة، والإتيان بالعزيمة أفضل، فكان الصيام أفضل.
ويمكن أن يناقش بعدم التسليم بأن الإتيان بالعزيمة أفضل في جميع الحالات، بل الإتيان بالرخصة عند تحقق موجباتها أفضل ولاسيما إذا كان الإتيان بالعزيمة يسبب ضرراً وحرجاً شديدين.
القول الرابع: استواء الفطر والصوم، وإلى هذا ذهب بعض العلماء.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي والمعقول:
1- ما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري t قال:" كنا نغزو مع
رسول الله "صلى الله عليه وسلم"في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن".
وجه الاستدلال: أن الحديث يدل على استواء الأمرين.
ويمكن أن يناقش الحديث بأنه يدل على استواء الأمرين إذا كان الصيام لا يؤدي إلى مشقة شديدة، وأما إذا كان يؤدي إلى مشقة وحرج شديدين فالفطر أفضل.
2- ما ثبت من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله "صلى الله عليه وسلم"عن الصيام في السفر فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
وجه الاستدلال: أن النبي "صلى الله عليه وسلم"خير السائل بين الأمرين فدل على استوائها.
ويمكن أن يناقش بأنه محمول على استواء الأمرين إذا لم تكن هناك مشقة في الصيام، وأما إذا كان يؤدي إلى المشقة، ولاسيما المشقة الشديدة فالفطر أفضل جمعاً بين الأدلة.
الترجيـح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول بكراهية الصيام في هذه الحالة، لما يلي:
1- أن في الصيام مع المشقة الشديدة إضرار بالنفس بل فيه خوف هلاكها، وهذا منهي عنه في الشريعة.
2- أن هذا القول متوافق مع أصول الشريعة وقواعدها العامة المقتضية للتيسير ورفع الحرج، وعدم الإضرار بالنفس.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
مفهوم الصدقة وعلاقتها برمضان
الصدقة لها مفهومان: مفهوم عام واسع شامل لكل خير: (تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ، فهذا من مفهوم الصدقة العامة الشاملة، وللصدقة نوع آخر أخص من سابقه، وهي الصدقة الجارية، التي لها أجر بالغ في إزالة الشح والبخل عن الإنسان، وهذا الأثر التربوي هو الذي نحتاج إليه؛ فإن كثيراً من الناس لا يشعر بأنه بخيل، بل يظن نفسه كريماً، لكنه إذا راجع نفسه لن يذكره الشيطان بما أنفق من ماله إلا ما كان في سبيل الله ليستكثره، ومن هنا لا يستشعر أنه بخيل في التعامل مع ربه الكريم الذي أنعم عليه بأنواع النعم، ولطف به بأنواع الألطاف، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] .
والصدقة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فيقصد بها الزكاة المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم} وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] يعني: الزكاة، فهي تشمل هذا وهذا والحمد لله.
وأصل الصدقة مأخوذة من الصدق، ولهذا يلزم المتصدق أن يكون صادقاً، فإن كان كذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يقبل الصدقة بيمينه، ثم يربيها للعبد كما يربي أحدكم فلوه) ، والفلو: هو المهر، فكما أنك تربي فرسك فيكبر على عينك -ولله المثل الأعلى- فإن الله عز وجل يأخذ الصدقة بيمينه فيربيها للعبد حتى تصير كأمثال الجبال! وهناك كثير من العباد يفاجئون بمثل هذه الحسنات التي ما كانوا يتوقعونها، يتصدق بصدقة وهو مخلص فيها ثم نسيها، فيفاجأ هذا الرجل بجبال من الحسنات من أين هذه الجبال؟! إنها من الصدقة التي وضعها يوماً ما في يد مسكينٍ أو فقيرٍ أو معول ونسيها: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:75] ، في كتابٍ عند الله تبارك وتعالى.
العلاقة بين الصوم والإنفاق
ونحن نستقبل موسم التقوى نؤكد على هذه الصلة الوطيدة بين الصيام والإنفاق والجود، ولقد كان المثل الأعلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم وهذا الترابط الوثيق بين رمضان والصيام وبين الإنفاق والصدقة، ففيما روى ابن عباس رضي الله عنهما، (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) ، فهل هناك تعبير أبلغ من هذا؟ هو أجود الناس، أي: بلغ الرتبة العليا في الكرم والجود والسخاء.
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم (كان أجود الناس) هذه المرتبة العليا، فهل بعد ذلك من شيء؟ لا.
قال: (وكان أجود ما يكون في رمضان) أي: يزداد جوداً إلى جود، وكرماً إلى كرم، وعطاءً إلى عطاء، وسخاءً إلى سخاء.
(فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) تعبير بليغ.
(الريح المرسلة) أي: المطلقة.
فهل تتقسط؟ وهل تأتي شيئاً فشيئاً؟ إنها تأتي مندفعة قوية هادرة، وكذلك كان هذا الوصف لجود المصطفى صلى الله عليه وسلم، وللأسف الشديد كذلك نذكر المال الذي ينفق على عكس مراد الله، وعلى عكس هذه الصورة المشرقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الإنفاق للصد عن الدين ولإغراق المسلمين في الغفلة والهوى والشهوة، كما أسلفت في ذلك، وينبغي أن ننتبه إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) ، وأخبرنا الحق جلا وعلا فقال: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267] ، والكسب الخبيث الذي نرى صوره -كما قلت- معلنة محرم مقطوع بحرمته ليس فيه خلاف، وليس هناك تشدد بالقول بحرمته؛ لأن الآيات بذلك نطقت، والأحاديث بذلك شهدت، ومع ذلك نرى صوره كل عام تتكرر وتزداد، ولعلنا نستحضر أمراً وإن كان الفارق موجوداً، لكننا نقوله حتى نتعظ ونعتبر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] ، هذه صورة لأهل الكفر.
وللأسف أن بعض أهل الإسلام يوافقونهم في ذات العمل: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} تكون العاقبة مشابهة {فَسَيُنفِقُونَ َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] ، نسأل الله عز وجل السلامة.
وقال تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:116] ، هذه صور خطيرة نحذر منها كل من يشارك فيها، وكل من يسعى لها، حتى المتصل إذا اتصل بهذه القنوات الفاسدة التي تستخدم الطرائق المحرمة والتي فيها ما فيها، فهو يسهم كذلك بمال في جانب وعمل وميدان محرم فيكون مشاركاً في الإثم، نسأل الله عز وجل السلامة: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55] ، وقد اشتكى وشكا موسى عليه السلام من ذلك الحال الذي كان عليه فرعون قوة ومالاً، ثم دعا دعاءه الشهير: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [يونس:88] ، وهذه الدعوات التي نسأل الله عز وجل أن تنصرف عن كل من يتذكر ويتعظ ينبغي أن يحذر منها الغافلون والسالكون في هذه المسالك الخطيرة ذات العواقب الوخيمة، نسأل الله عز وجل السلامة.
والحق جل وعلا يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] ، فلن يزداد الخير ولن يضاعف أجر، ولن تكون بركة إلا فيما هو في مرضاة الله، وأما كل ما هو زيادة فيما هو من الحرام فإنها زيادة سحت له عاقبة في الدنيا قبل الآخرة، وأظن الشواهد عند كل أحد كثيرة، ويكفينا في ذلك الوعيد الشديد الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المروي من طرق شتى: (كل جسم) ، وفي رواية: (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به) .
نسأل الله عز وجل السلامة.
ونتأمل كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ابن مسعود في البخاري قال: (لما نزل فضل الصدقة كنا نحامل) أي: ليس عندنا مال.
ومن ليس عنده مال فليس عليه زكاة، ولا تطلب منه الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ، يعني: بعد أن تستغني تصدق بما يزيد.
لكن الصحابة المحبين للخير الراغبين في الأجر يقولون: (كنا نحامل) أي: يعمل أحدهم حاملاً، فيحمل حتى يأخذ أجراً.
لماذا يأخذ هذا الأجر؟ هل ليوسع على أهله وليدخر قرشه الأبيض ليومه الأسود؟ كلا.
إنما يريد أن يحصل على شيء من المال لكي ينفق فيكتب من المتصدقين ويكون من المنفقين، فإذا كان هذا فما حال الذين عندهم فائض ثم لا ينفقون ولا يكتبون في هذا الباب؟ وحديث أبي سعيد الخدري يدل على ذلك: (من كان له فضل ماء فليعد به على من لا ماء له، من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، من كان له فضل طعام فليعد به على من لا طعام له، قال: حتى ظننا أن لا حق لأحد منا فيما فضل من ماله) .
فهذه فرصة عظيمة، وينبغي أن لا نجعل إنفاقنا في شيء مما حرم الله، وأن نسارع إلى تلك الميادين، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته ومرضاته
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
فضل الصدقة والبذل والإحسان
ينبغي للمسلم أن يبذل وينفق ويحسن من مال الله الذي أعطاه، فهو يرى بنفسه كثرة المصائب والمحن على المسلمين، وأن في كل مكان مأساة، فلماذا إذاً نبخل؟!
لماذا يضيق بعض الناس ويتبرّم من كثرة الهيئات الخيرية، والمؤسسات الدعوية التي تطالبه بالبذل والعطاء؟! إنها ظاهرة صحية، ودليل على صحوة الأمة وقيامها بواجباتها تجاه المسلمين في كل مكان.
إن الجميع يشهد بالخير لهذه البلاد بهيئاتها ومؤسساتها الخيرية، ويذكرها بالفضل والإحسان لمد يد العون للمسلمين في كل مكان، وفّق الله القائمين عليها لما يحبه ويرضاه، وأعانهم على ما فيه خير للإسلام ونصرة لهذا الدين.
ولكن الخرق اتسع على الراقع، ومن حق إخواننا في الهيئات والمؤسسات الوقوف معهم وبذل المال لهم، والذب عن أعراضهم، والدعاء لهم، فأنت تدفع المال فقط، وهم ينظمون ويخططون ويسافرون ويتعرضون للأخطار، قاموا بواجب النصرة ومد يد العون على قدر ما يجدون ويستطيعون، فهل بعد هذا نضيق بكثرة طلباتهم؟! إنهم لا يطلبون لأنفسهم شيئا، ولا يعملون بمقابل، إنما هو لك يصل لمستحقيه؛ لتعذر أمام الله {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].
ثم لماذا هذا الإمساك العجيب عندما ينادي منادي الإنفاق للمسلمين؟! يا سبحان الله! هل حدثتك نفسك وأنت تدفع مائة ريال أو ألف ريال أنك دفعت ثلث مالك؟! هنا يأتي الدليل على صدق الانتساب إلى هذا الدين، والدليل على حمل هم المسلمين، والصدق لنصرة المسلمين، وصدق الدمعة التي تسيل.
{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92] .
إن أبا بكر تبرع بماله كله، وعمر بنصفه، وعثمان جهز جيشا للمسلمين، هكذا فلتكن النصرة للمسلمين، وهذا هو صدق اليقين بما عند رب العالمين: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:60] .
هكذا فلتكن النصرة، بمثل هذه الصراحة مع أنفسنا، وبمثل هذا التفكير نجد الإجابة عن الذل الذي نعيشه والهوان الذي أصابنا، نجد الإجابة عن حال المسلمين ومآسيهم في كل مكان إنه حب الدنيا وكراهية الموت، والإسراف على الشهوات والإمساك في الواجبات.
انظر إلى نفسك عند شراء الطعام والشراب، بل عند شراء الجرائد والمجلات انظر إلى نفسك عند بناء البيت وتأثيثه.
انظري إلى نفسك أيتها الأخت! عند شراء اللباس وأدوات الزينة، وملابس الأطفال وألعابهم، كم ننفق على أنفسنا وشهواتها، وكم ننفق لنصرة ديننا وعقيدتنا؟! {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] لنغير ما بأنفسنا، ولنقوِ الصلة بيننا وبين ربنا لنحي قلوبنا بكثرة ذكر الله؛ لتكون لينة رقيقة رحيمة شفيقة، لنبذل أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا.
إن من منع ماله في سبيل الله منع نفسه من باب أولى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] أفلا تريد الجنة؟ لماذا إذاً هذا الصيام؟ لماذا هذا القيام؟! إن الأمر إعداد للقلوب لتتصل بعلام الغيوب، ليس تجويعاً وتعطيشاً أو تعبا أو سهراً، بل لتعويد هذه القلوب على الصبر والمرابطة، والسهر من أجل الله، عندها يهون عليها بذل المال، بل حتى بذل النفس في سبيل الله، لهذا كان الرجل ينفق ماله كله أو نصفه في سبيل الله، وما قيمة المال وقد بذل نفسه من قبل؟! فإياك والبخل {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد:38] .
وإن كنت فقيراً معدماً، أو لم تجد ما تنفقه على إخوانك فهناك وسيلة أخرى، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الدال على الخير كفاعله) فلماذا لا تجمع المال من أهلك وجيرانك وأحبابك وخلانك؟! نعم.
كن حصالة للمسلمين، تجد الخير العميم والأجر العظيم من رب العالمين.
ذكر أحد الإخوة أنه قبض على مزارع في أحد المزارع هنا، هندوسي لا يقرأ ولا يكتب، وكان يدور على المزارعين الهندوس في المزارع القريبة منه ويجمع التبرعات، أتدري لماذا؟! إنه يجمع الأموال من أجل بناء المعبد الهندوسي مكان المسجد البابري، بعد أن تنادى الهندوس لجمع التبرعات لبناء هذا المعبد، وقبل ذلك تجمّع آلاف الهندوس وهم يحملون فئوسهم ومعاولهم لهدم المسجد، وهُدم حجراً حجراً، وقتلوا آلاف المسلمين الذين تحركوا لحماية مسجدهم، لكنهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، ثم تنادوا لجمع التبرعات لبناء المعبد الوثني على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي بأسره.
إنه رجل وثني عامي جاهل كبير في السن، جاء يبحث عن لقمة العيش ليسد بها جوعته، وهو في غربة بعيد عن الأهل والزوج والولد، ومع ذلك ما شغله ذلك كله عن أن يتحرك لنصرة وثنيته، وحمْل الهمِّ لحجر لا يضر ولا ينفع يعبد من دون الله.
فأين أنتم يا أهل التوحيد! يا من تسجدون وتركعون لله وحده؟! أين أنتم من نصرة دينكم؟ وأين الهمُّ لإخوانكم المستضعفين المضطهدين في كل مكان؟ أين أنتم يا من تنعمون بمال الله؟! إن من يبخل اليوم بماله يبخل غداً بنفسه، وبئس القوم نحن إذ لم نقدم أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا.
صور مشرقة لنفوس مسلمة: إن ثمة صوراً نسمعها تتردد هنا وهناك، تحكي جانباً مشرقاً لنفوس مسلمة، نجد فيها ذلك الإنسان الذي نفتش عنه، أذكر منها: ذلك الغلام الصغير يوم أن جاء لمناسبة عائلية يحمل بين يديه علبة حليب فارغة، وقد كتب عليها (تبرعوا لإخوانكم المسلمين) أخذ يدور بها على الرجال فرداً فرداً، فلما انتهى نقلها إلى النساء، فلما سألته: من أين لك هذه الفكرة؟ ذكر أن أستاذه تكلم اليوم عن أطفال الصومال الجائعين، وما يجب لهم علينا كمسلمين!! فهل نعجب من هذا الطفل الصغير، أم من أستاذه الكبير؟! وسمعت عن ذلك العامل المصري الذي جاء يبحث عن لقمة العيش، لما سمع منادي الصدقة وحال إخوانه، لم يجد ما يتصدق به إلا ساعة كانت تلف معصمه، مدها لإمام المسجد وهو يقول: والله الذي لا إله غيره! لا أملك سواها، فلما علم به تاجر غيور اشتراها بألف ريال.
وأولئك الأطفال الذين تبرعوا بكرتهم لأطفال الصومال -كما يقولون-.
وتلك الفتاة المعوقة التي تبرعت بعربتها لمعوقي البوسنة والهرسك.
وتلك المرأة التي جمعت حليها فتصدقت بثمنه لمسلمي البوسنة والهرسك.
وذلك الطفل الصغير في الصف الأول الابتدائي يدفع فسحته -ريالاً واحداً- لأستاذه نصرة منه لأطفال البوسنة.
وتلك الطفلة الصغيرة التي جاءت لأبيها تدفع له حصالة العمر تبرعاً للمسلمين.
وذلك التاجر الذي ما كفاه دفع الآلاف للمسلمين، بل سافر بنفسه ليرى بعينه، ويمد بيده، ويقيم المساجد والمشاريع.
والصور والمواقف كثيرة، وليست غريبة على قلوب خالط الإيمان شغافها.
إنها عواطف ومشاعر ذلك الإنسان الذي نفتش عنه لو صاحبها همُّ دائم، ودعاء لا ينقطع، وجهد مستمر مستطاع.
أكّد ابن القيم أن للصدقة أثرٌ عجيبٌ في قبول الدعاء، وبل وفعل المعروف أياً كان: [فصنائع المعروف تقي مصارع السوء] .
كما قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والله عز وجل يقول عن يونس عليه السلام: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144] .
والصدقة مكفرة للخطايا، وهي توسع صدر العبد، وعدها ابن القيم في زاد المعاد من أسباب شرح الصدر، وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم رجلين كريماً وبخيلاً، برجلين عليهما جبتان، فلا يزال الكريم ينفق فتتسع الجبة ولا يزال البخيل يمسك فتضيق عنه، فيقول أبو هريرة: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع} يعني الجبة من ضيقها، ولذلك نفوس البخلاء من أضيق النفوس؛ لأنهم ما بذلوا، ونفوس الكرماء من أشجع النفوس ويقولون: في الغالب تجتمع للكريم الشجاعة، وللشجاع الكرم، وغالباً يجتمع في البخيل الجبن وفي الجبان البخل، فتجد الشجاع دائماً كريماً؛ لأنه يجود بنفسه صباح مساء، يقول بعضهم:
شهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يسعد فيه المنكوبون ويرتاح فيه المتعبون، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح، والقدح المعلى، فلا يترددن في كفكفت دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحنَّ عن سد مسغبتهم وتجفيف فاقتهم، وحذاري من الشح والبخل فإنهما معرة مكشوفة السوءة! لا تخفى على الناس فتوقها، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ ربه منهما، بل إن الجود والكرم كانا لزيما رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، في حين أنه يتضاعف في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين: {أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا} .
إضافة إلا أن نتاج هذا التحميض غير قاصرٍ على سعادة ذوي المسكنة وحدهم، بل يرتد أمانة حتى إلى الباذلين أنفسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثدييهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع} رواه البخاري ومسلم، والمعنى هنا ظاهر عباد الله! فإن الجواد السخي إذا هم بالصدقة، انشرح لها صدره، وطابت بها نفسه، وتاقت إلى المثوبة فتوسعت في الإنفاق، ولا يضيره الحديد، بل هو يتسع معه حيثما اتسع، ولا غرو في ذلك فإن الجواهر ولو كانت تحت التراب فهي جواهر، والأسد في قفص الحديد أسد ولا شك، بيد أن البخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه، وأحس كأنما يعطي من عمره وفؤاده، حتى يعيش في نطاقٍ ضيق، لا يرى فيه إلا نفسه، غير مكترثٍ بالمساكين {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج:37] ، مثل هذا ولا شك قد وضع الأسر والأغلال في يده، وجعلها مغلولة إلى عنقه قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100] ، ولكن ليس شيءٌ أشد على الشيطان وأبطل لكيده وأدحر لوسواسه من الصدقة الطيبة قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] .
{والصدقة برهان} لا بد أن تجري الصدقة في عروقنا ودمائنا، أما أن تكون منا أمة يعيش أحدهم متخماً، اللحم عنده تشبع منه القطط، وتموت حبطاً في القمامة، وأمة أخرى تموت جوعاً وعرياً على التراب، فلا.
لا بد أن يكون هناك توازن؛ تنقص من وجبتك لتعطي جارك {ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع} يتخم ويلعب بالملايين المملينة، وجاره ينام على الرصيف، ولا يجد ما يحمله، ولا يجد ما يسد رمقه، فأين الجوار؟! أين الإيمان؟! أين إياك نعبد وإياك نستعين؟! أين دور {والصدقة برهان} ؟! أين دورها في الحياة؟! يقول أبو تمام:
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن
وإن أولى الموالي أن تواليهم عند السرور الذي واساك في الحزن
وقال حاتم الطائي لامرأته:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي
لله هذه البطولة! يقول: إذا صنعت الزاد وقدمته على السفرة، فلن آكله حتى تأتي بضيف معي.
إبراهيم عليه السلام عاهد الله ألا يأكل إلا مع ضيف، وقال لمواليه وعبيده: من أتى منكم بضيف فهو عتيق لوجه الله، فكان الواحد منهم يحرص على الضيف كما يحرص الأعمى على شاته.
ويوم يضم عليك القبر لا يوسعه عليك إلا الصدقة، يوم تدنو الشمس من الرءوس ويبلغ الكرب النفوس، لا يظلك يوم القيامة إلا صدقتك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] .
يقول عليه الصلاة والسلام: {كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} ويقول عليه الصلاة والسلام: {ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان يناديان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} فالله الله في الصدقة، والتقرب بها بالقليل والكثير، فإنها لا تضيع عند الله الذي لا تضيع ودائعه، في خزائن عند الله يوم العرض الأكبر، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تصدق العبد بصدقة، فإن الله يقبلها بيمينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تبلغ مثل جبل أحد} .
قال الصحابي: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة النساء فقالت: لِمَ يا رسول الله؟! قال: لأنكن تكثرن الشكاة -الشكاية والتذمر والتأفف- وتكفرن العشير -وهو الزوج، تجحدن نعمته وحقه- قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن) .
هكذا كان موقف نساء الصحابة مع أنهن أفضل نساء الأمة، يتصدقن ويلقين بأقراطهن في ثوب بلال والرسول صلى الله عليه وسلم يذكرهن.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
ما نقص مال من صدقة
لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الشح الذي يحمل بني آدم على منع الصدقة، برغم أنهم لو تصدقوا لكان خيراً لهم، ولذلك أقسم النبي عليه الصلاة والسلام -مع أنه قلما يقسم في الأحاديث- فقال كما رواه الترمذي وغيره: (ثلاثٌ أقسم عليهن: ما نقص مالٌ من صدقة ... ) ، فإذا كان معك مائة ريال، فتصدقت منها بعشرة ريال، فلا تظن أنه بقي معك تسعون ريالا؛ لأن مالك لم ينقص بل ازداد، ولكن العبد يريد أن يرى كل شيءٍ بعينه، وينسى أن صحته أغلى من ذلك، بدليل أنه لو أصابك مرض لأنفقت أموالك في العلاج.
فكونك صحيحاً هذا مال وكون ولدك صحيحاً مال وكونك في عافية هذا مال تصفو أملاكك كما هي هذا مال بيتك كما هو هذا مال وقس على ذلك، ولكن الناس لا يحسون إلا بالنعمة الظاهرة؛ ولذلك قلما يحمد الله تبارك وتعالى من ينظر هذه النظرة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقسم على هذا ويقول: ما نقص مالٌ من صدقة) ، والله عز وجل أقسم كذلك، ومن المعلوم أن العباد في شك من الأشياء المقسم عليها؛ ولذلك فإن الخطاب الشاذ في الشيء يحتاج إلى نوع تأكيد، قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] ما هو؟ {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات:22-23] .
لأن كثيراً من العباد لا يتصورون أن رزقهم في السماء، ولماذا جعل الرزق في السماء؟ حتى تطمئن أنه لن يستطيع مخلوقٌ أن يقطع رزقك: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] ، فإن كنت لا تصدق أن رزقك في السماء: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) أي: إن هذا الكلام حق، (مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) .
أأنت تتكلم؟! فإن كنت لا تشك في أنك تتكلم الآن فإياك أن تشك أن رزقك في السماء.
وقد كان بعض السلف إذا تلا هذه الآية بكى، وقال: من أغضب الجليل حتى حلف على هذا، ونحن نصدقه بلا حلف.
فالأشياء التي يلتبس على العباد معناها تؤّكد، كقول إبراهيم عليه السلام لما أراد أن يعدد مناقب إلهه وإلهنا العظيم تبارك وتعالى، في مقابل هؤلاء الكفرة الذين يعظمون الأحجار، قال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:77-78] ، تأمل في النظرة! {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:79-81] .
وقد جيء في الآيات الثلاث الأول بضمير الرفع المنفصل (هو) {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:78-80] (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) ولم يقل: (فهو يحيين) إنما قال: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:81] ، فلماذا جيء بضمير الرفع المنفصل على سبيل التأسيس في الثلاث الأول دون الرابعة؟ لأن الثلاث الأول فيها لبس عند العباد: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} ، فكثير من الناس الذين تداركتهم عناية الله تبارك وتعالى، يقول: لقد كنت ضالاً فهداني فلان.
فيخطئ بعض الناس فيجعل ما لله تبارك وتعالى للعبد، مع أن الذي هداه في الحقيقة هو الله عز وجل، وما هذا إلا سبب، فلما التبس على العباد معنى الهداية ومن الذي هدى العبد أم الرب تبارك وتعالى؟ فنحتاج أن نؤكد بضمير الرفع المنفصل أن الذي يهدي هو الله فقط؛ ولذلك أُكّد هذا المعنى بضمير الرفع الذي لا محل له من الإعراب: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] .
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:79] ، يقول بعض الناس: فلان أطعمني وسقاني.
وهذا منتشر كثيراً، فأراد إبراهيم عليه السلام أن يؤكد أن الذي يطعم ويسقي هو الله تبارك وتعالى لا غيره، وهذا موجود -كما قلت- في كلام العباد، فأكد بضمير الرفع المنفصل: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:79] .
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] لأن كثيراً من الناس ينسبون الشفاء للطبيب، ولا ينسبونه إلى الله تبارك وتعالى صحيح أنهم يعتقدون أن الله هو الشافي؛ ولكن الكلام الذي يخرج من أفواههم: إن الطبيب هو الذي أزال العلة.
وتأمل الأدب في قوله عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ) ، فقد في الأول: (الَّذِي خَلَقَنِي) ، (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي) ، ولم يقل: والذي أمرضني، أو وإذا أمرضني فهو يشفين وإنما نسب المرض لنفسه، كقول الخضر عليه السلام لما خرق السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79] ، مع أنه قال في نهاية المطاف: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] ، فأنا مأمورٌ بهذا من قبل رب العالمين، لكن عندما جاء ذكر العيب نسبه إلى نفسه تأدُباً، ولما جاء ذكر الرحمة في قصة الجدار قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82] ، فنسبها إلى الله تبارك وتعالى.
فكل هذه المعاني قد تلتبس على العبد، ولذلك أُكدت بهذا الضمير الذي يفيد أن الفاعل هو الله عز وجل، لكن عندما أتى إلى الصفة الأخيرة لم يحتج إلى هذا الضمير؛ لأنه لا يختلف اثنان في الأرض أن الذي يخلق ويميت هو الله عز وجل، ولذلك قال: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:81] ، فلا يشك أحد أن الذي يميت ويحيي هو الله تبارك وتعالى؛ ولذلك لم يحتج إلى ضمير الرفع.
إذاً: المسائل التي فيها بعض اللبس تؤكد، لكن لا يلتفت إلى هذه المؤكدات إلا قليل من الناس.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما نقص مالٌ من صدقة) ؛ لأنك عندما تتصدق -مثلاً- بجنيه، فالحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله تبارك وتعالى تفضلاً منه إلى سبعمائة ضعف، فكم سيكون لك من جبال الحسنات عند الله عز وجل!! فهل نقص مالك؟ لم ينقص.
وقد ورد في بعض الأحاديث أن الصدقة تدفع الضر عن العبد، وكل هذا مكتوب ومقدر عند الله تبارك وتعالى.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
لا تحقرن من المعروف شيئاً
(لا تحقرن من المعروف شيئاً) ، تصدق وإن كان المال قليلاً وأخرج ما عندك، فالله تبارك وتعالى يربيها لك، وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتصدق على من يقابله بالسكر، كان يحمل قطعة سكر في جيبه ويتصدق بها، فسُئِلَ عن ذلك فقال: قال الله عز وجل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] ، وأنا أحب السكر.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتصدق بحبات العنب، فَيُسأل: وما تغني حبة عنب، فإنها لا تشبع ولا تروي ظمأ ظامئ؟ فيقول: (إن فيها مثاقيل كثيرة، قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} [الزلزلة:7] ) والذرة لا ترى بالعين المجردة، فلو فعلت مثقال ذرة خيراً لوجدته، فما بالك بحبة عنب! فإن فيها مثاقيل كثيرة.
ويروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعطر الدنانير والدراهم قبل أن تتصدق بها، فتسأل عن ذلك؟ فتقول: إنني أضعها في يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
لقد أدبنا الله تبارك وتعالى أدباً آخر، فقال تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] ، فإذا كان لديك تمر، أو أي شيء تريد أن تتصدق به، فإياك أن تتصدق بالرديء منه، مثلاً: بعض الناس لديه قميص ثمنه تسعون جنيهاً، ثم وهو يكويه كانت المكواة حارة فخرقته، فجاءني وقال: خذ هذا وتصدق به على مسكين، مع أنه لو لم يحرق هذا القميص لما خطر على باله أن يتصدق به، إذاً {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267] ، فإنك لو كنت في مكان ذلك المسكين وجاءك رجلٌ بمثل هذا الرديء لما أخذته إلا على إغماض، لأنه رديء، قال تعالى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] .
فلا يجوز للمرء أن يعمد إلى الشيء الرديء ثم يتصدق به، إنما يتصدق بأجود ما عنده لماذا؟ لأنه يضع هذه الصدقة في يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
أورق بخيرٍ تؤمل للجزيل فما ترجى الثمار إذا لم يورق العود إن الكريم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنياً وهو مجهود بث النوال ولا تمنعك قلته فكلما سد فقراً فهو محمود وللبخيل على أمواله عللٌ زرق العيون عليها أوجهٌ سود وقال آخر: أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديب وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب إن الكثيرين يستقلون ما لديهم من المال فيمنعونه، والقليل خيرٌ من العدم، وفي الحديث: {لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاةٍ} وفي حديث آخر: {ولو بظلف محرق} وفي حديث ثالث: {ولو بشق تمرة} إنه جهد المقل، وقد {سبق درهمٌ ألف درهم} بل الحرقة منك وفي قلبك تكفينا إذا لم تجد غيرها.
والله مدح المؤمنين -أو بعضهم- من الفقراء والمعدمين بقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92] ولقد أثنى الله عليهم في القرآن بدموعهم التي أراقوها، لأنهم لم يجدوا ما ينفقون، فإن وجدت مالاً فتصدق، وإن لم تجد فتكفينا دموعك، فهي دموع صادقة إن شاء الله، وربما تدخل الجنة وسوف تجد هذه الدموع في ميزان حسناتك يوم القيامة.
أيها الأخ الكريم: إنك تتعذر منا بأنه ليس عندك مال.
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال وأنا لي معك حديثٌ في الأسبوع القادم، حديث ذو شجون، وقد جعلت عنوانه: دلوني على سوق المدينة، سوف أتحدث وأدلك على طرق كثر أنت غافلٌ عنها، وأزيل عنك الغشاوة في أمور كثيرة.
إنه لا يجوز أبداً أن يكون أهل الإسلام وأولياؤه ودعاته وشباب الصحوة كلهم فقراء محتاجين، لقد رأيتك أيها الأخ الكريم مراراً، وأنت قادمٌ علي، فأيقنت أنك قادمٌ بعطاء سخي لإخوانك هنا أو هناك، فإذا بك تحمل أوراقاً تطلب فيها مساعدةً في سداد دين، أو تفريج كرب ألم بك، وأنت معذورٌ ربما، ولكن نريد منك أن تسعى إلى تغيير حالك وحال غيرك بقدر المستطاع.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
فضل النفقة على العيال
في الحديث القدسي الذي رواه البخاري مرفوعاً: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ، وقال الحديث: (وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليّ مما افترضته عليه) إذاً فعلك لهذا الواجب هو أحبُّ شيءٍ تتقرب به إلى الله عز وجل، إن أردت أن تتقرب تقرب بما افترض عليك، أما النافلة فتقتضي زيادة الحب، (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) .
لو أردنا أن نقرب هذا المعنى نذكر مثالاً -ولله المثل الأعلى- فنقول: لو كان لك خادم كلما أمرته بشيء امتثل، ولا يقول: لا، ولا يشكو عجزاً هذا -بلا شك- يكون محبوباً لديك، فإن علم هذا الخادم -بذكائه ومعاشرته لك- أنك تحب النظافة اليومية، وأنك تحب أن تقص الشجر، أو تقطف الورود ففعل هذا بغير أن تأمره، ألا تزداد له حباً؟ تزداد له حباً بطبيعة الحال.
وكذلك الله تبارك وتعالى عندما تتقرب إليه بما فرضه عليك فهذا أحبُّ شيء إليه عزوجل، فإن زدت ذلك نافلة من عندك زاد حبه لك، صح عند النسائي وغيره، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله ليضحك إلى العبد يكون النوم أحب شيء إليه، ثم يقوم يتملق ربه بركعتين) كل أمنيته أن يصل إلى فراشه من شدة التعب، ولكن توضأ ووقف بين يدي الله عز وجل يتملق -تأمل هذا اللفظ- يتملق ربه بركعتين، فالله تبارك وتعالى يضحك لمثل هذا العبد.
النفقة على العيال واجبة، لذلك لا يجوز أن تخرج الزكاة للأصول أو للفروع، لا يجوز أن تعطي زكاة مالك لأبيك وأمك ولا لأولادك لماذا؟ لأن لهم نفقة واجبة عليك، وإذا قصر الرجل في هذا الواجب فقد أباح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـ هند بنت عتبة كما في حديث عائشة في الصحيحين، قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي أن آخذ من ماله بغير إذنه؟ قال لها: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف) ، لو قصر رجل في هذا الواجب يؤخذ منه عنوة؛ لأنه واجب عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أباح لها أن تأخذ حقها المفروض على زوجها أن يؤديه إليها، قال لها: (بالمعروف) هذه الكلمة مهمة جداً؛ لأنه لا يجوز للزوجة أن تتوسع في الأخذ من مال زوجها لتنفق على شهواتها، هذا ليس من المعروف، وهناك من يفسر كلمة (المعروف) بالعُرف، أي ما يتعارف الناس عليه في البيوت، وصار شيئاً ضرورياً في البيت، حتى وإن كانت الحاجة إليه ليست ماسة، قال: يجوز للزوجة أن تأخذ حتى تحقق هذا، أي العرف، وهو ما تعارفوا عليه، ولكن هذا ضعيف؛ لأنه قد يتعارف الناس في بيئة من البيئات على شيء من الترف تمضي حياة المرء بدونه، فلا يجوز إذن للزوجة أن تتوسع وأن تأخذ ما تشتهي، إنما (خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف) فيفهم من هذا: ما يقيم صلبها وصلب أولادها.
ويحكى أن رجلا لا يملك الكثير من المال، ويعمل في صنعة ما، فجمع أجره كله وذهب ليعتمر، وترك أهله دون أن يعطيهم شيئاً، وكان هذا في العشر الأواخر من رمضان، والعيد اقترب، والنفقات في رمضان بوجه عام تزداد، فهذا الرجل ما ترك شيئاً لأهله ولا لأولاده وذهب ليعتمر! فأخبروني -بالله عليكم- أهذا تصرف يرضاه الشارع الحكيم؟!
الجواب
لا؛ لأنه ذهب إلى سنة مستحبة له، وقد سبق له أن اعتمر، وسبق له أن حج، وضيع واجباً وراءه.
كذلك حدث أن رجلاً خرج أربعين يوماً وترك أهله؛ وهو صاحب محل، فمعنى أن يخرج أربعين يوماً أي أنه أغلق المحل، وأثناء ذلك مرض ولده فأرسلوا إليه: إن ولدك مريض.
فقال الأب: أنا آسف! لن أقطع هذا الخروج.
قاد ولده السيارة من بيته إلى المستشفى وهو مريض، ودخل المستشفى، وكانت أمه ترافقه، ومات بالمستشفى، فأرسلوا إليه إن ولدك مات، فقال: لا أقطع الخروج! ضيع أولاده وراءه، ما ترك لهم شيئاً من المال ينفقونه، لو سلمنا أن هذا الخروج مستحب -مع كونه بدعة كما صرح بذلك أهل العلم- وتعارض مع فرض، فلا شك عند المبتدئين من طلبة العلم أنه يقدم أقواهما عند التعارض، فيقدم هذا الفرض وهو الإنفاق على العيال، لكن كثيراً من أولئك يقودهم الجهل بالنصوص الشرعية إلى مثل هذه التصرفات.
النفقة على العيال واجبة، وذلك الرجل صاحب البستان إنما نال كرامة السحاب المليء بالماء، ويقيض من ينادي في هذا السحاب أن اسق أرض فلان، فيسميه باسمه، لأنه عادل؛ فقد قسم ماله إلى ثلاثة أجزاء بالعدل: ثلث لأولاده، وثلث يتصدق به، وثلث يرده في باطن الأرض، حتى ينبت هذا الحب مرة أخرى فيتمكن من القيام بهذا الواجب، والقيام بحق الفقراء والمساكين من الصدقة.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته) ، وفي لفظ أبي داود (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) أي: حسبه هذا الإثم، إن كان يريد أن يستزيد من الآثام حسبه أن يضيع من يعول، فهذا مما يدل على إثم تضييع الأولاد، والفضل في النفقة عليهم، وأن هذا من أفضل القربات عند الله عز وجل أن ينفذ الإنسان ما أمر به، ويكون واجباً عليه، أي فرضاً.
قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) ، وفي رواية: (أن يضيع من يعول) ، وفي مسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته) وكلمة (كفى إثماً) تدل على عظم هذا الإثم، أي: يكفيه من الإثم أن يضيع زوجته وأولاده، أن يضيع من يقوت، فلا يجوز أن تحبس النفقة عن الأولاد لأن الأولاد ليست لهم زكاة لماذا منعك الشارع أن تعطي الزكاة لأولادك أو لأبيك وأمك؟ فلا يجوز أن تعطي الزكاة للأصول ولا للفروع، فوالدك لا يجوز لك أن تعطي له الزكاة؛ لأن له نفقةً واجبة عليك، وكذلك أولادك لهم عليك نفقةٌ واجبة، فلا يجوز أن تضيع أولاك، بل إنك تتعبد الله تبارك وتعالى بإطعام أولادك.
إن كثيراً من الناس يبخل على أهله وأولاده، ولا أدري الذي يبخل على أهله وأولاده سيكرم من؟ فإذا كان أخص الناس به يعانون من المجاعة وهو حاتم الطائي خارج بيته!! هناك رجلٌ يدخن أكثر من مائة سيجارة في اليوم الواحد، وكان يأخذ الدقيق من بيته فيبيعه ويشتري به شاياً وسكراً، ويأخذ الرز ويبيعه، والزوجة تخرج وتعمل في البيوت، وتتكفف الناس إن باطن الأرض أولى بهذا الرجل من ظاهرها، وحين مات ولده والله لم يوجد في بيته ثمن الكفن!! فانظر إلى أين وصلت التعاسة؟! فكفى بهذا الرجل إثماً أن يضيع من يعول، فضلاً عن الموبقات التي يرتكبها.
فأنت بإنفاقك على أولادك تتعبد الله تبارك وتعالى بذلك، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه إذا كان بخيلاً، ولا ينفق على البيت.
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (جاءت هند بنت عتبة -امرأة أبي سفيان - رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، فهل علي جناحٌ أن آخذ من ماله بغير إذنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، فانظر إلى هذا الحكم (إن أبا سفيان رجلٌ شحيح) أي: لا يقوم بالنفقة الواجبة، فهل علي جناحٌ أو إثم أو حرج أن آخذ من ماله بغير إذنه؟ فلم يقل لها: لا، إن هذه خيانة لأن أبا سفيان قصر في الواجب الذي عليه، بل قال لها: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، وكلمة (بالمعروف) حتى لا تتمادى الزوجة وتأخذ أكثر من حاجتها، ولو أخذت أكثر من حاجتها فإنها تعتبر خائنة آثمة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، والمرأة ربما تجد لها سبباً فتقول: أنا أتمسك بظاهر الحديث (خذي ما يكفيك) ، وأنا لا يكفيني مرتبه ولا مرتب عشرة مثله، أنا محتاجة دائماً، والحديث يقول: (ما يكفيك) .
إن بعض الأزواج -هداهم الله- يترك بيته وأهله بدون نفقة ويخرج، فتقول له المرأة: إلى أين أنت ذاهبٌ وتتركنا؟ وماذا أبقيت لنا؟ - فيقول لها: أبقيت لكم الله ورسوله.
- فتقول: نريد مالاً.
- فيقول لها: يا امرأة! هذا قول أبو بكر الصديق حين أعطى كل ماله للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله) .
إن هذه كلمة حقٍ لا يراد بها الحق، لا أقول: يراد بها باطل؛ إنما أقول: لا يراد بها الحق، فقد وضعت في غير موضعها.
فإن هذا الرجل لا يذهب بماله إلى شيء واجب ولا مستحب ولا مباح، بل قد يكون شيئاً محرماً، أما أبو بكر الصديق فإلى أين لما أخذ ماله؟ أليس لتأسيس اللبنة الأولى من هذا الدين؟ فأين هذا الإنفاق من ذاك؟ إن الفرق كبير بين إنفاق أبي بكر وإنفاق هذا الرجل.
إن هذا يتركهم ويذهب، يجلس في المسجد يأكل ويشرب ويطبخ ويرجع، مع أن الله تبارك وتعالى قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) ، فليت هؤلاء أول ما يتجهون بالدعوة يتوجهون إلى بيوتهم، وإلى أولادهم، وإلى زوجاتهم، لكنه يدعو في الخارج ويترك أهل بيته يفعلون ما يشاءون، ويظن أن هذه قربة، إنها ليست قربة (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) ، ويتركهم أكثر من أربعين يوماً، وقد تكون له رحلة ستة أشهر -مثلاً- إلى بريطانيا أو إلى غيرها، ويدخل البلاد ويدعو إلى الله ادع في بلدك إن كنت من الصادقين، لكنه يقول: انظر إلى الآثار المترتبة على الدعوة هناك، عشرات الذين يؤمنون ويسلمون، فيقال: إن هذا ليس من خصائص المسلمين وحدهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: (إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر) ، فلا تتصور أن المؤمنين فقط هم الذين يسعون لنصرة هذا الدين، بل إن بعض الفجار مرغمون ومسخرون لنصرته.
فقد يأتي عالم مثلاً ويكتب كتاباً علمياً يهز العالم، ثم تجد له أصلاً في الكتاب والسنة! فكثير من الناس يؤمنون بسبب هذا الحديث أو بسبب تلك الآية، فنصر الله تبارك وتعالى وهذا الدين بهذا الرجل الفاجر.
فالشاهد: أنه لا يجوز للمسلم أن يضيع من يقوت، بل عليه أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنفقة على الأولاد والزوجة.
وهذا الرجل الصالح: كان ينفق الثلث الثاني على أولاده.
ولما كان بعض الناس يستخسرون في صرف الأموال على أهليهم، ويبخلون على زوجاتهم وأولادهم بالصرف جاءت هذه الأحاديث لتبين لك -يا عبد الله! يا أيها المسلم! - أجر الأموال التي تنفقها على أهلك، قال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك -من المحتاجين- فإذا فضل عن ذي قرابتك شيءٌ فهكذا وهكذا من الأموال التي تنفق في أوجه الخير) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة، وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة) إذا كنت تبتغي وجه الله.
وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة) بعض الناس يبخلون على زوجاتهم بالمصروف، يقول لهم عليه الصلاة والسلام: (ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم) وقال عليه الصلاة والسلام: (نفقة الرجل على أهله صدقة) وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة) فاحتسبوا إذاً هذه الأموال التي تنفق على أهاليكم من المصروفات اليومية، مصروف الأكل واللبس والسكن وغيره صدقة.
(أربعة دنانير: دينارٌ أعطيته مسكيناً، ودينارٌ أعطيته في رقبة، ودينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أفضلها الذي أنفقته على أهلك) رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو حديث صحيح.
إن صدقة من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإنما تأكل امرأتك من مالك صدقة، وإنك إن تدع أهلك بخير خيرٌ من أن تدعهم يتكففون الناس.
(ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده) و (ما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو له صدقة) .
فإذاً يا عبد الله! أي دين أعظم من هذا الدين الذي يجعل حاجة الرجل النفسية في الإنفاق على من يعول صدقةً له؟! لكن نحن ننسى الاحتساب عندما ننفق على الأهل، وننسى الاحتساب عندما نشتري المأكولات من السوق، وننسى الاحتساب عندما نشتري ألبسة لأولادنا، وننسى الاحتساب ونحن ندفع إيجار السكن من أجلهم ومن أجلنا، إذا ابتغيت وجه الله فعليك الاحتساب.
أيها المسلمون: الاحتساب: حضور النية عند إخراج المال أن ذلك لوجه الله، وتنفيذاً لحكم شرعي ودرء المفسدة الشرعية الأخوية عن النفس.
(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) كل هذا صدقة، فإن لم يحصل كل هذا المعروف، يقول عليه الصلاة والسلام: (كف شرك عن الناس فإنها صدقةٌ منك على نفسك) حديث صحيح.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
التصدق على أهل المعاصي
وهناك أمر آخر، وهو: أن مهمتك أن تخرج الصدقة من عندك، وليست مهمتك أن تصل الصدقة إلى موضعها المرجو، فأنت مثلاً تنظر إلى بعض الجيران وهم يدخنون مثلاً، أو لا يهتمون بالأحكام الشرعية، وبعضهم يقصر في الصلاة، ولكنه فقير، فتقول: هذا الرجل لا يستحق الصدقة، سوف أعطيها لرجل ملتزم أفضل منه.
قولك هذا صحيح، ونحن لا ننازعك فيه، ولكن نلفت نظرك إلى شيءٍ هام، وهو: أنك إن أعطيت بعض أهل المعاصي مثل هذه الصدقات فقد يرق قلبه، بالذات -مثلاً- الإخوة الملتحين، فإن كثيراً منهم متهم بغير جريرة، فبعض الناس يأخذ عنه فكرة أنه متشدد، ومتزمت، وأنه يكفر المجتمع، وهذا كله كذب؛ بسبب الدعاية المغرضة لأجهزة الإعلام الكاذبة الفاجرة، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يعامل القائمين عليها بعدله.
فهؤلاء أسهموا بدورٍ فعالٍ جداً في تشويه صورة هؤلاء، وللإنصاف نقول: إن بعض هؤلاء الملتحين يسيئون إلى الإسلام ببعض الأحكام التي يتبنونها بحسن نية ولكن بجهل، وبعضهم يغلظ في النصيحة إغلاظاً شديداً حتى في غير موضعها؛ فيسبب نفرة في القلوب.
وهناك عوارض كثيرة مجتمعة ليس المجال الآن مجال معالجتها وإفرادها بالذكر، ولكن نقول: إن هناك بعض العوام يخافون من الرجل الملتزم، فأنت إذا أعطيت ذلك الرجل هذه الصدقة فلعل قلبه يرق.
وهناك قصة أخرى فقد كان هناك رجل يؤذي الملتزمين (المطاوعة) وقد رأيت بعض الناس وشخص يناديه: يا مطوع، فاعتبرها سبة، والتفت إليه وكاد أن يقتله! فالانتساب إلى السنة والالتزام شرف عظيم، بغض النظر عن هل يقولها سخريةً أو يقولها بجد- فكان يكرههم كثيراً، وبعد مدة حدث عنده حادث ولادة، فحصل لامرأته نزيف حاد واحتاجوا إلى دم، ولا يوجد دم في المستشفى، وهو قد تعرض لأهل السنة بالأذى كثيراً، حتى صار معروفاً لديهم من شدة ما يؤذيهم بلسانه، فقال له بعض الناس: لن يعطيك الدم إلا السنيون، فأنصحك بالذهاب إلى المسجد.
فذهب الرجل على استحياء، وكان ذلك في صلاة الفجر، فقام وقال: إن امرأتي جاء لها نزيف حاد، فهل يعطيني أحد دماً لننقذها؟ فقام كل من كان في المسجد وذهبوا يتسابقون فماذا كانت النتيجة؟ لقد أصبح هذا الرجل من أشد المتعصبين الآن لهؤلاء! انظر إلى الإحسان! {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] ، فإياك أن تتصور أنك تقدم معروفاً ولا تلقاه قد تقابل ببعض الجحود، لكن لابد أن ترى هذه الثمرة يوماً ما، ولو أن هذا الرجل ذهب وقال: أريد دماً.
فقالوا له: بعد هذا السب وهذا الأذى تريد دماً؟! فكيف سيكون حال الرجل؟ سيتحول إلى مقاتل شرس ضد هؤلاء.
إننا نفتقر إلى هذه النماذج للدعوة، فانظر إلى الإحسان إلى أهل المعاصي كيف يحول قلوبهم بإذن الله، فلا تقل: لن أعطي لأحد من أهل المعاصي، بل إن المهتدين أولى أنا معك، لكن ألا يسرك أن تضم إلى ركب المؤمنين رجلاً آخر؟! هب أنك أعطيت هذا الرجل وظل على عناده، وأعطيته وظل على عناده، فلا تيأس، وانظر إلى حال نفسك: فقد كنت يوماً ما من المخرفين عن طريق الإيمان، فكم من رجالٍ هم الآن صفوة الرجال كانوا من ألد أعداء هذه الدعوة.
وانظر إلى جيل الصحابة حين كانوا كفرة في الجاهلية كـ عمر بن الخطاب مثلاً، كيف حول الله عز وجل قلوبهم بعد ذلك! ولا تتعجل النتائج، واتل قول الله عز وجل: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94] ، ألم تكن من قبل كهذا الرجل فمن الله عليك وهداك إلى الإيمان؟! روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال رجلٌ: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج في الليل يخفي صدقته، فوجد امرأة في الطريق فأعطاها الصدقة، فأصبح الناس يقولون: تُصدِّق الليلة على زانية! فبلغ الرجل هذا القول، فقال: الحمد لله على زانية -كأنه رأى أنه لا أجر له طالما أنها لم تقع في موقعها الصحيح، وكان يريد أن تقع في يد مسكينٍ فقير حتى يؤجر، واستاء الرجل وأحس أن صدقته لم تقبل- لأتصدقن الليلة بصدقة -سأتصدق مرةً أخرى لعلها تقع في يد من يستحقها- فوجد رجلاً في الظلام فوضع الصدقة في يده، فأصبح الناس يقولون: تُصدق الليلة على سارق! فقال الرجل: الحمد لله على سارق، لأتصدقن الليلة بصدقة -فرأى أن الصدقة لم تقبل ولم تقع في موقعها في المرة الثانية، فأراد أن يتصدق في المرة الثالثة عساها أن تقع في يد من يستحقها- فخرج فرأى رجلاً في الظلام فأعطاه الصدقة، فأصبح الناس يقولون: تُصدق الليلة على غني -ليس محتاجاً للصدقة، إذاً للمرة الثالثة لم تقع الصدقة في موقعها الذي يريده- فجاءه ملكٌ في صورة رجل فقال له: أما صدقتك فقبلت، أما الزانية فلعلها تتوب، وأما السارق فلعله يستعف، وأما الغني فلعله ينظر فيخرج الذي عنده) ، انظر إلى فائدة التصدق على أهل المعاصي! وكم من النساء انحرفت بسبب أنها ذهبت إلى بعض الرجال ليقرضها فلم تجد، فتتاجر بعرضها، ونحن نحفظ عشرات القصص في ذلك، وكثيرٌ منكم عنده في جعبته الكثير! إن بداية الانحراف لكثير من النساء سببه أنها لم تجد أحداً يعطيها، فتاجرت بعرضها، وتمرست على ذلك، ومع ذلك تسمعها تقول: أتمنى أن أتوب.
فالمتاجرة بالعرض شيء سخيف جداً، وبشع للغاية، والمرأة البغي لا تشعر بأي متعة في هذا أي متعة تستمتعها المرأة؟! تتمنى أن تتوب، لكن من يكفلها؟! فالصدقة والزكاة طهرة للعبد، قال تعالى:: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] ، وقد قاتل أبو بكر الصديق الذين منعوا الزكاة، وسموهم بالمرتدين لأنهم منعوها.
إن ضياع بيت مال المسلمين سبب في وجود كل هؤلاء المجرمين في المجتمع، ولو أن أي رجل عاطل لا يجد عملاً يعطى جزءاً من المال -ولو قرضاً- من بيت المال، ليستعين به في حياته؛ فلن يسلك طريق الإجرام أبداً.
فهذه المرأة أو هذا الرجل الذي يسرق لعله ما بدأ طريق الإجرام إلا بسبب أنه لم يجد يداً حانية تعطيه.
فانظر إلى قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي ابنة عم، وكانت من أحب الناس إليّ، فألمت بها سنة -أي: مجاعة وحاجة- فجاءت تطلب مالاً، فراودتها عن نفسها فأبت، ولكن اشتد عليها الكرب، فرجعت إليه تضحي بعرضها في سبيل أن تؤكل أولادها -هذا مثل واقع، امتنعت في السابق رجاء أن تجد يداً رحيمة، ولكنها لم تجد، فماذا تفعل؟ تموت هي وأولادها؟ لا، فتذهب تضحي بعرضها لهذا الرجل وتأخذ منه مالاً- قال: فلما قعدت منها مقعد الرجل من امرأته، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه -إلا بالزواج الشرعي- فقمت عنها وهي أحب الناس إلي.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن كثيراً من أهل المعاصي لم يبدءوا في هذا الإجرام إلا بسبب عدم وجود اليد الحانية.
فإياك أن تحتقر أهل المعاصي، لا تشدد عليهم، وارحمهم، وأنت إنما تفعل ذلك رجاء وجه الله تبارك وتعالى، وهذا الحديث حجة في هذا الباب: فيجوز أن تعطي الزكاة -فضلاً عن الصدقة- لأهل المعاصي، وكم يحصل الإنسان من الأجر إذا سلك طريق الصدقة مع أنها لا تضره! فإذا جاء إليك السائل فلا ترده، وأعطه من مال الله الذي أعطاك، فإن بعض الناس قد يرد السائل وتجده في المقابل قد ينفق (مائة جنيه) في وجبة غداء، ويعزم جماعة ويقول: هذا من كرم الضيافة، وهذا من أدب الإسلام مع أنه بخل أن يخرج عشرة قروش! هذه طبيعة في بني آدم؛ ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] .
إن استطعت أن تتقي شح نفسك التي بين جنبيك (فأولئك هم المفلحون) .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
الإسرار بالصدقة وثمراته
إن من الناس من أنعم الله عليه بشيء من المال، فما أنكر فضل الله عليه، بل هو ينفق بسخاء ويتسلل إلى المساكين لواذاً، يعلم أن من الفقراء من يحرجه علانية العطاء، فذاك رجل تخطى عقبة الجشع، أنقذه الله ممن عبدوا الدينار والدرهم، فكانوا أحلاس كفر وإمساك، سجاياهم المتكررة منع وهات، بل هات وهات، قد قضوا على أنفسهم أن يعيشوا مرضى بالصحة، فقراء بالغنى، مشغولين بالفراغ، لكنهم مع ذلك لا يجدون في المال معنى الغنى، إذ كم من غني يجد وكأنه لم يجد إلا عكس ما كان يجده، وما علموا قول النبي صلى الله عليه وسلم: {اليد العليا خير من اليد السفلى} متفق عليه.
إن النفس بطبعها تميل إلى إبراز عملها لا سيما الصدقة، كل هذا لأجل أن تُحمد، فإذا ما جاهد المرء نفسه حق له أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورحم الله مالك بن دينار حيث يقول: قولوا لمن لم يكن صادقاً: لا يتعنى.
ولقد قال ابن عائشة قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين رضي الله عنه.
ثمرات الإخلاص في الإنفاق
إن المرء أو العبد المؤمن قد ينفق نفقةً يسيرةً لو رآها المنافقون للمزوه، وقالوا: ما هذا؟ ألم يجد إلا هذا؟! ولكنها عند الله تبارك وتعالى عظيمة جداً؛ لأنها خالصة لوجه الله عز وجل، لأن هذا المؤمن التقي أنفق مما يحب، والله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] .
ولم يتيمم الخبيث فينفق منه، كما قال تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} [البقرة:267] ، فهو أنفق مما يحب، وأنفق وهو محتاج، وأنفق وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويرجو الغنى، فلما اجتمعت فيه هذه الأمور -وهي دليل على الإخلاص لله تعالى في نفقته- كانت هذه النفقة -وإن صغرت في أعين الخلق- عند الخالق تبارك وتعالى لها وزن وقدر عظيم جداً، والله عز وجل يُعظِّم أجرها، ويربي هذه الصدقة لصاحبها، وربما وجدها يوم القيامة مثل الجبال وهو لا يعلم، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى وجوده وكرمه لمن صدق الله في توجهه له عز وجل.
صدقة السر سبب لدخول المرء فيمن يظلهم الله في ظله
خامس هؤلاء السبعة: قال عليه السلام: (ورجل تصدق بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) .
لقد مدح الله سبحانه وتعالى صدقة السر فقال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] ، ولكن قد تكون صدقة العلانية أفضل من صدقة السر؛ وذلك إذا كان هناك حاجة إلى إعلان الصدقة، كالرجل الذي جاء بصرة وقدمها إلى النبي عليه السلام، فجعل الناس يقتدون بهذا الرجل ويقدمون صدقاتهم.
لكن الأصل أن الصدقة تكون سراً؛ لأن الصدقة إنما سميت صدقة؛ لأنها تدل على صدق إيمان صاحبها؛ لأنه إذا أخرجها سراً فإن هذا دليل على أنه لا يريد ثناءً من الناس؛ فإن هذا الثناء قد يجر إلى الرياء والسمعة.
وقال عليه السلام مادحاً صدقة السر: (صدقة السر تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء) ، وهذا الرجل قد تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، وذلك كناية عن شدة إخفائه عند إخراج الصدقة.
إذاً: أفضل أنواع الصدقة هي صدقة السر.
لذلك على المسلم أن يحرص كل الحرص على أن لا يترك صدقة السر، ولو بشيء يسير، فقد كان بعض السلف يتصدق كل يوم، فإذا لم يجد أحياناً تصدق ببصلة يقدمها إلى فقير.
إن أصحاب صدقة السر هم في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
السر والعلن في الصدقة
قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً} [البقرة:274] أيضاً النفقة تكون متتابعة بالليل والنهار، سراً وعلانية، فصدقة السر لها ميزان، وصدقة العلانية لها أحوال تكون أفضل، كما إذا كان يشجع غيره ويدفعه للصدقة، وإلا فإن الأصل أن تكون خفية حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وصدقة السر تطفئ غضب الرب.
ولا شك أن الذي يقول قولاً معروفاً: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً} [البقرة:263] .
لأن القول المعروف صدقة، والمغفرة أن تغفر للناس ما أخطئوا عليك صدقة؛ هذه صدقتان خير من نفقة وصدقة يتبعها أذى فتكون باطلة.
إذاً: حسنتان أحسن من حسنة باطلة، ولا نريد صدقة بالمنة مهما بلغت، ولو كان الإنسان لا يوجد عنده ما يتصدق به {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ} [البقرة:263] تصدق حذيفة بدية أبيه على المسلمين حين قتل أبوه في غزوة أحد بسبب ما حصل من اختلاط الأمور، فتصدق على المسلمين بديته.
وكان بعض السلف يتصدق على من آذاه واغتابه في عرضه.
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263] أي: إذا كنتم ستمنون؛ فالله غني عنكم، وإذا كنتم ستئوبون وترجعون؛ فالله حليم لا يعاجل بالعقوبة، ويمهل عبده حتى يئوب إليه ويرجع، والله غني لا يحتاج إلى صدقاتكم فنفعها عائدٌ عليكم أنتم.
الرياء في الصدقة
ولقد بين الله عز وجل مثلاً لمن يرائي في الصدقة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} [البقرة:264] هذا الصخر الصلب {عَلَيْهِ تُرَابٌ} [البقرة:264] عليه طبقة من تراب {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} [البقرة:264] أصابه مطر شديد، ماذا سيحصل للتراب الذي على الصخر الأصم الصلب؟ هل سينبت؟! لا.
وإنما سيزول، والمطر يغسل هذا الصخر من التراب، فكأنه لا مكان للبذل أصلاً ولا لخروج شيء {فَتَرَكَهُ صَلْداً} [البقرة:264] أملس كما كان قبل أن يكون عليه تراب {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264] .
فإذاً: هذا معنى أن المن والأذى يحبط الصدقة.
فقلب المرائي مثل الصخر لا ينبت شيئاً ولا ينبت خيراً، كما أن هذه الصخرة التي عليها التراب لم تنبت شيئاً، ما كان عليه إلا قليل من الغبار، شبه ما علق به من أثر الصدقة بالغبار، والوابل الذي أزال ذلك التراب عن الحجر هذا هو المن الذي أذهب أثر الصدقة وأزالها، بخلاف الذي ينفق ابتغاء وجه الله، يقول الله في شأنه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:265] الذي ينفق أمواله إخلاصاً لله وتصديقاً بموعود الله وتثبيتاً من نفسه وهو صدقه في البذل والعطاء لا شك أنه في هذه الحالة يكون حاله كمثل جنة -بستان- بربوة، أي: على مكان مرتفع، فإن البستان إذا صار في مكان مرتفع، في طريق الهواء والرياح تسطع عليه الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها، ويكون الثمر أنضج وأحسن وأطيب ولا شك في ذلك، بخلاف الثمار التي تنشأ دائماً في الظلال، ولذلك قال في الزيتونة: {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:35] أي: معتدلة في الوسط، الشمس تأتي عليها في جميع الأوقات {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور:35] فهذا أنفس الزيتون، وأنفس الأشجار ما تكون بهذه الصفة، فهذه الجنة التي بهذا المرتفع المتعرضة للشمس إذا أصابها الوابل والمطر الشديد آتت أكلها ضعفين؛ أعطت البركة أخرج ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ} [البقرة:265] إذا ما أصباها وابل {فَطَلٌّ} وهو دون الوابل الرش الخفيف؛ هذا يكفي لإنباتها أيضاً، لكن إنباتاً دون الإنبات الأول، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للسابق بالخيرات والمقتصد المقتصد صاحب الطل، والسابق بالخيرات صاحب الوابل.
إذاً: هذا مثل المرائي ومثل الذي ينفق إخلاصاً لله سبحانه وتعالى.
ثم إن الله عز وجل ضرب مثلاً آخر في سورة البقرة التي فيها هذه الأمثال العظيمة حاثاً عباده على أن تكون صدقاتهم خالصة له عز وجل، قال: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266] هذا الشخص تعلق قلبه بهذه الجنة من نواحي كثيرة:
أولاً: أن فيها أعناب ونخيل، وهي من أنفس الثمار.
ثانياً: أن هذا البستان يجري من تحته الأنهار.
ثالثاً: أنه ليس فقط فيها أعناب ونخيل، وإنما فيها من كل الثمرات.
رابعاً: أن هذه الجنة التي فيها أشرف أنواع الثمار التي يؤخذ منها: القوت، والغذاء، والدواء، والشراب، والفاكهة، والحلو والحامض التي تؤكل رطباً ويابسةً، أي: النخيل والعنب؛ هذه صفاتها، وبالإضافة إلى كل الثمرات؛ فإن هذا الرجل قد كبر سنه، ولا شك أن الإنسان إذا كبر سنه لا يقدر على الكسب والتجارة ويحتاج إلى الأشياء التي لها مدخولات ثابتة كالمزارع والعقار، ولذلك أصابه الكبر، فهو يحتاج إليها حاجة شديدة الآن، وكذلك فإن هذا الرجل إذا كبر سنه اشتد حرصه فتعلق قلبه بها أكثر، فإن الإنسان يهرم ويشب معه حب المال والحرص.
وكذلك فإن هذا الرجل له ذرية؛ والذي له ذرية يحب أن يحفظ أمواله حتى يبقيها للذرية والأولاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الذرية ليسوا كباراً وإنما هم ضعفاء، وإذا كانت الذرية ضعفاء؛ فسيكون حرصه على هذا المال أكثر؛ لأن الذرية ضعفاء صغار لا يستطيعون الكسب، وكذلك فإنه هو الذي ينفق عليهم لضعفهم وعجزهم، كيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصبح يوماً فرأى أن جنته قد احترقت بإعصارٍ فيه نار فاحترقت وصارت رماداً، كيف تكون وقع المصيبة عليه؟! هذا الرجل مثله مثل رجل عمل أعمالاً في الدنيا لكن برياء ومنّ وأذى، فجاء يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى ثواب الأعمال؛ لأن أمامه النار والهلاك والدمار، فرأى أنه لا شيء له ألبتة؛ لأنها كلها ذهبت بالرياء والمن والأذى، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى والله يضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون، وهذا مثل قلّ من يعقله من الناس، فكل واحد تسول له نفسه إحراق أعماله الصالحة بالرياء، فليتأمل هذا المثل، وليعرف أيضاً عظم المصيبة التي تنزل عليه عندما يدخل في موضوع الرياء أو يدخل الرياء في أعماله.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
فوائد الصدقة
فائدة الصدقة إنما تكون لنفس المتصدق
أنت تتصدق على نفسك، وليس على غيرك، فأكثر إن شئت، أو أقلل، قال الله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُم ْ} [البقرة:272] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه، قالوا: يا رسول الله، كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخَّر} .
أنت حين تجمع المال وتضعه في الأرصدة، وقد بلغت الستين، أو الخمسين، أو السبعين، أو ما أشبه ذلك، هل تنتظر عمراً آخر تصرف فيه هذا المال؟، بل أنت حين تكون كبير السن عاجزاً وقليل الأكل، وقليل الشرب، قليل اللبس، وزاهداً في متاع الدنيا، ومع ذلك تمسك بهذه الأموال، فماذا تنتظر فيها؟
إن الإنفاق له فوائد أخرى غير الجوائز الأخروية التي فيها ثقل كفة الحسنات: فبه كذلك رفع الدرجات في الدنيا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى) ، فالمنفق خير من المنفَق عليه؛ وكذلك هو مدعاة للغنى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! أنفق أُنفق عليك) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: أعط ممسكاً تلفاً) هذا في كل يوم تطلع فيه الشمس، ملكان ينزلان يرسلهما الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يدعو الملك إلا بما عين له كالشفاعة لا تكون إلا بإذنه: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28] ، فلا يمكن أن يدعو الملك إلا لمن أذن الله بالدعاء له.
ثم إن من فوائد الإنفاق الدنيوية أنه يرد الله به البلاء، فإن الصدقة تصطرع مع البلاء في السماء، وترده عن أهل البيت؛ ولهذا رتب الله على ابن آدم ثلاثمائة وستين صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، مقابل ما فيه من المفاصل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس.
) ، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، وجعل على كل مفصل صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) ، في كل مفصل من المفاصل، سواء كانت مما يعرفه الأطباء، ومما يدرك بالتشريح، أو كانت من المخفيات التي لا تعرف بالعين المجردة، فإن كل تلك المفاصل -عظيمها ودقيقها- رتب الله عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، ويجزئ من ذلك أن يصلي المؤمن ركعتين وقت الضحى، فركعتان وقت الضحى تقومان مقام ثلاثمائة وستين صدقة؛ لكن لا شك أن هذا الترتيب هو إرشاد للعبد، ونفع له، وتقوية لهذه الجوارح، وسعي لتمتيعه بها، ودفع للضرر عنها، فما أحوجنا إلى مثل هذه الصدقات التي ترفع البلاء عن أهله في الدنيا، وترفع المنازل وتطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى، وهي مع ذلك تضمن للإنسان الزيادة؛ فالصدقة لا تنقص المال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) ، فالصدقة لا تنقص المال، بل تزيده، وما يبذل الإنسان من المال؛ ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى مخلوف عليه قطعاً، لا بد أن يناله في هذه الحياة الدنيا، فضلاً عن أجره يوم القيامة، والله سبحانه وتعالى غني عن دراهم الناس ودنانيرهم، وأعطياتهم وإمدادهم، وإنما امتحنهم ليعلم الذين يؤثرون الآخرة على الأولى، ويتقربون إليه بما آتاهم.
الفائدة الأولى: الصدقة بركة وزيادة في الدنيا والآخرة
ثم قال عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] وهذا عكس ما هو مشاهد الآن في الميزان الاقتصادي المادي، أن الربا زيادة والصدقة نقص، لكن عند الله الربا نقص والصدقة زيادة، كيف؟ يقول العلماء: إذا كان عندك -مثلاً- أربعمائة ريال في جيبك، وعرض عليك مشروع خيري، أو رأيت فقيراً، أو علمت بأسرة محتاجة، وأخرجت من هذا المبلغ خمسين ريالاً أو مائة ريال، لما تأتي تعد الباقي في الشنطة تجد أن الباقي ثلاثمائة ريال، الظاهر أنه نقص، لكن الله يقول: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] كيف يربيها؟ قالوا: أولاً: هذا المبلغ الذي أخذ منك يربيه الله في الآخرة حتى يصبح كالجبال الرواسي: (إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) أنت تضعها ريالاً لكنها تأتي يوم القيامة مثل الجبال، هذه واحدة.
ثانياً: يصرف الله عن الإنسان من الآفات والمشاكل التي كان بالإمكان أن تلتهم هذه المائة وأضعافها الشيء الكثير -فمثلاً- يصرف الله عنه مرض زوجته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه السقم من أولاده بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الحوادث في سيارته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الفساد في زراعته وتكون مزارعه باستمرار محفوظة، ويصرف الله عنه الكساد في تجارته، وتكون تجارته مطلوبة، وبضاعته مرغوبة، وجلبه للزبائن محبوب، بأسباب أنه أنفق، لكن لو أنه ما أنفق في سبيل الله، وأعطى هذه المائة لشخص قرضاً بمائتين بعد ذلك، لكن الله يمحقه؛ أولاً: تمرض المرأة، وإذا مرضت تلك الليلة يذهب بها إلى المستشفى، وفي المستشفى لا يريدون علاجها؛ لأنهم يقولون: بلاش، فيذهبون المستوصف ويخسر خمسين ريالاً وأعطاه قبضة حبوب، وبعد ذلك يمرض الولد، وبعد ذلك يوقف السيارة وإذا هي مصدومة في جنبها لا يدري من صدمها، وبعد ذلك زراعته تخرب وبركة أمواله وبركة حياته في أكله حتى في طعامه لا يجد له بركة بأسباب الربا، فالله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] يقول في الحديث: (ما نقص مال من صدقة بل تزيد، بل تزيد، بل تزيد) وفي بعض الآثار: [ما هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة].
أحد التجار يخبرني حكاية عن تاجر في مكة، يقول: كان له تجارة بينه وبين الهند، وبعد ذلك الباخرة آتية، وكانت البواخر يوم ذاك تسير (بطرب) بدائية عن طريق الشراع وليس بالبواخر الحديثة، وفي البحر اضطربت الباخرة وهاجت وتكسرت، وكادت أن تغرق، ولكن ربانها -أهل السفينة- خففوا من البضائع أملاً في نجاة أنفسهم، ولا يعلمون لمن البضائع طبعاً؛ لأنهم مؤتمنين عليها آتين بها من الهند، فقاموا يأخذون من الكراتين ويرمون البضاعة، حتى بقي شيء تنجو به السفينة، إلى أن وصلوا ميناء جدة، وفي ميناء جدة كان كل التجار واقفين وكل واحد منهم لديه كشفه يريد أن يستلم بضاعته، ووجدوا أن البضائع كلها مرمية إلا تاجر بضاعته ما ذهب منها ولا كرتون، لما جاءوا عليه وإذا به من أهل الزكاة ومن أهل الصلاة ومن أهل الخوف من الله، وأولئك بضاعتهم فيها حرام، وفيها منع زكاة، وفيها ربا، ذهبت [فلا هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة] .
فهنا يقول الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] أي: يزيدها؛ لأنه كما جاء في الحديث الصحيح: (ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وملك ينادي يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً) هذه دعوة الملك يدعو لك كل يوم: يا من أنفقت في سبيل الله! يا من أنفقت فيما يرضي الله! أن الله يخلف عليك، الفقير عندما تعطيه ريالاً، يقول: خلف الله عليك، بارك الله لك، جزاك الله كل خير، الله يوسع عليك، الله يمدك، الله يعطيك، سبحان الله! {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] تبارك وتعالى.
الفائدة الثانية: الصدقة من أسباب رفع البلايا
إن من أعظم ما يدفع الله تعالى به العذاب الصدقة، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اتقوا النار ولو بشق تمرة} وهي من أفضل الأعمال، فإنها تطفئ الخطايا، ويدفع الله تعالى بها البلايا، ولا شك أننا في بلد أنعم الله علينا فيه بنعم عظيمة، ولو تذكرنا حال الأمم والشعوب الأخرى لعجبنا، فنحن هنا لا نتضرع، وقليل من الناس من يتضرع إلى الله كل يوم أن يطعمه الله أو يسقيه، فنحن لا نسأل الله ذلك؛ لأن الطعام والشراب والأكل متوفر عندنا، وقد يوهمنا الشيطان أننا لا نحتاج إلى الله -تعالى الله عن ذلك- فلوفرته فهو مثل الهواء مع أنه حتى الهواء نحتاج أن ندعو الله أن يحفظه لنا، وفي كل شيء نحتاج أن ندعو الله.
ولنضرب لكم مثلاً مما نعيشه، فنحن لا يهمنا مسألة الطعام والشراب، وإنما أكثر الناس همومهم في العمارات وفي غيرها، وفي أرزاقهم ووظائفهم وفي زيادة مالٍ في كذا وكذا، وأكثر من نصف الشعوب في العالم -كما في تقارير الأمم المتحدة- تعاني من سوء التغذية، فهي تحتاج أن تأكل أكلاً سليماً، وتحتاج أن تشرب ولكنها لا تجد!! فانظروا كيف هذا الحال الذي نعيش فيه، وكيف تعيش تلك الشعوب والأمم، الواحد منا لو سافر إلى تلك البلاد ومعه الأموال -والحمد لله- قد لا يجد أكلاً نظيفاً يأكله، وقد لا يجد ما يريد من الفاكهة وإن وجد فقد يجد نوعاً رديئاً في حالة يرثى لها، بينما هنا الفاكهة تداس وترمى، وتورد بملايين الأطنان، فنحن نعيش في بحبوحة ورخاء وسراء، ثم نغفل عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وانتقامه وسريع غضبه، ولا نفطن لأحوال إخواننا المسلمين الذين يحتاجون إلى ذلك.
فأقول: يجب مضاعفة النقود في التصدق لمنفعتها، بل لمنافعها العظمى التي منها أن يدفع الله تبارك وتعالى عنا العذاب ويرفعه.
الفائدة الثالثة: من أسباب الوقاية من عذاب النار
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب النساء كما في الصحيحين، من حديث ابن عباس: فوعظهن وذكرهن وقال: {يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن؛ فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم، فقامت امرأة منهن سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط} ففي هذا الحديث، أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمات بالصدقة {تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن} فإذا لم تجد المرأة ما تتصدق به فلتخرج من حليها، من حليها الذي في يدها أو على صدرها، أو قرطها الذي في أذنها، أو خلخالها الذي في رجلها، أو محزمها أو من حليها الذي تحتفظ به في بيتها.
فإن هذه الصدقة من أعظم وأهم أسباب النجاة من عذاب النار، ولهذا قال: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم} فدل على أن الصدقة من أعظم أسباب الوقاية من عذاب النار، ومن أهم أسباب النجاة من السعير، ومن أهم أسباب دخول الجنة، والمرء في ظل صدقته يوم القيامة ذكراً كان أو أنثى.
فعلى المرأة المسلمة أن تساهم في الصدقة، وإنني أسأل الله تعالى لكل أخت مسلمة، جادت يدها بما تستطيع، أن يجعل الله تعالى ما جادت به رفعة في درجاتها، وطولاً في عمرها، وصحة في بدنها، وسعادة في قلبها، وصلاحاً في ولدها، وعافية لها، ورفعة في درجاتها عند الله تعالى يوم القيامة، ونجاة لها من عذاب السعير، اللهم آمين اللهم آمين.
والصدقة فداء للنفس من عذاب الآخرة، فقد أخبر الله تعالى عن الكفار: أنه لو كانت لهم الدنيا ومثلها معها في الدار الآخرة، لافتدوا بها من سوء العذاب يوم القيامة، فلماذا لا يفتدي الإنسان نفسه باليسير؟ قال الله عز وجل: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إبراهيم:31] ليس في ذلك اليوم بيع، ولا شراء، ولا صداقة، ولا علاقة، وإنما هي الحسنات والسيئات.
الفائدة الرابعة: الصدقة برهان الإيمان
والصدقة دليل على صدق إيمان صاحبها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، في حديث أبي مالك الأشعري، في صحيح مسلم: {والصدقة برهان} لأن النفس مجبولة على حب المال، فإذا تخلص الإنسان من الشح وحب المال وأخرج المال، دل على أنه يقدم مرضات الله تعالى ومحبوب الله تعالى على محبوب نفسه، ويتخلص من شح نفسه قال الله: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] والأحاديث الواردة في الصدقة كثيرة جداً؛ لكن ينبغي أن يحرص الإنسان على أن يستتر بصدقته.
ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الطبراني بسند حسن -كما يقول الدمياطي في المتجر الرابح- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر} فليحرص الإنسان على الاستكثار من هذه الأشياء، وعلى أن تكون صدقته سراً.
ومن الخطأ أن يتصدق الإنسان بمائة ألف ريال أو بخمسمائة ألف ريال من أجل أن يكتب اسمه في الجريدة، أو يكتب اسمه في دفتر التبرعات، أو يذكر عنه أنه المحسن الفلاني، اللهم إلا أن يكون قصده أن يكون في ذلك حثاً وتشجيعاً للناس على الصدقة، وإثارة المنافسة بينهم في العمل الصالح فهذا جيد، أما إن كان القصد الرياء والقيل والقال؛ فهذا -والعياذ بالله! - خسارة الصحابة في الدنيا ووبال عليه في الآخرة.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
فوائد الصدقة
الفائدة الخامسة: الإنفاق زيادة لا نقصان
يكفي أن تعلم أن هذا الإنفاق الذي ينفقه الإنسان لا ينقص من ماله بل تزيده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: {ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه} فأثبت عليه الصلاة والسلام أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وهذه الصدقة التي لا تنقص مالك هي تزيد في أعمالك وقربك من الله عز وجل.
الفائدة السادسة: الصدقة من أعظم أسباب دخول الجنة
وهي من أعظم أسباب دخول الجنة، واسمع بعض هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أبو كبشة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقصت صدقة من مال، ولا فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله تعالى عليه باب فقر، ولا تواضع أحد لله إلا رفعه -ثم قال-: وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، إنما الدنيا لأربعه نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً، فهو ينفق ماله في علمه، ويتصدق، ويصل رحمه، وينفق في سبيل الله؛ فهو أفضلهم، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل.
فهما في الأجر سواء.
ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علمه فهو يخبط فيه ولا يتقي الله عز وجل، ولا يصل به رحمه ولا يعطي منه المسكين، فهو أخبثهم منزلةً.
ورجل لم يؤته الله تعالى مالاً ولا علماً، فيقول: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل.
فهما في الوزر سواء} .
والحديث رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وذلك يدل على أن نية المؤمن الصادقة على الإنفاق في سبيل الله وغير ذلك من أبواب الخير، أنها تبلغه منازل العاملين، متى كانت نيةً صادقة من أعماق قلبه، وليست مجرد أمنية، ففرق بين النية والأمنية، لأن بعض الناس يقول: لو عندي، لكن لو أعطاه الله عز وجل لكفر: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:75-77] ففرق بين الأمنية وبين النية الصادقة المبيتة الجازمة، أنه لو أعطاك الله مالاً لفعلت مثل فلان، أو لو رزقك الله علماً لفعلت به مثل فلان.
وفي صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة: {أن رجلاً من بني إسرائيل سمع صوتاً في السحاب يقول: اسق حديقة فلان اسق حديقة فلان.
فلما توسطت السحاب المزرعة أمطرت ما فيها، فذهب الرجل فإذا فلاح يحول الماء بمسحاته، فاستوعبت الشريجة ذلك الماء كله، فقال له الرجل: ما اسمك يا عبد الله؟ قال: اسمي فلان -بالاسم الذي سمعه في السحابة- فقال: وماذا تصنع؟ قال: وما ذاك؟ قال: سمعت صوتاً في السماء يقول: أسق حديقة فلان أسق حديقة فلان، فلما توسطت السحاب مزرعتك أمطرت.
فقال: أما إن قلت ذاك، فإنني إذا أخذت ثمرة هذه الحديقة تصدقت بثلثها، وجعلت ثلثها فيها، -أي رده في بذرها وإصلاحها- وأكلت أنا وأولادي ثلثها} .
فمن أجل ذلك وسع الله على هذا الرجل، وبارك له في رزقه وفيما أعطاه، حتى إن ملكاً موكلاً بالسحاب، يقول: اسق حديقة فلان اسق حديقة فلان، يخصه دون غيره من الناس، ولذلك لا تعجب إذا رأيت الناس الذين أصيبوا بالكوارث والمصائب والنكبات، إنما أتوا من قبل أنفسهم.
يقول لي أحد الإخوة القضاة: إنه جاءه رجل يشتكي إليه أن صاعقةً نزلت على غنمه فأتلفت منها مئاتاً -أكثر من سبعمائة رأس- فهو يأتي للمحكمة حتى تسجل له ويعوض عنها، يقول: فقلت له ذات مرة: ما سبب هذه المصيبة التي نزلت بك؟ لعلك لا تخرج الزكاة؛ قال: فرأيت الرجل تأثر ثم خرج من عندي ولم يعد بعد ذلك، وكأن هذه الكلمة وقعت من الرجل موقعاً، وعرف أن ما أصابه بسبب ذنوبه، فلم يرد أن يأخذ تعويضاً أو مقابلاً لذلك، ولعله تاب إلى الله عز وجل، ولذلك ينبغي علينا جميعاً أن نحرص على أن نتقي النار بالزكاة والصدقات والنفقات.
وقد جاء في الحديث المتفق عليه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه ويبنه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة} وفي الحديث الآخر المتفق عليه -أيضاً-: {أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى النساء وعظهن وذكرهن، وقال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار} فبين عليه الصلاة والسلام أن
الفائدة السابعة: النفقة سبب في دعاء الصالحين لك
هي سببٌ في دعاء الصالحين لك بالخير، ولهذا قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ الصدقة والزكاة، ثم يقول: {اللهم صلِّ على آل بني فلان، اللهم صلِّ على آل أبي أوفى} كما في الصحيح، وكذلك قال الله تعالى في الآية السابقة: {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة:99] أي: دعواته لهم.
إن المؤمنين جميعاً يدعون للمنفقين، بل وحتى الملائكة، فما من شمسٍ تطلع إلا وملكان يقولان: {اللهم أعط منفقاً خلفاً} وهكذا الصالحون من المؤمنين يدعون للمنفقين.
وأقول أيها الأحبة: حق عليَّ وعليكم أن ندعو سراً وجهاراً حتى في صلاتنا وسجودنا للذين يساهمون في أعمال الخير، ويدعمون مشاريعها سواء عرفوا، أو لم يعرفوا، هذا بعض حقهم، وإذا كنت أنت عاجزاً عن الإنفاق، فادع لمن أنفقوا، فإنك لست عاجزاً عن الدعاء.
الفائدة الثامنة: النفقة طهارة للنفس
الثانية عشرة: النفقة مضاعفة في أجرها وثوابها، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276] وقال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِين َ وَالْمُصَّدِّقَ اتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261] .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
فوائد الصدقة
الفائدة التاسعة: عدم الإنفاق مهلكة
الثالثة عشرة: ترك الإنفاق مهلكة في الدنيا والآخرة، فأنفقوا في سبيل الله، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] .
الفائدة العاشرة: الإنفاق سبب لرحمة الله
الخامسة عشرة: هي طهارة للنفس وزكاء لها، كما قال سبحانه وتعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15] وقال: { وسيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] يعني: النار، {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] .
الفائدة الحادية عشرة: هي سبب لرحمة الله عز وجل للمتصدقين والمنفقين
قال جل وعلا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156] .
الفائدة الثانية عشرة: هي سبب للتكفير ومغفرة الذنوب
قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن} والحديث جاء أصله في الصحيحين في قصة خطبة العيد، وجاء -أيضاً- عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود كما عند الترمذي وأبي داود، وهو حديث حسن، وله شواهد.
الفائدة الثالثة عشرة: الله غني عنكم والصدقة قربة منه تعالى
الله غني عنك، وإنما ابتلاك ليعلم -وهو أعلم في كل حال- أتشكر أم تكفر: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40] وقال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] .
إن الله تعالى لو شاء، لأجرى الجبال ذهباً وفضةً مع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن به حاجة عليه الصلاة والسلام أن يربط على بطنه حجرين من الجوع يوم الأحزاب، ولكن هكذا الدنيا، هكذا أرادها الله عز وجل، والله تعالى قادر على أن يعطي جنده وأولياءه والمجاهدين في سبيله من نعيم الدنيا الشيء الكثير، ولكنها دار الابتلاء.
الفائدة الرابعة عشرة: النفقة سبب في دعاء الصالحين لك
هي سببٌ في دعاء الصالحين لك بالخير، ولهذا قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ الصدقة والزكاة، ثم يقول: {اللهم صلِّ على آل بني فلان، اللهم صلِّ على آل أبي أوفى} كما في الصحيح، وكذلك قال الله تعالى في الآية السابقة: {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة:99] أي: دعواته لهم.
إن المؤمنين جميعاً يدعون للمنفقين، بل وحتى الملائكة، فما من شمسٍ تطلع إلا وملكان يقولان: {اللهم أعط منفقاً خلفاً} وهكذا الصالحون من المؤمنين يدعون للمنفقين.
وأقول أيها الأحبة: حق عليَّ وعليكم أن ندعو سراً وجهاراً حتى في صلاتنا وسجودنا للذين يساهمون في أعمال الخير، ويدعمون مشاريعها سواء عرفوا، أو لم يعرفوا، هذا بعض حقهم، وإذا كنت أنت عاجزاً عن الإنفاق، فادع لمن أنفقوا، فإنك لست عاجزاً عن الدعاء.
الفائدة الخامسة عشرة: شرف المتصدق
الله عليم بما أنفقت ومُطِّلع عليه، وحسبك بذلك شرفاً ورفعة، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:273] وقال: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270] .
الفائدة السادسة عشرة: النفقة سبب في دعاء الصالحين لك
تاسعاً: هي سببٌ في دعاء الصالحين لك بالخير، ولهذا قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ الصدقة والزكاة، ثم يقول: {اللهم صلِّ على آل بني فلان، اللهم صلِّ على آل أبي أوفى} كما في الصحيح، وكذلك قال الله تعالى في الآية السابقة: {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة:99] أي: دعواته لهم.
إن المؤمنين جميعاً يدعون للمنفقين، بل وحتى الملائكة، فما من شمسٍ تطلع إلا وملكان يقولان: {اللهم أعط منفقاً خلفاً} وهكذا الصالحون من المؤمنين يدعون للمنفقين.
وأقول أيها الأحبة: حق عليَّ وعليكم أن ندعو سراً وجهاراً حتى في صلاتنا وسجودنا للذين يساهمون في أعمال الخير، ويدعمون مشاريعها سواء عرفوا، أو لم يعرفوا، هذا بعض حقهم، وإذا كنت أنت عاجزاً عن الإنفاق، فادع لمن أنفقوا، فإنك لست عاجزاً عن الدعاء.
الفائدة السابعة عشرة: الانتقال من الشح إلى البذل
رمضان شهر الإنفاق، شهر العطاء، ليس عطاء المال وحده، بل عطاء في النفوس التي تنشرح، والابتسامات التي تظهر، والصلات التي تمتد، والزيارات التي تحصل، والألفة التي ترى، والاجتماع الذي يشهد.
صورة جميلة رائعة من بذل النفوس والقلوب والأرواح، وبذل الجيوب والأموال والدرهم والدينا.
لمه؟ لأسباب كثيرة، فضيلة الزمان، ومضاعفة الأجر، وكلنا يعرف ذلك في رمضان، ثم اختصاص للصدقة في شهر رمضان، كما ورد في سنن الترمذي من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصدقة صدقة رمضان) .
ثم ماذا؟ اجتماع الصيام والصدقة في سياق واحد من الأعمال المفضية إلى دخول الجنة، كما روى علي بن أبي طالب فيما أخرجه الترمذي في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما ذكر من الأمور التي تدخل الجنة في شأن عباد الله الصالحين، قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فلما سألوا: هي لمن يا رسول الله؟! قال: لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) ، والصدقة فيها في رمضان إطعام الطعام، وفي رمضان الصلاة والناس نيام، وفيه كذلك الصيام، فلما اجتمعت هذه أحب كل مؤمن أن يجمعها في شهره لعله يتعرض لنفحات الله عز وجل فيستوجب رحمته ومغفرته، وينال بإذن الله عز وجل يوم القيامة جنته.
وخصيصة أخرى كذلك، وهي في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن) ، فبقدر رحمتك بالخلق تفيض عليك رحمة الله، ونحن نعلم أن القلوب ترق في رمضان، وأن الرحمة تفيض فيه، وأن الإنسان يشارك الفقراء والأيتام والمحرومين مشاعرهم ويرحمهم، فيكون أكثر عرضة لرحمة الله سبحانه وتعالى.
وخصيصة أخيرة، وهي أن ثمة نوعاً من الصدقة خاصاً بهذا الشهر يأتينا في جانبين: (من فطّر صائماً فله مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجر الصائم شيئاً) ، فلذلك نرى الناس وهم يسارعون إلى تفطير الصائمين ليبلغوا أجرهم ويتعرضوا لرحمة ربهم.
ومن جهة أخرى فإننا نعلم أن الكفارات تكفر الذنوب، وهي أنواع كثيرة، منها الصيام، ومنها إطعام الفقراء والمساكين، فاجتمعت الأسباب كلها ليعمد المسلمون إلى أن يخصوا هذا الشهر مع ارتباطهم بالقرآن، ومع كثرة الصلاة، ومع وجود الصيام بالإنفاق، فتجود به النفوس، وتسخو به، فلا يغالبها شح، بل تنتصر بإذن الله عز وجل فيها إرادة الخير وابتغاء الأجر: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] .
وتستحضر النفوس قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:261] ، كم هو الأجر عظيم! وكم هو الثواب جزيل! وكم هي أعطيات الله عز وجل التي لا يحدها حد ولا يحيط بها وصف! فعطاؤه سبحانه وتعالى غير مجذوذ.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
طرق الحث على الإنفاق وأنواعها
قال تعالى{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا} [الحديد:10] لقد جاءت الزكاة بمعناها الشرعي الخاص في أكثر من ثلاثين موضعاً في القرآن الكريم، وحث الله تعالى على الصدقة والإنفاق، وتنوعت في ذلك الطرائق، وأهم تلك الطرق التي رصدتها في القرآن والسنة في الحث على الإنفاق تقرب من عشرين طريقة، أسردها على عجالة كما يلي:
إنها سنة ماضية، وأهل هذا الدين مبتلون ومختبرون، فعلينا -أيها الإخوة وأيتها الإخوات- أن نفزع مع إخواننا المسلمين، وأن نصدق الله تعالى، وألا نمل ولا نكل ولا نحتقر شيئاً مهما قل؛ فإن الصدقة يربيها الله تعالى للإنسان، كما يربي أحدنا فلوه، حتى تكون كالجبل العظيم، أو تحسد نفسك الخير والمعروف والبر والجود؟ والله تعالى يقول: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُم ْ} [البقرة:272] .
فيا أيتها الأخوات المؤمنات -وأنا إذ أنادي النساء خاصة فإني أريد أن أثير حمية الرجال أيضاً- يا أيتها الأخوات المؤمنات تصدقن ولو من حليكن، كما قال لكن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الناصح الأمين {تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم} ويا أيها الرجال، إذا بذلت النساء، وتخلت المرأة المسلمة عن ساعتها أو عن قرطها، أو عن شيء من حليها، أفتعجز أنت أن تتخلى عن جزء من مرتبك أو رصيدك، في سبيل الله تعالى.
إن المحروم من حرم هذا الخير، خاصة في هذه الأيام المباركات، والساعات التي يرجى أن تضاعف فيها الحسنات، وتقال فيها العثرات، وتكفر فيها السيئات.
فأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم جميعاً ممن أسرعوا إلى الخيرات، وسابقوا إليها فكانوا لها سابقين، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الصدقة من علامات التقوى
الحادية عشرة: الإنفاق علامة من علامات التقوى، قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:2-3] وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:133-134] .
النفقة قربة إلى الله
ثامناً: النفقة قربى إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة:99] الفريضة أولاً، وهي الزكاة، ثم النافلة، وربنا عز وجل يقول: {وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} .
الدعوة لسرعة الإنفاق
أولاً: الدعوة إلى المسارعة إلى الإنفاق في زمن الحاجة والفقر والشدة، فهو خير من البذل زمن السعة والغنى.
إن المسلمين اليوم جياع فقراء ضعفاء وهم غداً -بإذن الواحد الأحد- أقوياء أغنياء أعزاء غير محتاجين إلى أحدٍ من الناس، فالذين ينفقون زمن الفقر والحاجة قبل الفتح هم أعظم درجة، كما قال الله عز وجل:
{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] .
إن الإسلام منصور، وراية الجهاد مرفوعة، فأدرك شرف المشاركة اليوم قبل أن يفوتك الفضل والنبل.
الثواب من الله على المتصدقين
ثالثاً: الأجر والثواب في الآخرة للمنفقين والمتصدقين المخلصين، فهي تجارة مضمونة، ولكن ليس فيها شائبة ربا، أو شبهة حرام: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:262] .
الصدقة دليل على البراءة من النفاق
رابعاً: الصدقة دليل على البراءة من النفاق، وبرهان على الإيمان وصدق اليقين في القلب، قال الله تعالى عن المنافقين: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً} [النساء:39] .
وقال عن المنافقين: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7] .
فهذا هو الحصار الاقتصادي الذي تواصى به المنافقون بالأمس في الضغط على المؤمنين، ومحاولة التضييق عليهم، وحرمانهم من الوظائف والأعمال والأموال والمرتبات، والتضييق عليهم في أرزاقهم وأموالهم حتى ينفضوا.
لقد ظن هؤلاء أن اجتماع المؤمنين والمسلمين هو على المغنم، وعلى الدنيا، فاعتقدوا أن المال هو الذي يقدم ويؤخر، والله تعالى يقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] .
فهم ما اجتمعوا على المال، ولا من أجله، ولذلك لن يفرقهم الجوع أبداً.
لقد كان السجناء من المؤمنين والدعاة في بعض السجون يجوعون، ثم يعطى الواحد منهم قطعة من الشوكولاته تصله من بعض أقاربه بالتهريب وبطريقة سرية، فلا يأكلها، بل يعطيها إخوانه، ثم تدور على المجموعة حتى تصل إلى الأول الذي أخرجها طيبةً بها نفسه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري: {والصدقة برهان} أي: دليل على صحة وصدق إيمان المتصدق.
معالم قرآنية في الحث على الإنفاق
صور كثيرة تجعلنا نتذكر ونهتم ونعتني بهذه الشعيرة في الإنفاق والبذل والعطاء الذي نبتغي به أجر الله سبحانه وتعالى، ونجد لذلك بعضا ًمن المعالم والمعاني القرآنية المهمة التي يحسن الذكر لها، ولعلنا نستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة) ، فهذه معادلة صادقة، وهي أصدق من المعادلات الرياضية، وهي أوضح وأصدق من قضية واحد يزاد عليه فيصبحان اثنين؛ لأن هذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
صحيح أنه قد يكون عندي الألف، فإذا أخرجت مائة أصبح تسعمائة، لكنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر: (فيقبلها ربه بيمينه فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون عند الله مثل جبل أحد) .
صدقة يسيرة تضاعف حتى تصبح مثل جبل أحد، وجبل أحد محيطه إذا سرت حوله بالسيارة يبلغ ستة كيلو مترات، وانظر إلى حجمه وضخامته، ولا تظن أن هذه مجرد أمثال، بل هي خبر حقيقي صادق ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا نعتقد يقيناً أنه لن ينقص هذا المال من الصدقة من حيث الأجر الأخروي، ومن حيث البركة الدنيوية؟ ومن حيث البركة فهي في وجهين: قليل يبارك فيه فينفع ويفيض، ونرى ذلك كثيراً، ترى من عنده راتب قليل وعيال كثير وهو مبتسم منشرح الصدر، ويأتي آخر شهره وقد قضى حوائجه بحمد الله، وآخر راتبه أضعافه وأبناؤه أقل منه، ومع ذلك يشكو من الويل والثبور وعظائم الأمور، ومن ضيق ذات اليد، وليس الأمر في الكثرة ولكنه في البركة، والبركة لا تحل إلا بطاعة الله والاستجابة لأمره والإنفاق في سبيله والتفقد لعباده.
وينبغي أن نوقن بذلك، وأن نراه جزماً في واقع حياتنا، ومن البركة كذلك أنك تنفق ويزيد الله سبحانه وتعالى لك ويخلف عليك؛ لأنه وعد، ووعده صادق سبحانه وتعالى.
ومما ينبغي أن يحرص عليه المتصدق أمر الخفاء والسر والتجرد بالإخلاص في النفقة، كما قال جلا وعلا: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] .
وفي الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم في شأن السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) ، ولعمري ما من بلاغة أحسن من هذا التعبير النبوي، حتى إن اليدين وهما في جسد واحد لا تعلم اليسرى ما أنفقت اليمنى، فغير ذلك من الخفاء أولى، وذلك هو معروف بصدقة السر التي لها عظيم الأجر وعظيم الأثر في الوقت نفسه.
وأعظم من هذا وذاك: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] ، أي: تسل سخائم النفوس، وتسل ضغائن القلوب، وتطهر النفس من الشح والبخل، وتطهر نفوس الفقراء من الحسد.
صور كثيرة أصبحنا نراها في مجتمعاتنا يوم ضعفت صلتنا بكتاب ربنا وبسنة نبينا وبديننا وإسلامنا.
ألسنا نرى هذا وهو يحسد ذاك، وهو يتمنى لو أنه أخذ ما عنده؟ وترى الآخر وهو يشح ويبخل ويرى غيره غير مستحق لنعمة الله عز وجل.
كم هي هذه الصور التي لا يغيرها إلا منهج الله وإلا عبادة الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا قد قال في وصف الإنسان: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20] ، وكثيرة هي الأمور المتصلة بهذا الشأن، ولعلنا ننتبه لها، وسنعرف كذلك من بعد ما يضادها.
نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه للصيام والقيام والذكر والتقوى، وأن يبعدنا ويجنبنا عن كل ما فيه غفلة ومعصية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
أنواع الصدقات
يظن بعض الناس أن الصدقة هي الصدقة المالية فقط، ولكن الحقيقة أن الصدقة أنواع كثيرة جداً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفقراء الصحابة لما جاءوه: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون من فضول أموالهم.
قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة.
قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.
وقد وردت نصوص كثيرة في أنواع الصدقات.
فمما اختصرته لكم من هذه الروايات من أنواع الصدقات: الكلمة الطيبة، عون الرجل أخاه على الشيء، الشربة من الماء يسقيها، إماطة الأذى عن الطريق، الإنفاق على الأهل وهو يحتسبها، كل قرض صدقة، القرض يجري مجرى شطر الصدقة، المنفق على الخيل في سبيل الله، ما أطعم زوجته، ما أطعم ولده، تسليمه على من لقيه، التهليلة، التكبيرة، التحميدة، التسبيحة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إتيان شهوته بالحلال، التبسم في وجه أخيه المسلم، إرشاد الرجل في أرض الضلال؛ إذا تاه رجل وضل الطريق، ما أطعم خادمه، ما أطعم نفسه، إفراغه من دلوه في دلو أخيه، الضيافة فوق ثلاثة أيام، إعانة ذي الحاجة الملهوف، الإمساك عن الشر، قول: أستغفر الله، هداية الأعمى، إسماع الأصم والأبكم حتى يفقه، أن تصب من دلوك في إناء جارك، ما أعطيته امرأتك، الزرع الذي يأكل منه الطير أو الإنسان أو الدابة، ما سرق منه فهو صدقة، وما أكله السبع فهو صدقة، إنظار المعسر بكل يومٍ له صدقة، تدل المستدل على حاجةٍ قد علمت مكانه، تسعى بشدة ساقيه إلى اللهفان المستغيث، ترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ما صنعت إلى أهلك، النخاعة في المسجد تدفنها، تعدل بين اثنين، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، كل خطوة تخطوها إلى الصلاة، التصدق على المصلي لكي تكون جماعة من يتصدق على هذا، إذا منحت منحة أعطيته إياها غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها وغبوطها؛ ما يحلم في الصباح وما يحلم في المساء؛ هذه بعض أنواع الصدقة.
والمتأمل لها يجد أنها على نوعين، الصدقات الغير مالية هذه على نوعين: الأول: ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق يكون صدقة عليه، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إقراء القرآن، تعليم العلم، إزالة الأذى عن الطريق، نفع الناس، استعمال وجاهة تكفيه أو شفاعة حسنة لنفع مسلم، الدعاء للمسلمين، الاستغفار لهم، هذا نفعه متعدي، وقد يكون أفضل من الصدقة بالمال.
النوع الثاني: ما نفعه قاصرٌ على فاعله، مثل: التكبير، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والاستغفار، والمشي إلى المساجد وغير ذلك.
إذاً: كل ما كان نفعه متعدٍ أكثر؛ كلما كان زيادة في الأجر، وكلما كان شرفه وفضله أكثر؛ فهو أيضاً زيادة في الأجر، فإن الذي يمشي إلى الصلاة بكل خطوة يخطوها حسنة تكتب، وسيئة تمحى، ودرجة ترفع.
صدقة المرأة المسلمة في رمضان
كذلك فإن من أوجه العبودية في رمضان: الصدقة، فإذا كان رسولك صلى الله عليه وسلم قد قال: (يا معشر النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فإذا كان الأمر بالصدقة عاماً، فالأمر به أو فعله في رمضان آكد وأقوم وأكثر أجراً، ولا شك في مضاعفة الأجر في مواسم الطاعة العظيمة كشهر رمضان، فإن الحسنة تتضاعف في المكان الفاضل، والزمان الفاضل.
فأقول إذاً: تحركي بما تستطيعين أو تجودين به من الصدقات في أنواع البر المختلفة، والذي حصل من النساء -ولله الحمد- الآن تفتح كبيرٌ لها، وإسهامات عظيمة في التجميع والإيصال والحمد لله، وأنبه في هذه المناسبة إلى أن على النساء تمحيص جمعيات البر؛ لأن بعضها جمعيات سوء، وبعضها جمعيات صلاح وتقوى بعضها أسس على تقوى من الله ورضوان، وبعضها أسس على شفا جرف هار، فعليك بتمييز الجمعيات الطيبة وإشهارها والإعلان عنها، والنصيحة بالتبرع لها، والمساعدة فيها، والتحذير من الجمعيات السيئة، وعدم إعانتهم بشيء إذا كانوا يريدون قصداً سيئاً، أو يخفون أهدافاً سيئة، واحذري من القيل والقال وعليك من التأكد والتثبت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] .
أيتها الأخت المسلمة! إن زكاة مالك مهم، فإن الناس كثيراً لا يعتادون إخراج الزكاة في رمضان، فعليك بإخراج الأموال الزائدة عندك، وإذا كانت لديك أراضٍ معدة للبيع فأخرجي زكاتها، وإذا كان لك تجارة أو حصة في دكان أو عروض تجارة، فتقوم عروض التجارة عند حلول الحول، ويخرج (2.
5%) من قيمتها الحالية في السوق، وما لديك من الحلي الملبوس والمدخر والمعار وغيره، فأخرجي زكاته على القول الراجح من أقوال أهل العلم المستند للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما قال لها: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.
قال لها: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة؟) فعليك معرفة ثمن الحلي عند حلول الحول بالتقريب، فأكثر، وكذلك إذا كان عندك حلي للبنات تخرجين زكاة كل بنت على حدة، تعامل كل بنت بنصاب منفصل، فلو كانت البنت عندها أربعين غراماً لا يجب عليها، والبنت الثانية عندها خمسون غراماً لا يجب عليها، لكن لو أن البنت الواحدة عندها تسعين غراماً مثلاً أو مائة يجب عليها، وأنت تلاحظين زكاة ذهب بناتك أنت، وتخرجينها بالنقود أو من نفس الذهب، أو ببيع قطعة منه، أو يتبرع الزوج عنك بعلمك، كل ذلك جائز والحمد لله.
وبعض النساء اعتدن على إعطاء أسر قد أغناها الله، كانوا قبل ذلك أيتاماً وأرامل لكن الآن أغناهم الله، فلا يجوز الاستمرار في إعطائهم وقد أعطاهم الله، ولم يصبحوا من أهل الآية الكريمة، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [التوبة:60] ، فينبغي البحث عن المستحقين الآخرين.
حملات تبرع
هناك حملات للتبرعات التي ينبغي أن نقوم بها في أي مكان، بين الزملاء، أو في المساجد، أو في الجوامع، أو في الجمع، أو في الأعياد، أو في رمضان، أو حتى في وقت استلام الراتب من كل الطلاب، أو الموظفين في أي دائرة، أو حتى في الأزمات التي تمر بالمسلمين، وليكن لك أنت شرف السبق إلى ذلك والمسارعة والمساهمة.
مع أنه ينبغي علينا جميعاً حينما نبذل ونتبرع أن نراعي أهل الثقة والعدالة، وأن نتأكد من وصول الأمر إلى مستحقيه.
ثم هناك نقطة إضافية وهي تخصيص جزء من عملك التجاري الاستثماري- كما أسلفت- فإذا كان عندك عشرة فروع لمتجرك فلماذا لا تخصص واحداً منها لمشاريع الخير؟ وجرِّب وقس وسوف تجد أن مالك يتضاعف بذلك، وخاصة حينما تتولى إدارته بنفسك وتنميه لوجه الله عز وجل، ثم هناك المشاريع الاستثمارية التي يقوم عليها بعض الأخيار لصالح الدعوة، وهذا واجب على الدعاة أن يقوموا به، وواجب على الاقتصاديين أن يفكروا جيداً في هذا الأمر ويعملوا له.
إن الكثيرين قد يتساءلون عن مثل ذلك، إنها أموال تصرف في أعمال الخير في تجارة، في أرض، في مزرعة، في أي عمل آخر، ويكون هناك مجموعة من الأمناء القائمين على هذا المشروع بحيث يطمئن إلى استمراره وألاّ يكون مرهوناً بحياة إنسان، أو موته، وألاّ يكون فيه مجال لضياع الأموال، أو استغلالها من قبل بعض ضعفاء النفوس، وإن كانت مثل هذه الأمور مما لا ينبغي أن يطال بتفصيلها.
وهناك مشروع صناديق الدعوة، وقد يكون هذا الصندوق في المسجد، أو في غرفة الصرف في الدوائر الحكومية، أو حتى في البيت لتبذل فيه المرأة، أو يضع فيه الطفل ما تيسر له، وفي خلال شهر، أو شهور يكون قد اجتمع فيه مبلغ كبير، وينبغي أن تفتح هذه الصناديق أولاً بأول ليأخذ ما فيها، ويمكن أن تفهم صناديق الدعوة بطريقة أشمل من ذلك بحيث تكون على تلك مؤسسة صغيرة لها إدارة، لها دخل ثابت وإيرادات، ولها مصروفات، ولها نشاطات، ولها حسابات.
وهناك الزكاة وهي من أعظم مصادر المال وأهميتها، وضرورتها واضحة جداً، فينبغي أن توضع في موضعها المناسب، ولو أن أغنياء المسلمين أخرجوا زكاة أموالهم، لاستغنى المسلمون جميعاً، سواء كانوا من المجاهدين، أو من الفقراء، أو من المحتاجين، أو من الراغبين في الزواج، أو سواه.
إن هناك من المسلمين من يملكون أموالاً هائلةً طائلةً زكاتها تدفن فقر المسلمين جميعاً، فلماذا لا يحاسب المسلم نفسه محاسبة الشريك الشحيح؟ بل وحتى يخرج احتياطاً لئلا يدخل شيء من مال الزكاة في ماله الخاص، بل إذا لزم الأمر، فلا مانع من تعجيل الزكاة إذا كان هناك مناسبة، فادع إلى تعجيلها، فقد روى الترمذي وأبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: {أن العباس سأل الرسول صلى الله عليه وسلم تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول مسارعة إلى الخير، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك} والحديث رواه أحمد أيضاً والدارقطني والحاكم، وفي سنده ضعف، ولكن له شواهد.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
بعض مصارف ومجالات الصدقة
أولاً: المتسولون الذين يطرقون الأبواب، ويمرون في الشوارع، ويقفون أمام المصلين يكثر فيهم الكذب، وقد كشفنا وكشف غيرنا الكثير من ذلك، سواء كانوا يطلبون العطاء لأنفسهم، أو لأولادهم، أو لديات، أو كانوا ربما أحياناً قد يطلب الواحد منهم لمشروع، وبعد التحقق يبدو أن هناك خطأً، أو مبالغةً في الأمر، وقد يكون الموضوع مزوراً في بعض الأحيان، حتى بعض الأوراق والوثائق قد تكون مزورة أو قديمة، أو قد يكون كتب لهم رجل أحسن بهم الظن، وحملهم على ظاهرهم.
إنه ينبغي لنا ألاَّ نعطي إلا بعد التثبت من حال الإنسان، ولو كان في بلد ناءٍ، خاصةً إذا كان يجمع لمشروع خيري -مدرسة، أو مركز، أو مسجد، أو ما شابه ذلك- حتى لو كان هذا المشروع في الصين، أو في الهند، أو في أفريقيا.
إن من السهل أن تُجمع عشرة مشاريع، ثم يسافر شاب إلى الهند، أو إلى الصين، أو إلى أفريقيا بتذكرة لا تكلف أكثر من ستة آلاف ريال، ويتأكد من هذه المشاريع بنفسه، ثم يرجع بخبر جهينة الخبر اليقين.
وقد يجمع في المساجد، أو في غير المساجد مبالغ طائلة قد قبض على بعض هؤلاء، ووجد معه مائة ألف ريال جمعها خلال أقل من أسبوع، وتبين أن مدعاه ليس بصحيح، ثم إن هذا لا يعني إهمال المشاريع الإسلامية بحجة عدم التثبت، فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، فبعض الناس لا يُعطي بحجة الشك، وبعض الناس يُعطي بلا تثبت! لا، ولكن حينما تريد العطاء، فأعطه من تثق بهم أنهم يتثبتون ويطمئنون ويكونون وسطاء مأمونين يستطيعون أن يوصلوا هذه الأموال إلى مستحقيها.
ثانياً: أصحاب العاهات، وبعض النساء، وبعض العاطلين مهمتهم الطواف والسؤال، ولا مانع أن تعطي هذا الإنسان مبلغاً يسيراً مجاملةً من مالك الخاص، أما أن تعطيه من حق الفقراء، ومن مال الله عز وجل، فلا وألف لا، لا تعطه من الزكاة، وأنت يغلب على ظنك أنه غير محتاج، وأنه يجمع أموالاً طائلة، وربما ملك ما لا تملكه أنت نفسك.
ثالثاً: العوائد المألوفة، أنت معتاد أن تعطي بعض الجيران، وبعض الأقارب، وبعض المعارف كل سنة من الزكاة، وهم قد تغيَّرت أحوالهم، وسددت ديونهم، واستغنوا بغنى الله عز وجل، وتحسنت أوضاعهم، وتوظف أولادهم، فلا داعي لاستمرار هذا العطاء، بل يجب أن تقطعه إذا علمت أنهم استغنوا عنه، ولا يجوز لك أن تعطيهم مجاملة، وأنت تعلم أنهم غير محتاجين.
وفي موضوع الصدقة أود أن أشير إلى مصارف مهمة: المصرف الأول: مصرف المجاهدين في سبيل الله قال الله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّه} [التوبة:60] فالمجاهدون في سبيل الله هم أحد الأصناف الثمانية الذين تدفع لهم الزكاة، وقد بينت لكم أن في بلاد الأفغان وفلسطين وإريتريا والفلبين مسلمين ومجاهدين ومرابطين على الثغور، وإذا كنا لم نجاهد معهم، ولم نحمل السلاح معهم، ولم نخلفهم في أولادهم وأزواجهم بخير، فلا أقل من أن نعينهم بما تجود به أيدينا من المال، وهذه أعظم مصارف الزكاة في هذا العصر خاصة، ولذلك ينبغي دعم هؤلاء الإخوة المجاهدين، وبالأسباب والوسائل التي من الممكن أن تصل من خلالها الأموال إليهم بيسر وسهولة.
ومن المصارف التي أود أن أشير إليها: الفقراء والمحتاجين من الشباب وطلاب العلم، فإنني أعلم كثيراً من طلاب العلم *-وقد يكون بعضهم من بينكم، من بين المستمعين- من هم بحاجة إلى مساعدة إخوانهم، من لعوز، أو فقر أو حاجة أو إعسار، أو لأنهم يريدون أن يتزوجوا ولا يجدون ما يكمل لهم مهر الزواج وموؤنته، وفي ذلك إعفاف لهم وتحصين لفروجهم وإكمال لنصف دينهم، وفيه من المصالح مالا يخفى، كما أنه يعين على طلب العلم وتحصيله.
وأود أن أشير إلى أن من الجهات التي تتقبل الصدقات والنفقات هي: الجمعيات الخيرية، فإذا وجدت جمعيات خيرية موثوقة، فلا بأس أن يعطيها الإنسان، لأن هذه الجمعيات تتحرى، وعندها ملفات خاصة بالأسر المحتاجة، وتعطيهم رواتب شهرية وتنفق عليهم، وفي هذا البلد أعلم أن القائمين على جمعية البر الخيرية من الناس الموثوقين المعروفين بالخير والاستقامة، والحرص على تحري وضع المال في موضعه الصحيح الشرعي، فينبغي للإنسان الذي يجد المال وربما لا يعرف مصارفه الصحيحة، أن يوكلهم في صرف هذا المال إلى مستحقيه.
بناء المساجد
حادي عشر: المساجد: {ومن بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاةٍ، بنى الله له بيتاً في الجنة} فالمساجد في المناطق التي يحتاج إليها سواء في هذا البلد، أو في أي بلد إسلامي لا تقل أهمية المسجد عن غيره، لكن يجب أن تعرف ماذا سيكون مصير المسجد بعد البناء، وأن تعتدل في نفقته.
صناديق الأسر
ثاني عشر: صناديق الأسر: وهي مهمة جداً للتكافل الاجتماعي، والترابط الأسري، فإن بعض الأسر خاصة الأسر الكبيرة تجعل لها صندوقاً واشتراكاً شهرياً من جميع أفراد هذه الأسرة، ثم يكون هناك مجلس خاص يدير هذا الصندوق ويستثمره، فيعطي المحتاجين، والشباب الراغبين في الزواج، والفقراء، والأيتام، والأرامل، وأمثالهم، ومثل هذه الصناديق ظاهرة موجودة في هذه المنطقة بحمد الله عز وجل، وفي مناطق أخرى كثيرة، وينبغي السعي إلى تعميمها ونشرها، فإن فيها فوائد: فوائد دينية، وفوائد ترابط الأسرة، والغنى وعدم الحاجة، إضافة إلى مصالح أخرى كثيرة.
إعانة من أراد الزواج
رابعاً: من طرق الإنفاق، الشباب الراغبون في الزواج، فإنهم يحتاجون إلى إعفاف فروجهم، وغض أبصارهم، وبناء الأسرة السليمة التي تعبد الله تعالى وتوحده، وحبذا أن يكون ذلك بالقرض الحسن لتربيتهم على الاستغناء عن الناس، وعلى البحث عن الرزق الحلال، وعلى الاعتماد على الله عز وجل، ثم على أنفسهم، وفي ذلك فائدة تربوية عظيمة.
المشاريع الاستثمارية الخيرية
خامساً: المشاريع الاستثمارية الخيرية، وهي مهمة جداً، ومثلها الأوقاف التي توقف لصالح أعمال الخير من الأحياء، أو من الأموات، والتعجيل بها في حال الحياة أحسن وأفضل منها بعد الموت.
إن الكثيرين يوصون بالثلث بعد الموت، وهذا في الأصل إنما هو صدقة من الله عز وجل، وإلا فالإنسان بعد موته يكون ماله لورثته، لكنك تدري أن كثيراً من الأموات ضاعت أوقافهم ووصاياهم واختلف فيها الأولاد، وتركوها، ولم تجد من يقوم بها، أو استلمتها بعض الجهات الرسمية، ولم يكن فيها كبير نفع.
لكن لو أنك أوقفت شيئاً في حال حياتك على أعمال الخير والدعوة، وجعلته استثماراً يدر ويفيد سواء أكان أرضاً، أو عمارةً، أو محطةً، أو مشروعاً تجارياً، أو ما أشبه ذلك وكتبته لأعمال الخير، فإنك تقوم به في حال حياتك، ويكون بعد وفاتك معروفاً محدداً لا يختلف عليه أحد، وهذا عمل عظيم، لأنه يترتب عليه وجود أعمال استثمارية ثابتة ريعها معروف، ودخلها ثابت يصرف منه في أعمال البر.
التعليم
سادساً: التعليم: كبناء المدارس، والمعاهد، وإرسال المعلمين، وكفالتهم، وطباعة الكتب، وبناء الأربطة والمساكن للطلاب وللمدرسين وغيرهم، وإعداد خلوات تحفيظ القرآن الكريم، ويوجد ذلك في مناطق أفريقيا لذلك سواء في السودان، أو في الصومال، أو في غيرها من المناطق الإفريقية.
ومن ذلك أيضاً تفريغ بعض النابغين من الطلبة، وإعدادهم إعداداً جيداً بصورة صحيحة ليتفرغ لطلب العلم بعيداً عن الاشتغال بالرزق والبحث عنه؛ ليتفرغوا لهذا العمل الجليل.
الجمعيات الخيرية
سابعاً: الجمعيات الخيرية سواء كانت جمعيات خيرية تخدم البلد، أو المنطقة، أو كانت جمعيات إسلامية عالمية تعمل على خدمة المسلمين في كل مكان، ويجب أن يتولى إدارة هذه الجمعيات كلها -بنوعيها- الأمناء الأخيار: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] وحبذا أن يكون لكل داعية، أو مهتم، أو غني، أو عالم أن يكون له جمعية، بل أن يكون له شبكة من الجمعيات عبر العالم، لئلا تكون أعماله وبضاعته هي الكلام فحسب.
فعليه أن يكون عنده نشاط للأيتام والأرامل، وآخر للتعليم -تعلم الدين- وثالث مركز للدعوة، ورابع مكتب للإعلام وهكذا يستثمر هذا العالم، أو الداعية، أو المهتم، يستثمر فرصته وعلاقاته في دعم هذه الجمعيات والإشراف عليها، ومن الضروري أن يكون هناك تنسيق بين هذه الجمعيات وتعاون على البر والتقوى، وعدم تضارب في الجهود، كما يجب عدم التسرع في إطلاق التهم على الآخرين بدون بينة، أو روية، أو تثبت أن أموالهم لا تثبت، أو أنها تضيع سدى.
المبرات الخيرية
ثامناً: المبرات الخيرية للأسر المحتاجة داخل المدن، أو القرى، أو المناطق النائية، بحيث توفر هذه المبرات الأموال، فتنفق على الأسر في السكن، وفي الطعام، وفي الشراب، وفي اللباس، وفي الغذاء، وفيما يحتاجون إليه، وينبغي أن يقوم على هذه المبرات العلماء وطلبة العلم، بحيث تكون مأمونة، ولا تكون فرصة لضعاف النفوس الذين يصطادون في الماء العكر، ويثرون على حساب الأيتام والأرامل والفقراء.
المستودعات الخيرية
تاسعاً: المستودعات الخيرية: كالمستودع الخيري الموجود، الذي يقوم عليه الشيخ صالح الهنيان جزاه الله خيراً، والتي تستقبل الأواني المنزلية والأثاث والطعام والأدوات الكهربائية وغيرها، وتصلح ما فسد منها، وتقوم عليها، ثم تعطيها المحتاجين.
الفقراء والمساكين
عاشراً: الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام أينما كانوا، فإن لهم حقاً في أموال الأغنياء، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وقال: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19] .
أيها الأحبة: تردني أسئلة كثيرة من الناس رجالاً ونساءً: فلان حاله كذا، فهل نعطيه؟ وفلانة حالها كذا، هل نعطيها؟ ويتبين لي من تلك الأسئلة أن معظم الناس يعطون زكواتهم وصدقاتهم لأقوام ربما لا يستحقونها، أو هم في غنىً عنها، وأقل ما نقول: إن هناك من هو أحوج إليها منهم.
الدعوة إلى الله
ثانياً: الدعوة إلى الله تعالى، وذلك بإقامة المراكز الإسلامية، أو طباعة الكتب، أو توزيع الأشرطة، أو كفالة الدعاة.
إن كفالة داعيةٍ واحدٍ في الاتحاد السوفيتي لا يكلف شهرياً، أكثر من مائة ريال، إذاً تستطيع أن تكفل داعية سنة كاملة بألف ومائتي ريال فقط.
إننا بذلك نستطيع أن نوفر آلاف الدعاة، ولا يكلفنا ذلك شيئاً كثيراً، وإنني أعجب أيها الإخوة، وحق لي أن أعجب أن يأتي تاجر محسن متصدق فيبني مسجداً، ويجعله فخماً ضخماً واسعاً مرتفع البناء ربما كلفه ثلاثة ملايين دولار مثلاً في البناء، ثم لا يوجد من يصلي في هذا المسجد، ولا من يؤم، ولا من يخطب، ولا من يعلم، وبناء المسجد شيء حسن، وسوف أذكره بعد قليل، ولكن لو كان هذا المال صرف كله، أو جله، أو بعضه لكفالة دعاة يقومون بتوعية الناس، وتصحيح عقائدهم، وإعادتهم إلى دينهم، وتعليمهم أحكام شريعة ربهم، لكان ذلك خيراً وأقوم.
إن طباعة خمسين ألف نسخة من كتاب لا تكلف أكثر من عشرين ألف ريال، يستطيع خمسة أن يقوموا بمثل هذا العمل الجليل اليسير في نفس الوقت.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
بعض مصارف ومجالات الصدقة
الشعوب المنكوبة
ثالثاً: الشعوب المنكوبة في العراق شعب يحاصر منذ أكثر من ثلاث سنوات لا يصل إليه من الطعام والشراب واللباس والكساء إلا أقل القليل، وأحلف بالله الذي لا يحلف إلا به لو كان شعب العراق نصرانياً، لتنادت أمم النصارى كلها لفك الحصار عنه، ولكن لأنه شعب في غالبيته أبيٌ مسلمٌ، فإن أمم الغرب كلها تتحالف على الحصار عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض} .
فكيف بإنسان؟! فكيف بمسلم؟! فكيف بشعب مسلم بأكمله يُحاصر حتى من قبل دول عربية إسلامية؟! إن هذه الصحيفة التي أدارتها الأمم المتحدة لحصار المسلمين في العراق هي صحيفة آثمة ظالمة، وواجب على المسلمين أن ينكروها ويرفضوها، وأن يتنادوا لنصرة إخوانهم ودعمهم بالمال والطعام والشراب والغذاء والكساء والدواء، وبالدعوة إلى الله تعالى، فإن إيصال الكتب ممكن، وإيصال الأشرطة وارد.
بل إنني أقول لكم من معلومات مؤكدة -أيها الإخوة- إن عدداً من شباب الشيعة تحولوا إلى طريقة أهل السنة والجماعة وعلى الطريقة السلفية السليمة في مناطق الأهوار وفي غيرها، داخل العراق، بل وداخل إيران بواسطة جهود المخلصين والدعاة والكتب والأشرطة.
فعلينا أن نكون عوناً للمسلمين وللدعوة في كل مكان.
وفي مصر شعب بأكمله يُجّوَّع وذلك من أجل أن ينشغل بالبحث عن لقمة العيش، ويضيق عليه، ويُودع شبابه في غياهب السجون، فالمساجين يعدون بالآلاف، والقتلى يعدون بالمئات، ومع ذلك حصلت نكبات وزلازل وأزمات، فتجد أن هناك تبرعات كثيرة لا يصل الناس منها إلا أقل القليل، بل إن الجماعات الإسلامية التي كانت تدعم المسلمين في مصر قد حوربت، والذي ثبت عليه أنه يدعم ويوصل بعض الأموال قد سجن، وقد سجن أكثر من أربعين طبيباً، لأنهم ساعدوا المسلمين هناك.
ولذلك أقول للإخوة: ادعموا إخوانكم المسلمين في كل مكان، ادعموا إخوانكم المسلمين في مصر، لكن حذار أن يكون الدعم عن الطرق الرسمية التي تصل إلى الحكومات، فإن الحكومات قد تتقوى بها على ضرب الإسلام، وعلى حصار المسلمين، وعلى قتل الأبرياء، وعلى إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ولولا الحياء لذكرت لكم نماذج أحلف بالله لا تصدقون أنها تقع، لولا أنني قرأتها في صحف موثوقة مصرية مضبوطة عندي تدل على أن هناك خططاً مبيتةً لإشاعة الجريمة في الذين آمنوا، وقطع دابر العفاف في أوساط تلك الشعوب المؤمنة الأبية في مصر وفي غيرها.
فعلينا أن ندعم المسلمين، ولكن بواسطة الطرق الخاصة التي تصل إليهم، ولهذا أقول للموظفين: إذا جاءك طلب المساعدة، فإياك إياك أن تبذل شيئاً تعين به على قتل مسلم، أو على التضييق عليه، أو على الترويج للسياحة، أو على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وإذا كنت تريد الدعم، فأنت تعرف سبله وطرقه وأبوابه التي تطمئن إلى أنها تصل إلى المحتاجين.
وفي أفغانستان دولةٌ بأكملها عانت أربع عشرة سنة من ويلات الحرب، وهي الآن تعاني أيضاً من بقايا آثار الخلاف بين أصناف وطبقات المجاهدين، فهي محتاجةٌ إلى دعم الإخوة المؤمنين سواء عن طريق التعليم، أو عن طريق نشر الكتب، أو نشر الدعوة، أو عن طريق المساعدة، أو عن طريق مساعدة اللاجئين والمهاجرين، أو غير ذلك من الوسائل.
وفي الجزائر أيضاً شعبٌ يموت جوعاً، خمسة عشر شخصاً يعيشون في غرفة واحدة، لا يجدون مأوى إلا غرفة واحدة حتى إنهم الآن بدءوا يسلكون أسلوب النوم بالتناوب إذ لا تتسع لهم، فينام خمسة الآن على حين يذهب الباقون يبحثون عن أي عمل آخر، ثم تأتي نوبة الآخرين ليقوم هؤلاء وينام الآخرون بدلاً عنهم.
وفي طاجاكستان الأمر كما ذكرت، وفي البوسنة الأمر معروف، ودولة البوسنة والهرسك فيها مدن ومناطق محاصرة منذ ما يزيد على سنة، سراييفو، سربنيتشا، قورازدا، وغيرها مدن محاصرة على مدى أكثر من سنة لا يكاد يصل إليها إلا أقل القليل، فعلينا أن نهب لنصرتهم.
وفي فلسطين شعب يجوع ويضيق عليه، ويمنع حتى من الأعمال التي يمارسها -وهي أعمال متواضعة- بين اليهود في داخل ما يسمى بدولة إسرائيل، فيحال بينه وبين العمل، ويبن رغيف الخبز، وبين العيشة التي يقوم بها أوده، فضلاً عن الذين أبعدوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا: ربنا الله، فهم بأمس الحاجة إلى دعمكم وعونكم وتأييدكم، فأين أنتم من هذه الشعوب المنكوبة؟ إنني أعجب من أخ يقارن مصيبة فرد مهما عظمت وجلت بمصيبة شعب بأكمله يعاني مثل هذه الآلام.
أيها الإخوة: إنني أُحذركم مرة أخرى من الطرق الرسمية التي تتولاها حكومات تلك الدول، فإنه لا ينفعنا أن نكتشف بعد عشرة سنوات، أو عشرين سنة أن هؤلاء كانوا خونة، وأنهم يحاكمون كما وقع في الجزائر حيث حُوُكِمَ بعض رءوس الفساد، واتهموا وثبت أنهم كانوا يسرقون الأموال، فماذا ينفعنا أن نكتشف ذلك بعدما ضاعت أموالنا؟
الجهاد في سبيل الله
أولها: الجهاد في سبيل الله، ومساعدة المجاهدين بالمال والسلاح وغير ذلك من الوسائل في كل مكان، وراية الجهاد اليوم مرفوعة في بلاد عديدة، ففي البوسنة مؤمنون يقاتلون عن دينهم وعن أرضهم وأعراضهم، وفي طاجاكستان أعداد من المؤمنين المجاهدين في الشعاب.
وقد رأينا البارحة مندوباً منهم موثوقاً -إن شاء الله تعالى- يمثل الحزب الإسلامي الوحيد هناك، حزب النهضة، فيقول: عدد المجاهدين أكثر من مائة ألف مجاهد متحصنين في الجبال، وقد استطاعوا أن يردوا نصف تلك الدولة التي سقطت في أيدي الشيوعيين، بلد قتل فيها أكثر من مائتي ألف مسلم خلال ثلاثة أشهر، وفقد منها مائة ألف مسلم أيضاً، وشرِّد أكثر من مليوني مسلم حيث ذهب أكثرهم إلى الدول المجاورة ومنها أفغانستان المنهمكة والمنشغلة بهمومها الخاصة.
شعب يقتل لماذا؟ لأنه أقرب الشعوب لآسيا الوسطى وإلى الإسلام، وأكثرها تديناً وصلاحاً، فلذلك رفعوا راية الجهاد، وهم أحوج ما يكونون إلى المال.
وهناك في إرتيريا مؤمنون مجاهدون على الطريق الصحيح، ويحتاجون إلى الدعم بالمال، وهناك في الفلبين مسلمون يُقتلون، وقد هدمت قرى بأكملها، وقد اعتدى الجنود الحكوميون على أعراض المسلمات، فأصبحت المسلمات نهباً مباحاً، ففي الهند اعتدوا على المسلمات بالاغتصاب، وفي الفلبين، وفي البوسنة، وفي كشمير، والله تعالى وحده هو المستعان.
وأقول: أيضاً في الجزائر عشرات الآلاف من الشباب الذين يدافعون عن دينهم، وعن أعراضهم، وعن تحكيم شريعة الله عز وجل، ويقاتلون أولياء العلمانية، وأولياء الاشتراكية، وأولياء الغرب، والجميع محتاجون إلى دعم إخوانهم المسلمين، ليس فقط لدعم الجهاد بنفسه، بل لحماية ظهور المجاهدين، ورعاية أسرهم، فإن أهل الفساد والريب يقولون: لا تنفقوا على هؤلاء، ويحاصرونهم، ويتابعون كل من يدخل إلى بيوتهم، أو يوصل إليهم خيراً، يريدونهم أن يموتوا فقراً وجوعاً وعرياً، وأن يحنوا رءوسهم بسبب الحاجة والفقر، فلابد من خلافتهم في أهلهم وأطفالهم وأولادهم بخير.
إنني أعجب -أيها الإخوة- حين نسمع عن الشباب المجاهد في أفغانستان، وما يعانيه في بيشاور وغيرها، أولاً من الحصار الدولي التي تحكمه حامية راية الصليب أمريكا نسأل الله تعالى أن يُعجل بسقوطها وهلاكها وتمزقها.
فهي تتصل الآن بقوة بالباكستان وتضغط عليها وتتحالف في ذلك مع مصر، فهناك ثلاثي -أمريكا ومصر وباكستان- للتضييق على المجاهدين في بيشاور، والقبض على المجاهدين.
وقد قبض هناك على عشرات من الشباب، وأودعوا السجون، وهناك تخطيط للقبض على البقية الباقية، وإرسالهم إلى دولهم لتتولى محاكمتهم وسجنهم وتعذيبهم.
فماذا كانت ذنوبهم؟ لقد كانوا بالأمس يُودَّعون من قبل دولهم بالحفاوة والتكريم، بل ويعطون تذاكر مخفضة، أما اليوم، فهم يؤتى بهم يقادون مكبلين بالأغلال والقيود ويودعون في السجون، ويعتبرون إرهابيين ومتطرفين، لقد كانت المهمة أن يقاتلوا الروس يوم كان الاتحاد السوفيتي عدواً لأمريكا، فكانت بعض الدول العربية تتعامل معهم على هذا الأساس.
أما اليوم وقد سقط الاتحاد السوفيتي، فقد أصبح هؤلاء هم الخطر، وبدأت الدول تتآمر ضدهم، ثم إنهم يعانون حالاً من الجوع والفقر، وقلة ذات اليد، ويحتاجون إلى دعم إخوانهم المسلمين.
إن الأمة التي تريد أن تكون مجاهدة حقاً عليها أن تحفظ للمجاهدين سابقتهم وفضلهم، وأن تقوم بحقهم عليها.
نعم! إن المال لو وُفِّر لانتصر الجهاد في أكثر من موطن.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
آداب الإنفاق
أولاً: لا منٌّ ولا أذى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً} [البقرة:264-263] .
ثانياً: لا رياء ولا سمعة إن أظهرت الصدقة، وإنما تظهرها للقدوة الحسنة والسنة الحسنة، وإن أخفيتها، فالأصل هو الإخفاء، قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] .
ثالثاً: أن تكون خالصة لوجه الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة:272] .
رابعاً: لا تتصدق إلا بالطيب: {فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً} كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] .
خامساً: لا تعد ما أخرجته -من الزكاة، أو الصدقة- مغرماً، بل هو مغنمٌ لك، قال الله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً} [التوبة:98] قال ابن قتيبة: أي غُرماً وخسارة، وقال غيره: يعدونه من التزام ما ليس بلازم، يقول: لماذا أتعب في جمع المال، ثم أخرجه في غير مصلحة دنيوية مشاهدة؟ فهو لا يرجو لذلك ثواباً، ولا جزاءً عند الله تعالى.
سادساً: أن يخرج المال طيبةً به نفسه، ليس كارهاً له، ولهذا وصف الله تعالى المنافقين، فقال: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] وأثنى على المؤمنين أنهم إن وجدوا مالاً تصدقوا، وإن لم يجدوا تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون.
سابعاً: أن تتصدق في وقت صحتك وعافيتك وشبابك وحاجتك وخوفك من الفقر، كما قال عليه الصلاة والسلام: {أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر وترجو الغنى} وهذا المعنى موجود في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10]
عقوبات ترك الإنفاق
إنها عقوبات كثيرة أهمها اثنتان: الأولى: الاستبدال، فإذا قصرتم، فعند الله تعالى خير منكم قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد:38] .
الثانية: يعاقب الله تعالى على ذلك، بهذا المال في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه في حديث طويل: {أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن صاحب الذهب والفضة الذي لا يُؤَّدي منها حقها، إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الخلائق، فيرى سبيله إما إلى جنة، وإما إلى نار} ومثله -أيضاً- صاحب الإبل والبقر والغنم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هؤلاء جميعاً.
إذاً مالُك إن ادخرته ومنعت زكاته، ومنعت الصدقة، فإنك تعاقب به كما قال الله تعالى عن الكفار: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة:55] فيعذب الإنسان بماله، يعذب بالخوف على المال، ويعذب بالانكسار الاقتصادي، ويعذب بالصفقات التي تذهب سُداً، يعذب بالخوف على المال، يعذب بالقلق والتوتر، وقلَّ أن تجد إنساناً غنياً ثرياً لا يخاف الله، ولا يُؤدي حق المال فإنك لو نظرت إليه لوجدت معه ألواناً وألواناً من العلاجات، يأخذ هذا في الصباح، وهذا في الظهر، وهذا لينام، وهذا ليستيقظ، وهذا من أجل أن يواصل العمل، فأي خير في مال لم ينفع صاحبه إلا بمثل ذلك.
حجج ضعيفة لعدم الإنفاق
1- دعوى عدم وصول الأموال إلى مستحقيها
وبعض الإخوة يتعذرون ويقولون: إن هذه الأموال قد لا تصل إلى مستحقيها.
وأقول: عندي لك جوابان سريعان: فأما أولهم: فعلى لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن رجلاً من بني إسرائيل خرج بصدقته ليلة فوضعها في يد إنسان، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدقن الليلة، فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية وعلى سارق! لأتصدقن الليلة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية وعلى سارق وعلى غني! فقيل له: إنه في الصدقة المتقبلة، أما الغني، فلعله أن يعتبر فينفق، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما السارق فلعله أن يستغني فيستعف عن سرقته} .
وأمرٌ آخر: أن هناك طرقاً موثوقة تستطيع أن تطمئن بها إلى وصول المال إلى مستحقيه.
2- عدم الإنفاق خوفاً من المسئولية
الحجة الثالثة: البعض يحجمون عن الإنفاق خوفاً من المسئولية، ومن أن يحاسبوا من بعض الجهات، ومن بعض الدوائر: لماذا دعمت هؤلاء؟ ولماذا دعمت هؤلاء؟ ولماذا أنفقت هنا؟ ولماذا أنفقت هنا؟ وأقول: هناك أيضاً جوابان: أولها: قال الله جل وعز: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] فيجب أن تخاف الله تعالى أن يحاسبك لماذا لم تدعم أولئك المحتاجين؟ ولماذا لم تساعد عبادي المجاهدين؟ ولماذا لم تتبرع لمشاريع الخير والدعوة؟ فيجب أن تخاف حساب الله قبل أن تخاف حساب المخلوقين.
ثانياً: هناك طرقٌ مأمونة بحيث تستطيع أن توصل المال إلى وسيط تطمئن إليه وتثق به، دون أن يكون هناك أي وثيقة أو مستند رسمي.
3- الإنفاق لمن لا نعرف حاله
فقد تقول لي: كيف نطعم المسلمين الذين تحدثت عنهم كثيراً، وهم في غالبهم منحرفون مقصرون، بعضهم لا يصلي، وبعضهم لا يعرف دينه، وبعضهم مسرف على نفسه، وبعضهم واقع في المعاصي، وسوف أجيبك بأربع نقاط على عجالة: أولاً: هم في الجملة مسلمون، ولهم عليك حق الأخوة الإسلامية ولو كانوا مقصرين، فأنت لا تستطيع أن تخرجهم في جملتهم عن مسمى الإسلام.
ثانياً: إن أكمل وأحسن طريقة للدعوة إلى الله أن تشبعه وتطعمه وتعالجه وتساعده وتكسوه، ثم تقدم له الهداية والدعوة بعد ذلك، وليس صحيحاً أن تقوم بدعوته وهو على هذا الحال من الفقر والجوع وتقول عنه ما تقول.
ثالثاً: أنت في سباق مع النصارى الذين لا يكفيهم أن يكون هذا المسلم مقصراً، أو مفرطاً، بل ولا يكفيهم أن يكون هذا المسلم مبتدعاً، أو ضالاً، بل يريدونه أن يكون نصرانياً، بل يريدونه أن يكون قسيساً داعية إلى الكفر.
الأمر الرابع: إن المسئولية علينا جميعاً، فنحن مسئولون أيضاً كما نحن مسئولون عن فقرهم، نحن مسئولون عن جهلهم في الدين، وواجب علينا أن نحمل إليهم الدعوة إلى الله عز وجل، ونحرص على إيصالها إليهم بقدر المستطاع، ونحن كما صحنا بك إليك وصوتنا وطلبنا منك أن تبذل لهم الطعام والشراب والكساء، فنحن أيضاً قد دعوناك إلى بناء المسجد، وبناء المركز، وبناء المدرسة، وطباعة الكتاب، وطباعة الشريط.
إن الإنسان الذي ينفق ابتغاء مرضاة الله، ينفق ولو وصلت نفقته إلى من لا يستحقها، فإنه يثاب عليها، ويتقبلها الله منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً من بني إسرائيل، قال: لأتصدقن الليلة بصدقة -عاهد الله أن يتصدق بصدقة يخلص فيها- فجمع تلك الصدقة من ماله، والناس نيام فخرج بها، فوضعها في يد بغي، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي! فقال: لك الحمد، على بغي.
ثم قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فأخذ صدقته والناس نيام فخرج بها فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني! فقال: لك الحمد، على غني.
ثم قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فأخذ صدقته، فجعلها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: لك الحمد على سارق، فأتاه ملك في النوم
فقال: إن الله تقبل صدقتك؛ فالبغي ما حملها على البغاء والزنا إلا الجوع، فقد أغنيتها عن ذلك، والغني: لم يكن يستشعر أن عليه حقاً، فلما تصدقت عليه عرف أنه ينبغي أن يتصدق، والسارق ما حمله على السرقة إلا الجوع، فقد أغنيته عن ذلك) ، فتقبل الله سبحانه وتعالى منه هذا العمل الذي ظاهره أنه وقع في غير محله، ولكن صاحبه كان مخلصاً لله، فأثابه الله على ذلك.
والإنفاق إذا وقع في محله كانت له فوائد عظيمة على المجتمع كافة، تخيل -يا أخي- عندما تأخذ المال الذي اكتسبته من حلال، وأخفيته عن نفسك، وعن حوائجك، وآثرت به الآخرة على الأولى، وجعلته في كمك، وخرجت به تلتمس الفقراء والمحرومين، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، فوجدت أسرة لا ترى فيها مواقد النار، وليس بها غنى، أهلها متعففون لا يتكففون الناس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الفقير الذي يتردد على الأبواب، وترده اللقمة واللقمتان، والطعمة والطعمتان، إنما الفقير المتعفف) ، فالفقير المتعفف إذا وصله خيرك -وهو في داره- كتب الله لك أجر ذلك، ووجدته أمامك يوم القيامة.
4- وساوس الشيطان لسد باب الإنفاق
إن المنفق إذا تذكر أنه عندما يدخل يده في جيبه، أو يأخذ قلمه ليوقع العطية التي سينفقها؛ أن الكريم الوهاب الرحيم الرزاق ينظر إليه في تلك الساعة، وأنه مطلع على ما في قلبه، فإن ذلك يقتضي منه الإسراع والمبادرة قبل أن يحول الشيطان بينه وبين ذلك، فالشيطان لا يعد الناس إلا الفقر، كما قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] ، وهذا عكس ما أمر الله به: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] ، فإذا علم الإنسان عداوة الشيطان له، حاول أن يبادر كيده الضعيف، حتى يفوته بما ينفق؛ ولهذا فإن كتمانه لذلك عن نفسه مما يضاعف الأجر: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271] ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلان تحابا في الله: اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ، هؤلاء يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فالصدقة من الأمور التي يفوّت بها الإنسان على الشيطان كيده، فالشيطان يحاول منع الإنسان من التصدق من ماله، ولو بالتأخير؛ ومن حيلة الشيطان على بعض الصالحين أنه يقول: لا تخرج هذا المال على غير أولادك؛ فهم بحاجة إليه.
فينازعه، ويقول: لا بد أن نقدم شيئاً للآخرة.
فيقول: افعله وصية بعد موتك، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك ما هو إلا من البخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقول عندما يغرغر: كذا لفلان، وكذا لفلان، وقد كان لفلان) وقد كتب له ذلك بالقدر؛ لكن (خير الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنك لن تتغلب على محاولة الشيطان إلا عندما تكون صحيحاً شحيحاً، وتخرج من مالك الذي تعبت في استخراجه، وأنفقت فيه الأوقات، ثم أنفقته ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى.
ثم إن من مكائد الشيطان ومجاهدته مع الإنسان أنه إذا أراد الإنفاق، وغلبه فلا ينفق إلا شرار ماله، فلا ينفق خيار ماله، وكرائم أمواله، بل يحاول أن يدخر الكرائم، وأن يستخرج المعيب، وهذا ما حذر الله منه في الصدقة الواجبة فقال: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267] أي: لا تقصدوا السيئ من المال المعيب منه؛ لتنفقوه في سبيل الله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] أي: لو كنتم تطالبون أحداً بدين، فقضاه بذلك الخبيث لم تكونوا تأخذوه، إلا أن تغمضوا فيه، فتتغاضوا عن بعض حقكم!! ومع هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (إياك وكرائم أموال الناس! واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ، لكن هذا في حق الذي سيأخذ من الناس صدقات أموالهم، وهذا لا ينبغي له؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبة نفس منه، لكن عليه هو أن تطيب نفسه بما يقدمه لنفسه.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، فقال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر) .
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!) إن مالك هو الذي سيصحبك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم تبعه أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع ماله وأهله، ويبقى عمله) .
إن الذين ينفقون هذه الأموال التي هي من حلال يتحدون الشيطان، ويخالفونه ويتغلبون عليه، ويفعلون ما أمروا به من عداوته، فإن الله جمع الخبر والأمر فيما يتعلق بالشيطان في آية واحدة فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6] ، هذا الخبر وهو صدق: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6] ، وهذا هو الأمر، فعلينا تصديق الخبر وامتثال الأمر؛ لكن لا يمكن أن نتخذ الشيطان عدواً إلا إذا جاهدناه، والذي يطيعه فيما يأمره به ليس ولياً لله قطعاً، بل هو صديق وولي من أولياء الشيطان، والذي يفوت الشيطان بالخير، ويجاهده، ويراغمه، فينفق دون أن يحول الشيطان بينه وبين ذلك، ليس هو من أولياء الشيطان قطعاً، بل هو من أعدائه ومن أولياء الله؛ ولهذا فإن المنفق المخلص هو الذي يوفقه الله سبحانه وتعالى، بخلاف المنفق غير المخلص، وقد ضرب الله له مثلاً عجيباً بالصخرة التي يجتمع فوقها التراب، فيأتي المطر فيذهب به؛ فتبقى صلداً ليس فوقها شيء؛ فكذلك غير المخلص يجتمع حوله المال كالتراب الذي يجتمع على الصخرة، ثم يأتي المطر فيذهب به فتبقى الصخرة وليس عليها ما يرد ويدفع عنها عوامل النحت والتعرية.
المحور: طرق وأساليب في الانفاق
أولاً: عليك بالاعتدال عن الإنفاق على نفسك وأهلك وأولادك، وتوفير جزء ولو يسير من الدخل لتستفيد منه في الإنفاق.
إنني أعرف أن أكثر الآباء قد يُعطي الطفل عشرة ريالات، أو يشتري له لعبة بمائة ريال، فإذا انكسرت اللعبة، قال للطفل: لا يهم، البقية في حياتك، ثم يشتري له غيرها، وفي المقابل لو أتاه فقير، أو مسكين، أو مشروع خيري، فإنه يتردد في إعطائه ولو أقل مبلغ من المال، وهذا من كيد الشيطان، فإنه لا تأتي الحسابات والتساؤلات والشكوك والظنون إلا في المجال الخيري الذي ينفعك في الدار الآخرة.
ثانياً: نحتاج إلى ترك بعض المظاهر والعادات الأسرية والمدنية والقبلية، كارتفاع المهور في الزواج، وتضخيم المناسبات والمبالغة فيها، كما نحتاج أيضاً إلى الاقتصاد في الملبوسات والمصاغات، والأحذية الموجودة بكميات كثيرة لدى الرجال والنساء، فانظر في زوجتك -مثلاً- وفي نفسك كم يوجد عندكم من الذهب، كم الذي تلبسه زوجتك؟ وكم يوجد من الملابس لك ولها لا تلبسونها قط؟ وكم يوجد من الأشياء التي لا تحتاجونها وربما يكون فات وقتها؟ ولا مانع أن تشتري لنفسك ولولدك ولزوجك شيئاً جميلاً، والبس من غير إسراف، ولا مخيلة، ونوِّع، وتصدق أيضاً.
كما أننا نحتاج إلى التبرع بالمواد العينية الفائضة عن حاجتك من غسالة، أو ثلاجة، أو فرش، أو ملابس، أو غيرها بشرط أن تكون نظيفة، أو صالحة للاستعمال، بل وحتى الأطعمة مطبوخة كانت، أو غير مطبوخة يجب إيصالها لمستحقيها، مع العناية بجودتها، وحسن مظهرها، وعدم وضع الأطعمة وتكويمها في الأماكن العامة والشوارع، بل ربما تكون أحياناً مختلطة مع القمامات والأوساخ.
ثم هناك أمر ثالث: وهو اقتطاع جزءٍ ولو يسير من الراتب يكون على شكل اشتراك شهري للمعلم، أو المعلمة، أو الموظف، أو الموظفة، أو أي إنسان بحيث يخرجه شهرياً، وإنني أخاطب المرأة على وجه الخصوص، فأقول: المرأة غير مسئولة عن صرف شيء من المال في بيتها، بل ولا على نفسها، ولا على أولادها، حتى ملابسها، حتى حذائها، حتى طعامها على زوجها، أو أبيها فهو مطالب بتأمينه لها، فلماذا لا تدخر ذلك كله ليوم الحساب، أو تستثمره لأمر دنيوي، ويعلم الله تعالى من قلبها أنها تنوي أن تتصدق كلما رزقها الله تعالى؛ ليكون ذلك سبباً في سعة رزقها وحسن توفيقها في عاجل أمرها وآجله.
رابعاً: إن وجود هذا الاشتراك الأسبوعي، أو الشهري، أو حتى السنوي في نشاط من النشاطات، أو عمل من الأعمال، أو جمعية، أمرٌ حسن؛ لأنه يعتاد الإنسان عليه، فلا يشق عليه إخراجه.
وكذلك يعرف أن هناك دخلاً ثابتاً محسوباً يعتمد عليه ويحسب ضمن المبلغ الداخل، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام في الصدقة
أحوال التصدق بجميع المال
ومن الأحكام أيضاً: متى يتصدق الإنسان بجميع ماله؟ هذا حديث سعد بن أبي وقاص عند البخاري: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود من عام حجة الوداع من وجعٍ اشتد به، فقلت: إني قد بلغ بي من وجعي، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا بنتٌ، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا.
فقلت: بالشطر.
فقال: لا.
ثم قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك) ما تضعه في فم المرأة من الأكل؛ تؤجر عليه.
تصدق أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، قال أهل العلم: لا يتصدق الإنسان بماله كله إذا كان لا يصبر، أما إذا كان يصبر؛ فيندب له أن يتصدق بماله كله كما فعل أبو بكر، أما أن يتصدق بماله كله ثم يمد يده للناس، أو يكون أولاده لا يصبرون ويمدون أيديهم للناس؛ فليس من الحكمة.
ولذلك من أحكام الصدقة في الحياة أن الإنسان لا يشرع له أن يتصدق بماله كله إلا إذا كان لا يصبر.
ثانياً: لا يجوز للإنسان أن يوصي بماله كله في الوصية بعد مماته، وأن أكثر ماله أن يوصي به الثلث والثلث كثير، ولذلك قال ابن عباس: [وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع] جعل الوصية الربع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) .
الأفضلية في القلة والكثرة في الصدقة
وكذلك من الأشياء المتعلقة بالصدقة: أن الصدقة ليست دائماً أفضل إذا كانت كثيرة؛ بل قد يتصدق إنسان بدرهم ويتصدق إنسان آخر بمائة ألف ويكون الذي تصدق بالدرهم أجره أكبر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبق درهمٌ مائة ألف درهم) ثم فسرها عليه الصلاة والسلام، فقال: (رجل له درهمان -ما عنده إلا هذين الدرهمين- أخذ أحدهما فتصدق به -أي: تصدق بنصف ماله- ورجل له مال كثير -عنده ملايين- فأخذ من عرض هذا المال مائة ألف فتصدق به) .
الأول تصدق بنصف ماله، هذا يمكن تصدق واحد على مائة أو واحد على ألف من أمواله، إذاً: صحيح الثاني أكثر بالعدد لكن الأول أكثر بالأجر؛ ذلك لأنه تصدق بنصف ماله مع حاجته إليه.
الأولويات في الصدقة
كذلك من الأشياء التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء؛ فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك؛ فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء؛ فهكذا وهكذا) في أبواب الخير يميناً وشمالاً.
مداواة المرض بالصدقة
جاء في حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المداواة بالصدقات مشروعة) فربما تكون الصدقة سبب للشفاء.
كذلك لو أن الإنسان قال لصاحبه: تعال أقامرك، نلعب قمار؛ هذه من عادات الجاهلية، فيشرع له أن يتصدق ويكفر عن هذه الكلمة، كما جاء في حديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) لو حلف رجل، فقال: ما أنام بحياتي، برأس أولادي، بشرفي، حلف بأي شيء، فعليه أن يقول: لا إله إلا الله (ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق) .
مداواة المرض بالصدقة
جاء في حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المداواة بالصدقات مشروعة) فربما تكون الصدقة سبب للشفاء.
كذلك لو أن الإنسان قال لصاحبه: تعال أقامرك، نلعب قمار؛ هذه من عادات الجاهلية، فيشرع له أن يتصدق ويكفر عن هذه الكلمة، كما جاء في حديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) لو حلف رجل، فقال: ما أنام بحياتي، برأس أولادي، بشرفي، حلف بأي شيء، فعليه أن يقول: لا إله إلا الله (ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق) .
مشروعية الصدقة عن الأموات
الصدقة عن الأموات مشروعة، فقد جاء في صحيح البخاري، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: (يا رسول الله! إن أمي توفيت وأنا غائبٌ عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم.
قال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عليها) فخرج من عهدته وصار صدقة لأمه.
وكذلك فقد جاء أيضاً عن عائشة، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) رواه البخاري.
إذاً: الصدقة عن الأقرباء الأموات أو عن الأموات عموماً حتى ولو تصدق لصاحبه تصل، هذا استثناء من الآية القرآنية {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] لكن من الاستثناءات من وصول الأجر للميت الصدقة عنه الحج عنه، العمرة عنه، قضاء دينه، قضاء نذره، قضاء صومه، أداء الكفارة عنه، الدعاء له، إشراكه في الأضحية، هذه الأشياء كلها تصل إلى الميت.
وقف الصدقة
من أعظم أنواع الصدقة: الوقف، وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة؛ تجعل الأصل محبوساً لا يباع، لا يورث، ولا يوهب، ولا يشترى، وكل ما ينتج منه من ثمارٍ، أو مالٍ، أو عائدٍ، أو مردود يكون في سبيل الله.
هذا هو الوقف.
وقال البخاري رحمه الله: باب: أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (لا يباع ولكن ينفق ثمره، فتصدق به) وقد جاء أيضاً موصولاً عنده رحمه الله في صحيحه في كتاب الشروط، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بـ خيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بـ خيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منها، فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) .
هذا هو الدليل على مشروعية الوقف، الأصل في الوقف حديث عمر ويتفرغ عنه مسائل كثيرة جداً.
قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف؛ الذي يتولى الوقف ويكون ناظراً عليه وراعياً له، يأكل منه بالمعروف، ويطعم غيره، لكن لا يأخذ منه مدخرات له، إنما يأكل منه فقط.
وكذلك فإن الإنسان لو كان عنده مزرعة، فقال: هذه وقف لله تعالى؛ صارت الثمار في سبيل الله، يقول: في الفقراء المساكين أقربائي أولادي ونحو ذلك، هذه العمارة إيجاراتها في سبيل الله، سواء حدد المصارف أو لم يحددها، صارت وقفاً، لا يجوز له أن يرجع عنها؛ لا في حياته ولا بعد مماته لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها، وقد حاول أعداء الله الاستيلاء على أوقاف المسلمين في كثير من البلدان، ولذلك كان هناك مدارس وعوائل تقوم على الأوقاف، ومساجد تعمر بالأوقاف، وينفق عليها من الأوقاف، وذهبت كلها لما اعتدى عليها أعداء الله؛ ولذلك فإن الوقف يبقى وقفاً إلى قيام الساعة، إذا تعطل تماماً يتصرف به تصرفاً ينشأ به وقف جديد له منفعة، ولا يجوز التصرف فيه بدون ضرورة.
حكم الرجوع في الصدقة
وكذلك من أحكام الصدقة أنه لا يحل لأحد أن يرجع فيها؛ فقد جاء عن عمر بن الخطاب قال: (حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده) أي: أعطيت واحداً فرساً في سبيل الله، صدقة خرجت مني، هذا الذي أخذه ما رعاه حق رعايته، أهمله، فربما أصابه الهزال والضعف.
(فأردت أن أشتريه) أي: أشفق على الفرس، وقال: أشتريه من صاحبه، وأعود أغذيه، وأعتني به.
فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تشتره وإن أعطاكه بدرهمٍ واحد؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في القيء) .
إذاً: الإنسان لا يجوز له أن يعود في الصدقة أبداً، لا يقول: يا فلان! حصل خطأ؛ أعطينا المال يا فلان! ندمنا، هات الصدقة التي أعطيناك إياها، لا يجوز أن يسترجعها ولو بالشراء، لكن لو أنك أهديت إنساناً، تصدقت على فقيرٍ بشاه حلوب، وهذا الفقير حلب لك وأهدى لك منها إناءً من لبن، فيجوز لك أن تشربه؛ لأنها قد جاءتك الآن هدية فلا بأس بأخذها، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الصدقة، ولا يجوز له ذلك، فلما تصدق على بريرة صدقة، أهدت بريرة منها لبيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) إذاً: يجوز عند ذلك الأكل منها.
حكم التصدق بالصدقة أو الهدية
ومن الأحكام كذلك: أن الإنسان إذا تُصدِقَ عليه بصدقة؛ فيجوز له أن يتصدق منها؛ لو أعطاك رجل هبة أو هدية أو صدقة يجوز لك أن تتصدق وتخرج زكاتك منها، وكذا زكاة فطرك، ولكن أن تحج منها حجة الفريضة وكذلك لو أردت والعمرة؛ لأنك عندما قبضتها؛ صارت ملكاً لك.
إذاً يجوز لك أن تتصرف فيها ولو أخرجت منها شيئاً واجباً، كذلك يجوز لك أن تعطي منها كفارة يمين، قال البخاري رحمه الله في كتاب الصوم: باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! هلكت -وفي رواية: احترقت- قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.
فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا.
فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر -والعرق: المكتل، مثل الزنبيل- قال: أين السائل؟ قال: أنا.
قال: خذها فتصدق به -أخرج كفارتك من هذه الصدقة- فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -أي: حرتي المدينة الشرقية والغربية- أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك) فهذا مسكين أتى وهو يحترق، وإذا به يرجع بطعامٍ إلى بيته؛ وهذا من يسر الدين وسهولته، أما اللعب بالدين والأحكام والتساهل في الشريعة وتمييع الأشياء، فهذا ليس بيسر، وإنما هذا تضييع وتحريف.
حكم الصدقة على من لا يستحق
وكذلك من الأشياء المتعلقة بالصدقة: أن الإنسان إذا تصدق على شخص ثم تبين فيما بعد أنه لا يستحق؛ فإنه يؤجر عليه، بل قد تكون سبباً في توبة هذا الشخص، وأوبته إلى الله، كما حدث في حديث الرجل -هذه في بني إسرائيل- النبي صلى الله عليه وسلم روى الحديث والحديث في البخاري، قال رجل: (لأتصدقن بصدقة، فخرج لصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق.
فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني.
فقال: اللهم لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني.
فأتي فقيل له -رأى هذا الرجل في المنام، فقيل له في المنام وكان من الصالحين وهذه رؤيا حسنة-: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله) .
وكذلك من الأحكام: أنه يجوز للرجل أن يشتري صدقة غيره لكن لا يشتري صدقته كما سبق بيانه.
حكم من وصلت صدقته إلى ولده
ومن الأحكام كذلك: أنه إذا تصدق ووصلت الصدقة إلى ولده وهو لا يشعر فإن ذلك لا حرج فيه وهو مأجور، كما جاء عند البخاري، أن معن بن يزيد قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي كلنا أسلمنا وخطب عليَّ فأنكحني، وكان أبي يزيد قد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد -وكله يتصدق- فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت -أنا ما أردت صدقة عليك، أنت ولدي- فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لك ما نويت يا يزيد من الصدقة، ولك ما أخذت يا معن) أي: ليست من مقصودك.
حكم التصدق بالمال كله مع الضرر
كذلك فإن الإنسان لو انخلع من ماله كله وأدى ذلك إلى ضررٍ عليه، فإنه له أن يرجع في ذلك، وهذا مثل ما حصل في قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال البخاري رحمه الله: باب: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى ومن تصدق وهو محتاج، أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق هبة وهو رد عليه".
أي: أن تصرف الصدقة غير صحيح، وليس له أن يتلف أموال الناس.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) إلا أن يكون معروفاً بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر، وليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة، أحدهم عليه ديون يذهب يتصدق، هذه أموال الناس يجب عليه أن يؤديها! وقال كعب بن مالك: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) فلو أنه تصدق بكل المال ثم تبينت الحاجة؛ فإن له الرجوع، والإنسان لو كان خازناً أميناً كلما أمر بشيء أن يعطي أعطى؛ فإنه أحد المتصدقين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، هذه بشرى للخازن المسلم الأمين الذي ينفق ما أمر به كاملاً موفراً طيباً به نفسه، فيدفعه من الذي أمر به أحد المتصدقين، مع أنه ما أنفق شيئاً لكن بأمانة.
وكذلك المرأة إذا تصدقت من مال زوجها بإذنه ورضاه من غير مفسدة؛ كان لها أجرها ولزوجها بما كسبا وللخازن مثل ذلك، ولو أن إنساناً تصدق وهو كافر ثم أسلم فإن أجر الصدقة يثبت له.
حكم التصدق على بعض الأولاد دون بعض
كذلك لو أن إنساناً تصدق على بعض أولاده دون بعض، فإن صدقته عليهم مردودة؛ لما روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، باب: من نحل بعض ولده دون سائر البنين، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بي أبي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليشهده على الصدقة، فقال له صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم.
فرجع أبي فرد تلك الصدقة) .
وفي رواية: (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: نعم.
قال: فلا إذاً) .
ويؤخذ من هذا: أنه لا يجوز للشخص أن يخص بعض أولاده بمالٍ دون بعض إلا لحاجةٍ شرعية، كأن يكون أحدهم صاحب عيال محتاج ليس الآخر مثله، أو أحدهم مريض واحتاج إلى علاج والآخر ليس بمريض وهكذا.
الصدقة الجارية
كذلك فإنه مما ينبغي أن يعلم في هذا الموضوع: أن الصدقة الجارية من الأشياء العظيمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: (أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقباً صالحاً يدعو له ينفعه دعاؤه، ورجل تصدق بصدقة جارية من بعده له أجرها ما جرت بعدها) يبقى أجر الصدقة يجري عليه ما بقي، وهذا معناه أنه هو الذي يفعلها في حياته، ولو فعلت له بعد موته ليست أكثر أجراً من أن يفعلها على حياته، كأن يبني شيئاً له دخلٌ يجعله لله، هذه صدقة جارية يجعلها على حياته، تجري عليه بعد موته طالما بقيت هذه الصدقة أو بقي أصلها.
حكم الصدقة بالمال كله
قال كعب: قلت: يا رسول الله! إن من توبة الله عليَّ أن أنسلخ من مالي في سبيل الله.
يقول: مادام أن الله تاب عليَّ، فمالي كله في سبيل الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: {ابق عليك بعض مالك فهو خير لك} وفيه دليل على أن المسلم لا يذهب ماله كله، بل يستبقي لورثته ولنفسه مالاً؛ لئلا يتكففوا الناس، وقد قال هذا صلى الله عليه وسلم لأكثر من واحد.
زار سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام، مدمر إمبراطورية كسرى التي داسها تحت قدميه، حتى كان عليه الصلاة والسلام يقول: {هذا خالي فليرني كل خاله} أي: هل عندكم أخوال مثل سعد بن أبي وقاص، الأسد في براثنه؟ زاره صلى الله عليه وسلم، وسعد مريض قال: فما أحسست إلا برد أنامله صلى الله عليه وسلم على صدري فاستفقت، حتى يقول سعد بعد ثلاثين سنة: والله الذي لا إله إلا هو، إني لأجد برد أصابع النبي صلى الله عليه وسلم على كتفي من ذلك العهد.
قال سعد: يا رسول الله! إن عندي مالاً ولا يرثني إلا كلالة، وذكر من نفسه ومن حاله، قال: أريد إنفاق مالي كله، قال: لا.
قلت: يا رسول الله! فالنصف، قال: لا.
قال: يا رسول الله! الثلث، قال صلى الله عليه وسلم: {الثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء؛ خير من أن تجعلهم عالة يتكففون الناس} .
قال ابن عباس: [[وددت أن الناس غضوا في الوصية من الثلث إلى الربع]] ليبقى للورثة شيء، وليس في الإسلام حرج أن تبني بيتاً لورثتك، وأن تعمر عمارة لذريتك؛ فتموت فيدعون لك بالخير، وأنك ألجأتهم إلى بيت، ووسعت عليهم مما وسع الله عليك، أما من يذهب ماله ثم يموت، فإذا أطفاله وراءه عالة يتكففون الناس، هذا ليس من الإسلام! قال صلى الله عليه وسلم: {أبقِ عليك بعض مالك فهو خير لك} فأبقى له سهماً من خيبر.
يقول كعب: [[فوالله ما أعلم أحداً من الناس أبلاه الله عز وجل ما أبلاني بالصدق]] لأنه صدق مع الله، ولذلك لما كان الخطاب له وللتائبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] لأنه صدق فأنجاه الله عز وجل.
قال الإمام أحمد: ما وجدت كالصدق، الصدق لو وضع في جرح لبرأ، وقيل له لما دخل السجن: بم نجاك الله؟ أي: في فتنة خلق القرآن، محنة القول بخلق القرآن، التي كاد يذهب فيها أرواح الأمة، بل قتلوا فيها علماء كبار، مثل ابن نصر الذي دخل على أحد الأمراء فقال له: ألا تقول بخلق القرآن؟ قال: لا.
قال: والله إما أن تقول بخلق القرآن أو لأقتلنك قال: والله ما نفسي عندي تساوي مثل هذه، ثم قطع زراً من جبته فرماه على الأمير، فقتله الأمير.
ودخل الإمام أحمد متحري السيف، وحاولوا بكل وسيلة في الدنيا قدموها، المناصب الإغراءات كلها وهو يرفض، يقول: ائتوني بشيء من كتاب الله، أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأخير نجاه الله.
قيل له: بم نجاك الله؟ قال: بالصدق؛ لأنه صدق مع الله عز وجل قال الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد:21] فلما صدق نجاه الله.
قال كعب: وإني أسأل الله أن يثبتني فيما بقي، فو الله لا أعلم أني كذبت منذ أن تاب الله عليَّ.
اشتراك جمع في الأجر على عمل واحد
الصدقة الواحدة يدخل الله بها الجنة عدداً من الناس، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أهمية التعاون في الخير، فكل عمل جماعي يشترك فيه الناس يثابون فيه الثواب الجزيل العظيم، والصدقة التي تخرجها المرأة من بيت زوجها، يشترك معها في الأجر، لأنه هو الذي اكتسبها، والمرأة هي التي أنفقتها، وكذا الرسول الذي بلغها، والخازن الذي كان يحفظها، فكل هؤلاء شركاء في الأجر، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم في شأن السهم: (إن السهم الواحد يدخل الله به الجنة ثلاثة: الذي اقتطعه، والذي براه، والذي رمى به) هؤلاء جميعاً يدخلون الجنة بالسهم الواحد الذي يرمى به في سبيل الله، وهذا يدلنا على غنى الله عن خلقه.
الله لا يريد منكم شيئاً، وإنما يريد منكم أن تقدموا لأنفسكم؛ لذلك بين أن الاشتراك في الأجر يحصل بمجرد المساعدة على الخير، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدال على الخير كفاعله) ، وقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً) .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الصدقة في رمضان
اللجنة العلمية
من قصص وأخبار المنفقين والمتصدقين
إنفاق النبي صلى الله عليه وسلم
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق فيعطي عطاء من لا يخشى الفقر، كان الأعرابي إذا جاء أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرجع إلى قومه فيرفع عقيرته فيقول: يا قوم! أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
ولذلك حين ألجأه الأعراب يوم أوطاس إلى شجرة فأمسكت رداءه قال: (ردوا عليّ ردائي، فلو كان عندي مثل شجر تهامة نعماً؛ لقسمته بينكم، ثم لن تجدوني جباناً، ولا بخيلاً، ولا كذاباً) وقال للأنصار حين أتوه وتوافدوا عليه في صلاة الفجر: (لعله بلغكم أن أبا عبيدة قدم من البحرين بمال، فما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في منصرفه من تبوك: (إنه ليس لي من هذا المال إلا الخمس، وهو مردود عليكم) .
كان صلى الله عليه وسلم من أجود الناس وأسخاهم؛ ولذلك قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، ما سئل شيئاً قط فقال: لا) إن كان عنده أعطى، وإلا رد بميسور من القول.
وهذا الأدب أدبه الله به في قوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا * وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:26-29] ، هذا تأديب الله له، وقد تأدب به صلى الله عليه وسلم، كما قال: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) .
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) .
إنفاق عائشة رضي الله عنها
كان الإنفاق من هدي الصحابة، وقد تعلموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فهذه عائشة رضي الله عنها تعلمت من إنفاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (ذبح في بيتي شاة ذات يوم، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بقي عندكم من الشاة؟ قلت: كتفها، فقال: بقيت كلها إلا كتفها) ؛ لأنها كلها أنفقت في سبيل الله، تقول مولاة عائشة رضي الله عنها: جاء إلى عائشة عطاء وهي صائمة في شدة الحر، وكان العطاء عشرة آلاف درهم، فوزعته في مجلسها، فلم تمسك منه أي شيء، فلما انتهى قلت: رحمك الله! لو أمسكت لنا ما نفطر عليه، فقالت: لو ذكرتيني لفعلت! لم تتذكر أنها بحاجة إلى ما تفطر عليه فقط!!
إنفاق أبي بكر رضي الله عنه
أبو بكر رضي الله عنه أتى بماله كله مرتين في سبيل الله، يحمله فيجعله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل عليه السرور، حتى تبرق أسارير وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت لأهلك؟ قال: الله ورسوله) ، وهو الذي عندما ارتد العرب عن دين الله، وبلغه الخبر، سل قراب سيفه، وقال: أينقص هذا الدين وأنا حي؟!، لا يتحمل أن يلحق هذا الدين أي نقص وهو حيّ؛ لأنه قائد للدين، وهو محام عنه ومدافع؛ فلذلك أنفق ماله كله في الدفاع عن دين الله.
إنفاق عمر وعثمان رضي الله عنهما
كان عمر رضي الله عنه ينفق كثيراً وقد سابق أبا بكر فأنفق نصف ماله، فأتى به؛ فإذا أبو بكر قد جاء بماله كله!! وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحض على الإنفاق في تجهيز جيش العسرة، فجاء بتسعمائة بعير برواحلها، ومراكبها، ونفقاتها، وسلاحها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم) ؛ فقد حل عليه رضوان الله الأكبر، الذي لا سخط بعده.
وكانت بئر رومة تستعذب في المدينة أي: ماؤها عذب، وقال صلى الله عليه وسلم: (من يشتري بئر رومة -وكانت ليتيمين-، فيجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين وله الجنة؟ فقال: عثمان: أنا لها.
فاشتراها، فلما ساوم أصحابها فيها، أغلوا عليه بالثمن فأعطاهم ضعف ذلك، وجعلها في سبيل الله، وجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين) .
إنفاق علي رضي الله عنه
كان علي رضي الله عنه ينفق ولا يبقي لنفسه درهماً ولا ديناراً، وكان يقول: (مالي وللدنيا، إنني لست من أهلها، مالي وللدنيا؛ إنني لست من أهلها) .
فقد باع نفسه لله، وخرج من مكة وليس معه إلا ثوبه، وعندما تزوج سيدة نساء العالمين -بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاطمة رضي الله عنها- لم يكن له إلا شارفان من الإبل، منحهما إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يخرج بهما إلى الفلاة؛ ليأتي بإذخر؛ فيبيعه، فيجهز أهله من ذلك، فلما أناخهما بعرصة الدار، وعقلهما، شرب حمزة إذ ذاك خمراً مع فتية من الأنصار، فغنته جارية، فحثت حمزة على نحر الناقتين، فقام إليهما، فنحرهما، فحرمت الخمر بعد ذلك، وكان رضي الله عنه من أشد الناس تعاهداً لقرابته، وصلة رحمه، وكان رضي الله عنه ينفق على كثير من أصحاب البيوت، وهم لا يعلمون أن النفقة من عنده.
وكان قبل موته -وهو خليفة يقسم كل ما في بيت المال على المسلمين، ويقمه بردائه، وينضح فيه الماء، ويصلي فيه ركعتين، ويشهد فيه على المسلمين.
ولم يترك إلا أربعين درهماً، كان ميراث علي جميعه أربعين درهماً، وله أربعة وعشرون من الأولاد، وله عدد من الزوجات، ومع ذلك لم يترك إلا أربعين درهماً، كان يريد بها رقبة يعتقها في سبيل الله.
وعندما غنم المسلمون كنوز كسرى وقيصر، جيء ببنات كسرى إلى عمر بن الخطاب، فتردد عمر في شأنهن: هل يعتقهن، أو يستعبدهن ليكون ذلك نكاية في الفرس، أو ماذا يعمل بهن؟ فجمع أهل الشورى من المهاجرين والأنصار، فقال له عبد الرحمن بن عوف: بعهن، واجعل ثمنهن في تجهيز الجيوش؛ فإننا بحاجة إلى ذلك.
فعرضهن عمر للبيع، فاشتراهن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بكل ماله، ووزعهن بين أولاد الصحابة، فأعطى إحداهن الحسين بن علي فكانت أم علي بن الحسين، وأعطى الأخرى لـ عبد الله بن عمر، فكانت أم سالم بن عبد الله، وأعطى أخرى لرجل آخر أظنه عبد الله بن الزبير بن العوام، فكانت أم بعض أولاده.
هكذا كان علي رضي الله عنه، فقد كان الذين يعرفونه يقولون: (والله! لهو أجود مما هو أشجع، ولكن شجاعته أذكر في الناس) أي: أشهر في الناس، فهو أجود مما هو أشجع.
إنفاق عبد الرحمن بن عوف
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان تاجراً يضرب في الأرض، أتته عير في (عام المجاعة) تحمل أنواع الأرزاق والبضائع، فأتاه تجار المدينة يساومونه بالعير، فقالوا: نجعل لك على الدينار ديناراً، وعلى الدرهم درهماً، فقال: أعطيت أكثر من ذلك.
فقالوا: نجعل لك على الدرهم درهمين، وعلى الدينار دينارين، فقال: أعطيت أكثر من ذلك.
فقالوا: نحن تجار المدينة وليس فيها من سوانا، فمن أعطاك أكثر من ذلك؟ فقال: ربي أعطاني عشرة أضعاف ما قلتم، فأنفقها بأحلاسها، وأقتابها، وما كانت تحمله في سبيل الله.
إنفاق السلف
جاء بعد الصحابة من اتبعوا آثارهم، وهم كثير في هذه الأمة في كل العصور، فهم الذين يتولون الإنفاق على المحتاجين، فكم من نساء هذه الأمة تقتدي بـ زينب بنت جحش التي كانت تكنى بـ أم المساكين!! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً) ، وكانت أطولهن يداً في الإنفاق، ولم تكن أطولهن يداً في الواقع، فكانت أول من التحق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه.
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما ينفق على مائة بيت من فقراء المدينة، وكانوا لا يعلمون أنه الذي ينفق عليهم، كان يأتي في آخر الليل، وقد نام أهله، فيحمل الدنانير والدراهم، ويتسور تلك البيوت؛ فيجعلها فيها، فيصبح أهلها والدنانير عند رءوسهم، ولا يدرون من أين أتت!! وكان الحسن بن علي رضي الله عنه مطلاقاً، وكان ينفق على مائة مطلقة: فيتولى كل مصاريفها، وكل ما تحتاج إليه من نفقة وسكنى.
وهكذا كان عدد كبير منهم وليسوا معدودين في الأغنياء، لكنهم معدودون في الكرماء، كان عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ينفق على فقراء المدينة وفقراء مكة، ثم ازداد ماله فأنفق على فقراء الحجيج، ثم أنفق على فقراء أهل الشام، وكان يقول: لو بقي لي عمر لازداد مالي؛ فأنفقت على غيرهم من الفقراء؛ لأنه يعلم أن القضية فقط هي قضية العمر، فهذا المال الذي تعتني به هو إنفاق من الله عليك، فإذا كنت أميناً في توزيعه استمر الإنفاق عليك، فما هو إلا بمثابة الحنفية إذا فتحت استمر الماء، وإذا أغلقت توقف.
هكذا كان إنفاق أولئك القوم ومن بعدهم: فـ محمد بن مسلم بن شهاب الزهري رحمه الله كان من الأجواد المشاهير، وكان يكثر من النفقة على طلاب العلم فكان يقول: (إن هؤلاء قد شغلهم العلم، عن اكتساب المال، وإنهم لا يسألون الناس؛ فهم أحق بهذه النفقة) فكان ينفق عليهم، وكان إذا أتى المدينة اجتمع عليه طلاب الحديث من أصقاع الأرض، فيقضي عنهم كل ديونهم، وكذلك: عبد الله بن المبارك سيد أهل مرو وعالمهم، فإنه رحمه الله كان غنياً؛ لأنه كان مجاهداً في سبيل الله -والجهاد كفيل لصاحبه بالغنى- فكان إذا رجع من غزوة، أتى بالغنائم ليقسمها بين الذين يتأهبون للجهاد، فيقول: (هذا المال مال الجهاد، أخذناه منه وسنعيده إليه) فأخذه للجهاد حين غنمه، ثم يعيده على الجهاد بتجهيز الجيوش، وكان إذا خرج إلى الحج أخذ من رفقته الحجاج أموالهم، فقال: (هي أمانة عندي أنفق بها عليكم) ، فإذا رجعوا من الحج، وظنوا أنه قد أنفق عليهم من مالهم، رد عليهم أموالهم كلها، فإذا به كان ينفق عليهم من ماله الخاص!! إن الإنفاق يحتاج إليه هذا الدين في كل مشروع؛ لأنه لا يمكن لمشروع أن يقوم إلا بتموين، وأعظم المشاريع وأكرمها مشروع إقامة دين الله عز وجل، فلا يمكن أن يقام دين إلا بمال؛ لأن كثيراً من الأمور لا يتوصل إليها إلا به، ولا يمكن سدادها إلا به.
على المسلمين أن يدركوا خطر هذا المال، وامتحانهم به، وأن يقدموا منه اليوم لأنفسهم، وما زال -ولله الحمد- كثير من الذين يؤثرون الآخرة على الأولى، ويتصدقون بفضول أموالهم، وينفقون، وهم بمثابة الأودية في الأرض، يأتي المطر فينزل على مكان ناءٍ، فتذهب به الأودية، فتسقي به مواقع لم يسقها المطر؛ فكذلك هؤلاء الأجواد في الأرض: يأتي المال، فيجتمع في مكان، فينقلونه إلى مكان آخر لم يصل إليه، فهم مثل الأودية تجود في أرض الله عز وجل!!
من أسخياء القرن العشرين
إن كثيراً من المتصدقين لهم في هذا الميدان باع واسع، ولهم آثار طيبة في الدفاع عن الإسلام، وإعلاء كلمة الله، أذكر أن تاجراً من التجار أتاه قوم من المجاهدين ذات يوم، فذكروا له ما يعانون من بطش (الروس) ، وراجماتهم بعيدة المدى، وأنهم لا يمكن أن يقارعوهم إلا بصواريخ (سنجر) ، وهي غالية ليس لديهم ما يشترونها به، فتمعر وجه الرجل، وقال: ليس بينكم وبين أن تقاتلوا الروس في سبيل الله إلا شراء هذه الصواريخ؟! قالوا: نعم، فقال: هي عليّ في سبيل الله! فتهلل المجاهدون لذلك، واستبشروا في الصفوف، وسمع التكبير في صفوفهم، وفعل الرجل ما وعد، فكان لذلك الأثر البالغ في هزيمة الروس النكراء.
ومثل ذلك: ذات يوم كنا في وقت الظهيرة في شدة الحر مع رجل من قادة المجاهدين الأفغان، وهو عبد رب الرسول سياف، وكان يتحدث عن الضائقة التي يعانيها المجاهدون في قمم الجبال من بطش الروس، فبينما هو يتحدث ذلك الحديث -والناس صائمون في وقت الظهيرة- إذ بشاب يطرق الباب، فاستقبله أحد الحاضرين، فقال: إن معه أمه، وإنها تريد الشيخ لحاجة ضرورية، فتعجب الناس من هذه العجوز التي تأتي في وقت الظهيرة، وتريد الشيخ؛ ليخرج إليها وهو في وقت شرح حال المجاهدين وبيان حالهم!! فما كان من الشيخ إلا أن خرج إليها، فإذا هي جالسة عند الباب، فقالت: إنها عجوز كبيرة السن، وقد ورثت مالاً حلالاً، وتريد أن تقدمه لآخرتها، وقد جاءت به تحمله، وتريد رسولاً أميناً يحمله لها إلى الدار الآخرة، فسلمته ليد الشيخ، فجاء الشيخ يبكي وقد ابتلت لحيته بدموعه، وما ذلك إلا لأنه كان يحب أن يكون هو الذي أنفق هذه النفقة، كحال الأشعريين الذين كانوا يحبون الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لهم مالٌ يفعلون ذلك به، فأنزل الله فيهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:92] .
كذلك أعرف تاجراً من تجار المسلمين ليس بأغناهم، ولا بأطولهم يداً، خرج ذات يوم إلى جامعة أهلية من الجامعات الإسلامية، فرأى فيها الطلاب من مختلف الجنسيات يدرسون العلم، وهذه الجامعة تسعى للتكوين التربوي؛ فتلزم طلابها بصيام الإثنين والخميس وقيام الليل، بالإضافة إلى دراسة العلم، وحضر معهم الإفطار، ورأى ضآلة طعامهم وضعف إمكانات الجامعة، فقطرت دموعه، فعرفت أنه مستعد لأن يبذل شيئاً للجامعة، فسألته: هل تريد أن تتبرع للجامعة بشيء؟ قال: نعم، فقلت: إن أحوج ما تحتاج إليه هذه الجامعة أن تشتري لها مطبخاً كبيراً، فاشترى لها مطبخاً كبيراً من اليابان، ووصل إليها بالفعل، وكان هذا المطبخ فتحاً عظيماً للجامعة، سد حاجة الطلاب جميعاً، وما هو إلا من لحظة واحدة تأثر بها الرجل عندما رأى الناس يجتمعون على الإفطار بوسائلهم الضعيفة المتواضعة.
الإنفاق على المجاهدين واجب ديني على المستطيعين
إن الذين يجاهدون في سبيل الله، ويقارعون أعداء الله سبحانه وتعالى، أغلبهم شباب لا يملكون نفقة، ولا سلاحاً؛ ولذلك هم يحتاجون إلى من يوصلهم أولاً إلى أرض العدو، ثم يشتري لهم السلاح بعد ذلك، فالذين يجاهدون الآن في (الشيشان) أغلبهم من الشباب الفقراء الذين ليسوا بموظفين ولا تجار، ولا يقاتلون إلا بأموال تجار المسلمين في مختلف الأنحاء، فليس هناك دولة من الدول الإسلامية تدعمهم مع استحقاقهم للدعم على الجميع، ومع أن منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة رابطة العالم الإسلامي، والمجمع الفقهي، كل هذه الهيئات قد أصدرت فتوى لجميع المسلمين -وبالأخص لحكومات المسلمين- بوجوب مساعدة هؤلاء، وحرمة خذلانهم، وحرمة إسلامهم للعدو، لكن -مع ذلك- لم ينالوا دعماً من الدول الإسلامية، وإنما ينالون دعماً من تجار المسلمين، وحتى في بعض الأحيان من فقراء المسلمين.
أعرف بعض الفقراء يجمع في حيه التبرعات العينية: يأخذ بعض حلي النساء، وساعات الرجال والثياب وغيرها، فيبيعها بما يزيد فيها من الثمن، ويحل بذلك مشكلات كثيرة، مثل مشكلة عطش قرية من القرى النائية، أو علاج وباء منتشر في بلد، أو جوع يشمل طائفة من المسلمين.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/102.jpg
هلال رمضان في مواجهة الأطباق الفضائية!
أو المواجهة ما بين الإعلام الملتزم والإعلام المنحرف!
هاهو ذا هلال رمضان يطلُّ مع استدارة كلّ عامٍ جديد، ليجدَ الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية في استقباله، متحدّيةً له، فهو منار هدايةٍ، وهي محطات فجورٍ وضلالة، إلا ما رحم الله!
وهذه قصيدة يقول كاتبها الأستاذ عائض البدراني:
كتبتُها عندما رأيت من شرفة منزلي أحد هذه الأطباق اللاقطة فوق إحدى البنايات، فسرحتُ بخاطري أتفكر في حال أصحابها، وثارت خواطري، فقلت:
شبابُنا ضاع بين الدشّ والقدمِ وهام شوقاً فمالَ القلبُ للنغمِ
يقضي لياليه في لهوٍ وفي سهرِ فلا يفيق ولا يصحو ولم ينمِ
يقلّب الطرفَ حتى كل من نظرٍ إلى قناة تبثُّ السم في الدسمِ
فقلّد الغرب حتى فاقهم سفهاً وضاق بالدين والأخلاق والقيمِ
أرى سموماً أتت من (سات) يرسلها إلى شبابٍ هوى في حالك الظلمِ
أرى شباكاً من الأشرار قد نصبت فما تصيد سوى الغربان والرخمِ
***
كفى صدوداً عن الإسلام ويحكمُ فالعمرُ فانٍ وحانت ساعة الندم
أعمالكم يا عباد الله قد كُتبت ملائك الله خطّت ذاك بالقلمِ
عودوا إلى الله شدُّوا العزم واتحدو اوحطموا الكفر بالأقدام والهممِ
دعوا الحداثة والتغريب واتبعوا نهجاً قويماً يُضيء الدرب للأممِ
هذا كتابٌ من الرحمن أنزله على البرية من عرب ومن عجم
قد ضلَّ من يبتغي في غيره شرفاً وبات يغرق في مستنقع وخمِ
وهذه سنة المختار بينكمُ من مال عنها ورب البيت ينهزمِ
إنّ هذه القصيدة تُعتبر مواجهةً حيّةً من قبل الإعلام الملتزم، يوجهها نحو الإعلام المنحرف كاشفاً عن أهدافه المريبة، وسعيه إلى اجتثاث عقيدة الامة وقيمها!
اللَّهمَّ سلَّم (من فتنة الإعلام المنحرف!)
وفي هذا المحور نقف عند مقالتين، تُسلّطان أضواءً كاشفة على الإعلام المنحرف الّذي ما لبث يوجّهُ إلى صدر الأمة سهاماً مسمومة، بقصد النَّيل من عقيدتها وقيمها وأخلاقها، وكلتا المقالتين تقف عند الإعلام المنحرف معترفةً ومُقرَّةً بأنّه يتّجهُ نحو تحقيق أهدافه بكل جدّيّة! ساعياً سعياً دؤوباً نحو علمنة المجتمع المسلم
(فتنة الإعلام المنحرف):
من أعظم الفتن في هذا الزمن: فتنة الإعلام المنحرف الذي استخدم أدوات متعددة لتغيير عقائد ومفاهيم كثير من الناس.
فالشاشة لها نصيبُ الأسد، والمجلات والصحف لها تأثير بالغ، والقصص والروايات نخرت في الأمة بحسن السبك وقوة العاطفة، أما الإذاعة والسينما والمسرح وغيرُها فلها روَّاد كُثر
قلبت الحقائق لدرجة يصعب على الشخص تصديق سرعة التحول لدى الناس ..
(الهدف: تحقيق اللقاء المحرم بين الرجل والمرأة)
إلى سنوات قريبة بدأ الغزو المكثف لإزالة حاجز التقاء الرجل مع المرأة لقاءً محرماً .. فزُيِّن الأمرُ بأنها علاقة شريفة وصداقة حميمة وحب صادق! وإذا وقع المحظور فهو نتيجة طبيعية للمشاعر الفياضة بين الطرفين.
ولم تسمع بكلمة الزنا والزاني والزانية في وسائل الإعلام البتة! بل زُيِّن الأمر حتى للمرأة البغيِّ التي تعرضُ نفسها على الرجال الأجانب، فسُمِّيت بائعةَ الهوى وصاحبةَ الحبِّ المتدفق!
وغرست أمور في قلوب الناشئة أصبحت اليوم من المُسلمات! وهي في قلوب الكبار بين موافقة ورفض، وكلُّ نفس بما كسبت رهينة!
(ملء الفراغ العقديّ لدى الشاب والشابة)
صُرف الشاب عن الطاعة والدعوة والجهاد إلى ملاعب الكرة ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والتشبه بالكفار!
وصُرفت الفتاة إلى الأزياء والحلي والعري والخلاعة ..
والمجال خصب والمرتع وخيم، فهناك شهوات تؤجَّج ونيرانٌ تتَّقد بحثاً عن الحرام! ومع هذا الانصراف نجد الموافقة في الغالب من المربين آباء وأمهات! ولهذا انتشرت العلاقاتُ المحرمة وهدرت الطاقات وضيعت الأوقات!
(إيقاد نار العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة)
لم يكتف الإعلام بهذا بل سارع إلى إيقاد نار العداوة والبغضاء، وأصَّلَ لكُرهٍ مفتعل يين الرجل والمرأة، وبين الزوج وزوجته، وبين الأب وأبنائه!
فقيل للابن: أنت حر، وقيل للبنت: تمرَّدي على القيود، أنت ملكة نفسك!
ورغبةً في الإلهاء وإرضاء الغرور والتَّغرير، بدأت العبارات الرنانة تتكرر كل يوم: أنتِ جميلة وفاتنة وراقية وصاحبة ذوق!
وأصبح الحديث كله عن الحب المزعوم، في حلة ملطخة بالعهر والذنوب.
واستمر التحريض ليصل العداوة على الوالدين والزوج والأخ، حتى وصل إلى ذروة الأمر فحرضت المرأة على الشريعة!
فالحجاب قيدُ أغلال، والزواج ظلم وتعدٍّ وتسلُّط وتجبُّر
وإنجاب الأبناء عمل غير مجد! أما طاعة الوالدين فعبث
والمحبة للزوج ذلة وضعف، وخدمته جبروت وقسوة!
في سنوات قليلة صدق بعض النساء الأمر فتمردن على الزوج وحدَّدن النسل بطفل أو اثنين! وتفلَّتت المرأةُ في طريق مظلم ليس فيه إلا عواء الذئاب والهاوية تقترب!
وتكبرت الزوجة على أمِّ الزوج حتى جعلتها شبحاً مخيفاً وبعبعاً قادماً!
أما المطلقة فهي في نظرهم صاحبة جريمة لا تغتفر إذ هي مطلقة!
(الطّامّة أن يجد هذا الإغواء الإعلاميّ من يُصدّقُه)
وإن كان هذا هو واقع الإعلام بشكل عام فما حالنا معه! من الطوام ما نراه من القبول، ومن الهوام أن يتأصل الأمر ويُسلم به! ولو تفقد القارئ ذلك في نفسه وبيته ومجتمعه لوجد الأمر أكبرَ مما ذكرت وإن سمع أو رأى أحدُكم أن عملاً إعلامياً أظهر الحقيقة في ذلك فليفتخر به!
أرأيتم لو أن مقدماً رأى رجلاً وامرأة في مسلسل أو في عمل أدبي وختمه بكلام مؤصل وحقيقة ناصعة، وقال: هذا طريق الزنا والعياذ بالله! كيف يكون الحال.
لكنها إشارات لسيل علا زَبَدُهُ وظهر أثره في سنوات قلائل، فاللهم سلم!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
كيف يستعدّ الإعلام المنحرف لشهر رمضان؟
في المقال التّالي يوضّح الكاتب ما تتميّز به المسلسلات من المخالفات والانتهاكات الشرعيّة، ويجتهد في الحثِّ على القيام بدور الإنكار لهذا المنكر، باللسان، وذلك في حقّ إدارات التلفزيون، التي بدورها قد تملكُ تغيير هذا المنكر باليد إيقافاً له! إنّه جهدٌ إيجابيّ على أيّ حال!
الاستعداد لمسلسلات رمضان
شهران ونصف فقط تفصلنا عن شهر رمضان، وهذه الفترة الزمنية القصيرة ليست بشيء أبداً لجميع الناس الذين يعطون هذا الشهر قدره ومكانته، وقد يظن البعض أنني استعجلت كتابة هذه المقالة لكنني أظن أنني قد تأخرت فيها!!.
التلفزيونات كلها تقريبا قد انتهت من إعداد خطتها في الدورة الرمضانية، وشركات الإنتاج عرفت ما لها وما عليها وهي تستعد لتسليم التلفزيونات أعمالها الفنية بصورتها النهائية، ولهذا فنحن متأخرون بتوجيه النصح لهذه الجهات أن يتقوا الله في المسلمين في شهر الرحمة ومغفرة الذنوب، فالتلفزيونات التي تتسابق لعرض مسلسلات أو برامج (تافهة) في شهر رمضان، وبعضها مليء بالابتذال وعدم الحياء ويعتمد في ترويجه على إبراز مفاتن النساء وتمييعهن، والاعتماد في السيناريو على القصص الغرامية والعاطفية، وكل هذا في شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه شياطين الجن، ولكن للأسف يأتي دور شياطين الإنس وأغلبهم ممن ينتشر في مجال الإعلام! أنا لا أريد فقط أن يقوم وزراء الإعلام بدورهم الرقابي من الآن وذلك في عدم إجازة أي نص أو برنامج لا يتناسب مع شهر رمضان، فللشهر خصوصيته وحرمته، ولا أريد فقط أن يقوم أعضاء مجلس الأمة المحترمون بدورهم الحقيقي من الآن في تنبيه وزارة الاعلام بضرورة احترام الشهر، ولا أريد أيضا فقط أن يقوم العلماء والدعاة بدورهم في توعية الناس وتحذيرهم مما يسخط الله في جميع أيام السنة وفي الأيام الفضيلة على وجه الخصوص، ولكني أريد من شركات الإنتاج نفسها وكتاب السيناريو ومُلاك القنوات الفضائية الخاصة أن يتقوا الله في المسلمين، وليعلم هؤلاء جميعاً أن لا بركة لمال أبداً اذا كان عن طريق نشر الشهوات والمحرمات وخصوصا في شهر التوبة والغفران!!.
هناك سوابق كثيرة في مسلسلات عرضت في سنوات ماضية في شهر رمضان كانت تحتوي على مناظر اقل ما يقال فيها أنها (بلا حياء) وكلمات للأسف لا تدل على أي احترام للمشاهد المسلم الملتزم بدينه، بل بعض المسلسلات (الكويتية) - وللأسف - امتنعت بعض القنوات عن عرضها مشكورة لكنها عرضت في شاشات تسمح بكل شيء حتى الموقوذة والمتردية والنطيحة، وكانت فيها مشاهد قمة في الوقاحة وسوء الخلق، وكل هذا في شهر رمضان والمساجد مليئة بالمصلين، والقرآن يتلى، والرحمة تنزل على التائبين.
عيب أن يظهر بعض الليبراليين ويلبس ثوب الحرية التي يزعمها، لكنها الاباحية في حقيقتها، ويطالب ببث كل شيء حتى في رمضان بحجة من أراد البرامج الدينية شاهدها ومن أراد التفسخ والانحلال شاهده!! قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].
مسلسلات خليجية، وأخرى عربية، ودخلت على الخط التركية، ناهيك عن الأفلام الاباحية، حتى القنوات الغنائية .. تتزاحم كلها في شهر رمضان لإفساد دين الناس وعباداتهم وأخلاقهم، وغالب الناس يتأثرون وينجذبون لما تدعوهم اليه الاعلانات والدعايات لمسلسلات وبرامج رمضانية، «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» رواه مسلم.
صحيح أنه لم يبق إلا القليل، لكن التلفزيونات تستطيع أن تفرض شروطها على شركات الإنتاج، بل تستطيع أن تختار المسلسلات والبرامج المحترمة التي تعطي الشهر قدره واحترامه، وإن كنت متساهلا شيئاً قليلا في هذا الباب الا أن بعض الشر أهون من بعض، وليقم كل مسؤول بدوره من الآن لأنه "اذا فات الفوت ما ينفع الصوت".
رسالة الإعلام الإسلاميّ الملتزم
في مقابل فتنة الإعلام المنحرف، هذا الشيخ يُبيّن رسالةَ الإعلام الملتزم، فيقول:
"إن إعلام الأمة الإسلامية لن يكون كله وعظًا ودروسًا دينية، وإن كانت هذه جزءًا لا يتجزأ من الإعلام الإسلامي لتذكير الناس بالله واليوم الآخر ... إنما الإعلام في الأمة الإسلامية له عدة أهداف ..
أولًا: تعريف الناس بحقيقة دينهم .... أي تعريفهم - تفصيلًا - بمقتضيات لا إله إلا الله، وذلك عمل دائب لا ينقطع، وقد استغرق من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا في مكة وعشر سنوات في المدينة لم ينقطع عنها عن تعليم الناس مقتضيات لا إله إلا الله.
ثانيًا: تعريف المسلمين بكيد أعدائهم؛ ليحذروه و لا يقعوا في حبائله، وفي السور المدنية حديث مفصل عن هؤلاء الأعداء، وباعثهم على الموقف العدائي الذي يقفونه من لا إله إلاالله، وأمة لا إله إلا الله، وأساليب الكيد التي يتخذونها، ووسائل الوقاية م هذا الكيد.
ثالثًا: إعطاء رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر: ما القوى التي تعمل فيه؟ ما موقفها من بعضها البعض؟ ما موقفها من الإسلام والمسلمين؟ ما تفسير الأحداث الجارية من زاوية الرؤية الإسلامية؟ كيف يؤثر كون الجاهلية جاهلية فيما يعيشه الناس من ضنك في الأرض، وفي حدوث الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تنتاب العالم؟ ما السنن الربانية التي تحكم هذا الواقع وتفسره؟ ما المخرج للناس مما هم فيه؟ وفي هذا العرض الإعلامي لن يكون هناك ذكر - و لا إشادة - ب " الدول العظمى "! إنما هي " الجاهليات العظمى" أو " الطواغيت " الممكنة في الأرض بقدر من الله، وحسب سنة من سنن الله. " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليه أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون" " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء". وما مصيرها في الدنيا والآخرة؟ " حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" " أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون".
رابعًا: تذكير الأمة برسالتها التي أخرجها الله من أجلها، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، والشهادة على كل البشرية ........ وبيان الوسيلة التي تحقق بها الأم رسالتها، وبيان دور الجهاد في هذه الأمة، وأنه ليس إكراه أحد على اعتناق الإسلام، إنما هو إزالة الفتنة من الأرض: " وقاتلوهم ح تى لا تكون فتنة ويكون الدين لله". وحين يكون الإعلام الإسلامي على هذا النحو فما اثمنه من إعلام، وما أجدره أن يدخل في المقتضى التعبيري للا إله إلا الله". (لا إله إلاالله عقيدة وشريعة ومنهج حياة ص116 – 118).
من أجل تأصيل رسالة الإعلام الإسلاميّ
( مرحلة عصيبة!)
يمر العالم الإسلامي اليوم بمرحلة عصيبة، سواء كان ذلك سياسيا أم اجتماعيا، أم اقتصاديا أم إعلاميا .. وبما أن الإعلام الإسلامي، وأمام تلك التحديات التي تواجهه، لم يستطع بعد إثبات وجوده، بل ولنقلها بكل صراحة، لم يتحقق بعد وجود إعلام إسلامي أصيل، له رسالة واضحة وهدف منشود.
(إعلام دعويّ)
إننا عندما نتحدث عن إعلام إسلامي، فلابد أن نستحضر معنى الرسالة الإعلامية الإسلامية التي تتغيى أولا التعريف بمبادئ ديننا الحنيف، ولابد أيضا أن تكون لنا استراتيجية واضحة المعالم، نحدد من خلالها ما نتوخاه من إعلامنا على المدى المتوسط والبعيد.
(إعلامٌ يسعى لتوحيد الأمّة)
وقبل هذا وذاك، وحتى تتحقق مبادئ الوحدة، فلابد لإعلامنا الإسلامي أن يسعى إلى التقريب بين الشعوب الإسلامية "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" صدق الله العظيم، لأن في ذلك مساهمةً جليَّة في دعم اتجاهات الوحدة الإسلامية أولا، ومساندة لكل المشروعات الهادفة التي يكون من شأنها توحيد الصف الإسلامي.
(أكبر تحدٍّ)
ولعل أكبر تحدٍّ هو تشخيص واقعنا الإعلامي والإقرار بدونيته، والعمل على تظافر الجهود من الناحيتين، السياسية والاقتصادية، لأجل تخطي العقبات وتحقيق الآمال.
(دور العلماء والدعاة والمشاهدين)
هل يمكن الحديث عن إعلام إسلامي دون التطرق لدور العلماء والدعاة في هذا المجال؟
سؤال يتكرر كثيرا، والأصل في الأمر هو إلزامية وجود مكان رئيسي للعلماء في رحاب وسائل الإعلام، لا بل ومن الضروري أن تكون هناك علاقة وطيدة بين علمائنا والشباب الإعلامي المسلم المتخصص حتى ينهل من علمهم وفضلهم. بل والأكيد أكثر، هو أن يكون للإعلاميين الإسلاميين تكوين شرعي (ما يجب أن يُعلم من الدين بالضرورة) حتى تكون رؤيتهم لعملهم الإعلامي واضحة.
(وكذلك فإنّ الدعاة وطلبة العلم، وكلّ الشباب الملتزم بالدعوة الإسلامية المعاصرة، وكلُّ متابعي نشاطنا الإعلاميّ الدعويّ، كلهم باتوا رصيداً مهمّا للإعلام الإسلاميّ، وينبغي المحافظة عليهم، والعمل على مضاعفة عددهم، من خلال اجتهادنا في ترقية أدائنا الإعلامي والدّعوي)
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
الإعلام والرياضة
تحتلّ البرامج والمباريات الرياضية في برنامج رمضان وغيره من الشهور مكانة متميّزة وجاذبة للكثيرين من الشباب!
وحريٌّ بالشباب أن لا يزهدوا في الأوقات الطيبة التي يعيشونها في رمضان، فيُهدروها في المكوث ساعاتٍ طوالاً لمشاهدة البرامج والمباريات الرياضية! الأمر الذي يقتضي منّا وقفةً، فهذه ابتداءً فتوى فيها نوعٌ من التخفيف والتدريج في النَّهي عن المنكر في هذا الميدان!
وقد تولى بعض الأخيار قطاع الرياضة، فلما سألوه عن خططه قال: سوف أعمل على إصلاح العقائد وإحياء الشعائر، وتحسين الأخلاق بالنسبة للاعبين والمشجعين، واتخذ في هذا الاتجاه خطوات مشهودة ومشكورة من تهيئة أماكن الصلاة في الأندية والميادين، وإقامة حلق التلاوة وتحديداً أساليب راقية للتشجيع تخلو من السب واللعن.
ولا يخفى عليك أخي الكريم أن رياضة كرة القدم تعتبر من أنظف أنواع الرياضة الموجودة في زماننا، والمطلوب هو أن لا تأخذ أكبر من حجمها، ولا تتحول إلى غاية في نفسها؛ لأنها عند ذلك تكون كما قال الأستاذ/ كأنها تربية عجول، أو كما قال الصحفي السوداني محمد طه رحمه الله (أنا أريد أن أسأل هل هذه الكرة تلعب أم هي مادة للمذاكرة)، وكان كلامه تعليقاً على كثرة الصحف الرياضية والتحليلات والمناقشات، ولعلنا نتفق أن الذي يستفيد حقيقة هو الذي يجري ويحرك جسمه، وتكتمل الفائدة إذا استخدم تلك القوة والفنون في الصلاة والصلاح.
وهذا بالإضافة إلى ما نبهتنا إليه من كون الاهتمام بالرياضة وأخبارها يكون على حساب ما هو أهمُّ منها بكثير خاصة لمن هم في مقامك، وقد يضطر الإنسان القدوة إلى ترك كثير من المباحات، كما ترك الأوزاعي كثرة الضحك عندما آلت إليه الخلافة، وزهد أبو الدرداء في التجارة طمعاً في تجارة عند الله لا تبور، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إلى الله، ومن أمثالك ننتظر التوجيه، ولا أظن أن الانسحاب من ساحات الكرة فيه صعوبة، وقد مرت على فترة في حياتي أخذت الرياضة مني أوقاتاً كثيرة، ولكن الله سلم فله الفضل والمنة، فلنعط المرح بمقدار
وفي الموضوع التالي يطرح الكاتب استناداً إلى الشيخ السعدي رحمه الله تصوّراً شرعياً للرياضة، وهو تصوّرٌ يحتاج إلى أن يَنْشَطَ في الدَّعوة له طلاب العلم والعلماء، باعتباره بديلاً للرياضة السائدة الآن، وليس معنى ذلك اتخاذ موقفٍ بتحريم كرة القدم مثلاً، ولكن من الحكمة أن نسعى إلى إقامة بديلنا وإشهاره والدعوة إليه، بدون أن نشغل أنفسنا باستثارة معارك لا جدوى من ورائها مع سدنة الرياضة القائمة، التي هي وسيلةٌ فعَّالة لإلهاء شبابنا! وكما نعلم فإنّ مباريات كرة القدم في التلفاز والفضائيات تستقطب عدداً كبيراً من شبابنا، فنحن نتوجه إليهم عبر هذه الحلقة، لنُذكِّرهم بالمفهوم الشرعي للرياضة، والذي يبدو واضحاً في رمضان، من خلال أداء حركات الصّلاة المتقنة في زُلفٍ من الليل وأطراف النهار!
الرياضة في مفهوم العلماء
(رياضة الأبدان ,ورياضة الأخلاق ,ورياضة الأذهان)
قال ابن سعدي رحمه الله في كتابه الجميل الرياض الناضرة الفصل السابع والعشرون في الرياضة وهي التمرن والتمرين على الأمور التي تنفع في العاجل والآجل والتدريب على سلوك الوسائل النافعة التي تدرك بها المقاصد الجلية وهي ثلاثة أقسام:
رياضة الأبدان ,ورياضة الأخلاق ,ورياضة الأذهان ,ووجه الحصر أن كمال الإنسان المقصود منه تقويةُ بدنه لمزاولة الأعمال المتنوعة ,وتكميل أخلاقه ليحيا حياة طيبة مع الله ومع خلقه ,وتحصيل العلوم النافعة الصادقة وبذلك تتمُّ أمور العبد ,والنقص إنما يكون بفقد واحدٍ من هذه الثلاثة أو اثنين أو كلها.
والأقسام الثَّلاثة مما حثَّ عليها الشرع والعقل ,ولو لم يكن إلا الاستدلال بالقاعدة الشرعية العقلية الكبيرة ,وهي أن الوسائل لها أحكام المقاصد ,وأن الأمر الذي يتم به المأمور مأمور به ,أمر إيجاب أو استحباب ,لكفى دليلا وبرهاناً على العناية بالرياضة بأنواعها.
(العوائد الشرعية في الحركات البدنية)
أما الرياضة البدنية فبتقوية البدن بالحركات المتنوعة وبالمشي وبالركوب وأصناف الحركات المتنوعة ,ولكل قوم عادة لا مشاحة في الاصطلاحات فيها إذا لم يكن فيها محذور وإذا تدبرت العوائد الشرعية في الحركات البدنية عرفت أنها مغنية عن غيرها ,فحركات الطهارة والصلاة والمشي إلى العبادات ومباشرتها ,وخصوصا إذا انضاف إلى ذلك تلذذ العبد بها وحركات الحج والعمرة والجهاد المتنوعة ,وحركات التعلم والتعليم والتمرين على الكلام والكتابة وأصناف الصناعات والحرف كلها داخلة في الرياضة البدنية ,ويختلف نفع الرياضة البدنية ,باختلاف الأبدان قوةً وضعفاً ونشاطاً وكسلاً ,ومتى تمرَّن على الرياضة البدنية قويت أعضاؤه، واشتدت أعصابه، وخفت حركاته وزاد نشاطه واستحدث قوة إلى قوته يستعين بها على الأعمال النافعة ,لأن الرياضة البدنية من باب الوسائل التي تقصد لغيرها لا لنفسها ,وأيضا إذا قويت الأبدان وحركاتها ازداد العقل وقوى الذهن وقلت الأمراض أو خفت ,وأغنت الرياضة عن كثير من الأدوية التي يحتاجها أو يضطر لها من لارياضة له.
(الرّياضة البدنيّة ليست غايةً)
ولا ينبغي للعبد أن يجعل الرياضة البدنية غايته ومقصوده فيضيع عليه وقته ,ويفقد المقصود والغاية النافعة الدينية والدنيوية، ويخسر خسراناً كثيراً كما هو دأب كثير من الناس الذين لاغاية لهم شريفة، وإنما غايتهم مشاركة البهائم فقط، وهذه غاية ما أحقرها وأرذلها وأقل بقاءها.
(كمال العبد بالتخلق بالأخلاق الجميلة)
وأما رياضة الأخلاق فإنها عظيمة صعبة على النفوس، ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه، ونفعها عظيم وفوائدها لاتنحصر، وذلك أن كمال العبد بالتخلق بالأخلاق الجميلة مع الله ومع خلقه، لينال محبة الله ومحبة الخلق، ولينال الطمأنينة والسكينة والحياة الطيبة، وشعبها كثيرة جداً. ولكن نموذج ذلك أن يمرن العبد نفسه على القيام بما أوجب الله عليه ويكمله بالنوافل على وجه المراقبة والإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان في عبادة الله " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "فيحاسب العبد نفسه على القيام بها على الوجه الكامل أو مايقاربه، ويقاطعها على تكميل الفرائض، والجد على إيقاعها على أكمل الوجوه، وكلما رأى من نفسه قصوراً أو تقصيراً في ذلك جاهدها وحاسبها وأعلمها أن هذا مسلوب منها، ويجاهدها على تكميل مقام الإخلاص الذي هو روح كل عمل، فالعمل إذا كان الداعي لفعله وتكميله وجه الله وطلب رضاه والفوز بثوابه، فهذا العمل المقبول الذي قليله كثير، وغايته أشرف الغايات ونفعه مستمر دائم، فإذا رأى من نفسه إخلالا وتقصيراً بهذا الأمر، لم يزل بها يقيمها على الصراط المستقيم، بحيث تكون الحركات الفعلية والقولية كلها خالصة لله تعالى، مراداً بها ثوابه وفضله، فلا يزال العبد يمرن نفسه على ذلك حتى يكون الإخلاص له طبعاً، ومراقبة الله له حالا ووصفاً، وبذلك يكون من المخلصين المحسنين، وبذلك تهون عليه الطاعات، وربما استحلى في هذا السبيل مشاق الطاعات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
(احترام الخلق)
وكذلك يمرن نفسه على التخلق بالأخلاق الجميلة مع الخلق على اختلاف طبقاتهم، فيحسن خلقه للصغير والكبير والشريف والوضيع، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويحسن إلى من أساء إليه بقول أو فعل ويمتثل ما أرشده الله إليه بقوله (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
أخبر الله تعالى أنها من أعظم الحظوظ المسلوبة، وأنه لايوفق لها إلا الصابرون الذين مرنوا نفوسهم وراضوها على التزام هذه الأخلاق، ووطنوها على الاتصاف بها، فتوطين النفس على كل أمر ممكن حدوثه من الناس، من أقوال وأفعال، وعلى الصبر عليه عوناً كبيراً على التوفيق لهذا الخلق الجليل. وكذلك يمرن نفسه ويروضها على النصح لجميع الخلق بقوله وفعله وجميع حركاته، فإن النصح هو غاية الإحسان إلى الخلق وهو الدين الحقيقي، ويمرنها على الصدق والعدل واستواء الظاهر والباطن.
فهذه الرياضة لا يتم القيام بحقوق الله وحقوق عباده إلا بها، وكل أمر من الأمور يحتاج إليها فيه، فإن النفس مجبولة على الكسل وعدم النهوض إلى المكارم، فلا بد من مجاهدتها على ما تصلح به أمورها.
وأما رياضة الأذهان فهي الاشتغال بالعلوم النافعة وكثرة التفكر فيها والابتداء فيما يسهل على العبد منها، ثم يتدرج به إلى مافوقه، وتعويد الذهن السكون إلى صحيح العلوم وصادقها، وذوده عن فاسدها وكاذبها ومالانفع فيه منها، فإن من تعود السكون إلى الصدق والصحيح، والنفور من ضده، فقد سلك بفكره وذهنه المسلك النافع، وليداوم على كثرة التفكر والنظر، كما حث الله على ذلك في كتابه في عدة آيات.
(تمرينُ الذّهن بكلام الله ورسوله)
وأنفع ما ينبغي تمرين الذهن عليه كلام الله وكلام رسوله ,فإن فيهما الشفاء والهدى ,مجملا ومفصلا ,وفيهما أعلى العلوم وأنفعها وأصلحها للقلوب والدين والدنيا والآخرة.
فكثرة تدبر كتاب الله وسنة رسوله أفضل الأمور على الإطلاق ,ويحصل فيها من تفتيح الأذهان ,وتوسع الأفكار والمعارف الصحيحة ,والعقول الرجيحة ,ما لايمكن الوصول إليه بدون ذلك ,وكذلك التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ,من السماوات والأرض وما أودع فيهما من المخلوقات والمنافع ليستدل بها على التوحيد والمعاد والنبوة وبراهين ذلك ,وليستخرج ما فيها من المنافع النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم ,فمن عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في هذه الأمور وما يتبعها ,فلا بد أن تترقى أفكاره وتتسع دائرة عقله وينشحذ ذهنه , ومن ترك التفكر جمدت قريحته وكل ذهنه ,واستولت عليه الأفكار التي لاتسمن ولا تغني من جوع ,بل ضررها أكثر من نفعها.
ومن الأفكار النافعة التفكر في نعم الله ,الخاصة بالعبد والعامة ,فبذلك يعرف العبد أن النعم كلها من الله ,وأنه لايأتي بالخير والحسنات إلا الله ,وأنه لايدفع الشر والسيئات إلا هو وبذلك تستجلب محبة الله وبه يوازن العبد بين النعم والمحن لانسبة لها إلى النعم بوجه من الوجوه ,بل إنها تكون في حق المؤمن القائم بوظيفته ,الصبر نعمة من الله ,فكل ما يتقلب فيه المؤمن فهو خير له ,لأنه يسعى بإيمانه ويكتسب به في جميع تنقلاته ,وهذه أفضل حلى الإيمان وثمراته البهيجة ,وكذلك من أنفع الأفكار الفكر في عيوب الناس وعيوب الأعمال والتوصل إلى الوقوف عليها, ثم السعي في طريق إزالتها ,فبذلك تزكوا الأعمال وتكمل الأحوال ,وبالله التوفيق.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
الجنس يجتاح العالم الإسلامي: رسالة تحذير!
وكان هذا الاجتياح نتيجةً مباشرةً للغزو الفضائيِّ، عبر محطّات الفضاء ومواقع الإنترنت، فكان لا بدّ من هذه الوقفة المحذّرة المذكرة، بقلم كاتبها: محمد محمود عبد الخالق:
(اجتياحٌ في غفلة الحراس)
في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الإصلاح السياسي في العالم العربي من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، نجد هناك غفلة عن الحديث عن ذلك التسعير الجنسي الذي تتعرض له أمتنا الإسلامية، والذي يجتاح بيوتنا ويهدد قيمنا، ويكاد أن يأكل الأخضر واليابس، ويقضي على شبابنا ويحقق مطامع أعدائنا، فالجنس آفة يجب أن لا نقف مكتوفي الأيدي تجاهها ولعل ما نراه وما نسمعه عن أحوال شبابنا مع تلك الآفة يجعلنا ندق ناقوس الخطر وبقوة شديدة قبل أن تأتي تلك اللحظة التي نندم فيها ندما شديداً ولكن قد يكون بعد فوات الأوان.
(دوافع تدفع شبابنا إلى السقوط بين يدي هذا الاجتياح)
إن شبابنا في هذه الأيام الحالكة التي يعيشونها هم أقرب بكثير من أي وقت مضى للإصابة بهذا الداء بل وسريانه في أجسادهم وسيطرته على كافة تحركاتهم وتوجهاتهم فالبطالة وفقدان الثقة في النفس وارتفاع سن الزواج وزيادة تكاليفه وانعدام المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والإحساس بالظلم والاستبداد جعل الشباب يبحثون عن أشياء تنسيهم ذلك الواقع المرير فكان من أهم ما لجئوا إليه ووجدوه متوافرا عندهم مشاهدة الأفلام وخاصة الجنسية وكذلك الأغاني العربية والأجنبية وتصفح المجلات الماجنة بالإضافة إلى الارتباط بالفتيات بشكل غير شرعي ليس لغرض الحب والزواج، ولكن لغرض الجنس وتفريغ الطاقة الجنسية الكامنة لديهم، والتي لم تجد مسلكاً حلالاً يمكن أن تفرغ من خلاله، وقد لجأ البعضُ إلى الاستمناء كوسيلة لتحقيق ذلك أيضاً، ولست بذلك أحكم على أن جميع الشباب قد وصلوا إلى تلك المرحلة من الانحطاط الجنسي، ولكني أظن أن عددهم ليس بالقليل والواقع يؤيد ذلك ويوضحه.
(التحذير من خطر الطاقة الجنسية)
هذا ولقد حذر الكثير من العلماء من خطورة الجنس وأثره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية فهذا أحدهم يقول: " إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية المطاف أكبر من خطر الطاقة الذرية .... !! " جيمس رستون في (النيويورك تايمز)، وآخر يقول: " والواقع أن مستقبل الأجيال الناشئة محفوف بالمكاره، ربما يتحول أطفال اليوم إلى وحوش عندما تحيط بهم وسائل الإغراء المتجددة بالليل والنهار! إن تشويها كبيرا سوف يلحق البشر حيث كانوا .... " جورج بالوشي هورفت في كتابه (الثورة الجنسية)؟، ويلفت المؤرخ أرنولد توينبي "النظر إلى أن سيطرة الغرائز الجنسية على السلوك والتقاليد يمكن أن تؤدي إلى تدهور الحضارات"، ومع تلك الخطورة على الإنسانية بشكل عام وجدنا مجموعة كبيرة من البشر لا يكلون ولا يملون من الدعوة إلى انتشار الجنس وخاصة بين المسلمين فحال الشرق الإسلامي لن يستقيم تبعا لأهوائهم إلا بانتشار الجنس بين أفراده وسيطرة الشهوة على تحركات هؤلاء المسلمين فهذا أحدهم يقول " لن يستقيم حال الشرق مالم تخرج المرأة سافرة متبرجة "، وآخر يقول: "كأس وغانية تفعلان بأمة محمد مالا يفعله ألف مدفع"، وآخر يقول: "يجب أن يتضامن الغرب المسيحيُّ شعوباً وحكومات، ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر (الغزو الثقافي) ولكن في أسلوب نافذ حاسم".
(هل نجح أعداؤنا في تحقيق أهدافهم)
إن أعداء الأمة من الداخل والخارج يريدون انتشار الجنس بين المسلمين ولعل الواقع الذي نعيشه يدل على نجاح هؤلاء الأعداء في تحقيق بعض ما يسعون إليه ومن المظاهر التي تدل على ذلك:-
1) ظهور ما يسمى بتلفزيون الواقع الذي يقوم بنقل أفكار بعض البرامج الغربية الساقطة وتهيئتها وتقديمها بالصبغة الشرقية.
2) انتشار الأغاني الإباحية العربية التي أصبح مخرجوها يتفننون في إخراج المرأة في أبهى صورة بإظهار مفاتنها وجعلها شبه عارية بل إنهم يتفننون ويبتكرون في طريقة ذلك العري بهدف الإثارة ومحاولة الوصول إلى أكبر قدر ممكن من تحريك الغريزة لدى المشاهد.
3) انتشار الأفلام وخاصة الجنسية منها بين طائفة كبيرة من المسلمين.
4) انتشار المجلات الماجنة الجنسية الفاضحة بالإضافة إلى إقبال المجلات العادية على نشر الصور العارية وظهور ذلك في أغلفتها وخير دليل على ذلك وقفة بسيطة أما بائع الصحف والمجلات!!.
5) انتشار القصص الغرامية وكثرة تداولها بين شباب الأمة وكأنها الزاد الذي يجب أن يتزود به المسلم أو المسلمة لآخرته.
6) انتشار الكباريهات والنوادي التي تشجع الفاحشة بصورة أو بأخرى.
7) التبرج والسفور الذي نراه في شوارعنا فتلك الفتاة التي تخرج متبرجة وسافرة تكشف عن جسدها أو تكون كاسية عارية تدفع إلى ذلك التسعير الجنسي الذي يبتغيه أعدائنا خاصة إذا أضفنا إلى ذلك الاختلاط غير المشروع بين الرجال والنساء وصدق ابن القيم حين قال الاختلاط أصل كل مفسدة.
8) انتشار العلاقات العاطفية بين المسلمين وأقصد المحرمة والتي وجدت نظاما دوليا ينظمها ووجدت عرفا فاسدا لا يمنعها.
وغير ذلك من المظاهر التي يقف عليها كل من يتابع حياتنا اليومية بنظرة إسلامية لا بنظرة عرفية أو دنيوية فاسدة.
وهنا ترى هل يستشعر المسلمون بهذا الخطر أم أنهم سيظلون على ما هم عليه؟ سؤال يطرح نفسه في ظل وضع مأسوي تعيشه الأمة الإسلامية!،
(بعض وسائل العلاج لهذا الداء)
وعموما فإني في نهاية المطاف أود أن أقدم بعض وسائل العلاج لهذا الداء، سائلاً المولى تبارك وتعالى أن يعيننا على الأخذ بتلك الوسائل وتنفيذها:-
1) استشعارنا بوجود هذا الداء في جسد الأمة وبخطره الشديد إذا بقي دون علاج ثم يلي ذلك تشخيص المرض تشخيصا دقيقا والإحاطة بكل جوانبه وتحديدها بدقة وهذه أولى مراحل العلاج.
2) العودة إلى الإيمان الحقيقي بالله سبحانه وتعالى وبث ذلك في نفوس المسلمين ولا سيما الشباب فهم أكثر طوائف الأمة استهدافا من جانب أعدائنا، ولا شك أن بث المعاني الإيمانية في قلوبنا من الخشية لله سبحانه وتعالى ومراقبته والحياء منه والتوكل عليه واليقين به سيحدث نوعا من المناعة لدينا تجعلنا ننأى بأنفسنا عن تلك القاذورات التي تعرض علينا ونقذف بها من كل جانب.
3) إطفاء الفتنة وإخمادها بتقوى الله سبحانه وتعالى فلقد سأل أحد الصالحين وهو طلق بن حبيب عن الفتنة وكيفية إطفائها فقال لهم: أطفئوها بتقوى الله عزوجل فقالوا له وما التقوى؟ قال: " أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تبتعد عن معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله ".
4) الابتعاد عن مواطن الفتنة والإثارة وتحريك الغرائز فهناك حقيقة يجب أن يعلمها الجميع وهي أن الشهوة الجنسية هي الشهوة الوحيدة الساكنة التي تحتاج إلى ما يحركها فشهوة الأكل والشرب مثلاً لا يتحكم الإنسان فيها ولا تحتاج إلى ما يحركها، ولذلك فإن المسلم عليه أن يبتعد عن مواطن الشهوة والفتنة حتى ينأى بنفسه عن اقتراف الفواحش والمعاصي.
5) محاربة العري وأخذ المجتمع بكافة طوائفه هذا الأمر على عاتقهم وخاصة الشباب ويجب أن تستخدم كل الوسائل الممكنة في سبيل تحقيق ذلك سواء عن طريق إقامة الندوات والمؤتمرات أو تأليف الكتب والكتيبات أو كتابة المقالات ونشرها في الصحف والمجلات أو تجميع التوقيعات الرافضة للعري وإرسالها لكل من يبث العري وينشره بين المسلمين وغير ذلك من الوسائل الممكنة والمتاحة التي تحتاج في تنفيذها إلى الهمة العالية والرغبة الجازمة.
6) تيسير الزواج ومحاولة تخفيض تكاليفه ولا شك أن تأخير الزواج كان من أهم الأسباب التي دعت إلى انتشار الفاحشة بين المسلمين ولذلك علينا أن لا نضع القيود التعجيزية في وجوه شبابنا حتى يستطيعوا أن يتزوجوا وبالتالي يحفظون أنفسهم من الفاحشة ويقبلون على حياتهم وينفعون أمتهم ويعيدون حضارة الإسلام من جديد.
7) تعميق معاني غض البصر وعقوبة إطلاقه على محارم الله في نفوس المسلمين ولا سيما الشباب وكذلك تعميق معاني حرمة الخلوة بالأجنبية ولولى خشية الإطالة لتحدثنا عن ذلك بشيء من التفصيل نظرا للأهمية الشديدة لتلكما الأمرين.
8) منع الاختلاط غير المضبوط بين الشباب بعضهم البعض ويكفيني في هذا المقام أن أذكر لكم تلك المقولة الغاية في الخطورة والتي يقول صاحبها فيها "التبرج والاختلاط كلاهما أمنيتان يتمناهما الغرب من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد العالم الغربي من الإسلام والمسلمين".
وأخيرا فإني أناشد الغيورين على تلك الأمة والتي أظنك أيها القارئ من هؤلاء إن شاء الله إلى أن يتحركوا على كافة الأصعدة والميادين لإنقاذ المسلمين من هذا القصف الجنسي اليومي والذي أخشى أن يدمر حياتنا ويهدم أخلاقنا ويقضي على أملنا في التغيير وعودة الأمة إلى سابق مجدها وعزتها وكرامتها والله أسأل أن يجعلنا هداة مهدين لا ضالين ولا مضلين وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغني وأن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين وأن ينجينا من كل سوء وفتنة أنه على ذلك قدير! وهو حسبنا ونعم الوكيل!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
الدعوة النسائية الالكترونية ضوابط ومحاذير
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت: 33].
«فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم» [رواه البخاري].
الثورة الإلكترونية في أوجها وفي أشد مراحل تطورها، ومن أكثرها سرعة تقنية وسائل الاتصال وبخاصة الشبكة العنكبوتية.
فقد أصبح لزاما بعد ما نشاهده من تطور سريع أن نجدد وسائل الدعوة وطرقها وهذا بات ما يحصل فعليا، فبعد الرحلات الشاقة للدعاة على الدواب أصبحت الدعوة تدخل البيوت عبر أسلاك وهواء.
دعوة باختلاف أنواعها فمن فردية ـ فردية إلى فردية ـ جماعية إلى جماعية ـ جماعية بمختلف الوسائط من كتابية وصوتية ومرئية.
وكتطور طبيعي أصبح للنساء دورهن في هذا الركب، بل كدن أن يكن هن الرائدات لما يملكن من وقت أكبر من الفراغ ولما وجدنه من متنفس لهن، وهنا ومع هذه الانتفاضة النسوية الإنترنتية لزم وضع ضوابط لها لتسير في أطرها الصحيحة وتؤدي هدفها النبيل بوسيلة صحيحة.
فمّما أراه يجب على الأخوات أن يراعين الآتي في خوض غمار الدعوة الالكترونية:
1 - النساء في المجمل يندفعن خلف عاطفتهنَّ قبل تحكيم عقلهن، وهنا لا بد من وقفة فليس كل موقع إسلامي أو غرفة هي ذات عقيدة سليمة صافية نقية فتثبتي أخية من ذلك قبل أي خطوة تخطينها، وغرف المحادثة الصوتية خاصة الجدلية منها احذريها وابتعدي عنها دامت لم تحو درسا لعالم ثقة أو علما نافعا، فتركها والبعد عنها أسلم وأولى.
2 - الدعوة النسائية الفردية يشوبها الوهن سريعا بالمتغيرات التي تقابل المتطوعة من انشغال بأمور زواج أو دراسة أو تربية للأطفال، لذلك دائما أخية علمي من تحل محلك وقت حاجتك فلا بأس أبدا في ذاك، بل لك مثل أجرها بإذن الله.
3 - أصبح من المشاهد الاختلاط الرهيب في حقل الدعوة لإلكترونية، بل كاد أن يكون هو العام والمتفشي، فاحذري من ذلك والتزمي بالضوابط وتذكري أنّ النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد، وتجنبي المراسلات الخاصة مع الرجال وإن كان المنتدى عامًا فالمشاركة في المنتديات النسائية أفضل، وإن كان لابد فلتضع مشاركتها وتنسحب ولا تخضع لقيل وقال فيطمع من في قلبه مرض، وفي الدعوة الفردية إيّاك والانجرار خلف مسوغات الشيطان فيقودك لتدعي شابا خاصة في حالة الدعوة الفردية، فكم من كانت هذه بداية هلكتها، فدعوة النساء للنساء ودعوة الرجال للرجال.
4 - الأخوات عموماً بما زُرع بهنَّ من فطرة الغيرة تجد أنّ النوعية والتمركز مغيب في كثير من الفرق التي يشاركن فيها، وما أعنيه هو إن رأت مجموعة من الأخوات أختًا قد قامت بتصميم عمل فني مثلا وانتشر هذا العمل فيردن أن يصبحن كلهن مصممات، وهذا من الخطأ فلكل منّا مهارة معينة وهواية وإن لم يكن كذلك لما أمر أسامة بن زيد جيشًا فيه أبي بكر وعمر. فلتوزعن المهام والأدوار كلن بحسب قدرتها وطاقتها ومجالها، فهذه مما فيه النفع إن شاء الله، وهذا لا يعني ألاّ نرنوا لنطور من أنفسنا ونتطلع لمن تعمل عملا ناجحا، بل لأرى كيف تعمل وأطور من نفسي لكن في حقلي.
5 - التقارب النفسي بين الأخوات العاملات هام جدا خاصة في الدعوة الجماعية، فليكن هدفكن تكوين عائلة قبل تكوين فريق، ما أعنيه أنّه إن غابت إحداكن فلتسألن عنها وإن مرضت فلترين ما بها أو تعدنها، وإن كانت تدرس فلتتعهَّدنها بالسؤال فهذا مما يؤلف القلوب ويرابطها، وبهذا نكون قد أنشأنا أواصر قلبية تعمل كمحرك للعمل الجماعي ككل.
6 - في المنتديات الحوارية العامة وغرف الدروس العامة الصوتية الأسلم أن تنتقي اسما لا يدل على أنّك أنثى فيطمع بك طامع، والأسلم ألاّ تشاركي بها أو تدخليها إلاّ لمنفعة ومصلحة تغلب مفسدة.
7 - كوني جادة محتشمة لا تنشغلي بقيل وقال وسفاسف وتفاهات، بل ضعي نصب عينيك الدعوة وهدفك لكي لا تستكيني وتركني.
8 - اعلمي أنّ الدعوة الإلكترونية قد تكون جاذبة فلا تشغلك عن دينك وعبادتك وأسرتك، والأهم ألاّ تشغلك عن الدعوة الواقعية في محيطك فلا تكوني مؤثرة إلكترونيا خاملة حياتيا.
9 - في الدعوة الفردية إيّاك والانجرار خلف مسوغات الشيطان فيقودك لتدعي شابا خاصة في حالة الدعوة الفردية، فكم من كانت هذه بداية هلكتها، فدعوة النساء للنساء ودعوة الرجال للرجال.
10 - في الفريق الواحد ذي المهام المحددة يجب على كل أخت أن تكون على دراية بعمل أخواتها، فإن غابت إحداهن عوض النقص فورا فلا يتأثر العمل الناتج.
11 - الإتقان الإتقان ثم الإتقان، فالعواطف قد تقودكن للإسراع قليلا بما تعدَّينه وهنا قد تكثر الأخطاء فعليكن بالتأني فإنّه سبيل للإتقان.
12 - اعلمن أنّ كل شيء بقدر وقليل دائم خير من كثير منقطع فلتنظمن الأوقات لتحفظنها ولا تضيعنها.
13 - الدعاء والتوجه إلى الله قبل كل وأي عمل بأن يرزقك التوفيق والسداد، واستخارته سبحانه مما قد يواجهك من إشكالات.
عمل لله سبحانه وأي البيئات أشرف من ذلك ولكن جل الأعمال بها ما ينغص فلتشرحي صدرك لإخواتك ولتغفري لهن الزلل ولتنبهيهن لمواطن العلل.
15 - ضعي لكلماتك رقيبا فقد يتأذى بك غيرك دون شعور منك وبالتالي تهدمين لا تبنين.
16 - الأخلاق هي من أشد الأمور أهمية فلا يتيح لك اختلافك مع أخت لك أن تعنفيها أو تزجريها ولكن وجهيها بالتي هي أحسن.
17 - فخ كبير يلتهم الحسنات التهامًا إيّاكن والوقوع به ألا وهو الغيبة فاحذرنها وتجنبنها.
18 - اعلمن أنّ الشيطان يقعد لكن في كل مرصد، فلا تتوقعن أنّ هذا الحقل مليء بالورود والأزهار، بل يسلط عليكن الشيطان جل طاقته، كيف لا وأنتن داعيات في سبيل الله فتذكرن ذلك دومًا ولا تتركن له مجالا أو ثغرة ينفذ لكن منها.
19 - اعلمي أنّك لغيرك قدوة وتصرفاتك جلها مراقبة فإياك أن يؤتى الدين من قبلك فتأخذك أخت لها شعارا فتكوني قد ضللت وأضللت والعياذ بالله.
20 - الأخلاق الأخلاق، من أهم الوسائل التي تجعلك في المقدمة وقدوة لغيرك أخلاقك، فليس معنى أنهن لا يرونك ألا يشعرن بأخلاقك فإنّما كتاباتك وتفاعلك مع أخواتك يرسم طباعك وأخلاقك فاحذري.
أمثلة من الأنشطة الدعوية الإلكترونية التي بمقدورك المساهمة بها حسب وقتك وفراغك:
- تفريغ المحاضرات المسموعة لمقروءة.
- تدوين الكتيبات النافعة.
- مراجعة الكتابات عموما من حيث الأخطاء الإملائية أو الأسلوب اللغوي.
- إعداد الدورات لحفظ القرآن أو الحديث والتنافس في ذلك.
- إعداد قائمة بريدية لمن تعرفين من الأخوات وترسلين لهن رسالة نافعة أسبوعية.
- المشاركة في فرق الأخوات في المواقع الإسلامية سليمة المنهج.
- احتراف التصميم الفلاشي والتطوع في أحد المواقع الإسلامية.
- التدرب على برامج الهندسة الصوتية واقتطاع المؤثر من المحاضرات المختلفة وإرساله عبر البريد أو للمواقع الإسلامية ليستفيدوا منه.
- كتابة مقال نافع تدعين به أخواتك.
- إعداد حقائب دعوية إلكترونية ونشرها للأخوات على سبيل المثال: حقيبة الحجاب، تحتوي على درس ومقال وعمل فلاشي ونشيد وتصميم عن الحجاب واهديها لأخت لك غير محجبة.
- ............ أترك لكن إضافة ما تودّنّ من أعمال.
أسأل الله سبحانه أن ينفع ببناتنا ويصلحهن ويغفر لهن ويرحمهن ويسدد خطاهن، وعن النار يبعدهن ومن الجنة يقربهن وتاج الوقار والعفة يلبسهن والزوج والولد الصالح يرزقهن، هو ولي ذلك والقادر عليه.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والإعلام
اللجنة العلمية
من يُربّي أبناءنا؟
التلفزيون والتربية
أصبح التلفزيون منافساً رئيسياً للوالدين في تشكيل سلوك الأبناء وتلقينهم المعارف والقيم ـ الصالح منها والطالح ـ وارتفعت أصوات بعض المصلحين والمربين تحذِّر منه وتدعو إلى التخلص منه، وفريق آخر يدعو إلى ترويضه واستخدامه في أهداف التعليم والتربية، لكن الفريقين يتفقان على الآثار السلبية التي يتركها التلفزيون على سلوك الشباب، وإن اختلفت رؤيتهم في سبل وقف هذه الآثار، هل بالتخلص من التلفزيون أم بترشيد "وفلترة " مشاهدته؟.
أصبح تأثير مشاهدة التلفزيون على الشباب موضوعاً لدراسات عدة اجتمعت كلها على الأثر السلبي لهذه المشاهدة.
إن آثار التلفزيون الأكثر ضرراً على الشباب هي تلك المتعلقة بما يبثه من عنف، و إحدى الدراسات أوضحت أن الطفل الذي يشاهد التلفزيون 27 ساعة في الأسبوع سيشاهد 100 ألف عمل من أعمال العنف من سن الثالثة حتى العاشرة.
وقد جاءتنا الكثير من الأخبار عن أطفال لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات قاموا بجرائم قتل دون وعي لخطورة ما يقومون به بل دفعتهم رغبة في تقليد ما يشاهدونه لذا يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على ما يشاهده الأطفال في التلفزيون.
جريدة الوطن لأحد 20 محرم 1424هـ
إن لم تكن قدوة لابنك .. فالفضائيات قدوته!!
ـ الأبناء يتساءلون .. من يربينا؟!
يقول د. محمد الثويني الخبير الاجتماعي ومحرر مجلة ولدي:
لقد تحدث إليَّ أحد الأبناء بصراحة وصدق قائلاً: لا أريد أن ألقي اللوم على أحد ولكني للأسف لم أتلق تربية سليمة منذ صغري، فتربيتي وثقافتي تلقيتها من التلفاز وقنواته الفضائية واليوم يلومني أهلي على تصرفاتي المؤذية لمشاعرهم ومشاعر الآخرين ولم يسألوا أنفسهم أولاً عن أسباب تصرفاتي السيئة؟!
مجلة ولدي العدد 22
الآثار المرعبة على أطفالنا من جراء هذه الأجهزة الشيطانية:
1. يحرم الطفل من التجربة الحياتية الفعلية التي تتطور من خلالها قدراته إذا شغل بمتابعة التلفاز.
2. يحرم الطفل من ممارسة اللعب الذي يعتبر ضرورياً للنمو الجسمي والنفسي فضلاً عن حرمانه من المطالعة والحوار مع والديه.
3. التلفاز يعطل خيال الطفل لأنه يستسلم للمناظر والأفكار التي تقدم له دون أن يشارك فيها فيغيب حسه النقدي وقدراته على التفكير.
4. يستفرغ طاقات الأطفال الهائلة وقدراتهم على الحفظ في حفظ أغاني الإعلانات وترديد شعاراتها.
5. يشبع التلفاز في النشء حب المغامرة كما ينمي المشاغبة والعدوانية ويزرع في نفوسهم التمرد على الكبار والتحرر من القيود الأخلاقية.
6. يقم بإثارة الغرائز البهيمية مبكراً عند الأطفال وإيقاد الدوافع الجنسية قبل النضوج الطبيعي مما ينتج أضراراً عقلية ونفسية وجسدية.
7. يدعو النشء إلى الخمر والتدخين والإدمان ويلقنهم فنون الغزل والعشق.
8. له دور خطير في إفساد اللغة العربية لغة القرآن وتدعيم العجمة وإشاعة اللحن.
9. تغيير أنماط الحياة _ الإفراط في السهر، فأفسد الدنيا والدين كما يرسخ في الأذهان أن الراقصات والفنانات ونجوم الكرة أهم من العلماء والشيوخ والدعاة والمبتكرين.
حكم المسابقات التلفزيونية
[يسأل سائلٌ قائلاً]:
ما حكم المسابقات التلفزيونية التي تشترط الاتصال الهاتفي للاشتراك في المسابقة وهذا الاتصال له رسوم أعلى من رسوم الاتصال المعتاد؟
يجيب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية قائلا:
[الجواب:]
هذا كله باطل لأن الوصول إلى مثل هذا الربح، يكون عن طريق الاتصال الهاتفي، والذين ينظمون هذه المسابقات يتفقون مع شركات الاتصالات بحيث يكون ربح المكالمات بينهم، فيستفيدون من ثمن هذه المكالمات التي ربما يكررها المتصل الواحد مراراً وينفق أمواله، ومن مجموع هذه الاتصالات المتعددة يربح أصحاب الاتصالات، ويربح أصحاب القنوات، وهذا كله خداع للناس، ويقامر فيها عامة الناس بأموالهم، وننصح هؤلاء بعدم المشاركة في هذه الأعمال لأنها من القمار المحرم·
[اللجنة الدائمة تفتي بتحريم مسابقات الجرائد عبر الجوال]..
بيان اللجنة:
«الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
فقد ورد إلى اللجنة كثير من الأسئلة عن حكم المسابقات التي تجريها بعض الصحف وتعلنها على الناس وتجمع بها أموالا من الناس مثل أن يرسل المتسابق رسالة بالجوال بمبلغ مالي وتجري الصحيفة قرعة لاختيار أحد المرسلين لإعطائه الجائزة.
وقد درست اللجنة هذا الموضوع دراسة متأنية، ورأت أن اقامة هذه المسابقات وأخذ الجوائز عليها أمرٌ محرَّم؛ لأنها من الميسر (القمار) الذي حرمه الله في كتابه بقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} (91) المائدة، والميسر هو: المراهنات المشتملة على المخاطرة والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل قال شيخ الإسلام ابن تيمية «القمار هو المخاطرة الدائرة بين أن يغنم باذل المال أو يغرم أو يسلم» وهذه المسابقات تقوم على المخاطرة لأنها تتضمن غرما محققا وغنماً محتملاً كما أن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وقد قال الله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} البقرة آية 188، وقال تعالى {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء آية 29، والواجب على أجهزة الصحافة البعد عن وسائل الاحتيال المحرمة لجمع المال، وعلى من خالف فيما سبق أن يتوب إلى الله تعالى وأن يترك هذه الأعمال المحرمة ويكون طلب الرزق بالوجوه المشروعة، وفي الحلال غنية عن الحرام.
وسبق أن أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قراره المؤرخ في 26/ 2/1410ه برقم 162 المتضمن تحريم المسابقات التجارية التي يروج لها بواسطة وسائل الإعلام أو بواسطة بعض المؤسسات التجارية لطلب الحصول على الأموال الكثيرة اعتمادا على التغرير والخداع لعامة الناس لما تشتمل عليه هذه المسابقات من أكل أموال الناس بالباطل لأن كل مشترك يدفع مبلغا من المال مخاطرة وهو لا يدري هل يحصل على مقابل أو لا؟ وهذا هو القمار، وبالله التوفيق.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/118.jpg
ذم التفرق والاختلاف
تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على طلب الشارع لوحدة المسلمين، وبصيغ تؤكد على وجوبها ولزومها، وترتب العقوبة على التفريط في تحقيقها في الواقع.
قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال: 46].أمرهم تعالى بالطاعة لله ولرسوله، ونهاهم عن التنازع وهو تجاذب الآراء وافتراقها)
وأكد سبحانه النهي عن التنازع بذكر مفاسده وأضراره وأخطرها الفشل وذهاب الريح، قال الرازي رحمه الله (وفيه مسائل: المسألة الأولى: بين تعالى أن النزاع يوجب أمرين، أحدهما: أنه يوجب حصول الفشل والضعف، والثاني: قوله {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وفيه قولان،الأول: المراد بالريح الدولة، شبهت الدولة وقت نفاذها وتمشية أمرها بالريح وهبوبها، يقال هبت رياح فلان إذا دانت له الدولة ونفد أمره، الثاني: أنه لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله، وفي الحديث (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)، والقول الأول أقوى لأنه تعالى جعل تنازعهم مؤثراً في ذهاب الريح ومعلوم أن اختلافهم لا يؤثر في هبوب الصبا قال مجاهد {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي نصرتكم وذهبت ريح أصحاب محمد حين تنازعوا يوم أحد).
وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [سورة الشورى: 13].
قال البغوي رحمه الله: (بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة)(4)، ويعبر بعض الدعاة المعاصرين عن هذا المعنى بأن قيام الدين على ركنين هما: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، ولا يستقيم أمور المسلمين في الدين والدنيا إلا بهما.
وردت في السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تؤكد ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بالوحدة والاجتماع والنهي الاختلاف والفرقة، ومن تلك الأحاديث:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
قال النووي رحمه الله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تفرقوا): فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام، واعلم أن الثلاثة المرضية إحداها: أن يعبدوه، الثانية: أن لا يشركوا به شيئا، الثالثة: أن يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا.
قوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة). وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بلزوم الجماعة في أحاديث أخرى كثيرة.
واختلف أهل العلم في تفسير الجماعة إلى:
القول الأول: هم (السواد الأعظم من أهل الإسلام...، فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها ومن سواهم داخلون في حكمهم لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا، وهم نهبة الشيطان، ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة لم يدخلوا في سوادهم بحال)، وهذا هو قول أبي مسعود الأنصاري، وابن مسعود،والحسين بن علي رضي الله عنهم.
القول الثاني:هم (جماعة أئمة العلماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية، لأن جماعة العلماء جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع من النوازل وهي تبع لها)، وممن قال بهذا عبد الله بن المبارك، وإسحاق ابن راهويه، وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين.
القول الثالث: هم (الصحابة على الخصوص فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا)، (وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز).
القول الرابع:هم (جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم على ضلالة، فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه)، وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله.
القول الخامس:هم (جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم لأن فراقهم لا يعدوا إحدى حالتين، إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين كالحرورية التي أمرت الأمة بقتلها وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه)، وهو اختيار الإمام الطبري رحمه الله.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم خلافها، فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (كلاكما محسن) قال شعبة أظنه قال: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا).
قال المناوي رحمه الله: (يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة فكفر بعضهم بكتاب بعض، فهلكوا، فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب، والمراد بالاختلاف: ما أوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو شحناء ونحو ذلك...)
تلكم جملة يسيرة من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب وفرضية وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم على الحق.
وقد اتفقت كلمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان على الأمر بلزوم الجماعة، فكلهم بلا استثناء كانوا من دعاة الوحدة والاجتماع على الحق، ولم يكونوا من دعاة الفرقة والاختلاف.
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله)
مفاسد التفرق والاختلاف
لا قيام لمصالح المسلمين في الدين والدنيا إلا بوحدتهم واجتماع كلمتهم على الحق، وأصدق الأدلة والبراهين على ذلك ما ينتج عن الفرقة والاختلاف - ضد الوحدة والاجتماع - من المفاسد والأضرار في الدين والدنيا، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى ومن أخطرها ما يلي:
- مخالفة أمر الله ورسوله.
اختلاف المسلمين وتفرقهم مخالفة لما ورد في الكتاب والسنة من الأمر بالوحدة واجتماع الكلمة، وقد أوردنا فيما سبق بعض النصوص من الكتاب والسنة مما يدل على وجوب وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم على الحق، وهي كلها نصوص محكمة يتحتم العمل بها في كل زمان ومكان، لم ينسخ منها شيء.
فوحدة المسلمين ليست خيارا استراتيجيا يلجأ إليه المسلمون عند الحاجة أو الضرورة، بل هي أصل من أصول الدين الكلية، وقاعدة من قواعده العظمى، والتفريط فيها معصية توجب غضب الله وعذابه في الدين والآخرة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [سورة الأحزاب: 39]
- اختلاف القلوب وتفريق الدين.
إن الاختلاف في الأعمال الظاهرة كصور أداء العبادات، وتحديد مواقيتها الزمانية أو المكانية، أو تباين مواقف المسلمين في القضايا المصيرية، يؤدي إلى اختلاف القلوب ويدل على تنافر المقاصد والنوايا.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بتسوية الصفوف عند الصلاة فيقول: (عن أبى مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)
والله المستعان، فقد وقعت الأمة فيما حذرها منه النبي صلى الله لما اختلفوا بينها فاختلفت قلوبهم، فأصبحت كل طائفة تؤدي شعائر الدين من صلاة صيام وحج ونحوها بطريقة مختلفة تماما، كل طائفة تتعصب لمذهبها وفتاوى أئمتها وعلمائها ولا تقبل الرد إلى الله ورسوله عند الاختلاف في شيء من أمور الدين.
وترى كل بلد من بلاد المسلمين يطبق من شرع الله – إن طبق- وفق أهواء ساستها، ولا تراعي في ذلك مصلحة الأمة، فتجد بعض بلاد المسلمين في عهد وصلح مع أعداء الأمة وتطبع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، في الوقت الذي يتخذ من جاره المسلم موقفا مغايرا تماما.
وكذلك أدى اختلاف مناهج الدعاة ومقاصدهم إلى اختلاف قلوبهم، فعادى بعضهم بعضا، وبدع بعضهم بعضا، وحذر بعضهم من بعض، فنزع الله البركة من أقوالهم وأفعالهم، فلم يعد يسمع لهم أحد، أو ينضم لجماعتهم أحد، فنفقت سوق المعاصي والبدع، وانتشر بين المسلمين دعاة الباطل ومروجي الخرافة.
- الفشل وذهاب الريح.
من أعظم أضرار اختلاف المسلمين وتفرق كلمتهم الفشل وذهاب الريح، وقد ذكرهما الله تعالى في القرآن لخطورتهما، فقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال: 46]
والفشل وذهاب الريح تعبير بليغ عن نقص قوة المسلمين وقصورهم عن بلوغ مقاصدهم في تقوية جيوشهم وإرهاب أعدائهم، وكذالك ضعف دولتهم أو سقوطها في يد الغزاة والمحتلين.
ولا تعبير أدق في وصف واقع المسلمين الأليم من الفشل وذهاب الريح، ذلك بأنهم اختلفوا وتنازعوا ففشلوا في تقوية جبهتهم الداخلية وإعداد القوة اللازمة لحماية أنفسهم، فباع طوائف من المسلمين ذممهم للكفار، فوالوهم من دون المؤمنين، وظلم الرعاة رعاياهم فجوعوهم وضربوا ظهورهم وأهانوا كراماتهم، فكرهت الرعايا رعاتهم فخرجت فئام منهم عن الجماعة وشقوا عصى الطاعة.
فذهبت الريح وتلاشت القوة، فضاعت أجزاء عزيزة من أرض الإسلام، إما بالاحتلال كفلسطين أو بتمكن الكفار والمنافقين عليها كما في العراق وأفغانستان.
وأهينت المقدسات الإسلامية بشكل سافر، فلطخت المصحف الشريف بالأوساخ ورمي في الكنف، بل ووزعت في بعض بلاد المسلمين نسخ محرفة من القرآن أسموه ب: (الفرقان)، ونيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسم وأمهات المؤمنين بالكاريكاتير، وأريقت دماء ذكية وأزهقت أرواح طاهرة فقتل المسلمين لأتفه الأسباب.
وكل هذه المصائب وجميع هذه الويلات لم تكن لتحصل إلا باختلاف المسلمين وتفرقهم
يتبع