التقييد المختصر لشرح الشيخ/ أحمد حطيبة كتاب منار السبيل

......................بسم الله الرحمن الرحيم

أولًا: مقدمة الكتاب، وآداب العالم، والمتعلم

1- كتابُ مَنَارِ السَّبِيلِ كتابٌ من كتبِ الفقهِ على المذْهبِ الحنبلي، وهو كتابٌ من الكتبِ العظيمةِ، ويحتوي على فوائدَ كثيرةٍ جدًا.

2- كتابُ منارِ السَّبيلِ كتابٌ سَهْلٌ، ومُيَسرٌ، والذي خرَّجَ أحاديثَ هذا الكتابِ العلامةُ العظيم الألبانيُّ -رحمه الله-، وحققها، وبيَّنَ صحيحَ أحاديثِ الكتابِ من ضعيفِها.

3- كتابُ منار السبيلِ كتاب مَخْدُوم، وفيه يشرحُ مؤلِّفُهُ متنَ دَلِيلِ الطالب.

4- ومتنُ دليلِ الطالبِ هو للشيخ/ مرعي بنِ يوسفَ الحنبلي، وهو رجلٌ من أئمةِ المذهبِ الحنبلي.

5- وهو من متأخري الحنابلةِ، ووفاتُه سنة 1033 هِجْريًا.

6- الشيخ مرعي -رحمه الله- حرَّر المذهبَ الحنبليَّ في زمنِهِ، ونقَّى كتابَهَ من مجموعةٍ من كتب الحنابلةِ على القول الراجحِ في المذْهب، وأتى بمختصره وسماه دليلَ الطالب.

7- أتى بعده الشيخُ/ إبراهيمُ بنُ ضَوِيَّان، وشرحَ هذا الكتابَ، وكان أيضًا من متأخري الحنابلةِ، وتوفي عام 1353 هجريًا.

8- جميلٌ أن تجدَ بعضَ العلماءِ المجتهدين المؤلِّفين قد ألَّفوا كتبَهم في العصورِ المتأخرة القريبةِ منا؛ ذلك لأن الفتوى منهم ستكون قريبةَ التَّنَاول.

9- كلما كان المفتى قريبًا من زماننا، كلما كان أعلمَ بالواقعِ الموجود.

10- الشيخ/ إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ سالم ِبن ضويان ولد عام 1275 هجريا في بلدة الرسِّ من بلاد القَصِيم في نَجد.

11- رحل الشيخُ الضويانُ لِعدَّةِ بلاد؛ لطلبِ العلم، وتوفي -رحمه الله- في سنة 1353 هجريًا، وسيرتُهُ -رحمه الله- ليست مشهورةً عند العلماء، وليست له ترجمةٌ مُوَسَّعةٌ.
------------------
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الذي شرحَ صَدْرَ من شاءَ من عبادِهِ للفقهِ في الدِّين، ووفَّقَ لاتباعِ آثارِ السلفِ الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ ولا مُعِين، وأشهد أن سيدَنا ونبينَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمين، وخاتمُ الأنبياءِ والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ أجمعين، أما بعد فهذا شرحٌ على كتاب: "دليلِ الطالبِ لنيلِ المطالب" الذي ألَّفَهُ الشيخُ مرعي بنُ يوسفَ المقدسيُ الحنبلي تغمده اللهُ برحمته، وأباحَهُ بُحْبُوحةَ جنتِهِ، ذكرتُ فيه ما حضرني من الدَّليلِ والتعليلِ؛ ليكونَ وافيًا بالغرض من غيرِ تطويل، وزدتُ في بعضِ الأبوابِ مسائلَ يحتاجُ إليها النبيل، وربما ذكرتُ روايةً ثانيةً، أو وجهًا ثانيًا؛ لقوةِ الدليل نقلتُهُ من كتابِ الكافي لموفَّقِ الدِّين عبدِ الله بنِ اًحمدَ بنِ محمدِ بنِ قُدامةَ المقدسي ثم الدمشقي.
ومن ِشرحِ المقْنِع الكبيرِ لشمسِ الدِّين عبدِ الرحمنِ بن أبي عمرَ بنِ قُدَامةَ، وغالبُ نقلي من مختصرِهِ، ومن فروعِ ابنِ مُفْلِحٍ، وقواعدِ ابنِ رجبٍ، وغيرِها من الكتب.

(التقييد المختصر للشرح)
12- مِنَ المهمِّ أن نعرفَ من أين أتى المؤلِّفُ بكتابِهِ، وشرحِهِ، وقد ذكرها -رحمه الله- هنا.

13- كُلُّ الكتبِ التي نَقَلَ منها المؤلفُ كتبٌ حنبليَّةٌ، ولم يخرجْ عنها.

14- من هذه الكتبِ التي اعتمدَ عليها المؤلفُ كتابُ الكافِي لابنِ قُدَامةَ، وهو من الكتبِ المتوسطة في الفقه ِالحنبلي، وهو كتابٌ من أربعةِ أجزاءٍ.

15- ابنُ قُدَامةَ -رحمه الله- عالمٌ عظيمٌ من علماءِ الحنابلةِ، وهو صاحبُ كتابِ المغني، الكافي، المقنعِ، العُمْدة.

16- أصغرُ هذهِ الكتبِ الأربعة العمدة، ثم المقنع، ثم الكافي، ثم المغني.

17- إذا قال المؤلفُ في كتابِهِ: قال في القواعدِ، فإنه يقصد قواعدَ ابنِ رجبٍ، وإذا قال المؤلفُ: قال في الشرح كذا..، فإنه يقصدُ كتابَ الشرح ِالكبير لابنِ أبي عمرَ بنِ قُدَامةَ، وهو ابن أخي ابنِ قدامة صاحبِ المغني.

18- كتابُ الشرحِ الكبيرِ إنما هو شرحٌ لكتابِ المقنعِ لابنِ قُدَامةَ.
---------------
قال المؤلف:
وقد أَفْرغْتُ في جمعِهِ طاقتي وجهدِي، وبذلتُ فيه فِكْري وقَصْدي، ولم يكن في ظني أن اًتعرضَ لذلك، لعلمي بالعجزِ عن الخوضِ في تلك المسالك، فما كان فيه من صوابٍ فمن الله، أو خطأٍ فمني، وأسأله سبحانه العفو عني، ولما تكفَّفْتُهُ من أبوابِ العلماءِ، وتطفلتُ به على موائدِ الفقهاءِ تمثلتُ بقولِ بعض الفضلاء:
أسيرُ خلفَ رِكابِ النُّجْبِ ذا عَرجِ .. مُؤَمِّلًا كشفَ ما لاقيتُ مِنْ عِوَجِ
فإن لحِقتُ بهم من بعدِ ما سبقوا .. فكم لربِّ الورَى في ذاك من فَرَجِ
وإن بقيتُ بظهرِ الأرضِ مُنْقطعًا .. فما على عرَجِ ٍفي ذاك من حَرَجِ
وإنما علَّقْتُهُ لنفسي، ولمن فهمُهُ قاصِرٌ كفهمي، عسى أن يكون تذكرةً في الحياة، وذخيرةً بعد الممات، وسميتُهُ "منارَ السَّبيلِ في شرحِ الدليل" أسألُ اللهَ العظيمَ أن يجعلَهُ لوجهِهِ خالصًا، وإليه مقربًا، وأن يغفرَ لي ويرحمني والمسلمين، إنه غفورٌ رحيم.

(التقييد المختصر للشرح)
19- المؤلِّفُ -رحمه الله- ما كتبَ هذا الكتابَ إلا لنفسِهِ كالْمُذَكِّرَةِ .

20- انظروا لأدبِ المؤلِّفِ، وتواضعِهِ وهو يقول: "ولما تكفَّفْتُهُ من أبوابِ العلماءِ"، التَّكَفُّفُ هو: مَدُّ الكَفِّ للسؤالِ، ومراده أنه: أخذَ كلامَهُ من العلماء ِلقلةِ بِضَاعتِهِ، وهذا من تواضعِهِ -رحمه الله-.

21- قولُهُ -رحمه الله-: "وتطفلتُ به على موائدِ الفقهاءِ" الطُّفَيلي هو: الذي يحضُرُ الولائمَ، أو الموائدَ من غيرِ دَعوةٍ، ومراده: أنا لست كهؤلاءِ العلماءِ، ولا كهؤلاء ِالفقهاء، وقال ذلك تواضعًا، وهضمًا لحقِهِ.

22- "أَسِيرُ خلفَ رِكابِ النُّجْبِ ذا عَرجِ .. مُؤَمِّلًا كشفَ ما لاقِيتُ مِنْ عِوَجِ" النجب هي: الإبل، شبَّهَ نفسَهُ بالأعرجِ الذي يسيرُ خلفَ رَكْبِ العلماءِ، وشبه ركبَهم بركبِ الإبلِ الجيادِ المسرعةِ.

23- "فإن لحِقتُ بهم من بعدِ ما سبقوا .. فكم لربِّ الورَى في ذاك من فَرَجِ" يريدُ: أنه إذا لَحِقَ بركبِ العلماءِ بتأليفِهِ ذلك، فهو فرجٌ من الله.

24- "وإن بقيتُ بظهرِ الأرضِ مُنْقطعًا .. فما على عرَجِ ٍفي ذاك من حَرَجِ" يريد: أنه إذا لم يلحقْ بركبِ العلماء، فلن يلومني أحدٌ؛ لعجزي، وتقصيري.

25- هذه المقدمةُ تدُّلنا على تواضعِ الشيخ -رحمه الله-، وأدبِهِ، ومن أين أتى بشرحِهِ.

مقدمةُ صاحبِ المتِن مع شرحِها
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحمدُ للهِ ربِّ العالمين" ابتدأَ كتابَهُ بالبسملةِ، ثم بالحَمْدَلةِ اقتداءً بكتابِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وعملًا بحديثِ "كلُّ أمرٍ ذِي بالٍ، لا يُبدأُ فيه ببسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، فهو أَبْتَرُ"، أي ذاهبُ البركةِ، رواه الخطيبُ والحافظ عبدُ القادِرِ الرَّهَاوِي، وبحديثِ "كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأُ فيه بالحمد للهِ فهو أقطع" وفي رواية: "بحمد الله". وفي رواية: "بالحمد". وفي رواية "فهو أَجْذَمُ". رواها الحافظُ الرهاوي في الأربعين له.

(التقييد المختصر للشرح)
26- البسملةُ قولُ: بسم الله الرحمن الرحيم.

27- الحَمْدَلَةُ قولُ: الحمد لله.

28- حديثُ "كلُّ أمرٍ ذِي بالٍ، لا يُبدأُ فيه ببسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، فهو أَبْتَرُ" قال الشيخُ الألبانيُّ فيه: ضَعِيفٌ جدًا.

29- حديث "كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأُ فيه بالحمد للهِ فهو أقطع"، ضعيفٌ أيضًا.

30-كلُّ تصحيحٍ، وتضعيفٍ للأحاديث التي سأذكرُها، إنما هو للشيخِ الألباني -رحمه الله- في كتابِهِ "إرواء الغليل".

"وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، مالكُ يومِ الدِّين" قال ابنُ عباسٍ، ومُقَاتلٌ: قاضي يومِ الحساب، وقال قتادةُ: الدِّينُ: الجزاءُ. وإنما خصَّ يومَ الدِّينِ بالذِّكرِ مع كونه مالكًا للأيامِ كلِّها، لأن الأملاكَ يومئذ زائلةٌ فلا مُلْكَ، ولا أمرَ إلا له.

(التقييد المختصر للشرح)
31- لا شكَّ أنَّ اللهَ مالكُ كلِّ شيءٍ، ولكن في يومِ الدِّينِ تظهرُ الحقيقةُ أمام مَنْ يتغافلُ عنها، ويتعامى عنها، فيومُ القيامةِ لا مُلْكَ لأحدٍ، يأتي يومَ القيامةِ العبدُ حافيًا عاريًا لا يملكُ شيئًا كما ولدته أمُّهُ، فهنا يقول الله: "لمن الملك اليوم" " لله الواحد القهار".

"وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المبيِّنُ لأحكامِ شرائعِ الدِّين" بأقوالِهِ، وأفعالِهِ، وتقريراتِهِ، والدِّينُ هنا الإسلامُ، قال تعالى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمرَ: "هذا جبريلُ أتاكم يعلمكم أمرَ ديِنكم".

(التقييد المختصر للشرح)
32- حديثُ عمرَ هذا مُتَّفَقٌ عليه.

"الفائزُ بمنتهى الإراداتِ مِنْ ربِّهِ"كالحوضِ المورود، والمقامِ المحمود، وغيرِ ذلك من خصائصِهِ. قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، والفوزُ النجاةُ والظَّفَرُ بالخيرِ، قاله في القاموس.

(التقييد المختصر للشرح)
33- قوله الفائز.. يقصدُ بذلك النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-.

"فمنْ تمسَّكَ بشريعتِهِ" بفعلِ المأموراتِ، واجتنابِ المنهيات، "فهو من الفائزين" في الدنيا والآخرة.

"صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى جميعِ الأنبياءِ والمرسلين" حكى البخاريُّ في صحيحِهِ عن أبي العالية: الصلاةُ من اللهِ تعالى ثناؤه على عبدِهِ في الملأِ الأعلى، وقِيلَ الرحمة، وقيل رحمةٌ مقرونةٌ بتعظيم. وتستحبُ الصلاةُ عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لقولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ولقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا عليَّ من الصلاة"، وتتأكدُ في ليلةِ الجمعةِ، ويومِها، وعند ذكرِهِ، وقيل تجبُ لقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "البخيلُ من ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ علي"، وحديثِ: "رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذكرتُ عنده فلم يُصَلِّ علي"، وهي ركنٌ في التشهدِ الأخير، وخطبتي الجمعة كما يأتي، والنبي: إنسانٌ أُوحِيَ إليه بشرعٍ، ولم يُؤمرْ بتبليغِهِ، فإن أُمِرَ بتبليغه فهو رسول.

(التقييد المختصر للشرح)
34- اللهُ يُصلِّي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والملائكةُ تصلي، ونحن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصلاةُ اللهِ عليه: أن يُثنيَ عليه في الملأِ الأعلى، أن يذكرَه بخير، ويثنيَ على أخلاقِه، وأفعالِهِ.

35- قولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا عليَّ من الصلاةِ" تمامُهُ "يومَ الجمعةِ فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ"، وهذا الحديثُ صحيح.

36- ليلةُ الجمعة: تبدأُ بغروبِ شمسِ يومِ الخميس.

37- يومُ الجمعة: من فجرِ الجمعة إلى الغروب.

38-الصلاةُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الصلاةِ واجبة، وفي غيرِ الصلاةِ حكمُها الاستحبابُ عند أكثرِ أهلِ العلم، والبعضُ على الوجوب، واستدلوا بالحديثين السابقين.

39- ومن الأدلة أيضًا عند من قال بوجوبِ الصلاةِ على النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير الصلاةِ قولُهُ -صلى الله عليه وسلم- " مَنْ ذكرتُ عنده فلم يصلِّ علي أخطأ طريقَ الجنة".

40- معنى الحديثِ السابق: إن الذي يُذْكرُ عنده النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فلا يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستهينُ بذلك أخطأَ طريقَ الجنة.

41- ما ذَكرهُ المؤلِّفُ قولٌ من الأقوال التي قِيلت في مسألةِ الفرقِ بين النبي، والرسول.

42- أيُّ نبيٍ مأمورٌ أن يأمرَ بمعروفٍ، وأن ينهى عن المنكرِ بوحي من الله، لكن إذا كان صاحبَ رسالةٍ (آتاه اللهُ شريعةً) وأُمِر بتبليغِهِ فهذا رسول.

43- لذلك نقول: كلُّ رسولٍ لابدَّ أن يكون نبيًا، فمن الأنبياء من يظلُّ نبيًا، ومنهم من يوحي اللهُ إليه شريعةً فيكونُ رسولًا.

"وعلى آل ِكُلٍّ وصحبِهِ أجمعين" وآلُ النبي أتباعُهُ على دينِهِ الصحيحُ عندنا، وقيل أقاربُهُ المؤمنون، والصَّحْبُ اسمُ جمعٍ لصاحبٍ بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا ومات على ذلك.

(التقييد المختصر للشرح)
44- قوله "الصحيحُ عندنا" أي: عنده في المذْهَب.

45- من أهلِ العلمِ من قال: آل النبي هم: أهلُ بيتِهِ المؤمنون، سواء، كانوا أقاربَهُ في النسب، أو أزواجَهُ -صلى الله عليه وسلم-.

46- يدخلُ كلُّ تَقِي في آل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأولى الناسِ دخولًا في آله -صلى الله عليه وسلم- مَنْ كان مِنْ نَسَبِهِ -صلى الله عليه وسلم-، أو كان مصاهرًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

47- مِن شَرْطِ الصحابيِّ أن يجتمعَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مؤمن، فإذا اجتمع كافرٌ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أسلم بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- فهذا مُخَضْرَمٌ، وليس صحابيًا.

وجمعَ بين الآلِ والصَّحْبِ ردًّا على الشيعةِ المبتدعة، حيث يوالون الآلَ دون الصَّحْبِ.

(التقييد المختصر للشرح)
48- الشيعةُ المبتدِعَةُ يوالون أهلَ البيت، ويتبرأون من الصحابةِ إلا نَفَرًا قَلِيلًا.

49- المؤمنُ الذي على سُنَّةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يحبُّ النبَّي -صلى الله عليه وسلم-، وأهلَ بيتِهِ، وأصحابَهُ، والتابعين لهم بإحسان، ويدعو لهم، يقولُ اللهُ -تبارك وتعالى- "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ".

50- المؤمنُ يتولَّى المؤمنين، ولا يفرقُ بينهم إلا على حسبِ منازلِهم، وقربِهم من دينِهم، وبعدِهم عنه.

"وبعدُ" يُؤتَى بها للانتقالِ من أسلوبٍ إلى آخرَ استحبابًا في الخُطَبِ والمكاتباتِ؛ لفعلِهِ -عليه السلام-.

(التقييد المختصر للشرح)
51- ثبتَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقولُ: "أمَّا بعد".

"فهذا مُخْتَصَرٌ" وهو ما قلَّ لفظُهُ، وكَثُرَ معناه، قال عليٌ -رضي الله عنه-: خيرُ الكلامِ ما قَلَّ، ودلَّ، ولم يَطُلْ فَيُمَل.

(التقييد المختصر للشرح)
51- الكتابُ الأصلي (متن الكتاب، وهو دليل الطالب) كتابٌ مختصر، وهذه هي عادةُ الفقهاءِ المتقدمين، أن يؤلفَ كتابًا مختصرًا (متنًا)، ثم يأتي من بعده فيشرحُ هذا المختصر، وقد يشرحُهُ صاحبُ المختصَرِ نفسُهُ.
52- مثالُ ذلك: كتابُ المغني لابنِ قُدامةَ فهو شرحٌ لكتابِ المختصَرِ للخِرَقِي، وكتابُ المجموع للنووي فهو شرحٌ للمُهَذَّبِ للشِّيرَازي.
53- أثرُ عليٍ -رضي الله عنه- السابقُ لم أقفْ عليه، ولم أجدْ كلامًا للشيخ الألباني عليه.

"في الفِقْهِ" وهو لغةً الفَهْمُ، واصطلاحًا: معرفةُ الأحكامِ الشَّرْعيةِ الفرعيةِ بالاستدلالِ بالفعلِ، أو بالقوةِ القريبة.

(التقييد المختصر للشرح)
54- والفقهُ قيل أيضًا هو: العلمُ بأفعالِ المكَلَّفِين الشرعيةِ دون العقلية، أي: العلم بما يفعلُه المكَلَّفُ هل هو حلالٌ أم حرام، وهكذا، إذًا الفقه هو: الحكمُ على أفعالِ المكلفين.
55- وقيل أيضًا الفقهُ: معرفةُ أحكامِ جُمَلْ كثيرةٍ عُرْفًا من مسائلِ الفروع ِالعِلْمية من أدلتِها الحاصلةِ بها.

56- الفَقِيهُ اصطلاحًا: مَنْ عَرَفَ جُمْلةً من أحكامِ الدِّينِ (أحكام شرعية فرعية) بالاستدلالِ بالفعل، أو بالقوةِ القريبةِ. أي يستدلُ بالكتاب، أو بالسنة، أو بالقياس، فإن لم يكنْ معه دليلٌ، فهو مهيأٌ بعلمِهِ لأن يحكمَ في المسائل.

57- قال أبو البَقَاءِ الفُتُوحِي، وهو أحدُ الحنابلة: لا يُطلقُ الفقيهُ على مَنْ عرفها على غيرِ هذه الصِّفةِ (المعرفة بالأدلة التفصيلية)، كما لا ُيطلقُ الفقيهُ على محدِّثٍ، أو مفسِّرٍ، أو نَحْوي، أو متكلِّم، ونحوِهِ.

58- الفَقِيهُ: مَنْ له أَهلِيَّةٌ تامةٌ يعرفُ الحكمَ بها إذا شاءَ مع معرفتِهِ جُمَلًا كثيرةً من الأحكامِ الفرعية.

59- لنْ يكونَ الرجلُ فَقِهيًا بقراءةِ بعضِ أبوابِ الفقه، بل لابد أن يُحَصِّل الفقهَ، ويدرُسَه، ويهضمَه، ويفهمَه، وتصيرَ له الملكةُ الفقهية.

60- مِنْ صفاتِ الفقيهِ: الفَهْمُ، القدرةُ على الاستدلال، وإلحاقُ الشيءِ بنظيرِه.

"على المذهبِ الأحمدِ مذهبُ الإمامِ أحمدَ" بنِ محمدِ بنِ حَنْبَلٍ الشيباني -رضي الله عنه وأرضاه-، وُلِدَ ببغدادَ في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ومات بها في ربيعٍ الآخرِ سنةَ إحدى وأربعين ومائتين، وفضائلُهُ ومناقبُهُ شَهِيرةٌ.
"بالغتُ في إيضاحِهِ رجاءَ الغُفْران" منَ اللهِ -جلَّ وعلا-.
"وبينتُ فيه الأحكامَ أحسنَ بيانٍ" والأحكامُ خمسةٌ: الوجوبُ، والحرمةُ، والنَّدْبُ، والكراهةُ، والإباحةُ."لم أَذْكُرْ فيه إلا ما جزمَ بصحتِهِ أهلُ التَّصحيحِ والعرفان، وعليه الفتوى فيما بين أهلِ الترجيحِ والإتقان" من المتأخرين.
"وسميتُهُ بدليلِ الطالبِ لنيلِ المطالب، واللَه أسألُ أن ينفعَ به من اشتغلَ به من المسلمين"
"وأن يرحمني والمسلمين إنه أرحمُ الراحمين" آمين.

مقدمة في آداب طلب علم الفقه

* قبل أن ندخلَ في شرح كتابِ الطهارة، لا بد أن نعرفَ لماذا يدرُسُ المسلمُ الفقه؟
- المسلمُ يدرُسُ هذا العلمَ العظيم؛ ليعرفَ أحكامَ شرعِهِ، ليعرفَ الحلالَ فيأتيَهُ، وليعرفَ الحرامَ فيجتنبَهُ.

* المسلمُ يتعلمُ الفقهَ أيضًا؛ لِيُبَلغَهُ للناس؛ لقولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بلِّغوا عني ولو آية).

* لا يجوزُ للمسلم كتمانُ العلم إذا سُئلَ عنه؛ لقولِ الله -عز جل-: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

* قال بعضُ أهل العلم: إن المقصودَ بالآية السابقة هم أحبارُ اليهود، ورهبانُ النصارى الذين كتموا أمرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-.

* وقال بعضُ أهلِ العلم: المقصودُ بهذه الآية كل ُّمن كتمَ الحقَّ، وهو الصواب.

* ومن الأدلةِ على تحريمِ كتمانِ العلم أيضًا قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سُئل عن علمٍ فكتمَهُ أُلجمَ بلجامٍ من نار).

* الآيةُ السابقةُ هي التي كان يَعْنِيها أبو هريرةَ بقولِه: (لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدثتُكم حديثًا).

* وبهذا الآيةِ استدلَ أهلُ العلم على وجوب تبليغِ العلم الحق، وتبيانِ العلم على الجملةِ دون أخذِ الأجرة على ذلك.

* لكن لا يدخلُ في ذلك من أعطى إنسانًا درسًا خصوصيًا في علمٍ من العلوم مثل اللغة، فله الحق في أخذ أجرةٍ على ذلك، وسيأتي بيانُه إن شاء الله.

* إذا تَعَيَّن عليك أن تُعَلَِّم إنسانًا، وليس هناك غيُرك يعلمُهُ، وليس ثَمَّ شيءٌ يمنعُك، وجبَ عليك تعليمُهُ.

* قال الإمامُ القرطبي: وَتَحْقِيقُ الْآيَةِ هُوَ: أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا قَصَدَ كِتْمَانَ الْعِلْمِ عَصَى، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّبْلِيغُ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ مَعَ غَيْرِهِ.

* إذا درستَ بابًا من الفقهِ، فَسُألتَ سؤالًا في هذا الباب، فأجبْ عليه طالما أنك تعرفُ الإجابةَ.

* قال الإمامُ القرطبي: لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ، وَالْعِلْمَ حَتَّى يُسْلِمَ.

* وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْمُبْتَدِعِ الْجِدَالَ، وَالْحِجَاجَ لِيُجَادِلَ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ.

* وَلَا يُعَلَّمُ الْخَصْمُ عَلَى خَصْمِهِ حُجَّةً يَقْطَعُ بِهَا مَالَهُ، وَلَا السُّلْطَانُ تَأْوِيلًا يَتَطَرَّقُ بِهِ إِلَى مَكَارِهَ الرَّعِيَّةِ، وَلَا يَنْشُرُ الرُّخَصَ فِي السُّفَهَاءِ فَيَجْعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

* ليس كلُّ شيءٍ في العلمِ يُقال لأي أحدٍ من الناس، بل لابُدَّ أن تفرقَ بين طالبِ العلم، وبين العامي، فتعطي كلًا على قَدْرِ حاجتِهِ لهذا العلم.

* وَلابُدَّ من تحسينِ نيةِ التدريس، فلا تكُنْ نيتُك للتدريسِ التصدُّرَ، وَصرفَ وجوه الناس إليك ؛ قال النبي -صلى الله عليه وَسلم-: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ).

* العلامةُ القاسمي -رحمه الله- كان عالمًا مربيًا، وَله كتاب (جوَامع الآداب)، وَهو كتاب ينبغي لكلِّ طالبِ علمٍ أن يقرأَهُ.
* مَنْ يعلمُك له فضلٌ عليك، فلابد من الأدْبِ معه، سواءٌ كان يعلمُك صَنعةً، أو عِلمًا.

* قال العلامة القاسمي: أولُ أدبٍ من آدابِ المتعلم أن يسترشِدَ بمعلمٍ خبيرٍ، ناصحٍ، حكيمٍ، سَمْحٍ بعلمِهِ، مُتَأَنٍ في تعليمِهِ.

أحسن الله لي ولك.

اللهم آمين، شرف لي أن تكون متابعًا لما أكتب أيها الفاضل.

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد بن حسنين المصري

اللهم آمين، شرف لي أن تكون متابعًا لما أكتب أيها الفاضل.

---

فضلك الله بالتقوى والإيمان.

* لابدَّ أن تختارَ معلمًا حكيمًا، فقد يكون الإنسانُ عالمًا، ولكن ليس حكيمًا، فيعطيك العلمَ كلَّهُ مرةً واحدة، فتنساه بسرعة.

* ومن صفات المعلم الذي يُختارُ: أن يكون ناصحًا لا يكتمُ العلم، ويعلمُهُ لله لا يأخذُ عليه أجرًا.

* ومن صفاته أيضًا: أن يكونَ سمحًا بعلمِهِ أي لا يَضِنُّ (يبخل) بعلمِهِ، متأنٍ في تعليمِهِ، فما أُخِذَ سريعًا يضيعُ سريعًا.

* قال العلامةُ القاسمي مستكملًا آدابَ طالبِ العلم: وعلي طالبِ العلم أن يرغبَ في العلمِ رغبةَ متحققٍ لفضائلِهِ، واثقٍ بمنافعه.

* ومعنى ذلك أن مَنْ طلب العلمَ لابد أن يكونَ متحققًا لفضائلِهِ، واثقًا بمنافعِهِ: أن يكون واثقًا أن اللهَ يعطي للعلماء الأجورَ العظيمة يوم القيامة فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العلماءَ هم ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلمَ، فمن أخذَهُ أخذَ بحظٍ وافر".