-
القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
القول السديد
في مقاصد التوحيد
فضيلة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله تعالى رحمة واسعة
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]
الحمد لله ،
نحمده ونستعينه،
ونستغفره ونتوب إليه،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا،
من يهد الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله
أما بعد:
فقد سبق أن كتبنا تعليقاً لطيفاً
في موضوعات
كـتاب التوحيد
لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
قدَّس الله روحه ،
فحصل فيه نفع ومعونة للمشتغلين،
ومساعدة للمعلمين،
لما فيه من التفصيلات النافعة
مع الوضوح التام،
وطبع بمطبعة الإمام ثم نفدت نسخه
مع كثرة الطلب عليه،
ودعت الحاجة الشديدة
إلى إعادة طبعه ونشره،
وفي هذه المرة بدا لي
أن أقدم أمام ذلك مقدمة مختصرة
تحتوي على مجملات
عقائد أهل السنة
في الأصول وتوابعها،
فأقول مستعيناً بالله:
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
مقدمة تشتمل على
صفوة عقيدة أهل السنة
وخلاصتها المستمدة
من الكتاب والسنة
وذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته
وكتبه ورسله
واليوم الآخر ,
والقدر خيره وشره ,
فيشهدون أن الله
هو الرب الإله المعبود ,
المتفرِّد بكل كمال ,
فيعبدونه وحده ,
مخلصين له الدين,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
فيقولون
إن الله هو
الخالق البارئ المصور
الرازق المعطي المانع
المدبِّر لجميع الأمور ,
وأنه المألوه المعبود
الموحَّد المقصود ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وأنه الأول الذي ليس قبله شيء ,
الآخر الذي ليس بعده شيء ,
الظاهر الذي ليس فوقه شيء ,
الباطن الذي ليس دونه شيء ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وأنه العلي الأعلى
بكل معنى واعتبار ,
علو الذات ,
وعلو القَدْر ,
وعلو القَهر ,
وأنه على العرش استوى ,
استواء يليق
بعظمته وجلاله ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومع علوه المطلق وفوقيته ,
فعلمه محيط بالظواهر والبواطن ,
والعالم العلوي والسفلي :
وهو مع العباد بعلمه ,
يعلم جميع أحوالهم ,
وهو القريب المجيب ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته ,
والكل إليه مفتقرون في إيجادهم
وإيجاد ما يحتاجون إليه
في جميع الأوقات ,
ولا غنى لأحد عنه طرفة عين ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وهو الرحمن الرحيم ,
الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية
ولا دفع نقمة
إلا من الله ,
فهو الجالب للنعم ,
الدافع للنقم ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن رحمته
أنه ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا
يستعرض حاجات العباد
حين يبقى ثلث الليل الآخر
فيقول لا أسأل عن عبادي غيري ,
من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ,
من ذا الذي يسألني فأعطيه ,
من ذا الذي يستغفرني فأغفر له :
حتى يطلع الفجر .
فهو ينـزل كما يشاء ,
ويفعل ما يريد ,
ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويعتقدون أنه الحكيم ,
الذي له الحكمة التامة
في شرعه وفي قدره ,
فما خلق شيئا عبثا ,
ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وأنه التواب
العفو
الغفور ,
يقبل التوبة من عباده ,
ويعفو عن السيئات :
ويغفر الذنوب العظيمة
للتائبين والمستغفرين والمنيبين ,
وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل ,
ويزيد الشاكرين من فضله .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويصفونه بما وصف به نفسه
ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم
من الصفات الذاتية ,
كالحياة الكاملة ,
والسمع والبصر ,
وكمال القدرة ,
والعَظَمة
والكبرياء ,
والمجد
والجلال
والجَمال ,
والحمد المطلق ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن صفات الأفعال
المتعلقة بمشيئته وقدرته
كالرحمة
والرضا ,
والسخط
والكلام ,
وأنه يتكلم بما يشاء ,
كيف يشاء ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وكلماته لا تنفد ,
ولا تبيد ,
وأن القرآن كلام اللهغير مخلوق ,
منه بدا , وإليه يعود ,
وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا
بأنه
يفعل ما يريد :
ويتكلم بما يشاء ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويحكم على عباده
بأحكامه القدرية ,
وأحكامه الشرعية ,
وأحكامه الجزائية ,
فهو الحاكم المالك ,
ومن سواه مملوك محكوم عليه ,
فلا خروج للعباد عن ملكه
ولا عن حكمه .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويؤمنون بما جاء به الكتاب ,
وتواترت به السنة .
إن المؤمنين يرون ربهم تعالى
عيانا جهرة ,
وإن نعيم رويته
والفوز برضوانه
أكبر النعيم وألذه ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وإن من مات على غير
الإيمان والتوحيد
فهو مُخلَّد في نار جهنم أبدا ,
وإن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة
ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة ,
فإنهم وإن دخلوا النار
لا يخلدون فيها ,
ولا يبقى في النار أحد
في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان
إلا خرج منها ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وإن الإيمان يشمل
عقائد القلوب وأعمالها :
وأعمال الجوارح
وأقوال اللسان ,
فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا ,
الذي استحق الثواب وسلم من العقاب ,
ومن انتقص منها شيئا
نقص من إيمانه بقدر ذلك ,
ولذلك كان الإيمان
يزيد بالطاعة وفعل الخير ,
وينقص بالمعصية والشر .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن أصولهم
السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا
مع الاستعانة بالله ,
فهم يحرصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله .
وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم ,
ويتبعون رسول الله ,
فالإخلاص للمعبود
والمتابعة للرسول ,
والنصيحة للمؤمنين طريقهم.
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
فصل
ويشهدون أن
محمدا عبده ورسوله ,
أرسله الله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ,
وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ,
وهو خاتم النبيين ,
أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا ,
وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ,
أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا ,
وليقوم الخلق بعبادة الله ,
ويستعينوا برزقه على ذلك .
ويعلمون أنه
أعلم الخلق
وأصدقهم
وأنصحهم ,
وأعظمهم بيانا ,
فيطيعونه
ويحبونه ,
ويقدمون محبته
على محبة الخلق كلهم ,
ويتبعونه
في أصول دينهم وفروعه ,
ويقدِّمون قوله وهديه
على قول كل أحد وهديه ,
ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل
والخصائص
والكمالات
ما لم يجمعه لأحد ,
فهو أعلى الخلق مقاما ,
وأعظمهم جاها ,
وأكملهم في كل فضيلة :
لم يبق خير إلا دل أمته عليه :
ولا شر إلا حذرهم عنه .
وكذلك يؤمنون
بكل كتاب أنزله الله ,
وكل رسول أرسله الله ,
لا يفرقون بين أحد من رسله .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويؤمنون بالقدر كله ,
وأن جميع أعمال العباد - خيرها وشرها -
قد أحاط بها علم الله ,
وجرى بها قلمه ,
ونفذت فيها مشيئته ,
وتعلقت بها حكمته ,
حيث خلق للعباد قدرة وإرادة ,
تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم ,
لم يجبرهم على شيء منها ,
بل جعلهم مختارين لها ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وخصَّ المؤمنين بأن
حبَّب إليهم الإيمان
وزيَّنه في قلوبهم ,
وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ,
وجعلهم من الراشدين
بفضله ونعمته ,
وولَّى غيرهم ما تولوه ورضوه لأنفسهم
من الكفر والفسوق والعصيان
بعدله وحكمته .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن أصول أهل السنة
أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله ,
ولأئمة المسلمين وعامتهم ,
ويأمرون بالمعروف ,
وينهون عن المنكر
على ما توجبه الشريعة ,
ويأمرون ببر الوالدين , وصلة الأرحام ,
والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين ,
ومن له حق ,
وبالإحسان إلى الخلق أجمعين .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها ,
وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها ,
ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا ,
أعظمهم إيمانا ويقينا ,
وأحسنهم أعمالا وأخلاقا , وأصدقهم أقوالا ,
وأهداهم إلى كل خير وفضيلة :
وأبعدهم من كل رذيلة .
ويأمرون بالقيام بشرائع الدين ,
على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها ,
والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويرون الجهاد في سبيل الله
ماضٍ مع البَر والفاجر ,
وأنه ذروة سنام الدين ,
جهاد العلم والحجة ,
وجهاد السلاح ,
وأنه فرض على كل مسلم
أن يدافع عن الدين
بكل ممكن ومستطاع .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن أصولهم
الحث على جمع كلمة المسلمين ,
والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها ,
والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض ,
والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ومن أصولهم
النهي عن أذية الخلق
في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ,
والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات ,
والندب إلى الإحسان والفضل فيها .
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويؤمنون بأن أفضل الأمم
أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وأفضلهم أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ,
خصوصا الخلفاء الراشدون ,
والعشرة المشهود لهم بالجنة ,
وأهل بدر ,
وبيعة الرضوان
والسابقون الأولون
من المهاجرين والأنصار ,
فيحبون الصحابة
ويدينون الله بذلك ,
وينشرون محاسنهم
ويسكتون عما قيل عن مساوئهم ,
-
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
ويدينون الله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل
ومن لهم المقامات العالية في الدين
والفضل المتنوع على المسلمين ,
ويسألون الله
أن يعيذهم
من الشك
والشرك
والشقاق
والنفاق
وسوء الأخلاق
وأن يثبتهم على دين نبيهم
إلى الممات .
فهذه الأصول الكلية بها يؤمنون
ولها يعتقدون وإليها يدعون .
-
كتاب التوحيد
كـتاب التوحيد
قال المصنف رحمه الله : كتاب التوحيد
هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب
من أوله إلى آخره ,
ولهذا استغنى بها عن الخطبة :
أي أن هذا الكتاب يشتمل على
توحيد الإلهية والعبادة
بذكر أحكامه وحدوده وشروطه ,
وفضله وبراهينه ,
وأصوله وتفاصيله ,
وأسبابه وثمراته ومقتضياته ,
وما يزداد به ويقويه ,
أو يضعفه ويوهيه
وما به يتم ويكمل .
-
كتاب التوحيد
اعلم أن التوحيد المطلق
العلم والاعتراف بتفرد الرب
بصفات الكمال
والإقرار بتوحده
بصفات العظمة والجلال ,
وإفراده وحده بالعبادة ,
-
كتاب التوحيد
وهو ثلاثة أقسام :
أحدها : توحيد الأسماء والصفات ,
وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله
بالكمال المطلق من جميع الوجوه
بنعوت العظمة
والجلال
والجمال
التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه ,
وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه
أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم
من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها
الواردة في الكتاب والسنة
على الوجه اللائق بعظمته وجلاله ,
من غير نفي لشيء منها
ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ,
ونفي ما نفاه عن نفسه ,
أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم
من النقائص والعيوب ,
وعن كل ما ينافي كماله .
-
كتاب التوحيد
الثاني : توحيد الربوبية
بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب
المتفرد بالخلق والرزق والتدبير
الذي ربى جميع الخلق بالنعم
وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم
بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة
والعلوم النافعة والأعمال الصالحة ,
وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح
المثمرة لسعادة الدارين .
-
كتاب التوحيد
الثالث :
توحيد الإلهية ويقال له توحيد العبادة
وهو العلم والاعتراف بأن
الله ذو الألوهية والعبودية
على خلقه أجمعين
وإفراده وحده بالعبادة كلها
وإخلاص الدين لله وحده
وهذا الأخير يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما ,
لأن الألوهية التي هي وصفه
تعم جميع أوصاف الكمال
وجميع أوصاف الربوبية والعظمة ,
فإنه المألوه المعبود
لما له من أوصاف العظمة والجلال
ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال ,
فتوحده تعالى بصفات الكمال
وتفرده بالربوبية يلزم منه
أنه لا يستحق العبادة
أحد سواه .
ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم
الدعوة إلى هذا التوحيد .
-
كتاب التوحيد
فذكر المصنف في هذه الترجمة من النصوص
ما يدل على أن الله خلق الخلق
لعبادته والإخلاص له ,
وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم ,
فجميع الكتب السماوية
وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد ,
ونهوا عن ضده
من الشرك والتنديد ,
وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم .
-
كتاب التوحيد
وهذا القرآن الكريم فإنه أمر به ,
وفرضه وقرره أعظم تقرير ,
وبينه أعظم بيان ,
وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة
إلا بهذا التوحيد ,
وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية
والأفقية والنفسية
أدلة وبراهين
على الأمر بهذا التوحيد ووجوبه ,
فالتوحيد
هو حق الله الواجب على العبيد ,
وهو أعظم أوامر الدين ,
وأصل الأصول كلها ,
وأساس الأعمال .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
لما ذكر في الترجمة السابقة
وجوب التوحيد ,
وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد
ذكر هنا فضله وهو آثاره الحميدة ونتائجه الجميلة
وليس شيء من الأشياء
له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل
التوحيد
فإن خير الدنيا والآخرة
من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
فقول المؤلف رحمه الله :
" وما يكفر من الذنوب "
من باب عطف الخاص على العام
فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب
من بعض فضائله وآثاره
كما ذكر شواهد ذلك في الترجمة .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن فضائله
أنه السبب الأعظم
لتفريج كربات الدنيا والآخرة
ودفع عقوباتهما .
ومن أجل فوائده
أنه يمنع الخلود في النار
إذا كان في القلب منه
أدنى مثقال حبة خردل
وأنه إذا كَمُلَ في القلب
يمنع دخول النار بالكلية
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومنها
أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل
والأمن التام في الدنيا والآخرة
ومنها
أنه السبب الوحيد
لنيل رضا الله وثوابه
وأن أسعد الناس بشفاعة محمد
صلى الله عليه وسلم
من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن أعظم فضائله
أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة
متوقفة
في قبولها
وفي كمالها
وفي ترتب الثواب عليها
على التوحيد .
فكلما قوي
التوحيد والإخلاص لله
كمُلت هذه الأمور
وتمَّت .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن فضائله
أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات
ويسليه عن المصيبات :
فالمخلص لله
في إيمانه وتوحيده
تخف عليه الطاعات
لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه
ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي
لما يخشى من سخطه وعقابه.
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومنها
أن التوحيد إذا كمُل في القلب
حبَّبَ الله لصاحبه الإيمان
وزيَّنهُ في قلبه
وكرَّهَ إليه الكفر والفسوق والعصيان
وجعله من الراشدين ,
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومنها
أنه يخفف على العبد المكاره
ويهون عليه الآلام ,
فبحسبتكميل العبد
للتوحيد والإيمان
يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ,
ونفس مطمئنة ,
وتسليم ورضى
بأقدار الله المؤلمة .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن أعظم فضائله
أنه يُحرِّر العبد
من رقِّ المخلوقين
والتعلُّق بهم ,
وخوفهم ورجائهم ,
والعمل لأجلهم ,
وهذا هو العزُّ الحقيقي ,
والشرفُ العالي ,
ويكون مع ذلك
متألها متعبدا لله
لا يرجو سواه
ولا يخشى إلا إياه ,
ولا ينيب إلا إليه ,
وبذلك يتم فلاحه
ويتحقق نجاحه .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن فضائله
التي لا يلحقه فيها شيء
أن التوحيد إذا تمَّ وكمُلَ في القلب
وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام
فإنه يصير القليل من عمله كثيرا
وتضاعف أعماله وأقواله
بغير حصر ولا حساب
ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد
بحيث لا تقابلها السماوات والأرض ,
وعمارها من جميع خلق الله
كما في حديث أبي سعيد المذكور في الترجمة
وفي حديث البطاقة التي فيها
لا إله إلا الله
التي وزنت تسعة وتسعين سجلا من الذنوب ,
كل سجل يبلغ مد البصر ,
وذلك
لكمال إخلاص قائلها ,
وكم ممن يقولها ولا تبلغ هذا المبلغ ,
لأنه لم يكن في قلبه
من التوحيد والإخلاص الكامل
مثل ولا قريب
مما قام بقلب هذا العبد .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومن فضائل التوحيد
أن الله تكفَّل لأهله
بالفتح والنصر
في الدنيا
والعزِّ والشرَف
وحصول الهداية
والتيسير لليسرى ,
وإصلاح الأحوال ,
والتسديد في الأقوال والأفعال .
-
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
ومنها
أن الله يدافع
عن الموحدين أهل الإيمان
شرور الدنيا والآخرة ,
ويمنُّ عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه
والطمأنينة بذكره ,
وشواهد هذه الجُمَل من الكتاب والسنة
كثيرة معروفة
والله أعلم .
-
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,
فإن تحقيق التوحيد
تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,
ومن البدع القولية الاعتقادية ,
والبدع الفعلية العملية ,
ومن المعاصي ,
وذلك
بكمال الإخلاص لله
في الأقوال والأفعال والإرادات ,
وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,
ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,
وبالسلامة من البدع والمعاصي
التي تكدِّر التوحيد
وتمنع كماله ,
وتعوقه عن حصول آثاره .
فمن حقق توحيده
بأن امتلأ قلبه من
الإيمان والتوحيد والإخلاص ,
وصدقته الأعمال
بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله ,
ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي ,
فهذا الذي
يدخل الجنة بغير حساب :
ويكون من السابقين إلى دخولها
وإلى تبوء المنازل منها .
-
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
ومن أخص ما يدخل في تحقيقه
كمال القنوت لله
وقوة التوكل على الله :
بحيث لا يلتفت القلب إلى المخلوقين
في شأن من شئونه ,
ولا يستشرف إليهم بقلبه ,
ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله ,
بل يكون ظاهره وباطنه
وأقواله وأفعاله وحبه وبغضه ,
وجميع أحواله كلها
مقصود بها وجه الله
متبعا فيها رسول الله .
والناس في هذا المقام العظيم درجات
( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )
[ سورة الأنعام : الآية 132 ]
-
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وليس تحقيق التوحيد
بالتمني ولا بالدعاوي الخالية من الحقائق ,
ولا بالحلي العاطلة ,
وإنما ذلك بما وقر في القلوب
من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان
وصدقته الأخلاق الجميلة ,
والأعمال الصالحة الجليلة ,
فمن حقق التوحيد
على هذا الوجه
حصلت له جميع الفضائل المشار إليها
في الباب السابق بأكملها
والله أعلم .
-
باب الخوف من الشرك
باب الخوف من الشرك
الشرك في توحيد الإلهية والعبادة
ينافي التوحيد كل المنافاة
وهو نوعان :
شرك أكبر جلي , وشرك أصغر خفي ,
فأما الشرك الأكبر
فهو أن يجعل لله ندا
يدعوه كما يدعو الله ,
أو يخافه
أو يرجوه
أو يحبه
كحب الله ,
أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة ,
فهذا الشرك
لا يبقي مع صاحبه
من التوحيد شيء :
وهذا المشرك
الذي حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار ,
ولا فرق في هذا
بين أن يسمي تلك العبادة
التي صرفها لغير الله عبادة
أو يسميها توسلا
أو يسميها بغير ذلك من الأسماء
فكل ذلك شرك أكبر
لأن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها
دون ألفاظها وعباراتها .
-
باب الخوف من الشرك
وأما الشرك الأصغر
فهو جميع الأقوال والأفعال
التي يتوسل بها إلى الشرك
كالغلو في المخلوق
الذي لا يبلغ رتبة العبادة
كالحلف بغير الله
ويسير الرياء
ونحو ذلك
فإذا كان الشرك ينافي التوحيد
ويوجب دخول النار والخلود فيها
وحرمان الجنة إذا كان أكبر
وأنه لا تتحقق السعادة
إلا بالسلامة منه
كان حقا على العبد
أن يخاف منه
أعظم خوف
وأن يسعى في الفرار منه
ومن طرقه ووسائله وأسبابه
ويسأل الله العافية منه
كما فعل ذلك
الأنبياء والأصفياء وخيار الخلق
-
باب الخوف من الشرك
وعلى العبد أن يجتهد
في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته
وذلك
بكمال التعلُّق بالله
تألها
وإنابة
وخوفا
ورجاء
وطمعا
وقصدا لمرضاته وثوابه
في كل ما يفعله وما يتركه
من الأمور الظاهرة والباطنة
فإن الإخلاص بطبيعته
يدفع الشرك الأكبر والأصغر ,
وكل من وقع منه
نوع من الشرك
فلضعف إخلاصه .
-
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
باب الدعاء إلى
شهادة
أن لا إله إلا الله
وهذا الترتيب الذي صنعه المؤلف
في هذه الأبواب في غاية المناسبة ,
فإنه ذكر في الأبواب السابقة وجوب التوحيد وفضله
والحث عليه وعلى تكميله ,
والتحقق به ظاهرا وباطنا ,
والخوف من ضده :
وبذلك يكمل العبد في نفسه .
ثم ذكر في هذا الباب تكميله لغيره
بالدعوة إلى
شهادة أن لا إله إلا الله
فإنه لا يتم التوحيد
حتى يكمل العبد جميع مراتبه
ثم يسعى في تكميل غيره ,
وهذا هو طريق جميع الأنبياء ,
فإنهم أول ما يدعون إلى
عبادة الله
وحده لا شريك له
وهي طريقة سيدهم وإمامهم
صلى الله عليه وسلم ,
لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام ,
ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة
والمجادلة بالتي هي أحسن .
ولم يفتر ولم يضعف حتى أقام الله به الدين
وهدى به الخلق العظيم ,
ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها ,
وكان يدعو بنفسه
ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله
وإلى توحيده قبل كل شيء
لأن جميع الأعمال متوقفة
في صحتها وقبولها
على التوحيد .
-
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
فكما أن على العبد أن يقوم
بتوحيد الله
فعليه أن يدعو العباد إلى الله
بالتي هي أحسن :
وكل من اهتدى على يديه فله مثل أجورهم
من غير أن ينقص من أجورهم شيء
وإذا كانت الدعوة إلى الله
وإلى شهادة أن لا إله إلا الله
فرضا على كل أحد
كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره
فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإرشاد والهداية
أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم :
وعلى القادر ببدنه ويده أو ماله أو جاهه وقوله
أعظم مما على من ليست له تلك القدرة .
قال تعالى :
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
[ سورة التغابن : الآية 16 ]
ورحم الله
من أعان على الدين
ولو بشطر كلمة ,
وإنما الهلاك
في ترك ما يقدر عليه العبد
من الدعوة
إلى هذا الدين .
-
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
باب تفسير التوحيد
وشهادة
أن لا إله إلا الله
هما بمعنى واحد ,
فهو من باب عطف المترادفين ,
وهذه المسألة أكبر المسائل وأهمها
كما قال المصنف رحمه الله .
وحقيقة تفسير التوحيد
العلم والاعتراف
بتفرد الرب
بجميع صفات الكمال
وإخلاص العبادة له .
وذلك يرجع إلى أمرين :
نفي الألوهية كلها عن غير الله
بأن يعلم ويعتقد
أنه لا يستحق الإلهية
ولا شيئا من العبودية
أحد من الخلق ,
لا نبي مرسل
ولا ملك مقرب
ولا غيرهما ,
وأنه ليس لأحد من الخلق في ذلك
حظ ولا نصيب .
-
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
والأمر الثاني
إثبات
الألوهية لله تعالى
وحده لا شريك له
وتفرده بمعاني الألوهية كلها
وهي نعوت الكمال كلها .
ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده
حتى يحققه العبد
بإخلاص الدين كله لله
فيقوم بالإسلام والإيمان والإحسان
وبحقوق الله وحقوق خلقه
قاصدا بذلك وجه الله وطالبا رضوانه وثوابه ,
ويعلم أن من تمام تفسيرها وتحقيقها
البراءة من عبادة غير الله
وأن اتخاذ أنداد يحبهم كحب الله
أو يطيعهم كطاعة الله
أو يعمل لهم كما يعمل لله ,
ينافي معنى لا إله إلا الله أشد المنافاة ,
وبين المصنف , رحمه الله ,
أن من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله
قوله صلى الله عليه وسلم :
( من قال لا إله إلا الله
وكفر بما يُعبد من دون الله
حرم ماله ودمه
وحسابه على الله ) ,
فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصما للدم والمال ,
بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك ,
بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ,
بل لا يحرم ماله ولا دمه
حتى يضيف إلى ذلك
الكـفر بما يُعبَد من دون الله ,
فإن شك أو توقف
لم يحرم ماله ولا دمه .
-
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
فتبين بذلك
أنه لا بد من اعتقاد
وجوب عبادة الله
وحده لا شريك له
ومن الإقرار بذلك اعتقادا ونطقا ,
ولا بد من القيام
بعبودية الله وحده
طاعة لله وانقيادا
ولا بد من البراءة
مما ينافي ذلك عقدا وقولا وفعلا ,
ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين
بتوحيد الله
وموالاتهم ونصرتهم ,
وبغض أهل الكفر والشرك
ومعاداتهم ,
ولا تغني في هذا المقام الألفاظ المجردة
ولا الدعاوي الخالية من الحقيقة ,
بل لا بد أن يتطابق العلم والاعتقاد
والقول والعمل ,
فإن هذه الأشياء متلازمة
متى تخلف واحد منها
تخلفت البقية
والله أعلم .
-
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما
لرفع البلاء أو دفعه
وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب ,
وتفصيل القول فيها
أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب
ثلاثة أمور :
أحدها
أن لا يجعل منها سببا
إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا .
ثانيها
أن لا يعتمد العبد عليها
بل يعتمد على مسببها ومقدرها
مع قيامه بالمشروع منها
وحرصه على النافع منها .
ثالثها
أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت
فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره
لا خروج لها عنه ,
والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء :
إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته
ليقوم بها العباد
ويعرفوا بذلك تمام حكمته
حيث ربط المسببات بأسبابها
والمعلولات بعللها :
وإن شاء غيَّرها كيف يشاء
لئلا يعتمد عليها العباد
وليعلموا كمال قدرته
وأن التصرف المطلق
والإرادة المطلقة
لله وحده .
فهذا هو الواجب على العبد
في نظره وعمله بجميع الأسباب .
-
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
إذا عُلم ذلك
فمن لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما
قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله :
أو دفعه قبل نزوله ,
فقد أشرك
لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة
فهذا الشرك الأكبر
وهو شرك في الربوبية ,
حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير ,
وشرك في العبودية
حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه
وإن اعتقد أن الله هو الدافع الرافع وحده
ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء
فقد جعل ما ليس سببا شرعيا ولا قدريا سببا
وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر :
أما الشرع
فإنه ينهى عن ذلك أشد النهي
وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة
وأما القدر
فليس هذا من الأسباب المعهودة
ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود
ولا من الأدوية المباحة النافعة .
وكذلك هو من جملة وسائل الشرك
فإنه لا بد أن يتعلق قلب متعلقها بها
وذلك نوع شرك ووسيلة إليه
-
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
فإذا كانت هذه الأمور
ليست من الأسباب الشرعية
التي شرعها على لسان نبيه
التي يتوسل بها إلى رضا الله وثوابه
ولا من الأسباب القدرية
التي قد عُلم أو جُرِّب نفعها
مثل الأدوية المباحة
كان المتعلق بها
متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها
فتعين على المؤمن تركها
ليتم إيمانه وتوحيده
فإنه لو تم توحيده
لم يتعلق قلبه
بما ينافيه
وذلك أيضا نقص في العقل
حيث تعلق بغير متعلق
ولا نافع بوجه من الوجوه :
بل هو ضرر محض .
والشرع مبناه على تكميل
أديان الخلق
بنبذ الوثنيات والتعلُّق بالمخلوقين ,
وعلى تكميل عقولهم
بنبذ الخرافات والخزعبلات ,
والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول ,
المزكية للنفوس ,
المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها
والله أعلم .
-
باب ما جاء في الرقى والتمائم
باب ما جاء في الرقى والتمائم
أما التمائم فهي تعاليق تتعلق بها قلوب متعلقيها
والقول فيها كالقول في الحلقة والخيط كما تقدم
فمنها ما هو شرك أكبر
كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين
أو غيرهم من المخلوقين
فالاستغاثة بغير الله
فيما لا يقدر عليه إلا الله
شرك
كما سيأتي إن شاء الله
ومنها ما هو محرم
كالتي فيها أسماء لا يُفهم معناها
لأنها تجرُّ إلى الشرك .
-
باب ما جاء في الرقى والتمائم
وأما التعاليق
التي فيها قرآن أو أحاديث نبوية
أو أدعية طيبة محترمة
فالأولى تركها لعدم ورودها عن الشارع
ولكونها يتوسل بها إلى غيرها من المحرم ,
ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها
ويدخل فيها المواضع القذرة .
-
باب ما جاء في الرقى والتمائم
وأما الرُقى ففيها تفصيل :
فإن كانت من القرآن أو السنة أو الكلام الحسن
فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان ,
ولما فيها من النفع ,
وهي جائزة في حق المرقي
إلا أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها ,
فإن من كمال توكل العبد وقوة يقينه
أن لا يسأل أحدا من الخلق
لا رقية ولا غيرها :
بل ينبغي له إذا سأل أحدا أن يدعو له
أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه
بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه ,
وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانية البديعة
التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكُمَّل من العباد .
وإن كانت الرقية يدعى بها غير الله
ويطلب الشفاء من غيره
فهذا هو الشرك الأكبر
لأنه دعاء واستغاثة بغير الله ,
فافهم هذا التفصيل ,
وإياك أن تحكم على الرقى بحكم واحد
مع تفاوتها في أسبابها وغاياتها .
-
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب من تبرك بشجر أو حجر أو غيرهما
أي فإن ذلك
من الشرك ومن أعمال المشركين
فإن العلماء اتفقوا
على أنه لا يُشرع التبرك بشيء
من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها
فإن هذا التبرك غلو فيها
وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها
وهذا هو الشرك الأكبر
كما تقدم انطباق الحد عليه
وهذا عام في كل شيء
حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم
وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة .
وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله
واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة
فهذا عبودية لله
وتعظيم لله
وخضوع لعظمته
فهو روح التعبد
فهذا تعظيم للخالق وتعبد له
وذاك تعظيم للمخلوق وتأله له
فالفرق بين الأمرين
كالفرق
بين الدعاء لله
الذي هو إخلاص وتوحيد
والدعاء للمخلوق
الذي هو شرك وتنديد .
-
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب ما جاء في الذبح لغير الله
أي أنه شرك ,
فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة
في الأمر بالذبح لله ,
وإخلاص ذلك لوجهه ,
كما هي صريحة بذلك في الصلاة
فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه ,
وإذا ثبت أن الذبح لله
من أجل العبادات وأكبر الطاعات ,
فالذبح لغير الله شرك أكبر
مخرج عن دائرة الإسلام ,
-
باب ما جاء في الذبح لغير الله
فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره
الذي يجمع أنواعه وأفراده
أن يصرف العبد نوعا أو فردا
من أفراد العبادة لغير الله .
فكل اعتقاد أو قول أو عمل
ثبتَ أنه مأمور به من الشارع
فصرفه لله وحده
توحيد وإيمان وإخلاص ,
وصرفه لغيره
شرك وكـفر ,
فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر
الذي لا يشذُّ عنه شيء ,
-
باب ما جاء في الذبح لغير الله
كما أن حد الشرك الأصغر
هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها
إلى الشرك الأكبر
من الإرادات والأقوال والأفعال
التي لم تبلغ رتبة العبادة ,
فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر ,
فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة
من هذا الكتاب ,
وبه يحصل لك الفرقان بين الأمور التي يكثر اشتباهها
والله المستعان .
-
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب لا يُذبح لله بمكان يُذبح فيه لغير الله
ما أحسن اتباع هذا الباب بالباب الذي قبله ,
فالذي قبله من المقاصد وهذا من الوسائل .
ذاك من باب الشرك الأكبر ,
وهذا من وسائل الشرك القريبة ,
فإن المكان الذي يذبح فيه المشركون لآلهتهم
تقربا إليها وشركا بالله
قد صار مشعرا من مشاعر الشرك ,
فإذا ذبح فيه المسلم ذبيحة ولو قصدها لله
فقد تشبه بالمشركين وشاركهم في مشعرهم ,
والموافقة الظاهرة
تدعو إلى الموافقة الباطنة والميل إليهم .
ومن هذا السبب نهى الشارع عن مشابهة الكفار
في شعارهم وأعيادهم
وهيئاتهم ولباسهم
وجميع ما يختص بهم
إبعادا للمسلمين عن الموافقة لهم في الظاهر
التي هي وسيلة قريبة للميل والركون إليهم ,
حتى أنه نهى عن الصلاة النافلة في أوقات النهي
التي يسجد المشركون فيها لغير الله
خوفا من التشبه المحذور
-
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب من الشرك النذر لغير الله
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
متى فهمت الضابط السابق في حد الشرك الأكبر ,
وهو أن من صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك ,
فهمت هذه الأبواب الثلاثة التي والى المصنف بينها ,
فإن النذر عبادة مدح الله الموفين به :
وأمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة ,
وكل أمر مدحه الشارع أو أثنى على من قام به
أو أمر به فهو عبادة ,
فإن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه
من الأعمال والأقوال الظاهرة ,
والنذر من ذلك .
وكذلك أمر الله
بالاستعاذة به وحده
من الشرور كلها
وبالاستغاثة به
في كل شدة ومشقة ,
فهذه إخلاصها لله
إيمان وتوحيد ,
وصرفها لغير الله
شرك وتنديد .
-
باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
والفرق بين الدعاء والاستغاثة
أن الدعاء عام في كل الأحوال ,
والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد ,
فكل ذلك يتعين
إخلاصه لله وحده ,
وهو المجيب لدعاء الداعين
المفرِّج لكربات المكروبين ,
ومن دعا غيره من نبي
أو ملك
أو ولي
أو غيرهم ,
أو استغاث بغير الله
فيما لا يقدر عليه
إلا الله
فهو مشرك كافر ,
وكما أنه خرج من الدين
فقد تجرَّد أيضا من العقل ,
فإن أحدا من الخلق
ليس عنده من النفع والدفع مثقال ذرة
لا عن نفسه
ولا عن غيره
بل الكل فقراء إلى الله
في كل شئونهم .
-
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب قول الله تعالى
" أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
قول الله تعالى :
( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ )
[ سورة الأعراف : الآية 191 ]
هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته ,
فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره ,
فتقدم أن التوحيدين :
توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات
من أكبر براهينه وأضخمها .
فالمتفرد بالخلق والتدبير ,
والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه ,
هو الذي لا يستحق العبادة سواه .
-
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
وكذلك من براهين التوحيد
معرفة أوصاف المخلوقين , ومن عُبد مع الله ,
فإن جميع ما يُعبد من دون الله
من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها
كلهم فقراء إلى الله ,
عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة ,
ولا يخلقون شيئا وهم يُخلقون ,
ولا يملكون ضرا
ولا نفعا ,
ولاموتا
ولاحياة
ولانشورا ,
-
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق ,
وهو الرازق لكل مرزوق ,
المدبر للأمور كلها ,
الضار النافع ,
المعطي المانع ,
الذي بيده ملكوت كل شيء
وإليه يرجع كل شيء
وله يقصد ويصمد ويخضع كل شيء ,
فأي برهان أعظم من هذا البرهان
الذي أعاده الله وأبداه
في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله ,
فهو دليل عقلي فطري
كما أنه دليل سمعي نقلي
على وجوب توحيد الله ,
وأنه الحق
وعلى بطلان الشرك .