-
مدارسة متن أخصر المختصرات
مُقَدِّمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا
الْحَمْدُ للهِ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
وَبَعْدُ،،
فَإِنَّ التَّفَقُّهَ فِي دِينِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ, وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وَالتَّفَقُّهُ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى عَلَامَةٌ عَلَى إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى الْخَيْرَ بِهَذَا الْإِنْسَانِ الْمُتَفَقِّهِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ([1])».
وَالتَّفَقُّهُ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى لَهُ طُرُقٌ وَسُبُلٌ سَلَكَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَئِمَّتُهُ الْأَوَائِلُ مِنْهُمْ وَالْأَوَاخِرُ؛ فَمَنْ أَرَادَ التَّفَقُّهَ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ هَؤُلَاءِ, وَيَلْزَمَ غَرْزَهُمْ, وَيَتَّبِعَ سَبِيلَهُمْ؛ فَإِنْ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ – مَعَ إِخْلَاصِ النِّيَّةِ للهِ تَعَالَى - أَنْجَحَ وَأَفْلَحَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِنْ هُوَ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ, وَانْحَازَ عَنْ سَبِيلِهِمْ, صَارَ جَامِدًا فِي مَكَانِهِ لَا يَتَقَدَّمُ, وَقَدْ يَتَأَخَّرُ.
وَمَنْ سَأَلَ: كَيْفَ هِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ؟
قَلْنَا: طَرِيقَتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَعْلُومَةٌ؛ وَهِيَ أَنْهُمْ كَانُوا يَبْدَؤنْ بِالْمُخْتَصَرَ اتِ فِي الْفَنِّ الَّذِي يُرِيدُونَهُ، فَإِنْ أَتْقَنُوا فِيهِ مُخْتَصَرًا رَقَوْا إِلَى مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْهُ، وَهَكَذَا؛ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الْمُطَوَّلَاتِ فِي هَذَا الْفَنِّ.
فَتَجِدَهُمْ فِي الْفِقْهِ – مَثَلًا - يَدْرُسُونَ مَتْنًا مُخْتَصَرًا فِي الْمَذْهَبِ, لَا يَذْكُرُ هَذَا الْمَتْنُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا فِي الْمَذْهَبِ, ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَتْنٍ مُتَوَسِّعٍ فِي ذِكْرِ الْمَسَائِلِ, ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إِلَى مَتْنٍ يَعْتَنِي بِذِكْرِ الْوُجُوهِ وَالِاخْتِلَافَ اتِ فِي نَفْسِ الْمَذْهَبِ, ثُمَّ بَعْدَ إِتْقَانِ ذَلِكَ يَنْتَقِلُونَ إِلَى الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَاتِ الَّتِي تَذْكُرُ الْخِلَافَ الْعَالِي بَيْنَ الْمَذَاهِبِ, وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْفِقْهِ الْمُقَارَنِ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَلَى عَكْسِ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِي نَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ؛ حَيْثُ يَبْدَؤُنَ فِي الدِّرَاسَةِ بِالْمُطَوَّلَا تِ طَمَعًا فِي نَيْلِ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ, فَتَجِدَهُمْ يَقْضُونَ الْأَيَّامَ وَالسِّنِينَ وَالسَّاعَاتِ, وَلَا يَجْنُونَ شَيْئًا إِلَّا تَضْييعَ الْأَوْقَاتِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَدْرَانَ الْمُتَوَفَّى (1346 ه) فِي كِتَابِهِ ((الْمَدْخَلُ إِلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ)):
((اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقْضُونَ السِّنِينَ الطِّوَالَ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمَ, بَلْ فِي عِلْمٍ وَاحِدٍ وَلَا يَحْصُلُونَ مِنْهُ عَلَى طَائِلٍ وَرُبَّمَا قَضَوْا أَعْمَارَهُمْ فِيهِ وَلمْ يَرْتَقُوا عَنْ دَرَجَةِ الْمُبْتَدِئِين َ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الذَّكَاءِ الْفِطْرِيِّ وَانْتِفَاءُ الْإِدْرَاكِ التَّصَوُّرِيِّ وَهَذَا لَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَلَا فِي عِلَاجِهِ.
وَالثَّانِي: الْجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيمِ وَهَذَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ غَالِبُ الْمُعَلِّمِينَ , فَتَرَاهُمْ يَأْتِي إِلَيْهِمُ الطَّالِبُ الْمُبْتَدِئُ لِيَتَعَلَّمَ النَّحْوَ – مَثَلًا - فَيَشْغَلُونَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ, ثُمَّ عَلَى الْحَمْدَلَةِ أَيَّامًا, بَلْ شُهُورًا ليِوُهِمُوهُ سَعَةَ مَدَارِكَهُمْ, وَغَزَارَةَ عِلْمِهِمْ, ثُمَّ إِذَا قُدِّرَ لَهُ الْخَلَاصُ مِنْ ذَلِكَ أَخَذُوا يُلَقِّنُونَهُ مَتْنًا أَوْ شَرْحًا بِحَوَاشِيهِ وَحَوَاشِي حَوَاشِيهِ, وَيَحْشُرُونَ لَهُ خِلَافَ الْعُلَمَاءِ, وَيَشْغَلُونَهُ بِكَلَامِ مَنْ رَدَّ عَلَى الْقَائِلِ وَمَا أُجِيَبَ بِهِ عَنِ الرَّدِّ, وَلَا يَزَالُونَ يَضْرِبُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَتَرِ حَتَّى يَرْتِكِزَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ نَوَالَ هَذَا الْفَنِّ مِنْ قَبِيلِ الصَّعْبِ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا مَنْ أُوتِيَ الْوَلَايَةَ وَحَضَرَ مَجْلِسَ الْقُرْبِ وَالِاخْتِصَاصِ ([2]))).
وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللهُ: وَحَيْثُ إِنَّ كِتَابِي هَذَا مَدْخَلٌ لِعِلْمِ الْفِقْهِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَ مِنَ النَّصَائِحَ مَا يتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ؛ فَأَقُولُ: لَا جَرَمَ أَنَّ النَّصِيحَةَ كَالْفَرْضِ وَخُصُوصًا عَلَى الْعُلَمَاءِ؛ فَالْوَاجِبُ الدِّينِيُّ عَلَى الْمُعَلِّمِ إِذَا أَرَادَ إِقْرَاءَ الْمُبْتَدِئِين َ أَنْ يُقْرِئَهُمْ أَوَّلًا كَتَابَ ((أَخْصَرِ الْمُخْتَصَرَات ِ)) أَوِ ((الْعُمْدَةِ)) للشَّيْخِ مَنْصُورٍ([3])؛ إِنْ كَانَ حَنْبَلِيًّا, أَوِ ((الْغَايَةِ)) لِأَبِي شُجَاعٍ([4]), إِنْ كَانَ شَافِعِيًّا, أَوِ ((الْعَشْمَاوِيَ ّةِ([5]))), إِنْ كَانَ مَالِكِيًّا, أَوْ ((مِنْيَةِ الْمُصَلِّي([6]))), أَوْ ((نُورِ الْإِيضَاحِ([7]))), إِنْ كَانَ حَنَفِيًّا.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَحَ لَهُ الْمَتْنَ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانَ؛ بِحَيْثُ يَفْهَمُ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ, ويَأْمُرُهُ أَنْ يُصَوِّرَ مَسَائِلَهُ فِي ذِهْنِهِ, وَلَا يَشْغَلُهُ مِمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ([8]))).
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1037), من حديث معاوية رضي الله عنه.
[2])) المدخل إلى مذهب أحمد (485), ط الرسالة, تحقيق الشيخ عبد المحسن التركي.
[3])) يقصد متن ((عمدة الطالب لنيل المآرب)) للشيخ منصور بن يونس البهوتي المتوفي سنة (1051) من الهجرة, صاحب ((الروض المربع شرح زاد المستقنع)), وصاحب ((كشف القناع عن متن الإقناع)), وصاحب ((دقائق أولي النهى لشرح المنتهى)), شرح فيه متنًا من أهم متون الحنابلة، ألا وهو ((منتهى الإرادات في الجمع بين المقتع والتنقيح وزيادات)) لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي، الشهير بابن النجار (972).
ويعد ((عمدة الطالب)) من أنفس المتون الفقهية في المذهب الحنبلي؛ لكون صاحبه من محققي المذهب المتأخرين.
[4])) يقصد متن ((الغاية والتقريب)) في الفقه الشافعي, للقاضي أبي شجاع أحمد بن حسين بن أحمد الأصفهاني, المتوفى (593) من الهجرة.
[5])) يقصد متن ((العشماوية)) في الفقه المالكي, لعبد الباري العشماوي. قال السخاوي في ((الضوء اللامع)) (4/ 23): ((عبد الْبَارِي بن أَحْمد بن عبد الْغَنِيّ بن عَتيق بن الشَّيْخ سعيد بن الشَّيْخ حسن أَبُو النجا العشماوي القاهري الْأَزْهَرِي الْمَالِكِي, مِمَّن سمع مني بِالْقَاهِرَةِ)) .
ومتن العشماوية متن مختصر, اقتصر فيه مصنفه على أحكام الطهارة والصلاة والصيام فقط.
[6])) قال حاجي خليفة في ((كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون)) (1886): ((منية المصلي وغنية المبتدي)) للشيخ، الإمام، سديد الدين، الكاشغري, هو: محمد بن محمد, المتوفى: سنة 705.
أوَّله: (الحمد له رب العالمين ... الخ), وهو: كتاب معروف، متداول بين الحنفية.
[7])) يقصد متن ((نور الإيضاح)) في الفقه الحنفي, للعلامة الشيخ حسن بن عمار أبي الإخلاص المصري الشُّرُنْبُلالي - نسبة لشُبْرَابْلُولة , بلد تجاه منوف العليا بإقليم المنوفية بمصر- الفقيه الحنفي الوفائي, ولد سنة (994), وتوفي سنة (1069) من الهجرة.
[8])) ((المدخل إلى مذهب الإمام أحمد)) (487).
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
وَمَتْنُ ((أَخْصَرِ الْمُخْتَصَرَات ِ)) فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ, لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ بَلْبَانَ الْحَنْبَلِيِّ؛ وَقَدْ اخْتَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كِتَابِهِ ((كَافِي الْمُبْتَدِي)).
وَيُعَدُّ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ أَفْضَلِ الْمُخْتَصَرَات ِ الَّتِي يَبْدَأُ بِهَا طَالِبُ الْعِلْمِ طَرِيقَهُ, ثُمَّ يُثَنِّي الطَّالِبُ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ, حَتَّى يَصِلَ إِلَى غَايَتِهِ, وَيَنَالَ بُغْيَتَهُ.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
تَرْجَمَةُ صَاحِبِ الْمَتْنِ([1])
اسْمُهُ:
قَالَ عَنْهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّمِشْقِيُّ, ثُمَّ الْحَنْبَلِيُّ فِي ((كَشْفِ الْمُخَدَّرَاتِ شَرْحِ أَخْصَرِ الْمُخْتَصَرَات ِ)):
هُوَ الْحَبْرُ الْعُمْدَةُ الْعَلَّامَةُ, فَرِيدُ عَصْرِهِ وَزَمَانِهِ, وَوَحِيدُ دَهْرِهِ وَأَوَانِهِ, زَيْنُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ, عُمْدَةُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ, وَزُبْدَةُ أَهْلِ التَّدْقِيقِ, مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ بَلْبَانَ الْخَزْرَجِيُّ, الْقَادِرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ.
وِلَادَتُهُ:
وُلِدَ ابْنُ بَلْبَانَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ (1006) ه.
كَلَامُ بَعْضِ الْمُؤَرِّخِينَ فِيهِ:
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِهِ ((الرِّيَاضِ السُّنْدُسِيَّة ِ فِي تَلْخِيصِ تَارِيخِ الصَّالِحِيَّةِ )): وَمِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ بَلْبَانَ, كَانَتْ الْأَفَاضِلُ تَخْرُجُ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ الْعُمَرِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّ ةِ لِلْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ, مَعَ مَا كَانَ بِدِمِشْقَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي عَصْرِهِ.
قَالَ: وَمَا مِنْ عَالِمٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْآنَ إِلَّا وَقَرَأَ عَلَيْهِ, وَأَخَذَ عَنْهُ الْأَجِلَّاءُ مُسْنَدَ الْحَدِيثِ, وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ, وَكَانَ أَعْيَانُ الْبَلَدِ وَالْوُزَرَاءِ يَخْرُجُونَ لِزِيَارَتِهِ, وَلَا يَنْزِلُ هُوَ مِنَ الصَّالِحِيَّةِ إِلَى دِمِشْقَ إِلَّا قَلِيلًا, وَكَانَ مِنْ جَهَابِذَةِ([2]) الْعِلْمِ.
وَتَرْجَمَهُ أَمِينُ أَفَنْدِي فِي تَارِيخِهِ ((خُلَاصَةُ الْأَثَرِ)) فَقَالَ:
مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ بَلْبَانَ الْبَعْلِيُّ الْأَصْلُ الدِّمِشْقِيُّ الصَّالِحِيُّ, الْفَقِيهُ, الْمُحَدِّثُ, الْمُعَمِّرُ, أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الزُّهَّادِ, وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الشِّهَابِ ابْنِ أَبِي الْوَفَاءِ الْوَفَائِي فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ, ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ, وَكَانَ يُقْرِئُ فِيهَا, وَأَفْتَى مُدَّةَ عُمُرِهِ, وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الْعِلْمِ بِالصَّالِحِيَّ ةِ, وَكَانَ عَالِمًا وَرِعًا, قَطَعَ أَوْقَاتَهُ بِالْعِبَادَةِ وَالْعِلْمِ, وَالْكِتَابَةِ وَالدَّرْسِ وَالطَّلَبِ, حَتَّى مَكَّنَ اللهُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْقُلُوبِ, وَأَحَبَّهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ, وَكَانَ دَيِّنًا صَالِحًا, حَسَنَ الْخُلُقِ وَالصُّحْبَةِ, مُتَوَاضِعًا حُلْوَ الْعِبَارَةِ, كَثِيرَ التَّحَرِّي فِي أَمْرِ الدِّينِ والدُّنْيَا, مُنْقَطِعًا إِلَى اللهِ تَعَالَى.
وَكَانَ فِي أَحْوَالِهِ مُسْتَقِيمًا عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ مُنْذُ عُرِفَ؛ فَكَانَ يَأْتِي مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ الْعُمَرِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّ ةِ فِي الصَّبَاحِ, فَيَجْلِسُ فِيهَا, وَأَوْقَاتُهُ مُنْقَسِمَةٌ أَقْسَامًا: صَلَاةٌ, وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ, وَكِتَابَةٌ, وَإِقْرَاءٌ, وَانْتَفَعَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ, وَأَخَذَ عَنْهُ الْحَدِيثَ جَمْعٌ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ, وَاتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ عَلَى تَقْدِيمِهِ وَتَفْضِيلِهِ.
قَالَ: وَلَهُ كِتَابُ ((كَافِي الْمُبْتَدِي)) فِي الْفِقْهِ, وَاخْتَصَرَهُ فِي كِتَابٍ لَطِيفٍ سَمَّاهُ ((أَخْصَرُ الْمُخْتَصَرَات ِ)).
وَلَهُ كِتَابٌ ((مُخْتَصَرُ الْإِفَادَاتِ فِي رُبْعِ الْعِبَادَاتِ مَعَ الْآدَابِ وَزِيَادَاتُهُ)) .
وَرِسَالةٌ فِي الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ اخْتَصَرَهَا مِنْ كِتَابِ ((نَهَايَةِ الْمُبْتَدِئِين َ)) لِابْنِ حِمْدَانَ الْحَنْبَلِيِّ.
وَكَانَ لَهُ مَحَاسِنُ وَلَطَائِفُ مَعَ الْعُلَمَاءِ, وَوَلِيَ خِطَابَةَ الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ الْمُسَمَّى بِجَامِعِ الْحَنَابِلَةِ فِي الصَّالِحِيَّةِ .
وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَحَييَ الْمُصَالِحِيُّ فِي ((مَنَاقِبِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ)), فَقَالَ:
هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زُهْدًا وَعِبَادةً وَعِلْمًا, كَانَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُنْقَطِعِين َ إِلَى اللهِ لِلْعِبَادَةِ, وَإِقْرَاءِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ, وَكَانَ إِذَا رَآهُ أَحَدٌ عَرَفَهُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ؛ لِإِحَاطَةِ النُّورِ بِهِ, كَثِيرَ التَّحَرِّي فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَفَاتُهُ:
قَالَ أَمِينُ أَفَنْدِي: وَبِالْجُمْلَةِ ؛ فَقَدْ كَانَ بَقِيَّةَ السَّلَفِ, وَبَرَكَةَ الْخَلَفِ, وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَأَلْفٍ, وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسْيونَ.
[1])) ترجم له هذه الترجمة العلامة عبد القادر بن أحمد بن بدران الدمشقي, مع حاشيته على متن ((أخصر المختصرات)), انظر المتن مع الحاشية (80- 83) تحقيق محمد بن ناصر العجمي, ط دار البشائر الإسلامية.
[2])) جَهَابِذَة: جَمْعُ: جَهْبَذٌ وجِهْبِذٌ؛ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ؛ وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ بِغَوَامِضِ الْأُمُورِ. ((القاموس المحيط)) (1/ 332)، ((المعجم الوسيط)) ((1/ 141)).
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
خُطْبَةُ صَاحِبِ الْمَتْنِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للهِ الْمُفَقِّهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فِي الدِّينِ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ, الْمُؤَيَّدِ بِكِتَابِهِ الْمُبِينِ, الْمُتَمَسِّكِ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَبَعْدُ,,
فَقَدْ سَنَحَ بِخَلَدِي أَنْ أَخْتَصِرَ كِتَابِي الْمُسَمَّى ((بِكَافِي الْمُبْتَدِي)) الْكَائِنِ فِي فِقْهِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الصَّابِرِ لِحُكْمِ الْمَلِكِ الْمُبْدِي؛ لِيَقْرُبَ تَنَاوُلَهُ عَلَى الْمُبْتَدِئِين َ, وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى الرَّاغِبِينَ, وَيَقِلَّ حَجْمُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ, وَسَمَّيْتُهُ ((أَخْصَرَ الْمُخْتَصَرَات ِ))؛ لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْصَرَ مِنْهُ جَامِعٍ لِمَسَائِلِهِ فِي فِقْهِنَا مِنَ الْمُؤَلَّفَاتِ .
وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ قَارِئِيهِ وَحَافِظِيهِ وَنَاظِرِيهِ, إِنَّهُ جَدِيرٌ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَاتِ, وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ, مُقَرِّبًا إِلَيْهِ فِي جنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَمَا تَوْفِيقِي وَاعْتِصَامِي إِلَّا بِاللَّهِ, عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
كِتَابُ([1]) الطَّهَارَةِ([2]) الْمِيَاهُ ثلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: طَهُورٌ وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ([3]), وَمِنْهُ مَكْرُوهٌ؛ كَمُتَغَيِّرٍ بِغَيْرِ مُمَازِجٍ([4]), وَمُحَرَّمٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ, وَيُزِيلُ الْخَبَثَ؛ وَهُوَ الْمَغْصُوبُ([5])، وَغَيْرُ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْ ثَمُودَ([6]).
[1])) الكِتابُ اسْمٌ لِمَا كُتب مَجْمُوعًا, والْكِتَابُ مَصْدَرٌ يُقَالُ: كَتَبَ كِتَابًا وَكِتَابَةً، وَقَدْ اسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا يَجْمَعُ شَيْئًا مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ وَالضَّمِّ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَكْتُوبِ الْقَلَمِ حَقِيقَةً؛ لِانْضِمَامِ بَعْضِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ الْمَكْتُوبَةِ إِلَى بَعْضٍ وَعَلَى الْمَعَانِي مَجَازًا، وَجَمْعُهُ كُتُبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ. انظر: ((لسان العرب)) (1/ 698), و((نيل الأوطار)) (1/ 27).
[2])) الطَّهَارَةُ لُغَةً: النزاهة، والنظافة مِنَ الآثام، والأقذار، والأدناس؛ فأما النزاهة مِنَ الآثام، فمنه قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56]، أَي: يتنزَّهُونَ عَنْ إِتْيان الذُّكُورِ، وَقِيلَ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَدْبار الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وأما النزاهة عن الأقذار والأدناس، فمنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25]، يَعْنِي: من الحَيْضِ والبَوْلِ والغَائِطِ، ومنه أيضًا قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ». انظر: ((لسان العرب)) (4/ 506).
وَالطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ: هي ارتفاع الحدث وما في معناه, وزوال الخبث. ((زاد المستقنع)) (25).
والحدث هو: وصف معنوي قائم بالبدن يمنع من الصلاة, ونحوها من العبادات.
فقولهم: (وصف معنوي) لأنه ليس حسيًا, ولا يظهر في الخارج.
وهو قسمان:
حدث أكبر: كالجنابة والحيض, وهذا يرفعه الغسل.
وحدث أصغر: كقضاء الحاجة, وخروج الريح, وهذا يرفعه الوضوء.
وقولهم: (وما في معناه) ليشمل أشياءً أخرى ليست بحدث في الحقيقة؛ كغسل يد القائم من النوم, وكغسل الميت, والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء.
[3])) يقصد الفقهاء بقولهم (الباقي على خلقته) أي: حقيقة أو حكمًا؛ فالباقي على خلقته حقيقة, هو الماء الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض, أو ماء البحار والأنهار وغير ذلك مما لم يتغير, فهذا باقٍ على خلقته حقيقة, وأما الباقي على خلقته حكمًا, فهو الذي تغير بشيء لم يخرجه عن طهوريته, كالماء الآجن الذي تغير من المكث, أو كاء متغير من نابت فيه, أو سمك, ونحو ذلك, فهذا ماء متغير حقيقة, ولكنه باقٍ على خلقته حكمًا.
[4])) الأشياء التي تؤثر في المياه على ثلاثة أقسام: إما مجاور؛ كميتة مجاورة للماء فغيرته دون أن تخالطه. وإما ممازج؛ كملح سقط في الماء, فإنه يمازجه ويذوب فيه. وإما مخالط غير ممازج؛ كورق كافور, أو جذع شجرة, أو دهن, ونحوه, فهذا القسم الثالث لا يطلق عليه مجاور؛ لأنه دخل فيه, ولا يطلق عليه ممازج؛ لأنه لم يمازجه, وإنما يطلق عليه مخالط غير ممازج.
وإنما قالوا بكراهته خروجًا من الخلاف؛ حيث قال بعض العلماء بعدم طهورية الماء المتغير بغير ممازج, وقال بعضهم بطهوريته؛ فقال مَنْ قال بكراهته خروجًا من هذا الخلاف.
[5])) واستدلوا على ذلك بأن الشريعة تحرم الغصب والأخذ بغير حق, فلما نهى الشرع عن ذلك لم يجز التطهر به, وإن تطهر به فطهوره باطل؛ لأن النهي يقتضي الفساد.
وإنما قالوا: (لا يرفع الحدث ويزيل الخبث)؛ لأن رفع الحدث يحتاج إلى نية, بمعنى أن الإنسان إذا كان جنبًا, فاغتسل وهو لا ينوي رفع الجنابة, فإنه لا ترفع عنه الجنابة, وأما إن تعرض لنجاسة, ثم جاء ما رفعها بغير نية, أو حتى بغير علمه, فإنه لا يؤمر بتطهير المكان - الذي كان متنجسًا - مرة أخرى بنية.
والقول بأن الماء المغصوب لا يرفع الحدث, هو من مفردات مذهب أحمد.
قال المرداوي رحمه الله في ((الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)) (1/ 28, 29): ((وأما الوضوء بالماء المغصوب: فالصحيح من المذهب أن الطهارة لا تصح به, وهو من مفردات المذهب, وعنه: تصح وتكره، واختاره ابن عَبْدُوس في تذكرته, وهذه المسألة ليست مما نحن فيه، لأن الطهارة به صحيحة، من حيث الجملة، وإنما عَرَضَ له مانع، وهو الغصب)).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (5/ 57): ((ولو توضأ بماء مغصوب فلا يصح الوضوء على المشهور من المذهب؛ لأن الماء المغصوب يحرم استعماله.
والقول الثاني - وهو الراجح - أنه يصح أن يتوضأ بماء مغصوب مع الإثم، وعليه ضمانه لصاحبه)).
[6])) أي: ومن الماء الطهور المحرم الذي لا يرفع الحدث ولكنه يزيل الخبث: آبار ثمود, ويستثنى منها بئر الناقة؛ فإنه ليس محرمًا ويُرفع به الحدث.
ودليل ذلك ما عند البخاري (3379), ومسلم (2981), عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ – الحِجْرَ - فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ.
قال البهوتي رحمه الله في ((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 30): ((فظاهر القول بتحريم ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود: أنه لا تصح الطهارة به؛ لتحريم استعماله؛ كماء مغصوب, أو ماء ثمنه المعين حرام, فلا يصح الوضوء بذلك ولا الغسل به؛ لحديث «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»)).
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الثَّانِي: طَاهِرٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ, وَلَا يُزِيلُ الْخَبَثَ؛ وَهُوَ: الْمُتَغَيِّرُ بِمُمَازِجٍ طَاهِرٍ([1]).
وَمِنْهُ يَسِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي رَفْعِ حَدَثٍ([2]).
[1])) قول المؤلف هنا ((المتغير بممازج طاهر)) خرج به المتغير بمجاور, وخرج به المتغير بمخالط غير ممازج؛ فإنهما يظلان على طهوريتهما.
وظاهر كلامه شمول كل تغير؛ سواء كان قليلًا أو كثيرًا.
(قلت): والصواب أنه إن كان التغير قليلًا ولم يخرجه عن اسم الماء صح التطهر به, على الراجح في المذهب, وغير المذهب.
قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 11): ((لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43], وهذا عام في كل ماء؛ لأنه نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعم، فلا يجوز التيمم مع وجوده، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: «التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ».
وهذا واجد للماء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون، وغالب أسقيتهم الأُدْمُ، والغالب أنها تغير الماء، فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه؛ ولأنه طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء، ولا رقته، ولا جريانه، فأشبه المتغير بالدهن)).
وقال رحمه الله في ((الكافي)) (1/ 20, 21): ((وإن خالط الماءَ طاهرٌ لم يغيره، لم يمنع الطهارة به؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغتسل هو وزوجته من قصعة فيها أثر العجين. رواه النسائي وابن ماجه والأثرم, ولأن الماء باقٍ على إطلاقه)).
وإن كان التغير كثيرًا, فأخرجه عن اسم الماء, بحيث أصبح يضاف إلى ما غَيَّرَهُ؛ فيقال: ماء ورد, أو ماء صابون, أو يقال: شاي, أو حلبة, لم يصح التطهر به إجماعًا.
قال ابن المنذر رحمه الله في ((الإجماع)) (34): وأجمعوا على أن الوضوء لا يجوز: بماء الورد، وماء الشجر، وماء العُصْفُر، ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق، يقع عليه اسم الماء.
وقال ابن قدامة رحمه الله في ((الكافي)) (1/ 22): ((إن غَيَّرَ الطاهرُ صفةَ الماء لَمْ يخل من أوجه أربعة:
أحدها: ما يوافق الماء في الطهورية؛ كالتراب، وما أصله الماء؛ كالملح المنعقد من الماء، فلا يمنع الطهارة به؛ لأنه يوافق الماء في صفته، أشبه الثلج.
والثاني: ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود، فلا يمنع؛ لأنه تغير عن مجاورة، فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه.
الثالث: ما لا يمكن التحرز منه، كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء، وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار – الزفت - وغيرهما، وورق الشجر على السواقي والبرك، وما تلقيه الرياح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما، فلا يمنع؛ لأنه لا يمكن صون الماء عنه.
الرابع: ما سوى هذه الأنواع؛ كالزعفران والأُشْنان والملح المعدني، وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير، وما عُفِيَ عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدًا، فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغًا، أو حبرًا، أو طُبِخَ فيه، سلبه الطهورية)).
[2])) الماء عند الفقهاء ينقسم إلى قسمين: الأول: ماء كثير؛ وهو ما بلغ قلتين فأكثر – والقلتان بالتقدير الحالي 160 لترًا تقريبًا -. والثاني: ماء قليل؛ وهو ما دون القلتين.
ودل على هذا التقسيم حديثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما, عند أحمد وأصحاب السنن، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ».
وقول المصنف رحمه الله (ويسير)؛ خرج به الكثير؛ فيجوز التطهر به ولو استُعمل في رفع حدث, بخلاف القليل, فلو استعمل في رفع حدث أكبر؛ كغسل من جنابة, أو حدث أصغر؛ كوضوء, وغسل واجب كغسل يوم الجمعة, فإنه لا يجوز التطهر به؛ واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ», قالوا: والنهي يقتدي بأن الاغتسال يؤثر فيه.
(قلت): والصواب - وهو رواية أخرى عن أحمد -: أنه طاهر مطهر؛ دل على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلَ، فَقَالَتْ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ».
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الثَّالِثُ: نَجِسٌ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا؛ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ فِي غَيْرِ
مَحَلِّ تَطْهِيرِ([1]), أَوْ لَاقَاهَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ يَسِيرٌ([2]).
وَالْجَارِي كَالرَّاكِدِ([3]), وَالْكَثِيرُ قُلَّتَانِ؛ وَهُمَا: مِئَةُ رَطْلٍ وَسَبْعَةُ أَرْطَالٍ وَسُبْعُ رَطْلٍ بِالدِّمِشْقِيّ ِ, وَالْيَسِيرُ مَا دُونَهُمَا.
[1])) المقصود بمحل التطهير: هو المحل المتنجس من ثوب أوبدن ونحوه؛ فإن الماء لا يتنجس ما دام في المحل المراد تطهيره؛ وإنما يتنجس بعد مفارقته؛ قالوا: لأنا لو قلنا بأنه تنجس عند ملامسة النجاسة وقبل المفارقة, لن يتطهر محل أبدًا؛ لأن النجاسة لا يُتطهر بها.
[2])) المقصود بقوله (أو لاقاها في غيره)؛ أي: لاقى الماء في غير محل التطهير, وإن لم يتغير, وكان يسيرًا, فإنه يتنجس, وهذا هو المشهور في المذهب, وقوله: (وهو يسير)؛ خرج به الماء الكثير؛ فإنه لا يتنجس بمجرد الملاقاة, وإنما يتنجس بالتغير.
واستدلوا على التفريق بين القليل والكثير بحديث القلتين, قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 21): ((وتحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما ينجس؛ إذ لو استوى حكم القلتين وما دونهما لم يكن التحديد مفيدًا)).
واستدلوا على أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة, وإن لم يتغير, بحديث ولوغ الكلب, قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 21): ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وإراقة سؤره، ولَمْ يفرق بين ما تغير وما لَمْ يتغير، مع أن الظاهر عدم التغير)).
وفي رواية أخرى عن أحمد أن الماء القليل والكثير لا يتنجس إلا بالتغير, واستدلوا على ذلك بحديث بئر بضاعة, عند أبي داود والترمذي, وغيرهما, وقال الترمذي: حسن, وصححه الألباني, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الحِيَضُ، وَلُحُومُ, الكِلَابِ، وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
قالوا: ولم يفرق بين القليل والكثير؛ ولأنه لم يظهر عليه إحدى صفات النجاسة، فلم ينجس بها كالزائد عن القلتين.
[3])) أي: في القِلَّةِ والكثرة.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
وقد جاء استفسار من أخينا عبد الله طالب علم, يقول:
. هل هناك فرق بين "ارتفاع الحدث" و "رفع الحدث"؟
فالبعض قال أن قولة "رفع الحدث" أولى لاشتمالها على نية الفعل بينما "ارتفاع" فهي عامة ككلمة "زوال" لا تطلب نية
والجواب:
نعم قد يقال إن قول: (رفع الحدث) أَوْلَى من هذه الحيثية, ولكن إذا قيل: (ارتفاع الحدث) ليس خطأ؛ لأن المقصود أن يرتفع بنية
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أخي الحبيب محمد،
أولاً، جزاك الله عني كل خير، و رزقك الفردوس الأعلى.
ثانياُ، عندي بعض الأسئلة و أرجو أن يتسع صدرك لإيضاحها لي، بارك الله فيك:
١.هل هناك فرق بين "ارتفاع الحدث" و "رفع الحدث"؟
فالبعض قال أن قولة "رفع الحدث" أولى لاشتمالها على نية الفعل بينما "ارتفاع" فهي عامة ككلمة "زوال" لا تتطلب نية
٢.في تحريم التطهر بالمغصوب، أليس الماء باق على خلقته، و لم يتغير من صفاته شيئا، فكيف يحرم التطهر به إذا كان مغصوباً و في نفس الوقت يصح استعماله في إزالة الحدث؟
٣.هناك بعض العبارات لم أفهم ما تفسيرها كـ "المشهور في المذهب"، "مفردات مذهب أحمد"، "رواية عند أحمد"، "على الراجح في المذهب"...أرجو تفسيرها، بارك الله فيكم
٤.في الحاشية رقم ١٤، قلتم "وإنما قالوا بكراهته خروجًا من الخلاف"
ما المقصود بها؟ و هل يجوز الحكم على شيء ما أو فعل ما بالكراهة أو التحريم لمجرد الخروج من الخلاف؟
٥.في الحاشية رقم ١٧، قلتم "والصواب أنه إن كان التغير قليلًا ولم يخرجه عن اسم الماء صح التطهر به"
ما هو ضابط "قليلاً" هنا؟ ، فالقليل نسبي، يختلف من شخص لآخر.
مثاله "الماء الكثير"، هو لفظ نسبي لم يضبطه لنا سوى قول الرسول صلى الله عليه و سلم "إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ"
٦.في الحاشية رقم ١٧، قلتم "واستدلوا على أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة, وإن لم يتغير"
هل -بناءاً على هذا القول- نقول أن غسل الملابس في الغسالات الحديثة الموفرة للماء لا يُطَهِر الملابس النجسة مثلاً، خاصةً أننا نعلم بأنه في كل الأحوال لن يصل مقدار الماء المستهلَك لمقدار القلتان؟
جزاك الله الجنة
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
وقد جاء استفسار من أخينا عبد الله طالب علم, يقول:
. هل هناك فرق بين "ارتفاع الحدث" و "رفع الحدث"؟
فالبعض قال أن قولة "رفع الحدث" أولى لاشتمالها على نية الفعل بينما "ارتفاع" فهي عامة ككلمة "زوال" لا تطلب نية
والجواب:
نعم قد يقال إن قول: (رفع الحدث) أَوْلَى من هذه الحيثية, ولكن إذا قيل: (ارتفاع الحدث) ليس خطأ؛ لأن المقصود أن يرتفع بنية
أخي الحبيب محمد،
ما أُشْكِل علي هو أن الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" فرق بين "زوال الخبث" و "إزالة الخبث" و قال "لم يقل : وإزالة الخبث ، فزوال الخبث طهارة ، سواء زال بنفسه ، أو زال بمزيل آخر ، فيسمى ذلك طهارة"
و لكنه حين ذكر الحدث قال "ارتفاع" و لم يقل "رفع"، و على ذلك فإني إذا كنت جنباً مثلاً و نزلت نهراً دون نية الغسل، و لكن الماء عمّ البدن كله..فهل يُعْتَبَر غُسلاً صحيحاً؟
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
و على ذلك فإني إذا كنت جنباً مثلاً و نزلت نهراً دون نية الغسل، و لكن الماء عمّ البدن كله..فهل يُعْتَبَر غُسلاً صحيحاً؟
لا, لو لم ينو الغسل من الجنابة, فلا يرتفع الحدث؛ لأنه يحتاج إلى نية, ولكن مقصود الشيخ هو: ارتفاع الحدث بنية, وهذا مما يتساهل فيه
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
٢.في تحريم التطهر بالمغصوب، أليس الماء باق على خلقته، و لم يتغير من صفاته شيئا، فكيف يحرم التطهر به إذا كان مغصوباً و في نفس الوقت يصح استعماله في إزالة الحدث؟
ذهب الحنابلة - ومنهم صاحب المتن هنا - إلى أن الماء المغصوب لا تصح الطهارة به؛ لأنه ماء منهي عنه شرعًا, فلا يستعمل في عبادة؛ لأنه ليس مأذونًا فيه, وأما إزالة الخبث فليس عبادة؛ بمعنى أنه لا يحتاج إلى نية, فلو أزيلت النجاسة وحدها, أو أزالها أحد ليس بنية الصلاة, ثم صلى صحت صلاته, وعليه فإن الماء المغصوب يزيل الخبث, ولا يرفع الحدث.
ولكن الصحيح - والله أعلم - أن الماء المغصوب - وإن كان فاعل ذلك آثمًا - إلا أنه يرفع الحدث, لأن النهي هنا عن أمر غير مقارن.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
٣.هناك بعض العبارات لم أفهم ما تفسيرها كـ "المشهور في المذهب"، "مفردات مذهب أحمد"، "رواية عند أحمد"، "على الراجح في المذهب"...أرجو تفسيرها، بارك الله فيكم
(المشهور في المذهب) أي: الذي عليه أغلب علماء الحنابلة, فقد يكون في المذهب أكثر من قول, ولكن هناك قول عليه أغلب علماء المذهب, فهو المشهور.
(مفردات مذهب أحمد) أي: تفرد به أحمد رحمه الله, أو تفرد به الحنابلة عن بقية المذاهب, فلم يذهب إلى هذا القول إلا الحنابلة, فتفردوا به عن غيرهم.
(رواية عند أحمد) أي: لأحمد نفسه في المسألة قولان, وأما (الوجه) و (القول) فهو للأصحاب.
(على الراجح في المذهب) تقال هذه الكلمة لتبيين الراجح في المسألة المختلف فيها بين أصحاب المذهب, من حيث الأدلة؛ أي أن هذا القول هو الراجح من حيث الدليل.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
4.في الحاشية رقم 14، قلتم "وإنما قالوا بكراهته خروجًا من الخلاف"
ما المقصود بها؟ و هل يجوز الحكم على شيء ما أو فعل ما بالكراهة أو التحريم لمجرد الخروج من الخلاف؟
بعض الفقهاء قد يقول بكراهة الشيخ المختلف في حِلِّه وتحريمه, ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأننا لو قلنا بذلك للزم أن نقول في جميع المسائل المختلف في حِلِّها وتحريمها - وهي كثيرة -, لزمنا أن نقول فيها بالكراهة, وهذا لا يقول به أحد
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الدرس الثاني
فَصْلٌ
كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُه ُ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً, أَوْ مُضَبَّبًا بِأَحَدِهِمَا([1]), لَكِنْ تُبَاحُ ضَبَّةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ([2]), وَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كُفَّارٍ وَثِيَابِهِمْ طَاهِرَةٌ([3]), وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ مَيْتَةٍ بِدِبَاغٍ([4]), وَكُلُّ أَجْزَائِهَا نَجِسَةٌ إِلَّا شَعْرًا وَنَحْوَهُ([5]), وَالْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَتِهِ([6]).
[1])) لأن الأصل في الأشياء الإباحة؛ فكل الآنية طاهرة, فيجوز اتخاذها – أي: اقتناءَها, ولو لم تُستَعمل - كما يجوز استعمالها؛ إلا ما استثني من هذا الأصل, والمستثنى ثلاثة: 1- الإناء النجسة. 2- آنية الذهب. 3- آنية الفضة؛ فأما دليل الإناء النجسة؛ فلأن النجاسة محرمة مطلقًا, وأما دليل الذهب والفضة؛ ففي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما, قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ».
وفي الصحيحين أيضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». فهذه أدلة على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة, وأما تحريم المضبب بهما: فقد قال برهان الدين ابن مفلح: في ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 46): ((لأن علة تحريم النقدين هي الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وهي موجودة في المضبب بهما)).
ونفس هذه العلة – وهي كسر قلوب الفقراء – هي التي منع بسببها العلماء الاستعمال عمومًا؛ قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 56): ((والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وهو موجود في الطهارة منها واستعمالها كيفما كان، بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى)).
وأما تحريم الاتخاذ عمومًا, وإن لم تُستعمل: فقد قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 57): ويَحْرُمُ اتخاذُ آنية الذهب والفضة. وحُكِيَ عن الشافعي أن ذلك لا يحرم؛ لأن الخبر إنما ورد بتحريم الاستعمال، فلا يحرم الاتخاذ، كما لو اقتنى الرجل ثياب الحرير في بيته؛ ولنا، أن ما حَرُمَ استعماله مطلقا, حَرُمَ اقتناؤه، كأدوات الملاهي، وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقا، فإنها تباح للنساء، فيباح اقتناؤها, والتجارة فيها. انتهى كلام ابن قدامة بمعناه.
[2])) ذكر المؤلف هنا إباحة الضبة, ولكن قيدها بقيود أربعة: القيد الأول: أن تكون ضبة, وهي اللحام, القيد الثاني: أن تكون يسيرة. القيد الثالث: أن تكون من فضة, أو ما عداها مما هو مباح, ولكن لا تكون من ذهب. القيد الرابع: أن تكون لحاجة.
فهذه قيود أربعة؛ ودليلها: ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ».
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 79- 81): ((فإن قيل: من أين أخذتم اشتراط كونها يسيرة؟
قلنا: إن هذا هو الغالب في القدح، يعني كونه صغيرًا، والغالب أنَّه إِذا انكسر، فإِنه لا يحتاج إلى شيء كثير، والأصل التَّحريم، فنقتصر على ما هو الغالب.
فإن قيل: أنتم قلتم ضبَّة، وهي ما يُجْبَرُ بها الإِناء، فلو جعل الإنسان على خرطوم الإِبريق فِضَّة؛ فَلِمَ لا يجوز؟
أُجِيبَ: بأن هذا ليس لحاجة، وليس ضَبَّة، بل زيادة وإِلحاق.
فإن قيل: لماذا اشترطتم كونها من فضَّة: لِمَ لا تقيسون الذَّهب على الفِضَّة؟
نقول: إِن النصَّ لم يرد إِلا في الفِضَّة، ثم إِن الذَّهب أغلى وأشدُّ تحريمًا، ولهذا في باب اللِّباس حُرِّم على الرَّجُل خاتمُ الذَّهب، وأُبيح له خاتمُ الفِضَّة، فدلَّ على أن الفِضَّة أهون.
وأيضًا: لو كان الذَّهب جائزًا لجَبَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم به الكسر؛ لأن الذَّهب أبعد عن الصدأ بخلاف الفِضَّة.
ومأخذ اشتراط الحاجة في الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يتَّخذْها إِلا لحاجة، وهو الكسر.
وقوله: «لحاجة»، قال أهل العلم: الحاجة أن يتعلَّق بها غرضٌ غير الزِّينة، بمعنى أن لا يتَّخذها زينة.
قال شيخ الإِسلام: وليس المعنى: ألا يجدَ ما يجبر به الكسرَ سواها؛ لأن هذه ليست حاجة، بل ضرورة، والضَّرورة تُبيحُ الذَّهبَ والفضة مفردًا وتبعًا، فلو اضطر إِلى أن يشرب في آنية الذَّهب فله ذلك، لأنَّها ضرورة)).
[3])) الأصل في آنية الكفار الطهارة, كآنية المسلمين تمامًا, وهو قول الجمهور من أهل العلم, وهو الصواب؛ إلا أن يُتيقن حلول نجاسة فيها, فيُحكَم بنجاستها, مثلها كمثل آنية المسلمين تمامًا؛ والدليل على أن الأصل في آنية الكفار الطهارة: ما جاء في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما, الطويل, وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب, واستسقى, وأمر صحابيًا أن يغتسل من الجنابة من مزادة امرأة مشركة.
وما رواه أحمد, وغيره, بسند صحيح عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، فَأَجَابَهُ.
وروى أحمد وأبو داود, وصححه الألباني, عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْقِيَتِهِم ْ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا، فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا.
وما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من شاة مسمومة أهدتها له امرأة يهودية بخيبر.
وأما ما جاء في الصحيحين, عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه, قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: «إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا».
فقد بينت الرواية الأخرى عند أحمد وأبي داود, وصححها الألباني, أن ذلك لتلوثها بالخمر ولحم الخنزير, ولفظها: إنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْم الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِآنِيَتِهِمْ وَقُدُورِهِمْ؟ قَالَ: «إنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا».
والقول في ثياب الكفار كالقول في الآنية تمامًا؛ لأن الأصل الإباحة حتى يأتي دليل, ولا دليل هاهنا.
[4])) وهو المشهور في المذهب أن جلد جميع الميتات نجس, ولو دُبِغَ؛ واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد وأصحاب السنن, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، - رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَه: إِهَابٌ، إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً".
وقالوا بأن هذا الحديث ناسخ للأحاديث المبيحة لجلد الميتات.
ولكن الراجح طهارة جميع جلود الميتات بالدباغ, ودليل ذلك؛ ما ورد في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟» فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا».
وَفِي صحيح مسلم عَنْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ», وفي لفظ عند أحمد وغيره: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ».
وأما حديث عبد الله بن عُكيم فقد أعله جمع من أهل العلم بعلل مختلفة, ولا يعارض ما ثبت في الصحيحن وغيرهما, ثم إنه يمكن الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث بأن يُنَزَّل النهي على الانتفاع بها قبل الدباغ, والإباحة على الانتفاع بها بعد الدباغ؛ لأن الإهاب – وهو اللفظ المذكور في حديث عبد الله بن عُكيم – هو الجلد قبل الدباغ, كما ذكر أهل اللغة.
[5])) أجزاء الميتة نجسة إلا شعرًا ونحوه كَرِيشٍ وعظم وظفر وصوف ووبر, ودليل ذلك أن الشعر والصوف والوبر يؤخذ من الحيوان وهو حي ولا يُحكم بنجاسته, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – كما عند أحمد والترمذي وغيرهما - : «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ». إذًا الشعر والصوف والوبر مستثنى من الحديث, وقيس عليه: العظم والظفر والريش؛ لأنه في معناه؛ إذ لا حياة فيه.
[6])) المنفصل من شيء حي, يأخذ حكم هذا الشيء حال موته: فالمنفصل من شيء طاهر لا ينجس بالموت؛ كالإنسان والسمك والجراد, فهو طاهر, والمنفصل من شيء ينجس بالموت, كبقية الحيوانات والسباع, فهو نجس, ودليل ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم, وصححه الألباني, عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ، فَقَالَ: «مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ». فدل الحديثُ على أن المنفصل من الحي ميت, يأخذ حكم ميتته.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بار الله فيك أخي محمد طه.. على هذا الجهد والتبسيط وإن كنت أميل إلى المذهب المالكي من غير تعصب بل محبة للتفقه مراعاة لمنطقتنا ,فقط إظافة لما أشكل على أخينا عبدالله طالب علم قوله:في تحريم التطهر بالمغصوب، أليس الماء باق على خلقته، و لم يتغير من صفاته شيئا، فكيف يحرم التطهر به إذا كان مغصوباً و في نفس الوقت يصح استعماله في إزالة الحدث؟
وإن كنت قد أجبته فإن الفقهاء يعبرون عن إزالة النجاسة أو الخبث أنها من باب التروك فلا تحتاج إلى نية , وأما المغصوب فالخلاف فيه معروف فلاأتطرق إليه ,أرجوألا يكون تطفلا على شرحك, لأن هناك بعض الإعتراضات فلاأدخل فيهامراعاة لحال الإخوة المبتدأة وأنامنهم خشية التشويش عليهم
لأن الطرح مبسط وجيد للإخوة فأعانك الله على هذا الخير واثبت وواصل إلى آخر باب مأجور
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمد المالكي
بار الله فيك أخي محمد طه.. على هذا الجهد والتبسيط وإن كنت أميل إلى المذهب المالكي من غير تعصب بل محبة للتفقه مراعاة لمنطقتنا ,فقط إظافة لما أشكل على أخينا عبدالله طالب علم قوله:في تحريم التطهر بالمغصوب، أليس الماء باق على خلقته، و لم يتغير من صفاته شيئا، فكيف يحرم التطهر به إذا كان مغصوباً و في نفس الوقت يصح استعماله في إزالة الحدث؟
وإن كنت قد أجبته فإن الفقهاء يعبرون عن إزالة النجاسة أو الخبث أنها من باب التروك فلا تحتاج إلى نية , وأما المغصوب فالخلاف فيه معروف فلاأتطرق إليه ,أرجوألا يكون تطفلا على شرحك, لأن هناك بعض الإعتراضات فلاأدخل فيهامراعاة لحال الإخوة المبتدأة وأنامنهم خشية التشويش عليهم
لأن الطرح مبسط وجيد للإخوة فأعانك الله على هذا الخير واثبت وواصل إلى آخر باب مأجور
بارك الله فيك أخانا أبا أحمد المالكي, هذا الموضوع ليس حكرًا عليَّ, بل من استطاع أن يوضح أمرًا (ما) لإخوانه, فليفعل, فإنما هي مدارسة بيننا.
وجزاكم الله خيرًا
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
فقد قال برهان الدين ابن مفلح: في ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 46): ((لأن علة تحريم النقدين هي الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وهي موجودة في المضبب بهما)).
ونفس هذه العلة – وهي كسر قلوب الفقراء – هي التي منع بسببها العلماء الاستعمال عمومًا؛ قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 56): ((والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وهو موجود في الطهارة منها واستعمالها كيفما كان، بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى)).
أخي الحبيب، جزاك الله عنا كل خير.
١. ما دليل هذه العلة؟
٢. إذا كانت علة تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة هي الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، لحرم لبسهما على النساء لأن مقدار ما يلبسنه منهما أضعاف ما يمكن أن تصنع منه ملعقة أكل أو كأس شراب.
هل يصح هذا الرأي؟
٣. ما حكم استعمال الأواني المصنوعة من الجواهر النفيسة ؛ وهي أغلى ثمنا ، و أقرب إلى الإسراف من أواني الذهب أو الفضة؟
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
أخي الحبيب، جزاك الله عنا كل خير.
١. ما دليل هذه العلة؟
٢. إذا كانت علة تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة هي الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، لحرم لبسهما على النساء لأن مقدار ما يلبسنه منهما أضعاف ما يمكن أن تصنع منه ملعقة أكل أو كأس شراب.
هل يصح هذا الرأي؟
٣. ما حكم استعمال الأواني المصنوعة من الجواهر النفيسة ؛ وهي أغلى ثمنا ، و أقرب إلى الإسراف من أواني الذهب أو الفضة؟
هذه العلة - وهي كسر قلوب الفقراء - علة مستنبطة استنبطها جمهور العلماء من جميع المذاهب, ومن العلل أيضًا السرف والخيلاء, وتضييق النقدين, وهناك علة منصوص عليها, وهي التشبه بالكفار, فكل هذه العلل مجتمعة أدت للتحريم وليست العلة المذكورة فقط.
ولذلك لا يقاس عليهما غيرهما من المعادن, ولو كانت أغلى ثمنًا؛ لأنه - وإن توفرت فيها بعض هذه العلل - إلا أنها لا تتوفر فيها كلها.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
فائدة أخرى:
قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (9/ 174):
وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى التزين للأزواج، فتختص الإباحة به دون غيره. فإن قيل: لو كانت العلة ما ذكرتم، لحرمت آنية الياقوت ونحوه مما هو أرفع من الأثمان. قلنا: تلك لا يعرفها الفقراء، فلا تنكسر قلوبهم باتخاذ الأغنياء لها، لعدم معرفتهم بها؛ ولأن قلتها في نفسها تمنع اتخاذها، فيستغنى بذلك عن تحريمها، بخلاف الأثمان.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
ثم هذا كلام قوي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله, يخالف فيه المذهب:
قال رحمه الله ((الشرح الممتع)) (1/ 75- 77):
والصحيح: أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان
المحرم غيرهما لكان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أبلغ الناس، وأبينهم في الكلام ـ لا يخص شيئا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما
عداهما جائز؛ لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك.
ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة.
ويدل لذلك أن أم سلمة ـ وهي راوية الحديث ـ كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الناس يستشفون بها،
فيشفون بإذن الله، وهذا في «صحيح البخاري»، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب.
فإن قال قائل: خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب لأنه الأغلب استعمالا؛ وما علق به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم} [النساء: 23]، فتقييد تحريم الربيبة بكونها في الحجر لا يمنع التحريم، بل تحرم، وإن لم تكن في حجره على قول أكثر
أهل العلم؟
قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق الحكم بالأكل والشرب؛ لأن مظهر الأمة بالترف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير
ذلك، وهذه علة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب، لأنه لا شك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
كذلك لا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة خاصة وأن النبي (ص) أوتي جوامع الكلم فمن السهل بمكان تخصيص أوالتعميم إذا اقتضى ذلك وبالله تعالى التوفيق موفق أخي واصل
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
السلام عليكم جزاكم الله خير على هذه المدارسة ........ وأقترح للشيخ الفاضل طه شعبان أن يجعل هذه المدارسة في البالتوك اوالانسبك أو غيرها ...وأحسب أن النفع سيكون أكثر وخصوصا أن الفقه مادة حساسة ومهمة ...... والله من وراء القصد... أخوكم أبومحمد وشكرا
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمد المالكي
كذلك لا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة
أخي الكريم أبا أحمد، زادك الله علماً
ما المقصود بـ"لا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة"؟
قمت بالبحث في جوجل فوجدت آراء كثيرة متشعبة و في النهاية لم أفهم شيئاً (ابتسامة)، فرجاءاً التوضيح.
جزاكم الله خيرا
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
أخي الكريم أبا أحمد، زادك الله علماً
ما المقصود بـ"لا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة"؟
قمت بالبحث في جوجل فوجدت آراء كثيرة متشعبة و في النهاية لم أفهم شيئاً (ابتسامة)، فرجاءاً التوضيح.
جزاكم الله خيرا
يقصد أخونا - بارك الله فيه - أنه لو كان الاستعمال ممنوعًا لَمَا تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيان
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابومحمدبشير
السلام عليكم جزاكم الله خير على هذه المدارسة ........ وأقترح للشيخ الفاضل طه شعبان أن يجعل هذه المدارسة في البالتوك اوالانسبك أو غيرها ...وأحسب أن النفع سيكون أكثر وخصوصا أن الفقه مادة حساسة ومهمة ...... والله من وراء القصد... أخوكم أبومحمد وشكرا
بارك الله فيكم أخانا أبا محمد, ولكني للأسف لا أعرف البالتوك أو الانسبك
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بارك الله فيك أخي محمد على التوضيح لأخينا الفاضل عبدالله ,هذه قاعدة كثير مايرددهاالفقهاء وتعرض لهاعلماء الأصول بشرحها بين مسهب ومقل , وللتوضيح أكثر قاعدة لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ,لأن البيان عند الحاجة تكليف بما يطاق وهوفي وسع المكلف عند الأداء,وإذا تخلف البيان الذي هوخطاب المتعلق بفعل لمكلف صار متعذراعندالحاجة الذي هو وقت الأداء
ويقابل هذه المسألة مسألة أخرى وهي تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة وهو جائز
لاأطيل على أخي كي يسهل عليه التمعن والتأمل أكثر راجع العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى بن الفراءرحمه الله ص724ج3
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الدرس الثالث
فَصْلٌ
الِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ، إِلَّا الرِّيحَ، وَالطَّاهِرَ، وَغَيْرَ الْمُلَوِّثِ([1]).
وَسُنَّ عِنْدَ دُخُولِ خَلَاءٍ قَوْلُ: ((بِسْمِ اللهِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)) ([2]), وَبَعْدَ خُرُوجٍ مِنْهُ: ((غُفْرَانَكَ([3]), الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي))([4]), وَتَغْطِيَةُ رَأْسٍ, وَانْتِعَالٌ([5]), وَتَقْدِيمُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى دُخُولًا, وَاعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا جَالِسًا([6]), وَالْيُمْنَى خُرُوجًا([7])؛ عَكْسُ مَسْجِدٍ, وَنَعْلٍ وَنَحْوِهِمَا, وَبُعْدٌ فِي فَضَاءٍ([8]), وَطَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ لِبَوْلٍ([9]), وَمَسْحُ الذَّكَرِ بِالْيَدِ الْيُسْرَى - إِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ([10]) - مِنْ أَصْلِهِ إِلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا([11]), وَنَتْرُهُ ثَلَاثًا([12]).
وَكُرِهَ دُخُولُ خَلَاءٍ بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى([13]), وَكَلَامٌ فِيهِ بِلَا حَاجَةٍ([14]), وَرَفْعُ ثَوْبٍ قَبْلَ دُنُوٍّ مِنَ الْأَرْضِ([15]), وَبَوْلٌ فِي شِقٍّ وَنَحْوِهِ([16]), وَمَسُّ فَرْجٍبِيَمِينٍ بِلَا حَاجَةٍ([17]), وَاسْتِقْبَالُ النَّيِّرَيْنِ([18]).
وَحَرُمَ اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ, وَاسْتِدْبَارُه َا فِي غَيْرِ بُنْيَانٍ([19]), وَلُبْثٌ فَوْقَ الْحَاجَةِ([20]), وَبَوْلٌ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَنَحْوِهِ, وَتَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ ثَمَرًا
مَقْصُودًا([21]).
وَسُنَّ اسْتِجْمَارٌ ثُمَّ اسْتِنْجَاءٌ بِمَاءٍ([22]), وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا, لَكِنِ الْمَاءُ أَفْضَلُ حِينَئِذٍ([23]).
وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ إِلَّا بِطَاهِرٍ([24]) مُبَاحٍ يَابِسٍ مُنْقٍ.
وَحَرُمَ بِرَوْثٍ, وَعَظْمٍ([25]), وَطَعَامٍ([26]), وَذِي حُرْمَةٍ, وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ([27]).
وَشُرِطَ لَهُ عَدَمُ تَعَدِّي خَارِجٍ مَوْضِعَ الْعَادَةِ([28]), وَثَلَاثُ مَسْحَاتٍ مُنْقِيَةٍ فَأَكْثَرُ([29]).
[1])) الاستنجاء: من النجو؛ وهو القطع, من نجوت الشجرة وأنجيتها، إذا قطعتها, كأنه قطع الأذى عن نفسه, والاستنجاء في الشرع, هو: إزالة ما يخرج من السبيلين، بالماء أو بالحجارة ونحوها.
والاستنجاء واجب؛ لأنه إزالة للنجاسة, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به, فعند أبي داود والنسائي وغيرهما, وصححه الألباني, عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ، فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا؛ فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ», فهذا أمر, والأمر يقتضي الوجوب, كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاقتصار على ثلاثة أحجار, والنهي يقتضي التحريم.
وأما الريح فلا يجب الاستنجاء منه, وكذلك الطاهر؛ كالمني والدود, وكذلك غير الملوث؛ كالحصى ونحوه من الجامدات؛ لأن الاستنجاء إنما شُرِعَ لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.
[2])) ودليل ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما, وصححه الألباني, من حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الخَلاَءَ، أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ ».
وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الصحيحين، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ».
[3])) ودليل ذلك ما رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه الألباني, عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها, قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «غُفْرَانَكَ».
[4])) واستدلوا على ذلك بما رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي». وهو حديث ضعيف لا يصح.
[5])) واستدلوا على ذلك بما رواه البيهقي في ((الكبير)) عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ، مرسلًا, قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ، وَغَطَّى رَأْسَهُ. وهو حديث مرسل, لا يصح.
وبما رواه البيهقي – أيضًا - في ((الكبير)) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ، وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ. وهو حديث منكر لا يصح.
[6])) واستدلوا على ذلك بما رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه, قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى، وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى. وهو حديث معلول ضعيف لا يصح.
[7])) قال برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 58): ((ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج على العكس من المسجد ونحوه؛ لأن اليسرى للأذى، واليمنى لما سواه؛ لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة، وأحق بالتحرز عن الأذى ومحله، ولهذا قُدِّمَتْ في الانتعال دون النزع، صيانة لها، وقد يُفْهَمُ من لفظ الدخول والخروج اختصاص ذلك بالبنيان، وليس كذلك، بل يقدم يسراه إلى موضع جلوسه في الصحراء ويمناه عند منصرفه)).
[8])) ودليل ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه الألباني, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ.
ولفظ ابن ماجه: لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى.
وما رواه الخمسة وصححه الألباني, عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنهما, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ.
[9])) لِئَلَّا يرتد عليه رشاش البول, وورد في هذا حديث رواه أحمد وأبو داود, عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه, قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا». هو حديث ضعيف لا يصح, ولكن المعنى صحيح؛ لأن الإنسان لا بد وأن يتحرز من النجاسة.
[10])) دليل ذلك ما في ((الصحيحين)), عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ».
وفي ((صحيح مسلم)), عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ «لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ».
[11])) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 111): ((أي: يُستحب أن يمسح إذا فرغ من البول من أصل الذكر - وهو عند حلقة الدبر - إلى رأسه ثلاث مرات؛ لأجل أن يخرج ما تبقى في القناة من البول؛ لأنه ربما يبقى بول، فإذا قام أو تحرك نزل، فمن أجل ذلك يحلبه بمسحه من عند حلقة الدبر إلى رأسه.
وهذا قول ضعيف جدًّا؛ لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولضرره بمجاري البول، فربما تتمزق بهذا المسح)).
[12])) واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد وابن ماجه, عَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ». وهو حديث ضعيف لا يصح.
[13])) واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود وابن ماجه, عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. وخاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان منقوشًا عليه «محمد رسول الله» لكن حديث أنس منكر, أنكره أبو داود وغيره.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 114): ((والحديث معلول، وفيه مقال كثير, ومن صحح الحديث أو حسنه قال بالكراهة, ومن قال: إنه لا يصح؛ قال بعدم الكراهة، لكن الأفضل أن لا يدخل.
وفرق بين قولنا: الأفضل، والقول: إنه مكروه؛ لأنه لا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه.
واستثنى بعض العلماء ((المصحف)) فقال: يحرم أن يدخل به الخلاء سواء كان ظاهرا أم خفيا؛ لأن ((المصحف)) فيه أشرف الكلام، ودخول الخلاء فيه نوع من الإهانة)).
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في ((الملخص الفقهي)) (1/ 30): ((ولا يدخل موضع الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل أو فيه قرآن، فإن خاف على ما معه مما فيه ذكر الله؛ جاز له الدخول به، ويغطيه)).
[14])) ودليل ذلك ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ»
وما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما – وهو ضعيف - عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَخْرُجِ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ».
[15])) ودليل ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما, وصححه الألباني بشواهده, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ.
وما رواه البيهقي في ((الكبير)) بسند صحيح, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ تَنَحَّى، وَلَا يَرْفَعُ ثِيَابَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ.
ولأن ذلك أستر للإنسان.
[16])) واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ. وهو حديث ضعيف.
[17])) ودليل ذلك ما في ((الصحيحين)), عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ».
وفي لفظ للبخاري: «فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ».
[18])) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 123): ((يعني يكره استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة، وليس هناك دليل صحيح، بل تعليل وهو: لما فيهما من نور الله، وهذا النور الذي فيهما ليس نور الله الذي هو صفته، بل هو نور مخلوق, وفي هذا نظر! لأن مقتضاه كراهة استقبال النجوم مثلًا، فإذا قلنا بهذا قلنا: كل شيء فيه نور وإضاءة يكره استقباله! ثم إن هذا التعليل منقوض بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا، أو غربوا».
ومعلوم أن من شرق أو غرب والشمس طالعة فإنه يستقبلها، وكذا لو غرب والشمس عند الغروب, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: إلا أن تكون الشمس أو القمر بين أيديكم فلا تفعلوا.
فالصحيح: عدم الكراهة لعدم الدليل الصحيح، بل ولثبوت الدليل الدال على الجواز.
[19])) ودليل ذلك ما في ((الصحيحين)), عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَ ا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى.
وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا ».
فهذه أدلة على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها أثناء قضاء الحاجة, وأما إباحة ذلك في البنيان, فدليله حديثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما, في ((الصحيحين))، قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ.
وروى أبو داود وابن خزيمة, وحسنه الألباني, عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ.
[20])) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 126): ((وعللوا ذلك بعلتين:
الأولى: أن في ذلك كشفًا للعورة بلا حاجة.
الثانية: أن الحشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة, فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث.
وتحريم اللبث مبني على التعليل، ولا دليل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أحمد في رواية عنه: إنه يكره، ولا يحرم)).
[21])) ودليل ذلك ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ » قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».
وروى أبو داود وابن ماجه, وحسنه الألباني, عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ».
[22])) واستدلوا على ذلك بما روي عائشة رضى الله عنها, قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول, فإنى أستحييهم, وإن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وهو حديث لا أصل, ولم يُرْوَ بهذا اللفظ في كتب السنن.
واستدلوا على ذلك – أيضًا - ما رواه الْبَزَّارُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ} [التوبة: 108], فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: إِنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ. وهو حديث ضعيف لا يصح بهذا اللفظ.
[23])) دليل ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه – وصححه الألباني - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَتْ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ} [التوبة: 108]»، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ».
ولأن الماء أنقى من الحجارة.
[24])) ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه, قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ, وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ».
ولأن النجس يكسب المحل نجاسة, ولا يطهر.
[25])) ودليل ذلك ما رواه مسلم عن جَابِرٍ رضي الله عنه, قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ، أَوْ بِبَعْرٍ.
وما عند مسلم أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ, فَفَقَدْنَاهُ, فَالْتَمَسْنَاه ُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ, فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ, قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ, فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ, قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ, فَقَالَ: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ» قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ».
[26])) ودليل ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُستنجى بالعظم، والروث، لأنهما طعام الجن، ودوابهم. والإنس أفضل، فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أولى.
كما أن فيه محذورًا آخر، وهو الكفر بالنعمة؛ لأن الله تعالى خلقها للأكل؛ ولم يخلقها لأجل أن تمتهن هذا الامتهان. ((الشرح الممتع)).
[27])) لأن للحيوان حرمة؛ مثل: أن يستجمر بذيل بقرة، أو أذن سخلة، وإذا كان علفها ينهى عن الاستجمار به، فكيف بالاستجمار بها نفسها؟! ((الشرح الممتع)).
[28])) أي: وشرط للاستجمار عدم تعدي الخارج – سواء كان بولًا أو غائطًا – موضع الفرج؛ فإن تعدى الخارج موضع الفرج, فلا يجزئ فيه إلا الماء؛ وذلك لأنه من المعلوم أن الحجارة لا تنقي نقاءً تامًا, وإنما شُرع الاستنجاء بها للتيسير, مع عدم إزالتها لجميع النجاسة, فإن تعدى الخارج موضع الحاجة بكثير، مثل أن ينتشر على فخذه من البول والبراز, فإنه لا يجزئ فيه إلا الماء؛ لأنه ليس محل الخارج ولا قريبًا منه، وأما ما كان قريبًا منه فالضواب أنه يُتسامح فيه. انظر: ((الشرح الممتع)) (1/ 132).
[29])) ودليل ذلك ما رواه مسلم عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ إِلَّا بِطَاهِرٍ([24]) مُبَاحٍ يَابِسٍ مُنْقٍ.
[24])) ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه, قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ, وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ».
ولأن النجس يكسب المحل نجاسة, ولا يطهر.
يقول العلامة عبدالرحمن البعلي في كتابه "كشف المخدرات و الرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات" ما نصه:
""(ولا يصح استجمار إلا بطاهر) فلا يصح بنجس، (مباح) فلا يصح بمحرم كمغصوب و ذهب و فضة بخلاف الاستنجاء فإنه يصح بغير المباح""
ما الدليل على كون الاستجمار بالذهب أو الفضة حرام؟ و لماذا فُرِّق في الحكم بين الاستجمار و الاستنجاء و كلاهما إزالة لنجس؟
جزاكم الله خيرا
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
ما الدليل على كون الاستجمار بالذهب أو الفضة حرام؟ و لماذا فُرِّق في الحكم بين الاستجمار و الاستنجاء و كلاهما إزالة لنجس؟
جزاكم الله خيرا
الذهب والفضة يحرم استعمالهما في المذهب, كما تقدم, والاستنجاء من الاستعمال, وأما التفريق بين الاستنجاء والاستجمار؛ فعللوا ذلك بأن الاستجمار رخصة، والرخصة لا تستباح بمعصية.
وانظر ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 39).
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
موصول بالخير واصل الشرح أخي
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمد المالكي
موصول بالخير واصل الشرح أخي
بارك الله فيك أخانا الحبيب
-
1 مرفق
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
هذا تجميع محاضرات أخينا محمد طه حتى الآن، أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه.
زادنا الله و إياكم العلم النافع الميسر للجنة
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
عندي سؤال قد يكون خارج سياق الكتاب و لكنه ما زال في الطهارة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ططط، أَنّ النَّبِيَّ (ص) قَالَ: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟ "
فهل إذا غمس المستيقظ يده في الماء، يُسلب الماء طهوريته (و هل يصبح في هذه الحالة طاهراً غير مُطَّهر أم نجساً حكماً؟) أم يظل طهوراً مطهراً؟
رجاءاَ بالدليل
جزاكم الله خيراً
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
قد ذكرالشيخ العلامة ابن عثيمين عند كلامه عن الحديث الخلاف الواردفيه ثم قال رحمه الله :وخلاصة كلامهم: أنه إِذا تمت الشُّروط التي ذكروها وغمس يده في الماء قبل غسلها ثلاثاً فإِنه يكون طاهراً لا طَهُوراً.
والصَّواب أنه طَهُور؛ لكن يأثم من أجل مخالفته النهي؛ حيث غمسها قبل غسلها ثلاثاً.
شرح الممتع ج1ص35 وقد توسع نوعا في الحديث فليراجع وبالله تعالىالتوفيق وإني أشعر بالإضطراب لأن أذان العشاء قد حان فماوجد من وهم عند النقل فالرجاء التنبيه....موفق أخي
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
هذا تجميع محاضرات أخينا محمد طه حتى الآن، أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه.
زادنا الله و إياكم العلم النافع الميسر للجنة
بارك الله فيكم أخانا عبد الله
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أعتذر إن كنت أسأل كثيراً، لكني أخاف أن يسألني الله لِمَ لَمْ تسأل، فأعجز.
كيف يكون هناك إجماع على أن النجاسة لا تزول إلا بماء، بينما نحن نستجمر؟
جزاكم الله خيراً
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
لا عليك أخي من الأسئلة فنحن نتعاون من أجل الفائدة والإشكالات تخدمنا نحن من أجل المراجعة والبحث لو تأملت كلامناالسابق حول إزالة النجاسة لأدركت الإشكال ,اعلم رحمك الله أن النجاسة من باب التروك أي الترك فمتى زالت النجاسة أي عينها فقد طهر المحل أي المكان بأي مزيل كان سواء كان ماء أو عصير أو مازوت أوحجارة أو ..... وهذا مارجحه شيخ الإسلام رحمه الله كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله بأن النجاسة لوزالت بالشمس والريح لطهر المحل , ولأن أصل إزالة النجاسة لا يقصد به التعبد وإنما إزالة عين خبيثة فقط دون مراعاة للمادة التي تزيلها أي النجاسة , ولماكان الماء هو الغالب في الإستعمال صار متعين وهو الأصل ولعل قد اتضح مااشكل , وإن بقي عالق فسأعيد التبسيط أكثر , ولا تتحرج من طرح الإشكالات لأن حلها يخدمناجميعا وبالله تعالى التوفيق .
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
المُشكل الحادث أني أعلم أن الاستجمار هو سنة مؤكدة بقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ عنه" مما تعارض معه -من وجهة نظري القاصرة- القول في زاد المستقنع "طهورٌ، لا يرفع الحدث و لا يزيل النجس غيره"
فكيف يمنع الماتن فعلا (إزالة النجس بغير الماء)، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
المُشكل الحادث أني أعلم أن الاستجمار هو سنة مؤكدة بقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ عنه" مما تعارض معه -من وجهة نظري القاصرة- القول في زاد المستقنع "طهورٌ، لا يرفع الحدث و لا يزيل النجس غيره"
فكيف يمنع الماتن فعلا (إزالة النجس بغير الماء)، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
كما هو في هامش رقم (28) قالوا بأن الاستجمار رخصة، وما تجاوز محل الاستجمار فلا يرخص له بإزالتها بغير الماء.
والصواب أن النجاسة تزال بالمياه وبغيرها
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
جهد طيب، نفع الله بك أبا يوسف وبإخواننا جميعا .
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بارك الله فيك أخي صاحب الكتاب حنبلي رحمه الله وهو يرى أن الماء هو المتعين في الإزالة دون غيره ,
وقد توسع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند شرحه في الممتع ورجح ما ذكرته لك سابقا.
ثم عبارة المستقنع فيها قصور والصواب.... ولايزيل النجس الطارئ غيره .
ثم هناك فائدة لغوية ذكرها العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله عند تعليقه على الروضةالندية عند كلمة ماتن حيث قال :يعبر مؤلف هذا الشرح كثيرا عن مصنف " الأصل "، بلفظ: " الماتن "! وهو لفظ مولد مستكره؛ فأصل " المتن " الظهر - في اللغة -، ثم استعمله طلاب العلم في الكتاب المختصر إذا كان عليه شرح؛ فاشتقاق اسم فاعل من هذا - وليس بمصدر - اشتقاق خاطئ. (ش)
الروضة الندية شرح الدرر البهيةج1 ص 82 وبالله التوفيق
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
كما هو في هامش رقم (28) قالوا بأن الاستجمار رخصة، وما تجاوز محل الاستجمار فلا يرخص له بإزالتها بغير الماء.
والصواب أن النجاسة تزال بالمياه وبغيرها
أخي محمد، بارك الله فيك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمد المالكي
بارك الله فيك أخي صاحب الكتاب حنبلي رحمه الله وهو يرى أن الماء هو المتعين في الإزالة دون غيره ,
وقد توسع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند شرحه في الممتع ورجح ما ذكرته لك سابقا.
ثم عبارة المستقنع فيها قصور والصواب.... ولايزيل النجس الطارئ غيره .
ثم هناك فائدة لغوية ذكرها العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله عند تعليقه على الروضةالندية عند كلمة ماتن حيث قال :يعبر مؤلف هذا الشرح كثيرا عن مصنف " الأصل "، بلفظ: " الماتن "! وهو لفظ مولد مستكره؛ فأصل " المتن " الظهر - في اللغة -، ثم استعمله طلاب العلم في الكتاب المختصر إذا كان عليه شرح؛ فاشتقاق اسم فاعل من هذا - وليس بمصدر - اشتقاق خاطئ. (ش)
الروضة الندية شرح الدرر البهيةج1 ص 82 وبالله التوفيق
أخي أبا أحمد، جزاك الله خيرا على الإيضاح و التنبيه.
و رزقكما الله الجنة
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
وفيك بارك أخي و نسأل الله تعالى لنا ولكم الجنة وإن كان هناك إشكال فاطرحه ولاحرج فإن تزكية العلم وثباته بالمذاكرة والمناقشة موفق
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني
جهد طيب، نفع الله بك أبا يوسف وبإخواننا جميعا .
وفيكم بارك الله شيخنا الحبيب
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أين أنت يامحمد وبقية الشرح إني أنتظر ؟....
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أين أنت يامحمد وبقية الشرح إني أنتظر ؟....
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الدرس الرابع
فَصْلٌ
يُسَنُّ السِّوَاكُ بِالْعُودِ كُلَّ وَقْتٍ([1]), إِلَّا لِصَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُكْرَهُ([2]), وَيُتَأَكَّدُ عِنْدَ صَلَاةٍ([3]) وَنَحْوِهَا([4]), وَتغَيُّرِ فَمٍ وَنَحْوِهِ([5]).
وَسُنَّ بَدَاءَةٌ بِالْأَيْمَنَ فِيهِ وَفِي طُهْرٍ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ([6]), وَادِّهَانٌ غِبًّا([7]), وَاكْتِحَالٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا([8]), وَنَظَرٌ فِي مِرْآةٍ([9]), وَتَطَيُّبٌ([10]), وَاسْتِحْدَادٌ, وَحَفُّ شَارِبٍ, وَتَقْلِيمُ ظُفُرٍ, وَنَتْفُ إِبِطٍ([11]).
وَكُرِهَ قَزَعٌ([12])، وَنَتْفُ شَيْبٍ([13]), وَثَقْبُ أُذُنِ صَبِيٍّ([14]).
وَيَجِبُ خِتَانُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى([15]) بُعَيْدَ بُلُوغٍ([16]), مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ([17]), وَيُسَنُّ قَبْلَهُ([18]), وَيُكْرَهُ سَابِعَ وِلَادَتِهِ, وَمِنْهَا إِلَيْهِ([19]).
[1])) يُستحب السواك في كل وقت من ليل أو نهار, ودليل ذلك ما رواه أحمد والنسائي والبخاري معلقًا, وصححه الألباني, عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».
[2])) واستدلوا على ذلك بما رواه البزار والدارقطني والبيهقي, عن عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ, فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وهو حديث ضعيف لا يصح.
وعللوا ذلك أيضًا بأن التسوك بعد الزوال يُذهب رائحة فم الصائم, وهي أطيب عند الله من رائحة المسك. ولكن ليس هناك دليل على الإبقاء على هذه الرائحة.
والصحيح أن السواك مستحب في كل الأوقات, للصائم وغير الصائم؛ لعموم الأحاديث الدالة على استحبابه, وليس هناك دليل صحيح على استثناء الصائم.
[3])) ودليل ذلك ما في ((الصحيحين)) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ».
[4])) كالوضوء؛ لما رواه أحمد وغيره, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ».
وعند الانتباه من النوم؛ لما في ((الصحيحين)) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ».
وعند دخول المنزل؛ لما رواه مسلم عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: «بِالسِّوَاكِ».
[5])) ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».
[6])) ودليل ذلك ما في ((الصحيحين)) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ».
[7])) ودليل ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي, وصححه, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا».
والمراد بقوله: ((غِبًّا)): أي: في بعض الأوقات دون بعض؛ فلا يهمل شعره, ولا يبالغ في الترجل والادهان إلى حَدِّ الرفاهية والتنعيم.
[8])) واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ», وهو حديث ضعيف.
[9])) واستدلوا على ذلك بما رواه ابن السني في ((اليوم والليلة)) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي». وهو حديث ضعيف لا يصح.
[10])) واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد والترمذي, عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ: الحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ». وهو حديث ضعيف لا يصح.
ولكن مما يدل على استحباب التطيب, ما رواه مسلم وغيره, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ».
وفي لفظ أحمد والنسائي: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ».
وما رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن, عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».
ويتأكد استحباب التطيب عند صلاة الجمعة, وغيرها من المجامع, كما دلت الأدلة على ذلك.
[11])) ودليل ذلك ما في ((الصحيحين)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَا دُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».
[12])) ودليل ذلك ما جاء في ((الصحيحين)) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ, قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ وَمَا الْقَزَعُ قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ.
وعند أحمد وأبي داود والنسائي, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعَرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «احْلِقُوا كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوا كُلَّهُ».
قال النووي رحمه الله ((سرح صحيح مسلم)) (14/ 101): ((وأجمع العلماء على كراهة القَزَع إذا كان في مواضع متفرقة, إلا أن يكون لمداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه)).
[13])) وذلك لما رواه أصحاب السنن, وحسنه الترمذي, وصححه الألباني ومحققو ((المسند)) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ نُورُ المُسْلِمِ».
وفي ((صحيح مسلم)), عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
[14])) لأنه قطع في جسد الإنسان بلا حاجة إليه، بخلاف الأنثى فهي تحتاج إلى التزين.
[15])) ودليل ذلك ما ورد في ((الصحيحين)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَا دُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».
[16])) قالوا: لا يجب قبل البلوغ؛ لأنه قبل البلوغ ليس مكلفًا.
[17])) فلو كان في التأخير ضرر عليه، كان الختان قبل البلوغ واجبًا؛ لرفع الضرر.
[18])) أي: ويُسن الختان قبل البلوغ؛ ودليل ذلك ما رواه البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ, قَالَ: وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ.
[19])) أي: ويكره الختان سابع يوم الولادة، وكذلك يكره من يوم الولادة إلى السابع؛ وكرهوا ذلك قالوا: لأن اليهود كانوا يختنون يوم السابع، فهو تشبه بهم، وقد ورد ذلك عن الحسن البصري ورواية عن أحمد، وقيل: لأن المولود لا يتحمله.
قال ابن المنذر رحمه الله في ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (3/ 424): ((ليس في باب الختان نهى ثبت، ولا لوقته خبر يُرجع إليه، ولا سنة تُتَّبع، وتستعمل الأشياء على الإباحة، ولا يجوز حظر شيء منها إلا بحجة، ولا نعلم مع مَنْ منع أن يُختن الصبي لسبعة أيام حجة)).
-
1 مرفق
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
الدرس الرابع pdf
جزاكم الله خيرًا
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
جزاكم الله خيرًا
و إياكم أخي الحبيب
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الدرس الخامس
فَصْلٌ
فُرُوضُ الْوُضُوءِ سِتَّةٌ:
غَسْلُ الْوَجْهِ مَعَ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ ، وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ([1])، وَتَرْتِيبٌ([2])، وَمُوَالَاةٌ([3]).
وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِكُلِّ طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ([4])، غَيْرَ إِزَالَةِ خَبَثٍ([5])، وَغُسْلِ كِتَابِيَّةٍ لِحِلِّ وَطْءٍ([6])، وَمُسْلِمَةٍ مُمْتَنِعَةٍ([7]).
[1])) ودليل هذه الفروض الأربعة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
وفي ((الصحيحين)) عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَرُيَ عند أحمد والترمذي وابن ماجه، وغيرهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ».
والحديث وإن كان فيه ضعف إلا أنه يشهد له ما رواه أصحاب السنن في فضل الوضوء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أُذُنَيْهِ».
ويشهد له أيضًا ما ورد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يمسح أذنيه مع رأسه صلى الله عليه وسلم.
[2])) قال ابن قدامة رحمه الله في ((الكافي)) (1/ 67): ((في الآية قرينة تدل على الترتيب، لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات، وقطع النظير عن نظيره، ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة، ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُنْقَلْ عنه الوضوء إلا مرتبًا، وهو يفسر كلام الله سبحانه بقوله مرة وبفعله مرة أخرى)).
[3])) قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 102، 103): ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ.
ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غَسْلُ اللُّمعة؛ ولأنها عبادة يفسدها الحدث، فاشترطت لها الموالاة كالصلاة.
والموالاة الواجبة أن لا يترك غَسْلَ عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل؛ لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض.
وقال ابن عقيل في - رواية أخرى -: إن حَدَّ التفريق المبطل ما يَفْحُشُ في العادة؛ لأنه لَمْ يُحَد في الشرع، فيرجع فيه إلى العادة.
وإن نشفت أعضاؤه لاشتغاله بواجب في الطهارة أو مسنون، لم يُعَد تفريقًا، كما لو طول أركان الصلاة، قال أحمد: إذا كان في علاج الوضوء فلا بأس، وإن كان لوسوسة تلحقه فكذلك؛ لأنه في علاج الوضوء، وإن كان ذلك لعبث أو شيء زائد على المسنون وأشباهه، عُدَّ تفريقًا، وَيُحتمل أن تكون الوسوسةُ كذلك؛ لأنه مشتغل بما ليس بمفروض ولا مسنون)).
[4])) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
[5])) فإزالة الخبث لا تُشترط له النية؛ بل يحكم بطهارة الشيء لو أزيلت عنه النجاسة ولو بدون قصد.
[6])) لأنها ليست من أهل النية.
[7])) أي: مسلمة ممتنعة عن الغسل لزوجها من حيض أو نفاس حتى لا يطؤها، فتغسَّل قهرًا لحق الزوج، ولو لم تنو الطهارة.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
تابع الدرس الخامس
وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ فِي وُضُوءٍ([1])، وَغُسْلٍ، وَتَيَمُّمٍ، وَغَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ([2])، وَتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا([3]).
[1])) واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ». وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وغيرهما، وجميعها في أسانيدها مقال.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد في ((مسائله)) (25): ((سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيِّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، فَقَالَ أبي: لم يثبت عِنْدِي هَذَا وَلَكِن يُعجبنِي أَن يَقُوله)).
وقال الترمذي رحمه الله في ((جامعه)) (1/ 37): ((قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد)).
وقال ابن المنذر رحمه الله في ((الأوسط)) (1/ 368): ((وكان أحمد يقول: لا أعلم فيه حديثًا له إسناد جيد، وَضَعَّفَ حديثَ ابن حرملة وقال: ليس هذا حديث أَحْكُمُ به)).
وقال أبو داود رحمه الله في ((مسائله)) (11): ((قلت لأحمد: إذا نسي التسمية في الوضوء؟ قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء، ولا يعجبني أن يتركه خطأ ولا عمدًا، وليس فيه إسناد، يعني: لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا وضوء لمن لم يسم)).
وأما حكم المسألة ففيها روايتان عن أحمد: إحداها: أنها واجبة، والثانية: أنها مستحبة؛ قال ابن قدامة رحمه الله في ((الكافي)) (1/ 57): ((قال الخلال: الذي استقرت الروايات عنه: أنه لا بأس به إذا ترك التسمية؛ لأنها عبادة، فلا تجب فيها التسمية كغيرها)).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (1/ 159): ((الأحاديث تقتضي أن التسمية شرط في صحة الوضوء، لا أنها مجرد واجب؛ لأن نفي الوضوء لانتفاء التسمية معناه نفي الصحة، وإذا انتفت صحة العبادة بانتفاء شيء كان ذلك الشيء شرطًا فيها، ولكن المذهب أنها واجبة فقط وليست شرطًا، وكأنهم عدلوا عن كونها شرطًا لصحة الوضوء، لأن الحديث فيه نظر؛ ولهذا ذهب الموفق رحمه الله إلى أنها ليست واجبة بل سنة؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله قال: «لا يثبت في هذا الباب شيء»، وإذا لم يثبت فيه شيء فلا يكون حجة.
ولأن كثيرا من الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا فيه التسمية، ومثل هذا لو كان من الأمور الواجبة التي لا يصح الوضوء بدونها لذكرت)).
والصحيح أن التسمية عند الوضوء مستحبة؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عند أحمد وعبد الرزاق والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، بسند صحيح، وأصله في ((الصحيحين))، قَالَ: طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟»، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ»، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَجْرِي مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّئُوا حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
[2])) قياسًا على الوضوء؛ لأنها طهارات كالوضوء.
[3])) لِمَا رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أعتذر، سأحرمكم مني هذا الأسبوع، فعندي امتحانات حتى يوم الجمعة إن شاء الله، بعدها يبدأ إزعاجي (ابتسامة)
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
أعتذر، سأحرمكم مني هذا الأسبوع، فعندي امتحانات حتى يوم الجمعة إن شاء الله، بعدها يبدأ إزعاجي (ابتسامة)
وفقكم الله تعالى إلى ما يحب ويرضى
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بالتوفيق راجع جيدا وركز واستعن بالله
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بارك الله فيكم إخوتي، إني أحبكم في الله
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
بارك الله فيكم إخوتي، إني أحبكم في الله
ونحن كذلك نحبك في الله، أحبك الله الذي أحببتنا من أجله
-
1 مرفق
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الدرس الخامس pdf
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
الحمد لله رب العالمين، مرت الإمتحانات، و حان وقت الإزعاج (ابتسامة)
هي عدة أسئلة في مسألة التزين نابعة من البيئة التي أعيش فيها حالياً (المانيا)
كيف نجيب عمن يسأل دائماً بـ"ما الحكمة من هذا الحكم؟"
فمثلاَ يسأل "لماذا حُرِّمَ القزع؟
و لماذا لا يجوز ثقب أذن الصبي؟ و إن أجبته بـ"أنه تشبه بالنساء" يسأل "من قال أن الحلق للنساء فقط" و "لماذا يجوز للنساء لبس الأساور و المخانق و لا تجوز للرجال؟"
لماذا التعوذ قبل دخول الخلاء؟ و يمكنكم تخيل الوجوه إن أجبت بأنها بيوت للشياطين و كثير من تلك الأسئلة...
كيف يمكنني الرد على مثل هذه التساؤلات (ما الحكمة من ...؟) و التي تدور بأذهان الجميع؟ و هل هناك مصادر تيسر ذلك إن شاء الله؟
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
الحمد لله رب العالمين، مرت الإمتحانات، و حان وقت الإزعاج (ابتسامة)
هي عدة أسئلة في مسألة التزين نابعة من البيئة التي أعيش فيها حالياً (المانيا)
كيف نجيب عمن يسأل دائماً بـ"ما الحكمة من هذا الحكم؟"
فمثلاَ يسأل "لماذا حُرِّمَ القزع؟
و لماذا لا يجوز ثقب أذن الصبي؟ و إن أجبته بـ"أنه تشبه بالنساء" يسأل "من قال أن الحلق للنساء فقط" و "لماذا يجوز للنساء لبس الأساور و المخانق و لا تجوز للرجال؟"
لماذا التعوذ قبل دخول الخلاء؟ و يمكنكم تخيل الوجوه إن أجبت بأنها بيوت للشياطين و كثير من تلك الأسئلة...
كيف يمكنني الرد على مثل هذه التساؤلات (ما الحكمة من ...؟) و التي تدور بأذهان الجميع؟ و هل هناك مصادر تيسر ذلك إن شاء الله؟
بارك الله فيك أخانا عبد الله
أولًا: بالنسبة لملابس الرجال وملابس النساء، فإنما هو راجع إلى العرف؛ فما تعارف عليه الناس أنه للنساء، فهو للنساء، ومن لبسه من الرجال يكون متشبهًا بالنساء، وما تعارف عليه الناس أنه للرجال فهو للرجال، ومن لبسته من النساء تكون متشبهة بالرجال؛ فالأمر راجع إلى العرف؛ ومثال ذلك: لو تعارف قساوسة النصارى أو أحبار اليهود على ملابس معينة يلبسونها فإنه يحرم على المسلمين لبسها؛ لأنه - حينها - يكون متشبهًا بهم.
ومثال ذلك أيضًا: لو تعارف الناس على كلمة معينة في زمن معين على أن هذه الكلمة قذف للنساء، فإن قائلها يقام عليه حد القذف إن قالها في حق امرإة محصنة.
وهكذا فإن كثيرًا من الأمور ترجع إلى العرف.
ثانيًا: بالنسبة إلى الحكمة من العبادات؛ فكما هو معلوم أن أغلب العبادات تظهر الحكمة منها، وبعض العبادات لا تظهر حكمتها، وإن كان الله تعالى لم يشرعها إلا لحكمة، ولكنها لم تظهر لنا، والواجب على كل مؤمن الانقياد لأمر الله تعالى، وإن لم تظهر الحكمة، كما قال عمر رضي الله عنه - عندما قَبَّل الحجر: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قَبَّلْتُكَ.
وأما من يجادلك في هذا ويطلب منك حكم العبادات، فلو كنت تعلم الحكمة فيستحسن أن تذكرها، وإن كنت لا تعلمها، فقل له: هل لو أمرك رئيسك في العمل بأمر، وأنت لا تعلم الحكمة منه، هل ستنفذه أم لا؟ والجواب بالطبع سيكون: نعم سأنفذه، فقل له: وكذلك أمر الخالق سبحانه وتعالى يجب أن ننفذه، وإن لم تظهر الحكمة منه.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
لقد أرحت صدري بكلامك، بارك الله فيك
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
تابع الدرس الخامس
وَمِنْ سُنَنِهِ: اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ([1])، وَسُوَاكٌ([2])، وَبَدَاءَةٌ بِغَسْلِ يَدَيْ غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ([3])، وَيَجِبُ لَهُ ثَلَاثًا تَعَبُّدًا([4])، وَبِمَضْمَضَةٍ فَاسْتِنْشَاقٍ([5])، وَمُبَالَغَةٌ فِيهِمَا لِغَيْرِصَائِمٍ([6])، وَتَخْلِيلُ شَعْرٍ كَثِيفٍ([7])، وَالْأَصَابِعَ([8])، وَغَسْلَةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ([9])، وَكُرِهَ أَكْثَرُ([10])، وَسُنَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ: رَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ([11]) - وَاللهُ أَعْلَمُ.
[1])) قال شمس الدين ابن مفلح رحمه الله في ((الفروع)) (1/ 185): ((وهو مُتَّجِهٌ في كل طاعة إلا لدليل)).
قلت: بل الصواب أنه لا يجوز تحري استقبال القبلة للوضوء؛ لأنه لَمْ يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ذلك التحري، وعليه؛ فالحرص على ذلك بدعة.
[2])) ودليل ذلك ما رواه أحمد وغيره, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ».
[3])) لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما نقل ذلك كل من نقلوا صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم؛ كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد وغيرهم رضي الله عنهم، والفعل المجرد يدل على الاستحباب.
[4])) أي: يجب غَسْلُ اليدين لقائم من نوم ليل؛ ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ».
فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهو أمر تعبُّديٌّ؛ لأنه لا يُعْقَلُ معناه.
[5])) أي: ومن سنن الوضوء أيضًا البداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة ثم الاستنشاق؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد عنه في جميع ما نُقِلَ عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك ما في ((الصحيحين)) عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا.
[6])) ودليل ذلك ما رواه الخمسة، وصححه الألباني، عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا».
والمضمضة في معنى الاستنشاق؛ لأنها مظنة دخول الماء إلى الجوف.
[7])) أي: شعر اللحية الكثيف؛ ودليل ذلك ما رواه الدارمي والترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ وابن ماجه، وصححه الألباني، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ. ورُوِيَ أيضًا عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما عند الترمذي وابن ماجه.
وروى أبو داود، وصحه الألباني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ.
[8])) ودليل استحباب تخليل الأصابع: حديث لقيط بن صبرة المتقدم.
[9])) أي: ومن مستحبات الوضوء: الغسلة الثانية والثالثة؛ ودليل ذلك قوله تعالى في آية المائدة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ . . .} إلى آخر الآية، والغسل يصدق بغسلة واحدة، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً. فدل على أن المرة الواحدة تجزئ، وأن الثانية والثالثة مستحبة.
[10])) أي: ويُكْرَهُ الزيادة على ثلاث غسْلات؛ ودليل ذلك ما رواه أحمد والنسائي وابن خزيمة وغيرهم، وصححه الألباني، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ؟ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا، ثَلَاثًا، وَقَالَ: «هَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ، وَتَعَدَّى، وَظَلَمَ».
[11])) والدعاء الوارد بعد الوضوء؛ هو ما رواه مسلم، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ، فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ، قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
وزاد الترمذي، وصححه الألباني: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِين َ».
وفي لفظ عند أحمد: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ . . .» الحَدِيثَ، وهذه زيادة ضعيفة فيها راوٍ مجهول. فالثابت بعد الوضوء هو الدعاء، دون رفع البصر إلى السماء.
-
1 مرفق
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بقية الدرس الخامس pdf
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
أخي عبد الله عودة موفقة ونرجو لك التوفيق في الإمتحانات , ثم أحبك الله الذي أحببتنا من أجله , أما بخصوص ظهور الحكمة في الأحكام الشرعية فهذا يتفاوت, فأحيانا تظهر الحكمة وأحيانا لا تظهر وهو الغالب والسبب أن الأمة مخاطبة بالسمع والطاعة وهذا مقتضى التعبد لله تعالى والخضوع له لتنفيذ الأوامروالإنتها ء عن نواهيه قال تعالى فففقالوا سمعناوأطعنا ...قققفنحن أمة السمع والطاعة فإن ظهرت العلة والحكمة من تشريع الحكم فهذا مما يقوي إماننا ويزيده وإن لم تظهر فعلينا أن نقول سمعنا وأطعنا, ثم اعلم أخي عبد الله أن البيئة كما قلت بيئة غربية ألمانيا فعليك بالصبر الحلم والشفقة عليهم ومثل الإسلام أحسن تمثيل وزينه بأحسن الحلل لأن أعداء الدين مستمرون في تشويهه وتدنيسه فعليك بالعلم الصحيح والمعتقد السليم معتقد أصحاب رسول الله (ص) قولا وعملا تفلح بإذن الله والله الموفق
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
جزاك الله خيرا أخي الحيب أبا أحمد
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بداية الدرس السادس
فَصْلٌ
يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ([1]) وَنَحْوِهِ([2])، وَعِمَامَةِ ذَكَرٍ([3]) مُحَنَّكَةٍ أَوْ ذَاتِ ذُؤَابَةٍ([4]).
[1])) ودليل ذلك ما رواه البخاروي ومسلم، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ الْأَعْمَشُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ، كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
وفي ((الصحيحين)) أيصًا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ وَضَّأَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ: فَقَالَ: «إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ».
وهذا مجمع عليه بين أهل العلم؛ قال ابن المنذر رحمه الله ((الإجماع)) (35): ((وأجمعوا على أنه كل من أكمل طهارته، ثم لبس الخفين وأحدث، أن له أن يمسح عليهما)).
وقال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (21/ 209): ((وكذلك اتفق الفقهاء على أن من توضأ وضوءًا كاملًا ثم لبس الخفين جاز له المسح بلا نزاع)).
[2])) ونحو الخف؛ كالجورب، واللفائف، والجُرموق – وهو ما يُلبس فوق الخف – وكالحذاء، إن كان ساترًا لمحل الفرض يجوز أيصًا المسحُ عليه؛ ودليل ذلك ما رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرنؤوط عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينَ .
والتساخين هي كل ما يُسَخِّنُ القَدَمَ.
وروى أبو داود، وصححه الألباني والأرنؤوط، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسْأَلُ بِلَالًا، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ.
والمُوق: شيء مصنوع من جلد غليظ يُلبس فوق الخف، فهو بمعنى النعل.
وقد رُوي المسح على الجوربين والنعلين بأسانيد كثيرة صحيحة عن جمع من الصحابة.
ثم إن جميع هذه الأشياء في معنى الخف؛ فلا تفارقه في الحُكْم.
[3])) ودليل ذلك ما رواه البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْريِّ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ.
وَروى مسلم عَنْ بِلَالٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. والخمار كل ما يُخَمِّر الرأس.
كما يجوز المسح على العمامة مع بعض الرأس؛ ودليل ذلك ما رواه مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ.
قال الشوكاني رحمه الله ((نيل الأوطار)) (1/ 209): ((والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط، وعلى العمامة فقط، وعلى الرأس والعمامة، والكل صحيح ثابت)).
وهل يُشترط لبس العمامة على طهارة كالخفين؟
الجواب: لا يُشترط لها ذلك؛ لعدم الدليل.
وهل للمسح على العمامة توقيت كالمسح على الخفين؟
الجواب: ليس له توقيت؛ لعدم الدليل.
قال الشوكاني رحمه الله ((نيل الأوطار)) (1/ 209): ((واختلفوا؛ هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لُبسها على طهارة أو لا يحتاج؟ فقال أبو ثور: لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسًا على الخفين، ولم يشترط ذلك الباقون.
وكذلك اختلفوا في التوقيت؛ فقال أبو ثور أيضًا: إن وقته كوقت المسح على الخفين، وروي مثل ذلك عن عمر، والباقون لَمْ يوقتوا، قال ابن حزم: إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يُوَقِّتْ ذلك بوقت)).
وهل يُنقض الوضوء إذا نزع العمامة؟
قال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (1/ 220): ((وإن نزع العمامة بعد المسح عليها، بطلت طهارته، نص عليه أحمد.
[4])) هذا شرط اشترطوه في العمامة التي يُمسح عليها: أن تكون مُحَنَّكَةً، أو ذاتُ ذؤابة - والمُحَنَّكَةُ هي التي تُدار تحت الحنك، وذات الذؤابة هي التي يكون أحد أطرافها متدليًّا من الخلف- وعللوا ذلك بأن هذه هي صفة العمامة التي كانت تلبسها العرب، وكانت العرب تكره العمامة غير المحنكة.
والصحيح؛ أن هذا لا يُشترط؛ وهو ما رجحه ابن تيمية والشوكاني وابن عثيمين رحمهم الله تعالى؛ لأنه لا دليل عليه.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يلزم لإجماع الفقهاء وجود دليل من الكتاب والسنة؟
إذا كانت الإجابة "نعم"، فلماذا يُعتبر الإجماع مصدراً من مصادر التشريع و لا يُكتفى بالدليل؟
جزاكم الله الجنة
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
بارك الله فيك على هذه الالتفاتة الطيبة في مدارسة الفقه الحنبلي و نرجوا ألا ينقطع هذا المعين الثر .
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يلزم لإجماع الفقهاء وجود دليل من الكتاب والسنة؟
إذا كانت الإجابة "نعم"، فلماذا يُعتبر الإجماع مصدراً من مصادر التشريع و لا يُكتفى بالدليل؟
جزاكم الله الجنة
بارك الله فيكم؛ الإجماع لا بد أن يكون له مستند، من آية أو حديث أو قياس، أو استناد إلى قواعد الشريعة العامة، وهذا قول الجمهور، والإجماع إذا انعقد فهو دليل، ولا يلزم البحث عن مستنده، ومن فوائده أيضًا أن الإجماع إذا انعقد فلا تجوز مخالفته، أو الاجتهاد معه
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
جيد أخي عبد الله الإجماع لابد له من مستند من الكتاب أوالسنة ولهذا يقولون الصلاة واجبة بإجماع المسلمين والزكاة و الصوم والحج مثلا فهذه الفرائض لها أدلة من الكتاب والسنة وتجد الفقهاء يقولون وهذا بإجماع أي لا يوجد منازع كما نقل عن الشافعي رحمه الله
بالتوفيق أخي
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أيوب محمد
بارك الله فيك على هذه الالتفاتة الطيبة في مدارسة الفقه الحنبلي و نرجوا ألا ينقطع هذا المعين الثر .
وفيكم بارك الله أخانا أبا أيوب، ومرحبًا بك، ونسأل الله تعالى ألا تنقطع هذه المدارسة النافعة
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
جزاكما الله خيرا عظيما أخويّ الحبيبين محمد و أبا أحمد.
-
رد: مدارسة متن أخصر المختصرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله طالب علم
جزاكما الله خيرا عظيما أخويّ الحبيبين محمد و أبا أحمد.
وجزاك مثله أخانا الحبيب عبد الله