أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
أحْلَى حِكَايَاتِ
كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
مقدمة المؤلف
هذا كتاب كانت تُرَاودُني نُصوصُه على جَمْعها في مكان واحد منذ أنْ كنتُ فتًى يافِعًا، فقد شُغِفْت قديمًا بتَتبُّع الأخبار والحكايات والقصص الغريبة والعجيبة عن السابقين واللاحقين، وكنتُ أجد في ذلك مُتْعة لا تُقاوَم، وشَهيَّةً لا تنقطع.
ولا أزال أذكر أنني في سِنِّ الثامنة عشرة أو قبلها كنتُ أجتمع مع أختنا الكبرى «أم عمر» وأحمِلُها على تسطير عجائب الحكايات التي كنت أجمعها من كتب شتى، وكانت تتأبَّى عليَّ في أول الأمر لانشغالها بأمور المنزل، لكنني ما كنت أتركها حتى تكتب لي ما أريد ولو اضطررتُ إلى أنْ أدفع لها شيئًا من حقير المال على سبيل المداعبة والتلطُّف كي تستجيب لرغبتي.
ولا يزال حتى الآن في أدراجي الخاصة مجموعة من الكراريس التي تحتوي على أقاصيص شتى من حكايات العلماء والأدباء والزهاد والأذكياء وغيرهم. وربما سمَّيْتُ كلَّ كُرَّاس أو كراسَيْن باسمٍ خاص على غِرَار التآليف القديمة.
ففي محفوظي أني سمَّيْتُ بعضها باسم: «نسماتُ الأسحار في عجائب الأخبار»، وسمَّيْتُ غيرها بنحو ذلك.
حتى إذا اشتدَّ عُودِي، وأشرَقَتْ في نَيْل المعارف شمسُ وجُودي، واستكثرْتُ من الارْتِشافِ من أنهار الأخبار، واستزَدْتُ من التبَصُّر في عُيون القَصص والآثار، اجتمع لي مما كنتُ أسعى إليه شيئٌ كثير، واتَّسع صدري لحِفْظِ طَرَفٍ من نوادر الأخبار، ولطائف الحكايات والأشعار.
وقد قوِيَ العزْمُ أخيرًا على استنهاض الهِمَّة في تسطير تلك القصص في نَسَقٍ واحد، وبدأتُ أنشرها في حلقات مترادفة على شبكة المعلومات الدولية، في عدة منتديات عِلْمية وأدَبِيَّة.
وكان مما قلتُه في ديباجة كلامي في تلك المنتديات:
« هذا موضوع أكتبه على فترات متقاربة، لأُسجِّل فيه كل شاردة ووارِدة ، مما وقع لي قديمًا وحديثًا أثناء المطالعة، وما اقتَنَصَتْه شِبَاكُ أفكاري من أوْدِيَةِ فنون تلك المعارف الساطِعة.
وجعلته على غِرَار ( بدائع الفوائد ) للشمس ابن القيِّم، و( الفنون ) لابن عَقِيل الحنبلي، و( الكشكول ) و( المِخْلاة ) كلاهما للبهاء العامِلي، و( جُؤْنَة العطَّار ) لأبي الفيض الغُمَاري، وما جرَى مجْرَى هاتيك المؤلَّفات، وكان على طِراز تِلْكُم المُصَنَّفات.
وقد قسَّمْتُه أقسامًا، وجعلتُ لرءوس مواضيعه أعْلامًا، ومداخِلَ يَتَطرَّق بها المتصفِّحُ إلى المُجْمَل من أطرافه والمُفَصَّل، وسبيلًا يهتدي به الطالب لأبوابه ويَتوَصَّل ...
وهي ذي : ( غريبة ) و( عجيبة ) و( نادرة ) و( لطيفة ) و( فائدة ) و( عبرة ) و( داهية ) و(عاصمة ) و( قاصمة ) و( طريفة ) و( مُضْحِكة ) و( مُبْكِتة ) و( موعظة)....
ولستُ في هذا الموضوع بحمَّالة حَطَب، ولا خائضًا- فيما أُورِدُ- بحور الجُزَاف والعَطَب، بل ننْقُد ما ننْقُل، ونتَثبَّتُ فيما نعمَل، وننْسِبُ كل قول إلى قائله، ونعزو كل حرفٍ إلى لافِظِه، مع التحرِّي في كل ذلك، و النَّصَفَة بين الغُرَماء فيما هنالك ...
وقد عزمْتُ على كل من يريد أن يغْترِف من سَوَاقي تلك الأنهار، أو يُحصِّل ما شاء من بديعات ما أسطره من أخبار، أن يُشِيدَ بالمَصْدر الذي نهَل منه، ويرفع رأسًا لهذا النهر الذي صدر عنه، إنْ هو احتاج إلى هذا في بعض الأوقات، أو اضطر للنقل منه مرة أو مرات، فيقول مثلا : ( نقلتُ كذا بواسطة كذا ؟ ) فإن من بركة العلم أن يُنْسَب إلى أهله، وعَدَم شُكْرَانِه التفريطُ فيه والقعود عن دَرَكِه .
ونسأل الله الثبات حتى الممات، ومزيدًا من الأعمال الباقيات الصالحات، فإنه بكل جميل كفيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ... وهذا آوان الشروع في المراد ... ».
هذا ما قُلْتُه قبل سنوات...
ثم لمَّا قدَّر الله أن يكون هذا المجموع مطبوعًا بين يدي القُرَّاء، رأيتُ أن أنْتخِب من الحكايات أعجَبَها، وأن أنْتَقِي من الروايات أغرَبَها. مع جملة من الفوائد التي وقفتُ عليها بعد ذلك ورأيت المناسَبةَ ملائِمة لإدراجها فيه.
حتى إذا تمَّ لي جملة من ذلك جمعْتُه في هذا الكتاب اللطيف الذي هو بين يديك الآن. وإذا رأينا قبولا له –إن شاء الله – فإنا عازمون على جَمْعِ أجزاء أخرى تكون ضمن سلسلة بعنوان: ( أحلى الحكايات من كهف الغرائب ومغارة العجائب ).
ومنهجنا في هذا الكتاب يتلخص في الآتي.
انْتَخَبْنا فيه جملة من الغرائب والعجائب ومأثور الأخبار والمواقف والقَصص. كل ذلك في إطار التراث العربي القديم والحديث.
وقد نتدخَّل في صياغة وتوضيح بعض الحكايات أو كثير منها، إلا أننا نُنَبِّه على ذلك بالهامش قبل العَزْو إلى المصادر والمراجع.
كما قد نتدَخَّل مِرارًا في تفسير المعاني والكلمات، ولكن نجعل كلامنا بين قوسين هكذا: ( .... ) حتى لا يختلط بأصل الحكايات والأخبار المنقولة.
وأنا سائلٌ اللهَ تعالى أن يتقبل منا سائر الأعمال بقبول حَسَن، وأن يُنْبِتَها لنا في غَرْسِ فضْلِه الواسع المُسْتَحْسَن. وأنْ لا يجعل أجْرَنا على أحدٍ من العالمين سُواه، ولا يكون فلاحُنا معقودًا بيَمِين راحمٍ إلا إيَّاه.
آمِينَ آمِينَ لا أرْضَى بواحِدةٍ ... حتى أُكرِّرَها ألْفَيْنَ آمِينَا
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
هذه كانت مقدمة كتابي الجديد: (أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ). وقد صدر منذ أيام عن (دار الكتاب العربي/القاهرة-دمشق)، وسيكون في معرض القاهرة الدولي القادم إن شاء الله.
وقد رأيتُ أن أُتْحِف إخواني هنا بسلسلة من حكايات الكتاب كاملة بهوامشها، وربما أذكر قصصًا ليست في الكتاب المشار إلي أصلا، من باب التتمة واستدراك ما فاتني من النظائر.
وأشترط في هذا الموضوع أن لا أذكر حكاية قد سطرتُها من قبل في موضوعي القديم: (كَهْفُ الغَرَائِبِ، وَمَغَارَةُ العَجَائِبِ ) وهو موجود في هذا المنتدى الشريف وغيره.
ونستعين بالله أول ما نستعين، والحمد لله رب العالمين.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
أنا الأمل؟
حُكِيَ عن شيخ من الصالحين المجاهدين أنه كان يُرابِط (1) بالساحل في صخرة موسى(2) ، فبَيْنا هو على السُّور ينظر إلى البحر فرأى غُرابًا قد انحطَّ على سمكة مطروحة على الشطِّ فأدخل في عين السمكة مِخْلابه ثم اكتحل به!
قال الشيخ: فتعجبت من ذلك، ثم انحدرت إلى السمكة وأخرجت مِيْلًا (3) فاكتحلتُ من عينها، فرأيت أشياء لم أكن أراها من قبل ذلك! ورأيت عجائب.
فبينا أنا في بعض الأيام في جنازة وقد وُضِعَتْ وإذا رجل يضحك في وجوه الناس ويتلَهَّى! (4) فكثر ذلك منه، فاغْتظتُ عليه، فلَحقْتُه عند انصراف الناس من الجنازة.
فقلت: يا عبد الله قِفْ عليَّ.
فالتفت إليَّ فقال لي: مالَك؟
فقلت: ما تستحي من الله الناس في الجنازة وأنت تضحك وتتَلَهَّى في وجوه الناس؟ فقال: أنت تراني!
فقلت: نعم.
قال: وتُبْصِرُني!
قلت: نعم. وقد رأيتك تضحك في وجوه الناس.
فقال: يا هذا أنا الأمل، بعثني الله في هذه الصورة أضحك في وجوه الناس، وما هو ضَحِكٌ وإنما أُسَلِّيهم وأبْسُط لهم الأمل حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه، حتى لا تخرب الدنيا، ولولا ذاك ما عَمَرَت الدنيا، ثم غاب عني.(5) انتهى.
قلت: لا شك أن الأمل في القادم، ونسيان مآسي الماضي، كلاهما من نِعَمِ الله على عباده، ولولاهما ما استساغ الناس طعامًا ولا شَرابًا!
وقد ورد عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى». (6)
«وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على ما لم يُطْلِع عليه أُمَّتَه، أطلعه على أهوال الآخرة، وعلى أفزاعها وشدائدها، وعلى ما فيها من الآلام والعذاب.
فالإنسان لو علم ذلك وتفاصيله، وعلم ما بعده لما تلذَّذ بهذه الحياة، ولما تنعَّم بالنعيم الذي فيها، ولما استقرَّت له الحياة على هذه الحال، بل لتكدَّر عليه صفْوُ عيشه، وأفزعه ذلك الذي يعلمه، ولأسهر ليله بالدعاء والعبادة، ولأظمأ نهاره وأتعب جسمه وأنهَكه خوفًا من العذاب.
وقد ذُكِرَ مثل هذه الأحوال عن كثير من العبّاد الصالحين الذين لا يهنأ لهم المنام، كلما نام أحدهم ونعس قليلًا قام فزِعًا يقول: لم أهنأ بالمنام وأنا أتذكر النار، منعني ذِكْرُ النار من أن أنام نومة كاملة أو نومة مستمرة، أو نحو ذلك.
هؤلاء هم أهل المعرفة بالله الذين عرفوا أو أيقنوا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في هذا الحديث: « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا » أي: لكان بكاؤكم أكثر من ضحككم.
ومعلوم أن البكاء لا يكون إلا من الخوف، يعني: إنكم ستخافون مما أمامكم خوفًا شديدًا يحملكم على أن لا تهنأوا بالمقام، وأن يكثر بكاؤكم ونحِيبكم خوفًا من سوء العاقبة، ولا تغرنكم زينةُ الدنيا، ولن تضحكوا من المضحكات ولا العجائب ولا غيرها»(7) .
---------------------
(1) المرابطة: هي الإقامة على جِهَاد العَدوّ بالحرب. أو هي رَبْطُ الْغَازِي فَرَسَهُ بِأَقْصَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَعِدًّا لِلْجِهَادِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ . وموضع المرابطة، مثل الحِصْن وغيره يقيم فيه الجيش. انظر: «معجم اللغة العربية المعاصرة» [ص/2884] لأحمد مختار عمر، و«النهاية في غريب الحديث والأثر» [2/461]، لابن الأثير, و«طلبة الطلبة» [3/304]، للنجم النسفي.
(2) صخرة موسى عليه السلام: هي التي نَسِيَ عندها الحوت في قوله تعالى: { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ }. (سورة الكهف: آية: 63). انظر: «معجم البلدان» [3/ 339].
(3) المِيلُ: هو آلة من خشَب أو فِضَّة أو ريش أو غيره يُكْتَحَل بها عن طريق غمْسِها في المُكْحلة، ثمَّ إمرارها على مواضع الكحل من العين. ويقال له أيضًا: المِرْوَد. انظر: «معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية » [3/263 ].
(4) يتلهَّى: يعني يفعل أفعال اللاهين والمُهرِّجين! فلعله كان يُشير بيده ويقفز على رجليه!
(5) قال ابن عساكر في (تاريخه) [68/ 243 - 244]: قرأت بخط أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري سمعت الشيخ أبا محمد بن أبي نصر يقول حدثني أبي أن رجلا حدثه كان يصحب ابن جَوْصا عن نفسه أو عن شيخ حدَّثه: «أنه كان يُرابِط بالساحل .... » وساق القصة.
(6) حديث حسن: أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وجماعة من حديث أبي ذر الغفاري، وحسَّنه الإمام الألباني في «السلسلة الصحيحة» [رقم/1722]، وفي «صحيح الجامع الصغير» [رقم/4214].
(7) نقلا: عن «شرح عمدة الأحكام/أشرطة صوتية» للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
لِحْية الشيخ جمال الدين!
قال ابن بطوطة في «رحلته»(1) في وصْف مدينة دمياط:
«وبها زاوِية الشيخ جمال الدين السَّاوي قُدْوة الطائفة المعروفة بالقَرَنْدَرِيّ َة (2) وهم الذين يحلقون لِحَاهم وحواجِبَهم!
يُذْكَر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حَلْق لحيته وحاجبيْه أنه كان جميل الصورة حسَنَ الوجه، فعلَقَتْ به امرأة (يعني: أحبَّتْه) من أهل ساوة (3) وكانت تُراسِلُه وتعارِضُه في الطرُق، وتدعوه لنفسها، وهو يمتنع ويتهاوَن.
فلما أعياها أمْرَه دسَّتْ له عجوزًا تصدَّتْ له إَزاء دارٍ على طريقه إلى المسجد وبيدها كتاب مخْتُوم. (يعني: جواب )
فلما مرَّ بها قالت له يا سيدي: أتُحْسِن القراءة؟
قال: نعم.
قالت له: هذا الكتاب وجَّهَهُ إليَّ ولَدِي وأُحِبُّ أنْ تقرأه عليَّ.
فقال لها: نعم.
فلمَّا فتح الكتاب قالت له: يا سيدي إن لولدي زوجة وهي باسْطُوان الدار (يعني: في وسط الدار)، فلو تفضَّلْتَ بقراءته بين بابَيِ الدار بحيث تُسْمِعُها؟ فأجابها لذلك.
فلما توسَّط بين البابين غلقَتْ العجوز الباب، وخرجت المرأة وجواريها فتعلَّقْنَ به وأدخلْنَه إلى داخل الدار، وراوَدتْه المرأة عن نفسه، فلما رأى أنْ لا خلاص له!
قال لها: إني حيث تريدين ( يعني: أنا تحت أمرك!) فأرِيني بيت الخلاء( يعني: الحمَّام وحيث يقضي الناس حاجتهم) فأرَتْه إيَّاه، فأدخل معه الماء، وكانت عنده مُوسَى ( يعني: حديدة يحلق به شعره ) فحلَق لحيَته وحاجبَيْه وخرج عليها!
فاستقبحتْ هيئته واستنكرتْ فِعْله! وأمرَتْ بإخراجه، وعَصمَه الله بذلك، فبقى على هيئته فيما بعد، وصار كلُّ مَنْ يسلك طريقته يحلِق رأسه ولحيته وحاجبيه»! انتهى.
قلت: وهذا من جهْل هذا الشيخ القرندري وجماعته! لأن حَلْقَه للحْيَته وحاجبيه إنما كان لضرورة الفِرار من كيد تلك المرأة، فلمَّا نجَّاه الله منها بأيِّ شيء يتعلَّق بحلْقِه للحيته وحاجبيه بعد ذلك؟ ألا يعلم أن هذا من باب تغيير خلْقِ الله! ألا يدري أنه مأمور شرعًا بتوفير لحْيته وعدم التعرُّض لحواجِبه!
ولا شكَّ في أنه أحسن التلخص من الوقوع في شِرَاك تلك المرأة اللَّعُوب! وإن كان الله لم يُضّيِّق عليه في مَخْرَج آخرَ غير أن يحلق لحيته وحاجِبه! (4)
وهلَّا فعل كما فعل الشاب الصالح الذي لقَّبه الناس بـ «المِسْكِي»؟! ذلك الشاب الفقير المتعفِّف! الذي كان مِن خَبَره ما كان، وسارت بحديثه الرُّكْبان! حتى كان عبرة لمن اعتبر، وآية لمن كان له سمعٌ وبَصَر.
إنْ أردتَّ أن تعرف قصته فانظرها في الصفحة التالية ...
----------------------------------------------
(1) انظر: «رحلة ابن بطوطة» المسماة: «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» [ص/53/بتعليقي/ طبعة دار الكتاب العربي/دمشق].
(2) القرندرية: هم مجموعة من الدراويش التائهين! كما يقول الأستاذ عبد الهادي التازي في تعليقه على «رحلة ابن بطوطة» [1/199/طبعة أكاديمية المملكة المغربية].
(3) ساوة: مدينة إيرانية مشهورة.
(4) كما فعل أبو دهبل الشاعر! فهل تعرف خبره؟ فحكايته قريبة جدًا من هذه القصة التي وقعت للشيخ القرندري، لكن ختام قصته لم يكن فيها حَلْقٌ للحواجب والذقون! بل كانت نهاية سعيدة! حيث عرض أبو دهبل –واسمه وهب بن زمعة الشاعر المشهور ( توفي 63 هـ / 682 م )- على المرأة التي راودتْه الزواج! فقبلتْ على الفور، فتزوجها وأنجب منها عدة أبناء.
وقصته: أخرجها أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» [7/ 142 - 143 ]، وابن عساكر في «تاريخه» [63/64]، وأبو جعفر السراج في «مصارع العشاق» [ص/ 43]، وغيرهم.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
رائحة المِسْك
كان هناك شاب يبيع البَزَّ (القُماش) ويضعه على ظهره ويطوف بالبيوت، وكان هذا الشاب مستقيم الأعضاء، جميل الهيئة، مَنْ رآه أحبَّه لِمَا حَبَاه الله من جمال ووسامة زائدة على الآخرين ..
وفي يوم من الأيام وهو يمرُّ بالشوارع والأزِقَّة والبيوت رافعًا صوته ينادي على سِلْعته، إذْ أبصرتْه امرأة فنادته، فجاء إليها، فأمرتْه بالدخول إلى داخل البيت، فلمَّا دنتْ منه وتأمَّلتْ محاسنه أُعْجِبتْ به وأحبَّتْه حبًّا شديدًا.
فقالت له: إنني لم أدْعُك لأشتري منك .. وإنما دعوتك من أجل محبَّتي لك، ولا يوجد في الدار أحد غيري وغيرك، فهلمَّ إليَّ فقد هيَّأت لك نفسي!
فلما سمع الشاب ذلك منها بكى وجعل يُذكَّرُها بالله، ويُخوِّفها من أليم عقابه .. ولكن دون جَدْوَى أو فائدة .. بل ما كان يزيدها ذلك إلا إصرارًا ..
فلما رأتْه ممتنِعًا من الحرام قالت له: إذا لم تفعل ما آمُرَك به صِحْتُ في الناس وقلت لهم: هذا الرجل دخل داري بغير إذني ويريد أن ينال من عِفَّتي دون موافقتي!
وسوف يُصدِّق الناس كلامي لأنك داخل بيتي .. فلما رأى إصرارها على الإثم والعدوان .. قال لها : هل تسمحين لي بالدخول إلى الحمَّام من أجل النظافة؟ ففرحتْ بما قال فرحًا شديدًا وظنت أنه قد وافق على المطلوب ..
ودخل الحمام وجسُدُه يرتعش من الخوف والوقوع في وَحَل المعصية.. فالنساء حبائل الشيطان، وما خلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ...
وجعل يُحَدِّث نفسه: يا إلهي ماذا أعمل؟ دُلَّني يا دليل الحائرين .. وفجأة جاءت في ذهنه فكرة، فذكر الحديث الشريف الصحيح الذي يقول: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظِله» وذكر منهم: « ورجلٌ دعتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله » .. وتذكر المقولة المشهورة: « من ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه» .. ومقولة: «رُبَّ شهوة تُورِث ندَمًا إلى آخر العمر» ..
وجعل يقول لنفسه: ماذا سأجْنِي من هذه المعصية غيرأن الله سيرفع من قلبي نور الإيمان ولذَّتَه .. لا لا لن أفعل الحرام .. ولكن ماذا سأفعل؟ هل أرْمي نفسي من النافذة! لا أستطيع ذلك .. فإنها مُغْلقة جدًا ويصعب فتْحُها ..إذًا سأُلَطِّخ جسدي بهذه القاذورات والأوساخ (يعني: غائط الإنسان ) فلعلها إذا رأتْني على هذه الحال تركتْني وشأني ..
وفعلًا صمَّم على ذلك الفعْل الذي تتقزَّز منه النفوس .. مع أنه يَخْرُج من النفوس !
ثم بكى وقال : ربَّاه إلهي وسيدي خوْفُك جعلني أعمل هذا العمل .. فأخْلِفْ عليَّ خيرًا.. وخرج من الحـمام.
فلما رأتْه المرأة صاحتْ به : اُخْرُجْ يا مجنونُ ؟ فخرج خائفًا يترقَّب من الناس وكلامهم وماذا سيقولون عنه .. وأخذ متاعه والناس يضحكون عليه في الشوارع حتى وصل إلى بيته... وهناك تنفس الصُّعَداء وخلع ثيابه ودخل الحمام واغتسل غسلًا حَسنًا ثم ماذا ؟ ..
هل يترك الله عبده ووليَّه هكذا ... فعندما خرج من الحمام عوَّضه الله شيئًا عظيمًا بقي في جسده حتى فارق الحياة وما بعد الحياة .. لقد أعطاه الله سبحانه رائحة عِطْرِيَّة زَكِيَّة فوَّاحة كعطر المسك تخرج من جسده .. يشُمها الناس على بُعْد عدة مترات.
وأصبح ذلك لقبًا له: «المِسْكي» فقد كان المسك يخرج من جسده . . وعوَّضه الله بدلًا من تلك الرائحة الي ذهبت في لحظات رائحةً بقيَتْ مدى الوقت .. وعندما مات ووضعوه في قبره .. كتبوا على قبره هذا «قبر المِسْكي».(1)
قلت: ما هذه القصة ببعيدة عن التصديق، ويُشْبهها قصة ذلك الرجل المسكين في سُجُون طاغية العراق الحَجَّاج بن يوسف الثقفي!؟ فهل تعرف خبره؟ انظره في الصفحة القادمة.
----------------
(1) هذه حكاية مشهورة سمعناها من أفواه المشايخ قديمًا وحديثًا، وبعضهم يزيد منها وينقص! وقد رأيت من يعزوها لبعض كتب ابن الجوزي، ولم أتحقق ذلك الآن. وقد فتشْتُ في مظانها من كتبه فلم أعثر عليها! ولعلي لم أُمْعِن البحث!
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
راوَدَتْه عن نفْسِه فأبَى
أمر الحجَّاج بن يوسف الثقفي يومًا جُنْده بأن يعرِضُوا عليه ضحاياه في السجون، فجاءوه بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ: مَا كَانَ جُرْمُكَ؟
فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، أَخَذَنِي عَسَعسُ الْأَمِيرِ ( يعني: الشُّرْطة والجنود) وَأَنَا مُخْبِرٌ بِخَبَرِي، فَإِنْ يَكُنِ الْكَذِبُ يُنَجِّي فِالصِّدْقُ أَوْلَى بِالنَّجَاةِ.
فَقَالَ له الحجَّاج: وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَخًا لِفُلَانٍ فَضَرَبَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِ الْبَعْثَ إِلَى خُرَاسَانَ، (يعني: أرسله إلى خرسان) وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَهْوَانِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولًا أَنْ قَدْ جَاءَنَا كِتَابُ صَاحِبِكَ فَهَلُمَّ لِتَقْرَأَهُ (تعني: جاءني جواب من زوجي الذي هو صديقك).
فَمَضَيْتُ إِلَيْهَا فَجَعَلَتْ تَشْغَلُنِي بِالْحَدِيثِ حَتَّى صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَظْهَرَتْ لِي مَا فِي نَفْسِهَا مِنِّي، وَدَعَتْنِي إِلَى الشَّرِّ (يعني: طلبَتْ منها فِعْل الحرام ) فَأَبَيْتُ ذَلِكَ.
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَصِيحَنَّ وَلَأَقُولَنَّ: إِنَّكَ لِصٌّ!
قال: فَخِفْتُهَا وَاللَّهِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ (يعني بالأمير: الحجَّاج بن يوسف، فقد كان أمير العراق) عَلَى نَفْسِي.
فَقُلْتُ لها: انتظري حَتَّى يأتيَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ (يعني: العشاء) خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا هَارِبًا، وَكَانَ الْقَتْلُ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ خِيَانَةِ أَخِي، فَلَقِيَنِي عَسَسُ (يعني: الشرطة ) الْأَمِيرِ فَأَخَذُونِي، وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
رُبَّ بَيْضَاءَ بَضَّةٍ ذَاتِ دَلٍّ ... قَدْ دَعَتْنِي لِوَصْلِهَا فَأَبَيْتُ
لَمْ يَكُنْ شَأْنِيَ الْعَفَافَ, وَلَكِنْ ... كُنْتُ نَدْمَانَ زَوْجِهَا (1) فَاسْتَحَيْتُ
فعرف صِدَق حديثه، وأمر بإطلاقه (2) . انتهى.
قلت: قد أضاع هذا الرجل ثوابه عند الله بِشِعْرِه في آخر قصته! إذ أنه اعترف أنه لم يكن من شأنه العفاف! ولكن منَعَه من المعصية أن المرأة هي زوجة صديقه ورفيقِ دَرْبِه! ولو لم تكن كذلك لأغضب ربَّه ووقع في المعصية! لأنه ليس من شأنه العفاف!
لقد كان أشرف لنفسه أن يفعل مثل ذلك الشيخ الغرناطي بدلا من أن يتهم نفسه بعدم العفاف!
فهل سمع القارئ بقصة هذا الرجل الغرناطي؟ فلْنقرأ خبره في الصفحة القادمة.
-----------------------
(1) ندمان زوجها: يعني صاحبه ونديمه.
(2) نقلا عن «اعتلال القلوب» [1/ 200] للخرئطي، و«أخبار النساء» [ص/ 52]، لابن الجوزي.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
حكاية الشيخ الذي قطَعَ ذَكَرَه!
قال ابن بطوطة في «رحلته» في ذِكْرِ تِعْدَاد المُؤذِّنين بالحرَم المدني الشريف:
«والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد الغرناطي المعروف بالتَّرَّاس، قديم المجاورة، وهو الذي جَبَّ نَفْسه ( يعني قطع عُضْوَه الرجولي ) خوفًا من الفتنة!
يُذْكَر أن أبا عبد الله الغرناطي كان خديمًا لشيخ يُسَمَّى عبد الحميد العجمي، وكان الشيخ حسنَ الظن به يطمئن إليه بأهله وماله، ويتركه متى سافر بداره.
فسافر مرة وتركه على عادته بمنزله فعلَقَتْ به زوجة الشيخ عبد الحميد ( يعني أحبَّتْه ) وراوَدَتْه عن نفسه، فقال: إني أخاف الله ولا أخون مَن ائتمنني على أهله وماله!
فلم تزل تُراوِده وتعارضه، حتى خاف على نفسه الفتنة وجبَّ نَفَسه ( يعني قطع عُضْوَه الرجولي ) وغُشيَ عليه!
ووجده الناس على تلك الحالة فعالجوه حتى برِئ، وصار من خُدَّام المسْجِد الكريم ومُؤذِّنًا به ورأسَ الطائفتين، وهو باقٍ بقيد الحياة إلى هذا العهد». (1) انتهى.
قلت: كأنَّ المخارِج قد ضاقت بهذا الشيخ فلم يجد سبيلًا للهروب من تلك المرأة إلا إهدار ذُكُوريَّته! وهذا من جَهْلِه بالله! لأن الله لم يأمره بذلك في أوقات الفِتَن! وقد كان يمكنه التخلُّص من الوقوع في أُحْبُولة المعصية بطرق أخرى قد أحلَّها الله.
وأين هو من عبد العزيز علَّام الهندي! ذلك الشاب العفيف النظيف الشريف! الذي اختار الموت بالرصاص على أن يقع في المعصية مع امرأة أخرى لا تخاف الله؟
فهل يعرف القارئ الكريم قصته؟ انظرها في الصفحة القادمة.
---------------------
(1) انظر: «رحلة ابن بطوطة» المسماة: «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» [ص/ 114/بتعليقي/ طبعة دار الكتاب العربي/دمشق-القاهرة].
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
إني أخاف الله رب العالمين
في «مذكراته» وهو يحْكِي قصصًا أغرب من الخيال عن أناس عرفهم واجتمع بهم بمدينة الإسماعيلية:
«وهذا الأخ عبد العزيز علام الهندي الذي يعمل «تَرْزِيًّا»(1) في المعسكر الإنجليزي (يعني بمدينة الإسماعيلية) تدعوه زوجة أحد كبار الضُّبَّاط لبعض الأعمال الخارجية بمهنته.
لتنفرد به في المنزل، وتُغْرِيه بكل أنواع المُغْرِيات، فيَعِظُها وينصح لها، ثم يُخوِّفُها ويزْجُرها. فتُهدِّد بعكْس القضية تارة (يعني: تريد أن تتهمه بأنه هو الذي تهجَّم عليها!)، وبتصويب المسدس إلى صدْره تارة أخرى! وهو مع ذلك لا يتزحزح عن موقفه قائلا: إني أخاف الله رب العالمين».
يقول الشيخ البنَّا: «وكم كان جميلا ومُضْحِكًا في وقت واحد أن تُوهِمَه (يعني المرأة ) في إصرار أنها قد قرَّرتْ قتْلَه، وستعتذر عن ذلك بأنه هاجمها في منزلها وهَمَّ بها! وتُصَوِّب المسدس إليه فيغمض عينَيْه ويصرخ في يقين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتفاجئها الصيْحة! ويسقط المسدس على الأرض! ويُسْقَطُ في يديها ( يعني تنقطع بها الحيلة مع هذا الشاب العنيد! ) فلا ترى إلا أن تدفعه بكِلْتا يدَيْها إلى الخارج، حيث ظل يعْدُو (يعني: يجري ويُسْرِع) إلى دار الإخوان المسلمين». (2) انتهى.
قلت: هذا هو الثبات على طاعة الله حتى الممات، وهذا الرجل عندي أفضل من جميع مَنْ مضى خبرُهم! كــ: «الشيخ القرندري» و«المِسْكِي» و«الرجل السجِين» وغيرهم!
لأن فتنة هذا الخياط كانت أشد، ومِحْنَته أعظم. أضاء الله مرقده إن كان قد مات، ولا أظنه الآن إلا في عالم الأموات!
وأين تلك الهِمَم العالية من هِمَّة الشباب في تلك الأيام! فما هي إلا نظرة واحدة من امرأة تمشي متمايلة الجسم مُتكسِّرَة الخطوات أمام رجل أو فتى إلا وسقط من نَظْرتها على وجهه تحت قدَميْها!
فكيف لو أشارت إليه بيدها أنْ: «تعالَى»! إذًا لحَمْلَق بعينيه يَمْنَة ويَسْرَة وما صدَّق نفْسه!
فكيف لو قالت له: «هلمَّ إليَّ فأنت غايتي»! إذًا لوجدتَّه أزْبَدَ وأرْغَى واندلع لسانُه كالكلب يلْهَث عطَشًا!
وما أجمل ما قاله العلامة الشيخ مصطفى السباعي في كتابه القيم «هكذا علَّمتْني الحياةُ»
«إذا همَّتْ نفسك بالمعصية فذَكِّرْها بالله.
فإذا لم ترجع فذَكِّرْها بأخلاق الرجال.
فإذا لم ترجع فذَكِّرْها بالفضيحة إذا علم بها الناس.
فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة قد انقلبتَ إلى حيوان!».(3)
------------------------------------
(1) يعني: خيَّاطًا.
(2) نقلا عن مذكرات المسمَّاة «مذكرات الدعوة والداعية» [ص/91].
(3) انظر كتابه النفيس: «هكذا علمتني الحياة» [ص/39/طبعة المكتب الإسلامي].
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
[الزيادات على الكتاب]
قلت: وقد تجمَّع لديَّ مجموعة لا بأس بها من أنباء جماعة ممن تعرَّضوا لفتنة النساء فعصمهم الله، وقد شرَعْتُ في نَظْمِ تلك الأنْباء في كتابِي الجديد: ( النبأ الأعْظَم بأخبار من راودتْه امرأةٌ عن نفسه فأبَى واسْتَعْصَم)، ولم أقْصُرْه على الرجال وحسب، بل للنساء فيه نصيب معلوم، وقد قسَّمْتُه ثلاثة أقسام:
1- القسم الأول: أخبار من ابتلاه الله بذلك من الأنبياء.
2- القسم الثاني: أخبار من ابتلاه الله بذلك من الأئمة وأصناف الناس.
3- القسم الثالث: أخبار من ابتلاهن الله بذلك من النساء.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
تسعة وواحد؟!
قال ابن بطوطة في (رحلته ) في وصْف مدينة «سِرْمين» بالشام:
(وأهلها سبَّابون (يعني: شتَّامون ) يُبْغِضون العَشَرة ( يعني العشرة المبشَّرِين بالجنة)(1) ومن العجب أنهم لا يذكرون لفظ العشرة، وينادي سَماسِرَتَهم بالأسواق على السِّلَع، فإذا بلغوا إلى العشرة قالوا: تسعة وواحدا!
وحضر بها ( يعني بمدينة سرمين ) بعض الأتراك يوما فسمع سِمْسارًا ينادي: تسعة وواحد، فضربه بالدّبُّوس على رأسه، وقال: قُلْ عشرة بالدبوس!
وبها مسجد جامع فيه تِسْع قِباب، ولم يجعلها عشرة؛ قيامًا بمذهبهم القبيح»(2)! انتهى.
قلت: كلُّ مَنْ أبغض أحد الصحابة فهو فاسد الاعتقاد! فمن استطال في أعراضهم فهو هالك! أمَّا من كفَّر أحدهم فهو خارج من دائر الإسلام جملة!
ولا شك أن «أشد الناس محاربة لله مَنْ عادى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسبَّهم وتنقَّصَهم، وقد صارت مُعاداة الصحابة وسبُّهم دِينًا وعقيدة عند بعض الطوائف الضالة!
نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه، ونسأله العفو والعافية، فإن الله تبارك وتعالى قد اختار نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- واختار له أصحابا وأصهارًا مدحهم في كتابه الكريم في مواضع عديدة، وأثنى عليهم وأرشد إلى فضْلهم، وبيَّنَ أنهم خير الأمم رضوان الله تعالى عنهم» (3) .
«فإياك إياك يا محبَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُبْغِض أصحابه فتكون مبغِضًا لرسولك -صلى الله عليه وسلم- فيا خسارتك ويا سوء عاقبتك إنْ كنت تُبْغض نبيك محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بل عليك يا مَنْ أحببتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تحب مَنْ أحب حبيبك ومَنْ أمرك بحبِّه، فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- لا يحب إلا طَيِّبًا ولا يأمر إلا بحب الطَّيِّبين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ولتعلم يا عبد الله أن سب صحابة نبيك -صلى الله عليه وسلم أعظمُ جُرْمًا من بُغْضِهم، فأدْنَى أحوال السابِّ أن يكون مُبغِضًا، فلتحذر من ذلك ولتتأمل قول نبيك -صلى الله عليه وسلم- : «لا تَسبُّوا أصحابي» (4) فستجد فيه النهي الواضح منه عن سبِّ أصحابه رضوان الله تعالى عنهم ». (5).
---------------------------------------
(1) وهم: الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبو عبيد ابن الجراح. رضي الله عنهم أجمعين.
(2) انظر: «رحلة ابن بطوطة» المسماة: «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» [ص/ 76/بتعليقي/طبعة دار الكتاب العربي/دمشق].
(3) نقلا –ببعض التصرف- عن «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد» [ص/ 298] للشيخ صالح بن فوزان آل فوزان.
(4) حديث صحيح: أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري به.
(5) نقلا –ببعض التصرُّف- عن «أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب» لأبي محمد الحسيني.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.
رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.