سلسلة روائع القصائد: فلسطين لعلي محمود طه
سلسلة روائع القصائد: ( 2 )
فلسطين
علي محمود طه
أَخِي جاوَزَ الظالمونَ المَدَى = فحَقَّ الجِهَادُ وحَقَّ الفِدَا
أَنتركُهُم يَغصِبون العُروبَ = ةَ مَجدَ الأُبَوَّةِ والسُّؤدَدَا
وليسُوا بغيرِ صَليلِ السُّيوِف = يُجِيبُونَ صَوتاً لنا أو صدى
فَجَرِّد حُسَامَكَ من غِمدِهِ = فليس له بَعدُ أن يُغمَدا
أَخي أَيُّها العربيُّ الأَبيُّ = أَرَى اليوم مَوعِدَنا لا غَدَا
أَخي أَقبَلَ الشَّرقُ في أُمَّةٍ = تَرُدُّ الضَّلاَلَ وتُحيي الهُدَى
أخي إنَّ في القدس أختاً لنا = أعدَّ لها الذابحون المُدى
صبَرنا على غَدرهم قادِرينَ = وكُنَّا لهُم قَدَراً مُرصدا
طلَعنا عليهم طُلوعَ المَنُونِ = فطَارُوا هَبَاءً وصارُوا سُدَى
أَخي قُم إلى قِبلَةِ المشرِقَينِ = لنَحمِي الكنيسةَ والمسجِدا
أخي قم إليها نشقُّ الغمارَ = دماً قانياً ولظىً مُرعِدا
أخي ظمئت للقتال السيوف = فأورد شَباها الدمَ المُصعِدا
أخي إن جرى في ثَرَاها دَمِي = وأَطبَقتُ فوق حَصَاها اليَدَا
ونادى الحِمام وجُنَّ الحُسام = وشبَّ الضِّرامُ بها موقَدا
ففتِّش على مُهجَةٍ حُرَّةٍ = أَبَت أَن يَمُرَّ عليها العِدا
وخُذ رايةَ الحقِّ من قبضةٍ = جلاها الوغى ونَماها الندى
وَقبِّل شهيداً على أَرضِها = دَعا باسمِهَا الله واستُشهِدَا
فَلسطِينُ، يَفدِي حِمَاكِ الشّبابُ = فجَلَّ الفِدائِيُّ وَالمُفتَدَى
فَلَسطِينُ، تَحمِيك منَّا الصُّدُورُ = فإِمَّا الحياةُ وإمَّا الرَّدَى
سلسلة روائع القصائد: عندما يعزف الرصاص لعبدالرحمن العشماوي
سلسلة روائع القصائد: ( 3 )
عندما يعزف الرصاص
لعبدالرحمن العشماوي
نُسبى و نطرد يا أبي و نباد = فإلى متى يتطاول الأوغاد
وإلى متى تدمي الجراح قلوبنا = وإلى متى تتقرح الأكباد
نصحوا على عزف الرصاص كأننا = زرع وغارات العدو حصاد
ونبيت يجلدنا الشتاء بسوطه = جلدا فما يغشي العيون رقاد
يتسامر الأعداء في أوطاننا = ونصيبنا التشريد والإبعاد
وتفرخ الأمراض في أجسادنا = أواه مما تحمل الأجساد
كم من مريض مل منه فراشه = ما زاره آسٍ ولا عوّاد
نشرى كأنا في المحافل سلعة = ونباع كي يتمتع الأسياد
في نهر (جيحون) الحزين مراكب = غرقت ودنس صفوه الإلحاد
وعلى ضفاف النهر جثة زورق = يبكي على أشلائها الصياد
وأمامه دار على جدرانها = صور يجدد رسمها ويعاد
صور تلونها دماء أحبة = غرسوا أصول المكرمات وشادوا
رحلوا وللقرآن في أعماقهم = ألق أضاء نفوسهم فانقادوا
أنى اتجهنا يا أبي ظهرت لنا = إحن يحرك جمرها الحساد
أو ما ترى من فوق كل ثنية = صنما يزيد غروره العباد
نصحوا على أصوات ألف مبشر = عزفوا لنا أوهامهم فأجادوا
جاءوا وسيف الجوع يخلع غمده = فشدوا بألحان الغذاء وجادوا
أما دعاة المسلمين فهمهم = أن تكثر الأموال والأولاد
هم في الخوالف حين ينطق مدفع = وإذا تحدث درهم رواد
أرأيت أظلم يا أبي من صاحب = تختال في أعماقه الأحقاد
يسعى ليبني بالخداع حياته = أرأيت صرحا في الهواء يشاد
أين الأحبة يا أبي أو ما دروا = أنَّا إلى ساح الفناء نقاد ؟
أو ما دروا كم دمية في أرضنا = تعلو وكم يزري بنا استعباد؟
أو ما لنا في المسلمين أحبة = فيهم من العوز المميت سداد؟
ما بال إخواننا استكانوا يا أبي = لا شامنا انتفضت ولا بغداد؟
قالوا الحياد وتلك أكبر كذبة = فحيادهم ألا يكون حياد
هذي بساتين الجنان تزينت = للخاطبين فأين من يرتاد؟
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا = أو مالنا سعد ولا مقداد؟
نامت ليالي الغافلين وليلنا = أرق يذيب قلوبنا وسهاد
سلت سيوف المعتدين وعربدت = وسيوفنا ضاقت بها الأغماد
هذا هو الأقصى يلوك جراحه = والمسلمون جموعهم آحاد
دمع اليتامى فيه شاهد ذلة = وسواد أعينهن فيه حداد
أواه يا أبتي على أمجادنا = يختال فوق رفاتها الجلاد
خمسون عاما أتخمت سنواتها = ذلا فكل زمانها إخلاد
ها نحن يا أبتي يسير وراءنا = ليل له فوق السواد سواد
ها نحن يا أبتي نبيت هنا ولا = طنب لخيمتنا ولا أوتاد
أهو القنوط يهد ركن عزيمتي = وبه ظلام مخاوفي يزداد
أهو القنوط فأين إيماني بمن = خلق الوجود وما له أنداد
يا أمة ما زال يكتب نثرها = طه ويروي شعرها حماد
ويرتب الحلاج دفتر فكرها = ويقيم مأتم عرسها حداد
ترعى حماها كل سائبة وفي = تمزيقها تتجمع الأضداد
تصغي لأغنية الهوى فنهارها = نوم ثقيل والمساء سفاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزها = فمحا مآثر عزها الأحفاد
يا ليل أمتنا الطويل متى نرى = فجرا تغرد فوقه الأمجاد
ومتى نرى بوابة مفتوحة = للحق تقصر عندها الآماد
أنا يا أبي طفل و لكن همتي = فجر به يحلو لي استشهاد
لا تخش يا أبتي علي فربما = قامت على عزم الصغير بلاد
ولربما مات القوي بسيفه = وقضى على مال الغني كساد
في سيف عنترة الفوارس قوة = ما كان يعرف سرها شداد
قل لي بربك يا أبي هل ننزوي = خوفا فليس للعدو قياد
دعنا نسافر في دروب آبائنا = ولنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصر المبين فإن يكن = موت فعند إلهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة = فالموت في درب الهدى ميلاد
سلسلة روائع القصائد: "أمتي" للشاعر:عمر أبو ريشة
سلسلة روائع القصائد:أمتي
عمر أبو ريشة
أمَّتي.. هل لك بين الأُمَم = مِنبَر للسيف أو للقلم
أتلقَّاك وطَرفي..... مُطرِقٌ = خجَلاً مِن أَمسِك المُنصرِم
ويَكاد الدمع يَهمي عابثًا = ببَقايا كـبريـاء الألم
أين دُنياكِ التي أوحَت إلى = وتَري كلَّ يَتيمِ النغَم
كم تخطَّيتُ على أصدائه = ملعَب العزِّ ومَغنى الشَّمَم
وتهاديتُ كأني ساحـب = مِئزَري فَوق جِباه الأَنجُمِ
أمتي... كم غصَّة داميَة = خنَقتْ نَجوى عُلاكِ في فَمي
أيُّ جُرحٍ في إبائي راعِف = فاتَه الآسي فلم يَلتئم
أَلِإسرائيلَ تَعلو رايةٌ = في حِمى المهدِ وظِلِّ الحَرَم؟!
كيف أغضيتِ على الذلِّ، ولم = تَنفُضي عنك غُبار التُّهَم؟!
أوَ ما كُنتِ إذا البغي اعتدى = موجةً مِن لهب أو مِن دم؟!
كيف أقدمتِ وأحجمْتِ، ولم = يَشتفِ الثأر، ولم تَنتقِمي؟!
اسمَعي نَوح الحزانَى واطرَبي = وانظُري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها = تتَفانى في خسيس المَغنَم
رُبَّ وامُعتَصِماه انطلَقت = ملْء أفواه البنات اليُتَّم
لا مسَتْ أسماعَهم، لكنَّها = لم تُلامِس نخوَة المُعتصِم
أمتي.. كم صنَم مجَّدتِه = لم يكن يَحمِل طُهْر الصنَم
لا يُلام الذئب في عُدوانه = إن يكُ الراعي عدوَّ الغنَم
فاحبِسي الشكوى؛ فلولاكِ لما = كان في الحكْم عبيدُ الدرهم
أيها الجندي، يا كبشَ الفِدا = يا شُعاع الأمل المُبتسِم
ما عرفتَ البُخل بالرُّوح إذا = طلبَتْها غُصَص المجْد الظَّمي
بُورِك الجرح الذي تَحمِله = شرفًا تحت ظِلال العلم
سلسلة روائع القصائد: تهون الشعوب لمصطفى نجيب
سلسلة روائع القصائد:
تهون الشعوب
مصطفى نجيب
تهون الشعوب ولا تُهزَم = ويَهوي الطُّغاةُ وإن يَحكُموا
فيا مصر لا تيأسي في الهَوان = فحسبُك تاريخُك المُلهِمُ
تضمَّخ بالذِّكَرِ الغاليات = وإن كان يَقطر منه الدم
فُتوحاته مجَّدَتْها الشعوب = ومَجَّدَها العِلم والمرقَم
فما ضرَّها مرةً لا تُعدُّ = وما هدَّها مرَّة تُهزَم
وما غلبَتْك جيوش العِداة = بل الخائنون بما أجرَموا
هزمْتِ القرونَ وكلَّ الغُزاة = فما الإنكليز بما أقدَموا
كما ضاعَ قمبين لا بدَّ أن = يَضيعوا، ولا بدَّ أن يُرغَموا
شبابُكِ يَكفُل هذا المآل = فمَن حَزمُه النصر يَستلهِم
ولا بدَّ للثأر مِن يومه = وإن سوَّف الدهرُ والنُّوَّم
وعندئذ ستهز الربوع = كتائب ما بينها محجم
وحينئذ سيَشيع الفداء = هواه المَسيحيُّ والمُسلم
وتُغسَل أرضُ الكِنانة مما = جَنى أمسها الغادر المُعتِم
ويأتي الأباة محلَّ الذين = أضاعوا الكرامة واستَسلموا
فيَنتزِع الشعب حقًّا له = ويَنسِف أوتاد مَن خيَّموا
إني لتطربني الخلال كريمة لشاعر النيل حافظ إبراهيم
سلسلة روائع القصائد:إني لتطربني الخلال كريمة
لشاعر النيل
حافظ إبراهيم
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي = في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً = يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً = يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ = بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً = طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى = بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
ما البابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها = وَالشَربُ بَينَ تَنافُسٍ وَسِباقِ
وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي = وَالبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقي
بِأَلَذَّ مِن خُلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ = قَد مازَجَتهُ سَلامَةُ الأَذواقِ
فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً = فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ
فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا = عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ
وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً = بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ = تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ = ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً = لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ
وَفَقيهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ = لِمَكيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ
يَمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ = كَالبُرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ
يَدعونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا = أَنَّ الَّذي يَدعونَ خِدنُ شِقاقِ
وَطَبيبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ = ما لا تُحِلُّ شَريعَةُ الخَلّاقِ
قَتَلَ الأَجِنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً = جَمَعَ الدَوانِقَ مِن دَمٍ مُهراقِ
أَغلى وَأَثمَنُ مِن تَجارِبِ عِلمِهِ = يَومَ الفَخارِ تَجارِبُ الحَلّاقِ
وَمُهَندِسٍ لِلنيلِ باتَ بِكَفِّهِ = مِفتاحُ رِزقِ العامِلِ المِطراقِ
تَندى وَتَيبَسُ لِلخَلائِقِ كَفُّهُ = بِالماءِ طَوعَ الأَصفَرِ البَرّاقِ
لا شَيءَ يَلوي مِن هَواهُ فَحَدُّهُ = في السَلبِ حَدُّ الخائِنِ السَرّاقِ
وَأَديبِ قَومٍ تَستَحِقُّ يَمينُهُ = قَطعَ الأَنامِلِ أَو لَظى الإِحراقِ
يَلهو وَيَلعَبُ بِالعُقولِ بَيانُهُ = فَكَأَنَّهُ في السِحرِ رُقيَةُ راقي
في كَفِّهِ قَلَمٌ يَمُجُّ لُعابُهُ = سُمّاً وَيَنفِثُهُ عَلى الأَوراقِ
يَرِدُ الحَقائِقَ وَهيَ بيضٌ نُصَّعٌ = قُدسِيَّةٌ عُلوِيَّةُ الإِشراقِ
فَيَرُدُّها سوداً عَلى جَنَباتِها = مِن ظُلمَةَ التَمويهِ أَلفُ نِطاقِ
عَرِيَت عَنِ الحَقِّ المُطَهَّرِ نَفسُهُ = فَحَياتُهُ ثِقلٌ عَلى الأَعناقِ
لَو كانَ ذا خُلُقٍ لَأَسعَدَ قَومَهُ = بِبَيانِهِ وَيَراعِهِ السَبّاقِ
مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها = في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها = أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا = بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى = شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً = بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ
يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ = يَحذَرنَ رِقبَتَهُ وَلا مِن واقي
يَفعَلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِياً = عَن واجِباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ
في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ = كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ
كَلّا وَلا أَدعوكُمُ أَن تُسرِفوا = في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً = خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى = في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها = دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي
فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا = فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ
رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها = في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ
وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم = نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي
خلافة الإسلام لأمير الشعراء أحمد شوقي
سلسلة روائع القصائد:
خلافة الإسلام
أحمد شوقي
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ = وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ = وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ = في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ = وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ = تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ = أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
وَأَتَت لَكَ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَماً = فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ = قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ
إِنَّ الَّذينَ أَسَت جِراحَكِ حَربُهُم = قَتَلَتكِ سَلمُهُمو بِغَيرِ جِراحِ
هَتَكوا بِأَيديهِم مُلاءَةَ فَخرِهِم = مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ = وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ = قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها = كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ
جَمَعَت عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما = جَمَعَت عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ
نَظَمَت صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُم = في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ = بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً = وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِم فِقهُهُ = خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ = أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ = مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما = قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ = وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ = وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً = وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ
فَاِمدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُموا = أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ
وَمِنَ الرِجالِ إِذا اِنبَرَيتَ لِهَدمِهِم = هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ = تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ
أَدّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِح = إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ = كَيفَ اِحتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى = وَالناسَ نَقلَ كَتائِبٍ في الساحِ
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ = لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ
هُم أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمو = حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ = وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ = لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً = لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ = عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ
حُبٌّ لِذاتِ اللَهِ كانَ وَلَم يَزَل = وَهَوىً لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ = حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ
غَزَواتُ أَدهَمَ كُلِّلَت بَذَوابِلٍ = وَفُتوحُ أَنوَرَ فُصِّلَت بِصِفاحِ
وَلَّت سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما = وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ = عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً = وَاليَومَ مَدَّ لَهُم يَدَ الجَرّاحِ
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِياً = يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً = فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ = وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ
أنشودة أعيدوا مجدنا لشاعر النيل حافظ إبراهيم
سلسلة روائع القصائد:أعيدوا مجدنا
لشاعر النيل
حافظ إبراهيم
أعيدوا مجدنا دُنيا وَدينا = وَذودوا عَن تُراثِ المُسلِمينا
فَمَن يَعنو لِغَيرِ اللَهِ فينا = وَنَحنُ بَنو الغُزاةِ الفاتِحينا
********
مَلَكنا الأَمرَ فَوقَ الأَرضِ دَهراً = وَخَلَّدنا عَلى الأَيّامِ ذِكرى
أَتى عُمَرٌ فَأَنسى عَدلَ كِسرى = كَذَلِكَ كانَ عَهدُ الراشِدينا
********
جَبَينا السُحبَ في عَهدِ الرَشيدِ = وَباتَ الناسُ في عَيشٍ رَغيدِ
وَطَوَّقَتِ العَوارِفُ كُلَّ جيدِ = وَكانَ شِعارُنا رِفقاً وَلينا
********
سَلوا بَغدادَ وَالإِسلامَ دينُ = أَكانَ لَها عَلى الدُنيا قَرينُ
رِجالٌ لِلحَوادِثِ لا تَلينُ = وَعِلمٌ أَيَّدَ الفَتحَ المُبينا
********
فَلَسنا مِنهُمُ وَالشَرقُ عانى = إِذا لَم نَكفِهِ عَنَتَ الزَمانِ
وَنَرفَعُهُ إِلى أَعلى مَكانٍ = كَما رَفَعوهُ أَو نَلقى المَنونا
قصيدة من صاحب العجز للشاعر الوزير محمود سامي البارودي
سلسلة روائع القصائد:
من صاحب العجز
لباعث الشعر العربي من مرقده
الشاعر الوزير
محمود سامي البارودي
مَنْ صَاحَبَ الْعَجْزَ لَمْ يَظْفَرْ بِمَا طَلَبَا = فارْكَبْ مِنَ الْعَزْمِ طِرْفاً يَسْبِقُ الشُّهُبَا
لا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلاَّ مَنْ إِذَا هَتَفَتْ = بِهِ الْحَمِيَّةُ هَزَّ الرُّمْحَ وَانْتَصَبَا
يَسْتَهِلُ الصَّعْبَ إِنْ هاجَتْ حَفِيظَتُهُ = ولا يُشَاوِرُ غَيْرَ السَّيْفِ إِنْ غَضِبَا
يَنْهَلُّ صارِمُهُ حَتْفاً وَمنْطقُهُ = سِحْراً حَلالاً إِذَا ما صَالَ أَوْ خَطَبَا
إِنْ حَلَّ أَرْضاً حَمَى بِالسَّيْفِ جَانِبَهَا = وإِنْ وَعَى نَبْأَةً مِنْ صارِخٍ رَكِبَا
فَذَاكَ إِنْ يَحْيَ تَحْيَ الأَرْضُ في رَغَدٍ = وَإِنْ يَمُتْ يَنْقَلِبْ صِدْقُ الْمُنَى كَذِبَا
فَاحْمِلْ بِنَفْسِكَ تَبْلُغْ ما أَرَدْتَ بِهَا = فَاللَّيْثُ لا يَرْهَبُ الأَخْطَارَ إِنْ وَثَبَا
وَجُدْ بِمَا مَلَكَتْ كَفَّاكَ مِنْ نَشَبٍ = فَالْجُودُ كَالْبَأْسِ يَحْمِي الْعِرْضَ وَالنَّسَبَا
لا يَقْعُدُ الْبَطَلُ الصِّنْدِيدُ عَنْ كَرَمٍ = مَنْ جَادَ بِالنَّفْسِ لَمْ يَبْخَلْ بِمَا كَسَبَا
نشيد اسلمي يا مصرلأديب العروبة والإسلام: مصطفى صادق الرافعي
سلسلة روائع القصائد:
اسلمي يا مصر
(السلام الوطني لمصر بين عامي 1923 - 1936 م)
لأديب العروبة والإسلام:
مصطفى صادق الرافعي
اسْلَمِي يَا مِصْرُ إِنَّنِي الفِدَا = ذِي يَدِي إِنْ مَدَّتِ الدُّنْيَا يَدَا
أَبَدًا لَنْ تَسْتَكِينِي أَبَدَا = إِنَّنِي أَرْجُو مَعَ اليَوْمِ غَدَا
وَمَعِي قَلْبِي وَعَزْمِي لِلْجِهَادْ = وَلِقَلْبِي أَنْتِ بَعْدَ الدِّينِ دِينْ
لَكِ يَا مِصْرُ السَّلاَمَهْ = وَسَلاَمًا يَا بِلاَدِي
إِنْ رَمَى الدَّهْرُ سِهَامَهْ = أَتَّقِيهَا بِفُؤَادِي
وَاسْلَمِي فِي كُلِّ حِينْ
*********
أَنَا مِصْرِيٌّ بَنَانِي مَنْ بَنَى = هَرَمَ الدَّهْرِ الَّذِي أَعْيَا الفَنَا
وَقْفَةُ الأَهْرَامِ فِيمَا بَيْنَنَا = لِصُرُوفِ الدَّهْرِ وَقْفَتِي أَنَا
فِي دِفَاعِي وَجِهَادِي لِلبِلاَدْ = لاَ أَمِيلُ لاَ أَمَلُّ لاَ أَلِينْ
لَكِ يَا مِصْرُ السَّلاَمَهْ = وَسَلاَمًا يَا بِلاَدِي
إِنْ رَمَى الدَّهْرُ سِهَامَهْ = أَتَّقِيهَا بِفُؤَادِي
وَاسْلَمِي فِي كُلِّ حِينْ
*********
وَيْكَ يَا مَنْ رَامَ تَقْيِيدَ الفَلَكْ = أَيُّ نَجْمٍ فِي السَّمَا يَخْضَعُ لَكْ
وَطَنُ الْحُرِّ سَما لاَ تُمْتَلَكْ = وَالفَتَى الْحُرُّ بِأُفْقِهِ مَلَكْ
لاَ عَدَا يَا أَرْضَ مِصْرٍ فِيكِ عَادْ = إِنَّنَا دُونَ حِمَاكِ أَجْمَعِينْ
لَكِ يَا مِصْرُ السَّلاَمَهْ = وَسَلاَمًا يَا بِلاَدِي
إِنْ رَمَى الدَّهْرُ سِهَامَهْ = أَتَّقِيهَا بِفُؤَادِي
وَاسْلَمِي فِي كُلِّ حِينْ
*********
لِلعُلاَ أَبْنَاءَ مِصْرٍ لِلعُلاَ = وَبِمِصْرٍ شَرِّفُوا الْمُسْتَقْبَلا َ
وَفِدًا لِمِصْرِنَا الدُّنْيَا، فَلاَ = نَضَعُ الأَوْطَانَ إِلاَّ أَوَّلاَ
جَانِبِي الأَيْسَرُ قَلْبُهُ الفُؤَادْ = وَبِلاَدِي هِيَ لِي قَلْبِي اليَمِينْ
لَكِ يَا مِصْرُ السَّلاَمَهْ = وَسَلاَمًا يَا بِلاَدِي
إِنْ رَمَى الدَّهْرُ سِهَامَهْ = أَتَّقِيهَا بِفُؤَادِي
وَاسْلَمِي فِي كُلِّ حِينْ
رد: نشيد اسلمي يا مصرلأديب العروبة والإسلام: مصطفى صادق الرافعي
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركَاتُه
انتقاءٌ فنِّيٌ رائعٌ يستنفرُ فينا المشاعر الوطنيّة النبيلة بما فيها من بذلٍ وإيثار ، وما تحملُ من أحلامِ راقية سامية للأوطان ... كما نستعيدُ مع مثلِ قامةِ " الرّافعي " سمُوق اللغة العربية ورصانة البيان وشموخ البيانِ ...
باركَ اللهُ فيكُم أخي ؛ جدّدتُم قُوانا .
قصيدة دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ لشاعر الإسلامأحمد محرم
سلسلة روائع القصائد:دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ
لشاعر الإسلام
أحمد محرم
دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ = لِيُطفئَ بَردُه حَرَّ الأُوامِ
دَعونا إِنَّ لِلأَوطانِ حَقًّا = تُضيَّعُ دُونَه مُهَجُ الكِرامِ
أَنَخذُلُها وَنَحنُ لَها حُماةٌ = فَمَن عَنها يُناضِلُ أَو يُحامي
أَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعًا = فَتِلكَ سَجِيَّةُ القَومِ الطَّغامِ
أَيَبغي الإِنكليزُ لَها استلابًا = ولمّا تَختضِب بِدَمٍ سِجامِ([1])
وَيَمشِ([2]) أَخو الوَغى مِنّا وَمِنهُم = عَلى جُثَثٍ مُطرَّحةٍ وَهامِ
أَنتركُها بِأَيدي القَومِ نَهبًا = وَفي هَذي الكنانةِ سَهمُ رامِ
لَقَد ظَنَّ العِداةُ بِنا ظُنونًا = كَواذبَ مثلَ أَحلامِ النِّيامِ
رَأونا دُونَهُم عَددًا فَنادوا = عَلَينا بِالنزالِ وَبِالصِدامِ
وَزجُّوها فَوارِسَ ضاق عَنها = فَضاءُ الأَرض أَعينُها دَوامِ
لَقيناهم بِآسادٍ جِياعٍ = تَرى لَحم العِدى أَشهى طَعامِ
لعمر أَبيكَ ما ضَعُفتْ قُوانا = فَنجنحَ صاغِرينَ إِلى السَّلامِ
مَعاذَ اللَه مِن خَوَرٍ وَضعفٍ = وَمِن عابٍ نُقارِفه وَذامِ([3])
وَلا وَاللَه نَرضى الخسفَ دِينًا = كَدأبِ المُستَذَلِّ المُستَضامِ
إِذا حكم العِدى جَنَفًا عَلينا = فَأَعدلُ مِنهُمُ حكمُ الحُسامِ
هَبُونا كَالَّذي زَعموا ضِعافًا = أَيأبى نَصرَنا رَبُّ الأَنامِ
أَيخذِلُنا وَنحنُ لَهُ نُصلِّي = جَميعًا مِن قُعودٍ أَو قِيامِ
فَلا يَأسٌ إِذا ما الحَرب طالَت = مِن النَصرِ المُرجَّى في الختامِ
ولَسنا نَترك الهَيجاءَ يَومًا = بِلا نارٍ تَشُبُّ وَلا ضِرامِ
فَإِمّا العَيشُ في ظِلِّ المَعالي = وَإِمّا المَوتُ في ظلّ القَتامِ([4])
هِيَ الأَوطان إِن ضاعَت رَضينا = مِن الآمال بِالمَوت الزُؤامِ
فَهل جاءَ البُويرَ حَديثُ قَومي = وَما قَومي بشيءٍ في الخِصامِ
لنعم القَومُ ما أَوفوا بَعَهدٍ = لِأَوطانٍ شَقِينَ وَلا ذِمامِ
وَلا اعتَصموا بحبل الجِدِّ يَومًا = وَلا لاذُوا بِأَكناف الوئامِ
فوا أَسفي عَلى وَطَن كَريمٍ = غَدا ما بَيننا غَرَضَ السِهامِ
وَنَحنُ على توجُّعِه سُكوتٌ = كَأَنّا بَعضُ سكان الرِّجام([5])
رَعى اللَه البوير بِحَيث كانوا = وَجاد دِيارَهم صَوبُ الغَمامِ
([1]) سِجَامُ: سَجَمَ الدَّمْعُ والعينُ والماءُ، يَسْجُمُ سُجُومًا وسِجَامًا إِذَا سَالَ؛ "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2: 344).
([2]) معطوف على تَختضِب.
([3]) الذامُ: العيبُ، يُهمَز ولا يُهمَز، يُقال: ذَأَمَهُ يَذْأَمُهُ، إذا عابَه وحقَّره؛ "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" للجوهري (5: 1925).
([4]) الْقَتَامُ: الْغُبَارُ؛ "مختار الصحاح" لزين الدِّين الرازي (ص: 247).
([5]) الرِّجام: كالرِّضام، وَهِي صُخور عِظام أَمْثَال الجَزُور، ورُبَّما جُمِعَت على القَبْرِ لِيُسَنَّم؛ تاج العروس" للزَّبيدي (32: 220).
رد: سلسلة روائع القصائد: "أمتي" للشاعر:عمر أبو ريشة
أحب روائع أبى ريشة عمر فهل تكرمتم بنشر المزيد ورفع أعماله
رد: سلسلة روائع القصائد: "أمتي" للشاعر:عمر أبو ريشة
السلام عليكم أخي حفني إن شاء الله سأحاول تلبية طلبكم
قصيدة: يا شعب للشاعر: عمر أبو ريشة
سلسلة روائع القصائد
يا شعب
عمر أبو ريشة
يا شعب لا تَشْكُ الشَّقا = ءَ، ولا تُطِل فيه نُواحَك
لو لم تكن بيدَيك مجـ = ـروحًا لضمَّدْنا جِراحَك
أنت انتقَيت رجال أمْـ = ـرِكوارتقبْتَ بهم صلاحك
فإذا بهم يُرخون فو = ق خسيس دُنياهم وشاحَك
كم مرة خفروا عُهو = دك واستقَوا برِضاك راحَك؟!!
أَيسيل صَدرُك مِن جِرا = حتِهم وتُعطيهم سلاحك؟!
لهفي عليك؛ أهكذا = تَطوي على ذلٍّ جناحك؟
لو لم تُبح لهَواكَ علـ = ـياءَ الحياة لما استباحَك
قصيدة: المؤتمرلأمير الشعراء أحمد شوقي
سلسلة روائع القصائد:المؤتمر[1]
لأمير الشعراء أحمد شوقي
صَرحٌ عَلى الوادي المُبارَكِ ضاحي = مُتَظاهِرُ الأَعلامِ وَالأَوضاحِ
ضافي الجَلالَةِ كَالعَتيقِ مُفضَّلٌ = ساحاتِ فَضلٍ في رِحابِ سَماحِ
وَكَأَنَّ رَفرَفَهُ رواقٌ مِن ضُحىً = وَكَأَنَّ حائِطَهُ عَمودُ صَباحِ
الحَقُّ خَلفَ جَناحٍ اِستَذرى([2]) بِهِ = وَمَراشِدُ السُلطانِ خَلفَ جَناحِ
هُوَ هَيكَلُ الحُرِيَّةِ القاني لَهُ = ما لِلهَياكِلِ مِن فِدىً وَأَضاحِ
يَبني كَما تُبنى الخَنادِقُ في الوَغى = تَحتَ النِبالِ وَصَوبِها السَحَّاحِ
يَنهارُ الاِستِبدادُ حَولَ عِراصِهِ = مِثلَ اِنهِيارِ الشِركِ حَولَ صَلاحِ([3])
وَيُكَبُّ طاغوتُ الأُمورِ لِوَجهِهِ = مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ وَالأَشباحِ
هُوَ ما بَنى الأَعزالُ بِالراحاتِ أَو = هُوَ ما بَنى الشُهَداءُ بِالأَرواحِ
أَخَذَتهُ مِصرُ بكُلِّ يَومٍ قاتِمٍ = وَردِ الكَواكِبِ أَحمَرِ الإِصباحِ
هَبَّت سِماحًا بِالحَياةِ شَبابُها = وَالشَيبُ بِالأَرماقِ غَيرُ شِحاحِ
وَمَشَت إِلى الخَيلِ الدَوارِعِ وَاِنبَرَت = لِلظافِرِ الشاكي بِغَيرِ سِلاحِ
وَقَفاتُ حَقٍّ لَم تَقِفها أُمَّةٌ = إِلا انثَنَت آمالُها بِنَجاحِ
وَإِذا الشُعوبُ بَنَوا حَقيقَةَ مُلكِهِم = جَعَلوا المَآتِمَ حائِطَ الأَفراحِ
بُشرى إِلى الوادي تَهُزُّ نَباتَهُ = هَزَّ الرَبيعِ مَناكِبَ الأَدواحِ
تَسري مُلَمَّحَةَ الحُجولِ([4]) عَلى الرُبى = وَتَسيلُ غُرَّتُها بِكُلِّ بِطاحِ
الْتامَتِ الأَحزابُ بَعدَ تَصَدُّعٍ = وَتَصافَتِ الأَقلامُ بَعدَ تَلاحي
سُحِبَت عَلى الأَحقادِ أَذيالُ الهَوى = وَمَشى عَلى الضِغنِ الوِدادُ الماحي
وَجَرَت أَحاديثُ العِتابِ كَأَنَّها = سَمَرٌ عَلى الأَوتارِ وَالأَقداحِ
تَرمي بِطَرفِكَ في المَجامِعِ لا تَرى = غَيرَ التَعانُقِ وَاِشتِباكِ الراحِ
شَمسَ النَهارِ تَعَلَّمي الميزانَ مِن = سَعدِ الدِيارِ وَشَيخِها النَضَّاحِ([5])
ميلي اِنظُريهِ في النَدِيِّ كَأَنَّهُ = عُثمانُ عَن أُمِّ الكِتابِ يُلاحي
كَم تاجِ تَضحِيَةٍ وَتاجِ كَرامَةٍ = لِلعَينِ حَولَ جَبينِهِ اللَمَّاحِ
وَالشَّيبُ مُنبَثِقٌ كَنورِ الحَقِّ مِن = فَودَيهِ أَو فَجرِ الهُدى المِنصاحِ([6])
لَبَّى أَذانَ الصُلحِ أَوَّلَ قائِمٍ = وَالصُلحُ خُمسُ قَواعِدُ الإِصلاحِ
سَبَقَ الرِجالَ مُصافِحًا وَمُعانِقًا = يُمنَى السَماحِ وَهَيكَلَ الإِسحاجِ
عَدلي الجَليل اِبن الجَليلِ مِنَ المَلا = وَالماجِد ابنِ الماجِد المِسماحِ
حُلوُ السَجِيَّةِ في قَناةٍ مُرَّةٍ = ثَمِلُ الشَمائِلِ في وَقارٍ صاحِ
شَتَّى فَضائِلَ في الرِجالِ كَأَنَّها = شَتَّى سِلاحٍ مِن قَنا وَصِفاحِ
فَإِذا هِيَ اِجتَمَعَت لِمُلكِ جَبهَةً = كانَت حُصونَ مَناعَةٍ وَنِطاحِ
اللَهُ أَلَّفَ لِلبِلادِ صُدورَها = مِن كُلِّ داهِيَةٍ وَكُلِّ صُراحِ
وَزُراءُ مَملَكَةٍ، دَعائِمُ دَولَةٍ = أَعلامُ مُؤتَمَرٍ أُسودُ صَباحِ
يَبنونَ بِالدُستورِ حائِطَ مُلكِهِم = لا بِالصِفاحِ وَلا عَلى الأَرماحِ
وَجَواهِرُ التيجانِ ما لَم تُتَّخَذ = مِن مَعدِنِ الدُستورِ غَيرُ صِحاحِ
اِحتَلَّ حِصنَ الحَقِّ غَيرُ جُنودِهِ = وَتَكالَبَت أَيدٍ عَلى المِفتاحِ
ضَجَّت عَلى أَبطالِها ثُكُناتُهُ = وَاِستَوحَشَت لِكُماتِها النُزّاحِ
هُجِرَت أَرائِكُهُ وَعُطِّلَ عودُهُ = وَشَلا مِنَ الغادينَ وَالروّاحِ
وَعَلاهُ نَسجُ العَنكَبوتِ فَزادَهُ = كَالغارِ مِن شَرَفٍ وَسِمتِ صَلاحِ
قُل لِلبَنينِ مَقالَ صِدقٍ وَاِقتَصِد = ذَرعُ الشَبابِ يَضيقُ بِالنُصّاحِ
أَنتُم بَنو اليَومَ العَصيبِ نَشَأتُمو = في قَصفِ أَنواءٍ وَعَصفِ رِياحِ
وَرَأَيتُمو الوَطَنَ المُؤَلَّفَ صَخرَةً = في الحادِثاتِ وَسَيلِها المُجتاحِ
وَشَهِدتُمو صَدعَ الصُفوفِ وَما جَنى = مِن أَمرِ مُفتاتٍ وَنَهيِ وَقاحِ
صَوتُ الشُعوبِ مِنَ الزَئيرِ مُجَمَّعًا = فَإِذا تَفَرَّقَ كانَ بَعضَ نُباحِ
أَظمَتكُموُ الأَيّامُ ثُمَّ سَقَتكُمو = رَنَقًا مِنَ الإِحسانِ غَيرَ قَراحِ
وَإِذا مُنِحتَ الخَيرَ مِن مُتَكَلِّفٍ = ظَهَرَت عَلَيهِ سَجِيَّةُ المَنّاحِ
تَرَكتُكُمو مِثلَ المَهيضِ جَناحُهُ = لا في الحِبالِ وَلا طَليقَ سَراحِ
مَن صَيَّرَ الأَغلالَ زَهرَ قَلائِدٍ = وَكَسا القُيودَ مَحاسِنَ الأَوضاحِ
إِنَّ الَّتي تَبغونَ دونَ مَنالِها = طولُ اِجتِهادٍ وَاِضطِرادُ كِفاحِ
سيروا إِلَيها بِالأَناةِ طَويلَةً = إِنَّ الأَناةَ سَبيلُ كُلِّ فَلاحِ
وَخُذوا بِناءَ المُلكِ عَن دُستورِكُم = إِنَّ الشِراعَ مُثَقِّفُ المَلّاحِ
يا دارَ مَحمودٍ سَلِمتِ وَبورِكَت = أَركانُكِ الهرَمِيَّةُ الصُفّاحِ
وَاِزدَدتِ مِن حُسنِ الثَناءِ وَطيبِهِ = حَجَرًا هُوَ الدُرِيُّ في الأَمداحِ
الأُمَّةُ اِنتَقَلَت إِلَيكِ كَأَنَّما = أَنزَلتِها مِن بَيتِها بِجَناحِ
بَرَكاتُ شَيخٍ بِالصَعيدِ مُحَمَّلٌ = عِبءَ السِنينَ مُؤَمَّلٍ نَفّاحِ
بِالأَمسِ جادَ عَلى القَضِيَّةِ بِاِبنِهِ = وَاليَومَ آواها بِأَكرَمَ ساحِ
([1]) مؤتمر سياسي اجتمعت فيه كلمة الأحزاب السياسية المصرية على إنفاذ الدستور برياسة سعد زغلول باشا سنة 1926 (طبعًا مع الفارق، محمودالعيسوي)
([2]) استذرى: استظل.
([3] ) صلاح: اسم لمكة.
([4] ) الحجول: الخلاخيل.
([5]) النَضّاح: الرامي بالنبل.
([6]) المِنصاحِ: الخالص.
قصيدة سنمْضي للعلا (من نظمي)
سنمْضي للعلا
محمود العيسوي
سَنمْضِي للعُلاَ رَغْمَ الصِّعَابِ = ونَعْلُو بالهُدى فوقَ الضَّبابِ
وَنحمِل رايةَ الحقِّ المبينِ = لأمَّتنا، ونفتح كلَّ بابِ
ونُرجِع ما مضَى من مجدِ قوْمِي = ونرْفع أمَّتي فوق السحابِ
شبابَ المجد: هُبُّوا لا تكونوا = كساقِي القوم مِن برق السرابِ
شباب المجد: شدُّوا لا تَلينوا = لأفَّاك أثيمٍ ذِي ارتيابِ
شبابَ المجد: كُفُّو ا لا تَخُونوا = بتضييعٍ آماناتِ الكتابِ
شبابَ المجد: إيَّاكم فَإِنِّي = أُحذِّركم أَعاديَ كالذِّئابِ
شبابَ المجد: صِيحوا بالعُدوِّ = ولا تَهِنوا فأنتم أُسْد غابِ
تطاول ذِئبها عندَ العَرينِ = وكاد البُوم يفتِك بالعُقابِ
بصوتِ الحق يَبطُلُ كلُّ إفكٍ = ويَسكُت ذا الكذوبُ لدَى الخطابِ
شبابَ الصحوة الكُبرى: أفِيقوا = ففجْرُ الحق يُشرِق بالشبابِ
"صلاحٌ" بين أظهُركم سينمو = يُعيد القُدسَ مِن أيدي الكلابِ
يُوحِّدنا، ويغسِل عارَ قوْمي = ويَمْحو عنهمُ ذلَّ الرِّقابِ
فسِيروا في ربوعِ الأرْض، وامضُوا = لنشْر العِلم ضوء ُ العلم خابِ
أضِيئوا شعلةَ الإسلامِ فِينا = لتهديَنا طريقًا للصَّوابِ
عروس المجد للشاعر عمر أبو ريشة
سلسلة روائع القصائد:عروس المجد[1]
عمر أبو ريشة
يا عروسَ المجدِ تيهي، واسحَبي = في مَغانينا ذُيول الشُّهُبِ
لن ترَي حِفنَة رمل فوقَها = لم تُعطَّر بدِما حرٍّ أَبِي
درَج البغيُ عليها حقبَةً = وهَوى دون بُلوغ الأرَبِ
وارتَمى كِبْرُ الليالي دُونَها = ليِّن النابِ كليلَ المَخلَبِ
لا يموت الحق مهما لطمَت = عارضَيه قَبضة المُغتصِب
مِن هنا شقَّ الهُدى أكمامه = وتهادى موكبًا في مَوكِبِ
وأتى الدنيا فرقَّتْ طرَبًا = وانتَشتْ مِن عَبقِه المُنسكِبِ
وتغنَّت بالمُروآت التي = عرَفَتْها في فَتاها العَربي
أَصيَد ضاقَت به صَحراؤه = فأَعَدَّتْه لأُفْقٍ أَرحَبِ
هبَّ للفَتحِ فأدمى تحتَه = حافرُ المُهرِ جبينَ الكَوكَبِ
وأمانيه انتِفاض الأرض مِن = غَيهَبِ الذلِّ وذلِّ الغَيهَبِ
وانطِلاق النور حتى يَرتوي = كلُّ جَفنٍ بالثَّرى مُختَضبِ
حلمٌ ولَّى، ولم يُجرَح به = شرفُ المسعى ونبلُ المطلَبِ
يا عَروسَ المجدِ طال المُلتَقى = بعدما طال جوى المُغتَربِ
سَكرَتْ أجيالُنا في زَهوِها = وغفَتْ عن كَيدِ دَهرٍ قلَّب
وصحَونا فإذا أعناقُنا = مُثقلاتٌ بقُيود الأجنَبي
فدعَوناكِ فلم نسمَع سِوى = زفرَة مِن صَدرِك المُكتئِبِ
قد عرَفْنا مَهرَكِ الغالي فَلَمْ = نُرخِصِ المَهرَ ولم نَحتسِبِ
فحمَلْنا كلَّ إكليلِ الوفا = ومشَينا فوق هام النوَّب
وأرَقناها دِماءً حرَّةً = فاغْرِفي ما شئتِ منها واشرَبي
وامسَحي دمعَ اليتامى وابسَمي = والْمَسي جرحَ الحَزانى واطرَبي
نحن مِن ضعفٍ بَنَينا قوةً = لم تَلِنْ للمارِد المُلتَهِب
كم لنا مِن "ميسلون" نفضَتْ = عن جناحَيها غبار التعَبِ
كم نبَت أسيافُنا في ملعَب = وكبَتْ أَفراسُنا في ملعَبِ
مِن نِضالٍ عاثِر مُصطَخبٍ = لنِضال عاثر مُصطَخبِ
شرَف الوثْبَة أن تُرضي العُلى = غلَب الواثبُ أم لم يَغلِب
[1] - كتبها بعد انتصار أبطال سوريا على الفرنسيين وجلاء الغزاة المحتلين عن أرض الشام الطاهرة الأبية.
رثاء الأندلس لأبي البقاء الرندي
سلسلة روائع القصائد:رثاء الأندلس
أبو البقاء الرندي
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ = فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ = مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ = وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ = إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو = كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ = وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ = وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ = وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ = حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ = كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ = وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ = يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ = وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها = وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ = هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت = حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ = وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم = مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ = وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما = عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ = كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ = قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما = فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ = حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ = إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ = أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها = وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ = أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً = كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً = كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ = لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ = فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم = قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ = وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ = أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم = أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم = وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم = عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ = لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما = كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت = كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً = وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ = إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ