من فوائد التمهيد لشرح كتاب التوحيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه فوائد من التمهيد لشرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، للشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ، حيث قال في مقدمة الكتاب:
" فـ "كتاب التوحيد" كتاب عظيم النفع جدا، جدير بأن يعنى به عناية حفظ، ودرس، وتأمل؛ فالعبد محتاج إليه للعمل به، ولتبليغ ما فيه من العلم لمن وراءه من الناس في المسجد، وفي أي جهة أخرى.
والمقصود: أن مَن فهم هذا الكتاب فقد فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل يكون قد فهم جل مسائله وأغلبها.".
رد: من فوائد التمهيد لشرح كتاب التوحيد
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
سبق بيان أن التوحيد هو: شهادة أن لا إله إلا الله؛ ولهذا قال العلماء: إن العطف في قوله: " التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله " من عطف المترادفات.
ولكن هذا فيه نظر من جهة أن الترادف غير موجود، أعني: الترادف الكامل، لكن ترادف ناقص موجود فيكون هذا - إذًا - من قبيل عطف المترادفات التي يختلف بعضها عن بعض في بعض المعنى.
وقوله هنا: " باب تفسير التوحيد " يعني: الكشف والإيضاح عن معنى التوحيد، وقد تقدم أن التوحيد هو: اعتقاد أن الله - جل وعلا - واحد في ربوبيته لا شريك له، واحد في إلهيته لا ند له، واحد في أسمائه وصفاته لا مِثْل له، سبحانه وتعالى، قال -جل وعلا-: {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير}، وذلك يشمل أنواع التوحيد جميعا، فالتوحيد - إذًا - هو اعتقاد أن الله واحد في هذه الثلاثة أشياء.
قوله: "... وشهادة أن لا إله إلا الله " يعني: تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فهذه الشهادة هي أعظم كلمة قالها مكلَّف، ولا شيء أعظم منها؛ وذلك لأن معناها هو الذي قامت عليه الأرض والسماوات، وما تعبَّد المتعبدون إلا لتحقيقها ولامتثالها.
والشهادة تارة تكون شهادة عن حضور وبصر، وتارة تكون شهادة عن علم، بمعنى أنه: إما أن يشهد على شيء حضره ورآه، أو يشهد على شيء علمه، فهذان معنيان للشهادة. فإذا قال قائل: أشهد، فيحتمل أنها بمعنى: المشاهدة والرؤية ويحتمل أنها بمعنى العلم. ومعنى الشهادة في قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله، شهادة علمية؛ ولهذا تضمن قوله: أشهدُ، العلمَ.
والشهادة في اللغة، والشرع، وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ (شهد) كقـوله:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}. وكقوله: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} تتضمن أشياء:
الأول: الاعتقاد بما سينطق به، والاعتقاد بما شهده فكونه يشهد أن لا إله إلا الله يستلزم أنه اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة من علم ويقين؛ لأن الشهادة فيها الاعتقاد، والاعتقاد لا يسمى اعتقادا إلا إذا كان ثمَّ علم ويقين.
الثاني: التكلم بها، فالشهادة كما أنها تقتضي اعتقادا؛ فإنها تقتضي - أيضا - إعلاما ونطقا.
والثالث: الإخبار بذلك، والإعلام به، فينطق بلسانه، وهذا من جهة الواجب، ويخبر غيره بما شهد، وهذا من جهة (الشهادة).
فيكون معنى: أشهد أن لا إله إلا الله: أعتقد وأتكلم، وأعلم، وأخبر: بأن لا إله إلا الله. فافترقتْ بذلك عن حال الاعتقاد، وافترقتْ كذلك عن حال القول، كما افترقت - أيضا - عن حال الإخبار المجرد عن الاعتقاد، فلا بد لتحققها من حصول الثلاثة مجتمعة؛ ولهذا نقول في الإيمان إنه: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.